عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 210

هذه القيساريات بواسطة فتحات تحيط بجوانب السقف وكذلك من مداخلها الرئيسية(1).
وقد أزيل الكثير من القيساريات نتيجة عدم صيانتها ترميمها والهدم الذي طال مركز المدينة في السنوات الأخيرة.
أما أهم القيساريات التي عرفت في مدينة كربلاء فهي : الأخبارية ، أبو معاش ، رضا الصحاف ، الحاج علي الوكيل ، الحاج كاظم ، الحاج مهدي العطار ، حسن نصر الله ، الحاج حسون طابور غاسي ، شيخ الشريعة ، حسان شعيب وغيرها من القيساريات(2).

(1) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : جريدة الحياة ، العدد 12430/ ص : 21.
(2) سلمان هادي طعمة : كربلاء في الذاكرة ، ص : 172 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 211

سوق تراثي قديم في مدينة كربلاء هدم في بداية السبعينات

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 212

الخـانـات

الخانات هي تلك الأبنية المخصصة لإقامة المسافرين وقوافل التجار والحجاج ، وأزدهرت في العهود الإسلامية الأولى بسبب توسع الحركة التجارية داخل الدولة الإسلامية وخارجها. وبالأضافة إلى أنتشار الخانات على طرق القوافل التجارية ، شيد بعضها كذلك داخل المدن التي تكون عادة صغيرة الحجم قياساً بخانات القوافل(1).
وجاء في لسان العرب لأبن منظور ، وكذلك لغة نامه للغوي الإيراني علي أكبر دهخذا ، أن الخان لفظة فارسية معربة عن كلمة (كاروانسرا) وتعني مكان القوافل أو منزل القوافل(2).
كما تعني كلمة الخان الحانوت. وهو موجود في جميع اللغات الشرقية الدارجة. وأصل الكلمة آرامي وهو يطلق على الدكان ، كما تدل على المكان الخاص بالتجارة أو مخزن البضائع. ثم أصبحت تعني أيضاً الفندق في داخل المدن. وقد يكون الخان خارج المدن على خطوط المواصلات القديمة التي كانت تربط بين تلك المدن(3).

(1) د. طارق جواد الجنابي : حضارة العراق ، ج10/ ص : 350 351.
(2) ابن منظور : لسان العرب ، ص13/ ص : 146 ، طباعة دار الفكر بيروت.
علي أكبر دهخدا : لغة نامه ، ص : 148 مادة كاروان ، طبعة جامعة طهران ، 1959م .
(3) د. أعتماد يوسف القصيري : سومر ، ج38/ ص : 247 ج1 ، 2ـ لسنة 1982م ، عن المؤسسة العامة للأثار والتراث وزارة الثقافة والإعلام العراق .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 213

وفي القرن السابع الهجري أتسع إنشاء الخانات في العراق داخل المدن وخارجها على طرق المسافرين والقوافل التجارية ، ومنها الخان الذي يقع على الطريق الذي يربط مدينتي الموصل وسنجار. وكذلك الخان الذي شيده الوالي علاء الدين قبل سنة 681هـ (1283م) في بغداد على شاطئ دجلة بباب الغربة (شريعة خان التمر) ويعرف هذا الخان اليوم بخان الدفتردار(1).
وفي القرن الثامن الهجري ، في عهد أمين الدين مرجان والي بغداد أنذاك من قبل السلطان الجلائري أويس بين الشيخ حسن ، شيد في مدينة بغداد خان مرجان والذي لا يزال شاخصاً إلى يومنا هذا(2).
أما خانات القوافل ، فتذكر بعض المصادر التاريخية بأنها أنتشرت خلال الحكمين الصفوي والعثماني في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (16 17م) أو ربما في فترات أخرى متأخرة عن ذلك(3).
أما في كربلاء فقد أنتشر الكثير من الخانات داخل المدينة وفي أطرافها وعلى طرق القوافل التجارية والحجاج. والأخيرة تعتبر من أشهر الخانات الموجودة في العراق.
وتوجد ثلاثة أنواع من الخانات وهي :
1ـ الخانات الواقعة في مركز المدينة ضمن منطقة الأسواق وبالقرب منها.
2ـ الخانات الموجودة في أرباض (محيط) المدينة.
3ـ الخانات المقامة على طريق القوافل التجارية والحجاج والتي تسمى بـ (خانات القوافل)(4).

(1) د. مصطفى جواد: دليل خارطة بغداد المفصل ، أحمد سوسة ، ص : 206 ، مطبعة المجمع العلمي العلمي العراقي ، سنة 1929م .
(2) د. أعتماد يوسف القصيري : سومر ، ج38/ ص : 247 ، ج1 ، 2.
(3) د. طارق جواد الجنابي : حضارة العراق ، ج10/ ص : 353.
(4) د. طارق نافع الحمداني والدكتورة صباح إبراهيم الشيخلي : المدينة والحياة المدنية ، ج2/ ص : 342 ، دار الحرية للطباعة ، بغداد سنة 1988 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 214

الخانات داخل المدينة

تركزت معظم الخانات داخل المدينة بالقرب من منطقة الأسواق. وهذا التركيز يعطي المرء فرصة تقدير الدور الذي تؤديه التجارة في المدينة. وقد تعددت أختصاصات هذه الخانات ، فكانت مكاناً للتجارة الداخلية والخارجية ، ومأوى لتجار الوافدين والمسافرين والزائرين ، ومخازن لبضائعهم وسلعهم . أما صحنها فيكون عادة محلاً لعرض البضائع وبيعها(1).
وتعتبر الخانات الموجودة داخل مدينة كربلاء من الأبنية التاريخية. وتتميز بجمال بنائها وطرازها المعماري الفريد. وهي بشكل عام تتألف من طابقين ، تتوسطهما ساحة مكشوفة واسعة. وعادة ما تكون هذه الساحة في الوسط ، ويحتوي الطابق الأرضي على العديد من الغرف التي تحيط بالساحة وتفصلها عنها ، في أكثر الأحيان ، بممر أو رواق يحيط بالساحة تعلو واجهته عقود (أقواس) دائرية أو مدببة الشكل مبنية من الطابوق (الآجر) والجص. وتستعمل هذه الغرف عادة كمخازن ومستودعات لبضائع التجار ، أما الساحة المكشوفة فتستخدم كمكان لجلوس التجار والمسافرين وكذلك لربط الحيوانات.
أما الطابق الأول فيحتوي على غرف تستعمل لأغراض السكن ولمبيت التجار والزوار واستراحته. وتفتح هذه الغرف عادة على ممر طويل على شكل رواق يطل على الساحة المكشوفة ويحيط بها من جهاتها الأربعة في أكثر الأحيان ، وهو مسقف يجلس سقفه على أعمدة خشبية تعلوها تيجان جميلة ، وأحياناً تعلو واجهته عقود دائرية أو مدببة الشكل مشابهة للعقود التي تعلو واجهة الممر في الطابق الارضي.
ويشيد الطابق الأول في الغالب بمواد بناء أخف وزناً من المواد التي تستعمل في بناء الطابق الارضي ، وذلك للتغلب على مشاكل الثقل في البناء.

(1) د. طارق جواد الجنابي : حضارة العراق ، ج10/ ص : 350. المدينة والحياة المدنية ، ج2/ ص : 342 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 215

وفي بعض الأحيان يلجأ إلى التسقيف المؤقت للساحة المكشوفة من أجل تحقيق فضاءات ذات ابعاد واسعة توفر أمكانات جديدة لخزن البضائع وإيصال النور الطبيعي للساحة الداخلية من جوانب السقف المؤقت. أما بوابات الخانات فتكون ضخمة ومرتفعة وتغلق عادة أثناء الليل(1).
وتختلف الخانات داخل مدينة كربلاء من حيث مساحاتها وعمارتها ، ومن هذه الخاناة : خان الباشا ، خان الدهن ، خان أبن هذال ، خان عصفور ، خان حميد الدهان ، خان السيد عبد الأمير الشامي ، خان الحاج إبراهيم البارودي ، خان الحاج صالح الأنباري (خان ناصر الدوركي حالياً) ، خان محمد الشيخ علي ، خان الحاج عباس الوكيل ، خان النقيب ، خان محمد رشيد الصافي الجلبي ، خان أحمد الكمبر ، خان الحاج هادي الدخيل ، خان الحاج أحمد وشاح ، خان عبد الرزاق الكلكاوي ، خان النواب ، خان الحاج عبد الأمير أبو دكة ، خان سيد مهدي الهندي ، خان مهدي الصالح عويد ، خان الدباغية وغيرها من الخانات(2).
وقد تعرضت الكثير من الخانات داخل مدينة كربلاء إلى الهدم الإهمال في مراحل تاريخية مختلفة وخاصة في السنوات الأخيرة وقسم منها طرأت عليها التغييرات العمرانية مما أدى إلى تشويه معالمها المميزة.

الخانات في أرباض المدينة

تختلف الخانات الموجودة في أرباض المدينة عن الخانات التي في داخلها وكذلك عن خانات القوافل من حيث حجم الخدمات المقدمة ، وسعة الخان وموقعه ووسيلة النقل المستخدمة(3).
وتتشابه هذه الخانات من الناحية التخطيطية والمعمارية مع خانات المدن وخانات القوافل ، حيث يتوسطها صحن (الفناء المكشوف) تحيط به الغرف التي

(1) د. طارق نافع الحمداني ود. صباح الشيخلي : المدينة والحياة المدنية ، ج2/ ص : 344.
(2) سلمان هادي طعمة : كربلاء في الذاكرة ، ص : 171ـ 172.
(3) د. طارق نافع الحمداني ود. صباح الشيخلي : المدينة والحياة المدنية ، ج2/ ص : 343 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 216

تطل على الصحن ، وتتميز هذه الخانات أيضاً بأسوارها العالية وبواباتها المرتفعة الضخمة ، وكذلك باستخدام كافة العناصر المعمارية في بنائها كالعقود والأقبية والقباب وبأستعمال مواد البناء المحلية كالطابوق (الآجر) والجص.

خانات القوافل

تُعد هذه الخانات من الشواهد الحية على عراقة العمارة العراقية. وأزدادت أهميتها إبان العهدين الصفوي والعثماني في كربلاء والعراق عموماً ، نظراً لفقدان الأمن على الطرق الخارجية من ناحية ، ولاستمرار حركة التجارة والحج عبر المدن العراقية من ناحية أخرى. فكانت المأوى الأمين وأستراحة صحراوية للقوافل والمسافرين. لقد تركز هذا النوع من الخانات بشكل خاص على طريق بغداد كربلاء النجف(1).
وتعتبر خانات القوافل من معالم العمارة الإسلامية البارزة في مدينة كربلاء. ونظراً لمركز كربلاء الديني ، وكذلك لوقوعها على طرق القوافل التجارية وقوافل الحجاج من بعض المدن العراقية وكذلك من إيران وتركيا وآسيا الوسطى ، فقد أنتشرت خانات القوافل على الطرق الخارجية الرئيسية للمدينة.
وتتشابه خانات القوافل فيما بينها من النواحي التخطيطية والعمرانية ، فهي مبنية بالطابوق (الآجر) والجص ، وهي على شكل مربع أو مستطيل ، تتألف من الصحن (الفناء المكشوف) وهو واسع ، وتطل عليه سلسلة من الغرف تتقدمها الأواوين أو الاروقة التي تعلو واجهاتها عقود (أقواس) دائرية ومدببة الشكل. ويتوسطها صحنها أكثر الأحيان بئر الماء لتزويد نزلاء الخان بالماء. وتحيط بالبئر دكة أو أكثر مرتفعة عن مستوى أرضية صحن الخان مخصصة للصلاة. وتشكل غرف الخانات أماكن نوم وأستراحة بالنسبة إلى التجار الوافدين والمسافرين

(1) المدينة والحياة المدنية ، ج2/ ص : 343ـ 344 ، حضارة العراق ، ج10/ ص : 353 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 217

والحجاج والزوار ، أما صحنها فيكون عادة محلاً لعرض البضائع وبيعها وكذلك لربط الحيوانات كالخيول والجمال.
وتتميز خانات القوافل ببنائها الواسع ، وبأسوارها العالية المدعومة بأبراج في أركانها الأربعة ، وقد زود الجزء العلوي من هذه الابراج والأسوار بمزاغل (فتحات في الجدار) لرمي السهام وذلك لحماية الخان من اللصوص.
ولهذه الخانات مداخل ضخمة تغلق أثناء الليل. وغالباً ما تعلو المداخل غرف أنيقة تعلوها قباب منخفضة ، وهذه الغرف مخصصة للمسافرين من الشخصيات المهمة.
وأستخدمت في بناء خانات القوافل العناصر المعمارية التقليدية كالعقود والأقبية والقبابا ، وبأستعمال مواد البناء المحلية كالطابوق (الآجر) والجص(1).
وقد تحولت معظم خانات القوافل في مدينة كربلاء إلى خراب بسبب الظروف الطبيعة والإهمال ، وقسم منها أصابه التغيير نتيجة الصيانة غير المدروسة والذي أزال جزءاً من معالمها العمرانية الأصلية.
ومن أهم خانات القوافل في كربلاء: خان العطيشي ، خان النخيلة ، خان العطشان.

خان العطيشي

يعتبر هذا الخان أحد أهم خانات القوافل في العراق. ويقع في منطقة العطيشي التابعة لناحية الحسينية ، إلى الشمال الشرقي في مدينة كربلاء على الطريق القديم الذي يربط بين بغداد وكربلاء.

(1) د. عيسى سلمان وهناء عبد الخالق ونجاة يونس : العمارات العربية الإسلامية في العراق ، ج1/ ص : 3 ، دار الحرية للطباعة بغداد ، 1982م .
د. طارق جواد الجنابي : حضارة العراق ، ج10/ ص : 351. المدينة والحياة المدنية ، ج2/ 344 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 218

وفي فترة متأخرة أتخذ هذا الخان مخفراً لشرطة العطيشي. وفي الوقت الحاضر تهدمت وتداعت معظم جدرانه ومرافقه ، خصوصاً الأواوين القائمة في الابهاء(1).
إن نظام تخطيط عمارة خان العطيشي يشبه بناء الخانات التي أقيمت خارج المدن في تلك الفترة من الزمن. وهو مستطيل الشكل ، طوله 65متراً وعرضه 51 متراً. ويبلغ ارتفاع جدرانه الخارجية حوالي 5 أمتار ، وسمكها متر واحد ، وزود الجزء العلوي منها بمزاغل تستخدم للدفاع وحماية الخان من اللصوص ، وأركان الخان الخارجية مدعمة باربعة أبراج كبيرة يبلغ نصف قطر كل منها 4.5 متر.
ولهذا الخان مدخل يتوسط الواجهة الجنوبية الغربية. وهو بارز عن مستوى الجدار ، ويبلغ ارتفاعه حوالي ثلاثة أمتار وعرضه يبلغ مترين ، ويعلوه قوس كبير مدبب الشكل.
تتوسط الخان ساحة داخلية مكشوفة طولها 50 متراً وعرضها 35 متراً. تيحط بها الغرف التي تتقدمها أواوين ذات قياسات مختلفة تعلوها عقود (أقواس) مدببة الشكل ، أما الطريقة المتبعة في عملية تسقيف الغرف والأواوين فهي أستخدام الأقبية المدببة ، وشارع أستخدام هذا الطراز من التسقيف في بناء العمائر الدينية والمدنية التي أقيمت في العراق خلال فترة الحكم العثماني للعراق.
وفيما يتعلق بتقنية الأبراج ، فقد أستخدمت القباب بشكل نصف كروي تقوم على رقبة اسطوانية. وأتبع في طريقة البناء رصف بشكل نصف كروي تقوم على رقبة أسطوانية. واتبع في طريقة البناء رصف القباب التي شيدت في وسط وجنوب العراق خلال العصور الإسلامية. وزينت الواجهة الخارجية للمدخل للرئيسي للخان بالزخارف الآجرية المتشابكة التي تشبه نسيج الحصير ،

(1) د. أعتماد يوسف القصيري : سومر ، ج38/ص :250 ، ج1 ، 2.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 219

وأستعملت مواد البناء المحلية في بناء خان العطيشي كالطابوق (الآجر) والجص(1).

خان النخيلة

يعتبر هذا الخان أحد أبرز الخانات التي تقع على طريق كربلاء النجف. ويبعد عن مدينة كربلاء بحوالي 14كلم إلى الجنوب الغربي منها. وهنالك خانات آخران يقعان على الطريق نفسه ، وهما خان الحماد (خان النص) وخان المصلى.
ومن الناحية التاريخية يعود خان النخيلة والخانات الأخرى التي تقع على طريق كربلاء النجف إلى فترة الحكم الصفوي والعثماني للعراق(2).
ويتشابه خان النخيلة من الناحية التخطيطية والعمرانية ، مع خانات القوافل الأخرى التي تقع على الطرق الخارجية التي تربط بين المدن العراقية ، حيث يتوسط الصحن (الفناء المكشوف) تحيط به مجموعة من الغرف التي تتقدمها الأواوين التي تعلوها عقود (أقواس) مدببة الشكل. ويتميز هذا الخان بأسواره العالية ومدخله الذي يتالف من طابقين تتوسطه بوابة كبيرة ، واستخدمت الأقبية المدببة الشكل في تسقيف الغرف والأواوين ، واستعمل في بنائه الطابوق (الآجر) والجص(3).

خان العطشان

يقع هذا الخان في المنطقة الواقعة بين كربلاء والنجف وعلى بعد 16 كلم بأتجاه الغرب من خان النخيلة ، وإلى الجنوب الغربي من مدينة كربلاء بنحو 30 كلم . وهو بناء قديم يعود تاريخه إلى الفترة التي بني بها قصر الأخيضر

(1) د. اعتماد يوسف القصيري : سومر ، ج38/ ص : 250ـ 254 ، ج1 ، 2.
(2و 3) حضارة العراق ، ج10/ ص : 352 353.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 220

الشهير في مطلع العصر العباسي. ويستدل من طراز بناء هذا الخان وعناصره الزخرفية على أنه لم يكن سوى دار أستراحة لوالي منطقة الأخيضر في رحلته إلى مدينة الكوفة. أما تسمية المبنى بالخان فأغلب الظن أنها أطلقت عليه في فترة متأخرة لنزول المسافرين والقوافل التجارية فيه(1).
وتذكر بعض المصادر التاريخية أن خان العطشان من منشآت الدولة الصفوية والدليل على ذلك وجود (تل مزعر) بالقرب منه. وهذا التل هو المكان الذي كانت تقف فوقه قوافل التجار والزوار والمسافرين لرؤية قبة الروضة الحسينية خلال فترة لعهد الصفوي. ولا تزال أطلال هذا الخان باقية إلى يومنا هذا(2).


(1) العمارات العربية الإسلامية في العراق ، ص : 42. سومر ، ج38/ ص : 250.
(2) سلمان هادي طعمة : تراث كربلاء ، ص : 126 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 221

خان قديم في مدينة كربلاء سنة 1920م

خان قديم في مدينة كربلاء

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 222


خان النخيلة في كربلاء

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 223

الحمـامـات العـامـة

تُعد الحمامات العامة ، والتي حضيت بالأهتمام والعناية في العراق خلال العصور الإسلامية ، من المنشآت الحضارية التي عُرفت منذ القرن الأول للهجرة ، حيث أنتشرت في أرجاء المدن العراقية ، خصوصاً في الأحياء القديمة منها(1).
وتذكر بعض المصادر التاريخية أن الحمامات الأولى شيدت بعد الفتوحات الإسلامية مباشرة. وإن أول حمام عربي إسلامي كشف عنه كان في مدينة الكوفة ثاني المدن الإسلامية التي شيدت في العراق العام 17هـ (638م) ، ويعود بناؤه إلى الفترة التي بنيت فيها دار الإمارة ، ويقع في قسمها الشمالي الغربي(2). وكشفت التنقيبات الأثرية عن حمام قصر الشعيبة الواقع بالقرب من مدينة البصرة جنوب العراق(3).
أما الحمام الذي يقع داخل قصر الأخيضر الشهير ، الذي يبعد عن مدينة كربلاء بحوالي 50كلم إلى الجنوب الغربي منها ، والذي يعود زمن بنائه إلى الفترة الأولى من العهد العباسي ، فإن تصميمه يشبه إلى حد بعيد تصميم الحمامات المشيدة في العصور الإسلامية ، إذ ينقسم إلى أقسام عدة ترتبط مع بعضها بواسطة دهاليز. وتختلف هذه الأقسام في ما بينها من ناحية درجات الحرارة. وجدران الحمام مشيدة من الطابوق (الآجر) والنورة(4).

(1) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : الحمامات الإسلامية في العراق ، صحيفة الحياة ، ص :21 ، العدد 12489 ، 1997م .
(2) زينب صادق علي السمكري : سومر ، المؤسسة العامة للآثار والتراث ، مجلد 44/ جزء 1 ، 2/ ص : 141 142 ، سنة 1985ـ 1986م ، وزارة الثقافة والإعلام العراق.
(3) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : الحمامات الإسلامية في العراق ، صحيفة الحياة ، ص : 21 ، العدد12489 ، 1997م .
(4) الكشاف الأثري في العراق وزارة الثقافة والإعلام ، ص : 217.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 224

وتذكر المصادر التاريخية عن مدينة بغداد أنه في النصف الأول من القرن الرابع الهجري كان بها أكثر من عشر آلاف حمام تناقصت حتى وصلت إلى ألفي حمام في القرن السادس الهجري(1).
ويذكر أبن بطوطة في رحلته إلى العراق أن في بغداد حمامات كثيرة ، وهي من أبدع الحمامات ، وكانت مطلية بالقار. ويذكر أيضاً أن لهذه الحمامات خلوات كثيرة ، وكانت كل خلوة مفروشة بالقار الأسود ، وأسافل جدرانها مطلية به أيضاً وذلك لمنع الرطوبة وتسرب المياه إلى أعلى الجدران ـ. أما القسم الأعلى من الجدران فكان بيضاً بالجص الأبيض الخالي من الشوائب. وفي كل خلوة من خلوات الحمام يوجد أنبوبان ، أحدهما للماء الحار والآخر للماء البارد(2).
وتطورت الحمامات في العصور الإسلامية المزدهرة. ففي ذلك الوقت لم يكن مألوفاً أن يستحم الناس في بيوتهم ، ولم تكن هناك حمامات خاصة إلا في بيوت الحكام والولاة ومنازل الميسورين. ومن هنا نشأت الحمامات العامة التي يؤمها عامة الناس على أختلاف طبقاتهم .
ويعود أهتمام المسلمين بها أيضاً لأسباب صحية ودينية ، لأنها كانت ضرورية للتطهير والأغتسال ووسيلة للأستعداد للعبادة. وكان لهذا الأمر تأثير واضح في تطور الحمامات عمرانياً. أما الحمامات المتخصصة للنساء فكانت تبنى إلى جانب الحمامات الخاصة بالرجال(3).
وتعتبر الحمامات الشعبية في كربلاء مراكز للحياة الأجتماعية ، حيث ترتبط بها المناسبات الهامة في حياة الناس ، منها أن يذهب العريس إلى الحمام

(1) د. عبد الجبار ناجي : دراسات في تاريخ المدن العربية الإسلامية ، ص : 306.
(2) أبن بطوطة : رحلة أبن بطوطة ، ج1/ ص : 166 ، 1323هـ (1905م) مطبعة الجزيرة مصر .
(3) أحمد بن يحيى البلاذري : فتوح البلدان ، ص : 355 ، نشر صلاح الدين المنجد ، القاهرة 1957م .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 225

قبل زفافه ، وكذلك يستعمل كصالون تجميل للنساء ، وتستعمل الحمامات الشعبية كمنشآت صحية للعلاج والتخلص من بعض الأمراض(1).
ويذكر الكاتب الصحفي عمانوئيل فتح الله عمانوئيل لدى زيارته لكربلاء سنة 1329هـ (1911م) إن بها حمامات كثيرة(2).
لقد أستمدت الحمامات العامة في كربلاء أصولها المعمارية من الطراز الفارسي والتركي ، ولكنها تميزت عنهما بصفات محلية عرفت بها العمارة في كربلاء من حيث أستعمال مواد البناء المحلية كالطابوق (الآجر) والجص والنورة والقار الأسود ، وهي من المواد العازلة للحرارة. وأستخدمت في بناء الحمامات الكربلائية القباب والقبوات والعقود الآجرية في تسقيفها. أما جدرانها فهي سميكة وتنشر في الكثير منها الزخارف الجميلة خصوصاً في الواجهات الخارجية والقباب والمداخل(3).

وصف الحمامات العامة

تتألف الحمامات العامة في كربلاء من ثلاثة أقسام وهي :
  • القسم الأول: المنزع ، وهو مكان فسيح أشبه بقاعة كبيرة غير مدفاً يخلع فيه الناس ملابسهم ، ويحتوي على مساطب خشبية أو رخامية للجلوس. ويعرف المنزع محلياً بـ(البراني) ويتوسطه أحياناً حوض ماء صغير على شكل نافورة. ويعلو المنزع في أكثر الأحيان قبة كروية الشكل تحتوي على فتحات صغيرة ثبت فيها الزجاج الملون لإدخال النور إلى هذا الجزء من الحمام .
  • القسم الثاني : ومن المنزع ينتقل المستحمون عبر دهليز يفضي إلى مكان كبير هو الحمام الذي يكون على شكل مربع أو دائرة في أكثر الأحيان.

    (1) سلمان هادي طعمة : الحمامات الشعبية في كربلاء ، مجلة التراث الشعبي البغدادية ، ص : 61ـ العدد: 12 ، 1392هـ (1972م ) .
    (2) مجلة لغة العرب البغدادية ، ص : 158 العدد 5ـ سنة 1329هـ (1972م ) .
    (3) سلمان هادي طعمة : الحمامات الشعبية في كربلاء ، ص : 61ـ العدد: 12.
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 226

    ويحتوي على أركان (خلوات) ، ويوجد في كل خلوة حوض صغير وحنفيتان ، واحدة للماء البارد وأخرى للماء الحار وكذلك دوش ، ويسمى هذا القسم من الحمام (الجواني) . ويعلو هذا القسم في معظم الحمامات قبة كروية كبيرة أو قباب صغيرة كروية الشكل تتوزع فيها فتحات صغيرة ثبت فيها الزجاج الملون لإدخال النور. أما أرضية هذا القسم فكانت تبلط بالطابوق (الآجر) المسطح (الفرشي) المصخرج ، وفي أكثر الأحيان توضع عليه طبقة من القار الاسود. وفي بعض الحامات تبلط الأرضية بالحجر المصقول ، اما جدرانها فتغطى إلى أرتفاع 1.5 متر تقريباً بالقار الأسود. أما القسم العلوي منها فيكسى بالجص الأبيض الخالي من الشوائب.
  • القسم الثالث: غرفة الخزينة ، وتسمى أيضاً بيت الحرارة أو غرفة البخار. وهي عبارة عن غرفة يتوسطها حوض كبير يُملاً بالماء الحار. وأحياناً تكون الخزينة أو (حوض الماء الحار) ضمن القسم الجواني وفي ركن من أركانه ، وفي بعض الحمامات يوجد أكثر من خزينة واحدة(1).
    وتتم تدفئة الحمامات العامة في مدينة كربلاء بواسطة مواقد (مشاعل) يطلق عليها محلياً اسم (الكورة) تقع تحت أرضية الحمام ، حيث يؤتى بالحطب (الخشب) ويوضع في هذه الكورة لإشعاله.
    أما ماء الحمام فكان يسخن في خزانات كبيرة توجد في موضع بجوار الحمام يطلق عليه محلياً أسم (الطمة) . وقديماً استعملت فضلات الخيل والحمير والبغال اليابسة كوقود لهذا الغرض(2).
    ومن التأثيرات السلبية التي كانت تسببها بعض الحمامات العامة في كربلاء ، عدم وجود طريقة لتصريف مياه المجاري ، لذلك كانت تضخ إلى آبار أصطناعية فتسبب في صعود مناسيب المياه الجوفية داخل المباني المحيطة

    (1و 2) رؤوف محمد علي الأنصاري : الحمامات الإسلامية في العراق ، صحيفة الحياة ، ص : 21 ، العدد 12489 ، 1997م .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي