سياسة الحسين 1

سياسة الحسين

لمؤلفه

العلامة الحجة

الشيخ عبد العظيم الربيعي

تحقيق

هادي الهلالي



سياسة الحسين 2




سياسة الحسين 3



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ما هو أهل للحمد والصلاة والسلام على أشرف خلقه وسيد بريته محمد وعلى أهل بيته الاطيبين الانجبين واللعنة الدائمة على أعدائهم اجمعين الى يوم الدين .



سياسة الحسين 4


ترجمة المؤلف



هو الشيخ عبد العظيم بن التقي النقي الشيخ حسين بن الشيخ علي . .. البحراني الربيعي عالم جليل وأديب كبير وكاتب ضليع وشاعر مبدع .
«ولادته»

ولد عطر الله تربته في قصبة «النصار» احدى قصبات مدينة (عبادان) الايرانية ـ حسب ما جاء في ترجمته التي كتبها العلامة الفاضل الشيخ عبد الامير الجمري والمثبتة في صدر ديوانه الموسوم بـ(ديوان الربيعي) في الحادي عشر من شهر ذي القعدة ـ اليوم الذي ولد فيه ثامن حجج الحق على الخلق الامام الرضاعليه من الصلوات اكملها ومن التحيات أسناها وأجزلها ـ من سنة 1323 هجرية .
«نشأته وتحصيله»

نشأ أعلى الله مقامه وزاد في الخلد اكرامه في القصبة آنفة الذكر نشأةً صالحة فقرأ المبادئ الاولية لدى والده الذي كان من العلماء الاجلاء المشهود لهم بغزارة العلم وسعة الاطلاع الى جانب ورعه وصلاحه وتحرجه في الدين .
«هجرته الى عاصمة العلم والدين»

قبل انقضاء عام 1342 بقليل بعد أن أخذ قدس سره الشريف قسطاً وافراً من العلم في وطنه ولدى والده وغيره من أفاضل تلك الاصقاع ـ كما مر آنفاً ـ يمم وجهه صوب عاصمة العلم والدين والادب النجف الأشرف ومراده من وراء هجرته هذه هو أن يكمل دراسته التي بدأها في مسقط رأسه وما أن انتهى ـ كما ذكر ذلك من عرفه ـ الى النجف الاعلى حتى بدأ وبشوق ورغبة بالاختلاف

سياسة الحسين 5

وعلى مدى عقدين من الزمن على اساتذة مبرزين وفضلاء معروفين وفقهاء مرموقين كان من بينهم
1 ـ آية الله ابو الحسن الاصفهاني
2 ـ آية الله الشيخ آغا ضياء الدين العراقي
3 ـ آية الله السيد محسن الحكيم
4 ـ آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين
5 ـ آية الله السيد الخوئي
6 ـ آية الله السيد جواد التبريزي
7 ـ آية الله الشيد باقر الزنجاني
8 ـ العلامة الحجة الشيح محمد الصغير . . . رضي الله عن الجميع وأرضاهم وجعل الجنة مثواهم .

«عودته الى مسقط رأسه»

بعد أن مكث شيخنا الربيعي طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه في النجف الاقدس حيث الحوزة العلمية الكبرى للطائفة الحقة والفرقة المحقة مدة تزيد على عشرين عاماً كما ذكرت لك ذلك قبل قليل كر راجعاً الى مسقط رأسه وملعب صباه وهو يحمل الجم الغفير من الاجازات التي زوده بها أفاخم العلماء وأماثل الفقهاء هناك والتي تشير الى انه رضي الله عنه قد بلغ المراتب العالية في العلم والمعرفة وبالتالي أصبح مؤهلاً لإرشاد الناس وهدايتهم وتوجيههم وجهة الخير والصلاح .
«مؤلفاته»

للشيخ الربيعي قدس الله نفسه الزكية مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم والفنون بعضها مطبوع والبعض الاخر لا يزال مخطوطاً نأمل من أنجاله الكرام البررة أن

سياسة الحسين 6

يبذلوا غاية جهدهم في طبع ونشر ما بحوزتهم من آثار لوالدهم رحمه الله وأن لا يتأخروا في ذلك لان في التأخير ـ كما قيل قديماً ـ آفات وآفات . . ومهما يكن من مؤلفاته
1 ـ وفاة الإمام الرضا عليه السلام .
2 ـ الفية الربيعي في النحو . . وقد وقفت عليها قبل كتابة هذه الترجمة بأيام قلائل بعد أن تلطف بها علي العلامة الجليل والمحقق النبيل السيد محمد رضا الحسيني الجلالي دامت بركاته فوجدتها تتألف من 1369 بيتاً بأوزان مختلفة وقواف متعددة استهلها ناظمها بقوله :

الحمـد لله رب العـالميـن علــــى عظيم آلائه جـل الكـريـــم عـــلا
ثم الصـلاة مـن الرحـمن دائــمــة على الذي ختم الباري به الرسلا
محـمـد صـفـوة البـاري وخـيرتـه وآله الغـر مـع أصحـابـه الـنبـــلا

وبعد فالنحو باب . . .
3 ـ سياسة الحسين . . . الكتاب الماثل بين يدي القارئ الجليل .
وهو في ما أعلم من أنفس الكتب التي تصدى أصحابها من خلالها للاجابة عن كل ما أثير من تساؤلات واشكالات حول نهضة سيد الشهداء سبط الرسول وقرة عين الزهراء البتول الامام الحسين عليه افضل الصلاة والسلام ما دامت الليالي والايام وثورته العملاقة التي اطاحت بعروش الظالمين المستهترين بكل القيم والمقدسات . . . وإني لعلى يقين لا يخامره شك من أن القارئ لو قرأ هذا الكتاب المنيف والمؤلف النفيس وقف على ما أودع فيه مؤلفه طاب ثراه من أفكار ممتعة وآراء سديدة وأبحاث رشيقة ونكات قل من يلتفت اليها وتحليلات تنم عن ذكاء ووعي وألمعية لقال صدقت يا هذا إنه كما ذكرت آنفاً من أنفس الكتب التي جادت بها أقلام العلماء والكتاب . . . بل لا نراك مبالغاً ومغالياً لو قلت أنه أنفس كتاب وأروع مؤلف في بابه . . . نعم انه وأيم الحق لكذلك وكيف لا وقد حمل في طياته ما لم يحمله غيره من أجوبة شافية مقنعة وبأسلوب أدبي علمي

سياسة الحسين 7

رصين يخلب الالباب ويأخذ بمجامع القلوب عن كل الاسئلة والاشكالات والشبهات لتي طرحها الجاهلون بأسرار نهضة أبي الأئمة وشفيع الامة الحسين بن علي عليه صلوات الله وتسليماته .
4 ـ المنظومة في المنطق
5 ـ المنظومة في البلاغة
6 ـ المنظومة في العقائد : وهذه من جملة آثاره ومؤلفاته التي لا تزال مخطوطة .
«شعره وشاعريته»

كان الشيخ الربيعي رحمه الله ـ ومن دون أنى ريب ـ شاعراً ماهراً مجيداً قال الشعر فأحسن كل الاحسان وطرق أكثر أبوابه فأبدع كل الابداع وأشعاره الرائقة التي حواها ديوانه المطبوع والذي وجدت له ذكراً في ذريعة الشيخ الطهراني ج 2 ص 355 تفصح عن شاعرية فياضة مرنة .
قال الحجة الشيخ سلمان الخاقاني رضوان الله عليه في كلمته الضافية التي تعرض فيها لديوان الشيخ الربيعي وما انطوى عليه من شعر ممتع «. . . وأي أديب يتفهم الشعر العربي ويقرأ ديوان الربيعي ثم لا يحسب أنه يقرأ ديواناً لشاعر فحل من شعراء العصر العباسي الاسلاميين الذين يجيدون المواعظ والارشادات كما يجيدون الكفاح المذهبي في مناصرة أهل البيت عليهم السلام في خلال مراثيه لهم ومدائحه اياهم . . .»
وقال العلامة الشيخ عبد الامير الجمري في كلمته حول الديوان ما نصه «. . . والديون الماثل بين يديك مادة شعرية رفيعة وأدب اسلامي نافع ونظم رائع بديع سبحت فيه قريحة العلامة الشاعر في عالم الحب لاهل البيت الطاهر عليهم السلام فاتت بما يزري بالدرر ويملك الالباب . . .» .
ودونك الآن ـ قارئي العزيز ـ نماذج من شعره الذي قاله في مدح ورثاء

سياسة الحسين 8

ائمتنا مصابيح الظلم ومفاتيح ابواب السعادة والكرم سلام الله عليهم . . . فمن ذلك قوله من قصيدة طويلة في مدح مولانا في الدارين أبي الحسن والحسين عليه السلام مطلعها :
بسمة البرق المنير كللت هام الاثير

ويقول فيها . . .
أعلم الامة بالاحكام من بعد النذير
أول العالم في التصـ ..ـديق للهادي البـشـير
ولذا كان له دو . . . ن الورى خـير وزير

وقال من موشحة له في مدح أمير المؤمنين أيضاً :
عشقتك النفس يا رب الجمال قبل عرفان الهوى والانفس
ورأتك العين للحسن مثال فتعالى من مثال أقدس

ومنها :
من وليد البيت من زوجه ربه بضعة طه في السماء
من أخوه المقتفي منهجه من سقى الابطال كاسات الفناء
من بأمر الوحي قد توجه يوم خم لو وعى القوم النداء
مذ رقى منبر كور ورحال من رقى فخراً سنام الاطلس
قام في الجمع خطيباً في ارتجال فخم المعنى بلفظ سلس

وقال من قصيدة يرثي بها الامام الحسين عليه السلام وهي من محاسن شعره :
أرأيت ركب الخل كيف يساق أرأيت دمع العين كيف يراق
قالوا اصطبر فأجبتهم تكليف ما لا يستطاع لواله ويطاق
عن مقلتي غابوا فغاب رقادها فكأنهم لنواظري أحداق
إن لم أمت جزعاً فمالي في الهوى عهد وفيت به ولا ميثاق

وقال رحمه الله في اخرى وهي من غرر شعره :
يا ثاوياً في ثرى الرمضاء ليس له بغير سقف وشيج السمر تضليل


سياسة الحسين 9

وميتاً كفتنه الريح سافيها ولا سرير له في الطف محمول

ومنها :
فما قعود نزار بعدما حملت في السبي نسوتها العجف المهازيل
أسرى حواسر بين القوم أوجهها لكن عليها جلال الله مسدول

أما باقي روائعه في الامام الحسين عليه السلام فاليك مطالع بعضها :
1 ـ كلفت عينك أن تصيب رقادها وحديث عاشورا أطال سهادها
2 ـ أشمس الضحى أشرقت طالعة فأبصرت أنوارها لامعة
3 ـ انشودة الحادي تهز الصفا يحدو بأضعان بني المصطفى
4 ـ رويدك ليس عيشك للدوام اليس ورائنا لقيا الحمام
5 ـ ألا فاستغن بالذكر الحميد عن الدنيا فذا عين الخلود
6 ـ كذا تنقضي الدنيا وانك راقد كأنك فيها دون غيرك خالد

وقبل أن انهي حديثي عن شعره وشاعريته يجدر بي أن أوقف القارئ الكريم على شيء ولو يسير من رباعياته المشتلمة على جملة من النصائح والحكم والمواعظ . . قال رحمه الله تحت عنوان «غاية الدنيا وغاية الاخرة» :
غاية الدنيا زوال وفناء غاية الاخرى دوام وبقاء
أفترضى بنعيم زائل عن نعيم ما له قط انتهاء

وقال تحت عنوان «أخفاء الزهد أفضل الزهد» :
اخفاء زهدك أفضل الزهد فأجهد بذلك أيما جهد


سياسة الحسين 10

إن كان للمولى عبادتنا فهو العليم بواقع العبد

وقال تحت عنوان «الصلاة خير موضوع وكذلك فضلها» :
صلاتك خير موضوع فأكثر وقم لله في جنح الدياجي
ولا تغفل عن الاقبال فيها أتعلم في الصلاة لمن تناجي

وقال تحت عنوان «الصبر من الايمان بمنزلة الروح من الجسد» :
الصبر والايمان روح وجسد وهل يعيش بعد روحه أحد
وأنظر ثناء الله في كتابه له ومدح الله نص لا يرد

وقال تحت عنوان «لسانك سبع فلا تطلقه» :
إن اللسان سبع قيده حتى يحرسك
إياك أن تطلقه واحذره أن يفترسك

«وفاته»

توفاه الله تبارك وتعالى اليه في الثامن من شهر جمادى الاولى سنة 1399 هجرية وقد رثاه طيب الله ثراه وأحسن مثواه لفيف من الشعراء باللغتين الفصحى والدارجة كان من بينهم الشاعر الماهر الميرزا ابراهيم جمال الدين الذي أرخ في ذيل قصيدته وفاته بقوله :
عبد العظيم أخو العلى خطبي به خطب جسيم
عاش الحياة مجاهداً أرخ (وقد رحل العظيم)

وفي ختام هذه الكلمة أسال الله تبارك وتعالى ان يتغمد المؤلف بوافر رحمته وان يحشره مع ساداته سادات الانام عليهم افضل الصلاة والسلام وان يثيبني على هذا الجهد الذي بذلته في تحقيق هذا الكتاب الجليل إنه سميع مجيب .
قم المقدسة
10 / جمادى 2 / سنة 1420 هجرية
هادي الهلالي


سياسة الحسين 11

بسم الله الرحمن الرحيم

(لا يشكر الله من لم يشكر الناس)



يفرض علي وجداني ـ وأنا اقدم كتابي الى المطبعة ، ليكتسي بحلة الطبع ويشرق في الأرض ويغرب ـ أن اقدم شكري وجزيل ثنائي الجميل لجميع الذوات الذين أزروني وشجعوني على طبعه وسعوا جهدهم في نشره من أهالي القصبة والمنيوحي وآبادان ونواحيها والفاو والكويت والبحرين والقطيف وأخص بالذكر منهم أدلاء المساعدة ودعاة التعاون على البر والتقوى ، كابن العم الحاج الشيخ منصور الشيخ محمد ، وابن عم الحاج الشيخ عبد المجيد الشيخ علي آل العلامة الشيخ جعفر والأخوال الساريين الموسويين الحاج السيد سلمان والحاج السيد صالح وأخيه السيد ياسر والحاج عبد الحافظ الموسوي ، والحاج السيد وهب الموسوي ،والحاج الملا عطية الجمري الشاعر الشهير , وتلميذه الملا محمد علي الناصري , والحاج الملا عبد الرحيم ابن الملا عبد الهادي واضرابهم ، والمرء كثير باخوانه عزيز بأنصاره وأعوانه ، فشكر الله سعيهم وأحسن جزاءهم عن المؤلف الداعي .
عبد العظيم الربيعي


سياسة الحسين 12


المؤلف الربيعي
والسبب الذي دعاه لتأليف الكتاب



قال الله تعالى : «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى»(1) .
فلم يرد تعالى أجراً لرسالة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من أمته إلا مودة قرباه ، لكن الأمة ـ ويا للأسف ـ عملوا بالعكس حتى لو سأل خذلانهم وبغضهم لم يجدوا مزيداً على ما فعلوا بهم ، ناهيك ما صنعوا بسبطه الحسين عليه السلام الذي كان يحبه حباً شديداً(2) من خذلانه وقتله بعد إعطائه من انفسهم العهود الوثيقة ، ثم قتلوه تزلفاً ليزيد وابن زياد «ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون»(3) ؟
ثم جآء طواغيت بني العباس ـ فندموا أن لا يكونوا اشتركوا في قتله فتتبعوا رمسه الشريف مع علمهم بأنه «في بيوت إذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه»(4) فأرادوا هدمه وأعفاء أثره بحرثه وإجراء الماء عليه وزرعه ، وأنى لهم بذلك وقد أذن الله ان يرفع ، ومن يضع من رفعه الله .
ثم جاء جيل من المهوسين(5) من الكتاب وحملة اقلام السوء الذين لا يزالون يبثون بذور الفتنة ويدسون التعاليم السيئة في الخلق ، فجعلوا يعترضون

(1) سورة الشورى / 23
(2) نعم ـ وايم الله ـ كان حب الحسين عليه السلام يجري في عروقه صلى الله عليه وآله مجرى الدم وأقواله وممارساته تؤكد لك هذه الحقيقة ففيه قال (ص) كما في ج 3 ص 177 من «المستدرك على الصحيحين» «اللهم إني أحبه فأحبه» .
ودلل (ص) عبر حديث آخر ذكره الإمام أحمد بن حنبل في ج 4 ص 172 من «مسنده» على مدى العلاقة الأكيدة التي بينه وبين الحسين عليه السلام وهو قوله «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط» .
وأما على صعيد الفعل والممارسة فدونك ما رواه الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبي (ص) فإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يلثم فاه ويقول «أنت سيد ابن سيد أنت إمام ابن امام أخو إمام وأبو إمام . . . » .
(3) سورة إبراهيم : 42 .
(4) سورة نور : 36 .
(5) الهوس : الحيرة والاضطراب وخفة العقل ، والمهوسون جمعه اسم الفاعل منه / المؤلف .
سياسة الحسين 13

على الحسين عليه السلام في تلك النهضة حتى حكي عن ابن العربي كلمته الخبيثة(1) التي اجترأ بها على قدس سيد الشهداء وهي قوله : «إن الحسين لما خرج عن حده قتل بسيف جده» وما زالت مثل هذه الشبه تربو في منابت الأذهان الضعيفة حيث تسقى بماء التعصب والعناد فأزرت فروعها حتى عمت البلوى وبلغت الشبهة اذهان الضعفاء من الشيعة ، وما أكثر اولئك الهمج الرعاع اتباع كل ناعق فما زلت تسمع لم لم يصالح الحسين عليه السلام يزيد ، وكيف نهض لقتاله مع قلة العدد فألقى بيده الى التهلكة ولماذا ، وكيف ، وكيف ، من امثال هذا .
وقد نهض العلماء وحملة اقلام الإصلاح منا لمعارضتهم ، فاوضحوا الأمر بعد التباسه وتركوا شبه القوم كسراب بقيعة .
واذ رأيت أن في الحوالة نوع اختلال في الاستفادة كتبت هذه الكلمة وان لم اعد من فرسان هذه الحلبة ، ولا من ذوي الأنصباء في ، هذه القسمة ، والله الهادي الموفق للصواب ، فإن اصبت فقد شملتني نفحة قدسية من روحانية سيد الشهداء عليه السلام ، وله الفضل والمنة ، وإن أخ فما المعاتب غيري ولا الملوم سواي ، ولكني أرجو من القارئ السماح ومن الله الغفران والتسديد .
للمؤلف
عبد العظيم الربيعي


(1) المثبتة في ص 232 من كتاب «عواصم» حسبما ذكره العلامة السيد عبد الرزاق المقرم في حاشية الصفحة 28 من كتابه «مقتل الحسين» .
سياسة الحسين 14


كيفية الأعتراض بوجهين
ومماشاة المعترضين



يجري الكلام مع المعترض على وجهين :
الأول : فرض الحسين عليه السلام ـ وهو الحق ـ إماماً معصوماً قائماً مقام جده ، لا ينطق عن الهوى ولا يسبق ربه بالقول ، وهو اعتقاد الشيعة كافة في الانبياء واوصيائهم(1) .
ومع هذا الفرض تسقط الأعتراضات كلها دفعة واحدة ، حيث جعلنا الحسين عليه السلام مسدداً في جميع اموره ، وليس له حركة ولا سكون إلا بأمر من الله عزوجل ، أما بطريق الوصية من جده ، أو رؤيا في الطيف ، أو فتحه للصحيفة الخاصة به ، أو الجفر والجامعة ، أو غيرها من طرق علم الإمام التي ليس هذا محل ذكرها(2) ، أجل فإن كل اعتراض على المأمور يرجع ببداهة العقل الى آمره ومسدده، وتعالى الله عن فعل العبث علواً كبيراً .
ويكفنا في مقام إثبات هذا الأمر للحسين دليلاً واحداً هو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتكفينا منه آية واحدة هي قوله تعالى :«إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً»(3) ، فقد اتفق المفسرون على نزولها في اهل العبا وإذا كان الحسين عليه السلام يدعي الإمامة

(1) نعم يذهب علماء الطائفة الحقة والفرقة المحققة واستناداً الى الآيات البنيات الأخبار والروايات الى أنه يجب ان يكون الواسطة بين الخالق والمخلوقين نبياً كان أو إماماً معصوماً من جميع الذنوب صغارها وكبائرها .
والعصمة هي «قوة تمنع صاحبها من الوقوع في الخطأ والمعصية بحيث لا يترك ـ اي المعصوم ـ واجباً ولا يفعل محرما مع قدرته على ترك الواجب وفعل المعصية» .
وأدلة وجوب العصمة كثيرة وقد ذكرها لفيف من علمائنا قدس الله أنفس الماضين منه موحفظ الباقين في كتبه العقائدية ومنهم علامة عصره وفريد دهره المغفور له السيد عبد الله شبر في كتابه «حق اليقين» فراجع .
(2) انظر كتاب «علم الإمام» للعلامة الحجة المغفور له الشيخ محمد حسين المظفر طاب ثراه .
(3) سورة الأحزاب / 33
سياسة الحسين 15

ـ وحاشا ـ كاذباً لزم كذب القرآن في تطهيره من الرجس . فإن إدعاء الشخص مقاماً ليس من أهله كذب عظيم «ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً» فأين التطهير المذكور .
الثاني : أن نفترض الحسين عليه السلام من ساير أفراد الأمة ، مجرداً ـ وحاشا مقامه الرفيع ـ من وصف الإمامة والعصمة فتحتاج حينذاك الى المشي مع المعترض على حافة سيرة الحسين عليه السلام لنقف معه على ما يتوهمه خللاً محتاجاً لشئ من الإصلاح والترميم :
فكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم(2)

* * *



(1) سورة الأنعام من الآية / 21 .
(2) البيت من قصيدة لأبي الطيب المتنبي مطلعها :
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
سياسة الحسين 16


لماذا امتنع عن بيعة يزيد



علم يزيد(1) من جاري سيرة الحسين عليه السلام ، ومن وصية ابيه معاوية ، ومن أمور كثيرة ، أن بيعة الحسين له إحدى المستحيلات ، فتوصل بلفظ طلب البيعة منه بتعجيل الأنتقام له ولأشياخه المقتولين بسيف علي بن أبي طالب من بني هاشم التي لعبت ـ بزعمه ـ بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل ، فكانت سلامة الحسين عليه السلام لديه من القتل معلقةً على امر محال ولو قدر أن اخلفه يقينه فبايعه الحسين عليه السلام وتركه يستبد بالخلافة .
فإن سلفه معاوية قد عبد له الطريق في غيلة المسالم باللبن المسموم ، وملأ مسامعه بكلمته الجارية مجرى المثل «إن لله جنوداً من عسل»(2) فافتتح الشر بكتابه للوليد ، مقترحاً عليه بعث رأس الحسين عليه السلام مع الجواب إذا امتنع عن بيعته ، وامتناع الحسين عليه السلام عن بيعته أمر مفروغ منه في عقيدته .
ولننظر ماذا صنع سفير يزيد الذي أسند إليه هذا الأمر الخطير ، لعمري لقد صدق صاحب المثل إذ يقول : «الرسول عقل المرسل» فإن الوليد(3) زاد في الطنبور نغمةً ، حيث لم يكتف بعرض كتاب يزيد على الحسين عليه السلام وكفى به منفرداً لكل احد لإشتماله على التهديد والتوعيد بالقتل ، بل اضاف اليه احضار مروان بن الحكم يستشيره ويستعين به في الأمر ، كأنه لم يعلم من سيرته تسرعه

(1) هو يزيد بن معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس . . . فرع الشجرة الملعونة .
كان لعنه الله كما تنطق بذلك سيرته فاسقا فاجراً سكيراً يضرب بالطنبور ويلعب بالفهود والقرود . قال الذهبي وهو من علماء الجمهور في ج 4 ص 37 من «سير أعلام النبلاء» «كان يزيد بن معاوية فضاً غليظاً جلفاً يتناول المسكر ويفعل المنكر افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين وختمها بوقعة الحرة فمقته الناس ولم يبارك في عمره» .
(2) قال الميداني في ج 1 ص 14 من كتابه «مجمع الأمثال» ما نصه «قاله معاوية بن أبي سفيان لما بلغه أن الأشتر قد سقى عسلاً فيه سم فمات» .
يضرب عند الشماتة بالعدو .
(3) هو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان استخلفه معاوية على المدينة على أثر عزله لمروان بن الحكم سنة 57 أو 58 وبقي والياً عليها الى ما بعد وصول يزيد الى سدة الحكم سنة 60 هجرية .
سياسة الحسين 17

في القاح الفتنة ، واضرام نارها بين الناس .
أم لم يدر أن عثمان إنما قتله حصائد لسان مروان (1) ، وكم نزع الى عوائل بني هاشم ، وأراد التشفي منهم لأبيه الوزغ طريد رسول الله ، مثل رميه لجنازة الحسن عليه السلام بالسهام حيث توهم ان سيدفن بجوار جده رسول الله ، ومن اراد نجاح ومقصده واحتاج الى الواسطة اختار كاملاً سهل الأعتذار يؤلف بين الماء والنار ، محبوباً لدي الطرفين ليكون مقبول الكلام عندهما ، غير متهم بشئ مما تنفر الطباع منه ولكن اختيار والمرء دليل عقله ، فاختار الوليد لنجاح مهمته مروان ، والطيور على اشباهها تقع .
هذا ولكن الحسين عليه السلام لم يربه عرض كتاب يزيد عليه ، ولا توسيط مروان ، ولا إحضاره لديهما ليلاً بل اجاب ـ مطمئن الجأش ـ بأن أمر الخلافة لعظمه وخطره يجب فيه التثبت ، ويلزم ان يكون حسمه بملأ من الناس وفيهم اهل الحل والعقد ، والبقية الباقية من المهاجرين والأنصار ، وخيرة اصحاب رسول الله .
وهذا أول ما ينكره المعترض على الحسين عليه السلام ، وليت شعري متى كان الجهر ببيعة الخلافة ، وبيان الحقيقة الراهنة في هذا الأمر المهم من الأمور المنكرة ، أفي الشرع ام العرف ، اليست الخلافة عقد نظام الدين والدنيا ، أليست لا تكون إلا عن نص وإختيار ، فأين النص على يزيد ، وإذا كانت عن اختيار فمن حضر في ذلك المجلس ليختار يزيد ، ام تقولون هو مروان بن الحكم والوليد .
ثم هل يكون بدعاً إذا ظن الحسين عليه السلام أنه أولى من يزيد بالخلافة ، فاستمهل الوليد كي يصدع بحجته أمام امة جده لتنكشف الحقيقة ولا يكون أمر الخلق غمة ، فإنه وكل احد يعتقد أنه أولى بالخلافة من كل أحد فضلاً عن يزيد ، لقربه من رسول الله ، واستجماعه لصفات الكمال ، ولتقديم اصحاب النبي له ، ولكبر سنه

(1) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية . . . الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون .
قال الحاكم في ج 4 ص 479 من «المستدرك» «كان لا يولد لأحد في المدينة ولد إلا جئ به الى النبي (ص) فلما ولد مروان أدخل على النبي (ص) فقال بعد أن نظر اليه : هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون» .
سياسة الحسين 18

ـ على الأقل ـ وهو أكبر حجة لسلف يزيد الطالح على سلفه الصالح ، ولعدم استحقاق معاوية لها حتى يجعلها في يزيد ، ولو فرض أنه مستحق لها فقد كان من شروط الصلح بينه وبين الحسن أن لا يعقدها الا للحسن ثم للحسين بعده(1) , ثم الخيار للامة في اختيار الخليفة بعدهما , ان لايعقدها للاحد من ذريته .
وبعد فلو جعل المعترض إمتناعه من البيعة لهذه الأمور موبقة قد ، ارتكبها الحسين عليه السلام فإنه قد تاب منها سريعاً واستغفر ، حيث وعد الرجلين ـ وهو صادق الوعد ـ بقوله : «إن مثلي لا يبايع سراً ، ولا أظنكم ترضوا بهذا ، ولكن إذا خرجت غداً ودعوت الناس فادعنا معهم ، وكنت أول مبايع»(2) فكان الحزم للرجلين ان لا يجرحا عاطفته في بشئ حتى يحضراه بملأ من الناس ، فإذا هرع الناس لبيعة يزيد كما يظن الوليد ويعتقد مروان ساعدوهما على الحسين عليه السلام حتى يدخل فيما دخل فيه الناس .
لكن هذا لا يروق في نظر مروان ، دون أن يخف لسجيته فيأمر الوليد بقتل الحسين عليه السلام ، ولا أراه يجهل أن مع الحسين عليه السلام رداً من فتيانه يمنعونه من القتل وربما كانت الدائرة عليه وعلى صاحبه ، غير أن الرجل نزاع الى اضرام نار الفتنة ، وإن أحرقته ومن يحب ، شروى ما عمل يوم الدار ، حيث قتل بفتنه عثمان . وضرب هو على عنقه فصار أصور مائل العنق .
وأما الحسين عليه السلام فقد تذكر سوابق مروان مستشار بني أمية مع أهل بيته فنفر من الوليد واخذ بالتدابير اللازمة لما فيه صلاح نفسه وإصلاح أمة جده ، فإنه عن وصول غائلتهما إليه أمنع من عقاب الجو(3) ، بفتيانه الصيد البواسل ، وإذا بايع

(1) نعم إن من أهم بنود الصلح ـ ولا شك ـ هو إرجاع الخلافة الى مولانا الحسن المجتبى عليه السلام ومن بعده الى أخيه الحسين عليه السلام بعد هلاك طاغية عصرهما معاوية غير أن معاوية الذي عرف بالغدر والمكر ونكث العهود صمم على عدم العمل بهذا البند بعد أن صفا له الملك وراح يعمل وبشكل دؤوب على جعل الخلافة وراثة في أهل بيته . . .
انظر «صلح الحسن» للعلامة الكبير الشيخ راضي آل ياسين قدس سره .
(2) تاريخ الطبري ج 4 ص 251 .
(3) مثل قاله عمر بن عدي لقصير بن سعد في قصته مع الزباء .
سياسة الحسين 19

يزيداً الكافر الفاجر ـ وهو على ما هو عليه من المنعة ـ فقد باع ضميره ووجدانه وباع أمة جده التي ضحى بمهجته لبناء كيانها على يزيد لينتقم منها ويثأر بها من نبيها .
وقد قرأ عامة الناس عن سيرة الوليد هذه الكلمة هكذا «وكان الوليد رجلاً يحب العافية»(1) وظني أن هذا اشتباه من قرأة القلم الكوفي وصوابه يخشى العاقبة ، فإنه لم يعص مروان في عدم معاجلة الحسين عليه السلام بالقتل لعلمه أن الحسين عليه السلام قد أخذ منه الحذر بخلافه ، فلو أطاع مروان وتعرض للحسين بسوء لقضت عليهما سيوف بني هاشم في الحال ، فكانا لهم لقمة سائغة ولكنه توارى بالتقوى واظهر النسك ، يخادع به نفسه وصاحبه .
ومما يبرهن على ذلك أنه لما اجتمع شياطينه حوله ، وثاب إليه أباً لستة طلب قتل الحسين عليه السلام اشد الطلب ثلاث ليال سوياً ولم تخطر له ، التقوى ببال ، لكن منع منه الأجل ، وقد اصحر بالحقيقة ، حيث قال : «الحمد لله الذي اخرجه ـ أي الحسين عليه السلام ـ ولم يبتليني بدمه»(2) وكان الحسين عليه السلام إذ ذاك يقلب خده الشريف على ضريح جده رسول الله ويشكو له ما لاقى من أمته قائلاً : (ضمني عندك يا جداه ، في هذا الضريح الخ)(3) .

انظر «مجمع الأمثال» للميداني ج 2 ص 280 .
(1) تاريخ الطبري ج 4 ص 251 .
(2) مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 186 .
(3) هذا هو الصدر وأما العجز فهو «علني يا جد من بلوى زماني استريح» .
والبيت جاء في ضمن قصيدة عامرة طويلة وهي من نظم الشيخ حسن الدمستاني البحراني المتوفى سنة 1181 هجرية .
سياسة الحسين 20


لماذا يتعرض لقافلة بحير بن ريسان



لما هاجر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عن مكة وطنه العزيز ، لشدة أذى قريش له ولأصحابه الذين اعتنقوا دين الله معه ، وقد ظاهر قريشاً عليه كثير من العرب وغيرهم ، وقد بدت العداوة بني الحزبين كانت الغارات بينهما ـ كالحروب ـ سجالاً ، فربما ظفر الرسول أو بعض سراياه بقافلة او سرح لمكة أو من ظاهرها من العراب ، وربما أغار هؤلاء على سرح المدينة فقتلوا من أصابوا من الرعاة واستاقوا النعم ، وقد ذكرت الرواية أن بعض سراياه ـ وهي سرية عبد الله ابن جحش ـ تعرضت بدون أمر الرسول لقافلة من قوافل قريش صادرة الى مكة ، فقتلت عمرو بن الحضرمي ، وظفرت بالعير واسرت اسيرين ، واعتصم الباقون بالفرار ، وكان ذلك في سلح رجب الحرام ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :«ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» ولوقف العير والأسيرين ، واغتنم المشركون الفرصة في تعيير الرسول واصحابه بأنهم استحلوا القتال في الشهر الحرام ، فسقط في ايدي السرية ، واكل الهم قلوب اصحابها , حتى فرج الله عنهم إذ فصل بينهم وبين خصومهم ـ وهو خير الفاصلين ـ بقوله تعالى : «يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ، قل قتال فيه كبير ، وصد عن سبيل الله ، وكفر به ، والمسجد الحرام ، وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا»(1) .
فعلمتهم الآية الشريفة وجه الحجة على خصومهم والغلبة والأستظهار عليهم ، بتسليم أن القتال في الشهر الحرام في حد ذاته يجب الكف عنه ـ ولكنكم أيها المشركون ـ نسيتم ما انتهكتم من الحرمات ، من كفركم بالله وبالمسجد الحرام ، وصدكم عن سبيل الله وتنمركم علينا ، فعذبتمونا أشد العذاب حتى التجأنا الى الخروج عن حرم الله ومسقط رؤسنا ، وحتى فتنتم صاحب الإيمان المستودع عن

(1) سورة البقرة : 217 .
سياسة الحسين 21

دينه ، فكفر بعد إسلامه إذ جرفه تيار تعذيبكم ثم ها أنتم اولاء دائبون في قتالنا طلباً لغاية ردنا للكفر إن استطعتم أفتعلمون هذه الجرائم كلها ابتداء ثم تعيروننا أن جاذيناكم بواحدة منها «والبادئ بالشر اظلم ، وجزاء سيئة سيئة مثلها ، وهل نجازي إلا الكفور .
فهل يجوز في المنطق الصحيح ـ بعد هذا البيان ـ لأحد أن يعترض على الحسين عليه السلام حفيد الرسول بتعرضه لقافلة بحير بن ريسان عامل يزيد على اليمن(1) في التنعيم خارج الحرم ، وفيها الورس والحلل ، قد بعث بها الى يزيد , كلا فإن الحسين عليه السلام لم يخرج من مكة إلا وقد بدت العداوة والبغضاء بينه وبين حزب يزيد ، ان بايعته الكوفة على العمل بكتاب الله وإحياء سنة رسول الله ولم يلق زمام الأمة بيد يزيد يفعل بها ما يشاء ونزقه وخرقه ، فهو لعمري أكبر مجرمين في نظر يزيد واتباع يزيد وكان خروجه من الحرم ـ وهو ابنه ـ كرهاً وقهراً لأنه خاف أن تهتك حرمة الحرم بإلقاء القبض عليه فيه أو الفتك به .
ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة أو بين الركن والمقام كما أوعز يزيد بذلك إلى شياطينه الثلاثين الذين دسهم في الحاج ، كما أن سرية يحيى بن سعيد أخي أمير الحاج عمرو الأشدق ارادت أن ترده الى القتل أو الكفر باتباع يزيد والرضوخ لمنكراته ، فامتنع الحسين عليه السلام أشد الإمتناع حتى تضارب الفريقان بالسياط ، وكادوا يمتشقون الحسام ويشرعون الرماح ، وهذا كله في الشهر الحرام والبلد الحرام ، فيكون جوابنا عن الحسين عليه السلام حفيد المصطفى عين الجواب عن جده المصطفى ، ما أشبه النور بالنور والضوء بالضوء .
مع أن الجواب الحقيقي أن له مقام المصطفى وقد جعله الله أولى بالمؤمنين من

(1) لما خرج امام الامة وأبو الأئمة الحسين بن علي عليه السلام من مكة يريد العراق انتهى به السير الى موضع يقال له «التنعيم» فلقي فيه عيراً قد أقبلت من اليمن تحمل ورساً ـ نبات أصفر كالسمسم يزرع باليمن ويصغ به ـ وحللاً كثيرة أرسلها والي اليمن الى يزيد الفسوق والفجور فأخذها حجة الحق على الخلق ومن هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم فكيف بأموالهم الحسين بن علي عليه السلام .

الفهرس التالي التالي