عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 227

بالحمامات. وفي بعض الحمامات كان يتم تصريف مياه المجاري في قنوات صغيرة مسقفة بعقادة كما هو الحال في حمام المالح(1).
وما تزال بعض الحمامات العامة في مدينة كربلاء قائمة إلى الآن على رغم تهدم معظمها بسبب عدم صيانتها وترميمها. وقد أزيل قسم منها بسبب توسعات الشوارع والهدم الذي طال مركز المدينة منذ عام 1977م .

ومن أشهر الحمامات الشعبية في مدينة كربلاء:

1ـ حمام المالح

يعتبر هذا الحمام أحد أقدم وأشهر الحمامات العامة في مدينة كربلاء ويقع في محلة باب الطاق ، ويعرف اليوم بحمام الإمام موسى بن جعفر (ع) . ويرجع تاريخ بناء حمام المالح إلى القرن العاشر الهجري. وكانت توجد قناة للمياه قديمة مسقفة بعقادة من الطابوق (الآجر) والجص محاذية للضفة الغربية لنهر الحسينية وتصل إلى داخل المدينة ، وكانت قد أتخذت على عهد العثمانيين لتصريف مياه المجاري لحمام المالح(2).

2ـ حمام الكبيس

عرف هذا الحمام بهذا الأسم نسبة إلى عشيرة الكبيسات التي قطنت محلة الكبيس وهي جزء من محلة باب الطاق. شيد هذا الحمام سنة 989هـ (1581م ) . أوقفه الخواجه عيسى محمد الأفيهي والموقوف عليه يحيى الجلبي ، وكان يتولى هذا الحمام السادة من آل الوهاب وآل جلوخان وبعض الأسر العلوية.

3ـ حمام ركن الدولة

كان هذا الحمام يقع في منتصف سوق القبلة. شيده الشاهزادة علي نقي ميرزا ركن الدولة وذلك سنة 1255هـ (1839م) ، وتوليته بيد العلامة السيد

(1) محمد حسن مصطفى آل كليدار : مدينة الحسين ، ص : 26.
(2) المصدر السابق ، نفس الصفحة. سلمان هادي طعمة : كربلاء في الذاكرة ، ص : 380 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 228

محمد باقر الحجة الطباطائي. وتم أفتتاحه من قبل جلال باشا متصرف لواء كربلاء سنة 1328هـ (1910م) وقد هدم هذا الحمام مع سوق القبلة.

4ـ حمام القبلة

كان يقع هذا الحمام بالقرب من باب القبلة أحد أبواب الروضة الحسينية ، شيد من قبل محمد علي خان جان الكرمنشاهي وذلك سنة 1307هـ (1890م) ، وقد هدم هذا الحمام سنة 1367هـ (1948م) أثر أفتتاح شارع الحائر الحسيني.

5ـ حمام المشروطة

يقع هذا الحمام في محلة العباسية الشرقية. ويعود تاريخ تشييده إلى سنة 1328هـ (1910م) ، ويعزى سبب تسميته بهذا الأسم لأحد زعماء (الدستور) الإيراني ، وهو الحاج آقا نور الله الأصفهاني ، وكانت إدارته بيد أخيه الشيخ إسماعيل ، أما حالياً فقد أنتقلت إدارته إلى أولاده.

6ـ حمام الشاخه

كان موقعه في محلة العباسية الغربية على فرع من نهر الهندية ويعرف بالشاخه. شيد من قبل حسين عسكر سنة 1309هـ (1892م) ، على عهد السيد حسين السندري رئيس بلدية كربلاء آنذاك ، ثم أنتقل إلى ولده محمد علي. وقد تهدم أثر توسعه شارع العباس ، وأعيد ما تبقى منه ، ويسمى اليوم بـ(حمام كربلاء الحديث) ، ويقع بالقرب منه حمام للنساء.

7ـ حمام المخيم

يعتبر هذا الحمام من أكبر الحمامات في مدينة كربلاء ، وكان يعرف بحمام فيروزة.
ويقع حمام المخيم في منطقة ساحة المخيم ، شيده المعمار الشيرازي المعروف بضياء التجار ، ويعود تاريخ تأسيسه إلى سنة 1317هـ (1900م ) .

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 229

8ـ حمام اليهودي

يقع هذا الحمام في نهاية سوق العلاوي في الزقاق الذي كان يقطنه اليهود في العهد العثماني في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ، شيد هذا الحمام من قبل يعقوب شكر الله أحد الملاكين اليهود المشهورين.

9ـ حمام النواب

شيد هذا الحمام من قبل أحد الشخصيات من نوابي الهند ، وقد أبتاعه السيد مهدي الطباطبائي السندي ، وكان موقعه في سوق الهرج (ساحة الشهداء حالياً) ويجاور هذا الحمام خاص للنساء ومدخله في زقاق الداماد.

10ـ حمام السعادة

يعتبر هذا الحمام من الحمامات العامة القديمة الطراز في مدينة كربلاء ، يقع في محلة باب السلالمة في زقاق النصاروة ، وكان يعرف بحمام الجاجين. ويستعمل هذا الحمام من قبل الرجال وذلك من الفجر حتى شروق الشمس ، وبعد ذلك تستلمه النساء حتى المساء.

11ـ حمام السيد سعيد الشروفي

يقع هذا الحمام في شارع الوزون ، شيد من قبل السيد سعيد مصطفى الشروفي وذلك سنة 1340هـ (1922م) ، وهو جزء من بستان شراف المعروفة ببستان شرف الدينن وإلى جواره يقع حمام النساء.

12ـ حمام البغدادي

يعتبر هذا الحمام من الحمامات القديمة في مدينة كربلاء ، ويقع في ساحة البلوش (ساحة الإمام علي حالياً) ، ويعود تاريخ تشييده إلى أكثر من قرن ، وتعود ملكيته إلى السيد مهدي الجواد البغدادي. وبجانب هذا الحمام يوجد حمام خاص بالنساء.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 230

ومن الحمامات الأخرى في كربلاء: حمام باب بغداد الصغير ، وحمام الحاج علي شاه ، وحمام الحاج غلام رضا الوكيل ، وحمام التيل خانة ، وحمام العلقمي ، وحمام نينوى ، وحمام الفردوسي ، وقسم ومن هذه الحمامات قد هدم في السنوات الأخيرة(1).

(1) محمد حسن مصطفى آل الكليدار : مدينة الحسين ، ج1/ ص : 26.
ـ السيد إبراهيم شمس الدين القزويني : البيوتات العلوية في كربلا ، ج1/ ص : 17 ، 21.
ـ سلمان هادي طعمة : الحمامات الشعبية في كربلاء ، مجلة التراث الشعبي البغدادي ، العدد 12/ص:66 70 ، جمادي الثاني 1392هـ (1972م ) .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 231

البيوت التراثية

يتميز التخطيط العمراني لمدينة كربلاء منذ نشوئها العام 61هـ (680م) بكثافة البيوت التي تمركزت بصورة رئيسية حول جامعي ومرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس الروضتين الحسينية والعباسية ـ. ويعود ذلك إلى العلاقة الروحية التي تربط الناس بالروضتين. وتزداد كثافة البيوت كلما أقتربت منهما ونقل كلما ابتعدت عنهما.
ولذلك نلاحظ أن أكثر البيوت متلاصقة. أما الممرات والأزقة المؤدية إلى هذه البيوت فتكون في أكثر الأحيان ملتوية وذات أشكال متعرجة ، وقد تنتهي أحياناً بنهايات مسدودة لا مخارج لها.
ومن الأسباب الموجبة لأتباع هذا التخطيط من البناء في ذلك الوقت كما يبدو عمق الروابط الأجتماعية والحفاظ على أمن المدينة من عمليات السطو والأعتداء وكذلك أتقاء البرد القارص والحر الشديد(1).
والبيوت التراثية في مدينة كربلاء تحمل صفات وخصائص البيوت العربية والإسلامية المنسجمة مع التقاليد الأجتماعية. وكما يصفها جون وارن : (تتميز حياة المسلمين التقليدية بالفصل التام بين حياتهم العامة والخاصة وكذلك بين الرجل والمرأة)(2).

(1) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : صحيفة الحياة ، ص : 18/ العدد 11299 ، لندن كانون الثاني 1994.
سلمان هادي طعمة كربلاء في الذاكرة ص406.
(2) John Warren: ur Magazine, the Traditional Houses of Baghdad. page: 7, published by the Iraqi Cultural centre, London 1983.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 232

العناصر المعمارية الإساسية للبيوت التراثية

تحتوي البيوت التراثية في مدينة كربلاء على مجموعة من عناصر معمارية أساسية أهمها:

الساحة الداخلية المكشوفة (الحوش)

البيوت التراثية في مدينة كربلاء ، شأنها شأن مثيلاتها في المدن العراقية الأخرى ، تتميز بخصائص تخطيطية وإنشائية ذات طابع معماري واحد ، يتمثل في إحلال الساحة الداخلية المكشوفة التي يطلق عليها بالعامية (الحوش) المكان الأول في التخطيط ، وتأتي الغرف السكنية وبقية المرافق والمداخل والممرات لتأخذ مكانها حول تلك الساحة(1). ومن الواضح تماماً أن هذا التخطيط تقليد بنائي عراقي قديم تعود بداياته إلى فترة العهد البابلي القديم (مطلع الألف الثاني قبل الميلاد) ، حيث عثر على بقايا دور سكنية في أحد أحياء مدينة أور الأثرية في جنوب العراق تظهر الساحة الوسطية المكشوفة في مقدمة العناصر التصميمية(2).
وتعتبر الساحة الداخلية المكشوفة (Open Courtyard) من أهم مميزات عمارة المساكن التراثية في المدن الإسلامية(3) ، فإنها تجعل الإنسان المسلم يعيش اسعد لحضاته لأنها مكشوفة على السماء حيث يشعر الإنسان أن لا حاجز بينه وبين الله سبحانه وتعالى ، ومن هذا المنطلق كانت هذه الساحة أحد العناصر الرئيسية للبيت العربي الإسلامي.
وعلى رغم التأثيرات الواضحة التي تركتها تقاليد فنون العمارة الفارسية والتركية والهندية في البيوت الكربلائية ، إلا إن التخطيط الأساسي لها لم يصبه

(1) فريال مصطفى: البيت العربي في العراق في العصر الإسلامي ، ص : 110 ، وزارة الثقافة والإعلام في العراق ، دار الحرية للطباعة بغداد 1982م .
(2) سليمة عبد الرسول: المباني التراثية في بغداد ، ص : 24 ، وزارة الثقافة والإعلام ، المؤسسة العامة للآثار والتراث ، بغداد 1987.
Mr. Frankfort H.:Art and Architecture, page: 55, London 1952.
(3) د. عفيف بهنسي : الفن الإسلامي ، ص : 116 ، طبعة أولى دار أطلاس للدراسات والترجمة والنشر ، دمشق 1986 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 233

التغيير خلال العصور الإسلامية المختلفة ، بل ظل محافظاً على طابعه التقليدي الذي يشبه إلى حد بعيد الطراز المعماري الحيري (نسبة إلى مدينة الحيرة القريبة من الكوفة) ، وهو الطراز المعماري السائد آنذاك ، والمتمثل بإحلال الساحة الداخلية المكشوفة المكان الأول في التخطيط. وتأتي الغرف ومرافق البيت الأخرى لتحتل مكانها حول الساحة. وتكاد هذه البيوت أن تكون شبيهة إلى حد كبير مع البيوت القديمة في مدن وسط وجنوب العراق من جهة التصميم الهندسي ومواد البناء والزخارف(1).
ويختلف البيت الكربلائي في مساحته بأختلاف المراتب الأجتماعية للناس. إذ تتكون البيوت عادة من ساحة مكشوفة تبدأ بمجالس الضيوف ومرافقها وتقع في مقدمة البيت وتعرف بـ(البراني) ، ثم تنتقل إلى الغرف المخصصة لأفراد العائلة والمرافق الملحقة بها والتي تحيط بالساحة المكشوفة ويُطلق عليها بـ(الدخلاني) . ويتراوح شكل الساحة المكشوفة ما بين المربع والمستطيل.
وتعتبر الساحة الوسطية قاعة مكشوفة ومحجوبة عن الأنظار في آن واحد ، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه في توزيع الإضاءة الطبيعة للغرف المحيطة بها. وتطل الشبابيك الواسعة للغرف على الساحة الوسطية فتكون في هذه الحال واجهات لغرف الطابق الأول ، وتتحقق عن طريقها الإضاءة والتهوية الطبيعيتان. ويتم عادة تبيلط أرضية الساحة الداخلية المكشوفة بالطابوق (الآجر) المسطح المعروف بـ(الفرشي) . وفي بعض الأحيان تزرع هذه الساحة بشجرة واحدة أو اشجار عدة توضع في وسطها نافورة جميلة تسمى (الشاذروان) (2).
وتنعزل الساحة الداخلية المكشوفة عن الشارع أو الزقاق في مثل هذا التكوين الإنشائي الذي يحقق ضمن مساحات قليلة مرافق كافية لسكن عائلي متعدد الاشخاص. وفي بعض الأحيان نجد أن مساحة الدار لا تتجاوز 50 متراً مربعاً

(1) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : صحفية الحياة. ص : 21/ العدد 12458 ، لندن ابريل ، 1997م .
(2) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : صحيفة الحياة ، ص : 18/ العدد 11299 ، لندن كانون الثاني 1994 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 234

مما يظهر براعة المعمار أو المهندس في أستغلال المساحات إلى أقصى حدودها لتأمين بيت ذي ساحة داخلية مكشوفة وفي حدود ضيقة(1).

المدخل (الباب الرئيسي)

وهو حلقة الوصل الرئيسية بين البيت والخارج ، يطل على الزقاق أو الشارع ويكون الأستخدام الواسع للبيت. ويؤدي المدخل من خلال مجاز منكسر في أكثر الأحيان إلى الساحة الداخلية المكشوفة ، ويزود عادة بباب من الخشب تتناسب عادة وحجم البيت.
وفي أكثر الأحيان تتميز الأبواب بكثرة التحليات الزخرفية الخشبية والحديدية وتحيط بها إطارات من الزخارف الجبصية. وأحياناً يعلو المدخل قوس من الأجر والجص على شكل نصف دائري في أكثر الأحيان ، يتضمن كتابات من الآيات القرآنية الكريمة وبعض الزخارف المتنوعة. والأبواب غالباً ما تكون من مصراعين (فردتين) ويترواح ارتفاعها ما بين 1.80 2.00متر وعرضها ما بين متر واحد إذا كنت من مصراع واحد و1.40 متر أو أكثر إذا كانت من مصراعين. وعادة ما تحتوي الباب على مطارق معدنية بأشكال ووضعيات مختلفة(2).

المجاز (المدخل المنكسر)

ومن الخصائص المميزة للبيوت التراثية في مدينة كربلاء وجود المدخل المنكسر المعروف بـ(المجاز) الذي يوصل المدخل أو (الباب) بالساحة الداخلية المكشوفة (الحوش) . وهو أبتكار إسلامي ظهر للمرة الأولى في دار الإمارة في مدينة الكوفة العام 17هـ (638م) وكذلك في بعض دور سامراء العباسية. وكان

(1) د. محمد مكية : الدور البغدادية والتراث المسكني ، ص : 28 ، قامت بنشره نقابة المهندسين العراقيين 1969.
(2) سليمة عبد الرسول: المباني التراثية في بغداد ، ص : 30.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 235

يستهدف غرضاً أجتماعياً بحتاً يتلائم والتقاليد الإسلامية ، وهو عزل فضاء الساحة الداخلية المكشوفة عن الشارع أو الزقاق ، وترطيب الهواء عبر أختراقه المجاز(1).

الإيوان (الطارمة)

ومن العناصر الأساسية في تصميم البيت الكربلائي توفير ما يسمى بالإيوان (الطارمة) . والإيوان (Iwan) كلمة فارسية الأصل مأخوذة من (إيفان) بمعنى قاعة العرش. وهو بناء له ثلاثة جدران وسقف ويكون مكشوفاً من واجهته الأمامية المطلة على الساحة الداخلية المكشوفة (الحوش) ، وغالباً ما يكون سقف الإيوان مغطى بقبو (*).
ومن المرجح أن الأواوين عرفت في العراق منذ عصور قديمة في شمال مدينة الموصل. ثم ظهرت بعد ذلك في العصر الإسلامي ، كما في دار الإمارة في الكوفة وقصر الشعيبة قرب مدينة البصرة ، وقصر المنصور في بغداد ، وبيوت قصر الأخيضر الشهير الذي يعود بناؤه إلى بداية العصر العباسي ويقع بالقرب من كربلاء(2). وتستعمل الطارمة في الطابق الأرضي للنوم صيفاً في حال عدم وجود السرداب ، وكذلك لتناول وجبات الطعام وشرب الشاي.

السرداب

ويتميز البيت الكربلائي بوجود مكان للراحة والأستقرار يُطلق عليه السرداب. وهو أصطلاح فارسي مؤلف من مقطعين (سرد) أي بارد و(آب) وتعني الماء(3). وتقضي فيه العائلة ساعات طويلة في أيام الصيف الحارة. ويمتاز

(1) معاذ الآلوسي المميزات البارزة في البيت العراقي مجلة العاملين في النفط العدد 36 ص 4 بغداد 1965.
Jovan Krunic: Art Architectural Traditions and New Atchitecture of Iraq, The House of Baghdad its old & Modern concept, Sumer, Vol. 18 - page : 4, 1962.
(*) القبو: هو البناء المعقود بعضه إلى بعض (المنجد) .
(2) فريال مصطفى: البيت العربي في العراق في العصر الإسلامي ، ص : 114 ، 115.
E. J. Keal: Art (Some theughts on the Eywan), Studies in Honer of George C. Miles, Pages: 198, 199.
(3) محمد التونجي : المعجم الذهبي فارسي عربي ، ص : 343 ، دار العلم للملايين بيروت 1968 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 236

بجدرانه السميكة وأنخفاض مستوى أرضيته عن مستوى أرضية البيت ، إذ قد يصل أنخفاضه في بعض الأحيان إلى أمتار عدة مما يساعد في حمايته من الحرارة الشديدة في فصل الصيف.
ويعود تاريخ السرداب في البيوت التراثية ، إلى بدايات العصور الإسلامية الأولى ، فقد كشفت التنقيبات الأثرية عن بعض السراديب التي تقع في قصر الأخيضر قرب كربلاء ، منها سرداب يقع في الجهة الشرقية للرحبة الكبرى تحت القاعة ، له سُلم يتكون من 24 درجة. وسرداب آخر يقع في مبنى الملحق الشرقي عند وسطه تحت الإيوان الوسطي من الملحق المذكور له سُلم يقع في الجهة الجنوبية الشرقية ويتألف من عدة درجات(1).
وتجري تهوية السرداب بواسطة فتحات صغيرة جانبية تكون عادة في مستوى أرضية الساحة الداخلية المكشوفة (الحوش) ، وكذلك من باب المدخل والدرجات (السلالم) المؤدية إليه. وهناك مجار عمودية التهوية عبارة عن فتحات داخل الجدار وفوهتها في أعلى سطح البيت تنقل الهواء من الأعلى عبر هذه الفتحات إلى مستوى ومنحفض في أرضية السرداب ، فيساعد الماء الذي يرش على أرضية السرداب بترطيب الهواء الخارجي الجاف الآتي من السطح عبر هذه الفتحات. وتُسمى هذه الفتحات أوالمجاري العمودية بالملقف الهوائي ، ويُطلق عليها محلياً (البادكير) وهي كلمة فارسية مؤلفة من (باد) اي هواء و(كير) أي جالب أو ساحب(2).
وفي أكثر الأحيان يتم بناء السرداب من عقود واقبية مبنية من الطابوق (الآجر) والجص. أما الأرضية فتبلط عادة بالآجر المسطح (الطابوق الفرشي) وهي تحتفظ بالرطوبة والبرودة عن طريق رشها بالماء باستمرار. في الشتاء

(1) محمد باقر الحسيني : الأخيضر. مجلة سومر ، ج22/ ص : 81 ، 85 سنة 1966.
G. Bell: Palace and Mosque at Ukhaidhir, Page: 11, Oxford 1914.
(2) فريال مصطفى: البيت العربي في العراق في العصر الإسلامي ، ص : 118 ، 119.
جلال الحنفي : معجم اللغة العلمية البغدادية ، ص : 20/ ج2 ، مطبعة أسعد بغداد 1966 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 237

تستعمل السراديب مخزناً لحفظ الحبوب والغلات وبعض الحاجات المنزلية الأخرى(1).

الخصائص الإنشائية

ومن الخصائص الإنشائية التي أمتاز بها البيت التراثي في مدينة كربلاء ، بصورة عامة ، أرتفاع سقف غرف الطابق الأول بحيث يصل أحياناً إلى أربعة أمتار. وذلك لغرض حصر كميات من الهواء تحافظ على درجات حرارتها من دون التأثر السريع بتبدلات الطقس الخارجية. وكذلك السماح بتعرض الفناء الداخلي المكشوف لأشعة الشمس في فصل الصيف لوقت أقل خلال اليوم تجنباً لشدة حرارتها ، وهو أمر ضروري لأمتصاص الرطوبة وكذلك لإضاءة أعمق نقاط البيت خصوصاً السراديب وقت الظهيرة(2).
وهناك مميزات إنشائية أخرى منها كثرة الشبابيك في الطابق الأول وارتفاعها ، خصوصاً في الواجهات التي تطل على الأزقة والشوارع. وكذلك الروفو (الروازين) المتعددة من الداخل لتخفيف سماكة الجدار والأستفادة منها كدواليب أو لأستعمالات أخرى.
وأما غرف الطابق الأول ممر يطل على الساحة المكشوفة (الحوش) ، يتقدمه حاجز من الخشب أو الحديد ذو زخارف جميلة وبأرتفاع متر واحد تقريباً ، يطلق عليه محلياً المحجر أو (الدرابزين) . أما أرتفاع الطابق الأرضي فيكون عادة أقل من الطابق الأول ، ويتميز أيضاً بنوافذه التي تكون في الغالب فوق مستوى النظر وهي تطل على الأزقة والشوارع.
وأستعملت في البيوت التراثية في كربلاء مواد بناء خفيفة في تسقيف الطابق الأرضي والأول ، وذلك للتغلب على مشاكل الثقل في كتل البناء ، كالخشب

(1) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : صحيفة الحياة ، ص : 18/ العدد 11299ـ كانون الثاني 1994.
(2) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : صحيفة الحياة ، ص : 20/ العدد 12861 ، أيار 1998 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 238

والقوغ (جذوع شجرة الحور) ، وخشب جذوع النخيل ، حيث تستعمل كجسور وتوزع على مسافات متساوية حسب مقاييس الغرفة ، وتغطى بحصران القصب (الواري) ، ثم توضع عليها طبقة من الطين الناعم لمنع تسرب التراب ، ثم طبعة من الطين المخمر ، لأيام عدة ، والمخلوط بالتبن (ما قطع من سنابل الحنطة) لمنع حدوث الأنشقاق. ثم يفرش بالقار الأسود كعازل للرطوبة ، ويبلط بعد ذلك بالآجر المربع بسماكة 4 5 سم والمسمى بـ(الفرشي) . ويغطى السقف في معظم الأحيان من الداخل بألواح خشبية رقيقة تطلى بالدهان في الغالب. وفي بعض الأحيان تثبيت عليها شرائح خشبية رقيقة موزعة بطريقة فنية وبأشكال هندسية متنوعة. أما السلالم (الدرجات) في البيوت التراثية في مدينة كربلاء فتقع عادة في أحد أركان البيت وهي غير بارزة.

الغرف المُعلقة

ونظراً إلى ميزة ارتفاع سقف الطابق الأول ، كان لا بد من الاستفادة من هذا الأرتفاع لعمل غرف صغيرة معلقة بأرتفاع مناسب ، معدله في معظم البيوت التراثية التي تتواجد فيها مثل هذه الغرف ، حوالي مترين ، بعد قطع هذه الأرتفاع بواسطة ألواح خشبية سميكة كانت تؤلف ارضية للغرف المعلقة التي تُعرف محلياً بـ (الكنجينة) . كما تُعرف في بغداد وبعض المدن العراقية الأخرى بـ(كفشكان) . وهذه الغرف تمثل إحدى المعالجات المعمارية الصرفة التي توصل المعمار العراقي إلى إبرازها في البيت ، حيث يكون بناؤها من الخشب بدلاً من الطابوق (الآجر) والحديد ، وذلك للتغلب على مشاكل الثقل على جدران البيت.
أما الوظائف الرئيسية للغرف المعلقة فيمكن إدراجها على الشكل الآتي :
1 أتخاذها مكاناً لنوم بعض أفراد الأسرة وخاصة كبار السن منهم الذين يطلبون الهدوء والعزلة.
2 ـ أتخاذها مكاناً لنوم الخدم أو الأطفال.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 239

3 ـ أتخاذها مخزناً للافرشة الفائضة عن الحاجة الأعتيادية لأهل البيت.
4 ـ أتخاذها كشرفة مخفية ومستورة ، تجلس فيها النساء لمشاهدة المهرجانات ومواكب الأفراح والأحزان التي تمر من الطريق العام في المناسبات ، دون أن يراهن أحد من المارة ، لأن التركيبات الخاصة بشبابيك هذه الغرف المطلة على الطريق العام اشبه بالشناشيل (المشربيات) مصممة لحجب الرؤية من الخارج للجالسين في هذه الغرف.

ولعل هذا العنصر البنائي أدخل إلى البيوت التراثية لهذا الغرض ، تبعاً للوضع الأجتماعي السائد في تلك المرحلة التاريخية ، إضافة لما سبق ذكره. أما الصعود إلى هذه الغرف المعلقة ، فيتم عن طريق سلالم فرعية صغيرة ، وأحياناً يصعد إليها بواسطة سلم البيت الرئيسي أيضاً.
وتعتبر واجهات الغرف الصغيرة المُعلقة المطلة على الزقاق أو الشارع العام من العناصر المعمارية الجمالية في البيت الكربلائي ، وتختلف حسب مكانة صاحب البيت وقدرته الأقتصادية.
وتمتاز معظم واجهات هذه البيوت بجمال وروعة زخارفها ودقة صناعتها خصوصاً الشناشيل التي أستخدمت في صناعتها أغلى وأحسن أنواع الأخشاب.
ويكون حجم شبابيك الغرف المعلقة حوالي نصف حجم الشبابيك الأخرى ، تليها شبابيك القسم الآخر إلى أسفل شبابيك الغرف المعلقة. وهي في منظرها الخارجي لا تختلف عن تقسيمات وزخارف الشبابيك الأخرى سوى أنها أصغر حجماً من الشبابيك الأعتيادية(1).

(1) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : صحفية الحياة ، ص : 20/ العدد 12861 ، 21 أيار 1998.
سليمة عبد الرسول: المباني التراثية في بغداد ، ص : 62.

السابق السابق الفهرس التالي التالي