دور ألأب في التربية 115

الباب الخامس

البناء في المراحل المختلفة

يسلك ألإنسان أنماطا متعددة من السلوك في مراحل حياته المختلفة وتتباين المواقف من مرحلة إلى أخرى ، وتعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل لأنها ألأساس في بناء ألأخلاق والسلوك . وتقع على ألأب مسؤولية ثقيلة ومعقدة للغاية ، وحري به أن يسرع في تربية ولده لكي يتجاوز المراحل القادمة بسلام وأمان .
وتشهد سنوات النشء والبلوغ تفاعلات عديدة ومتنوعة عند أولادنا وتحدث تغييرات نفسية كبيرة بسبب الثورة الحاصلة في الجسم إضافة إلى حالات التمرد والعصيان وألإنفعال التي تصاحب عادة هذه المرحلة مما قد يؤدي إلى ألإنحراف والفساد فيما لو إمتنع ألأب عن ممارسة دوره في ألإهتمام والحذر خاصة وأن ألأولاد يميلون بشدة في هذه المرحلة لمصادقة ألآخرين . وينبغي مساعدتهم من أجل تحقيق ألأمن والمحافظة على سلامته بواسطة توفير عناصر التسلية النافعة والمفيدة ومراقبة ذهابهم وإيابهم ومعاشرتهم للآخرين .
ثم تصل أخيرا مرحلة الشباب التي يمكننا أن نطلق عليها «مرحلة التمرد» حيث تواجهها أخطار جمة من كل جانب ، ويجب على ألأب أن يفسح المجال أمام نمو ولده وتكامله من خلال التخطيط لأوقات فراغه وتكليفه ببعض الوظائف وإستشارته في ألأمور .
وسوف نشير إلى هذه المواضيع في أربعة فصول منفصلة مع مراعاة ألإختصار وألإيجاز .

دور ألأب في التربية 116




دور ألأب في التربية 117

الفصل الثامن عشر
ألأب والطفل


مرحلة الطفولة :

قلنا إن مسؤولية ألأب في إنجاز وظائفه تبدأ قبل ولادة الطفل بل ومنذ المرحلة التي يبحث فيها عن زوجة له . إذ يجب عليه أن يفكر في الطفل الذي سيكون ثمرة لهذا الزواج ، فيختار له أما مناسبة .
وسوف تتأكد مسؤولية ألأب بشكل واضح منذ أللحظة التي تطأ فيها أقدام الوليد هذه الدنيا ، وتقع عليه وظائف عديدة أهمها ما يرتبط بمرحلة الطفولة ، إذ عليه أن يقوم بدوره بنفسه لا أن يستعين بألآخرين لتربيته .
إن مهمة تربية الولد في مرحلة الطفولة بالغة ألأهمية وتشتمل على تفاصيل ودقائق عديدة لا بد أن تراعى بأفضل وجه .
كما ينبغي أن يستعين ألأب بخالقه جل وعلا ويستفيد من تجارب الكبار وأصحاب الخبرة . وتمثل الرغبة والمراقبة وألإهتمام وتخصيص الوقت وظائف أخرى على هذا الطريق .

أهمية مرحلة الطفولة :

توصف مرحلة الطفولة بأنها مصيرية ومهمة لشمولها على وظائف وعوامل خاصة لا يمكن مشاهدتها في المراحل ألأخرى أو إنها ضعيفة التأثير . وقد حددوا هذه الخصوصيات بما يلي :
1 ـ مرحلة ألإستعداد : يحمل ألطفل إستعدادا عجيبا في سنوات حياته ألأولى مما لا يمكننا أن نشاهد مثيلا له في المراحل ألأخرى.

دور ألأب في التربية 118

وعادة هناك علاقة عكسية بين السن والتأثير لأغلب أبناء المجتمع ، إذ كلما زاد سن الطفل زاد رفضه لما يقال له وإنخفض إستعداده في القبول والموافقة . ويمكن لهذا الطفل أن يكون إنسانا فاضلا أو منحرفا من خلال ما يملكه من ألإستعداد . فألأطفال مهيأون للتعامل إيجابيا مع ألأحداث والوقائع وقبول التحذيرات وألإيحاءات وذلك لإمتلاكهم قلوبا غير ملوثة وجاهزة للتربية ، فقد ورد عن ألإمام علي (ع) في هذا الشأن : «وإنما قلب الحدث كألأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء إلا قبلته».
2 ـ مرحلة التبلور : يمكننا أن نشبّه روح الطفل كالنبتة التي تقدر على ألإستدارة في إتجاهات مختلفة . ويصدق هذا الوصف حتى على جسم الطفل وأعضائه . وعنده القدرة للإعتياد على ما نقدمه له خاصة فيما يرتبط بالسلوك والشخصية .
ينشأ الطفل في هذه المرحلة ويتكامل بناؤه الروحي ، ويكون ألأب قادرا على بناء طفله كيفما يريد ـ تقريبا ـ من خلال ألأسلوب الذي يتبعه وطريقته في العمل . وقلنا تقريبا لأنه لا يمكن دائما تحقيق جميع الرغبات بشان تربية إنسان معين وتوجيهه كما نريد ، إذ أن ذلك يرتبط بظروف وعوامل محددة قد لا تتواجد جميعها لدى الطفل .
3 ـ مرحلة الحساسية : الطفل هو ذلك الغريب الذي يطأ عالم الوجود ويمكن تشبيه حواسه بالنوافذ المفتوحة على هذا العالم ، فهو يلمس الظواهر المختلفة ويشاهدها ويسمعها ويشمها ويتعرف عليها تدريجيا ويألفها . إنه يحس بما يشاهده ويدركه ويعتقد أن تلك الظاهرة هي ألأولى وألأخيرة في هذا الوجود فيستسلم لكيفية الحدوث ويتصور أنه قانون لا بد أن يقبل به ، خاصة وإنه ليس بمستوى يمكنه التعامل بنظرة أوسع مع تلك ألأمور أو أن يختار ألأفضل وألأحسن .
إنه لا يدرك إلا ظواهر ألأمور وزخارفها ولا يقبل إلا بما يلتذ به ولا يبتعد إلا عن كل ما يسبب له المشاكل .
يجب أن نعرف أن الطفل يكون حساسا جدا في هذه المرحلة أزاء

دور ألأب في التربية 119

مختلف الظواهر وألأشياء الجديدة . وتبرز عنده قابلية ألإختيار وألإنتخاب تدريجيا كلما كبر ، فيستخدم ذوقه الشخصي وتصعب في هذه الحالة عملية التأثر بالظاهرة الحسية.
4 ـ مرحلة وضع ألأسس ألأخلاقية : تعتبر الطفولة أهم مرحلة تتبلور فيها ألأخلاق والسلوك ، حيث توضع اللبنات ألأساسية للأخلاق من خلال إتخاذ القدوة وألإيحاءات والتحذيرات ، فتنشأ سيرة الطفل وفقا لذلك . فلا بد من تنمية الفضائل في شخصية الطفل منذ السنوات ألأولى وسوف ينتخب ألأطفال فيما بعد ألأحسن وألأفضل عندما يتعرفون على المجالات وألأذواق المختلفة ويعملون بما كسبوه .
وإن النجاح سيكون حليف ألآباء وألأمهات فيما لو مارسوا دورهم في ألإهتمام بالطفل خاصة في البعد ألأخلاقي وذلك منذ سنوات ولادته ألأولى .

مسؤولية ألأب :

تقع على ألأب مسؤولية تربوية مهمة في مرحلة الطفولة ، ومن الطبيعي أن تقع على ألأم مسؤولية أخرى . كما أن من الخطأ أن يترك ألأب للأم مسؤولية تربية الطفل وتحقيق إنضباطه ويقف جانبا ، بل ينبغي على ألأب أن يهتم مبكرا بتربية ولده . فقد ورد عن المرحوم النراقي في معراج السعادة أن الطفل ينشأ غالبا سيء ألأخلاق حسودا ، كاذبا ، عنيدا ، حاقدا ، و . . . فيما لو لم يهتم به منذ بداية حياته .
فلا بد أن يلم الطفل منذ البداية بصورة أو بأخرى بالحياة الثقافية والسياسية وألإجتماعية وألإقتصادية ، وحري بألأب أن يبذل جهده خاصة في المجال ألأخلاقي حتى يكون سلوكه سويا فلا يقال عنه شيئا .

ألإسلام وألإهتمام :

إن الجهود التي تبذل في السنوات ألأولى خاصة في مرحلة الطفولة إنما هي جهود مهمة وأساسية حتى أنه لا يمكن محو بعضها خاصة فيما يرتبط بالمجال الديني وألإعتقادي والفلسفي .

دور ألأب في التربية 120

فينبغي ألإهتمام بمجالات ألأخلاق والسلوك ، والعقيدة والتعليم أيضا . . ويتسع هذا ألإهتمام ليشمل التعامل والمعاشرة ، وعدم تجرؤه على والديه . فمثلا لا يحق للطفل مهما كان صغيرا أن يهين والده أو أن تكون له الجرأة في إنجاز أي عمل دون موافقته .
لا بد أن تخضع معاشرة الطفل وعلاقاته مع أصدقائه إلى مراقبة خاصة حتى أنه يجب التفريق بين ألأولاد في الفراش إذا بلغوا عشرا كما جاء في ألأحاديث الشريفة .
كما يشمل ألإهتمام أيضا بزيارات الطفل وطعامه ونظافته وكلامه ودفاعه عن نفسه ورفضه وموافقته . وينبغي أن نحذر كثيرا حتى لا يتعود الطفل على العادات السلبية والسيئة .

مستوى الطموح :

ماذا ننتظر من الطفل ، وما هو طموحنا والمستوى الذي نبغيه من نموه وتكامله ؟
لا بد من القول أن طموحاتنا ينبغي أن تكون محدودة . فنحن لا نريد أن نجعل من البيت معسكرا تنفذ فيه ألأوامر دون نقاش . إنه طفل ويريد أن يكون حرا ولا يقبل بالقيود .
فيجب على ألأب أن يغض الطرف عن كثير من ألأمور بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى حدوث نتائج عكسية كرفضه لأوامر ألأب مثلا .
إن من الخطأ أن يصر ألأب لأن تخضع جميع تصرفات ولده إلى إطار معين يرسمه شخصيا . فألأطفال يولدون وعندهم قدرات محدودة في تطبيق مختلف البرامج ، فينبغي مراعاة خصوصياتهم العقلية والنفسية وإستعداداتهم ألأخرى . ويتطلب ألأمر أحيانا أن يضع ألأب نفسه مكان طفله فيفكر بالذي عليه أن يعمله ، والحدود المرسومة لطموحاته ورغباته وقابليته في تحقيقها .
فالأفكار البعيدة المنال والطموحات التي لا نهاية لها والمثاليات لا تحقق أهدافكم أبدا تبعد الطفل عنكم وتفشل العملية التربوية ولا تحقق اهدافها .

دور ألأب في التربية 121


ألإسراع في التربية :

أما الملاحظة ألأخيرة فهي يجب ألإسراع في تربية الولد وبنائه وتوجيهه .
وقد يفرط ألآباء أحيانا بهذه الوظيفة وينتبهون إليها بعد فوات الأوان وحدوث هوة كبيرة بين رغبات ألأب وأساليبه المستخدمة مع طفله الذي إتخذ سلوكا معينا من خلال ما تعلمه عمليا .
فيجب التفكير بالتربية وضوابطها منذ اليوم ألأول الذي يتم فيه ألإرتباط بين الطفل وأمه أولا ثم بينه وبين أبيه ثانيا . ولا بد من إتخاذ خطوات سريعة خاصة في المجال ألإعتقادي وألأخلاقي كي لا يعتاد الطفل على أساليب أخرى فينشأ عقله عليها .
جاء في خطاب لأمير المؤمنين ألإمام علي (ع) إلى ولده ألإمام الحسن (ع) قوله :
«فبادرتك بألأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك ».

دور ألأب في التربية 122

الفصل التاسع عشر
ألأب والحدث


سنوات الحدث :

لقد فصلنا هذه المرحلة من الطفولة بسبب أختلافها عن المراحل التي تسبقها أو التي تلحقها ، وذكروا لذلك حدودا . فحددوها للإناث بعد إنتهاء عشر سنوات وحتى البلوغ ( 14 سنة تقريبا) وللذكور بعد إنتهاء إثني عشرة سنة وحتى البلوغ (15 أو 16 سنة تقريبا ) .
وتختلف هذه المرحلة عن مراحل الحياة ألأخرى بيئيا ونفسيا ، فهي تعتبر من جانب مرحلة تكميلية لمرحلة الطفولة حيث يمكن مشاهدة آثار لها . ومن جانب آخر فهي مقدمة لتوفر ألأجواء الملائمة للبلوغ الذي سيظهر ولو بشكل مقدماتي بسيط مع نهايات هذه المرحلة .
ويعتقد علماء النفس أن هذه المرحلة من أطول المراحل وأكثرها إثارة للجدل ضمن مراحل تبلور الشخصية لأنها تفصل بين مرحلتي الطفولة والبلوغ المهمتين . وهي ليست كالطفولة ولا كالبلوغ حتى يدرك ألإنسان مسؤوليته وطريقة تصرفه .
لذا فإن هذه المرحلة مهمة جدا للمربي والطفل لأنها مصحوبة بالمشاكل والصعوبات .

عالم ألأحداث :

إن للأحداث عالما خاصا مليئا بالتغييرات والمجاهيل رغم العديد من

دور ألأب في التربية 123

الدراسات والبحوث ألإجتماعية والنفسية والبيئية ، وإن هذه المرحلة هي أشد ما يعاني منها ألآباء والمربون .
ثمة إختلاف بين الذكور وألإناث في هذه المرحلة ولكل منهما تعقيدات خاصة وأسرار معينة حيث يؤدي النمو وحدوث تغييرات جسمية ونفسية إلى شعور الحدث بألإضطراب فيجد الظروف مناسبة ليستغرق في ذاته ويفكر في نفسه ومستقبله .
فهؤلاء دخلوا مرحلة جديدة من البناء وألإستدلال وهم ينظرون ألآن إلى حياتهم وإلى ألآخرين نظرات مختلفة ويبذلون جهدهم لإكتشاف العلاقة الجديدة بين العلة والمعلول ويمضون قدما نحو ألأمام . ويعيشون ظروفا لا يمكنهم فيها الرضا بالظلم والفوضى والقلق . ويسعون لإثبات جدارتهم وألإعتماد على أنفسهم وإستقلالهم .

السمات والسلوك :

تتسم هذه المرحلة ببعض الخصوصيات التي تطبع تصرفات الحدث وسلوكه منها :
* ظهور جوانب إنفعالية في أفكاره وسلوكه إذ يمكن ألإستفادة منها إيجابيا في عملية التربية .
* إتساع نطاق التفكير بسبب إتساع دائرة التجارب والمشاهدات والمعلومات .
* إشتداد الحالة الفردية والمحورية والذاتية لدى الحدث .
* الميل إلى كسب ألأصدقاء وتوسيع نطاق هذه الدائرة وإنتخاب الرفقاء والجلساء .
* إتساع دائرة الرغبات والميول خاصة رغبة الحصول على أمور عديدة وإمتلاكها أو منحها .
* ظهور حالة خاصة يمكن أن نطلق عليها بالذاتية حيث يفكر الحدث في ظلها بنفسه وعالمه الخاص .

دور ألأب في التربية 124

* الميل للإستقلال وهو في الذكور أشد من ألإناث .
* ظهور بدايات للعصيان والتمرد وهو في الذكور أشد من ألإناث .
* السعي لتوكيد الشخصية بأساليب جاهلة منها مثلا معارضة آراء الكبار ووجهات نظرهم .
* إتضاح ظاهرة النمو والبلوغ التي هي مقدمة لدخول عالم البالغين .
* الميل لبناء النفس والكشف عن ألإستعدادات المختلفة .

مخاطر هذه السن :

ثمة مخاطر عديدة تعترض طريق ألأحداث ، وذلك منذ نهايات مرحلة الطفولة ، فينبغي ألإهتمام والحذر حتى تزول سلبيات هذه المرحلة ، وتقع المسؤولية على ألآباء بالدرجة ألأولى .

أما أهم المخاطر فهي :

ـ خطر ألإنتماء إلى «الجماعة» خاصة وأنها تؤدي أحيانا إلى الجريمة .
ـ خطر السرقة إذ تتم بتوجيه من الكبار عادة وتمثل فخا لهم .
ـ خطر الهروب والتشرد بسبب وساوس المنحرفين والفاسدين .
ـ خطر السقوط في أحضان المنحرفين جنسيا من الذين لا يستهدفون سوى تلويث ألأولاد .
ـ خطر العبث بألأعضاء التناسلية مما يؤدي إلى ممارسات سيئة كالعادة السرية مثلا ، فتكون أهم مشكلة تواجهه في المستقبل .
ـ خطر التلوث الفكري والعقائدي الذي يتم عادة في أواخر هذه المرحلة وبدايات مرحلة البلوغ .
ـ خطر فقدان الرغبة في الدراسة والعمل فتكون النتيجة التخلف والبطالة والسقوط .
نعم ، فهذه أخطار مهمة تقف في وجه أولادنا ، وهي تعتريهم فجأة دون سابق إنذار . وقد لا يشعر بها ألآباء ايضا بسبب كتمان السر الذي يمتاز به الحدث . وأن سبب العديد منها هو العلاقة الخاطئة بين ألأب وولده.

دور ألأب في التربية 125


المشاكل :

يبرز شعور لدى ألأولاد في هذه المرحلة أنهم أصبحوا مهمين وذوي شخصية وذلك بسب نموهم الجسمي وتقدمهم في الدراسة وتعلمهم لبعض أساليب المناقشة . لذا نراهم يلجأون إلى العناد والعصيان والتمرد والكذب لإثبات وجودهم فيصبحوا عدوانيين حتى أنه تبرز عند البعض منهم صفات لا خلقية .
يشعر الحدث برغبات وميول عديدة يريد توفيرها ، كالرغبة في إمتلاك المال وألإنفاق والمصادقة والمعاشرة واللاأبالية والتسلية والترفيه وألإستقلال في الحياة الخاصة ، فيلجأ إلى مختلف ألأساليب والحيل من أجل تحقيق هذه الرغبات .
كما يشعر بالحاجة الماسة إلى ألأمن وراحة البال والخاطر وذلك بسبب ألإضطرابات والمخاوف التي تعتريه في حياته اليومية علما بأن هذه المرحلة تمثل بذاتها واحدة من أسباب تلك ألإضطرابات .
فألأحداث كبار جسميا لكنهم أطفال في التصرف والسلوك والطبيعة . لذا نراهم يبحثون عن الشخص الذي يمنحهم الثقة ويوفر لهم ألإستقرار الفكري .

الميل إلى نظير السن :

من خصائص هذه المرحلة هو الميل إلى كسب ألأصدقاء ومعاشرتهم والمبالغة في هذا ألأمر حتى أن الحدث يكون مستعدا للتضحية بنفسه أو ألإبتعاد عن والديه والتفريط بهما من أجل أصدقائه .
وتشتد أواصر الصداقة في هذه المرحلة فيلجأ الحدث إلى التنظيم وألإنتماء إلى «الجماعة» مما يشكل خطرا عليه في بعض ألأحيان . كما أن معاشرة ألأصدقاء المنحرفين يؤدي بهم إلى ألإنحراف وممارسة الجريمة كالسرقة وغير ذلك .
وتتم أغلب هذه العلاقات والصداقات بسبب خصائص هذه المرحلة والتغيرات التي تتم بها . فألأحداث يلمسون التغيرات الجسمية الحاصلة عندهم ويتعرفون عليها ويبحثون عن ألأصدقاء لكي يسروا لهم .

دور ألأب في التربية 126

وترتبط هذه ألأسرار بالحالة الحياتية والتغيرات الجسمية الحاصلة وتدفع تلك العلاقات والصداقات أحسانا إلى مسالك خطيرة تتبعها فضائح تنال من شرف ألأسرة ومكانتها .

موقف ألأب :

ينبغي للأب أن يقوم بدور الهداية وألإرشاد لولده الحدث . ومساعدته وتحذيره من المخاطر ، وعليه أن يتدرج معه إبتداء من مرحلة ألأمر والنهي حتى يصل إلى مرحلة تقديم النصح وألإستشارة والتوجيه . علما بأن سلوك ألأب وتصرفه مهم جدا في هذا المجال .
إن أهم ما يجب القيام به ذي هذه المرحلة هو بناء شخصية الحدث لأنه لا يزال يشعر بالحياء ويتمكن ألأب من خلال ذلك النفوذ إلى ولده . ويرغب الحدث أن يكون والده معه صميما لا أن يعارضه ويناقشه . ويرتبط سلوكه وخلقه بسلوك والده وتصرفه ، أو إنه يكتسب ذلك من ألأسرة والمحيط .
لذا حري بألأب من خلال الدور الذي يملكه أن يحقق التعادل في المجال ألإجتماعي وألأخلاقي حتى يشجع ولده ويدفعه نحو الخلق وألأدب ويهذب سلوكه .

التمرن على المسؤولية :

حملوا الحدث مسؤولية معينة ، وأطلبوا إنجازها بدقة ، فمثلا طالبوه بأداء جانب من عمل البيت وهذه مهم جدا خاصة للإناث . كما عليكم أن ترشدوه نحو ألأسلوب الصحيح لإنجاز تلك المسؤولية وقدموا له الصلاحيات الكافية والحرية المطلوبة ، بل وحاولوا أن يتمرن على بعض الصعوبات والمشاكل ويتفاعل معها .
على الحدث أن يعتمد على نفسه وهو في هذه المرحلة ، وأن يوفر بنفسه أغلب حاجاته حتى لا يحتاج إلى مساعدة أبويه . وأن تكون تلك المسؤولية مصحوبة بالعاطفة ، وإجعلوه يثق بنفسه ويعيش ألأمل في الجهود التي يبذلها .

دور ألأب في التربية 127

الفصل العشرون
ألأب و البالغ


ظاهرة البلوغ :

البلوغ هو من علامات النمو . فالذكور وألإناث يبلغون متى ما وصلوا إلى سن معينة ، فيقال أنهم إنضموا إلى عالم الرجال أو النساء ، ويتم تحديد السن للإناث بـ (14) سنة وللذكور بـ (16) سنة . وحتى يكتمل البلوغ ويصل الشخص إلى مرحلة الكمال فإن ذلك يتم للذكور في سن 18 سنة وللإناث في سن 16 سنة .
ويصاحب البلوغ عند الإناث والذكور علائم معينة يعرفها الوالدان جيدا ، لكن هذه العلائم تبدأ في الظهور تدريجيا قبل السن الذي ذكرناه بعامين ، وتحصل بسبب البلوغ تغيرات في الجسم ثم في النفس .
والنمو بحد ذاته يجعل ألأولاد يشعرون أنهم أصبحوا كبارا على شاكلة ألأب وألأم فيحق لهم ألأمر والنهي والتصرف بحرية وغير ذلك .
إن الهرمونات التي تدخل في الدورة الدموية تؤدي إلى ظهور بعض التغيرات عند ألأشخاص مما يرتبط بغير الجسم كالنفس والعاطفة مثلا مما يحدث ثورة في ألأخلاق والسلوك وإتخاذ المواقف .

مرحلة القلق :

إن سن البلوغ هو سن القلق وإيجاد المشاكل لذات الشخص والمربي في نفس الوقت . لذا نرى أن أغلب ألأسر تشتكي أولادها في هذه المرحلة وتدعي بأنهم أصبحوا لا أباليين أو نراها تئن من عصيانهم وتمردهم وعدم إنصياعهم لأوامر ألأب وألأم .

دور ألأب في التربية 128

وصف بعض علماء النفس هذه المرحلة بأنها من أكثر مراحل الحياة تأزما لأنها تمثل مرحلة إنتقالية ، لذا ينبغي تجاوز هذه المرحلة بسلام . وحري بألأب أن يتصرف بحكمة وحذر .
وقد نظر ألإسلام إلى ظاهرة البلوغ على أنها ظاهرة غير مجهولة رغم شمولها على بعض ألأسرار المقلقلة . أما سبب إنحراف البالغين فيعود إلى عدم توفير المناخ الملائم لهم أو التسامح المفرط بهذا الشأن .
فألإسلام يؤكد على أهمية هذه المرحلة حتى أن بعض العلماء الكبار (كالسيد إبن طاووس رحمه ألله ) أكدوا على ضرورة إقامة ألإحتفالات للبالغين وتعريفهم بالموازين الشرعية وألأخلاقية . ويعني ذلك ـ في الحقيقة ـ تمهيد ألأجواء لهم لدخولهم عالم الكبار والترحيب وألإحتفاء بهم .


التغييرات والثورة :

تحصل تغييرات عديدة في مرحلة البلوغ يمكن أن نسميها ثورة في الجسم والمزاج والنفس والعاطفة وألأخلاق . إذ يتغير كل شيء حتى الذكاء وألإستدلال والتعلم والمواقف مما يكون من الصعب أحيانا على المراهق نفسه تحمل ذلك .
يقول بعض علماء البيئة أن السبب في فقدان هذا التعادل يعود إلى إفرازات بعض الغدد التي تؤدي فيما بعد إلى حدوث تغييرات في ألأخلاق والسلوك وتأثيرها على ألأهداف وألإبداعات في القول والعمل ، وحدوث إضطرابات وإنفعالات مختلفة .
فالوالدان يتصوران بأن أولادهم البالغين قد كبروا عندما يشاهدان قاماتهم الطويلة وأجسادهم النامية فيغفلان أحيانا عن المسائل العاطفية ، في حين إنهم لا يزالون أطفالا بحاجة إلى عاطفة ألأب مثلا . وتتفاعل في أعماقهم أفكار مختلفة تؤدي إلى حدوث تغييرات في علاقاتهم مع ألآخرين ومن يحيط بهم .
وبشكل عام يمكن القول بأن تكامل الشخصية وبناء العواطف والشعور وألأخلاق ، وجميع السمات ألإنسانية ألأخرى تخضع إلى التغييرات والثورة

دور ألأب في التربية 129

التي تشهدها مرحلة البلوغ حتى أن الحياة الظاهرية والباطنية سينالها التغيير أيضا .
كما ستظهر بعض المشاكل في ألأخلاق والسلوك بسبب أعراض البلوغ . وتطغى على المراهقين ظاهرة المثالية فتبعدهم عن الحقائق . ويبرز صراع داخلي خفي وآخر خارجي جلي مع ألآخرين فيبدو للمشاهد أنهم قد إبتعدوا عن مسيرة الحياة .

الصداقة وكتمان السر :

يمكننا أن نسمي هذه المرحلة بمرحلة كسب ألأصدقاء وقد يتفاعل المراهق مع هذا ألأمر كثيرا بحيث ينسى أحيانا أن له أبوين لا بد أن يستمع لرأيهما ، بل نراه يقدم أصدقاءه على أبويه فيندفع ألآباء مثلا إلى إصدار أحكام متسرعة على أولادهم ، بأنهم لا يطيعونهم . وثمة آباء أمكنهم النفوذ إلى أولادهم فجعلوهم يقدسونهم ، لكن هذا ليس صحيحا أيضا فينبغي على ألاباء أن يحذروا ذلك .
فالصديق مهم جدا في هذه المرحلة ولا بد من الحذر حتى لا تؤدي بعض العلاقات إلى فساد ألأولاد وإنتمائهم إلى جماعات منحرفة وأللجوء إلى السرقة وممارسة الجريمة . فالولد يأنس إلى صديقه ويأتمنه على جميع أسراره ويضحي من أجله .
ثم إن للصداقة نتائج إيجابية عديدة ، ولها نتائج سلبية عديدة أيضا مما يؤكد ضرورة ألإهتمام والحذر .
إن ما يطلق عليه من سر بين أبناء هذه المرحلة لا يعتبر سرا في حقيقته ، وإنما حصل إتفاق بين الطرفين على ذلك . فالبالغون يحاولون إخفاء جميع المسائل حتى عن ألوالدين ولا يطرحونها إلا على أصدقائهم .

خطر ألإنحراف والعصيان :

ثمة مخاوف تهدد البالغ ، منها : ألإنحراف الجنسي الذي يتضح بصور مختلفة فتدفعه ضغوط الغريزة لسلوك منحرف .

دور ألأب في التربية 130

إن حب ألإستطلاع الجنسي والعبث بأعضاء التناسلية يوفران ألأجواء للعديد من ألإنحرافات مما يستوجب على الوالدين وخاصة ألآباء ألإهتمام بهذا الموضوع . كما يؤدي الخجل والحياء ووجود الحجب في هذه المرحلة ، أو الجرأة الغريزية في أحيان أخرى إلى فساد البالغ وجر ألآخرين إلى هذا المستنقع أيضا .
ويؤدي الجدال والنقاش والصراع والبحث عن المكانة إلى إيجاد بعض المشاكل . فالبالغ غير مؤهل عقليا للتصرف بحكمة في مثل هذه الحالات فيشتد عنده الميل للجدال والنزاع فلا يقدر على ممارسة حياته العادية .
ويصبح جريئا في بعض ألأحيان بسبب رغبته في إكتشاف أسرار مرحلة البلوغ مما يشكل خطرا عليه .

مرحلة معرفة النفس والحساسية :

إن مرحلة البلوغ هي مرحلة معرفة النفس ، وحب الذات ، والسعي من أجل إكتشاف نفسه والتعرف على ابعادها الوجودية .
فالبالغ يسلك طرقا عملية ويفكر مع نفسه بشان خلقه ووجوده وقوته وإستعداده الفكري مما تطرأ بعض التغييرات عليه .
إن سن البلوغ هو سن الحساسية ، وسرعة التأثر ، فنراه يضطرب ويصرخ لأدنى قلق ، ويميل بشدة لإبراز ذاته ، ويقف بوجه أية إهانة يسمعها ويلجأ إلى الرفض والمقاومة .
وفي مجال العواطف فإن البالغ يكون حساسا جدا وتصل شدة حساسيته إلى حد أنه يهلك نفسه أحيانا بسبب إنفعالاته . ولا تستقر العاطفة على حال واحد ، بل نراه مثلا يذرف الدموع أحيانا لسبب تافه ويكون قاسيا في أحيان أخرى لدرجة أنه لا يبالي حتى بقتل إنسان آخر ولا يشعر بألإضطراب أبدا .
وتشمل حساسيته أسرته أيضا . فقد تثور ثائرته ويشعر بألإضطراب عندما يشاهد حدوث مشكلة بين والديه ، لكنه مضطر لتحمل ذلك والسكوت عليه على مضض أو إظهار غضبه بطريقة أخرى .

السابق السابق الفهرس التالي التالي