دور ألأب في التربية 52

الفصل السابع
توفير الحاجات


ألإنسان والحاجة :

يحتاج ألإنسان إلى أمور عديدة وكثيرة ويرتبط كدحه وتحركه وحياته ومماته بهذه الحاجات . فهو محتاج في كل لحظة من لحظات حياته ، وإنه سيموت حتما فيما لو توقفت دقات قلبه للحظات قليلة أو بقي الزفير في رئتيه ثوان ولم يفرغها عنه .
وألإنسان كائن فقير أيضا، فمن يستطيع أن يقول أنه لا يحتاج إلى المأكل والملبس والمسكن أو أنه قادر على العيش بدون هذه ألأمور أو أنه قادر على توفيرها بمفرده ؟ فألإنسان مرتبط بحاجاته ولا يمكن الفصل بينه وبينها أبدا .
وتتفاوت الحاجات بموجب ألأعمال المختلفة وينبغي على المربي أن يتعرف عليها وعلى حدودها وكيفيتها وأن يوفرها للأطفال حسب أعمالهم ومستوياتهم . وهذا موضوع مهم للغاية لإرتباطه بشخصية الطفل وسلامته جسميا ونفسيا .

أنواع الحاجات :

تتنوع الحاجات وتتعدد ولا يمكننا عدها وإحصاءها في هذه السطور القليلة وبحث كل واحدة منها بشكل منفصل . وسوف نشير فيما يلي إلى تقسيم عام لهذه الحاجات وفق التسلسل التالي :
1 ـ الحاجات الحياتية ـ الجسمية: وتشمل الحاجة إلى الطعام والنوم

دور ألأب في التربية 53

وألإستراحة والملبس والحركة والنظافة والسكن والعمل وإكتساب التجارب والخبرات وغير ذلك .
2 ـ الحاجات العاطفية : وتشمل الحاجة إلى الحب وألإحترام والتكريم وألإشادة والمواساة والتودد وألإهتمام والبكاء والحزن والسرور والنشاط.
3 ـ الحاجات النفسية : وتشمل الحاجة إلى الدعم وألأمان والنجاح وإبراز الذات وعزة النفس والثقة بالنفس وحب التطلع والحاجة إلى الصحة النفسية .
4 ـ الحاجات ألإجتماعية : وتشمل الحاجة إلى ألإرتباط والمعاشرة والصداقة والمشاركة في الحياة الإجتماعية والتقليد . وكذلك الحاجة إلى القانون والنظم وألأدب والأخلاق.
5 ـ الحاجة إلى البناء والرشد : وتشمل الحاجة إلى الذات والوعي والهدفية والدعاء والتضرع والعدل وألإستقلال والحرية والبناء والتكامل والدفاع .
وثمة حاجات أخرى تخص ألأطفال والمصابين بالعاهات والمتخلفين عقليا كحاجة اليتيم والمعلول والمتخفل عقليا وألأطفال ذوي الذكاء الخارق وغيرهم .

دور ألأب في توفير الحاجات :

تقع على عاتق ألأب مسؤولية توفير معاش ألأسرة وهو المتكفل برزقها . وفي مجال توفير الحاجات ألأخرى فإما أن يكون ألأب هو السبب المباشر في توفيرها أو أن يوفر ألأجواء الملائمة حتى يقوم ألأطفال وبقية أفراد ألأسرة بتوفير حاجاتهم .
وتقع المسؤولية في جميع هذه ألأحوال على الأب . ويحتاج أفراد ألأسرة إلى مساعدته ودعمه ، ويجب أن يكون ملاذهم ومرشدهم نحو حياة آمنة وسعيدة .

دور ألأب في التربية 54

فألأب سيد ألأسرة ومديرها ، والمدبر في نفس الوقت ، ويمكنه أن يوفر سعادة الجميع وراحتهم من خلال إستخدام عقله وثقافته وتسخير كافة ألإمكانات المطلوبة لتحقيق هذا الغرض . وسوف يشعر الطفل باليأس فيما لو تقرر مقارنة والده مع بقية ألآباء فوجده متقاعسا ولا مباليا . إذ سيسيطر عليه الغم والحزن .
ولا يفوتنا أن نشير إلى ألأم أيضا ودورها في توفير حاجات الطفل خاصة في المجال العاطفي لإعتماده الكبير عليها ، ولكن الدور الكبير والنهائي هو للأب ، وإن ألأطفال ينظرون إليه نظرات يعتبرونه فيها السبب دائما في حدوث أية مشكلة أو ظهور أي نقص .

جهود ألأب في توفير الحاجات :

وهكذا نرى أن ألأطفال ينتظرون من ألأب توفير حاجاتهم وتأمينها على أحسن وجه . ويعتمد تقييم ألطفل لأبيه على قدرته في توفير تلك الحاجات . وغالبا ما يلجأ إلى المقارنة بينه وبن ألآخرين طبقا للجهود التي يبذلها ، ويحاول ألإستفسار من هذا وذاك كي تكتمل عملية المقارنة.
يجب على ألأب أن يوفر الحياة المعاشية لأسرته وأن لا يتوانى في هذا الطريق ( لا تكسلوا في طلب معايشكم فإن آباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها ) . إنه مسؤول عن شراء الفاكهة لعائلته ( ولا تكون فاكهة إلا أطعم عياله منها) . ولا بد أن يوسع على عياله حتى ينال رضا ألله (أرضاكم عند ألله أوسعكم على عياله ) . ولهذه التوسعة فائدة نفسية وهي أن يدعى له بطول العمر ولا يتمنون موته (ينبغي للرجل أن يوسع على عياله حتى لا يتمنوا موته) .
وبشكل عام ، يجب على ألأب أن يوفر حاجات ولده خطوة فخطوة ، يرافقه ويعينه حتى يتمكن من الوقوف على قدميه وتوفير حاجاته بنفسه ، وسوف يشعر الطفل باليأس الذي سيدفعه إلى ملاذ آخر بمجرد أن يشاهد تكاسل ألأب وعدم إهتمامه بتوفير حاجاته . وفي هذه الحالة سيكون ألأب هو المسؤول عن العواقب الخطيرة لهذا التصرف .

دور ألأب في التربية 55


قيمة سعي ألأب وجهاده :

تمثل جهود ألأب التي يبذلها من أجل توفير حاجات عياله واجبا دينيا وأخلاقيا أيضا . فألأب ـ إسلاميا ـ مدين لأطفاله وأهل بيته ، ولهم حقوق عليه من خلال موافقته وإذعانه لعملية الزواج وفق العقد ألإسلامي والرضا بألإنجاب وما سيترتب عليه من ضوابط .
أما من الناحية ألأخلاقية ، فألأطفال كالضيوف الذين دعوا إلى مأدبتكم في البيت . وكان يمكنكم عدم إنجابهم أو بألأحرى عدم دعوتهم لهذه المائدة . وألآن يجب عليكم أن تهتموا بهم وتؤدوا وظيفتكم على أحسن ما يرام .
ولم يترك ألإسلام هذه الجهود دون أجر وثواب رغم إنها واجبة دينيا وأخلاقيا . فقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله : «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل ألله » ، وهذه سعادة ما فوقها سعادة ، أن يقوم ذلك ألإنسان وألأب الذي يقف إلى جوار ولده بتوفير حاجاته حتى يتمكن هذا الولد من رفع رأسه والعيش بعزة وكرامة.

مخاطر عدم ألإشباع أو النقص فيه :

لا بد من إشباع الحاجات بشكل متعادل وعقلاني ، وإلا فإن المخاطر ستهدد العلاقة القائمة بين ألأب وولده ، فقد يصاب الطفل بصدمة تؤثر على سلامته ونموه الجسدي والعاطفي وألأخلاقي وألإجتماعي بل وحتى العقائدي ، وستضعف تلك العلاقة القائمة بين ألأب والولد وذلك متى ما شعر ألأخير باليأس من والده ، وسوف يسيطر الحزن والغم على هذا الطفل عندما تتزلزل مكانة ألأب ويضعف موقعه ودوره ، ويؤدي به ذلك أحيانا إلى ألإنفصال عنه وألإرتباط بالآخرين.
إن ألإفتقار إلى المأكل والملبس المناسب ـ يؤدي إلى الشعور بعقدة الحقارة لدى الطفل وظهور إضطرابات نفسية عديدة لا تزول بسهولة . وإن شعور الطفل بالعداء للآخرين ـ وحتى إنه يعادي حياته الخاصة ويكرهها ـ يرتبط بتأثره وتألمه بسبب شعوره بالحرمان من بعض الحاجات أو إنها قليلة . والسبب في ذلك هو تصور الطفل بأن الخطر يهدد حياته وأمنه .

دور ألأب في التربية 56

على ألأب أن يستخدم مع ولده سياسة معينة تمنع ذلك ألإحساس عنده ، وذلك عندما لم يتمكن من توفير حاجاته . ويمكن إقناع ألأطفال بطرق مختلفة كتغيير بعض الحاجات وتبديل مواقعها ، فمثلا يستطيع ألأب أن يقبل ولده فيما لو لم يكن قادرا على شراء حذاء له .
فليجهد ألآباء في توفير الحب والعطف للأطفال على ألأقل أو زراعة ألأمل في قلوبهم من خلال تقديم الوعود .

عالم ما بعد الموت :

تؤكد الوصايا ألإسلامية أن على ألإنسان أن لا يحرص على جمع المال والثروة وعليه أن يفكر بالحساب الذي ينتظره في العالم ألآخر .
ومطلوب منا أن ننفق الفائض من أموالنا لإسعاد ألآخرين وحل مشاكلهم . ولكن الروايات وألأحاديث تؤكد في نفس الوقت على التفكير وألإهتمام ضمن الحد المتعارف عليه بمستقبل أولادنا ، وألأخذ بعين ألإعتبار حياة الفقر ومشاكلها التي قد تواجه هؤلاء ألأولاد في المستقبل . فليس صحيحا أن يكون ألإنسان بخيلا فيقبض يديه حتى في أشد الظروف صعوبة أو يبقي أولاده منذ اللحظة التي يموت فيها بلا مأوى ومعيل فيضطرون لمد يد الحاجة والعوز إلى ألآخرين .

ثقل المسؤولية :

إن مسؤولية ألأب ثقيلة جدا ، وهو المسؤول عن ما تحتاج إليه ألأسرة ، ويجب عليه إتخاذ التدابير اللازمة لكيلا يضطر أولاده إلى اللجوء إلى ألآخرين وألإنفصال عن أسرتهم .

دور ألأب في التربية 57

كما أن ألإهتمام بألأولاد وتوفير حاجاتهم هي مسؤولية ألأب وواجب ملقى على عاتقه وليس ترحما إو تفضلا منه . إنه مسؤول أمام خالقه وسيحاسبه حسابا عسيرا على تفريطه وتقصيره .
فألأب الذي يمتلك قابلية التوسيع على عياله ويمكنه أن يرفع خطوة على هذا الطريق لكنه لا يفعل ذلك يعتبر خائنا في ميزان الخالق جل وعلا ولا يمكن أن يعفو عنه أبدا .

دور ألأب في التربية 58

الفصل الثامن
توفير ألأمن


لماذا هذا الفصل ؟ :

قد يثار سؤال عن سبب تخصيص بحث منفصل لموضوع توفير ألأمن علما أنه يندرج ضمن الفصل السابق والذي تحدث عن مسؤولية ألأب في توفير مختلف حاجات الطفل ؟ الجواب ، هو لأهمية هذا الموضوع ومسؤولية ألأب الكبيرة في توفير ألأمل للأطفاله .
فالطفل يذكر عادة ما يحتاجه لوالديه حتى يقوما بتوفيره ، لكنه يلجأ إلى أبيه ويعتبره مدينا له في توفير أمنه . فهو قد شاهد عدة مرات كيف أن جميع أفراد ألأسرة يلجأون إلى ألأب عند الحالات الصعبة والظروف الحساسة ، ولا يعتقد ـ عمليا ـ بوجود من هو أكثر كفاءة أو قدرة منه .
قلنا سابقا أن الطفل يحمل إنطباعا عن والده بأنه ألأقوى وألأعلم وألأقدر في محيط ألأسرة ، وهو الذي يصدر ألأوامر والنواهي ويواجه مختلف ألأحداث .

تأثير ألأمن على النمو :

يحتاج الطفل بشدة إلى ألأمن في كل أقسامه ، فهو يحتاج إلى ألأمن في المجال ألإقتصادي وألإنضباط ولدى مواجهته لمختلف الحوادث ، وألأمن الفكري والعاطفي وغير ذلك .
ولا يمكن أن يتم نمو الطفل إلا في محيط ألأسرة ألآمن . ويصدق هذا حتى على النمو الجسمي أيضا . إذ سيتوقف نمو الجسم فيما لو إنعدم

دور ألأب في التربية 59

ألأمن بالمقدار الكافي كما أشارت إلى ذلك مختلف الدراسات والبحوث . حيث يتسم مثل هؤلاء ألأطفال بأجساد هزيلة وأجسام نحيلة ونحيفة . وإنهم ينظرون إلى عالم الوجود بنظرات موحشة ، ويحملون إنطباعا لا يمكن معه ألإعتماد على أي إنسان أبدا ، ويشعرون بأن الظلام والبرق والرعد يهددهم ولا ملجأ لهم سوى ألاباء الذين يمكنهم أن يحموهم ويطردوا عنهم الخوف . وهذا ألإحساس ضروري لنمو الطفل جسديا وعاطفيا وأخلاقيا .

الوظائف في هذا الطريق :

لذا يمكن القول إن وظيفة ألأب لا تقتصر على توفير نفقات ألأسرة وما تحتاج إليه من المأكل والملبس فقط بل ، عليه إضافة إلى ذلك أن يتواجد بين أفراد أسرته ، وذلك التواجد مهم لتوفير ألأمن لهم .
ويمكن وصف ألأب في محيط أسرته كالبطل الذي ينجز جميع المهمات ، ويعوض جميع النواقص . إذ ما فائدة توفير الحاجات فيما لو لم يتمكن ألأب من توفير ألأمن إلى جانبها ؟ حيث أن الطفل سيفقد قابلية ألإستفادة من تلك الحاجات .
كما يعتبر ألأب الرابط بين البيت وخارجه ، ويمكن للحوادث التي تطرأ خارج البيت أن تأخذ طريقها إلى داخل البيت فتزرع الخوف والقلق في قلوب أفراد ألأسرة ، ولا يتمكن سوى ألأب أن يهدئ روع ألأفراد ويحثهم على الصبر والإستقامة .
من الذي يدخل ألإطمئنان إلى قلب الطفل عندما تمرض أمه ؟
من الذي يشجع الطفل وييدافع عنه عندما يشعر بالخوف من الناس أو من زملائه وأصدقائه في المدرسة فيزيل عنه هذا الكابوس ويدفعه لأن يتقدم في حياته ؟

خطر فقدان ألأمن :

لا بد من توفير المقدمات التي يطلبها تحقيق ألأمن ، وينبغي على ألأب أن يقوم بدوره في هذا المجال بأحسن شكل . وقد قلنا سابقا بأن فقدان ألأمن يؤثر سلبا على نمو الطفل في مختلف المجالات ، وسيكون عاجزا عن أداء دوره في المجتمع وعضوا فعالا فيه .

دور ألأب في التربية 60

أظهرت الدراسات العديدة التي أجريت بهذا الشأن أن فقدان ألأمن يقلل من الشهية للطعام ويصيب الطفل بعسر الهضم والهزال والمرض أخيرا . كما أنه يؤدي أيضا إلى إيجاد الخوف وألإضطراب عند الطفل مما يجعله جاهزا لممارسة بعض التصرفات المرفوضة كألإدعاءات الكاذبة والشقاوة والعصيان ، وبعض ألإضطرابات السلوكية ألأخرى .
وقد كشفت الدراسات أيضا بأن ألأطفال الذين لا يشعرون بألأمن إلى جانب آبائهم يتصفون بالنفاق والخوف والصمت والهدوء والكآبة أحيانا ، أو يصابون بعقد نفسية في أحيان أخرى وينصاعون إلى القوانين دون نقاش ويكونون بالنتيجة أفرادا غير أسوياء .
وأشارت دراسة أخرى أن الطفل الذي يشعر بحاجته إلى ألأمن يلجأ بلا شك إلى شخص أو أشخاص آخرين فيما لو قصر والده في هذا المجال ، وسوف يبتعد في الحقيقة عن عائلته وأسرته وينفصل عنها وهذا يشكل بحد ذاته ألأساس للعديد من المفاسد ألأخلاقية والسلوكية التي يصاب بها الطفل . وسوف ينظر غلى والده يائسا حيث يحمل عنه إنطباعا بأنه ضعيف وغير منضبط .

ألأب هو الملاذ :

فألأب هو ملاذ ألأسرة وحاميها ، ويجب عليه أن يترجم هذا المفهوم عمليا لأطفاله . وأن ألأولاد بحاجة إلى دعمه وحمايته في جميع أمورهم ، وسوف يشعروا باليأس فيما لو أدركوا بأن ألأب عاجز عن تحقيق ذلك .
ينبغي على ألأب أن يتصرف في محيط أسرته بصورة تسمح للطفل بأن يرتمي في أحضانه متى ما أدركه الخطر ، وأن يشعر بألإستقرار عندما يكون إلى جانب أبيه ، وهذا من ضروريات نمو الطفل وسلامته .
لذا حري بألأب أن يكون شجاعا جريئا ومقاوما لمختلف الحوادث . فألأب الذي يعتريه الخوف وألإضطراب عندما ينظر إلى مشهد مخيف أو تواجهه مشكلة معينة لا يمكنه أن يوفر ألأمن لطفله ، ويجب عليه أن لا يكشف عن إضطرابه أمام طفله أبدا .

دور ألأب في التربية 61

فالطفل يحتاج إلى أب شجاع وقوي يقف إلى جانبه في ألأزمات والمشاكل ، ويكون قادرا على ممارسة وظيفته ومسؤوليته في توفير ألأمن ـ وهذا من حاجات الطفل الضرورية حتى في السنوات الأولى من عمره ـ وألإستقرار النفسي وألأخلاقي .

ألأمن في ألأسرة :

البيت هو المكان ألآمن والملاذ لجميع أفراد ألأسرة عندما تواجههم المشاكل . وإنه لذنب عظيم قيام ألأب بتشجيع أولاده للهروب من البيت من خلال تصرفاته السيئة وشعورهم بفقدان ألأمن ، وسبب ذلك هو عدم وعي ألأب لمسؤوليته .
فألأب هو الذي يرفع معنويات أفراد أسرته ويكون ملاذا لأطفاله في الشدائد ، ويوفر لهم ألأجواء الملائمة للحركة والنشاط .
ويمكن لعامل ألأمن أن يساهم في تفعيل النشاط الفكري للطفل ويوجهه نحو مجالات مفيدة ويدفعه إلى ألأمام دائما .
وحري بألأب أن يتصرف وفق سلوك معين حتى يكون الولد قادرا على العيش مرفوع الراس ومفتخرا . إذ لا يكفي الشعور بالجرأة والشجاعة لوحده عندما يصاب الطفل بحالات الخوف وألإضطراب .
وأخيرا ، فإن الطفل لا يمكنه التقدم والتحلي بالصدق وألأمانة إلا في ظل المحيط ألآمن للأسرة .

دور ألأب في التربية 62

الفصل التاسع
مسؤولية التربية


حق التربية :

لا يمكن للطفل أن يتجنب محيط ألأسرة ، فهو مضطر للعيش ضمن هذا الوسط ، ويجب عليه أن يلتزم بالقوانين ويصبر عليها .
ويبرز في ظل هذه الظروف حق الطفل ، فلا بد للوالدين من أدائه ولو ضمن ذلك المحيط على ألأقل .
فالتربية هي أهم حق للطفل ضمن الوسط الذي يعيشه . وتقع المسؤولية المباشرة على ألأب ، ويجب أن يربيه بحيث يكون إنسانا مفيدا ونافعا في المجتمع . وتختلف إستعدادات ألأطفال في قبول التربية ، ولا بد من مساعدتهم لكي يتمكنوا من ألإعتماد على أنفسهم وبناء ذواتهم ومجتمعاتهم .

مسؤولية الوالدين :

إن أعز ما يملك الوالدان هو الولد ، ومن الطبيعي أن يميلا إلى ألإهتمام به على طول سني حياته ، ويفرض العقل وألأخلاق أيضا أن يقوم ألوالدان بتربية ولدهما .
فلا يجوز أن يكتفي الوالدان بالتفضل على طفلهما في مجال المال والطعام فقد ، ولا في قيامهما بتمليكه أرضا أو بيتا منذ اللحظة الأولى لولادته للتعبير عن إعتزازهما به والتفكير بمستقبله ماديا فقط . فهذه ألأمور ليست مهمة إزاء موضوع التربية ، فقد جاء عن أمير المؤمنين ألإمام علي (ع) قوله : «ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن ».

دور ألأب في التربية 63

نعم ، فألأدب الحسن هو أفضل ميراث ، وهو خير ما يورثه ألآباء لأبنائهم . لذا يجب عدم ترك ألأطفال وشأنهم ، وإن العملية التربوية مهمة للغاية ، وتقع على عاتق الوالدين المسؤولية الكاملة في ذلك .
ينبغي على ألأب وألأم أن يوفرا كل ما يحتاج إليه الطفل لنموه وأن يهتما بهذا البرعم الجديد منذ اليوم ألأول لولادته .

مسؤولية ألأب في هذا الطريق :

إن ألأب وألأم مسؤولان معا عن تربية طفلهما وأداء حقوقه ، لكن المسؤولية ألأكبر والمباشرة تقع على ألأب في هذا المجال ، فهو المسؤول ألأول عن تربية أولاده إسلاميا ، ومسؤول في نفس الوقت عن عواقب هذه التربية سواء كانت إيجابية أو سلبية .
حري بألأب أن يهتم بأطفاله حتى يكونوا مؤمنين ملتزمين نافعين في ذلك المجتمع ، ولا يجوز له التهرب أبدا من تلك المسؤولية حتى في المرحلة الجنينية للطفل وعليه أن يهيء ألأجواء المناسبة منذ تلك المرحلة .
فألأب رب أسرته وهو ألآمر والناهي فيها والمراقب لأخلاق أفراد ألأسرة والمرشد والموجه . وهو المسؤول طبقا لهذه القاعدة عن نمو ألأولاد وبنائهم وسعادتهم وصلاحهم وإرشادهم نحو طريق الخير .
ولا تختص مسؤولية ألأب في البيت بالجانب الإقتصادي وتوفير الحاجات الحياتية فحسب ، بل إنه مسؤول عن تهذيب أخلاق افراد أسرته وتوجيههم وبنائهم ذلك البناء المعنوي الصلب الذي يمكنهم من مقاومة الصعوبات والشدائد ، وأن يعبد لهم الطريق ويقدم لهم ما ورثه من الثقافة ، ويوجد عندهم العادات والصفات الحسنة ويهتم ببنائهم الجسدي والنفسي ، ويجتهد في تأديبهم ، ويمنع إنحرافهم . كما ينبغي عليه أن يوفر لأولاده مقدمات عفتهم وطهرهم وأن يكون قدوة لهم في القول والعمل .
وللأم دور مهم في هذا المجال أيضا ، لكن مسؤولية ألأب أوسع بكثير من مسؤوليتها . ولكي تتكلل الجهود بالنجاح لا بد من تعاون ألأب وألأم والتفكير معا وبذل جهدهما لإنجاح العملية التربوية.

دور ألأب في التربية 64


ألأهداف والمقاصد :

إن التربية مطلوبة بنفسها ، وذات هدف في نفس الوقت . وينبغي على ألأب أن يجعل الهدف نصب عينيه دائما ، ويدخل في هذا الهدف موضوع نشوء ألأطفال وتكشف ألأبعاد ألإنسانية في الشخصية وتوفير الحريات ألأساسية وإيجاد المناخ الملائم لإحترام حقوق ألإنسان .
على ألأب أن يسأل نفسه عندما يهتم بتربية أولاده وبنائهم ، ما هي أفكاره في هذا الشأن والخطوات التي لا بد أن يسلكها ؟ وبخلاف ذلك ستكون التربية غير هادفة ما لم تتخذ الخطوط الفكرية الرئيسية للأب وتتضح عنده الحقائق .
ولا توجد أية حاجة لتحديد أهداف عديدة ومعقدة كتلك التي تطرحها ألأنظمة والمناهج التربوية ، لكن عليه أن يفهم بعض المواضيع المهمة التي تمكنه من إتخاذ المواقف المناسبة عندما تواجه الحوادث المختلفة .

البرنامج التربوي :

لا بد أن تقوم التربية في محيط ألأسرة أو المدرسة أو المجتمع على برنامج واضح يشمل جميع ألأبعاد الحياتية والجوانب الفردية والجماعية المختلفة ، وأن يراعي هذا البرنامج القضايا ألإجتماعية وألإقتصادية والثقافية .
ينبغي أن نعلم الطفل أمورا يستفيد منها مستقبلا في حياته الفردية وألإجتماعية . وأن تشمل هذه الأمور الجوانب الدينية وألأخلاقية وألآداب والتقاليد الجيدة وألفن وألأدب وقيمة المال والطرق الصحيحة للحصول عليه والمهن الشريفة ولقمة العيش والقوانين وألأحزاب ومفهوم الحرية وغير ذلك .
ولا بد لهذه التربية أن تهتم بتنمية طاقات الطفل وإستعداداته حتى يتمكن من السير في طريق تكامله . وتقع على ألأب أيضا مسؤولية تنمية الفطرة وألأخلاق والسلوك الوجداني النزيه . فالطفل لا يولد كاذبا أو منافقا أبدا فيجب على ألأب أن ينمي أخلاقه الحسنة ولا يسمح بتلوث قلبه وروحه فيزول صفاؤه ونقاؤه .

دور ألأب في التربية 65

وهذا هو عمل ألأنبياء ، فينبغي على ألآباء أن يواصلوا هذا العمل «فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكرهم منسي نعمته . . . » نهج البلاغة .

أساليب وفنون التربية :

جدير بألأب أن يكون على علم بالأساليب التربوية فهو المسؤول عن تربية طفله وتعليمه . وبتعدد ألأساليب والفنون التربوية ، يجب أن تنضب الجهود في مجال التعليم على أفضل وجه وأكبر كمية ممكنة وبفترة زمنية قياسية .
أما في المجال التربوي فلا بد أن تبذل الجهود في سبيل إيجاد تغييرات جذرية عند ألأشخاص حتى يقتنعوا بما هو مطروح ويلتزموا به ويبتعدوا عن ألأساليب المنحرفة ويشعروا بالندم عند القيام بها .
وينبغي على ألأب أن يعلم كيف يتعامل مع طفله وما هي القصة التي يسردها له وأفضل أسلوب للتأثر بها .
فالطفل لا يعلم إبتداء أي شيء عن الحقائق ألأخلاقية والسلوكية ولا بد أن يقوم ألأب بتوضيح هذه الحقائق من خلال سلوكه وعمله وينقل إليه التعاليم ألأخلاقية . وتقع على ألأب أيضا وظيفة إيجاد حالة التفكر لدى الطفل حتى يستخدم عقله وإستدلاله المنطقي وليكون مهتما بمستقبله . والنتيجة فإن ألأب هو ألأكثر نجاحا في مجال تربية ولده لو عرف مسؤوليته وأتقن ممارستها .

ضرورة ألإهتمام :

تحتاج التربية إلى إهتمام بالغ وحرص شديد ولا يكفي الزمن وحده في هذا المجال ، بل لا بد من اليقظة والحذر . فألأب الواعي والمؤمن يضحي حتما من أجل تربية ولده ويا حبذا لو زاد على ذلك بتقييم نتائج مجهوداته .
ويدرك ألآباء الذين يتصرفون بحكمة ـ حتى ولو كانوا أميين ـ أنه لا

دور ألأب في التربية 66

يمكن ترك الطفل وشأنه لحاجة التربية إلى إهتمام كبير ، وعليه أن يرضى بدخل منخفض في سبيل أن يوفر وقتا أكبر لتربية أطفاله وليكون كالظل الذي يرافق ألإنسان أينما ذهب.

صعوبة المسؤولية :

فالتربية ستكون يسيرة فيما لو تعامل الأب مع أولاده تعاملا منطقيا في تحقيق وظائفه ، وإلا لواجهته الصعوبات والمشاكل .
وفي عصرنا الحاضر رغم سهولة هذه المسؤولية إلا أنها ستبقى صعبة أيضا . فليس يسيرا أن نتمكن في عصرنا الحاضر والمرحلة التي نعيشها من تربية أولاد صالحين وزاهدين ومؤمنين يمكنهم أن يضحوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل أهدافهم ألإلهية المقدسة وذلك بسبب مشاكل الحياة والمفاسد التي تهدد المجتمعات والعوامل العديدة التي تؤثر على ألأطفال وتغريهم .
ويضع ألأب الخطوة ألأولى في مجال التربية منذ أن يختار زوجته ، ويواصل عمله هذا حتى 21 عاما بعد ولادة الطفل ، ويجب عليه أن يرافق طفله طيلة هذه المرحلة خطوة خطوة ويستخدم خبراته ووعيه وما أوتي من فن في هذا الطريق . مع إعتباره عملا شاقا ويحتاج إلى الصبر .

مخاطر القصور والتقصير :

إن التسامح والتقصير في التربية يؤدي بلا شك إلى إيجاد صعوبات عديدة في مجال البناء . إذ سيراوح الطفل في مكانه ولا يمكنه التقدم وفق ما هو مطلوب . فاليتيم ليس من فقد أمه وأباه وإنما الذي يفقد مرشده في العلم وألأدب .
فلو قصر ألآباء في تربية أولادهم لأوجدوا المناخ الملائم للعديد من ألإنحرافات . وما المنحرفون في المجتمع إلا هم ـ في الحقيقة ـ أولئك الذين لم يتربّوا جيدا خلال سني طفولتهم وسيلعن المجتمع مثل هؤلاء ألآباء إضافة إلى لعنة الباري جل وعلا .
والخلاصة فإن ألأب مسؤول أمام خالقه فيما لو قصر في تربية أولاده الذين سيشكونه عند ألله جل جلاله فينال جزاءه العادل .

السابق السابق الفهرس التالي التالي