عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 21

التنوع الحضاري وأثره في تطور
فنون العمارة الإسلامية

شهدت العمائر الإسلامية ، منذ ظهور أولى العناصر المعمارية الأساسية ، لأول مسجد في الإسلام بصورته التي جاء عليها المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة ، تطوراً نوعياً كبيراً ، ولا سيما بعد أن أخذت رقعة البلاد الإسلامية بالأتساع وأنضمام أمم وشعوب ذات حضارات عريقة وراقية إلى الإسلام وأنضوائها تحت رايته. وقد أدى كل ذلك إلى رفد فن العمارة الإسلامية بمعطيات وعناصر ومفردات جديدة ساهمت ، عبر مراحل ، في دفع تطور فنون وأساليب العمارة في بلدان العالم الإسلامي إلى مستويات رفيعة ومعطاءة من النواحي الفنية والجمالية والتراثية .
إن الإسلام خلال نصف قرن من أنطلاقه ، دخل إلى أقدم مراكز الحضارات البشرية ، بدءاً من وادي الرافدين ، والأمبراطورية الساسانية ، ومصر ، وبيزنطة حيث التراث الإغريقي والروماني ، إلى سورية حتى شمال أفريقا وأسبانيا أيضاً. إن هذا الأنتشار الواسع ، هو تحول تاريخي وحضاري مهم في حياة البشرية .
لقد أستوعبت فنون العمارة الإسلامية التي نشأت وظهرت ، في أقل من قرن بعد الهجرة ، روافد هذه الحضارات ، لذلك تأثر العرب المسلمون الفاتحون بالقيم الجمالية لفنون تلك الحضارات العريقة ، فاتجهت عنايتهم إلى الأهتمام بعمارتهم وتزيينها بمختلف أنواع العناصر والمفردات المعمارية الهندسية منها

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 22

والزخرفية ، مما أكسبها مظهراً جمالياً يتناسب مع أهمية الدور الذي تقوم به هذه العمائر .
وعبر قرون عديدة تطور فن العمارة الإسلامية وشمل مناطق جغرافية أمتدت من الأندلس والمغرب غرباً ، إلى آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية شرقاً. وكانت هذه المناطق تضم عدداً من المركز الإقليمية التي تميز كل منها بطابع خاص كان مؤثراً على الدوام . وتضم هذه المناطق شعوباً إسلامية ذات أصول عرقية عديدة وهي : العرب والفرس والأتراك والبربر والهنود .
إن ما نشاهده اليوم من معالم الحضارة الإسلامية من جامع دمشق إلى جامع قرطبة ، ومن مساجد أصفهان البراقة إلى مسجد السليمانية في أستانبول ، ومن الأضرحة الشبيهة بالجواهر واللآلئ ، كأضرحة أهل البيت عليهم السلام في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء في العراق ، ومشهد وقم في إيران ، وتاج محل في الهند ، إلى قصر الحمراء في غرناطة... هذه المباني بكل ما فيها من فنون جديدة بقبابها ومآذنها وعقودها وزخارفها وطابعها المعماري المميز ، أضفت مظاهر جديدة على عناصر مأخوذة عن كل الثقافات والأشكال الفنية القديمة الراقية .
إن أبرز ما ظهر في فنون عمائر المدن الإسلامية هو تشكيل العناصر المعمارية الجديدة ، وأبتكار التعبيرات والمفردات الفنية. وجاء هذا نتيجة أستفادة المسلمين العرب من فنون عمائر الشعوب التي دخلت الإسلام . فأقتبس العرب من الفنون الأخرى ما وجدوه مناسباً للحضارة الإسلامية ويتفق مع تقاليدها وعاداتها ، فأستلهم الفنانون المسلمون من فنون حضارات وادي الرافدين القديمة المباني ذات الجدران الخارجية الضخمة العالية المزينة بزخارف آجرية متنوعة ، وكذلك بعض الأشكال المعمارية كالزقورات البابلية التي تركت آثارها على المآذن في العهد

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 23

العباسي ، كمئذنة جامع المتوكل (ملوية سامراء) في العراق ، ومئذنة جامع بن طولون في القاهرة ، ومئذنة جامع أبي دلف في سامراء أيضاً .
ومن فنون العمائر الساسانية اقتبست الأواوين الواسعة التي تعلوها القباب وتحيط بالصحن (الفناء المكشوف) ، والعقود نصف الدائرية العالية التي تعلو القاعات الضخمة كما هو في المسجد الجامع في أصفهان . وهذا النوع من البناء يختلف كلياً عن المباني ذات الأروقة والمجازات كما هو متبع في العراق وبلاد الشام وسواهما من البلدان الواقعة في غرب البلاد الإسلامية .
وقد تأثرت معظم المباني التي شيدت في بداية العصر العباسي بعناصر ومفردات فنون العمائر الساسانية المشيدة في إيران والعراق إبان فترة الحكم الساساني ، كالإيوان الكبير ، والبهو الكبير المغطى بعقود نصف دائرية ، وبالخصوص في قصر الخليفة العباسي المعتصم في سامراء الذي بُني سنة 221هـ (836م) وكذلك قصر الأخيضر بالقرب من كربلاء الذي أنشئ في الصدر الأول للإسلام . بالإضافة إلى الأستفادة من الاسلوب المعماري الذي كان سائداً في عمائر بلاد وادي الرافدين .
كما أن هناك عنصراً معمارياً أساسياً آخر يعتبر أحد عناصر فنون العمارة الإسلامية المميزة أخذ عن العمارة الساسانية وأنتشر في دول أسلامية عديدة ، وحُلت به مشكلة الأنتقال من المبنى ذي القاعدة المربعة إلى القبة نصف الدائرية التي تعلوه. حيث أستخدمت المنحنيات الركنية وهي مثلثات مقعرة من الحجر أو الآجر من الجص. ويختلف هذا عن مثلث القبة الذي ينتقل من المربع إلى الدائرة بالأقواس أو بمثمن الاضلاع ، وهو الذي نشاهده في الأثار البيزنطية والرومانية .
أما ما أخذه فن العمارة الإسلامية من الطراز المعماري التركي والمتأثر بالطراز البيزنطي ، فهو المباني ذات التصاميم الدائرية الشكل والتي تحتوي على

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 24

جزء مركزي كبير تعلوه قبة هائلة الحجم تجتمع حولها قبب متتابعة أصغر حجماً منها وبأحجام مختلفة ، وأستطاع العديد من المعماريين الأتراك أن يطوروا هذا النمط من البناء. خصوصاً المهندس الكبير سنان باشا ، الذي جعل من المبنى البيزنطي (آيا صوفيا) نموذجاً معمارياً بعد أن أدخل عليه أبداعاته الهندسية وأصبح منطلقاً ونموذجاً لإنشاء العديد من المباني والمساجد في تركيا وخارجها .
أما فنون الزخرفة الهندسية والنباتية في العمارة الإسلامية فقد تطورت تطوراً كبيراً بفضل تداخل مفردات وعناصر زخرفية لعمائر مختلفة ، بحيث شمل هذا التطور جميع الأشكال المعروفة ، مبسطة أو مركبة ، متداخلة أو متشابكة ، وأصبحت تتمثل فيها كل صور الجمال الفني المعماري. وقد تاثر العديد من المباني الإسلامية بهذا الفن الرفيع الذي كان سائداً قبل الإسلام في وادي الرافدين وبلاد فارس ومناطق أخرى .
وقد صنعت من الآجر أشكال لوحدات زخرفية أو أقسام تؤلف ، في حالة رصفها هندسياً ، أشكالاً وزخارف هندسية ونباتية رائعة. وكذلك بعض الكتابات وأنواع الخطوط وخصوصاً الخط الكوفي الجميل الذي أستعمل بكثرة على شكل زخارف لكتابة الآيات القرآنية الكريمة. ومن أمثلة المباني الإسلامية التي اشتهرت بفنون زخارفها الآجرية الجميلة ، المدرسة المستنصرية التي شيدت عام 631هـ (1234م) ، وتعد من أشهر المباني القائمة اليوم في بغداد منذ العصر العباسي .
أما الزخارف الجبصية في تزيين الجدران فقد وجدت في آثار المباني العباسية في سامراء ، وخاصة الهندسية منها والنباتية. وجاء قسم منها على شكل عناقيد من العنب وأوراقها. وقد أقتبست هذه الزخاف من الفنون الساسانية والبارثية. وقد ظهرت أيضاً في مسجد أبن طولون في القاهرة الذي شيد عام 265هـ (879م ) .

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 25

أما عهد السلاجقة 447 553هـ (1055ـ1157م) فقد تميز أيضاً بأستخدام الجبص في زخرفة مساحات كبيرة من جدران المساجد. وهذه الزخارف تتكون من نقوش كتابية وتوريقات نباتية. وقد وجدت نماذج جميلة لحروف كوفية تنتهي بتوريقات كما هو في مسجد حيدرية بمدينة قزوين في إيران .
أما الزخارف الحجرية ، فهناك أمثلة عديدة تبين أن الفن الإسلامي تأثر بالفنون البيزنطية والهيلينية والساسانية في أقتباسها. وكمثال على ذلك واجهة قصر المشتى التي تزخر بمثل هذه النقوش الجميلة ، فمعظم هذه الزخارف كانت مستخدمة في الفن المسيحي قبل الإسلام في سوريا .
وقد تأثر الفاطميون عند حكمهم لمصر بفنون العمائر القبطية والفارسية كما هو واضح في الزخارف التي أستخدموها في تزيين عمائرهم ومنها الزخارف النباتية والحيوانية والخرافية ، والتي كانت تستخدم في بلاد فارس قبل الإسلام .
ومن أهم فنون العمارة البيزنطية التي تأثر بها المعماريون في العهد الأموي فن زخارف الفسيفساء الحجرية في تزيين أرضيات المباني ، والفسيفساء الزجاجية الملونة والمذهبة في زخرفة الجدران. ولقد أزدهر هذا الفن في ذلك العهد بشكل كبير ، وما زالت أثاره شاخصة إلى يومنا هذا وخاصة في الجامع الأموي الكبير بدمشق ، والذي جدد بناؤه في عهد الوليد بن عبد الملك بين عامي (88 96هـ) (707 714م ) . وقد زينت بعض نوافذه بأجمل الزخارف التي تعكس تأثرها بالفن الإغريقي والروماني .
أما قبة الصخرة في القدس الشريف التي شيدت في عهد عبد الملك بن مروان عام 72هـ (692م) ، فنجد أن زخارفها شبيهة بالفسيفساء الموجود في الجامع الأموي بدمشق وهي مقتبسة من الفنون الإغريقية والبيزنطية مع عناصر من الفن الهيليني والساساني ، وخاصة الفسيفساء التي زينت بها القبة .

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 26

ومن العناصر والمفردات التي تميزت بها العمارة الإسلامية أيضاً هي الزخرفة الكتابية. فقد تفنن بها الفنان المسلم ، وأتخذها أداة لإضفاء سمات جمالية ، حيث أصبحت هذه الزخرفة تتضمن الخطوط بكافة أنواعها ، سواء على سطوح الجدران أو القباب أو في الأقواس والمآذن والشرفات. ولم تلبث أن تطورت وتنوعت ، ثم تداخلت معها الأزهار والفروع النباتية. وقد أثارت الكتابة العربية ، كنعصر زخرفي ، إعجاب الفنانين في أسبانيا وفرنسا ، الذين أتخذوا من حروفها أداة لتزيين كنائسهم ومبانيهم . وقد تجلت هذه الفنون في واجهة كاتدرائية نوتردام .
إن أستعمال الخط قد أكتشف منذ القدم . وظهر لأول مرة في التاريخ أيام السومريين في بلاد وادي الرافدين. وقد تبين بأن للحروف قيماً جمالية ولها إمكانية في تشكيل لوحات فنية بديعة. لذلك أستخدم الخط بكافة أنواعه ، كوسيلة للتعبير والتزيين وخاصة في العصر العباسي في عمائر سامراء وبغداد والمدن الإسلامية الأخرى في مجال زخرفة البناء. وكان أحد أهم مفردات العمارة الإسلامية على مر العصور. فقد أستعمل بطرق وأشكال هندسية مختلفة أضفت على المباني طابعاً معمارياً مميزاً. كما ساهمت الخطوط بأنواعها وخصوصاً الخط الكوفي في تعميق الهوية الإسلامية المشتركة وتوظيف التراث وأستخدامه بطريقة فنية معاصرة.
وتعتبر المقرنصات من أبرز سمات الزخرفة المعمارية الإسلامية ، وأكثرها روعة . وهي عبارة عن زخرفة تتألف من حنيات بارزة مصفوفة تغطي مناطق الأنتقال بين المسطحات الأفقية والرأسية. وتتكون من بناء حقيقي أو تنفذ بإضافات من الجبص أو مواد أخرى. وقد تزود بدلايات تتعلق بقممها بحيث تصبح أشبه بالرواسب الكلسية المتدلية من أسقف بعض المغارات والكهوف. وتستخدم المقرنصات على وجه الخصوص في مناطق الأنتقال في القباب والبوابات وأسفل شرفات المآذن وغيرها. ومن أجمل المقرنصات الظاهرة للعيان

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 27

هي مقرنصات القصر العباسي (المدرسة الشرابية) في بغداد ، وكذلك مقرنصات الأضرحة في العراق وإيران .
وقد أستخدمت المقرنصات الحجرية في زخرفة أسطح الجدران وخاصة في العهدين الفاطمي والمملوكي في مصر. ويوجد هذا النوع من الزخارف غالباً في رقبة القبة من الداخل ، وفي الجزء العلوي من المدخل. ومن الأمثلة على ذلك مدخل مدرسة « السلطان حسن » في القاهرة .
وهناك أسلوب مميز هو زخرفة القباب من الخارج بالمقرنصات التي أستخدمت لمجرد الزخرفة والتزيين . وتظهر منها أمثلة في قبة المدرسة النورية بدمشق ، وقبة الست زبيدة في الكرخ وقبة الشيخ عمر السهروردي في الرصافة في بغداد .
أما البلاطات الإسلامية (القاشاني) وأستعمالاتها في تزيين المباني الإسلامية فتعتبر من الفنون التي أبتكرها المسلمون وطوروها على مدى قرون عديدة. ومن أقدم البلاطات الإسلامية تلك التي عثر عليها في مدينة سامراء في العراق والتي تعود إلى القرن التاسع الميلادي وتضم اثاراً فنية نادرة وجدت في الجوامع وبعض القصور كقصر الجوسق الخاقاني .
وتعتبر مدينة كربلاء المقدسة من المدن الإسلامية الرائدة في صناعة وأستخدام البلاط القاشاني ، لذلك سُمي محلياً في العراق بـ « الكاشي الكربلائي » ، والذي أستخدم في تزيين الأضرحة والمساجد والمباني الدينية والتراثية .
ومن العراق أنتقلت تقنية الزخرفة بمواد البريق المعدني إلى أنحاء العالم الإسلامي ومنها إيران ، التي أنتجت خلال المرحلة الممتدة من نهاية القرن الثاني عشر إلى النصف الأول من القرن الرابع عشر ، بلاطات خزفية مزخرفة بالبريق

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 28

المعدني تتميز بمستواها الفني الرفيع . وهي اليوم تشاهد في العديد من المباني الدينية والتاريخية وكذلك تُحف بديعة موزعة على عدد كبير من المتاحف العالمية. وكانت مدينة كاشان المركز الأساسي لإنتاج هذه البلاطات ، لذلك سُمي بـ « البلاط القاشاني » . وكانت هذه البلاطات تستخدم لتغطية الجدران وخاصة جدران القباب والمآذن والمداخل والمحاريب .
وقد أستخدمت البلاطات في العهد الصفوي بكثرة في تغطية الجدران الخارجية . ومثال على ذلك مسجد الشيخ لطف الله ومسجد الإمام في أصفهان. وتتكون هذه الزخارف من تفريعات نباتية متصلة ورسوم الأزهار ذات الألوان الجميلة. وقد أستخدمت البلاطات ذات البريق المعدني في مصر أولاً في العهدين الطولوني والفاطمي .
وتعتبر الزخارف الخشبية وخاصة الشناشيل (المشربيات) إحدى سمات فنون العمارة الإسلامية. وقد أنتشرت الشناشيل وهي الشرفات الخشبية المزخرفة البارزة عن البناء في العديد من المدن الإسلامية. وتتميز بجمال نقوشها الخشبية ، وهي شاهد على جمالية العمارة الإسلامية وتقدمها خلال فترات من تاريخها الحضاري العريق .
أما الزخارف الأخرى في الأعمال الخشبية فقد أظهر النجارون الذين صنعوها تفوقاً في الدقة والمهارة في أعمال التكسية الخشبية والنوافذ ، خصوصاً في بعض الالواح والمشبكات التي ظهرت بخصائص متميزة في الواجهات الدخلية للأبنية .
ومن أهم الأنجازات الحضارية التي حققتها العمارة الإسلامية هي تأكيد توظيف مواد البناء المحلية في البلدان الإسلامية كالطابوق (الآجر) والمواد التزينية كالبلاط القاشاني والفسيفساء والأخشاب وغيرها ، وأستخدامها بطريقة فنية

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 29

رائعة في تشييد المباني وزخرفتها حتى تلائم الظروف البيئية والمناخية وتنسجم مع الحياة الحضارية والأجتماعية لكل بلد .
وهكذا نجد من هذا العرض مدى تأثير فنون عمائر مختلف الحضارات على تطور وأزدهار فنون العمارة في البلدان الإسلامية .
ولا بد من التأكيد في النهاية على ضرورة إصدار مجلة فصلية تُعنى بالتراث والفنون والحرف الإسلامية ، وباللغتين العربية والإنكليزية في بادئ الأمر ، ومن ثم في فترات لاحقة تصدر بلغات أخرى ، لتتضمن أيضاً العديد من البحوث والدراسات حول التراث والفنون والحرف الإسلامية ، لتشكل خطوة هامة في طريق حوار الحضارات .
إن أبسط وسيلة لإيصال ما يكتنزه العالم الإسلامي من فنون وتراث حضاري عريق إلى شعوب العالم كافة هي إيجاد أداة أكاديمية تتمثل بالكتابة والصور ، وهذا ما يمكن إنجازه من خلال مجلة الفنون والحرف الإسلامية.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 30

جمالية فنون العمارة الاسلامية

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 31

الفصل الأول
عمارة كربلاء ... المراحل التاريخية

توطئة :

يستهدف هذا الفصل دراسة الجوانب التاريخية لكربلاء وتأثيراتها على الأصعدة المختلفة ومنها الجانب العمراني. وفي العصور التي سبقت الإسلام كانت للمنطقة المحيطة بكربلاء الحالية أهميتها التاريخية والدينية والجغرافية .
أما مدينة كربلاء الحالية ، كحاضرة إسلامية مقدسة فقد ولدت مع أستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) في واقعة الطف عام 61هـ (680م ) . وقد شهدت في مراحلها التاريخية المختلفة تطورات أثرت على أزدهارها ونموها العمراني. ويعزى ذلك إلى الأهتمام والعناية التي حظيت بها المدينة ومراقدها المقدسة خلال العهود الإسلامية من قبل الكثير من الحكام والولاة الذين تعاقبوا على حكم العراق وكانوا يمثلون دولاً ذات حضارات مختلفة ، وخاصة خلال العهود العباسية والبويهية والجلائرية والصفوية والعثمانية .
وقد لعبت مدينة كربلاء في أحقاب زمنية مختلفة دوراً متميزاً في التاريخ الإسلامي ، فكانت مركزاً للتمدن والأزدهار الثقافي والديني والعمراني. أما حالياً ، فتعتبر إحدى أهم مدن العالم الإسلامي. وقد حظيت هذه المدينة بإهتمام عدد من الرحالة والمؤرخين والمستشرقين الذين تناول كل واحد منهم جانباً من تاريخها ومعالمها الإسلامية المميزة.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 32

وسيتناول هذا الفصل المراحل التاريخية التي مرت بها كربلاء ، حيث قسم إلى خمس مراحل تبعاً لأهميتها وهي :
  • كربلاء قبل الإسلام .
  • واقعة الطف.
  • تاريخ كربلاء من واقعة الطف حتى الحكم الصفوي للعراق.
  • تاريخ كربلاء خلال الحكمين الصفوي والعثماني للعراق.
  • تاريخ كربلاء منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921.

  • عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 33

    كربلاء قبل الإسلام

    أعطى الموقع الجغرافي والبيئي المتميز لكربلاء أهمية خاصة منذ أقدم العصور . وهي تنتمي إلى حضارة الأقوام السامية في العراق لا سيما البابليين منهم ، وذلك لقربها من بابل . وكانت جسراً للهجرات السامية والعربية بين بلاد الشام والجزيرة العربية وبين سواد العراق . وهي أول مركز أستيطان سامي عربي في منطقة الفرات الأوسط ، وملتقى الطرق البرية الرئيسية عبر منطقة عين التمر بأتجاه كافة البلدان. إن موقعها في الجنوب الغربي لمدينة بغداد وقربها من مجرى نهر الفرات ، ووجودها داخل منطقة مناخية معتدلة ، لا في أقصى جنوب العراق ولا في أقصى شماله ، إضافة لأراضيها الخصبة الصالحة للزراعة ، قد جعلها موقع جذب لبعض القبائل والجماعات والقوافل التي كانت تتجول في القسم الشرقي من شبه الجزيرة العربية ، مما جعل منها أيضاً مركزاً لتجمع سكاني قبل ظهور الإسلام بفترة طويلة .
    وقد وجدت لفظة كربلاء في المنحوتات الأثرية البابلية التي عثر عليها الباحثون الاثريون. فقيل أنها منحوتة من كلمة « كور بابل » وهي تعني مجموعة قرى بابلية قديمة أشهرها وأكبرها (نينوى) التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة كربلاء الحالية وهي غير نينوى عاصمة الأشوريين التي تقع في شمال العراق قرب مدينة الموصل وكانت قرية عامرة في العصور القديمة ، سكنها الساميون. وهي الآن سلسلة تلال أثرية ممتدة من جنوب سدة الهندية على نهر

    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 34

    الفرات التي تبعد عن كربلاء الحالية بنحو 30 كلم حتى مصب نهر العلقمي في الأهوار القريبة من مدينة كربلاء وتعرف (بتلال نينوى)(1) .
    وجاء في كتاب (مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع) ما نصه: « إن بسواد الكوفة تقع ناحية تسمى (نينوى) منها كربلاء التي قتل فيها الإمام الحسين (ع) »(2) .
    وقد جاء في كتاب (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء) ، أنه يوجد على بضعة أميال في القسم الشمال الغربي من مدينة كربلاء ، أطلال وأكم قيل أنها كربلاء الاصلية . والجدير بالذكر أنه قبل سني الحرب العالمية الأولى كان بعض الأفراد من المناطق المجاورة لهذه المنطقة يستخرجون من هذه الأطلال طابوقاً (آجر) مسطحاً كبيراً يطلق عليه محلياً بالطابوق الفرشي يحملونه إلى كربلاء(3) .
    وأستمرت كربلاء على أزدهارها في عهد الكلدانيين فقد ذكر المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون في كتابه (خطط الكوفة) إن كربلاء كانت قديماً معبداً للكلدانيين في مدينة تدعى (نينوى)(4) .
    وقد اسفرت التنقيبات الأثرية عن أكتشاف آثار ومواقع كثيرة على أراضي كربلاء أقدمها مجموعة من كهوف ومغارات أصطناعية تقع على الكتف الأيمن لوادي الطار الذي كان يمثل نهر الفرات القديم قبل أن توجد بحيرة الرزارة . ويبلغ عددها 400 كهف تقريباً. وتبعد هذه الآثار عن مدينة كربلاء الحالية حوالي 30 كلم إلى الجنوب الغربي في منتصف الطريق بين كربلاء وقصر

    (1) محمد علي هبة الدين الشهرستاني : نهضة الحسين ، ص : 89 دار الكتاب العربي بيروت/ لبنان. عبد الرزاق الحسني : موجز تاريخ البلدان العراقية ، ص : 61ـ الطبعة الثانية ، مطبعة العرفان صيدا/ لبنان 1351هـ (1933م ) .
    (2) صفي الدين بن عبد الحق: مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع ، ص : 261ـ 262 ، الناشر أنتر برس.
    (3) عبد الحسين الكليدار آل طعمة : بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ، ص : 8 مطبعة الإرشاد ، بغداد . طابوق فرشي كبير : وهو عبارة عن طابوق طيني مفخور (آجر) على شكل مربع وذي سماكة تترواح بين (4 5 سم ) .
    (4) محمد باقر مدرس : شهر حسين ، (باللغة الفارسية) ص : 10 أنتشارات كليني ، الطبعة الثانية ، 1414 هـ (1994م ) .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 35

    الأخيضر بأمتداد الهضبة الغربية الصحراوية. وقد قام الإنسان بنحتها وحفرها في حدود سنة 1200 قبل الميلاد ، وربما أستخدمت لأغراض دفاعية أول الأمر ، ثم أتخذت قبوراً فيما بعد(1) .
    وإلى جانب ما تقدم فإن كربلاء ظلت مزدهرة ومحتفظة بمكانتها في العصور الغابرة ، وخصوصاً في عهود التنوخيين واللخميين والمناذرة يوم كانت الحيرة عاصمة مملكتهم(2).
    يتضح مما تقدم أن تاريخ كربلاء موغل في القدم ، وأنها كانت من أمهات مدن طسوج النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالأكوباس (الفرات القديم) وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة. كما يستدل على قدمها من الأسماء التي عرفت بها قديماً كـ « عمورا » ، « ماريا » ، و « صفورا » . وقد كثرت حولها المقابر ، كما عثر على جثث بشرية داخل أواني خزفية يعود تاريخها إلى ما قبل العهد المسيحي. اما الأقوام التي سكنتها فكانت تعتمد على الزراعة لخصوبة تربتها وغزارة مائها وكثرة العيون التي كانت منتشرة في أرجائها(3) .
    ومن الأدلة أيضاً على قدم كربلاء أو قدم « الأكوار » (جمع كورة في تلك الجهات) هو وجود أطلال وهضبات لم تزل قائمة على بعد بضعة أميال عن كربلاء الحالية(4) .
    وعندما أستولى الساسانيون على العراق في عهد شاهبور ذي الأكتاف (تاسع ملوك الساسانيين) الذي أعتلى العرش سنة 310م قسموا العراق إلى

    (1) د. قحطان رشيد صالح: الكشاف الأثري ، ص : 222 ، المؤسسة العامة للآثار والتراث في العراق ، 1987م .
    (2) سلمان هادي طعمة : تراث كربلاء ، ص : 24 ، الطبعة الثانية ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت/ لبنان 1403هـ (1983م ) .
    (3) د. مصطفى جواد: موسوعة العتبات المقدسة لجعفر الخليلي ، ج2/ ص : 16 ، من قسم كربلاء ، الطبعة الأولى دار التعارف بغداد 1386هـ (1966م ) .
    (4)المصدر السابق.
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 36

    عشر أستانات (ولايات) ، سمي كل منها طسج (قضاء) . وقسمت هذه الوحدات الإدارية بدورها إلى وحدات اصغر سمي كل منها رستاق (ناحية) . وكانت الأراضي الواقعة بين مدينة عين التمر التي تقع على مسافة 67 كلم من كربلاء إلى الجنوب الغربي منها ونهر الفرات هي الولاية العاشرة. وقد قسمت إلى ست وحدات إدارية ، سُميت إحداها « طسج النهرين » . وسبب تسمية هذه الوحدة « بالنهرين » كونها واقعة بين خندق شاهبور ونهر العلقمي(1) .
    ويقال بأن كربلاء كانت قبيل الإسلام أيضاً تحتوي على بيوت ومعابد للمجوس وكان يطلق عليها بلغتهم (مه بار سور علم) أي المكان المقدس(2) .
    ويستدل مما تقدم بأن كربلاء كانت على مر العصور أرضاً مقدسة لدى ديانات مختلفة وعند أقوام متعددة ، ولذلك كانت تنتشر فيها معابد كثيرة للصلاة(3) .
    يقول الدكتور مصطفى جواد المؤرخ واللغوي العراقي المعروف: « إن إسم كربلاء ليس عربياً وأن محاولات رده إلى الأصول العربية غير صحيحة وتصطدم بعقبات تاريخية ولغوية ، إذ ان موقعها خارج عن الجزيرة العربية وأن في العراق كثير من البلدان ليست أسماؤها عربية كبغداد وبابل وبعقوبة(4) .
    ويعتقد فريق من المؤرخين واللغويين ، أنه يمكن ربط اسم كربلاء باللفظة الأرامية كاربيلا (KAR- BELLA) المتصلة بلفظة كربلاتو (KAR-BALLATO) الأشورية أو كاربيل (KAR-BEL) التي تعني سور الإله بيل(5).

    (1) محمد باقر مدرس : شهر حسين ، ص : 10ـ11 ، أنتشارات كليني ، الطبعة الثانية ، 1414هـ (1994م ) .
    تسمية العلقمي تسمية عباسية متأخرة. ولعل النهر كان بأسم أخر جدد كريه العلقمي.
    (2) سلمان هادي طعمة : تراث كربلاء ، ص : 23.
    (3) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : مجلة النور ، ص : 2ـ العدد 61 ، لندن 1416هـ (1996م ) .
    (4) د. مصطفى جواد ، موسوعة العتبات المقدسة ، ج2 من قسم كربلاء ، ص : 16.
    (5) مصطفى عباس الموسوي : العوامل التاريخية لنشأة وتطور المدن العربية الإسلامية ، ص : 168 بغداد 1982م منشورات وزارة الثقافة والإعلام .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 37

    ويرى فريق آخر من المؤرخين واللغويين ، ومنهم الأب أنستاس ماري الكرملي ، أن لفظ كربلاء ذكر في كتب الباحثين ومنحوت من كلمتين آشوريتين هما « كرب » بمعنى معبد أو حرم والكلمة الثانية « إل » بمعنى إله في اللغة الآرامية ومجموع الكلمتين بمعنى « معبد الإله » أو « حرم الإله » (1) .
    وذهب بعض الباحثين إلى إن لفظ كرب تطور معناه في اللغة العبرية ، لذلك نجد الكلمة (كراب Karab) ومعناه يقترب تعني في الوقت نفسه (يقاتل ويحارب) ومن هنا كانت كلمة (كراب Karab) بمعنى المعركة(2) .
    وقد ذكر آخرون بأن لفظة (كربلاء) مشتقة من الكلمة العربية الكربلة أي رخاوة في القدمين ، يقال: جاء يمشي مكربلاً ، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك ، ويقال: كربلت الحنطة إذا هذبتها ونقيتها(3) .
    ويقول الشيخ آغا بزرك الطهراني إن كلمة كربلاء متكونة من كلمتين هما « كار » أي الفعل و « بالا » بمعنى السامي والعلوي باللغة الفارسية . وبذلك يكون معنى لفظة كربلاء « الفعل العلوي » أو « العمل السماوي » المفروض من الأعلى وهذا يقارب المعنى الذي ذهب إليه الأب أنستاس ماري الكرملي كما ذكرنا ذلك سابقاً(4).
    إن أسم كربلاء كان معروفاً للعرب قبل الفتح الإسلامي للعراق وقبل أن يسكنها العرب المسلمون وذكرها بعض المسلمين الذين رافقوا خالد بن الوليد عند فتح الجانب الغربي من العراق(5) .

    (1) عبد الرزاق الحسني : العراق قديماً وحديثاً ، ص : 124 ، الطبعة الثانية ، مطبعة العرفان ، صيدا/ لبنان 1375هـ (1956) .
    محمد باقر مدرس : شهر حسين ، ص : 10 ، مصدر سابق.
    (2) د. مصطفى جواد ، موسوعة العتبات المقدسة ، لجعفر الخليلي ، ج2 من قسم كربلاء ، ص : 11.
    (3) ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج7/ ص : 229 ، الطبعة الأولى ، مطبعة السعادة مصر ، 1324هـ (1906م ) .
    (4) د. مصطفى جواد: موسوعة العتبات المقدسة ، ج2 قسم كربلاء ، ص : 18.
    (5) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : تاريخ الرسل والملوك ، ج3/ ص : 373 ، دار المعارف بمصر 1962م .
    د. مصطفى جواد: موسوعة العتبات المقدسة ، قسم كربلاء ، ص : 12.
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 38

    وورد في معجم البلدان لياقوت الحموي أيضاً: إن كربلاء سميت بالطف لأنها مشرفة على العراق وذلك من أشرف على الشيء أي أطل ، والطف: طف الفرات أي الشاطئ. وجاء أيضاً أن الطف: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل [ الإمام ] الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وهي ارض بادية قريبة من الريف فيها عدة عيون ماء جارية ، منها (الصيد) ، و(القطقطانية) ، و(الرهيمة) ، و(عين الجمل) وذواتها ، وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح (الحصون والقصور) التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم(1) .
    وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن كربلاء الحالية المعروفة بهذا الأسم اليوم ، كانت قبل الإسلام منطقة تحيط بها قرى قديمة عند قدوم الإمام الحسين (ع) إليها عام 61هـ (680م) منها (نينوى) ، و (عمورا) ، و(ماريا) ، و (صفورا) ، و(شفية)(2) ، وكانت على مقربة من هذه القرى منطقة تدعى منطقة تدعى (النواويس) وهي مجموعة مقابر للمسيحيين الذين سكنوا هذه الأراضي قبل الفتح الإسلامي للعراق. وتقع هذه المقابر اليوم في شمال غربي كربلاء في أراضي الكمالية بالقرب من المنطقة التي يقع فيها مرقد الحر بن يزيد الرياحي(3). وتشير رواية مقتل الإمام الحسين (ع) إلى أن قوماً من بني أسد قد تولوا دفنه ، مما يعني أن قبيلة بني اسد العربية كانت تسكن كربلاء قبل قدوم الإمام الحسين (ع) .
    وقد أطلق على مدينة كربلاء الحالية بعد أستشهاد الإمام الحسين (ع) في العام نفسه (61هـ) أسماء عدة منها (مشهد الحسين) ، و (مدينة الحسين) ، و(البقعة المباركة) ، و(موضع الأبتلاء) ، و (محل الوفاء) ، و (الحائر) ، و (الحير) إلى غير ذلك من الإسماء. إلا أن أشهر هذه الأسماء هو (الحائر) لما أحيط بهذا الأسم من الحرمة والتقديس ، والجدير بالذكر أن الحائر أختص فيها بعد بالمرقد في الغالب(4).

    (1) ياقوت الحموي : معجم البلدان ج7/ ص : 229 ، الطبعة الأولى ، مطبعة السعادة مصر 1324 هـ (1906م ) .
    (2و3) محمد حسن مصطفى آل كليدار : مدينة الحسين ، ص : 13ـ 14 ، ط1 ، مطبعة النجاح بغداد 1367هـ (1947م ) .
    (4) المصدر السابق ، ص : 14. د. عبد الجواد الكليدار : تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 23 ، الطبعة الثانية المطبعة الحيدرية النجف الأشرف ، 1367هـ (1947م ) .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي