دور ألأب في التربية 67

الباب الثالث

ألأب وحقوق ألأطفال

للطفل حق على والده لأن وجوده جزء من وجود ألأب وهو وديعة الخالق جل وعلا عند هذا ألأب .
فللطفل حق التربية والتعليم على والده إضافة إلى حقه في توفير حاجاته . ويجب على ألأب أن يؤدي هذا الحق على أفضل وجه مراعيا ألإستعدادات المختلفة ودون أن يفرق بين هذا وذاك .
وإن العقاب ألإلهي الشديد ينتظر ذلك ألأب الذي لا يؤدي هذه الحقوق . فينبغي للآباء أن يطلبوا العون من خالقهم ليتمكنوا من أداء هذه المسؤولية الثقيلة ، وأن يقوموا ببناء أنفسهم وذواتهم إستعدادا لهذه الوظيفة .
ومن الضروري أن يتحلى ألآباء بالوعي وألإيمان من أجل القيام بمهمة التربية ، وعليهم أن يوفروا لقمة العيش الحلال لأولادهم للمحافظة على صفاء نفوسهم وطهارتها ، وأن أي تسامح في هذا ألأمر يؤدي إلى بروز مشاكل جمة للفرد ولمجتمعه .
وسوف نسعى في هذا الباب إلى التحدث عن الموضوع أعلاه من خلال ثلاثة فصول مع مراعاة ألإيجاز في ذلك .

دور ألأب في التربية 68




دور ألأب في التربية 69

الفصل العاشر
دائرة الحقوق


حق الطفل :

تتم عملية الزواج وتتبعها ولادات ومواليد ، ثم يجتمع ألأطفال حول مائدة ألأب ليكونوا ضيوفه ، وهم في الواقع ودائع رب العالمين وفلذات أكباد الوالدين . وتظهر بعد ولادتهم حقوق في أعناق ألأب وألأم لا بد من أدائها .
فهم يولدون دائنين ونحن مدينون لهم . ويجب علينا تأدية هذا الدين بأفضل وجه ، وتوجيههم بالشكل الذي يرضي صاحب الوديعة وهو الخالق جل وعلا .
فألأب وألأم مدينان لولدهما ، لكن المسؤولية المبائرة تقع على عاتق ألأب .
فلا يحق لهما تربية طفلهما كيفما أرادا ، أو فرض إرادتهما ووجهة نظرهما عليه . ومعلوم ما هو دين الوالدين لولدهما ، وما هي ألأمور التي يطالب الطفل والده بها . وقد حدد الباري جل شأنه تلك ألأمور ، وأمر الوالدين برعايتها .

الطفل جزء من وجود ألأب :

يجب على ألأب أن لا ينسى أبدا ، وهو يؤدي حقوق طفله ، أن هذا الولد هو جزء من وجوده . فألإمام السجاد (ع) يقول عن حق الولد :
ــ إنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره .

دور ألأب في التربية 70

ــ إنك مسؤول عما وليته من حسن ألأدب .
ــ إنك مسؤول عن دلالته على ربه .
ــ إنك مسؤول عن معونتخ لطاعة ربه .
إنك مسؤول أن تعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه .
وورد في وصية للإمام علي (ع) إلى ولده الحسن (ع) :
«. . . ووجدتك بعضي ، بل وجدتك كلي ، حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني . . .».
فوجود الولد هو من وجود ألأب وينبغي أن يحب له ما يحبه لنفسه .

مجالات الحقوق :

وهكذا نرى أن ألأب مسؤول عن طفله ، فهو مسؤول عن سلامة جسمه ونفسه وبنائه وعقله ، ويجب عليه أن يقوم بتأديبه وتربيته ، وأن يعلم بأن أفضل عطية للولد هي التربية الصالحة وألأدب الرفيع .
ويمكن تحديد حقوق الطفل بالمجالات التالية :
1 ـ حق التعليم : فألأب هو المسؤول عن تعليم ولده ، ويشمل التعليم مجالات واسعة من العلوم والمعرفة مثل :
* تعليمه وإطلاعه على ظواهر الوجود المختلفة كعالم النبات والحيوان وألجماد .
*تعليمه القرآن وألأحكام والتعاليم الخاصة بالحياة الفردية والجماعية .
*تعليمه فنون الحرب والدفاع كالرماية والسباحة والفروسية وغير ذلك .
*تعليمه كل ما يرتبط بحقائق المجتمع من السياسة والإقتصاد والثقافة وألإجتماع.
*تعلميه دروسا في المعاشرة وألأخلاق والتعامل وإتخاذ المواقف المختلفة .
*تعليمه كل ما يرتبط بحايته الفردية كعزة النفس وغناها وبناء السمات الذاتية ألأخرى .

دور ألأب في التربية 71

*تعريفه بأهداف الحياة وفلسفة الوجود والمواقف التي ينبغي أن يتخذها ألإنسان حيال هذه الظواهر.
*تعليمه الثقافة العامة والقراءة والكتابة .
*وأخيرا تعليمه كل ما يحتاج إليه في حياته الحالية والمستقبلية.
وإستكمالا للموضوع نشير إلى حديثين شريفين نستغني بهما عن ذكر العديد من الجزئيات ألأخرى .
أ ـ ورد عن أمير المؤمنين ألإمام علي (ع) قوله : «علّموا صبيانكم ما ينفعهم ألله به ».
ب ـ وجاء عن ألإمام الصادق (ع) قوله : « أولى ألأشياء أن يتعلمها ألأحداث التي إذا صاروا كبارا إحتاجوا إليها».
2 ـ حق التربية : يجب على ألأب أن يؤدي هذا الحق ويقوم بوظيفة التربية ويبذل جهده ، وتعني التربية بناء الطفل . وقد تبرز الحاجة أحيانا لإعادة البناء من جديد ، وبشكل عام فإن وظيفة ألآباء هي ألإهتمام بتأديب ألأطفال « ويحسن أدبه . . .»نهج البلاغة .
للتربية مجالات واسعة جدا وتشمل جميع ألأبعاد الوجودية للإنسان مثل :
أ : البعد الجسمي : ووظيفة التربية بناء الجسم وتنميته ، ونظافته وحفظه بعيدا عن ألأخطار وألأمراض وألأعراض السلبية ألأخرى ، وبناء ألأعضاء وتقوية العضلات وغير ذلك .
ب : العبد العقلي : ويشمل بناء العقل وألإهتمام بالذكاء والخيال والدقة وحي التطلع والحفظ والتجسيد وقابلية التعميم والتجرد والقياس وألإستنتاج وغير ذلك . وحري بألأب أن يوجه ولده لحل المسائل الرياضية والتمارين ويحلل الظواهر ويحل ألألغاز .
ج : البعد النفسي : ويشمل تلك الجوانب التي ترتبط بألأخلاق السامية والهمة العالية والعزم الراسخ والجرأة وألإستقامة في ألأمور . وأن يدعم ألأب تلك الصفات ألإنسانية النبيلة في ولده كألإيثار والعدل والتحرر

دور ألأب في التربية 72

وألإستقلال وتقديم العون وألإحسان وألإنفاق وطلب الخير وكل ما يساهم في توفير حياة حرة كريمة.

الهدفية في الحياة :

من ألأمور التي يجب على ألآباء مراعاتها لدى تربية أولادهم إيجاد ألأرضية المناسبة للهدفية في كل شيء . فألإسلام يؤكد دائما بأنه على ألإنسان أن يكون هادفا في جميع أعماله ، وأن تنسجم هدفيته ـ حتما ـ مع فلسفة الحياة .
إننا لا نطالب ألآباء بتدريس أولادهم الفلسفة وأصولها والتحدث إليهم عن أسرار الحياة ، لكن الشيء المطلوب هو أن يدرك ألإنسان كنهه ، لماذا ولد ؟ ولماذا يعمل ؟ ولماذا يموت ؟ وما هو سر النجاح في الحياة ؟ . . . فالذي لا يعلم سبب خلقه سيموت دون أن يعلم سبب موته .
فالهدفية في الحياة تجعل ألإنسان يتحرك بخطوات مدروسة ويسير بوعي ويوجه جهده وتحركه .
على ألإنسان أن يعلم كيف يواجه مختلف ألأمور ليكون قادرا على تحمل الصعوبات والشدائد وألآلام في سبيل الهدف .

حقوق أخرى للطفل :

من الحقوق ألأخرى للطفل والتي يمكننا ذكرها هنا هي حقه في القبول ، والدعم ، والتسمية ، والمراقبة ، والصحة ، وألأمن ، والطعام المناسب ، والملبس ، والمسكن الجيد وغير ذلك . حيث يجب على ألأب أن يقوم بتوفير المناخ الملائم والظروف المناسبة لتحقيقها وإستفادة الطفل منها ، بل وحتى توفير مقدمات زواجه عند بلوغه .
ويؤدي التفريط بهذه الحقوق إلى إصابة الطفل بالعديد من ألإضطرابات وألإنحرافات وألأذى وألألم ، وقد يشعر الطفل أحيانا بالتيه نتيجة لعدم إهتمام ألأب به مما يعرض فكره وإستقلالية قراره للخطر أو يحتقر نفسه ويستصغر شأنه فلا يؤمن شره «من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره » عن ألإمام الجواد (ع) .

دور ألأب في التربية 73


ملاحظة مهمة :

على ألآباء أن يدركوا بأن أداء حق الطفل يعتبر مسؤولية في أعناقهم وليس عطفا منهم وترحما وذلك رغم أنهم مثابون ومأجورون على هذا العمل «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم يغفر لكم » عن ألإمام الصادق (ع) .
فالخالق جل وعلا هو الذي فرض هذه المسؤولية على الوالدين وطالبهما بأدائها ، وإنهما سيعاقبان ويحاسبان على التفريط بها .
وإن ألأب هو أمين الباري ولا يحق له التفضل على ولده بسبب حفظه لهذه الوديعة ألإلهية وأداء حقها ، وإنه سينال ـ طبعا ـ أجره وثوابه .
كما وإن ألأولاد مدينون لآبائهم من الناحية الأخلاقية والمعنوية ويجب عليهم أن يقدروا جهودهم ويدعوا لهم بالخير والرحمة .

دور ألأب في التربية 74

الفصل الحادي عشر
كيفية أداء الحقوق


ألإهتمام بالولد :

إن ذوي المكانة والكرامة يهتمون بأولادهم ويعملون لخيرهم وسعادتهم ، وسبب هذا ألإهتمام هو مسؤولية ألأب أولا ، والضرورة ألأخلاقية والوجدانية ثانيا التي تفرض على ألأب أن يفكر ويهتم بهذا المولود الجديد الذي لم يأت إلى عالم الوجود بملء إرادته .
يطمح ألآباء غالبا إلى تربية أولادهم خلقيا وعاطفيا تحت إشرافهم مباشرة حتى يكونوا سببا لفخرهم وفرحهم ، ولكن وللأسف إن بعض ألآباء يعتقدون بأن أولادهم بحاجة إلى المأكل والملبس والمسكن فقط . وهذا هو سبب التفريط بالتربية .
كما يعتقد البعض ألآخر بأن الولد هو عبد لوالده فلا يهتم بتربيته ولا يحترمه أبدا ، وقد يبذل ألأب جهدا معينا من أجل ولده ، لكنه يمن عليه ويعتبره نوعا من ألإحسان إليه في حين أنه مكلف بمراعاة ألأصول والضوابط ألإنسانية بشأنه وإنه مدين له في هذا المجال .

ضرورة الحذر :

فألأب مسؤول عن تربية ولده ولا بد أن يقوم بها بإهتمام بالغ وحذر شديد .
وينبغي على ألأب أن يكون نبها لوجود مخاطر تهدد مسيرة بناء الطفل ونموه في حياته الحالية والمستقبلية ، فما أكثر ألأطفال الذين إنحرفوا عن

دور ألأب في التربية 75

جادة الصواب بسبب إهمال ألأب أو ولي ألأمر وتسامحه في مجال التربية .
وفي مقابل ذلك نرى أطفالا ساروا على طريق الهداية والتكامل لأن لهم آباء ملتزمين وحذرين وليس بسبب المستوى الدراسي للأب وفضله .
إن إهتمام ألأب بتربية أولاده هو من حقوقهم الواجبة إضافة إلى أنه أمر أخلاقي في الوقت نفسه . ولا بد أن يتم ذلك بأحسن شكل وبأقصى سرعة حتى يمكن سد الطريق أمام مختلف ألإنحرافات . فقد ورد عن ألإمام علي (ع) في نهج البلاغة قوله : «. . . فبادرتك بألأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك».

مجالات ألإهتمام :

ثمة كلام كثير عن دائرة ألإهتمامات والظروف التي ينبغي توفرها ، لكننا سنشير فيما يلي إلى بعض هذه ألإهتمامات :
1 ـ القبول وألإحترام : ويمثل هذا حقا طبيعيا من حقوق الطفل ، فألأب وألأم قاما بدعوة هذا الضيف الجديد إلى عالم الوجود وهو غير مسؤول عن نوعه وجنسه وسلامته ومرضه ، وهو مظلوم حقا في هذا المجال .
فمن الظلم أن لا يهتم الوالدان بهذا الضيف ولا يقبلانه ويدل ذلك على جهلهما . إذ ينبغي القبول به سواء كان ذكرا أم أنثى ، قبيحا أم جميلا ، سويا أم مريضا وأن يقوم ألأب بهدايته وتوجيهه طيقا لوظيفته .
فقبول الطفل وإحترامه يمثلان أهم العوامل الرئيسية في نمو الطفل وبناء شخصيته منذ مرحلة الطفولة . وقد يشعر الطفل الذي لا يجد قبولا من ألآخرين بالحقارة ، أو يلجأ إلى المشاكسة وإيجاد المشاكل لنفسه ولوالديه . فالشعور بالعزة لا يحصل إلا من خلال إحترام ألأب لولده .
2 ـ توفير الحاجات المشروعة : للأطفال حاجات مشروعة تحدثنا عنها في الفصل السابع من هذا الكتاب ، حيث يجب على ألأب الملتزم أن يوفر حاجات طفله ويوجد المناخ الملائم لنموه وسلامته جسميا ونفسيا ، فألأطفال يتصورون بأن آباءهم يرزقونهم (ويحسبون أنكم ترزقونهم) ويعتقدون أنهم يمثلوا طموحاتهم ورغباتهم .

دور ألأب في التربية 76

ويحسب ألأطفال لوعود ألأب في توفير حاجاتهم ألف حساب ، وينتظرون منه أن يعمل بما يقول ويفي بوعده . فقد جاء عن الرسول ألأكرم (ص) قوله : «وإذا وعدتموهم ففوا لهم » وهذا هو أساس إيمان الطفل بوالده وثقته به .
3 ـ الجوانب ألإنسانية :أشرنا سابقا إلى ضرورة إحترام الطفل ، ونضيف هنا أن ذلك لا يمثل إحسانا أبدا بل إنه من مسؤولية ألأب وعليه أن يؤديها بأجمل وجه ، كما عليه أن يبني شخصيته ويعامله ويرتبط به على هذا ألأساس حتى يجد الولد نفسه حرا ومستقلا في أداء وظائفه لا أن يشعر بالذلة والعبودية لوالده .
ينبغي أن يقوم التعامل على اساس أن الطفل أحد أعضاء ألأسرة وشريك لها في أفراحها وأتراحها . وأنه مستعد للتضحية من أجلها عند الضرورة وتسخير طاقاته الفكرية والجسمية في سبيلها .
4 ـ مراعاة ألإختلافات : يختلف أبناء ألأسرة الواحدة فيما بينهم ، فأحدهم ذكر وألآخر أنثى وهذا سليم وذا مريض ، وواحد جميل والثاني قبيح ، وواحد صغير وألآخر كبير ، ولا بد من ألإهتمام بهذه ألإختلافات بين ألأولاد في الوقت الذي لا بد فيه من إقامة العدل والمساواة بينهم .
فمثلا يجب على ألأب أن يهتم بالبنت أكثر من ألإبن وذلك في مجال إظهار العاطفة والحب والحنان وتقديم الهدايا وتخصيص الوقت الكافي . فالبنت ستصبح أمّا في المستقبل وعليه أن لا تصاب عاطفة ألأمومة عندها بأية صدمة نفسية .
أو أن يهتم بالطفل الصغير أكثر من الكبير والمعوق أكثر من غيره وهكذا .
وحري أن تكون هذه الممارسات بمقدار مدروس حتى لا يستغلها الطفل فيسيء إستخدامها . وأن يفهم ألأطفال ألآخرون سبب هذه ألإهتمامات والفروقات حتى لا تثار عندهم الغيرة والحسد فيصابوا بأمراض وعقد نفسية .
5 ـ الخالق فوق كل شيء : لا بد أن نعرف بأن الخالق يراقبنا في جميع تصرفاتنا وأمورنا .

دور ألأب في التربية 77

صحيح أن الطفل لا يقدر أن يدافع عن نفسه فيما لو صفعته بسبب ضعفه ، لكن ألله موجود وهو يشاهد ظلمك له .
وتؤكد ألآيات القرآنية والأحاديث الشريفة أن خالق السموات وألأرض هو الذي يدافع عن المظلومين ، وسوف ينال الظالمون جزاءهم حتما .
على ألأب أن يشعر بأن خالقه يراقبه في جميع تصرفاته وممارساته مع طفله . وقد جاء عن ألإمام الحسين (ع) قوله : «إياك وظلم من لايجد عليك ناصرا إلا ألله».

طلب العون من الخالق :

إنكم لا تستطيعون النجاح في العملية التربوية مهما كانت سجاياكم وفضائلكم دون إستمداد العون من الخالق جل وعلا وطلب توفيقاته .
نعم ، يجب على ألأب أن يلجأ إلى خالقه ويستعين به ليتمكن من المحافظة على هذه الوديعة ألإلهية ويعبد لها الطريق للتكامل والرقي .
وهذا هو سلوك ألأنبياء وألأئمة والمعصومين عليهم السلام جميعا . فمثلا نقرأ في القرآن الكريم كيف أن نبي ألله إبراهيم دعا ربه وطلب منه العون لإستمرار تربيته في ذريته «ربنا وإجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا . . .»(1) ، أو كيف أن ألإمام السجاد (ع) كان يطلب العون دائما من خالقه ليعينه على تربية أولاده وتأديبهم حتى يكونوا من المحسنين .
وتتضح أهمية هذه الدعوات عندما نفكر في مستقبل هذا الطفل والحالة التي سيكون عليها . فماذا سيحصل مثلا لو كان محسنا ، وما هي تأثيراته على ألآخرين لو كان مسيئا .
ورغم شخصية ألإمام السجاد (ع) وجهده في مجال تربية أولاده فإنه كان يدعو لهم : «وإجعلهم أبرارا أتقياء بصراء سامعين مطيعين لك ولأوليائك محبين ناصحين ، ولجميع أعدائك معاندين ومبغضين ».

(1) سورة البقرة : آية 128 .
دور ألأب في التربية 78


أعراض عدم ألإهتمام :

إن عدم مراعاة حقوق ألأطفال يؤدي إلى ظهور ألأعراض التالية :
1 ـ إصابة الطفل بصدمة في الشخصية في حاضره ومستقبله .
2 ـ تضرر المجتمع الذي يعيش فيه ذلك الطفل .
3 ـ فضيحة ألأب وألأم على طول حياتهم ومواجهتهم لمشاكل جمة .
4 ـ صدور اللعنات على ألأب بعد موته لمساهمته في التربية الفاسدة.
5 ـ نيل العقاب ألإلهي .
6 ـ وأخيرا وألأدهى من كل ذلك أن هؤلاء ألأولاد سيحاكمون آباءهم يوم القيامة في محكمة العدل ألإلهية .

دور ألأب في التربية 79

الفصل الثاني عشر
ضرورة إستعدداد ألأب


مقدمة:

للأب دور محدود في العامل الوراثي وعلاقة الدم مع ولده ، وينتهي عادة بعد إنتقال النطفة إلى رحم ألأم ، لكن دوره الرئيسي الذي يساوي دور ألأم أو يفوقه يبدأ بعد ولادة الطفل بسبب بناء الطفل فكريا وأخلاقيا ، وسيكون مسؤولا أمام خالقه والناس عن تربية وليده وعن صلاحه وفساده .
لذا ينبغي على ألأب أن يكون واعيا لمسؤوليته الشرعية ، وأن يتعهد ببناء طفل على افضل وجه . وقد تحدثنا في الفصل التاسع من هذا الكتاب عن مسؤولية التربية وحقوق ألأطفال ألأخرى التي تقع على عاتق ألآباء . وإن سبب تناولنا لموضوع إستعداد ألأب هو لكي يبذل جهده وسعيه من أجل إرشاد ولده وهدايته.

العمل مسؤولية ألأبوة :

يعتقد الناس أن ممارسة ألأبوة لا تحتاج إلى المعلومات وتعلم الفنون المختلفة ، في حين أننا نعتقد أنها تمثل فنا وتعتمد على الوعي والمهارة .
يجب أن يعي الشخص بعض ألأمور قبل أن يصبح أبا ، وسيحصل على المهارة من خلال عمله وممارسته لمسؤولية ألأبوة .
فألأبوة فن يحتاج إلى العقل والتدبير والتخطيط والمنهج والهدف . وما البيت إلا مصنعا لصناعة ألإنسان . وإن النجاح حليف ذلك الشخص الذي إستعد لهذا ألأمر .

دور ألأب في التربية 80

تشمل التربية عدة مواضيع لا يستطيع أي إنسان أن يدعي بأنه يلم بها جميعا بل أنه مضطر لتعلم فنونها الخاصة ، وهذا يؤكد بأن الأبوة إنما هي مسؤولية عملية تحتاج إلى الوعي والتعلم والمطالعة .
وبنظرة أخرى فإن ألأبوة تمثل إئتمانا إلهيا . فألأب أمين ألله ، أمين خالقه ولا يمكنه التفريط بهذه الوديعة ، ويجب عليه أن يبدي كفاءة عالية لهذه المسؤولية وإلا لثارت الشكوك حول هذه ألأبوة . وقد نحاسب بسبب موافقتنا لتحمل هذه المسؤولية .
ليس صحيحا أن يخدع ألإنسان نفسه فيترك أولاده لشأنهم أو يضطرهم ليلجأوا إلى غيره . إذ لا يمكن إنكار الحقائق أبدا ونسيان المعاد والحساب والكتاب في يوم القيامة . فالخالق جل وعلا سيحاسبنا على هذه الوديعة إضافة إلى حساب الولد لوالده .

بناء النفس لأداء الوظيفة :

يجب أن نبني أنفسنا لأداء هذه الوظيفة ، ويرتبط هذا الواجب بوجود الولد طبعا . فصلاح ألأب وفساده يؤثران على الطفل حتما ، وقد ورد عن رسول ألله (ص) قوله : «إن ألله ليفرح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده » . ويقول ألإمام الباقر (ع) في هذا الشأن أيضا : « يحفظ ألأطفال بصلاح آباءهم ».
نعم ، على ألآباء أن يهيئوا أنفسهم لهذه المرحلة وإنجاز هذه المسؤولية بأفضل وجه ويثبتوا مهارتهم وكفاءتهم . ولا يمكن تربية النشء تربية جيدة لتقر بهم العيون إلا من خلال تحمل هذه المسؤولية وعدم التهرب منها .

على طريق البناء :

لقد قيل الكثير عن ألأمور التي يجب على ألإنسان ألإهتمام بها وبناء نفسه بموجبها . وسوف نشير فيما يلي إلى بعض منها :
1 ـ الوعي : ويمثل الخطوة ألأولى في حياة ألإنسان الذي سيفتح

دور ألأب في التربية 81

عينيه ويفكر بحاله والظواهر التي تحيط به وكيف يمكنه أن يعيش حياة مستقرة وسعيدة ، ويتخذ المواقف المختلفة .
وللوعي ميدان واسع للغاية ، إذ أنه يشمل معرفة النفس والظواهر المختلفة ومعرفة المنزلة وقيمة الذات ، ومعرفة الدين أيضا وتعاليمه المختلفة وسيبقى ألإنسان قاصرا عن تربية ألآخرين ما لم يعرف نفسه ودوره ومنزلته .
ينبغي للشخص الذي يريد أن يصبح أبا ان يعرف ماذا يجري في المجتمع ، وما العوامل المؤثرة عليه ، وكيف يستسلم للتأثيرات ألإيجابية للهرب من المؤثرات السلبية .
إن إفتقاد الوعي يعقد العملية التربوية ويفشلها . ويمكن إكتسابه من خلال اللجوء إلى أصحاب الخبرة والكتب والمؤلفات وإلى الذين إجتازوا هذا ألإمتحان بنجاح باهر خاصة أولئك الذين تمكنوا من بناء أولاد صالحين ومفيدين لمجتمعه .
2 ـ توفير اللقمة الحلال : للطعام دور مهم جدا في بناء ألإنسان ويجب على من يريد الترقي في سلم البناء والصلاح أن يهتم بما يأكله واللقمة الحلال توفر أسباب العديد من النجاحات .
كيف يمكننا أن نطهر نفوسنا وننزهها ونسير بها في طريق الخير والصلاح ونحن نتناول طعام الشبهة ونلبس لباس الشهرة ونسكن في منازل مغصوبة ونعيش في أجواء فاسدة ومنحرفة .
فالنفس الملوثة لا تدعو أبدا وإذا ما دعت فلا يستجاب لها ، ولا يمكن ربط علاقة جيدة بينها وبين خالقها .
كما يؤثر الطعام على النطفة وعلى تأثير الكلام ، فكيف سيكون ذلك ألإنسان الذي سينشأ من نطفة معقودة من طعام حرام أو شبهة ، وما هي خصائصه وسماته ؟
ويجب ألإهتمام أيضا بطعام الولد بعد ولادته من نطفة طاهرة لتأثير

دور ألأب في التربية 82

ذلك على تربيته وخلقه وصفاته . إذ إنه سيكون مستعدا للإنحراف الخلقي والسلوكي فيما لو نشأ على الطعام الحرام.
3 ـ ألإيمان وألإعتقاد : ثمة ملاحظة مهمة في هذا الموضوع وهي أن إيمان ألأب بالحساب والكتاب والمعاد والجزاء وعواقب ألأعمال ، وإيمانه بوظيفة ألأبوة وألإئتمان ألإلهي ، يؤثر بشدة على تربية الطفل .
فألأب الذي لا يؤمن في جميع تصرفاته بأن الذي يراقبه خالقه لا يمكنه أن يجد ويسعى في تربية أولاده ، ولا يشعر أبدا أن هذا المولود هو جزء منه وأنه مسؤول عن مصيره ومستقبله .
ولا يثق مثل هؤلاء ألأولاد بآبائهم لأنهم لا يرتبطون بهم إيمانيا وعقائديا وسوف لا يمتثلون إلى أوامرهم .
فألإيمان عامل ضروري لتوفير ألأمن وثقة ألأب بالطريق الذي يسلكه ، ويوفر أيضا تصديق الولد بما يسمعه من والده ويشاهد .
4 ـ العمل : يعتبر ألأب القدوة لولده ومثال عمله ، فما يفعله ألأب يمثل حجة لطفله الذي سيقلده في ذلك العمل نفسه ـ سواء كان حسنا أو سيئا ـ وما أكثر ألآباء الذين يقدمون لأولادهم نماذج فاسدة بعملهم وسلوكهم ويؤدي ذلك إلى فساد الطفل طبعأ .
فالآباء مسؤولون عن عمل أولادهم ، وإن ما يقومون به يمثل درسا لهم ، لذا يجب أن تكون تصرفات ألآباء حكيمة خالصة من جميع الشوائب ، وأعمالهم هادفة وتصب في طريق رضا الخالق وتقوم على التعاليم ألإلهية حتى يتمكن الطفل من السير في طريق الخير والسعادة .
5 ـ ألإهتمام والحذر : يجب على ألأب وهو يمارس مسؤوليته أن يحذر ألإصابة بألإبتلاءات لأن ألأمراض والمفاسد وألإدمان على المخدرات تؤثر على ألأطفال ، ويرتبط العديد من أسباب النقص العضوي والجسدي والتخلف العقلي وألأمراض المزمنة بالوالدين وإصابتهما أو أحدهما بالسفلس وألإدمان على الكحول والمخدرات قديما وحديثا .
حري بألأب أن يكون صادقا مع نفسه على ألأقل لينجح في تربية

دور ألأب في التربية 83

ولده ، وأن يقوم ـ دون خجل ـ بإصلاح عيوبه وألإبتعاد عن الحرام ، وأن يعتصم بخالقه من خلال عبادته ويستعين بالقرآن كي يتمكن من إيجاد ملكة التقوى لدى أولاده .
كما يجب على ألأب أيضا أن يبني ذاته ويحذر سوء الظن وحب الجاه وضعف النفس والتكبر والغرور ويستعيض عن ذلك بعزة النفس والوقار والهمة العالية والعقل والحلم والعلم والشجاعة ، وأن يضع نصب عينيه طلب الخير للآخرين وحسن الظن بهم وذلك لتأثير هذه الصفات على روح ألإنسان وبنائها بناء قويا وسليما وإنتقال تأثير ذلك إلى أولاده .

نتائج ألإهمال :

ثمة نتائج مرة تنتظر ألآباء الذين لا يملكون ألإستعداد الكافي لتربية أولادهم فيلجأون إلى تصرفات متناقضة .
وألأسوأ من ذلك هي حالة ألآباء الذين لا يثقون بأنفسهم فيسيرون بخطوات متزلزلة على صراط التربية بسبب عدم إستعدادهم وتهيئة أنفسهم .
فالتربية هي خلق وحياة أخرى ، ومن جانب آخر فهي أشبه بالمعجزة التي لا تحدث أبدا إلى أن تخلو تربية ألأب من العيوب . وسيجلب الذين لم يتهيأوا لهذا ألأمر المصائب والويلات لهم ولأولادهم ولمجتمعهم .
إن قبول وظيفة ألأبوة قد لا تحتاج إلى تمرن واسع لكنها بحاجة إلى عقل سليم وشعور بالمسؤولية نابع من الضمير الحي واليقظ . ولا ينفع التعلم والتبحر في مجال التربية ما دام ذلك الشخص يفتقر إلى ضمير حي .

تحذير مهم :

علينا أن نجهد كثيرا ونحن نعيش الحياة مع أطفالنا لمعرفة أنفسنا وصفاتنا ألإيجابية والسلبية وأفضل أسلوب لنفع ألآخرين . فمن حق الولد الذي ننوي تربيته أن نعالج أمراضنا الخلقية وإضطراباتنا العاطفية والعصبية . فالغضب وعدم الصبر يؤثران بسرعة على أولادنا في حياتهم ألآنية والمستقبلية.

السابق السابق الفهرس التالي التالي