دور ألأب في التربية 100


مجالات المواضيع ألأخلاقية :

لا بد من ألإدراك أن التربية ألإجتماعية وألأخلاقية لها مجالات واسعة جدا إذ أنها تشمل كل ما يحتاج إليه الطفل في حياته ألإجتماعية الحالية والمستقبلية . ولهذا يجدر بألآباء أن لا ينظروا إلى تربية أولادهم نظرة ضيقة وذات بعد واحد ، حيث تقع عليهم مسؤولية كبيرة جدا في جوانب عديدة منها :
أ ـ الجانب الفردي : على ألاباء أن يعلموا أطفالهم الطرق وألأساليب النافعة والمفيدة في الحياة كي يكونوا أناسا قادرين على التمييز بين الحق والباطل ومنتقدين وهداة صابرين مقاومين ، وأن يتعرفوا على المشاكل والصعوبات حتى يكونوا وقورين في الكبر ويمتازون بالحلم . وقد جاء عن ألإمام الكاظم (ع) قوله : «تستحب عرامة الغلام في صغره ليكون حليما في كبره ».
فينبغي أن يتحلى الولد بألإباء وعزة النفس ويهتم بشرفه وعفته حتى يقاوم ألإنحرافات والمفاسد .
ومن الصفات الفاضلة ألأخرى التي يجب أن يتعلمها الطفل ويتربى عليها هي الشهامة والتضحية وألإيثار وألإستقامة والفهم وألإدراك وألإشتياق للصفات الحميدة.
ب ـ الجانب ألإجتماعي : علينا أن نربي أولادنا على حب الناس وخدمتهم وتمني الخير لهم ، وعلى الشعور بالمسؤولية وأدائها على أفضل ما يرام ، وعلى التعاون في طريق الخير والتكافل ألإجتماعي والمساواة والمواساة والتكامل .
لا بد أن نربي أطفالنا حتى يحبوا للآخرين ما يحبون لأنفسهم ويكرهون لهم ما يكرهون لها ، وعلى ألأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وألإهتمام بموضوع الرقابة ألإجتماعية ، وعلى ألإلتزام بالضوابط والمصالح ألإجتماعية وإحترام ألإنسان من أجل إنسانيته لا للونه أو عنصره ، وألإلتزام بالتقاليد وألأعراف الجيدة . وكذلك إتخاذ مواقف مناسبة إزاء المجرمين والظالمين والمنحرفين ، والشعور بالمسؤولية من أجل إصلاح المفاسد والتعويض عن النقائص .

دور ألأب في التربية 101


ألأخلاق والقدوة :

يجيد الطفل عملية التقليد ، وإنه يرغب تعلم السلوك الذي يمثل إنموذجا له فيلتزم به ، ويسير خلف أشخاص يمتازون بالصفات التالية :
1 ـ أن يكونوا أبطالا جهد ألإمكان حتى ينبهر الطفل تقريبا لتصرفاتهم وأعمالهم .
2 ـ أن يكونوا ممن يحبهم الطفل ويألفهم .
3 ـ أن يقبلوه ويهتموا به ويداروه.
4 ـ أن تكون تصرفاتهم متجسدة دائما أمام الطفل فينظر إليها بإستمرار .
ومن هنا تبرز أهمية ودور الوالدين . وللأب تأثير يفوق ألآخرين لأنه المسؤول عن ألإنضابط وتنفيذ القوانين .
وهكذا نشاهد أن عيوب ألأب وسلبياته سوف تسري بلا شك إلى ولده الذي يحاول تقليده في كل شيء .

ألأب والتعليم ألأخلاقي :

وللأب تأثير بالغ جدا في تعليم ولده عمليا وذلك في مرحلة الطفولة وحتى النشوء . وتقع عليه مسؤولية تقديم الدروس لولده من خلال عمله وسلوكه حتى يفهم الطفل ماذا عليه أن يعمل وكيف يكون ؟ فالزيارات وألأحاديث والمواقف في محيط ألأسرة والمجتمع تمثل درسا عمليا للطفل ، ويتمكن ألأب أحيانا أن يستعين بالقصص في عملية التعليم بشكل غير مباشر ، فألأطفال يلجأون عادة إلى تقليد أبطال ألقصص في سلوكهم ، وذلك متى ما تأثروا بتلك القصة .
أما ما يرتبط بالتعليم المباشر فينبغي القول بأن ألأطفال الصغار لا تؤثر فيهم سوى الجمل القصيرة ، ويمكن دمج ماهو نظري بما هو عملي والتحدث عن فلسفة بعض ألأمور وذلك منذ نهايات مرحلة الطفولة .
يجب على ألأب ان يقدم القول والعمل لولده أولا ثم يوضح له السبب فيما بعد .

دور ألأب في التربية 102

ويمكن وضع دروس نظرية في ألأخلاق إبتداءً من مرحلة البلوغ ، لكن الشيء المهم هو أن الطفل والحدث وحتى البالغ أو الشاب لا يمكنه ألإستغناء عن سماع القصص أبدا وألإستفادة منها أخلاقيا .

إيجاد العادات ألأخلاقية :

يمكن إيجاد العادات ألأخلاقية ـ كما هي العادات ألأخرى ـ عن طريق الممارسة والتجربة والتكرار . لكن ألأصل هو أن يلتذ الطفل بالشيء المطروح أمامه . ومن هنا تبرز ضرورة ذكر بعض اللذات المعنوية للأولاد إبتداءً من أواخر مرحلة الطفولة أو النشوء وخاصة بالنسبة للبالغين والشباب لتأثيرها الكبير عليهم .
ففهم ألأمور وإدراكها يوفران المناخ الملائم ويشوقان الولد للإلتزام بسلوك خاص ، وأن التمييز بين ما هو إيجابي وما هو سلبي يساعد كثيرا في هذا الطريق ، وينبغي على ألأسرة أن توفر هذا التصور عند أطفالها لأنها النواة ألإجتماعية ألأولى .
ويمكن أحيانا إيجاد عادات معينة عند الطفل من خلال التحذير العملي المتكرر . فمثلا لا تسمحوا له أبدا أن يقاطع كلام ألآخرين أو يهينهم أو يجرح أحد بلسانه .
وثمة طريق آخر لإيجاد هذه العادات يرتبط بتصرف الكبار كإحترامهم للطفل وإستقباله بوجه بشوش . وقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله : «إذا سميتم الولد فأكرموا له وأوسعوا له في المجالس ولا تقبحوا له وجها ».

دور ألأب في التربية 103

الفصل السادس عشر
الدور ألسياسي للأب


ألإنسان والسياسة :

لو قلنا أن السياسة هي الطريقة ، وأن علم السياسة يقوم بدراسة العلاقات المتبادلة بين الناس والجهاز الحاكم وأخذنا بنظر ألإعتبار في نفس الوقت الجانب ألإجتماعي للإنسان ، لأضطررنا إلى ألإعتراف بأن ألإنسان يمثل كائنا سياسيا .
إن المجتمعات تدار وفق ضوابط وقوانين معينة حيث على كل عضو في المجتمع أن ينتخب منهجا وأسلوبا لحياته الفردية والجماعية ينسجم مع إرادة المجتمع ، مما يدفع ألإنسان لممارسة السياسة .
وقد وصف ألإنسان بأنه حيوان سياسي ، وإن كان هذا الوصف لا يناسب ألإنسان في بعده الحيواني إلا أنه صحيح في بعده السياسي . فلا يوجد من لا يملك رأيا أو موقفا إزاء القانون والحرية والحزب والتنظيم والعلاقات الداخلية والخارجية والحرب والسلم ومدوني القوانين وغيره وهذه كلها أبعاد سياسية .
فألإنسان سياسي بطبعه مهما كلن موقعه وظرفه ومستوى نموه وتكامله ، ولا تقتصر معاطاة السياسة على ثلة قليلة كتلك التي تدير أمور المجتمع وتحكم ، وذلك لأن البعد السياسي يعتبر من ضروريات الحياة ألإجتماعية .

دور ألأب في التربية 104


السياسة والتربية :

لا يمكن للتربية أن تكون بعيدا عن السياسة وإيجاد ألإستعداد عند الفرد ليكون مواطنا صالحا في علاقاته ، ما دامت أنها (أي التربية) تعني تحقيق تغيير في جميع ألأبعاد الوجودية ، وأنها وسيلة للبناء .
ولا بد أن تقوم التربية بدورها طالما كان الهدف هو تبني ألأشخاص موقفا معينا في عالم الوجود حيال الحياة الجماعية ونوعها وطريقة الحكم وإدراة المجتمع .
لا بد أن نعترف أن الشخصية ألإنسانية تتأثر بالمحيط ألإجتماعي وخاصة ألأسرة ، وأن ألأب هو الذي يعلم ولده كيفية إتخاذ المواقف المناسبة في الحياة السياسية وألإتصاف بخصائص معينة إزاء مختلف الحقائق .
ينبغي للأب أن ينشئ ولده سياسيا ويوضح له معنى الحكومة وضرورتها ، وكيف يتعامل مع القانون ؟ وماذا تعني الحرية ؟ وكيف يجب أن تكون ؟ وأن يدفعه للإهتمام بمختلف ألأحداث فلا يكون لا مباليا إزاءها .
والشيء المهم في التربية السياسية هو أن يدرك ألأطفال بمستوى فهمهم ، مواقعهم في هذا العالم ودورهم في المجتمع ألإنساني ، والمواقف التي ينبغي أن يتخذوها إزاء القائمين على شؤون مجتمعهم وألأحداث المختلفة التي يشهدونها .

معرف العالم وألأنظمة :

يرتبط جانب من مسؤولية ألأب ـ بلا شك ـ بتعريف ولده بهذا العالم والدول والشعوب والحكومات المختلفة . حيث يجب أن يقوم تدريجيا بتوعيته بهذه الأمور وذلك بما يتلاءم مع مستوى الطفل وسنه وفهمه وإدراكه .
إننا نعرف أنه توجد أنظمة مختلفة على هذه الكرة ألأرضية حيث تتعدد المناصب في درجاتها لتشمل الرئيس والوزير والمساعد والمدير ، وتختلف الدساتير والقوانين والبرلمانات وألأجهزة التنفيذية كالشرطة مثلا وغير ذلك .
إننا لا نقصد من خلال ذلك تدريس الطفل مادة الحقوق والسياسة وتعريفه بجميع التفاصيل ، ولكن يكفي أن نوفر له نظرة إجمالية عامة عن هذه

دور ألأب في التربية 105

ألأمور خاصة في مرحلة نشوئه ، وأن يلم بشيء من هذا العالم وما يجري فيه وبالخصوص مجتمعه الذي يعيش فيه وحكومته وألأحداث التي يشاهدها ويلمسها .

القانون والتقنين :

لا يمكن إنكار الحقيقة التي تقول بأن جميع المجتمعات بحاجة إلى القانون لإدارة أمورها . وقد يكون هذا القانون وضعيا أو إلهيا . فعلى الجميع أن يتبعوا قانونا معينا سواء كان جيدا أو سيئا .
والشيء المهم هو أن يربي ألأب ولده على إحترام القانون ألإلهي وألإيمان به وتطبيقه . ولا بد أن يشعر الطفل بقدسية القانون وضرورة الدفاع عنه .
وفي مجال التقنين ينبغي للطفل أن يحترم شخصية المقنن ويدرك إنه لا يمكن لأي شخص أن يتمتع بهذا الحق . فالمقنن لا بد أن يكون صادقا ونزيها وأمينا يريد الخير للآخرين ، وأن يتم التأكيد على إنسانيته وخلقه وتقواه .
وحري بألأب أن يوضح لولده عمليا إحترامه للقانون وفائدته ونفعه وذلك من خلال تصرفاته وسلوكه اليومي حتى يشعر الطفل بحاجته للقانون فيلتزم به ويضحي من أجله .

ألأستقلال والحرية :

يجب على ألأب أن يربي ولده على حب ألإستقلال والحرية حيث توجد في أعماق الطفل ألأرضية الفطرية لتقبلهما ، وأن يوضح له حدود الحرية حتى يعلم بأنها مقيدة .
وعلى الولد أن يعرف ما هي حدود حريته والسبب في تقييدها ، وألآثار والنتائج السيئة للحريات المطلقة ، والمصاعب التي ستلحق بألآخرين وبه أيضا فيما لو أراد الناس التصرف كيفما يشاؤون .
وتربويا فإنه من الضروري جدا أن نفسح المجال للطفل ليمارس حريته المشروعة .

دور ألأب في التربية 106

وفي موضوع ألإستقلال ، يجب أن نوفر ألأرضية المناسبة ليستقل الطفل تدريجيا في حياته ويقلل إعتماده على والديه بنسبة فهمه وإستعداده ونشوئه وإستطاعته وينبغي أن نساعده ليقف على قدميه حتى تزول حاجته إلى والدته وبالتدريج في فرش فراشه مثلا أو غسل جواربه ومنديله .
ومن الضروري أن يدرك الطفل أهمية إستقلال المجتمع والحياة الحرة الكريمة ، وأن يعشق هذا المفهوم إلى درجة يكون مستعدا للتضحية من أجله بماله ونفسه .

العلاقات القومية والدولية :

ينبغي للأب أن يربي ولده ليكون منسجما مع أعضاء مجتمعه فيشعر بضرورة حب الناس ويطلب الخير لهم ، وأن يرسخ فيه روح التفاهم وألإيثار والصبر والعمل وخدمة مجتمعه والبشرية .
أما في المجال الدولي ، فلا بد أن يربى الطفل على روح التفاهم وألإيثار ، وحب الناس ومبدأ ألأخوة والسلام ، والنظرة العالمية (ألأممية) بدلا من النظرة القومية . وأن يعرف بأن المسلمين هم إخوة له وأن يراعي العدل وألإنصاف مع جميع الذين يعيشون في مناطق العالم المختلفة .
عليه أن يكون نصيرا للمظلومين وخصما للظالمين ومغيثا للمحرومين ومعينا لهم . وأن يتقرب ممن يحترم ألإنسان وألأخلاق ويعادي الذين يحاولون إستعمار الشعوب ويستكبرون عليهم .

المواطن والقائد :

تقع على ألأب مسؤولية بناء الولد ليكون في كبره مواطنا صالحا في المجتمع ، مطيعا للدولة وقوانينها ، وقائدا جيدا لو أنيطت به مسؤولية معينة . وعليه أن يكون متهيئا لقبول المسؤولية عندما يجد في نفسه الكفاءة وأن يستلم المنصب عندما يشعر بقدرته على خدمة الناس لا أن يكون عبدا للمال والمنصب والشهرة فيجلب لنفسه وشعبه الويلات .
إننا لا نربي أطفالنا على حب الوطن بالمعنى الذي يفهم القوميون . إننا لا نربي أطفالنا ليرتبطوا بدولة معينة فقط أو بمجتمع خاص ، بل نربيهم

دور ألأب في التربية 107

من أجل المجتمع ألإنساني ، ولا نهدف من خلال ذلك أن نحدد المصالح البشرية في أطر ضيقة ، بل نسعى لإحترام البشرية وحقوقها وأن نقدم لها هداة ومرشيدن .
إننا لا نربي مواطنين فقط ، بل شخصيات عالمية تطمح بحل مشكلات العالم فيما لو تمكنت من ذلك .

التدريب العسكري والدفاع :

إن التدريب العسكري وتعلم فنون الحرب يمثل جانبا مهما في التربية السياسية ، ويريد ألإسلام من كل إنسان أن يدافع عن حقوقه وكرامته ومجتمعه ، ويقف بوجه الكفار وألأعداء ويكون مستعدا للتضحية بنفسه من أجل الحق .
ويؤكد التدريب العسكري ـ وهو من أجل الدفاع ـ على ضرورة أن يتعلم الطفل السباحة والرماية والفروسية ، وأن يتهيأ ويستعد للدفاع عن نفسه حسب الظرف الذي يعيشه ، وهذا ما كان ساريا في صدر ألإسلام وخاصة في عهد الرسول ألأكرم (ص) .
فقد أوجب ألإسلام على المسلمين ألإستعداد من أجل الدفاع ، بل أوجبه على المرأة أيضا ، ولا يستطيع أي شخص أن ينكر أهمية ذلك . ويذهب القرآن الكريم إلى أبعد من ذلك عندما يؤكد أن ألإستعداد لا بد أن يقذف الرعب والخوف في قلوب ألأعداء حتى لا يتجرأوا في ألإعتداء على المسلمين .

دور ألأب :

يجب على ألأب أن يكون القدوة الصالحة في التربية السياسية ، فهو لا يمثل مصدر القوة لطفله بل يعتبر أيضا القدوة له في العمل بوظيفته ويرسم له الطريق المناسب للقيام بهذه المسؤولية .
فالطفل ينظر إلى ابيه على أنه المقنن والقائد والقدوة في الجرأة والشهامة ، وأن ما يقوم به ألأب يعتبر درسا للطفل يتعلم منه الموقف وألأسلوب والمنهج في التربية السياسية .

دور ألأب في التربية 108

إن حب ألأب للناس ونظرته للحرية وألإستقلال والجهاد والنضال في سبيل الوصول إلى الهدف والدفاع عن الحق والحقيقة والمظلومين ومجاهدة الباطل ، تمثل دروسا سياسية للطفل مما يستوجب على ألأب أن يحذر كثيرا في هذا المجال .
يجب أن يشاهد الطفل رغبة ألأب وميله نحو القضايا السياسية وما يرتبط بمجتمعه والبشرية جمعاء . ولذا فمن الضروري أن يلتزم بالمشاركة في النشاطات ألإجتماعية ليكون مواطنا صالحا أو قائدا يقتدى به من أجل حياة إسلامية . وإن أي تسامح يؤدي إلى جهل الطفل بألأمور السياسية .

دور ألأب في التربية 109

الفصل السابع عشر
الدور ألإقتصادي للأب


مقدمة :

يمثل ألإقتصاد جانبا ضروريا في الحياة . ويعرف بأنه المحرك للإنسان نحو العمل والسعي الدؤوب ، حتى وصفه بعض الفلاسفة بأنه ألأساس ، وإن كلاً من الفكر وألأدب وحتى الدين !! تنبثق عنه . وتنتهي أغلب المساعي ألإقتصادية إلى البطن والزينة والقوة حيث تبذل الجهود للحصول على طعام أكثر أو زينة أفضل . وقد يلجأ ألأشخاص أحيانا إلى الخيانة والجريمة وإراقة الدماء . ويرى ألإسلام أن ألإقتصاد ليس أساسا لكل شيء لكنه مهم في نفس الوقت .
وقد جاء في السنة الشريفة : «من لا معاش له لا معاد له » ، ولذا أكد ألإسلام على العمل وإعتبره من الأمور ألأساسية المهمة للغاية وأمر الناس به ليحصلوا على لقمة العيش ويتمكنوا من بناء أنفسهم وتطويرها .

ضرورة التربية الإقتصادية :

ينبغي ألإهتمام بالتربية ألإقتصادية لدورها المهم في حياة ألإنسان وبناء مستقبله . وياحبذا لو يقوم بوضع الحجر ألأساس وإيجاد الرغبة وألإندفاع عند أطفاله وهم صغار حتى لا يتهربوا في مرحلة الشباب من حمل هذه المسؤولية .
يقوم ألأب عمليا بتوفير المأكل والملبس ووسائل الراحة والترفيه لأسرته ، ويتعرف الطفل ذاتيا على هذا الموضوع في سنوات الطفولة ألأولى

دور ألأب في التربية 110

وينظر إلى والده بأنه أساس القوة وألإقتدار ، فيطلب منه أن يؤمن له حاجاته ، ويدرك إنه النواة إذ تعود جميع ألأمور إليه . ثم يشعر تدريجيا أن عليه أن يكون كأبيه وأمه في القيام بالوظائف وضرورة تعلم مهنة معينة . وتعتبر هذه ألأرضية لإقتباس العديد من ألأعمال وتعلمها . ومن الضروري أن يرافق ذلك دافع خارجي وهو حديث ألأب وتشجيعه لولده وتشويقه للمضي في هذا الطريق .

التمرن على العمل وألإنتاج :

عليكم أن تحثّوا أولادكم منذ مرحلة الطفولة على ممارسة العمل وألإنتاج ، ولا بد أن يتناسب ذلك مع سن الطفل وإدراكه وفهمه . وليبدأ من سقي الورود مثلا وتنظيف الرفوف وألإعتناء بالمكتبة وترتيب المقاعد والمناضد أحيانا .
إننا نعتقد بأن الطفل سيكون قاصرا عن أداء عمل مفيد خارج البيت لو لم يتمكن من أداء عمل مفيد ونافع داخله ، وسوف يفقد الثقة بنفسه .
إسمحوا له بأن يؤدي بعض أعمال البيت وشؤونه الخاصة كغسله لجواربه ومنديله وألإعتناء بالحديقة وغير ذلك لكي يستطيع التطور والتقدم في المستقبل . إطلبوا منه أحيانا أن ينجز بعض أعمالكم الخاصة أو يساعدكم فيها لكي تزداد خبرته بفنون العمل وأساليب الحياة ومشاكلها .
ثمة مساحات واسعة للعمل أمام ألأطفال . حيث توجد اليوم طرق عديدة يمكن بواسطتها تكليف ألأطفال للقيام ببعض ألأعمال ألإنتاجية ، حتى أولئك الذين يبلغون من العمر أربع سنوات ، وعلى سبيل المثال يمكن ألإشارة إلى الطباعة بواسطة ألآلة الطابعة ، ولكن بشرط أن تبذل الجهود كي لا يشعر الطفل بتعب أو ملل جراء ذلك العمل فيحرم منه .

إدراك قيمة العمل :

من ألأمور المهمة جدا هو أن يدرك الطفل قيمة العمل ، وإنه أساس لداوم الحياة وبقاء هذا الوجود وإستمرار الحضارات والحصول على الثروة

دور ألأب في التربية 111

إشباع البطن . ولا يمكن إلا من خلال العمل تيسير إقتصاد العائلة , توفير حياة طبيعية ومنتظمة .
كما وعليه أن يدرك من خلال الممارسة أن العمل لا يستهدف توفير لقمة العيش فحسب بل إنه وسيلة من أجل تقديم الخدمات ألإجتماعية والتطور الحضاري . إذ يجب عليه أن يهوى العمل ويحبه ويكره البطالة ويمقتها ويخطط لحياته طبقا لهذه المفاهيم .
ومن المفيد أن يلجأ إلى ذكر بعض القصص في هذا الشأن ومنها ما ورد عن رسول ألله (ص) من أنه شاهد رجلا فأعجبه ، ولما سأل عن عمله وعرف أنه عاطل عن العمل قال : سقط من عيني .
إن ذكر مثل هذه القصص تشوق الأولاد وتدفعهم نحو العمل .

التوجيه في العمل :

ينبغي للأب أن يطلع طفله منذ صغره على أنواع ألأعمال وخصوصياتها وإيجابياتها وسلبياتها وصعوباتها وكيفية مواجهتها وسوف تؤدي هذه العملية إلى إندفاع الطفل وإهتمامه بأعمال معينة مما يفسح المجال للأب ليصرف هذا الإندفاع ليصب في خانة ألأعمال التي لا تضره جسديا ونفسيا بل تساهم في نموه وتكامله .
وينبغي أن يؤكد ألأب على ألأعمال الشريفة التي توفر حياة حرة ونزيهة ثم تزداد كفاءة الطفل وخبرته تدريجيا بإزدياد سنه ونشوئه .
ولا بد أن توضع الحدود الفاصلة بما يختص بالذكور وألإناث والمسؤوليات التي يمكن أن يتحملها كل حسب جنسه .
ويجب أن تصب الجهود بشكل عام من أجل خلق تصور جيد عند ألأولاد عن العمل وألإنتاج ، وألإهتمام بالتقوى والشرف من أجل أن يحمل الطفل إنطباعا إيجابيا عن تلك ألأمور .
وحري بألأب أن يكون مؤهلا لهذا الدور فيملك ذلك ألإستعداد المطلوب .

دور ألأب في التربية 112


التعرف على عمل ألأب :

لا بد للطفل أن يتعرف بالتدريج على مهنة أبيه وعمله وموقعه وخدماته ودخله والمشاق التي يواجهها . وهذا يعتبر بالنسبة للطفل عاملا مهما في إكتشاف ظرفه ومكانته والحدود المرسومة لطلباته ورغباته ، أو إنه يعرب عن فخره وإعتزازه في أحيان أخر .
ويجب أن يقيم عمل ألأب على ضوء قيمته وأهميته والتقوى المستخدمة فيه لا على أساس المنصب والدخل ، ويمثل هذا درسا للأولاد .
وينبغي للأب أن يكشف لولده عن رغبته بهذا العمل وحبه له حتى يؤكد له أن العمل عندما يكون شريفا لا تؤثر فيه النوايا السيئة للآخرين .

الوالدان قدوة :

من العوامل التي تقلق الطفل وتؤثر عليه سلبا في المستقبل هي شكوى ألأب من عمله وندب حظه السيء وشعوره بالشقاء والتعاسة .
لا شك في أن على ألإنسان أن يتقدم في حياته ويتطور ويختار عملا أفضل ، لكن هذا لا يعني أن يسيء إلى العمل الذي يؤديه حاليا وينجزه دون أية رغبة .
كما أن ألإعلان عن الضجر والتعب من العمل وقذاراته وفقدان الصبر على تحمله ، تقدم دروسا سيئة للطفل ، إضافة إلى شعوره بالقلق . فألأم التي تشتكي من عمل البيت دائما وألأب الذي يندب حظه بإستمرار إنما يزرعان مفهوما خاطئا في ذهن الطفل . فينبغي عليهما أن يقدما لولدهما دروسا في الثبات والنشاط والتقوى وألأمانة . لأن ألإسلام يرفض السطحية في العمل ويؤكد على ألإتقان وقد جاء في الحديث الشريف : «إن ألله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ».
كما يجب على الوالدين أن يهتما بالمهارة وألإخلاص في عملهما ولا يفرطان بشرف العمل من أجل أرباح مادية سرعان ما تزول .

دور ألأب في التربية 113


قيمة المال وألإنفاق :

من ألأمور المهمة في التربية ألإقتصادية ، الكشف عن قيمة المال والهدف من الحصول عليه . ويجب أن يحدد الهدف من التبادل التجاري والحصول على لقمة العيش حتى يكون هذا دافعا لإستمرار الحياة والمحافظة على الكرامة . ولن يكون للمال أية قيمة عندما يتعرض شرف ألإنسان وكرامته لخطر الضياع .
وينبغي للطفل أن يدرك حجم القوة الشرائية للعملة ، وألأجر الذي سيكسبه لقاء جهد معين ، والحاجات التي يمكن توفيرها بواسطة هذا المبلغ .
إن من ألخطأ أن يخفي الوالدان ـ وخاصة ألأب ـ قيمة شراء ألأشياء عن الطفل إذ عليهما أن يطلعاه على قيمة الدفتر أو الصابون أو الفرشاة أو المأكولات لكي يكون على بينة من كيفية ألإنفاق ومعدله .
كما إنه أحد أعضاء ألأسرة وشريكها في ألإستهلاك وينبغي إشراكه في القناعة بمستوى إدراكه فيما لو دعت الحاجة لذلك .
وعلى ألأب أن يعلم ولده منذ صغره على عدم ألإسراف والتبذير ويربيه على حالة ألإعتدال في ألإنفاق .

الفقراء والثراء :

قد تصاب ألأسرة بالفقر أحيانا فتكون عاجزة حتى عن توفير حاجاتها الضرورية وألأساسية .
وليس صحيحا في مثل هذه الحالات اللجوء إلى التأوه وندب الحظ السيء وبث الشكوى خاصة امام الطفل لأن ذلك يؤثر سلبا على معنوياته . ولا بد أن تصبر ألأسرة على هذه الحالة وتقدم بذلك درسا للطفل . ويجب أن لا يؤدي الفقر المادي إلى الفقر ألأخلاقي وإلى التأثير سلبا على كرامة ألإنسان وعزته وإبائه . فمن نعم الخالق الكبرى إنشراح الصدر والتعامل بوجه بشوش مع أفراد ألأسرة لما له من تأثيرات عديدة على تعادلها .
أما تأوه ألأب من الفقر أمام الطفل فإنه يحط من شخصيته ويمهد لإنحراف الطفل نفسه .

دور ألأب في التربية 114

وفي نفس الوقت ينبغي أن لا تؤدي الحالة ألإقتصادية الجيدة للأسرة إلى إيجاد عادات قبيحة لدى ألأطفال .
ولا بد من مراعاة حد ألإعتدال دائما سواء في الفقر أو في الغنى ، وأن يمنع الطفل من ألإسراف والتبذير ، ويطلب منه ـ على سبيل المثال ـ أن يحتفظ بنصف التفاحة بعد تناول نصفها ألآخر ولا يرميه بعيدا بل يأكله بعد فترة .

ألإنفاق :

حري بألأب أن بعلم ولده منذ الطفولة على الإنفاق . وقد ورد في بعض ألأحاديث الشريفة أنه إذا نويت أن تعطي الفقير شيئا فسلم ذلك إلى الطفل حتى يقدمه له .
إن تربية الطفل على هذه الخصلة يجب أن تكون صحيحة بحيث لا يصحب ألإنفاق مَنّاً . وعليه أن يدرك بأنه عضو في المجتمع ألإنساني ، وأن شكر الخالق على الثروة يعني إنفاقها على الفقراء ومساعدتهم .
كما يجب على ألأسرة أن تراعي في محيطها موضوع مساعدة الفقراء وألإحسان إليهم وبذل الجهد من أجل إصلاح أمورهم . ويمكن للجميع أن يتحلو بهذه الصفات حسب إستطاعتهم ومهما بلغت الحالة ألإقتصادية .

السابق السابق الفهرس التالي التالي