دور ألأب في التربية 35

أيضا . ولو سئل الطفل لماذا قمت بهذا العمل ؟ لأجاب : إن والدي قام به أيضا . وهذا بمثابة تحذير إلى ألآباء بضرورة مراقبة أقوالهم وسلوكهم .

الصفات المحيطية المنتقلة :

تنتقل جميع الصفات السلوكية من المحيط إلى الطفل سواء ما تعلق منها بشخصية ألأب أو بطبيعته ومواقفه حيال الظواهر والحوادث المختلفة أو عطفه وقساوته بل وحتى نوع المشي والكلام والعادات ألأخرى .
فلو جعل ألأب من محيط بيته محيطا منحرفا فإن تأثيراته ستنتقل بلا شك إلى طفله . أما لو كان محيطا سالما وخاليا من ألإنحرافات فإن الطفل سيقتبس تلك ألتأثيرات أيض لتتفاعل في داخله فينشأ عليها . ونظرا لأهمية هذا الموضوع فقد رفع علماء النفس الشعار التالي : قل لي عن طفولتك حتى أقل لك من أنت .
وللأب تأثيرات بيئية وفكرية عديدة . وهذا مصداق لمقولة : «ولد العالم نصف عالم» والشيء الذي نريد التأكيد عليه هنا هو أن هذه ألأمور لا تخلو من تأثيرات ، حتى أن الطفل الجاهل سيتعلم بعض القضايا عن وعي أو من غير وعي وذلك متى ما حضر في مجلس علم والده .
فألأفكار المختلفة والفلسفات والتقاليد وألآداب والفنون والقيم وألأخلاق والسلوك والعقائد الدينية والجرائم وألإنحرافات والمواقف السياسية وألإقتصادية وغير ذلك تؤثر في الطفل وفي بناء شخصيته وتحديد سلوكه .

أهمية دور ألأب :

وهكذا نعرف أن للأب دورا مهما في حياة طفله الحالية والمستقبلية . ويقول الخواجة نصير الدين الطوسي : إن ألأب هو السبب ألأول لوجود ألإبن ثم سيكون سببا لتربيته وكماله .
فللأب تأثيرات وراثية ومحيطية مصيرية تدخل في بناء الطفل . وإن سلوكه إسوة وقوله حجة وإباءه مؤثر وجرأته مفيدة وهيبته بناءة . ويهب وجود ألأب الدفء والنشاط في محيط العائلة.

دور ألأب في التربية 36

كما أن تعامل ألأب وإلتزامه وعطفه أو قساوته وصلابته أو إنهياره وثقته بنفسه تمثل درسا للطفل ، وتؤثر كرامة ألأب في الطفل بمستوى ما تؤثر فيه السلامة والصحة . فألأسرة ـ وخاصة ألأب ـ هي المسؤولة عن كرامة الطفل ونزاهته وترفعه عن الموبقات وعدم التلوث بها .

ضرورة الحذر وألإهتمام :

نفهم من خلال هذه ألأهمية لماذا لا يحق للجميع ألإنجاب رغم حقهم في الزواج . فألإنجاب هو موضوع مهم ومسؤولية عظيمة في نفس الوقت تحتاج إلى كفاءة ومهارة خاصة لا بد من توفير المقدمات لها .
ويقف ألإنسان من خلال الزواج وألإنجاب امام إمتحان عسير يؤدي به إلى السعادة أحيانا ويسقطه في مستنقع الشقاء والعذاب في أحيان أخرى . وسوف ننال العقاب ألإلهي فيما لو قصرنا في هذه المسؤولية والوديعة ألإلهية .
قلنا سابقا أنه لا بد من الحذر وأنه ضروري جدا منذ مرحلة إختيار الزوجة وأداء حقها ومعاشرتها وحتى مرحلة تكون الجنين وولادته ومن ثم تربيته . ولا بد من ألإستعانة بالباري جل وعلا ليعيننا على أداء هذه المسؤولية العظيمة .
يجب علينا بعد أن أصبحنا آباء أن نعرف دورنا ومسؤوليتنا بشكل جيد ونحاول أداء وظائفنا على أحسن ما يرام . ولا يمكننا ــ كآباء ـ أن نلغي دورنا المصيري ولا بد من الحذر ومراعاة جميع التفاصيل في موضوع التربية لأثرها الكبير . لقد قيل بشأن تفسير ألآية «عَلِمتْ نَفسٌ ما قدَّمَتْ وأخَّرَتْ»(1)أن الولد يمثل إدخارا ، وله دور بارز في خير ألأب وشره ، حتى بعد مماته ، وأنه سيجلب لوالده اللعنات بعد موته لو لم يرب تربية صالحة ، إذ ستنسب بعض آثار هذا الولد التربوية إلى والده .

(1) سورة ألإنفطار : آية 5 .
دور ألأب في التربية 37


كيفية ألإرتباط :

إن سر السعادة والكرامة يكمن في كيفية ألإرتباط . وقد حدد ألإسلام المعالم العامة وألأبعاد المختلفة لإرتباط ألأب بولده وذكر أصولا في التعامل مع الولد ذكرا كان أم أنثى . فالولد عزيز على ألأب ولا بد أن يحترمه ، ولكن هذا لا يعني التغافل عن تربيته أو التسامح في بنائه .
يجب علينا أن نهتم بالطفل حتى ينشأ سالما ونزيها ويكون صالحا لخدمة مجتمعه . فألأولاد فلذات أكباد ألآباء وألأمهات ، ويتعين على ألأب حماية طفله من ألأخطار المختلفة وبناؤه جيدا لأنه مسؤول أمام خالقه .
ويجب أن تقوم العلاقة على التفاهم وألإلفة من أجل صلاح الطفل وخيره ورشده ، وعلى العطف والقوة أيضا والصبر والتحمل والتدبير والتفكير والترغيب والترهيب ، وتوفير القدوة الصالحة وبالتالي إستخدام كل ما من شأنه أن يساعد في تربية هذا الولد وبنائه بناء جيدا يؤهله لإتخاذ موقعه بين أوساط ذلك المجتمع.
ويحتاج هذا العمل إلى الشعور بالمسؤولية وألإندفاع برغبة إضافة إلى الكفاءة والمهارة الخاصة .

دور ألأب في التربية 38

الفصل الخامس
تصوّر الطفل لوالده


التصور وألإرتباط بألأب :

يرتبط الطفل بأمه منذ ولادته وطفولته إرتباطا شديدا ويحمل تصورا عنها بأنها هي التي تحقق آماله وأحلامه ، ويسعى لينظر إلى دنياه من خلالها ويتعلم منها ويبذل في سبيلها ويفتديها .
ويدخل ألأب إلى عالم الطفل منذ الشهر الثاني ليشغل حيزا من ذهنه وتصوره . وينمو الطفل ويحيط علما تدريجيا بألأدوار المتعددة لوالده . فهو سيدرك أن هذا الوجه الجديد هو والده وملاذه ومعينه ومرشده ومعلمه وقائده وألأهم من ذلك فإنه رازقه .
صحيح أن دور ألأب لا يقل عن دور ألأم في بعض الموارد ، لكنه يمكننا ملاحظة الدور المهم والبناء للأب من خلال ما ذكرناه . فهو يجسد ألإحساس والعقل والعلم في ألأسرة وينظر الطفل إليه من خلال هذا المنظار .

التصورات ألأخرى :

عندما يكبر الطفل تدريجيا فإنه يبدأ بتمييز ألأدوار المختلفة لأعضاء أسرته وينتظر من كل واحد ما يناسب دوره . فمثلا ينظر إلى والده بأنه مثالا للعلم وألإقتدار والعدل وتنفيذ القانون ، وينظر إلى أمه بأنها تمثل الحب والعاطفة والحنان . وعليه أن يلجأ إلى أبيه فيما لو شعر بالخطر ، وإلى أمه فيما لو شعر بحاجته إلى الحنان .

دور ألأب في التربية 39

وقد يتحلى ألآباء بموجب طبائعهم وأخلاقهم بصفات كالعطف ، والقسوة مما سيحمل ألأطفال نفس هذا ألإنطباع عنهم . أو قد تتغير الطبيعة فتؤدي إلى تغير إنطباع الطفل أيضا .
وتختلف تصورات ألأطفال عن آبائهم بإختلاف العلاقة والتعامل ويحكمون على آبائهم من خلال ما يحملون من تصورات حيث يدخل في ذلك نوعية العلاقات والفترة الزمنية التي يحددها ألأب لأسرته وأطفاله ومدى أنسهم به .
ولا بد أن نشير إلى هذه الملاحظة وهي أن الطفل يرغب دائما أن يكون والده ـ سواء شاهده أو لم يشاهده ـ كما يجب ملهما له ومعينا ومرشدا ليرسم في مخيلته تصورا خاصا عنه .
ويحاول الطفل ألإستئناس والتسلي بهذه التصورات ، وحري بألأب أن يقدم لولده المبادئ وألأصول حتى تكون تصوراته بناءة وإيجابية.

الوجه البارز في ألأسرة :

ينظر الطفل إلى والده من خلال أنه الوجه البارز في ألأسرة وله مكانة خاصة في ذهنه ونفسه ويهتم بما يقوله أو يفعله . فهو يعتبره ألأعلم وألأقوى وألأجمل من بين جميع الكائنات ويتمنى أن يكون مثله ويلجأ إلى تقليده عادة .
ينتبه الطفل عندما يبلغ عامين أو ثلاثة إلى ابيه ويبذل جهودا في سبيل إظهار إحترامه له ويلتزم بحده ولا يتجاوز . ويعود السبب في ذلك لكونه يحمل تصورا عن والده بأنه شخصية عظيمة تمتاز بالعقل ولا يمكن لأي إنسان أن يبلغ شأنه .
ويعجب الولد بأبيه لأقتداره ، ويكون قدوته في حياته ، ويقف بكامل قوته أمام أي طفل يحاول النيل منه ويدافع عنه ، ولا يمكنه أن يصدق أبدا بوجود من هو أهم منه في المجتمع . وهذه نظرة عميقة حتى لو لم يكن ألأب بمستواها .
يتعامل الطفل مع أبيه في البيت تعاملا رسميا بسبب هذا ألإحساس

دور ألأب في التربية 40

ويراعي ألأدب ويضعه حائلا بينه وبين ابيه بينما نراه يتصرف بحرية كاملة مع أمه . وقد يلجأ أحيانا إلى ألإرتباط بأبيه عن طريق أمه .

التشبّه بألأب :

يسعى الطفل كثيرا إلى التشبه بوالده وذلك للأهمية التي يضعها للأب ولسلوكه البطولي . ويعتقد علماء نفس الطفل أن الذكور (3ـ 6 سنوات) يعتبرون آباءهم مثالا لا بد أن يقتدى به دائما وأن قداسته لا يمكن مسها أبدا حتى يصل بهم ألأمر أحيانا إلى ألإفراط .
فالطفل ينظر إلى أبيه أنه مصدر القوة إذ يمكنه أن يستخدم قوته وقدرته في مجالات عديدة ، وأن يحقق أحلامه وأمنياته ويحميها ، وينبغي أن يحسب له ألف حساب ويعتمد على قوته في الحياة ، وأنه الخبير والمدافع عن أمن ألأسرة ويتمنى الطفل كثيرا أن يكون مثله .
كما يهوى الطفل كثيرا التشبه بأبيه فيحقق شخصيته ومكانته عن هذا الطريق ليلفت أنظار ألآخرين إليه لينال مديحهم فيشعر بالفخر جراء ذلك .

ألأب وتوفير الحاجات :

ينظر الطفل إلى ألأب على أنه الرازق الذي يوفر حاجات ألأسرة . فعيون أعضاء ألأسرة شاخصة إلى يديه وتترقبه في الليل لتشاهد ماذا يحمل فيهما أو في حقيبته .
إنه مسؤول عن شراء الملابس وألأحذية والخبز والحلويات إلى أطفاله ، وأن يوفر لهم بيئة مناسبة وأرضية جيدة للنشوء .
وأن يحقق جميع المستلزمات الحياتية ألأخرى كي يتربى الطفل في كنفه أفضل تربية . فقد جاء في حديث عن الرسول ألأكرم (ص) قوله : «يحسبون أنكم ترزقونهم».
وتترسخ هذه الفكرة في ذهن الطفل أكثر فأكثر كلما زاد سنه ، ويحمل الحدث تصورا عن أمه بأنها مصدر للحب والحنان والعطف فقط وأن ألأب هو الذي يؤمن مستلزمات المعيشة من المأكل والملبس وغير ذلك ويحقق

دور ألأب في التربية 41

ألإنضباط . فألأم تشبع حاجته إلى الحنان بينما يلبي ألأب حاجاته ألأخرى .

ألأب وتوفير ألأمن :

يحمل الطفل إنطباعا عن والده بأنه القادر دون غيره على توفير ألأمن لأسرته . ولا بد من اللجوء إليه وطلب حمايته عندما يتعرض هو أو باقي أفراد ألأسرة لخطر معين .
وينال ألأب مديح الطفل لأنه ألأقوى في ألأسرة والذي يقوم بتوفير حاجاته ، ولا يحق لأي مخلوق في ظل تواجد ألأب أن يتعدى على حقوق ألأسرة وحريتها أو يتطاول للنيل من كرامتها . ويشعر الطفل من خلاله بالقوة فيمشي مرفوع الرأس متكلا عليه .

ألأب مصدر للعلم والفكر :

يرتبط الطفل بواسطة أبيه بالعالم المحيط به . فهو مصدره في العلم والمعرفة . ويعتقد ـ مغاليا ـ بأنه يعرف كل شيء ويحمل تصورا عنه بأنه ألأفضل وألأعلم وألأكثر ثقافة بين الناس حتى لو كان ألأب أميا في حقيقته . ويبقى هذا التصور حتى ذلك اليوم الذي يدرك فيه الطفل معنى العلم والدراسة والمدرسة .
يتصور الطفل أن والده عليم بجميع القواعد والمبادئ ويدرك ماذا عليه أن يفعل والمواقف التي لا بد أن يتخذها . فهو لا يمكنه أن يفرق بين والده وبين عالم ديني أو بروفسور . لذا نراه يدافع عن علمه ومعرفته . ولهذه الصفات يحب الطفل والده ويرغب دائما أن يكون إلى جانبه ويفتخر أمام ألآخرين بعظمته وأهميته ، ويشعر بألإستقرار والسكن إلى جانبه لأنه يحقق له الخير الكثير .
كما أننا نرى الذين يحملون وجهات نظر سلبية عن آبائهم كيف يتعصبون لهم ويمتدحون أفكارهم عدا أولئك الذين وصلوا مرحلة البلوغ

دور ألأب في التربية 42

لشعورهم بألأفضلية على غيرهم فقد يلجأون أحيانا إلى إستصغار آبائهم وإحتقارهم .

تحذير إلى ألآباء :

رغم ما قيل عن إيجابيات ألآباء ودورهم البناء إلا أنه قد ينظر إليهم ألأبناء أحيانا نظرة سلبية فيكرهونهم ، وذلك عندما يفشل ألأب في التعامل مع ولده ويحتقر نفسه .
يلجأ بعض ألآباء إلى التعامل من موقع القوة وأٌلإقتدار فقط مع أولاده وذلك لكي يخشونه ويهابونه ، وقد يستخدمون العنف أحيانا ويحطمون شخصية الولد أمام أصدقائه .
إننا نعلم أن ألآباء لا يعادون أولادهم وإنما يلجأون إلى هذه ألأساليب من أجل خيرهم وصلاحهم ، ولكن الطفل لا يستسيغ هذه ألأساليب أبدا .
وهذا هو سبب العديد من المشاكل القائمة بين الوالدين وأولادهما خاصة عندما يكونوا في سني ألأحداث والبالغين ، إذ يشعر الولد أنه أصبح قويا مقتدرا ولا ضرورة للتنازل لوالده أو ألإستسلام لأفكاره وإنه محق في تصرفاته ولم يرتكب أي ذنب أو خطأ ولا بد أن يعارض والده .
ينبغي على ألأب أن يمارس دوره بشكل يجعل الطفل يؤمن بعدالته وعطفه ، وهذا يتطلب أن يراقب ألأب دائما تصرفاته وأعماله ، كما وعليه أن يدرك أن أفضليته على والده إنما تعود لعلمه وقابليته ومد يد العون إليه . لا إلى قدرته وقوته .

الحفاظ على مكانة ألأب :

حري بألأب أن يقيم علاقاته مع ولده على أساس ألإحترام والقبول والحفاظ على مكانته ومنزلته وذلك حتى لا يفقد دوره ويكون قادرا على أداء مسؤولية ألأبوة . ولا بد أن يحذر مغبة الخطأ في عمله ، ولو حصل ذلك ـ لا سمح ألله ـ كقيامه بضرب ولده دون أي مبرر ، فعليه ألإعتذار منه وكسب ودّه من جديد .

دور ألأب في التربية 43

وينبغي على ألأب أن يحافظ على قدسيته وشخصيته أمام طفله . كما يجب عليه أن يفرق بين رغباته وأهوائه وبين ما يريده الطفل . وأن لا يصب مشاكله وعقده على رأس طفله لما لذلك من التأثيرات السلبية على مستقبل الطفل . فالطفل ينظر إلى والده على أنه مصدر للقوة لكنه ينتظر منه أن يستخدم قوته في طريق خيره وصلاحه . لذلك يجب على ألأب أن يتعامل مع ولده بشكل يجعله ينتظر لقاءه بفارغ الصبر لا أن يفر منه ويكره لقاءه ، وهذا يرتبط بألأب وبما أوتي من فن في هذا المجال .

دور ألأب في التربية 44




دور ألأب في التربية 45

الباب الثاني

وظائف ألأب ألأساسية

إن حديثنا في هذا الباب هو عن المسؤوليات والوظائف المهمة للأب والمؤثرة على أسرته وخاصة ألأطفال . وسوف نشير إلى هذا الموضوع من خلال أربعة فصول :
إذ سيختص أحد الفصول بالحديث عن إدارة العائلة وتحديد هيكيلية هذه الإدارة .
إننا نعتقد أن ألأب هو القائد ، وعليه أن يرسم فلسفة الحياة وينظم الوظائف ويقسمها ، ويعين البرامج المختلفة ، وينظم ألأوقات وألإهتمامات ، ويحدد قواعد ألإنضباط ويراعيها . ولا بد أن تسير إدارة ألأب تجاه صلاح ألأطفال .
أما الفصل ألآخر فيرتبط بتوفير المستلزمات . فألأب يوفر حاجات الطفل وعليه أن يبذل جهده في سبيل توفير المستلزمات الضرورية . وإن بذل الجهد في هذا المجال هو من ضروريات الحياة والتسامح في ذلك يؤدي إلى ظهور أعراض وأخطار عديدة . وينبغي على ألأب أن يفكر بالمرحلة التي تلي موته أيضا .
ويتحدث الفصل الثالث من هذا الباب عن توفير ألأمن للطفل وتقع هذه المسؤولية على عاتق ألأب طبعا .
وقد خصصنا فصلا منفردا لهذا الموضوع ، لأهميته القصوى وتأثيره

دور ألأب في التربية 46

على البناء الجسمي والنفسي وألأخلاقي والعاطفي وألأمراض والمشاكل التي ستظهر فيما لو فقد هذا ألأمن .
وأخيرا فقد إختص الفصل الرابع بالحديث عن مسؤولية التربية وسوف نوضح في هذا الفصل أن التربية هي حق من حقوق الطفل ولا بد للوالدين من أدائه . ويقع على ألأب الجانب ألأكبر من هذه المسؤولية ، وينبغي عليه أن يؤمن بأهداف خاصة في هذا الطريق وأن يتبع برنامجا وأسلوبا معينا من أجل القيام بهذه المسؤولية.

دور ألأب في التربية 47

الفصل السادس
إدارة الحياة الأسرية


الحاجة إلى النظام :

تحتاج المؤسسات المختلفة إلى نظام وقانون خاص تدير بواسطته نفسها من خلال إلتزام جميع ألأفراد بهذا القانون بشكل أو بآخر . ويعي جميع ألأفراد مسؤولياتهم طبقا لهذا القانون أيضا ويقدمون على أحسن وجه .
ويتفاوت هذا النظام طبقا للمجتمعات المختلفة . ونحن ـ كمسلمين ـ نعلم جيدا ما هي الحدود وألأدوار التي رسمها القرآن الكريم وحددتها السنة والنبوية الشريفة للوالدين وألأولاد.
وحدد ألإسلام القاعدة التي يجب أن يقوم عليها بناء العائلة وأشار بوضوح إلى دور الرجل والمرأة والمسؤوليات الملقاة على عاتقهما في ألأسرة والواحدة . كما حدد أيضا حقوق جميع أفراد ألأسرة الواحدة . وسوف نشير إلى بعض منها في السطور القادمة إن شاء ألله . والشيء المهم هو ضرورة قيام ألأب بإطلاع أفراد أسرته على الوصايا والتعاليم وحثّهم على رعايتها .

قيادة ألأب :

تحتاج ألأسرة ـ عقليا ـ إلى قائد وحاكم ينفذ القوانين ويحمي مصالحها ويفرض سيطرته عليها . ولا يصلح لهذه المهمة سوى ألأب ، (فالرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها) رسول ألله (ص) .
فألأب هو أفضل ملاذ للطفل وهو الذي يتخذ القرارات ويقوم بالتوجيه

دور ألأب في التربية 48

والبناء والتنفيذ ، إنه ملجأ لأفراد أسرته والمسؤول عن ألإنفاق والمشرف على إلتزامها ، والعقل المفكر للأسرة وقوتها وإقتدارها ، وهو الذي يوفر لها ألأمن .
ينظر ألأطفال إلى ألأب نظرة لاشعورية أنه يمثل القانون وأنه سبب إقتدارهم ، وذلك دون أن يتدخل ألآخرون في تحقيق هذه النظرة . كما وينظرون إليه أيضا على أنه المرشد والحامي والمراقب ، وأنه مصدر الخوف والغضب ، وألأمن والحب في نفس الوقت .
إنه رب ألأسرة ومديرها الذي يعرب عن رأيه بشكل مستقل ويتخذ القرارات المناسبة .

الخطوط العامة لقيادته :

ثمة وظائف أساسية ينبغي على القائد ألأب ألإهتمام بها وأداؤها علما أن هذه الوظائف تختلف بإختلاف طبقات المجتمع الواحد والمجتمعات ألأخرى :
1 ـ البناء الفكري : فألأب هو العنصر الذي يضع أسس البناء الفكري للأسرة ويحدد نظام القيم الذي يتحكم بألأفراد . وقد يكون للأم رأي في هذا المجال أيضا ، وعندها لا بد من الدمج بين الرأيين .
ويمثل ألأب في الحقيقة القائد الديني للأسرة ، وقد أكد ألإسلام كثيرا على هذا ألأمر ، فهو الذي يبني القاعدة المعنوية وألأخلاقية للأسرة ويشرف على المسائل الدينية وألإعتقادية . وهو الذي يأمر ابناءه بالصلاة «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة» والصدق والتضحية والفداء ، ويشرف كذلك على زوجته وأولاده ويوجههم نحو الطريق القويم . وما المواقف التي يتخذها ألأولاد إزاء الحوادث والوقائع المختلفة إلا إنعكاس لهداية ألأب وتوجيهاته .
2 ـ تنظيم الوظائف وتقسيمها : يتبنى ألأب في محيط أسرته عملية تنظيم مختلف ألأمور . فهو يحدد برنامج النوم واليقظة ، وتناول الطعام واللعب ، والسفر وألإستجمام ، وهو الذي يرسم مسؤوليات أفراد ألأسرة في

دور ألأب في التربية 49

البيت والمسؤول عن المشتريات ، والذي يجلب الطعام ، ويعتني بأساس المنزل وزهور الحديقة وغير ذلك .
ويتحدد إعتبار ألأب في جانب منه على ضوء هذا التنظيم وتقسيم الوظائف بحيث لا يسمح لأي فرد أن يتعدى الحدود المرسومة له .
3 ـ تنظيم العلاقات : يقوم ألأب بعملية تنظيم للعلاقات وتحديدها . فهو ينظم علاقة ألأخ بأخته والكبير بالصغير وعلاقات ألأسرة بألأصدقاء وألأقرباء . فهل يحق للأخ أو ألأخت الكبيرة ألأمر والنهي ؟ وهل تجب لهما الطاعة ؟
كما ويشرف ألأب أيضا على الممارسة الجيدة لهذه العلاقة ، ويمنع ألأخطاء والتجاوزات سيما قيام أي فرد من أفراد ألأسرة بفرض رأيه على ألآخرين ، أو أن يستغل قوته فيكون عنيفا مع الضعفاء . عندها سينال جزاءه من ألأب الذي يقف بالمرصاد لكل متجاوز .
4 ـ رسم برنامج الحياة : تحتاج كل أسرة إلى برنامج خاص من أجل ثباتها وإستقرارها بشرط أن يلتزم جميع ألأعضاء به . ولا بد أن يكون هذا البرنامج بناء وهادف لتحقيق مصالح ألأسرة الحالية والمستقبلية .
ويجب أن يستخدم ألأب تجاربه وعقله ويستعين بخبرات ألآخرين في سبيل نجاح هذا البرنامج وتحقيق نتائجه . ولا بد أن يشتمل هذا المخطط على كل ما تحتاج إليه ألأسرة من قضايا التسلية وألأمور ألأخرى التي تؤدي إلى بنائها ورشدها وتزرع ألألفة والتفاهم بين أفرادها . وينبغي أن يراعي هذا البرنامج السن وألإدراك والفهم والطاقات البدنية .
5 ـ تنظيم الوقت : قلنا سابقا أنه تقع على ألأب مسؤولية كبيرة في تنظيم برنامج أفراد ألأسرة . ويحدد للأطفال ـ خاصة الذين يدرسون في المدارس ـ أوقات الدراسة واللعب ومصاحبة ألأصدقاء .
فالهدف من تنظيم الوقت هو لترتيب الحياة المعيشية للأسرة وبنائها مما يحتاج إلى سياسة خاصة لكي لا يستثمر الطفل مثلا جل وقته في اللعب واللهو ويترك دراسته ، أو أن يتفرغ بشكل كامل لعملية الدراسة والمطالعة ويترك بناءه الجسمي والنفسي والعاطفي .

دور ألأب في التربية 50

6 ـ المراقبة وألإهتمام : يعتبر ألأب ملاذ الطفل وملجأه . صحيح أن ألأم ترغب بإسعاد ولدها ويحق لها ذلك ، لكن مسؤولية الهداية والتوجيه فيما لو حدث أي إنحراف أو خطأ تقع على ألأب.
وسبب هذا الدور هو لمسؤولية ألأب في مراقبة ألأسرة وألإهتمام بها . ويجب عليه أن يدفع عنها ألأخطار الجسمية وألأخلاقية والمعنوية . وهذه مسؤولية كبيرة ومهمة في نفس الوقت وتحتاج إلى جهود عظيمة لا يستطيع تحقيقها إلا ألأب رغم صعوبتها .
جاء عن ألإمام الصادق (ع) قوله :
لما نزلت هذه ألآية «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا»(1)جلس رجل من المسلمين يبكي وقال : أنا قد عجزت عن نفسي وكُلّفتُ أهلي ، فقال رسول ألله (ص) : حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك .
7 ـ المحافظة على ألإنضباط : إن ألأب هو المسؤول عن إلتزام ألأسرة وإنضباطها ، ويجب عليه أن يعلم ولده إطاعة القوانين وألإلتزام بها . ولا بد له أن يتعاون مع زوجته وأن يدعمها من أجل تحقيق ألإنضباط المطلوب .
وللأم دور مهم في هذا المجال وذلك لتأثير شخصيتها وسجاياها على ألأولاد . لكن دور ألأب يفوق عدة مرات دور ألأم لأنه رب ألأسرة وسيدها . ويفهم ألأفراد في ظله معنى القانون .
فالطفل ينتظر من أمه الحب والعطف والحنان وينتظر من أبيه تحقيق العدالة وألإلتزام بالقانون ، وهذا هو السبب في بروز دوره المهم ، إذ أنه الوحيد القادر على إصلاح طفله ومراقبة تصرفاته .

الهدف من إدارة ألأسرة :

فألأب هو سيد ألأسرة ولكن لا يعني ذلك أن يمارس رئاسته فقط ، أو

(1) سورة التحريم : آية 6 .
دور ألأب في التربية 51

أن يستغل ذلك لتفريغ عقده ، إنه رب ألأسرة وسيدها بشرط أن يوجه ألأطفال نحو الرشد والبناء الخلقي والعاطفي والإنساني .
ويجب على ألأب أن يوفر الظروف المناسبة التي يحتاجها الطفل لتكامله ، وأن يدعم ثقة الطفل بنفسه ويفسح المجال أمام حريته المشروطة ويكشف عن طاقاته الكامنة حتى يتمكن من بناء مستقبله بشكل جيد في ذلك المجتمع .
فعندما يقال أن الولد سر أبيه ، فذلك يعني أن يقوم ألأب بواجبه في مجال ألإهتمام بهذا الطفل وبنائه . وإنها لخيانة ان يترك ألأب ولده أو أن يفرط ويتسامح في بنائه ورشده في مختلف المجالات .
حتى يحقق ألأب وظيفته :
إن ممارسة وظيفة ألأبوة لهي مسؤولية خطيرة للغاية لحاجتها إلى الوعي والصبر والتضحية . فقد جاء عن الرسول ألأكرم (ص) قوله : «الرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ».
فهو مسؤول عن تحقيق الثقة بين أفراد أسرته ووقايتهم وألإهتمام بهم حتى لا ينحرفوا ، وتوفير المناخ الملائم للشعور بألإستقلال والحرية ودرء ألأخطار عنهم .
وينبغي على ألأب أن يفكر بتربية أولاده وهم لا يزالون في رحم ألأم حتى لا يشعر هذا المولود الجديد بالتيه بمجرد ولادته فتواجه المشاكل .
ويجب عليه أن يشعر برغبة وميل شديدين بهذا الشأن ويهيء نفسه للمرحلة الجديدة التي ستبدأ بعد ولادة الطفل .

السابق السابق الفهرس التالي التالي