دور ألأب في التربية 84

وأخيرا يجب أن لا ننسى بأننا مسؤولون عن أعمارنا وسوف نسأل عنها يوم القيامة . وفي هذا المجال جاء عن رسول ألله (ص) قوله : «إذا كان يوم القيامة لم تزل قدما عبد حتى يسأل عن أربع ، عن عمره فيم افناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ».

دور ألأب في التربية 85

الباب الرابع

أدوار ألأب

للأب عدة أدوار ووظائف يمارسها مع ولده أهمها :
ــ الدور الثقافي ، وفيه يعلم أولاده فلسفة الحياة وكل ما يرتبط بها .
ــ الدور الديني ، وفيه يوفر ألأب حاجة الطفل للدين والعقيدة ، ويجهد في سبيل توثيق إعتقاد طفله بخالقه .
ــ الدور ألإجتماعي وألأخلاقي ، وبه يصبح الطفل كائنا إجتماعيا يلتزم بالقوانين وألأخلاق ألإجتماعية .
الدور السياسي ، ويجعل من الطفل مواطنا أو مسؤولا صالحا في بلده ـ وإنسانا ذا أفق واسع على الصعيد العالمي .
الدور ألإقتصادي ، ويستطيع ألأب من خلاله أو يوجه ولده نحو إلإنتاج والعمل والإستهلاك والتوزيع ، لتكون له مواقف شريفة تجاه الفقراء وألأثرياء .
وقد خصصنا فصلا واحدا لكل عنوان من العناوين المذكورة ، وسوف نشير إلى تلك المواضيع بلغة بسيطة مع مراعاة ألإيجاز في ذلك .

دور ألأب في التربية 86




دور ألأب في التربية 87

ألفصل الثالث عشر
الدور الثقافي للأب


الجهل الذاتي في الطفل :

لا يعرف الطفل بعد ولادته سوى بعض المعلومات الغريزية والفطرية . فهو يجهل جهلا كاملا تلك الظواهر المختلفة لهذا العالم الواسع . ولا يعلم شيئا عن قضايا العلة والمعلول ، ولا يمكنه أن يستثمر ما هو موجود في الحياة اليومية ويستفيد منه .
وبنمو الطفل يتضح جهله أكثر فأكثر بحيث يمكننا أن نلمس ذلك في تعامله وسلوكه وكلامه وعمله ، ومن خلال مواقفه تجاه ألأحداث والظواهر المختلفة .
لذا فإن تعلم الطفل هو أحد حقوقه التي يجب على ألأب وألأم أداءه . وتكمن خلف كل سؤال من أسئلة الطفل قوى فاعلة وأهداف نفسية توفير المناخ الملائم لنموه ونشاطه في مجال كسب العلم .
إن حب ألإستطلاع لدى الطفل يوجهه نحو إكتساب المعلومات وتفسير الظواهر المختلفة .

إكتساب الوعي :

فالطفل بحاجة إلى الوعي حتى يدرك ماذا عليه أن يفعل في هذا العالم ، وما هي المواقف التي لا بد من أن يتخذها .
وواضح أن الوعي هو أساس العمل ، وأن المعرفة تسبق العمل . والطفل فقير في معرفته مما يجعله يقف مبهوتا لا يدري ما يصنع .

دور ألأب في التربية 88

فهو بحاجة إلى إكتشاف العالم ومعرفة دوره في هذا الوجود ومعرفة فلسفة الحياة ، والهدف الذي لا بد أن يختاره لحياته ، ومعرفة أفضل أسلوب لمعاشرة الجماعة وألآداب والتقاليد التي ينبغي مراعاتها.
والطفل لا يتمكن من بناء نفسه وتربيتها لتتطابق مع المُثل العليا في هذا العالم البديع العظيم ، وهو بحاجة في الوقت نفسه ليكتشف المدنية ويستفيد من مزاياها .
وتفرض هذه ألأمور أن نهتم بتربية الطفل وتوعيته ثقافيا لكي يتمكن من إدراك هذه المواضيع .

دور ألأب ووظيفته :

ألأب هو المسؤول عن توعية طفله وتنشأته ثقافيا ، فالطفل يعتقد أن أباه يعلم كل شيء ، ويمكنه ألإجابة على جميع ألأسئلة ، ويعي جميع المعادلات ، وأنه يعلم بجميع الحوادث أينما وقعت ، وهو الذي يجب أن يتحدث عن الماضي ويخبر عن المستقبل ويدرك تفاصيل الحياة ودقائقها .
وأخيرا فإنه هو الذي يفتح بوابة العلم والمعلومات أمام طفله .
قد يكون الطفل مفرطا في تصوره عن والده ، لكن الكبار وبشكل عام يحملون تجارب أوسع ومعلومات أفضل من ألأطفال الذين يفتقدونها ، وأنهم سيحرمون ألأطفال تلك الفرصة المناسبة فيما لو بخلوا بهذه المعلومات عليهم . ويجب على ألأب أن يقوم بدوره الذي يعجز عن أدائه ألاخرون . فألأب هو معلم ألأسرة وقائدها وعن طريقه يصل الطفل ـ كما يقول الخواجة نصير الدين الطوسي ـ إلى الكمالات النفسية كالثقافة وألأدب والفن والصناعة والعلم وطريقة العيش ، وكلها من أسباب البقاء وكمال النفس .
ليس صحيحا أن نتصور بأن المدرسة هي المسؤولة فقط عن ثقافة الطفل ، فألأب يشيد دعائم العلم والمعرفة في ألأسرة ويبذل جهده لكي يسلك ألأولاد طريق العلم والبناء ويربي الذوق ويوجه كل ذلك نحو الطريق القويم . فعندما يقدم ألأب لولده الكثير مما يعلم ويحل مشاكله ويكشف له عن المجاهيل التي تعترضه في حياته ، إنما يكون بذلك كالدليل الموجه لطفله ، يعبّد له طريقه في الحياة .

دور ألأب في التربية 89


حدود الدور الثقافي :

يعتبر ألأب معلما لولده ومرشدا له ، يقدم له المعلومات قبل أن يدخل المدرسة . وإذا أصبح تلميذا فإنه سيعوضه عن النقص في هذا المجال ، فإلإسلام يؤكد على دور ألأب في توعية ولده ، وما المدرسة والمعلم إلا وكلاء عن ألأب في تحقيق هذه الوظيفة والقيام بمهمة التعليم ونقل المعرفة ، ويمكن تحديد الوظائف ألأساسية للأب بالنقاط التالية :
1 ـ التعريف بالحياة الدنيا : إن العالم الذي يحيط بالطفل مليء بالغرائب والعجائب التي يرغب الطفل كثيرا في التعرف عليها بسبب إمتلاكه لغريزة حب ألإستطلاع والتطلع وإكتشاف طرق ألإستفادة منها . ولا يخفى على ألآباء وألأمهات تلك ألأسئلة العديدة التي يطرحها الطفل بشأن العالم المحيط به ورغبته في معرفة كل شيء عن الحياة .
فحري بألأب أن يماشي طفله خطوة خطوة ويتحدث معه ويرشده ويوجهه ويعرفه بهذا العالم . وإنه مسؤول عن تفسير ظواهر العالم المختلفة لولده وإرشاده إلى طريقة ألإستفادة منها .
يطرح الطفل في مرحلة متقدمة عادة أسئلة أخرى حول الحياة الدنيا وكيف ظهرت للوجود ؟ وإلى أين ستنتهي ؟ وما هو معنى الموت والفناء وغير ذلك .
2 ـ التعريف بفلسفة الحياة : يعتبر ألأب مقصرا في عمله ومسؤوليته فيما لو صرف جهده وتفكيره في مجال توفير الحاجات المادية للطفل فقط فالولد يرى في والده الكمال من خلال المعلومات التي يملكها والتصور الذي يحمله عن الحياة .
ومن مسؤوليات ألأب المهمة مساعدته لولده بإختيار طريقه في الحياة وليكتشف بنفسه علل تصرفاته وأعماله المختلفة كي يدرك فلسفة حياته ولماذا سيموت وماذا عليه أن يعمل ؟ وما هي المشاكل ؟ وكيف يتصرف إزاءها ؟ .
3 ـ التعريف بألأدب وألآداب : وتشمل ألآداب ، الشعر والنثر وألأمثال حيث تساهم هذه الأمور في البناء ألأخلاقي للأمم ، وتسوق ألإنسان نحو أهداف محددة . ومن هنا تبرز ألأهمية الكبرى للدروس والمواضيع ألأدبية .

دور ألأب في التربية 90

ويتحدد دور ألأب في إنتخاب أفضل المواضيع ألأدبية خاصة تلك التي تنسجم مع فطرته وترشده نحو طريق الخير والسعادة . فما أكثر الذين تأثروا سلبا أو إيجابا بالدروس ألأدبية وألأمثال والحكم فإنعكس ذلك على تعاملهم وخلقهم ، ويعود السبب في ألأغلب إلى غفلة ألأسرة أو عدم إهتمامها وحذرها .
4 ـ التعريف بالعادات والتقاليد : حيث يمكننا القول إن العادات والتقاليد تساهم في بناء فكر ألإنسان وعقله .
وسيواجه الطفل هذه ألأمور منذ اللحظة التي يدخل فيها معترك الحياة الجماعية . فينبغي على ألأب أن يرشد ولده نحو العادات والتقاليد الجيدة والنافعة التي يمكنها أن تبني ألإنسان بناء جيدا لا أن تضله وتخدعه .
فالعادات والتقاليد لا بد أن تكون دروسا بناءة للطفل فيلتزم بها ويكتشف دربه في الحياة .
5 ـ التعريف بالفن : إن ألآباء مضطرون ـ وهم يؤدون وظيفتهم التربوية ـ إلى تعريف أولادهم ببعض البرامج التي تساهم في تلطيف روح الطفل وتؤثر على أفكاره لما لها من معان سامية ورائعة .
وسوف يستفيد الطفل من الفن كثيرا بشرط أن ينمي لديه قابلية التطور وألإندفاع نحو الخير .
وينبغي للأب أن يعلم ولده الفن الملتزم وأن يحافظ على ذوقه الفني حيا عنده حتى يكون الطفل على بصيرة من أمره ، ويتعلم كيف يواجه ألأحداث المختلفة ويستثمر أوقات فراغه إيجابيا .
6 ـ التعريف بالقيم : إن لجميع المجتمعات قيما بناءة وأخرى هدامة تؤثر على حياة ألإنسان وتدفعه إما نحو الصلاح والفضيلة وإما نحو الفساد والرذيلة .
وتمثل ألأسرة النواة ألأولى للقيم ألإنسانية التي توجه الطفل وترشده نحو طريق الخير والصلاح أو نحو طريق الشقاء وألإنحطاط .
وتبرز مسؤولية ألأب في نقل هذه القيم وترسيخها لدى الطفل ، إذ

دور ألأب في التربية 91

يستطيع أن يوفر له حياة معنوية جيدة فيما لو نقل إليه القيم النبيلة .
7 ـ التعريف بالحضارة والمدنية : ثمة مواضيع تدخل تحت مظلة التمدن فيكون ألإنسان مضطرا للإلتزام بها .
ومن وظائف ألأب تعريف ولده بألأبعاد المختلفة للتمدن البشري ـ خاصة الحضارة ألإسلامية ـ والتراث الثقافي لذلك المجتمع .
يجب على ألأب أن يمارس مهمته بشكل يمكنه أن يمنع ولده من ألإنبهار بالمدنيات ألأخرى خاصة في مرحلة النشوء والشباب .

البداية :

متى يبدأ دور ألأب ؟ الجواب هو قبل ولادة الطفل بل عند إختيار الزوجة .
إننا نعتقد بأن دور ألأب يبدأ منذ اللحظة التي يتم فيها تبادل العلاقة الثقافية والعاطفية بينه وبين ولده . . . أي منذ إبتسامته لوالده ، ولا بد من ألإسراع في هذه المهمة لأن ذلك ينفع الطفل كثيرا وينفع ألأب أيضا .
يجب أن يوجه الطفل ثقافيا منذ وقت مبكر كي يمكنه الوقوف بوجه تأثيرات ألآخرين ، ولا بد من ألإشارة هنا إلى أن ألأفكار الصحيحة أو الخاطئة التي يكتسبها الطفل خلال السنوات الست ألأولى من حياته ، ستبقى عالقة في ذهنه ، ولا يمكن إزالتها أبدا . وسوف تتحول تدريجيا إلى بديهيات ليعتمد عليها في الكثر من ممارساته وتصرفاته .

ضرورة التخطيط :

لا بد من وضع برنامج مدروس يتحرك ألأب على ضوئه من أجل الوصول إلى تربية سليمة . ويجب أن تكون الكلمات المطروحة والخطوات المتخذة مدروسة تماما قبل وصولها إلى الطفل .
فقد يشاهد ألأطفال صورا عديدة للوالدين لا يفهمون معانيها وهم في تلك المرحلة ، لكن إنعكاساتها ستجتاح الذهن فيما بعد لتتضح المعاني فتؤدي بهم إلى ألإنحراف ، وما أكثر الكلمات وألإيحاءات الحقة والباطلة التي لا يفهم الطفل معانيها حاضرا ، إلا أنه سيدركها مستقبلا .

دور ألأب في التربية 92

الفصل الرابع عشر
الدور الديني


الحاجة إلى الدين :

إن أشد ما يحتاج إليه ألإنسان هو الدين ، حيث تنبثق هذه الحاجة من أعماق ألإنسان . كما وأنه بحاجة إلى الدين في حياته الفردية والجماعية ، فالتعاليم الدينية تفتح الطريق أمام حياة شريفة كريمة ، وإن أوامر الدين ونواهيه إنما هي من أجل سعادتنا في الدارين . إن التعاليم الدينية هي من خالق كريم عطوف . يأمر خلقه وينهاهم من أجل سعادتهم وليس إشباعا لحاجة عنده حاشاه جل شأنه ، فهو الذي وهب ألإنسان وجوده وكيانه .
ولا بد أن نذكر هنا أن الدين ليس كما يعتقد بعضهم أنه جاء من أجل تسلية الناس أو حل مشاكلهم النفسية ، بل إنه يعني نوعا من المساهمة في تطوير الحياة وتحقيق عملية البناء والسير نحو ألأهداف والمقاصد الحياتية النبيلة .

أهمية التربية الدينية :

من حق الطفل تربيته دينيا ، وإن الأب مسؤول عن ولده في هذا المجال ، ويؤكد القرآن الكريم بأن على رب ألأسرة أن يقي أهله نارا وقودها الناس والحجارة . فالذي لا يؤمن بدين أو عقيدة فإنه سيسلك طريقا منحرفا يؤدي به إلى الهاوية .
إن التربية الدينية هي أساس سعادة ألإنسان والحائل بينه وبين إرتكاب أنواع الخطايا والجرائم . فألإشتياق إلى الكمال ينمي الفضيلة في

دور ألأب في التربية 93

أعماق ألإنسان ويرسخها . فيجب على الأب إيجاد هذه الروحية عند الطفل وزرعها في أعماقه حتى يمكنه الوقوف على قدميه مستقبلا والسير بخطوات واعية .
يخطئ ألآباء عندما يفكرون بتربية أولادهم جسديا ويهتمون بملبسهم ومأكلهم فقط ويتركون ما يرتبط بالعقيدة والفكر . فالمجتمع ألإنساني يحتاج في نموه وتطوره إلى أشخاص مؤمنين ملتزمين لا ينسون خالقه أبدا ويشعرون بأنه يراقبهم دائما .

ألأستعدادات عند الطفل :

فالفطرة ألإنسانية تسير ألإنسان نحو خالقه وترشده إليه دائما . وتنسجم التعاليم الدينية مع إرادة ألإنسان وفطرته ، فعندما يقول الرسول ألأكرم (ص) : «بعثت بالشريعة السمحاء » فإن واحدا من معانيها هي الشريعة ألإلهية المنسجمة مع الفطرة والمتطابقة مع النفس ألإنسانية التي هي من صنع الخالق أيضا ولا مجال لحدوث أي تناقض أبدا .
وتتوفر في الطفل ألأرضية المناسبة الملائمة لقبول الدين لكنه يجهل ما يرتبط بالعقيدة أو بالتعاليم . وقد يقلد الطفل وهو إبن خمس سنوات والده أو والدته في صلاتهما ، ويفعل كل ما يفعلانه لكن هذا يبقى مجرد تقليد .
يجب على الوالدين وخاصة ألأب ، أن يستغل هذه ألأرضية الموجودة عند طفله فيوجهه نحو الدين ويوفر له المعلومات الكافية وطريقة العمل ، وأن يقوم بترغيبه أيضا وتشويقه عندما يؤدي بعض الشعائر الدينية .

التعليم الديني :

يعتبر التعليم الديني من الوظائف المهمة التي تقع على عاتق ألأب وهو يربي ولده ، ولكن بشرط التدرج حتى لا يشعر الطفل بالملل . ويشمل التعليم الديني جميع المواضيع التي ترتبط بالعقائد والعمل وألأحكام . . .
وينبغي للأب أن يراعي قابليات طفله ومستوى إدراكه وفهمه ، وأن يماشيه خطوة خطوة ويقدم له ما يحتاج إليه من المعلومات المطلوبة عندما تقتضي الحاجة .

دور ألأب في التربية 94

يجب على الأب أن يبني عقل ولده وذهنه إضافة إلى تربيته دينيا حتى يمكنه الدفاع عن نفسه وإعتقاداته لكي لا تضله الوساوس .
يقول الإمام الصادق (ع) في هذا المجال : «بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبق إليهم المرجئة».
وحري بألأب وهو يعلم ولده أن يكون له قدوة في الأهداف والمعنويات حتى يعبد له طريق الهداية والرقي ، ويمنع تأثيرات المدارس ألأخرى عليه .

تأثير سلوك ألأب :

ثمة حقيقة في العمل التربوي تقول : إن العمل أكثر تأثيرا من الكلام . فألأطفال يتأثرون كثيرا بما يشاهدونه ولا يهتمون بالمستوى نفسه بما يسمعونه . ويجيد الطفل عملية التقليد ويمتلك قابلية كبرى على التمثيل ، إلا أنه غير قادر على تحليل الكلام الذي يسمعه ومن ثم ترجمته عمليا .
يستطيع ألأب توعية ولده دينيا من خلال تمسكه بألأفكار والعقائد والتعاليم . فلو كان ألأب متمسكا بالدين وبتعاليمه حقا وله سلوك حسن لأمكننا أن نأمل في ولده خيرا ، وإلا فإن ألأوامر والنواهي والعنف والزجر لا تنفع شيئا .
لقد أكد الدين الحنيف كثيرا على أداء الفرائض في أوقاتها بمرأى من ألأطفال لدورها البناء خاصة عندما يدعو ألأب أولاده إلى العبادة وهو يمارسها عمليا .
لذا يجب تقوية العامل الديني في ميحط الأسرة ، وتقع على ألآباء المسؤولية ألأولى في هذا المجال .

ألإرتباط بالخالق :

يتربط الطفل بخالقه من خلال فطرته أحيانا أو التقليد في أحيان أخر ، فيرغب في أن يكون طفلا جيدا ، أو أن يكافئه الخالق خيرا على حسناته ، ولا يعاقبه على سيئاته .

دور ألأب في التربية 95

ويشعر الطفل الصغير عادة بنوع من ألإرتباط بينه وبين خالقه عندما يكون بمفرده لا يسليه شيء . ويبرز عنده شعور بأن خالقه يحبه أو يكرهه .
وتمثل هذه الحالة مرحلة إبتدائية جدا من الشعور خاصة وأن الطفل لا يملك تصورا واضحا لها . ويمكن في السنوات ألأخيرة من المرحلة الدراسية ألإبتدائية أن يفهم الطفل تقريبا هذه ألأمور ويعي كيف يجب أن تقوم علاقته مع خالقه وكيف يستعين به .
نعرف جيدا أنه لا يمكن وصف الخالق أو تعريفه ، بل يمكن أن ندرك وجوده من خلال آثاره والتفكير بعمق في حقيقة الظواهر المختلفة ، وألإستعانة بالطرق الغيبية واللجوء إلى أساليب ألإستنتاج وألإستدلال والبرهان . فينبغي للأب أن يوفر تلك الأرضية لأولاده ويسعى لشرح الظواهر وألآثار التي تدل على وجوده جل وعلا ولفت أنظارهم إلى علائم قدرته حتى يدرك ألأطفال أن لكل مصنوع صانعا ، وهو ما ينطبق على هذه الظواهر أيضا .

الحث على العمل :

لا بد من توفير أرضية التمسك بالفرائض والعادات الدينية منذ مرحلة الطفولة وحث الطفل على التمسك بها .
إدعوا أولادكم إلى الصلاة وهم أبناء ثلاث أو أربع سنوات وذلك عندما تريدون أداءها ، وإستعينوا بالترغيب والتشويق والثناء والمديح . ولا بأس من إصطحابهم معكم أحيانا إلى المساجد وهم أبناء خمس سنوات أو أكثر ، وإلى المجالس الدينية ألأخر حتى يشاهدوا ما يقوم به الناس ، وإحذروا أن يصاب الطفل بالتعب من هذه البرامج . وطالبوه ـ عندما يصل إلى سن معينة ـ أن يمتنع عن أداء كل ما يخالف الشرع المقدس ، وعاقبوه إذا ما ترك الصلاة عندما يبلغ سبع سنوات أو عشر كما تشير الروايات إلى ذلك «مروا أولادكم بالصلاة لسبع وإضربوهم لعشر » ، « مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا » ، «فكم يؤخذ الصبي بالصلاة ؟ فقال : بين سبع سنين وست سنين » ، علموا صبيانكم الصلاة وخذوهم بها إذا بلغوا ».
والشيء المهم في جميع هذه ألأمور أن تتم برفق دون أي إكراه أو

دور ألأب في التربية 96

شدة ، فقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله في هذا المجال : «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة ألله إلى عباد ألله ».

الثواب والعقاب :

يستأنس الطفل لوالده ويتعامل معه بإخلاص ويشعر تدريجيا بأنه رازقه وربه ويدرك أيضا أن هناك حسابا خاصا لحبه وبغضه . ويحاول بشتى الطرق كسب وده وحبه .
إن أوامر ألأب ونواهيه وإرشاداته وتوجيهاته تؤثر في الطفل الذي يحسب حسابا لقدرة والده ويؤمن بثوابه وعقابه . وهذه حالة لا بد من إستمرارها عند الطفل لأنها ضرورية في تربيته ونموه .
وحري بألأب أن يلجأ تدريجيا إلى توجيه الطفل ـ بعد أن يكبر ـ إلى خالقه ليكون مطيعا لأوامره ونواهيه ، ويؤمن بثوابه وعقابه . فمثلا يقول له إعمل العمل الفلاني لأن ألله يحبه ، ولا تعمل هذا العمل لأن ألله يمقته حتى يتعلم الطفل معنى الثواب والعقاب وألأجر والجزاء . ويحاول إحياء الوازع الذاتي والخوف من الخالق في أعماقه من خلال إدراكه أن خالقه ينظر إليه ويشاهده في جميع حركاته وسكناته .

مسؤولية ألأب :

إن مسؤولية ألأب ثقيلة جدا في مجال التربية الدينية وتتسبب الغفلة والتسامح في هذا المجال في ضعف الجذور ألإعتقادية عند الطفل وتفريطه بالتعاليم مستقبلا . وسوف يلحق ضرر ذلك بالوالدين أيضا وخاصة ألأب .
فضعف العقيدة والدين هو سبب العديد من المفاسد ويعود ذلك إلى مرحلة الطفولة حيث لم تبذل ألأسرة جهدها في هذا المجال . ومن الطبيعي أن يكون ألأب مسؤولا أمام خالقه .
لقد وضع الباري جل وعلا أجرا لجهود ألأب رغم إنها وظيفته ، فقد جاء في حديث عن ألإمام العسكري (ع) : إن بعض الناس يتعجبون يوم القيامة لمكانتهم ومنزلتهم فيأتي الجواب «هذه بتعليمكما ولدكما القرآن وتبصيركما إياه بدين ألإسلام ».

دور ألأب في التربية 97

الفصل الخامس عشر
الدور ألإجتماعي وألأخلاقي للأب


الحياة ألإجتماعية للإنسان :

ألإنسان كائن إجتماعي ، وهذا يعني إنه يعيش بين أوساط المجتمع ويتكامل مع محيطه ، ويتبادل معه التأثير الثقافي بحيث يستطيع أن يحدث فيه تغييرا مشهودا .
فالطفل الذي هو اليوم بين أحضانكم سيصبح عاجلا أم آجلا أبا أو أما ، وعضوا في مجتمعه ، فيحتاج إلى الوعي ليتخذ المواقف المختلفة التي تتلاءم مع موقعه ، وتساعده في نموه ونشوئه . إنه مضطر للإتصاف باخلاق معينة تمكنه من العيش الهادئ المستقر بين أوساط ذلك المجتمع .
فالحياة ألإجتماعية بحاجة إلى قوانين وضوابط عديدة رغم الفوضى وألإضطرابات ، وإن الناس مضطرون إلى ألإلتزام بها طبقا لما هو مسنون وعلى أساس إيمانهم بالتقاليد الدينية .
وتقع على ألآباء مسؤولية التربية ألإجتماعية للأولاد وتوجيههم نحو حياة سعيدة .

المسائل ألإجتماعية :

إن أول ما يتبادر إلى الذهن عندما يثار موضوع المسائل ألإجتماعية هو العلاقات بكل أشكالها . وبذا يمكن تحديد جانب من مسؤولية ألأب في هذا المجال .
تخضع العلاقات إلى ضوابط وقوانين . وقد تكون قوانين إلهية أو

دور ألأب في التربية 98

مدونة من البشر أنفسهم أو مأخوذة من أديان وفلسفات غير إلهية . فالمهم هو وجود القانون في المجتع وعلى أبنائه أن يتكيفوا بشكل معقول مع هذه القوانين . وتقع على ألأب مسؤولية تعليم الطفل هذه القوانين وإعداده للإلتزام بها .
وقد لا يراعي جميع ألأشخاص الذين يعيشون في المجتمع تلك القوانين أو أن بعضهم يتجاوز حدوده ، ويسمى هذا إنحرافا .
فينبغي على ألاباء أن يوضحوا لأولادهم ألإنحرافات ويحفظونهم بعيدا عنها .
ولكي يدرك ألإنسان ماذا يعني ألإنحراف وما هي حدوده ومن هو المنحرف وهل يمكن العفو والتسامح ؟ لأن ذلك يحتاج إلى القدرة على التمييز والتشخيص ، وتقع على عاتق ألأب مسؤولية تنمية هذه القدرة لدى الطفل وتعويده على إتخاذ الرأي المناسب والموقف الصحيح في مختلف القضايا .
إن نتيجة الحكم على شخص معين هو إما أن يستحق الثواب أو العقاب . ويمكن عن الطريق هذا تعليم الطفل وتفهيمه معنى السجن والتأديب والحد والتعزيز والقصاص وألديّة ، وحري بألأب أن يلقن طفله هذه المعاني حتى يمتنع عن ألإنحراف وإلا سينال جزاءه .

موضوع ألأخلاق :

فألأخلاق من المواضيع المهمة التي تميز ألإنسان عن الحيوان . ونقصد بألأخلاق تلك الضوابط وألإلتزامات التي ينبغي بألإنسان أن يلتزم بها من أجل حياة إجتماعية كريمة تليق بمنزلته .
أو هي تلك القوانين التي يتمكن ألإنسان أن ينشأ ويتكامل في ظلها . فألإنسان بحاجة إلى نمو إجتماعي يوازي نموه الجسماني وينسجم مع الحياة ألإجتماعية التي يعيشها . وقد أكد ألإسلام كثيرا على هذا الموضوع ، وإهتمت التربية ألإسلامية بألأخلاق إلى درجة جعلتها الهدف من بعثة الرسول ألأكرم (ص) : «إنما بعثت لأتمم مكارم ألأخلاق».

دور ألأب في التربية 99

فألأخلاق هي أثمن شيء لدى ألإنسان إضافة إلى أنها تعد من ضروريات الحياة الفردية وألإجتماعية ، وتؤدي إلى تكامل ألإنسان فرديا وجماعيا (إجتماعيا) .
وينظر ديننا الحنيف إلى عديمي ألأخلاق فيعتبرهم أمواتا . فما أكثر الجرائم والجنح والمشاكل والمفاسد التي لا يمكن حلها إلا في ظل ألأخلاق . وإن الجريمة ثمرة ألأخلاق السيئة أو أنها بسب تربية فاسدة قامت على ألأخلاق المنحرفة . وبشكل عام فإنه لا يمكن الفصل بين التربية وألآخلاق أبدا .

دور ألأخلاق :

إن للأخلاق تأثيرا فطريا على ألإنسان ، فألأطفال يولودن بفطرتهم صادقين أمناء ظاهرين ثم يقتبسون صفات الخيانة والكذب والظلم من محيطهم التربوي .
وتقع على ألاباء مسؤولية بناء فطرة أطفالهم وتنميتها وتوجيهها نحو الخير والفضيلة ، ولذا فهم مسؤولون عن مراقبة سلوك ألأطفال وألإهتمام بالجوانب ألأخلاقية والعاطفية .
ومن جانب آخر تقتضي وظيفة ألأب أن يكون معلما لولده وقدوة له في ألأخلاق ويجب عليه أن يكون إنموذجا (مثاليا) في الخير وألإحسان وألإيثار والتعاون والتكافل الإجتماعي ، فيوجه طفله نحو الفضائل وألأخلاق الحسنة مستخدما في ذلك جميع ألأساليب الممكنة .
ومن الضروري أن يراعي في هذا الطريق أمرين :
ألأول : أن يلتزم ألأب عمليا بذلك السلوك الذي يرغب أن ينشأ عليه ولده .
والثاني : أن يوفر له المناخ الملائم وألأجواء المناسبة حتى يستأنس به الطفل فتبرز عنده رغبة التقرب من أبيه وتقليده في أساليبه وخطواته . ومن هنا تبرز أهمية ثقافة الأب ومطالعته بهذا الخصوص .

السابق السابق الفهرس التالي التالي