عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 167

المسـاجد

أشتهرت مدينة كربلاء المقدسة ، بالإضافة إلى جامعي ومرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس (ع) (الروضتين الحسينية والعباسية) ، بمساجدها التي كانت مراكز للإشعاع الحضاري والديني. وأول مسجد شيد في هذه المدينة هو مسجد رأس الحسين سنة 369هـ (980م) والذي يُعد من أقدم المساجد التاريخية في المدينة(1).
شهدت أبنية المساجد وبعض المباني الدينية الباقية في كربلاء ، تقدماً وأزدهاراً كبيرين على الصعد العلمية والثقافية والفنية ، ومنها الفن المعماري الإسلامي. وقد ساهمت فنون بعض الأمم والشعوب المنضوية تحت راية الإسلام في ظهور تلك الفنون ، والتي أتسمت بطابع معماري مميز. ولعل من اليسير التعرف على تلك التأثيرات بملاحظة تصاميم المساجد التي شيدت في كربلاء والعراق عموماً.
إن قسماً من أبنية هذه المساجد ما زال قائماً منذ نشأته الأولى ، وبعضها فقد أصالته التراثية كلية بسبب التجديدات والتراميمات غير المدروسة من الناحية المعمارية والفنية. وهناك مساجد أخرى أزيلت في العقود الأخيرة من قبل الدوائر الحكومية بحجة تنظيم مركز المدينة ، مع العلم أن بعضها كان يعتبر من روائع فن العمارة الإسلامية في مدينة كربلاء.
إن أعتزاز المدن والحواضر الإسلامية بعمارة مساجدها القديمة وأهتمامها بصيانتها وترميمها والحفاظ عليها بأستمرار ، ينبع من كونها جزءاً من تراثها

(1) د. عبد الجواد الكليدار : تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 270.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 168

الديني والحضاري ، بيد أن أفتقاد بعض هذه المدن والحواضر للخبراء والمعماريين والفنيين للقيام بهذه الأعمال أدى ، بالإضافة إلى أسباب أخرى ، إلى أندثار العديد من تلك المساجد.
والمساجد في مدينة كربلاء صغير الحجم إذا ما قورنت ببقية المساجد الموجودة في بغداد. وأما طرازها المعماري فقد ظل محافظاً على نمط التصاميم المعمارية التقليدية للمساجد ، وهو الطراز العربي الإسلامي الذي تميزت به أولى المساجد التي شيدت في العراق ، والذي ينحصر تصميمه في المصلي الذي يجلس سقفه على أعمدة رخامية أو آجرية أو خشبية ، والذي يتكون من أروقة عمودية على جدار القبلة ومجازات موازية إلى جدار القبلة ، والمحراب الذي يقع في منتصف جدار القبلة ، وصحن داخلي مكشوف تحيط به الأبهاء أو الاروقة وفي أحد أركانه يوجد محل الوضوء.
وبعض المساجد في كربلاء لا تحتوي على الفناء المكشوف ، وذلك لصغر مساحتها ، وخاصة المساجد التي تقع داخل المدينة القديمة والتي تحيط بالروضتين.
ومن الظواهر المألوفة في أكثر المساجد التي شيدت في مدينة كربلاء القديمة ، أنها لا تحتوي على مآذن. وعلى ما يبدو فإن مآذن روضتي الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) كانت المآذن الرئيسية في المدينة لإيصال الأذان إلى عامة الناس ، والسبب في ذلك صغر مساحة المدينة القديمة وكذلك هيمنة مآذن الروضتين على فضاء المدينة.
وقد حافظت عمارة المساجد في مدنية كربلاء على خصوصيتها باستعمال مواد البناء المحلية المتوافرة ، ومنها الطابوق (الآجر) المتميز بمرونته بتشكيل أجمل الزخارف التي أستعملت في إكساء واجهات الجدران الخارجية للمساجد وغيرها من المباني الدينية ، وبمساعدة مادة بنائية أخرى هي الجص.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 169

وأستعملت الزخارف القاشانية الجميلة في إكساء المداخل والجدران الخارجية وكذلك القباب والمآذن إن وجدت في معظم المساجد التي شيدت في مدينة كربلاء.
وقد زينت جدران المصلى وأعمدته وسقفه ، في بعض المساجد ، يزخارف جبصية وقاشانية بعضها عبارة عن نقوش من الآيات القرآنية الكريمة بعدة أنواع من الخطوط ، وخاصة الخط الكوفي الجميل ، وبعضها الآخر عبارة عن زخارف هندسية بسيطة.
ولم تقتصر مباني المساجد في كربلاء على أستعمال مواد البناء المحلية فقط ، إذ استعمل الرخام والأحجار الملونة والأخشاب النادرة المستوردة ، في إكساء الكثير من هذه المساجد وزخرفتها. وتنتشر المساجد في كربلاء بحيث لا تخلو منطقة أو شارع رئيسي من جامع أو مسجد ، وقد زادت مساجد هذه المدينة على مائة مسجد.
أما أهم المساجد في مدينة كربلاء ، والتي أزيل قسم منها خلال فترات مختلفة بحجة فتح شوارع جديدة في مركز المدينة فهي :

  • مسجد رأس الحسين

  • يقع هذا المسجد في جهة رأس الإمام الحسين (ع) بالقرب من باب السدرة ، أحد أبواب الروضة الحسينية ، وفي المكان الذي وضع فيه عمر بن سعد رأس الإمام (ع) يوم العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61هـ (680م) ، ثم حمله في نفس اليوم إلى الكوفة(1).
    لقد كان تشييد هذا المسجد بأمر من عضد الدولة البويهي ، وذلك عندما أعاد بناء مرقد الإمام الحسين (ع) سنة 369هـ (980م)(2). وقد هدم مسجد

    (1) الشيخ المفيد: الإرشاد ، ص : 243 ، الطبعة الثالثة ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت/ لبنان 1399هـ (1979م ) .
    (2) مجلة حوزة ، ص : 172/ العدد: 172. سلمان هادي طعمة ، تراث كربلاء ، ص : 216.
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 170

    رأس الحسين مع مساجد ومدارس دينية بسبب فتح شارع الحائر المحيط بالروضة الحسينية عام 1948م(1).

  • مسجد عمران بن شاهين

  • كان هذا المسجد يُعد أحد أقدم مساجد مدينة كربلاء. شيده عمران بن شاهين أمير البطائح سنة 369هـ (980م) وهو ملحق بالروضة الحسينية. وكان له شأن كبير في أنتشار الحركة العلمية والثقافية ، وقد هدم نتيجة فتح شارع الحائر المحيط بالروضة الحسينية(2).

  • مسجد السردار حسن خان

  • يُعد هذا المسجد أحد روائع في العمارة الإسلامية في مدينة كربلاء. وكان ملحقاً بالمدرسة الدينية المعروفة بأسمه. وقد هدم جزء من هذا المسجد مع المدرسة الملحقة به بسبب فتح شارع الحائر المحيط بالروضة الحسينية. أما الجزء الآخر فقد هدم سنة 1991م(3).

  • مسجد الناصري

  • وهو من أهم المساجد التي شيدها السلطان ناصر الدين شاه القاجاري سنة 1276هـ (1860م ) . وكان موقعه إلى الشمال من الروضة الحسينية وملاصقاً لها ، وقد هدم وطمست معالمه أيضاً نتيجة فتح شارع الحائر المحيط بالروضة(4).

    (1) د. عبد الواحد الكليدار : تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 270.
    (2) العلامة المجلسي : بحار الأنوار : ج42/ ص : 320.
    (3و4) د. عبد الجواد الكليدار : تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 270. تراث كربلاء ، مصدر سابق ، ص : 218.
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 171

  • مسجد الميرزا شفيع خان

  • يعود تاريخ بناء هذا المسجد إلى عهد الميرزا شفيع خان أحد رؤساء وزراء إيران في العهد القاجاري ، فهو الذي أمر ببنائه خلال زيارته لكربلاء سنة 1309هـ (1892م ) .
    يقع هذا المسجد على نهر الهندية. وقد جدد بناءه المرحومان الحاج علي وأخوه الحاج آغا جان في سنة 1319هـ (1901م) كما هو مثبت في اللوحه التذكارية التي نقشت بالقاشاني على باب المدخل.
    وتوجد إلى جانب هذا المسجد مقبرة خاصة تعود إلى العالم السيد هاشم الحسيني الجهرمي الحائري المتوفى سنة 1322هـ (1904م) وتعلو هذه المقبرة قبة كسيت من الخارج بالقاشاني الملون تهدم قسمها العلوي(1).

  • مسجد الآغا باقر البهبهاني

  • يعتبر هذا المسجد من المساجد الصغيرة في مدينة كربلاء ، ويقع إلى جوار المدرسة الهندية في زقاق الزعفراني بالقرب من الروضة الحسينية. ويعتبر الآغا باقر حامل لواء النهضة العلمية لهذه المدينة في القرن الثاني عشر الهجري.

  • مسجد صاحب الحدائق

  • يقع هذا المسجد مقابل المدرسة الهندية وجامع البهبهاني. وقد شيد من قبل الشيخ يوسف البحراني الشهير بصاحب الحدائق المتوفى سنة 1186هـ (1772م) وقد أعيد بناؤه في بداية الثمانينات.

    (1) نور الدين الشاهرودي : تاريخ الحركة العلمية ، ص : 293. تراث كربلاء ، مصدر سابق ، ص : 217 .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 172

  • مسجد الشيخ خلف

  • يعتبر هذا المسجد أحد أشهر المساجد القديمة. شيده الشيخ خلف بن عسكر الحائري المتوفى سنة 1246هـ (1831م) ، وجدد بناؤه سنة 1371هـ (1952م) ، ويقع في شارع السدرة بمحلة باب السلالمة ، وقد شمله الهدم بسبب توسيع الشارع المذكور في منتصف السبعينات.

  • مسجد الشهرستاني

  • يقع هذا المسجد قرب باب الشهداء ، أحد أبواب الصحن الحسيني ، شيده السيد مهدي الموسوي الشهرستاني سنة 1189هـ (1775م ) . وفي سنة 1356هـ (1937م) جدد بناؤه. وبسبب إقامة شارع المشاة بين الروضتين تهدم المسجد المذكور سنة 1399هـ (1979م ) .

  • جامع العطارين

  • يقع هذا الجامع مقابل المدرسة السليمية ، بالقرب من سوق التجار الكبير. شيد من قبل السيد علي الطبابائي صاحب الرياض سنة 1210هـ (1796م) ، وعرف بعد وفاته بأسم حفيدة السيد علي نقي الطباطبائي. وقد رمم هذا الجامع مرات عديدة ، وفي سنة 1382هـ (1962م) جدد بناؤه على طراز معماري حديث بأجازة من المرجع الديني السيد مهدي الشيرازي وبالتعاون مع العلامة الشيخ محمد الكرباسي.

  • مسجد الاردبيلية

  • يعتبر هذا المسجد من المساجد القديمة في مدينة كربلاء. ويقع على الطريق المؤدي إلى مرقد أبن الحمزة ، ويضم مصلى واسعاً وغرفاً جانبية دفن فيها عدد من العلماء المشهورين ، منهم حسين علي شاه رئيس الطريقة الصوفية

    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 173

    المتوفى سنة 1232هـ (1817م) ، وميرزا نصر الله صدر الممالك المتوفى سنة 1285هـ (1868م) ، وميرزا محمد هادي صدر الممالك المتوفى سنة 1310هـ (1893م) ، ومحمد تقي عبد الكريم التبريزي المتوفى سنة 1332هـ (1914م) ، وميرزا محمد علي بن رضا الهمداني المتوفى سنة 1293هـ (1876م ) .

  • مسجد الحميدية

  • شيد هذا المسجد بأمر من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ، وقد هدم سنة 1915م وأستقطع جزء من أرضه وأقيم عليه مبنى مديرية أوقاف كربلاء في شارع الناحية, والمسجد ذو ساحة كبيرة ومصلى واسع. وقد جدد بناؤه سنة 1961م ، وأستبدل أسمه باسم (المسجد الحسيني) ، وشيدت فيه مكتبة عامة باسم « مكتبة الإمام علي بن أبي طالب (ع) » .

  • مسجد العباسية

  • يقع هذا المسجد في محلة العباسية الغربية ، شيد في العهد العثماني. وقد رمم وأعيدت صيانته مرات عديدة ، والمسجد تحت إشراف مديرية الاوقاف في كربلاء ، وهو بسيط البناء.

  • مسجد الطهراني

  • يقع هذا المسجد في سوق النجارين في محلة العباسية الغربية. أوقفه السيد صالح الطهراني سنة 1243هـ (1828م ) . ومنذ سنة 1943م أصبح تحت إشراف مديرية أوقاف كربلاء. ويحتوي هذا المسجد على مصلى وساحة مكشوفة تتوسطها نافورة ماء والمرافق الأخرى.

    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 174

  • مسجد الترك

  • يعتبر هذا المسجد من المساجد الصغيرة أيضاً في مدينة كربلاء ، ويقع في محلة العباسية الغربية عند نهاية سوق النجارين ، أوقفه محمد جعفر الترك في العهد العثماني ، ومنذ سنة 1943م أصبح تحت إشراف مديرية أوقاف كربلاء.

  • مسجد الحاج ناصر

  • يقع هذا المسجد في شارع العباس قرب سراي الحكومة. وشيد من قبل الحاج نصر الله بن الحاج عبد الكريم وذلك سنة 1343هـ (1925م ) . وتنص اللوحة التذكارية المنقوشة على بابه أن المتولي كاظم الحاج حسن ، جدد بناء هذا المسجد سنة 1382هـ (1962م ) .

  • مسجد ماهي كليب

  • يقع هذا المسجد في سوق العلاوي بمحلة باب النجف. أوقفه سنة 1299هـ (1882م) الحاج ماهي بن كليب جد الأسرة الكربلائية المعروفة بأسم آل ماهي الجيلاوي. وقد تهدم هذا المسجد وأعيد بناؤه في السنوات الأخيرة من قبل الحاج مجيد العبايجي.

  • مسجد السيد هاشم فتح الله

  • يقع هذا المسجد في شارع الناحية بمحلة باب الخان. وقد شيده وأوقفه السيد هاشم فتح الله آل طعمة سنة 1322هـ (1904م) ، ويعتبر هذا المسجد من المساجد الصغيرة في مدينة كربلاء.

    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 175

  • مسجد الصافي

  • وكان هذا المسجد يقع بالقرب من الروضة الحسينية وعند مدخل سوق الحسين. ويعتبر أحد المساجد الشهيرة في مدينة كربلاء, وشيد من قبل جواد مهدي الصافي سنة 1329 هـ (1911م) ، وقد تهدم نتيجة فتح شارع المشاة بين الروضتين سنة 1980م .

  • مسجد الشهيد الثاني

  • يقع هذا المسجد في زقاق العكيسه بمحلة باب السلالمة. وهو مسجد صغير وقديم ، شيد تيمناً بأسم الشيخ زين الدين العاملي ، المنعوت بالشهيد الثاني الذي أستشهد سنة 965هـ (1558م ) .

  • مسجد المخيم

  • وهو من المساجد الصغيرة في المدينة ، ويقع في سوق المخيم . جدد بناؤه سنة 1380هـ (1960م ) . ولبناء المسجد واجهة بسيطة من الآجر. أما مدخله فقد زين بالبلاط القاشاني الملون الذي تتخلله كتابات من الآيات القرآنية الكريمة.

  • مسجد الكرامة

  • يقع هذا المسجد في نهاية سوق الحسين على الطريق المؤدي إلى محلة باب السلالمة عند باب السلالمة عند باب البويبة. سعى بتشييده السيد محمد علي الأشيقر. جدد بناؤه سنة 1388هـ (1968م) ، وتزين مدخله كتابات نقشت بالبلاط القاشاني الملون(1).
    وقد أقيمت خلال السنوات الماضية العديد من المساجد الحديثة في مدينة كربلاء خصوصاً في الأحياء الجديدة ، أبرزها مسجد الإمام الحسن (ع) .

    (1) تراث كربلاء ، مصدر سابق ، ص : 217 223. تاريخ الحركة العلمية في كربلاء ، مصدر سابق ، ص : 293 297 .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 176

    مسجد الامام الحسن

    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 177

    الحسيـنيـات

    الحسينيات جمع حسينية. سميت بذلك نسبة إلى الإمام الحسين (ع) . وهي أماكن تستخدم كمنابر ثقافية لترسيخ المبادئ التي استشهد من أجلها الإمام الحسين (ع) ، حيث يقام عزاؤه فيها ، وبالأخص في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الحرام من كل عام ، فضلاً عن كونها مكاناً للصلاة ولإحياء حديث وذكر آل محمد (ع) .
    ويعزى تأريخ نشأة الحسينيات إلى القرن الأول الهجري. وبالتحديد في عهد المختار بن أبي عبيدة الثقفي أبان إمرته على الكوفة. وقد انشئت لذلك ما جرى على الإمام الحسين (ع) في عاشوراء ، ثم تحولت إلى مراكز لإحياء تلك المناسبة(1).
    وتذكر بعض المصادر التاريخية ، أنه في العهد البويهي ، أهتم معز الدولة وسائر الملوك البويهيين في زمن الدولة العباسية بشأن إقامة مآتم للحسين وإبرازها في هيئة مواكب خارج البيوت. فكانت النساء يخرجن ليلاً ، ويخرج الرجال نهاراً ، حاسري الرؤوس حفاة الأقدام ، للتعزية والمؤاساة باستشهاد الإمام الحسين (ع) ولتجديد المطالبة بدولة الإيمان والعدل والحق والثورة على الظالمين.
    وفي العهد الفاطمي في مصر ، والعهد الحمداني في حلب أيام سيف الدولة الحمداني ، والعهد الصفوي في إيران ، وعهود ملوك من ممالك أخرى من بلاد الترك والهند ، أنشئت أماكن تقام فيها تعازي الإمام الحسين (ع) سميت عند العرب

    (1) الشيخ محمد صادق الكرباسي : دائرة المعارف الحسينية ، مقدمة معجم المشاريع الحسينية تحت الطبع .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 178

    بـ(الحسينيات) ، وعند الهنود بـ(إمام باره) وعند الإيرانيين والترك (بمأتم سراي) . كما كانت تسمى أيضاً (بالمآتم) أو (تعازي الحسين) أو (النادي الحسيني) ، وأصبحت لها أماكن مخصصة وأوقات معينة في السنة وخاصة في شهري محرم وصفر(1).
    وتذكر بعض المصادر التاريخية إن الإيرانيين والهنود قد ساهموا في تطوير مباني الحسينيات ، حيث بنوها في العراق كما في بلادهم ، وأوقفوا لها الأوقاف ، وجعلوا لكل منها ناظراً وقواماً. وقد تجلى هذا التطور في شكل طراز وتخطيط بناء الحسينية ، حيث أصبحت تحتوي على الصحن (الفناء المكشوف) الذي تحيط به الغرف التي يأوي إليها الزائرون. كما أضيف المنبر إلى قاعة المصلى حيث تقام فيها صلاة الجماعة. وبسبب هذا التطور أختلفت حالة كل حسينية عن الأخرى في الكبر والصغر والإتقان بأختلاف أحوال منشئيها(2).
    والحسينيات ، إلى جانب كونها أماكن للعبادة ، تقام فيها المحاضرات والأجتماعات والأحتفالات وخاصة في المناسبات الدينية. وغالباً ما ينشأ جامع خاص لأداء فريضة الصلاة. وتوجد في الحسينيات قاعات فسيحة وغرف واسعة تستخدم لأغراض دراسية وبحثية(3).
    وخصص قسم من مباني بعض الحسينيات ، إلى جانب قاعات الدروس ، كجناح لإقامة طلبة العلوم الدينية ، وكذلك قاعة الطعام والمرافق الملحقة بها بحيث أصبحت تشبه إلى حد بعيد المعاهد الدينية. وصمم الكثير من الحسينيات بحيث تستعمل من قبل الرجال والنساء في وقت واحد. فقد تُخصص قاعة لكل منهما. وأحياناً يستعمل الطابق الارضي للرجال والطابق النصفي أو الأول للنساء.

    (1) هبة الدين الشهرستاني : نهضة الحسين ، ص : 175 ، منشورات الرضى 1363هـ (1944م) مطبعة أمير قم/ إيران.
    (2) السيد محسن الأمين : خطط جبل عامل ، ص : 181 ، ص1 1403هـ (1984م) ، الدار العالمية للمطبوعات ، بيروت/ لبنان.
    (3) نور الدين الشاهرودي : الحركة العلمية في كربلاء ، ص : 291 ، سلمان هادي طعمة : تراث كربلاء ، ص : 224 .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 179

    ومعظم الحسينيات في مدينة كربلاء شيدت بتمويل من أهالي بعض المدن العراقية حيث يستخدمونها عند زيارتهم للمدينة في مواسم الزيارات ، وخاصة الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الحرام من كل عام . وكذلك أربعينية الإمام الحسين (ع) من كل عام أيضاً ، فضلاً عن الزيارات الأخرى.
    ومن الجوانب السلبية لمعظم الحسينيات الموجودة في كربلاء ، والتي شيدت من قبل أهالي المدن العراقية ، أنها تبقى طوال السنة عدا مواسم الزيارات مغلقة ولا تستغل لأي غرض ذي فائدة.
    وتنطلق من الحسينيات مواكب التعازي الحسينية التي لا تقتصر على المشاركين من أهالي مدينة كربلاء والمناطق المحيطة بها فقط ، وإنما يشارك فيها ايضاً أهالي المدن العراقية والقادمون من بعض البلدان الإسلامية.
    والحسينيات ، التي تعتبر مباني دينية ، تتميز بصفات وخصائص معمارية تتمثل بوجود ساحة مكشوفة واسعة يتوسطها في أكثر الأحيان حوض فيه نافورة ماء ، أو تزرع الساحة بأشجار عدة. وتحيط بالساحة القاعات والغرف والمصلى والمرافق الأخرى. وفي الطابق العلوي توجد غرف وملحقاتها ، وغالباً ما يستعمل هذا الطابق لغرض الدراسة والنوم .
    وقد أحتفظت مباني الحسينيات في كربلاء بطابعها المعماري الإسلامي. وأستعملت مواد البناء المحلية المتوافرة في بنائها ، ومنها الطابوق (الآجر) الذي تميز بتشكيل أجمل الزخارف البنائية كالعقود (الأقواس) القباب والقبوات وغيرها من الأشكال البنائية الأخرى التي تميزت بها المباني الدينية.
    أما الحسينيات الحديثة التي شيدت منذ الخمسينات ، فقد أستعملت فيها مواد البناء كالأسمنت وقضبان الحديد. ولكنها حافظت في الوقت نفسه ، على طابعها المعماري الإسلامي. وتزين جدران وسقوف معظم الحسينيات ، من الداخل ،

    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 180

    بزخارف جبصية وقاشانية تتخللها كتابات من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة.
    ومن أشهر الحسينات في العالم الإسلامي :
    1ـ حسينية دالان (أي الصالة الحسينية) : التي شيدها أحد رجال الأعمال المعروفين وهو (مير مراد) سنة 1052هـ (1642م) على أرض مساحتها 8450م2 في مدينة دكا القديمة عاصمة بنغلاديش حالياً(1).
    2ـ الحسينية الآصفية : تعتبر هذه الحسينية أحد أبرز معالم العمارة الإسلامية في الهند. شيدها الملك آصف الدولة ، رابع ملوك مملكة أودة في عاصمة مملكته لكنهو والذي حكم ما بين 1189ـ 1212هـ (1775 1798م)(2).
    3ـ حسينية الشيخ حسين العصفور : شيدها الشيخ حسين العصفور في البحرين سنة 1216 هـ (1801م) وبنى بجانبها مدرسة تدرس علوم الدين(3).
    4ـ الحسينية الحيدرية في الكاظمية : تعتبر هذه الحسينية من أشهر الحسينيات في العراق. شيدها مشير الملك ميزرا نصر الله خان سنة 1297هـ (1863م) في مدينة الكاظمية ، وتضم مكتبة عامرة بالمصادر والكتب الدينية القيمة(4).
    أما في مدينة كربلاء ، فقد كان الكثير من الحسينيات القديمة والحديثة ينشر في أماكن متعددة ، وهي تختلف في مساحاتها. وقد هدم معظمها من قبل السلطات الحكومية بعد آذار من عام 1991م ولم يبق إلا القليل منها ، كحسينية فيضي التي تعد إلى طائفة البهرة ، وقد أعيد بناء معظم الحسينيات خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

    (1) الشيخ محمد صادق الكرباسي : دائرة المعارف الحسينية ، قسم مدينة الحسين تحت الطبع.
    (2) مجلة لغة العرب البغدادية ، العدد 4/ ص : 300 ، نيسان 1931م .
    (3) مجلة الموسم ، العدد11/ ص : 911 ، سنة 1990م ، دار الموسم للإعلام بيروت.
    (4) مجلة الطريق الإسلامي ، العدد 56/ ص : 39 ، طبعة بيروت .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي