دور ألأب في التربية 131


إهتماماته الضرورية :

ينبغي على ألأب أن يهتم كثيرا بولده في هذه المرحلة . وأن يرعاه في جميع ألأمور الحياتية كطعامه ونومه وإستراحته وزياراته ومعاشرته . فمثلا يحتاج البالغ في هذه المرحلة إلى طعام أكثر بسبب نموه السريع مما يستوجب توفير ذلك خاصة وأنه يبذل جهدا كبيرا ويحتاج إلى إستراحة مضاعفة .
وعليه يجب مراقبة البالغ في خلوته والتعرف على القضايا الممنوعة التي يلجأ إليها . فقد يسلي نفسه بالبكاء أو ممارسة العادة السرية أو التدخين أو قراءة الروايات أو أشياء ممنوعة أخرى حيث تؤدي إلى نتائج مأساوية فيما لو غفل الوالدان عن ذلك .
ولا نقصد من ألإهتمام أوالرعاية أن تكون ثقيلة على البالغ فتؤثر عليه سلبا وتدفعه إلى ممارسة تلك ألأمور بعيدا عن أنظار الوالدين وفي خفية عنهما .
ويتمكن ألأب من خلال ذرائع مختلفة أن يحيط علما بما يفعله ولده البالغ فيكون على بينة من أمره بإستمرار .

حدود التوقعات :

لا تنتظروا من أولادكم في هذه السنين أمورا كثيرا وإلا لواجهتكم مشاكل عديدة . ويجب أن لا تخضع توقعاتكم لرغباتكم العاطفية والنفسية ، بل لا بد أن تقوم على أسس صحيحة وواقعية .
فمثلا لا تتوقعوا منه أن يشارككم في همومكم وغمّكم أو أن يتحمل جانبا من أعبائكم . ولا تنتظروا منه أن ينفذ جميع رغباتكم ويمتثل لجميع أوامركم ونواهيكم . بل ولا تتوقعوا منه أن يدرك منزلتكم ومكانتكم كما هي فيحترمكم كما هو شأنكم .
إنه في عالم مختلف ، يتصور أنه لا يقل عنكم فيما إذا لم يساويكم في الشأن . ويرى في نفسه أنه يملك فكرا ورأيا وحتى إنه يشعر أحيانا بأفضلية عليكم بسبب تعلمه لبعض المعادلات التي يعتقد إنكم لا تعرفونها . فينبغي

دور ألأب في التربية 132

الحذر على كل حال ورعايته وألإهتمام به حتى لا يتجاوز حده ، أو أن يؤدي به تكبره إلى الفساد والفضيحة .

التسلية المفيدة :

إن مرحلة البلوغ منذ بدايتها وحتى نهايتها عبارة عن سنتين ، حيث ستستقر حالة الولد بعد ذلك فيسير في طريق محدد . لذا ينبغي مساعدته حتى يصل إلى مرحلة الإستقرار . وضعوا له برنامجا حتى يتغير شيئا فشيئا وتهدئ إنفعالاته وإضطراباته .
وفروا له قضايا التسلية وأطلبوا منه القيام بعمل معين ، وإصطحبوه أحيانا معكم للتجول ، إبعثوه في أوقات مناسبة للمشاركة في ألإجتماعات الدينية والثقافية وغيرها ، وحاولوا أن تملأوا أوقات فراغه ، بل وأطلبوا منه المشاركة في ألإجتماعات ادينية والثقافية وغيرها ، وحاولوا أن تملأوا أوقات فراغه بل وإطلبوا منه المشاركة في ألبرامج الرياضية والمشي ، ولو كان في القرية أطلبوا منه العمل في ألأرض وفي الزراعة .
وينبغي بشكل عام أن يعمل بصورة يشعر معها بالتعب فينام براحة .
ومن ألأمور أخرى التي تنفعه كثيرا هي المشاركة في مختلف البرامج الدينية وقراءة الكتب ألإسلامية التي تعرفه على وظائفه ومسؤولياته ، وتكون خير جليس له في خلوته ووحدته ، وعندها يمكن ألإعتماد عليه والثقة به والتقدم إلى ألأمام بجرأة وشجاعة .

دور ألأب في التربية 133

الفصل الحادي والعشرون
ألأب والشاب


سنوات الشباب :

تتميز مرحلة الشباب بحساسية خاصة وهي من أهم مراحل الحياة ألإنسانية . وقد حددت بالفترة منذ نهايات مرحلة البلوغ وحتى السن السادسة والعشرين . وثمة إختلاف بين المفطرين في هذا المجال حيث أعتبر بعضهم أن مرحلة البلوغ تدخل ضمن سني الشباب .
لكننا سنعتبر في هذا الموضوع أن بداياتها مع أواخر مرحلة البلوغ .
إنها مرحلة مهمة في الحياة وقد وصف ألإسلام الشباب بأنه من النعم ألإلهية الكبرى وطالب بإغتنام هذه المرحلة وإستثمارها بأفضل وجه . وقد لا يحصل ذلك إلا بواسطة إشراف الوالدين ومساعدتهما وتوجيهاتهما وألإستفادة من تجاربهما .
كما أكد ألإسلام على ذرورة قيام ألأب بإستشارة إبنه وإصطحابه معه دائما ومجالسته ، ومجالسة ألأم لإبنتها .
وبعبارة أخرى فإن ألأصل في التربية هو مجالستهم وإصطحابهم ومساعدتهم وتوفير النموذج العملي في الحياة اليومية لتربيتهم .

خصائص هذه المرحلة :

لا يمكننا أن نذكر جميع خصائص هذه المرحلة لحاجة ذلك إلى فصول مطولة . لكنه يمكن القول بإختصار أن هذه المرحلة هي مرحلة السعي وبذل الجهد وألإندفاع نحو القوة والتظاهر بها . إنها مرحلة البحث عن ألإستقلال

دور ألأب في التربية 134

الكامل . . مرحلة تختلف عن المراحل التي تسبقها أو تلحقها . . مرحلة ألإحساس والعاطفة . . مرحلة تشتد فيها الحساسية . . مرحلة تتغير فيها القدوة . . مرحلة البحث عن الحرية . . مرحلة مليئة بألإنفعالات وألإضطرابات . . مرحلة العصيان والتمرد . . مرحلة كتم السر والعمل السري . . مرحلة الدفاع عن الجماعة وألإنخراط فيها . . مرحلة تتغير فيها المواقف وألأفكار .
صحيح إنكم تعيشون مع أولادكم لسنوات طويلة ، لكنكم لا تعرفونهم حق المعرفة ، ولم تكتشفوا جميع أسرارهم وخفاياهم . فثمة مجاهيل عديدة لا تزال بحاجة إلى الكشف عنها من خلال بذل الجهد والسعي الحثيث . ويمثل هذا بحد ذاته صعوبة بالغة بالنسبة لكم ولأولادكم .
ومن الطبيعي أن تتعقد المسؤولية كلما كبر الولد ، فلا يمكنكم أن تفرضوا عليه أمرا معينا أو تقنعوه بأفكاركم . فهو في مرحلة يقدر فيها على إتخاذ القرارات التي تزيد من قلقكم .

مشكلة العلاقة :

إن أهم مشكلة بين ألآباء وألأولاد هي تمردهم ورفضهم لإقامة العلاقة مما يستوجب الحذر وألإهتمام ، ويبدي الشاب لدى مواجهته لوالده ردود فعل معينة مستلهمة من ألأصدقاء أحيانا فيكون من الصعب على ألاباء تحملها .
قد تؤدي المواجهة بين ألأب وألإبن أو ألأم والبنت إلى إثارة القلق أحيانا واللجوء إلى العنف لدى بعض ألأفراد .
إن للنزعات والصراعات جذورا لا بد أن نبحث عنها في مراحل الحياة ألأولى حيث ستظهر تأثيراتها في الحياة المستقبلية . وتعتبر الرغبة في إثارة المشاكل والبحث عنها من ألأمور المشوقة والمشجعة في هذا المجال . ويدفع حب ألإستقلال عند الولد إلى أن يقف بوجه بعض المفردات والتمرد عليها . وقد تكون الصراعات وألإختلافات شديدة بحيث يبدو للمراقب وكأن حربا شعواء تجري بين الشاب وولي أمره . في حين أن الحقيقة ليست كذلك ، وأنه يحب والده حقا ويحترمه .

دور ألأب في التربية 135


المخاطر وألأعراض :

على ألآباء أن يحذروا بشدة من مخاطر هذه المرحلة ، إذ توجد إنحرافات عديدة تنتظر أبناء هذه المرحلة عادة ، مما ستنعكس نتائجها على شرف أفراد ألأسرة وكرامتهم فيما لو تسامح ألاباء في ذلك .
وتعود بعض المخاطر إلى ضغوطات الغريزة التي تؤدي بالشاب أحيانا إلى بعض ألإنحرافات . وتشير ألإحصائيات (الخاصة بالمجتمعات الغربية ) إلى أن 70 % من ألإنحرافات الجنسية والفحشاء تختص بألأعمار 16 ـ 18 سنة . وقد تبتلى العوائل أيضا بتلك المفاسد .
ومن المخاطر الأخرى ما يرتبط ببعض العادات المختلفة كالسرقة والجريمة وحياة الرذيلة وممارسة ألإعتداء وغير ذلك مما يؤدي إلى إيجاد مشاكل جمة للفرد وألأسرة والمجتمع .
وترتبط بعض المخاطر بتغير ألأفكار والعقائد والوقوع في فخ الكفر والشرك وألإلحاد حيث يعتمد كل ذلك على من يقوم بالتربية والمعاشرة ومدى نفوذه وتأثيره . ويلجأ الشاب أحيانا إلى مختلف المفاسد والفضائح من أجل ألإنضمام إلى مجموعة معينة ، ويعد هذا خطرا كبيرا بحد ذاته .

قابلية التغيّر :

يملك الشاب قابلية التغير ، فلا يزال قلبه لينا في هذه المرحلة ، ويمكن بناؤه من جديد وإعادته إلى جادة الصواب . ويوصف الشاب علميا وإسلاميا بأنه كالخميرة ، إذ تؤثر فيه الظروف الخارجية ويكتسب العادات وألأخلاق المختلفة . ويكون قادرا على تغيير طريقه وبناء نفسه من جديد .
وخلافا لبعض التصورات فإن هؤلاء ـ أي الشباب ـ يلتزمون بألأوامر والنواهي رغم أنهم يبدون ظاهرا معارضين لها .
فهم قد لا يقبلون بالنصائح كما يبدو للعيان ، لكنهم سيلتزمون بها ويعملون بموجبها فيما لو تحدثتم معهم برفق ولين . ولو تأثروا بكلماتكم لضحوا أحيانا بأنفسهم ونزلوا إلى معترك الصراع برغبة وإندفاع ذاتيين من أجل تحقيق الهدف الذي وضعتموه لهم . فألأفكار والكلمات مؤثرة فيهم

دور ألأب في التربية 136

حتما . فقد جاء في الحديث الشريف « من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر ».
لذا ينبغي ألإهتمام بهذه الميزة وإستغلال قابلية التغير عند الشباب وتوجيههم نحو ألأهداف المنشودة من خلال دعوتهم وتعليمهم . ولا تنسوا أنهم سيعودون إلى صوابهم فيما لو نصحهم آخرون يحبونهم فيسمعون كلامهم .

مجالسة ألأب :

ينبغي للأب أن يصاحب ولده ويجالسه في كل حالاته حيث أن هناك أساليب معينة تؤثر في الولد عادة .
فقد يجالس ألأب ولده ويكون إلى جانبه بإستمرار دون أن يؤثر فيه ذلك أبدا ، وهنا يجب على ألأب أن يحذر هذه الحالة تماما .
حري بألأب أن يؤثر في ولده وينفذ إليه من خلال حديث معه وإبداء وجهات نظره وإظهار عواطفه وأحاسيسه ومشاعره ، وأن يخطو في سبيل إصلاحه وإرشاده ، فوظائف ألأب عديدة في هذه المرحلة أهمها إمتلاكه لقابلية إيجاد تغيير في أفكار الولد وسلوكه .
إذ أن من ألخطأ الكبير أن يعامل ألأب ولده كالند والخصم فيضطره للتمرد عليه وعصيانه . وعليه عوضا عن ذلك أن يقدم له ألأفكار الجيدة ويخطو من أجل ترسيخ عقيدته وبناء عواطفه وأحاسيسه لأن تجاهلها يؤدي بلا شك إلى ظهور مشاكل عديدة .
على ألأب أن يبدي إستعدادا كبيرا للتعامل مع ولده وأن يستخدم أفضل ألأساليب وأحسنها لتحقيق هذا الغرض . فقد ورد عن رسول ألله (ص) قوله : «أوصيكم بالشبان خيرا» ، فالتعامل السليم والكلام الجميل يؤديان إلى بناء الفكر والنفس وتحقيق الحيوية والنشاط عند الشباب .

الشباب والمسؤولية :

من الضورري أن يكلف ألأولاد ببعض المسؤوليات الحياتية وذلك من

دور ألأب في التربية 137

أجل بنائهم وزيادة خبراتهم وتجاربهم في هذا المجال ولا بد أن تبذل الجهود من أجل أن يشعروا بالفخر وألإعتزاز جراء تحملهم لهذه المسؤوليات .
أما إذا فشلوا في أداء تلك الوظائف ، فإياكم ـ والحال هذه ـ أن تجرحوا كرامتهم أو أن تسيئوا إلى شخصياتهم ، بل حاولوا تعزيز معنوياتهم وخلق الوازع عندهم لإعادة العمل من جديد .
ولو كان للشباب وجهة نظر معينة إزاء تلك المسؤولية فلا تستبدوا برأيكم لتأثير ذلك سلبا ، وبالتالي يؤدي إلى شعوره باليأس من الحياة . إذ ينبغي للشاب أن يكون واعيا في سلوكه كي ينتخب طريقه بشكل صحيح ويمارس مسؤوليته بدقة . وهذا يرتبط بطبيعة تعاملكم معه .
كما يجب على ألآباء أن يهتموا بالجوانب ألأخلاقية عند الشباب وهم يؤدون وظائفهم . فلا توجهوا اللوم للولد الشاب أبدا ، ولا تقولوا له بأنكم كنتم كذا وكذا في شبابكم ، فليس مطلوبا من ألإنسان أن ينجح دائما في عمله ، وعليكم أن تقيموه من خلال ظرفه ووضعه الخاص ، وتوفروا له ألأجواء الملائمة للنمو والتكامل وإظهار إستعداداته المختلفة .

البرنامج لوقت الفراغ :

فكروا لأوقات فراغ أولادكم ، وخططوا لملئها حتى لا يجدوا الفرصة فيلجأوا إلى الفساد والضياع وتعاطي المخدرات . فالفراغ من أعظم البلايا خاصة للشباب لأنهم يمتازون بحب ألإستطلاع ويحملون أذهانا نابهة .
كما تؤدي بهم البطالة إلى وضع الخطط والبرامج الفاسدة بسبب قصورهم ذهنيا عن البناء وإشتياقهم في الوقت نفسه للقضايا المثيرة فتؤدي هذه الأمور بمجموعها إلى جلب المشاكل لأنفسهم وللآخرين والوقوف موقف المتفرج إزاءها .
لذا فإن البرنامج السليم يقيهم من التورط وألآخرين بمختلف المشاكل والصعوبات .

دور ألأب في التربية 138


ما هو المطلوب من الشاب :

لا تنتظروا من ولدكم الشاب أن يؤدي جميع ألأمور كما تطمحون . صحيح أن الشباب يمتازون بطول القامة ويبدون ـ ظاهرا ـ كبارا ، لكنهم قليلو الخبرة والمراس ، ويجب عليكم أن تشرفوا على جميع البرامج وتراقبوا تطبيقها حتى تتم عملية الهداية والتوجيه تدريجيا .
فقد لا يحترمكم الشاب كما تطمحون ، وعليكم أن لا تنتظروا منه أن يحسب لكم ألف حساب . فمثلا قد يتطاول عليكم لكنه لا يستهدف ذلك متعمدا . ويعود السبب إلى شعور الشاب عادة بالإستقلال والحرية . وينبغي عليكم أن تعاملوهم بإحترام لكي يتعلموا معنى ألإحترام .
تحدثوا معهم ، وإزرعوا عندهم الثقة بأنفسهم وإفتحوا أمامهم أبواب الخير وتيقنوا أنهم سيسلكون هذا الطريق .
جاء عن أمير المؤمنين ألإمام علي بن ابي طالب (ع) قوله : «عليكم بألأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير ».

دور ألأب في التربية 139

الباب السادس

أساليب البناء

سوف نتناول موضوع هذا الباب في ثلاثة فصول موجزة :
* في الفصل الأول نتحدث عن موضوع ألأب القدوة وميل الطفل لتقليده ومماثلته في السلوك ونمط العيش في الحياة . فألأب يمكنه أن ينفذ إلى طفله فيما لو تمكن أن يلفت نظره إليه . وبطبيعة الحال فإنه مسؤول وينبغي عليه ألإهتمام والحذر الشديدين وأن يراقب نفسه .
* أما الفصل ألآخر فسنتحدث فيه عن موضوع تنبيه ألأب وإستدلاله بلغة يفهمها الطفل والحدث لكي يتمكن من خلال ذلك بناء أفكار الطفل وتوجيه سلوكه . ويجب على ألأب أن يستخدم الموعظة والدليل المناسب ، ويا حبذا لو كانت هذه ألأمور في الخفاء لأثرها الكبير على الطفل بيد أن هذا لا يعني أنه سيماثل أباه كاملا .
* أما الفصل ألأخير فسنتحدث فيه عن موضوع إصطحاب الولد في الزيارات وألأسفار وألإجتماعات والمشاركة في المجالس وألأوساط المختلفة . وتؤدي هذه ألأساليب إلى أن يكتسب الطفل المعرفة ، ويتفكر ويتدبر ويعتبر .

دور ألأب في التربية 140




دور ألأب في التربية 141

الفصل الثاني والعشرون
ألأب والقدوة


الطفل والمحاكاة :

المحاكاة أمر لا بد منه لوجود إعتقاد بأن الطفل يلجأ من خلاله إلى حل بعض مشاكله عن طريق التشبه ببعض الحالات أو الممارسات لأولئك الذين يعيشون حوله ، فنراه يحاكيهم في السلوك ويحقق عن هذا الطريق رغباته .
وتبرز هذه الحالة بشدة عند الطفل لوجود ظاهرة المحاكاة وحب ألإستطلاع والبحث عن البطل دائما وتقديسه وميله إلى لفت أنظار ألآخرين وإثارتهم .
فالمهم في التربية هو إستغلال هذه الظاهرة من أجل توجيه الطفل وإتخاذ أساليب تمكننا من النفوذ إليه وجره إلى الهدف الذي ينشده المربي . ويمكن مشاهدة هذه الظاهرة عند جميع ألأعمار لكنها تشتد في السنوات 4 ـ 6 لإزدياد ميول الطفل ألإجتماعية . فلو كان المثال للطفل هو ذلك ألإنسان المسالم والمرح لتعلم الطفل منه ذلك . أما لو كان قاسيا لحاكاه الطفل في نهجه أيضا .

أهمية المحاكاة :

يعتبر الطفل من المحاكين الجيدين ويمكنه ببساطة أن يتعلم بمفرده أمورا معينة من خلال المحاكاة ، فهو ينظر ويسمع ويطيل النظر ، ويلجأ بعد مدة إلى تكرار ذلك ، وقد يكون التكرار أحيانا دقيقا للغاية بحيث لا يترك الطفل حتى تلك ألأمور الصغيرة .

دور ألأب في التربية 142

وقد أشارت بعض ألأبحاث إلى أن ألأولاد (الذكور) يحاكون ألاباء منذ السن السادسة ، وأن البنات يحاكين أمهاتهن .
وتؤثر هذه المحاكاة على ألأولاد دون إرادتهم رغم تحولها فيما بعد إلى محاكاة إرادية حيث يكون الطفل واعيا لما يفعله .
فألأطفال يحاولون محاكاة الوالدين في المعايير ألأخلاقية والممارسات السلوكية كما يفهمونها ويدركونها ويلتزمون بها كما يشاهدونها . وتشتد محاكاة الولد (الذكر) لوالده كلما زاد عشقه وحبه له . ويحصل ذلك أيضا بسبب الخوف أحيانا وزيادة نفوذ ألأب وإقتداره مما يكشف عن وظيفة ألاباء ومسؤوليتهم في هذا المجال .

أهمية دور ألأب :

يتأثر الطفل خلال مسيرة بنائه وتكامله بأشخاص عديدين فيلتزم بما يشاهده ويسمعه . إذ يعتبر جميع الذين يحيطون به نماذج له ، لكن ألأب هو ألأهم من بينهم .
وتستمر أهميته هذه ، حتى مرحلة النشوء حين يصبح الطفل حدثا .
ويمثل سلوك ألأب كل شيء للطفل في مراحل حياته ألأولى فهو درس له في البناء أو الهدم ويتعلم منه ألأخلاق .
ويكتسب الطفل من والده الحب وألإشفاق والوفاء وألإخلاص والشهامة وألأدب والتواضع وعزة النفس وجميع السجايا ألأخلاقية ألأخرى كالصدق والهمة العالية والفخر والشرف وغير ذلك .
ونظرا لأهمية هذا الموضوع فقد وصف بعض علماء النفس التربويين أن الطفل يمثل إنعاكسا لسلوك ألأب وقالوا مقولتهم الشهيرة «أرني طفلك أولا لكي أقول لك من أنت».
فطريقة إستدلال ألأب وإستخدامه للمفردات وتعامله مع ألأمور وحقده وتكبره وغير ذلك تؤثر كلها على طفله .
لذا فإن ألآباء مسؤولين إزاء سلوكهم الشخصي لإنتقال سماتهم إلى

دور ألأب في التربية 143

أولادهم . ويقومون بدور الموجه لأفكارهم وسلوكهم ويكونون سببا لتكامل أولادهم أو تحطيم شخصياتهم .

شروط تأثير ألأب :

لا يوجد شك في أن للأب تأثيرا كبيرا على طفله ولكنه في ظل شروط معينة ، فقد نلاحظ أحيانا أن بعض ألآباء لم يتمكنوا من بناء أطفالهم أو أن يغيروهم وذلك بسبب إنزعاج الولد من والده .
ومن شروط حدوث تلك التأثيرات أن يكون ألأب حاضرا في البيت مع أطفاله وأنيسا ومحبا ورفيقا لهم في اللعب حيث ينظرون إليه على أنه عادل معهم ولا يفرق بينهم في تعامله أبدا وإنه قادر على توفير حاجاتهم .
وفي ظل هذه الظروف يمكن للطفل أن يقتدي بأبيه ويحاكي سلوكه ، وإلا فإنه قد يحاكيه في غضبه وقساوته أحيانا ولكنه لا يكون ثابتا دائما لأنه مضطر إلى ذلك ومكره عليه . ولا يحمل الطفل ـ والحال هذه ـ في قلبه أي حب لوالده ولا يفكر بمماثلته أبدا .
وإنه لأمر طبيعي أن تفشل جميع الجهود المبذولة في هذا المجال .

التربية بواسطة القدوة :

فلو أراد ألآباء تربية أولادهم وتوجيههم لتوجب عليهم أن يكونوا القدوة لهم في هذا الطريق ، وإلا لكان الفشل حليف أولئك ألاباء الذين لا يتطابق قولهم مع عملهم بل سيكون خلافا لما يأمرون به ولا ينتهون عما ينهون ألآخرين عنه .
ولا يتمكن أولئك ألآباء الذين لا تسنح لهم الفرصة لإقامة العلاقة مع أولادهم وألإرتباط بهم ، من تحقيق أهدافهم .
ينبغي للأب أن يكون مثالا لولده في ألإخلاص والشرف وإحترام الوقت ورعاية النظافة وألإلتزام بالوعود والسخاء والجرأة والصبر . إذ سيكون قادرا على بناء شخصية ولده من خلال تحليه بهذه الصفات ويوفر له ألأجواء الملائمة ليعيش عزيزا كريما .
ولا يفوتنا أن نحذر من أن الصفات السلبية في ألأب ستنعكس على

دور ألأب في التربية 144

ولده أيضا وتدفعه إلى السير في نفس الطريق . فألآباء المنحرفون والمتحللون والمدمنون يؤثرون على أولادهم سلبا ، وقلما نشاهد أولادا صالحين لآباء سيئين .

أثرة القدوة في ألأخلاق :

يكتمل البناء الخلقي للطفل تدريجيا وبشكل غير محسوس من خلال محاكاته لوالده إذ ستكون عاقبته إما حسنة أو سيئة .
وقد ذكر علماء علم النفس التربوي إن إتخاذ القدوة يعتبر أهم عامل في تربية الطفل أخلاقيا . وينبغي لمن يريد أن يزرع في طفله الصفات الحسنة وألآخلاق الحميدة أن يوفر له قدوة صالحة .
ألإنسان بطبيعته يحترم العظماء ، ويشمل حمده وتضرعه جميع أولياء ألله والناس العظماء إضافة إلى معبوده وخالقه .
وينظر الطفل إلى ولده نظرة ذات أهمية لأنه يشاهده إلى جانبه في جميع مراحل نموه فيقوم بجميع ألأعمال المدهشة خاصة تلك الممارسات التي تنال إستحسانه . لذا فهو يسعى أن يكون والده قدوة حسنة له فيسير خلف المعايير التي يرتضيها ويؤمن بها .
ويحاكي الطفل والده حتى في العادات والتقاليد ، فنراه يرغب في المجاملة على شاكلة أبيه ، ولبس الملابس كما يلبسها وحتى أن يحاكيه في مواقفه إزاء المشاكل وألإختلافات .
نعم ، إنه يحاكي والده في كل شيء رغم أنه قد لا يطابقه تماما . في الفرح والحزن وطريقة الكلام والتعامل مع ألأصدقاء وألأعداء ومع الزوجة وأفراد ألأسرة ، وألإنفاق ، وجميع السمات ألأخرى . وبكلمة مختصرة نقول : إن ألأب هو الذي يحدد نوع سلوك ولده .

مسؤولية ألأب في هذا الطريق :

للأب مسؤولية ثقيلة للغاية ما دام دوره مهما جدا وينبغي عليه أن يكون مثالا لما يريده لولده « أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم » . ويجب

دور ألأب في التربية 145

عليه ـ من خلال عمله ـ أن يمنح لولده الفرصة الكافية لينتفع من سلوكه وخلقه .
فما دام الكلام القبيح والبذيء مذموما فيجب عليه أن يحذر ذلك فلا يذكر منه شيئا حتى في علاقته مع أولاده وزوجته . ولو أراد من ولده أن يعمل ويتخذ قراراته في الوقت المناسب لتوجب عليه أن يحترم الزمن .
وأخيرا لو أحب أن يؤدي ولده الصلاة في وقتها لوجب عليه أن يلتزم بها أيضا ، وأن لا يطرح أعذارا لتأخير الصلاة .
ولا يختص هذا بألأب فقط ، وذلك لوجود أشخاص آخرين ينظر إليهم الطفل بإهتمام في حياته ويضاعف من مسؤولية ألأب . لذا ينبغي أن يكون الوسط الذي يعيش الطفل فيه والبيئة ألإجتماعية التي تحيط به خالية من هذه الدروس السيئة لقابلية الطفل على المقارنة بين عمله وألآخرين .

إهتمامات ضرورية :

لو أراد ألأب أن يكون قدوة صالحة لولده لتحتم عليه أن يهتم بما يلي :
ـ أن يحذر من إرسال أولاده إلى أوساط تشتمل على ألأخلاق المنحرفة فيتعلمها الطفل .
ـ عليه أن يشرح للطفل ويوضح له البرامج التلفزيونية وألأفلام السينمائية حتى لا يحمل عنها إنطباعا سيئا .
ـ عليه أن يستهجن ويرفض ألأعمال السيئة أمام الطفل فيعتبرها أعمالا تجلب العار والشنار حتى يرفضها الطفل أيضا .
ـ أن يمتدح ألأعمال الصالحة أمامه أيضا حتى يرغب بها .
ـ أن يكون تعامله مع طفله مؤدبا وقائما على ألإحترام حتى يتعلم ألأدب من والده .
ـ عليه أن يحذر من توتير العلاقة بينه وبين ولده لأنه سيفرط ـ والحال هذه ـ بالقدوة .
ـ عليه أن يستفيد من القصص والحكايات في بعض ألأحيان فيلفت النظر بشكل غير مباشر إلى ألأعمال الصالحة .

دور ألأب في التربية 146

الفصل الثالث والعشرون
تنبيه ألأب وإستدلاله


التعقل والتربية :

جاء عن أمير المؤمنين ألإمام علي بن أبي طالب (ع) قوله : «نعوذ بألله من سبات العقل وقبح الزلل» . إذ لو توقف العقل عن عملية الهداية والتوجيه لأقدم ألإنسان على ممارسة أقبح ألأمور .
ومن العوامل التي تؤدي إلى سبات العقل وجموده هو تأجيل ألإنسان عمل اليوم إلى الغد ، فلا يمكنه في هذه الحالة التعويض عن الخسائر التي لحقت به . أو أنه يترك حل مشكلة بسيطة مما يعرض نفسه للأذى ، وهذا مما يؤسف له حقا .
فالتربية الصحيحة لا بد أن تبدأ في وقتها . فكلما زاد سن الطفل ونموه ، كلما تصلبت مواقفه إزاء والديه فيرى في نفسه القوة لمقاومتها ، وتصعب ـ والحال هذه ـ عملية التربية .
لا بد من تحقيق تربية سليمة منذ البداية لأنها أسهل بكثير من إعادة البناء . والنجاح حليف ذلك ألأب الذي يبادر بسرعة إلى بذل جهده وسعيه في هذا الطريق .

توجيه الفكر والسلوك :

فكما أن ألأب مسؤول عن توفير نفقات الطفل في حياته المعاشية ، فإنه يعتبر في نفس الوقت مذكرا له ، ومنبها ومعارضا ومانعا له من ألإنحراف ، ومسليا له ودافعا نحو ألأمام . فنراه يلجأ إلى الموعظة والنصيحة أحيانا لهداية طفله وإلى القوة والحرمان في أحيان أخرى .

السابق السابق الفهرس التالي التالي