شمس ألمرأة لا تغيب 176

للمرأة قبل ذلك شأن عظيم حيث يحدثنا التاريخ عن زوجة الحرث بن عوف (1)سيد بني مرة التي أصلحت بين قبيلة عبس وذبيان بعد أن كادتا تفنيان(2).
ولما جاء ألإسلام كانت ألمرأة العربية بالذات ـ كما وغيرها ـ في اسوأ وضع حيث شاع الفساد في المجتمع الرجالي وكذلك النسوي ، فكانت القيان تتبوأ مكانا رفيعا بينما أصبحت ألمرأة ينظر إليها بحقارة ومهانة ، فجاء ألإسلام ليرفع من مكانتها ويصونها بالعفة والكرامة ، وأبقت ألمرأة المسلمة على مكانتها إلى ما بعد عهد القادر بألله العباسي (3)، ففي عهد معاوية بن أبي سفيان (4)إستخدم العرب الخصيان حيث أخذوا ذلك عن الروم ، كما إقتبسوا نظام الحريم في عهد الوليد الثاني ألأموي (5).

(1) الحرث بن عوف المري : أو الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري ، والذي كان من فرسان الجاهلية وله فيها أخبار ، ولد في الجاهلية وأدرك ألإسلام وأسلم ـ راجع ألإستيعاب : 1/ 303 .
(2) كان يجب وضع هذه الدراسة التاريخية كتمهيد للكتاب أو ضمن التمهيد ، ولكن سماحة المؤلف إرتأى إيرادها هنا ـ المعدة ـ .
(3) القادر بألله العباسي : هو أحمد بن إسحاق بن الفضل بن جعفر المقتدر ، الخامس والعشرون من حكام العباسيين ، حكم ما بين (381 ـ 422 هـ) .
(4) معاوية بن أبي سفيان : وإسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ألأموي ، أول من إنشق عن الدولة الإسلامية ، وأسس الدولة الأموية في دمشق عام (36 ـ 60 هـ) .
(5) الوليد الثاني : هو الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان ألأموى ، حكم ما بين (125 ـ 126 هـ) .
شمس ألمرأة لا تغيب 177

هذا وقد أمر المتوكل العباسي (1) بفصل النساء عن الرجال في الولائم والحفلات العمومية ، لكن بقي النساء يختلطن بالرجال إلى أواخر المائة السادسة للهجرة ، وكن يقابلن الزائرين ويعقدون مجالس ألأنس ويمضين إلى الحرب لابسات لامة الحرب ومقلدات السيف ، وبعد القادر بألله العباسي تراجع شأن ألمرأة وضعف دورها في بلاد المسلمين بشكل عام ، ولم يشتهر منهن بعد ذلك إلا قليلا ، وأخذ الرجال ينتقصون حقوق النساء ويستخدمون عبارات تتنافى والمكانة التي أولاها ألإسلام لهن حتى قيل عنهن الكير من المقولات السيئة ومن تلك قولهم : «إن ألمرأة تقفل أبواب السعادة وتدس السم في كأس الرجال» ، ويطلقون هذه الكلمات دون التعمق في أصول الأديان جميعها والتي تجد عند كل ينبوع كا منها حوراء تبث الحياة في ذويها ، ولولا ألمرأة لما صار ألإسلام قوة حية ، فلولا وقفة السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وآله لما إنطلق ألإسلام بتلك القوة التي إنطلقت ، فقد طيبت قلبه وشدت عزائمه منذ اللحظات ألأولى التي سمع فيها النداء الإلهي ، ثم وقفتها معه أمام جحافل المشركين ، وبذل كل ما لديها لدعم المسلمين الذين حاصرتهم القوى الظالمة محاصرة إقتصادية.

(1) المتوكل العباسي : هو جعفر بن المعتصم بن هارون الرشيد ، حكم ما بين ( 232 ـ 247 هـ) .
شمس ألمرأة لا تغيب 178

وإذا ما رجعنا إلى قرون قبل ذلك نجد أن مريم العذراء كانت من وراء ذلك النبي الذي لا أب له ، فأصبحت تلك ألأم المثالية قديسة تعد في مصاف ألأنبياء وتكرم تكريم المرسلين ، وهذا ما نشاهده في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام إبنة خاتم ألأنبياء صلى الله عليه وآله ، فهي التي وصفها الرسول صلى الله عليه وآله بسيدة نساء العالمين ، تلك القديسة الطاهرة والبتولة الصديقة التي وصلت من حيث المكانة درجة العصمة ، وقد روى عنها خيار الصحابة في الفقه والموعظة الحسنة .
ولكن نساء بني أمية غيرن من سيرتهن عندما أصبحت الخلافة ملكا عضوضا فإقتدين بالنساء الرومانيات ، أو كما في يومنا الحاضر كنساء الولايات ألأمريكية الشرقية المعروفة بإنگلترا الجديدة.
وبإنتشار لواء ألإسلام في المشارق والمغارب ثم توسع مجال المعارف فلم تعد نساء المسلمين يقتصرن على تعلم الشريعة وألأحاديث النبوية بل أخذن يدرسن الشعر وفنون ألأدب فكن على عهد الوليد وهشام ألأمويان ينظمن الشعر ويخطبن الخطب مثل أكبر الشعراء والخطباء ، ولم يقتصر ذلك على نساء الخاصة بل تناول نساء العامة أيضا .

شمس ألمرأة لا تغيب 179

ويتابع المصدر قائلا : لقد نشأ في عهد بني العباس نساء كثيرات من عقيلات النساء وسمعن الفقه والحديث وكن يقرأن في المدارس والبيوت ، وألإمام الشافعي (1)كمثال على جلالة قدره قرأ الفقه والحديث على إثنتين من هؤلاء النساء اللاتي برزن في عهده وبقيت منزلة ألمرأة على حالها تقريبا إلى ما بعد أيام الواثق بألله العباسي (2)، وكان للمرأة نفوذ واضح في البلاط العباسي ، وكانت الكثيرات من زوجات الحاكمين يعدن من ربات الحجا وألأدب والفكر والسياسة ، ولهن دور كبير في بناء المنشئات الحيوية صحية كانت أو ثقافية كالمدارس والمستشفيات .
ويذكر المصدر أن القادر بألله العباسي منع النساء من دخول المساجد والمدارس وكل المجتمعات التي كانت مختلطة إلا متبرقعات . ومع هذا فلم يؤثر في عطائهن الثر . ويرى المصدر بأن ألمرأة فيما بعد ذلك حط من قدرها وتراجع عطائها بشكل ملموس واصبحت جليسة الدار .

(1) الشافعي : هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي «150 ـ 240 هـ » أحد ألأئمة ألأربعة من المذاهب السنة ، ولد في غزة فلسطين ، وتوفى في القاهرة بمصر ، كان إماما في الفقه والحديث ، وكان شاعرا عرف بولائه لأهل البيت عليهم السلام . مؤلفاته : السنن ، أحكام القرآن ، وأدب القاضي .
(2) الواثق بألله العباسي : هو هارون بن المعتصم بن هارون الرشيد ، حكم في الفترة (227 ـ 232 هـ ) .
شمس ألمرأة لا تغيب 180

ويصف وجدي (1)حالة ألمرأة في الغرب قائلا : «كانت ألمرأةفي أوروبا مستعبدة ، ليس لها شخصية ممتازة فكانت لا ترث ولا تملك ، وقد تغالى آسروها حتى حرموا عليها الضحك وأكل اللحم ، ووضعوا على فمها ألأقفال الحديدة وحكم عليها بأنها مجردة عن الروح ألإنسانية التي للرجل ، فقام أحد أفراده يطالبون لها الحرية ، وحسنا طلبوا لو كانوا وقفوا بمطالبهم عند حدود الحكمة ، ولكن دفعتهم ألأهواء إلى متاهات التعسف ، فطلبوا للمرأة وبإسمها كل شيء حتى ما ينافي وظيفتها ويفسد خصائصها ، طالبوا أن تستخدم في المعامل وأن تكون طبيبة ومحامية ومهندسة ... إن بجانب كل مهندسة أو طبيبة أو محامية مائة ألف من بنات جنسها وقفن تحت كلاكل ألأشغال الشاقة تكد أجسادهن ألأعمال ، وتلفح وجوههن النار ، غصت المعامل بالنساء الضعيفات ، وشحنت لهن مخازن التجارات في مقابل أجور لا تبلغ البلغة من العيش» (2).

(1) وجدي : هو فريد مصطفى وجدي المصري (1292 ـ 1373 هـ ) ولد بألإسكندرية ، وتوفى بالقاهرة ، كاتب صحفي ، أنشأ مجلة الحياة ، ومطبعة ، كما أنشأ صحفا أخرى ، من مؤلفاته : على أطلال المذهب المادي ، ألإسلام دين عام خالد ، والفلسفة الحقة في بدائع ألأكوان .
(2) دائرة معارف القرن العشرين : 3 / 338 .
شمس ألمرأة لا تغيب 181

تصريحات غربية

هناك عدد كبير من المفكرين في الغرب إنتقدوا ألأسلوب الغربي لمعالجة إضطهاد ألمرأة في القرون الماضية(1)في مجتمعاتهم فما بالك بالعصر الحديث ، حيث إعتبروا أن هذا الذي يقومون به أو يشجعون عليه هو إنحلال ولا يمكن عده من ألإصلاح وإعطاء الحقوق ، وقد أدى إلى خسارة ألمرأة نفسها وإلى تربية جيل لا يملك مقومات الصلاح والعطاء وبالتالي خسارة الحياة ألأسرية المقدسة ، وربما مدح بعضهم ألأسلوب الذي إختاره ألإسلام كمنهج لإنقاذ ألمرأة من براثن الجاهلية وخلاصها من العبودية ، وإعطائها الحرية وتنمية القدرات الصالحة فيها ، ودفعها نحو الخير والعطاء والقضاء على

(1) من الواضح أن سماحة المؤلف إستشهد بأقوال المفكرين الماضين بإعتبارهم عاشوا فترة المطالبة بالمساواة وحرية ألمرأة ـ المعدة .
شمس ألمرأة لا تغيب 182

مكونات الفساد وإصلاحها ، وفيما يلي نورد قسما من الحالة التي وصلت إليها ألمرأة ليكون ما نورد هنا درسا للمرأة الشرقية أو بألأحرى المسلمة لكي لا تعتز بالنموذج الغربي الذي قد ترى بريقه المغري وتسمع الدعايات الكاذبة.
* قال سامويل سمايلس (1): «إن النظام الذي يقضي بتشغيل ألمرأة في المعامل ، مهما نشأ عنه من ثروة فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية لأنه يهاجم هيكل المنزل ويقوض أركان ألأسرة ويمزق الروابط ألإجتماعية ويسلب الزوجة من زوجها وألأولاد من أقاربهم وصار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل اخلاق ألمرأة إذ وظيفة ألمرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية ، مثل ترتيب مسكنها وتربية أولادها وألإقتصاد في وسائل معيشتها مع القيام بإحتياجاتهم البيتية . ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير المنازل ،وأضحت ألأولاد تشب على عدم التربية ، وتلقى في زوايا الإهمال ، وإنطفأت المحبة الزوجية ، وخرجت ألمرأة عن كونها الزوجة الظريفة والمحبة اللطيفة ،

(1) سامويل سمايلس ، مفكر إنگليزي وأحد أركان النهضة ألإنگليزية .
شمس ألمرأة لا تغيب 183

وصارت زميلته في العمل الشاق ، وصارت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري ، والتوادد الزوجي ، وألأخلاق التي عليها مدار حفظ الفضيلة»(1).
* ونشرت جريدة لندن تروث ـ London Truthـ مقالة عن الحياة الأسرية للمرأة الغربية وجاء نصها المعرب كالتالي : « إن البلاء كل البلاء في خروج ألمرأة عن بيتها إلى إلتماس أعمال الرجال ، وعلى أثرها يكثر الشاردات عن أهلهن واللقطاء من ألأولاد غير الشرعيين ، فيصبحون كلا وعالة وعارا على المجتمع ، فإن مزاحمة ألمرأة للرجال ستحل بنا الدمار ، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل وعليه ما ليس عليها ؟».(2)
* وصرحت آني رود(3) في مقال لها عن ألمرأة في ظل النظام الغربي قائلة : «لأن يشتغل بناتنا في البيوت خير

(1) نهاية ألمرأة الغربية : عن دائرة معارف القرن العشرين : 8 / 639 ، قالوا عن ألمرأة : 49 عن مجلة المرشد البغدادية : 3 / 9 بتاريخ 1347 هـ ، عن كتاب ألأخلاق لسامويل .
(2) نهاية ألمرأة الغربية : 9 ، عن جريدة المنار المصرية : 3 / 481 عن جريدة «لاغوس ويكلي ريكورد» 20 / 4 / 1901 م ، عن جريدة «لندن تروث» . راجع أيضا : حقوق النساء في ألإسلام : 72 ، عن عدد من الصحف ألأجنبية ، وعن مجلة المنار القاهرية في عددها الصادر في جمادى ألآخرة سنة 1319 هـ .
(3) مس آني رود : هي Ani Rod ألإنگليزية ، كاتبة شهيرة لها مقالات في عدد من الصحف ألإنگليزية منها جريدة ألإسترن ميل .
شمس ألمرأة لا تغيب 184

وأخف بلاء من إشتغالهن في المعامل ، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى ألأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة تنعم ألمرأة بأرغد عيش تعمل كما يعمل ألأولاد في البيت ، ولا تمس ألأعراض بسوء ، نعم إنه لعار على بلاد ألإنگليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها »(1).
*وتقول كوك(2) عن إختلاط الجنسين في المجتمعات الغربية : « إن ألإختلاط يألفه الرجال وقد طمعت ألمرأة فيه بما يخالف فطرتها ، وعلى كثرة ألإختلاط ، تكون كثرة أولاد الزنى ، وهنا البلاء العظيم على ألمرأة ، فالرجل الذي علقت منه يتركها وشأنها تتقلب على مضجع الفاقة والعناء وتذوق طعم مرارة الذل والمهانة وألإضطهاد من الحمل وثقله والوحم ودواره ، أما آن لنا أن نبحث عما يخفف إذا لم نقل عما يزيل هذه المصائب العائدة بالعار على المدنية الغربية ؟ ،

(1) نهاية ألمرأة الغربية : 10 عن مجلة المنار المصرية : 4 / 481 ، عن جريدة The Eastren Mail بتاريخ 10 / 5 / 1901 ، قالوا في ألمرأة : 36 عن كتاب الإسلام وألمرأة .
(2) السيدة كوك ( Cook ) : كاتبة معروفة تكتب بجريدة «لايكو».
شمس ألمرأة لا تغيب 185

يا أيها الوالدان ، لا يغرنكما بعض الدريهمات تكسبها بناتكم بإشتغالهن في المعامل ومصيرهن إلى ما ذكرنا ، علموهن ألإبتعاد عن الرجال ، أخبروهن بالكيد لهن بالمرصاد . لقد دلنا ألإحصاء على أن البلاء الناتج من حمل الزنى أنه يعظم ويتفاقم حيث يكثر إختلاط النساء بالرجال ، ألم تروا أن أكثر أمهات أولاد الزنى هن المشتغلات بالمعمل والخادمات في البيوت ، ولولا ألأطباء الذين يعطون ألأدوية لإسقاط الحمل لرأينا أضعاف ما نرى ألآن . لقد أدت بنا هذه الحالة إلى حد من الدناءة لم يكن تصورها في ألإمكان ، حتى أصبح رجال مقاطعات بلادنا لا يقبلون ألمرأة زوجة شرعية ، وهذا غاية الهبوط بالمدنية»(1).
* وتذكر إيفلين كوبولد (2)واجبات ألمرأة الزوجية وتركز على ناحية المنزل فتقول : «الزوجة تقوم بواجباتها المنزلية في صباح النهار وأطرافه ، حتى إذا إنتهت من أعمالها إستقبلت صديقاتها وصويحباتها ، وخرجت معهن للتنزه وهي مسرورة كل السرور بحياتها »(3).

(1) نهاية ألمرأة الغربية : 10 عن مجلة المنار : 4 / 482 عن جريدة ألأيكو ، وكتاب قالوا عن ألمرأة : 36 ، عن ألإسلام وألمرأة .
(2) إيفلين كوبولد : باحثة إجتماعية أوصلتها بحوثها العلمية إلى إعتناق ألإسلام وكتبت كتابها المعروف «البحث عن ألله ».
(3) ماذا عن ألمرأة : 109 عن كتاب البحث عن ألله : 86 تعريب عمر أبو نصر .
شمس ألمرأة لا تغيب 186

* ويحدثنا كاريل (1) عن الفوارق بين الرجل وألمرأة ويرى بأن ألمرأة لا يمكنها أن تجاري الرجل في كل صغيرة وكبيرة بل عليها أن تطالب بما يتناسب وخلقتها وطبيعتها ولذلك صرح قائلا : «والحقيقة أن ألمرأة تختلف إختلافا كبيرا عن الرجل ، فكل من خلايا جسمها تحمل طابع جسمها وألأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها ، وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها العصبي ، فالقوانين الفسيولوجية «الخلقية» غير قابلة للين مثل قوانين العالم الكوكبي ، فليس في ألإمكان إحلال الرغبات ألإنسانية محلها ، ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي ، فعلى النساء أن ينصبن اهليتهن تبعا لطبيعتهن ، من غير أن يحاولن تقليد الاذكور ، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال ، فيجب أن لا يتخلين عن وظائفهن المحدودة »(2).
* وتنصح إيدا إلين (3) بوصفها الخبيرة ألإجتماعية في أمريكا ، تنصح ألمرأة بوجوب ألإلتزام حيث تقول : «هذه

(1) كارل : هو الكسيس Alexis Carrel ولد عام 1290 هـ (1873 م) وتوفى سنة 1363 هـ (1944 م) جراح وعالم فرنسي ، له العديد من المؤلفات ، حاز على جائزة نوبل للعلوم ، من مؤلفاته : الدعاء ، وألإنسان ذلك المجهول .
(2) ماذا عن ألمرأة : 121 عن ألإنسان ذلك المجهول : 78 المترجم من صفحة 89 : Man the unknown .
(3) إيدا إلين : دكتورة إجتماعية .
شمس ألمرأة لا تغيب 187

التجارب أثبتت ضرورة لزوم ألأم لبيتها ، وإشرافها على تربية أولادها فإن الفارق الكبير بين المستوى الخلقي لهذا الجيل والمستوى الخلقي للجيل الماضي ، إنما مرجعه إلى أن ألأم هجرت بيتها وأهملت طفلها وتركته إلى من لا يحسن تربيته»(1).
*وينشر رينيه سبيتنز(2)عن تجاربه في حقل تربية الطفل والعناية به حيث إعتمد في تربية الطفل وحضانته إلى مجموعتين ، ألأولى : كانت تحت رعاية ألأمهات ، والثانية : كانت تحت رعاية الممرضات ، فذكر الفوارق قائلا : «إن نزلاء المؤسسة الثانية ، المحرومين من عطف ألأم وحنانها لم ينجحوا في تعلم الكلام ، ولا ألمشي ولا تناول الطعام بمفردهم ، وبلغت الوفيات بينهم نسبة 37 % بينما نزلاء المؤسسة ألأولى (تحت رعاية ألأمهات) كانوا على عكس نزلاء المؤسسة الثانية (تحت رعاية الممرضات) ولم تحدث بينهم وفيات خلال خمس سنوات من التجربة على المؤسستين»(3).

(1) ماذا عن ألمرأة : 125 .
(2) سبيتنز رينيه (Rainie) ، أخصائي وباحث في شؤون ألأطفال ، يسكن في نيويورك .
(3) ماذا عن ألمرأة : 127 عن مجلة طبيبك : 184 / 52 .
شمس ألمرأة لا تغيب 188

* ويؤكد أشلي مونتاغو(1)الحقيقة السابقة ، وهو أن لتربية ألأم ورعايتها للطفل لها أثر كبير في نمو الطفل وتطوره النفسي والعقلي إذ يقول : «بتنا نعرف ألآن أن الحب يشكل عنصرا أساسيا في تغذية كل طفل وليد ، فالحنان شرط رئيسي لا غنى عنه أبدا من أجل نموه وتطوره النفسي والعقلي والجسدي ، أما إذا حرم هذا الصغير فقد يتعرض للذبول ـ حتى إذا أحسنت تربيته ـ بل وربما يتعرض للموت ، وهذه المهمة المقدسة هي مهمة ألأم»(2).
*ويفصل لوبون (3)الكلام عن تعدد الزوجات ويمتدح الإسلام بأنه سباق إلى ذلك ، ولكنه ينتقد المسلمين بسوء التصرف ، ننقل هنا مقاطع من كلامه بهذا المجال : « ولا نذكر نظاما أنحى ألأوروبيون عليه باللائمة كمبدأ تعدد الزوجات ، كما أننا لا نذكر نظاما أخطأ ألأوروبيون في إدراكه كهذا المبدأ ، فيرى أكثر مؤرخي أوروبا إتزانا أن مبدأ تعدد الزوجات يعد حجر الزاوية في ألإسلام ، وأنه سبب إنتشار القرآن ، وأنه علة إنحطاط الشرقيين ... ذلك وصف مخالف

(1) مونتاغو أشلي ( Montago) : طبيب أخصائي في علم ألأجناس البشرية.
(2) ماذا عن ألمرأة : 128 عن مجلة طبيبك : 184 / 53 .
(3) لوبون غوستاف (Leabon Gustave) طبيب وعالم إجتماعي فرنسي يعد رائد علم ألإجتماع ، ولد عام (1257 هـ (1841 م) وتوفى سنة 1350 هـ (1931 م) . من آثاره : نفسية الجماهير ، وعلم النفس في ألأزمنة الجديدة.
شمس ألمرأة لا تغيب 189

للحق ، وأرجو أن يثبت عند القارئ الذي يقرأ هذا الفصل بعد أن يطرح عنه أوهامه ألأورروبية جانبا أن مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب يرفع المستوى ألأخلاقي في ألأمم التي تقوم به ويزيد ألأسرة إرتباطا ، ويمنح ألمرأة إحتراما وسعادة لا تراها في أورروبا ، ولا أرى سببا لجعل مبدأ تعدد الزوجات الشرعي عند الشرقيين ادنى مرتبة من مبدأ تعدد الزوجات السري عند ألأوروبيين ، مع أنني ابصر بالعكس ما يجعله اسنى منه ، وبهذا ندرك مغزى تعجب الشرقيين الذين يزورون مدننا الكبيرة من إحتجاجنا عليهم ، ونظرهم إلى هذا ألإحتجاج شزرا ...».
ويقول في موضع آخر : « إن تعدد الزوجات على مثال ما شرعه من أفضل ألأنظمة وأوفاها بأدب الأمة التي تذهب إليه وتعتصم به وأوثقها للأسرة ، وأشدها لآصرته أزرا ، وسبيله أن تكوت ألمرأة المسلمة أسعد حال وأوجه شأنه وأحق بإحترام الرجل من أخته الغربية»(1).
* كانت بعض الكنائس تحرم الطلاق ، فكانت ألمرأة تبقى معلقة لا هي مطلقة يمكنها الزواج ولا هي زوجة تعطى حقوقها كزوجة كما هو الحال في الجاهلية ، وقد قال تعالى :

(1) ماذا عن ألمرأة : 145 عن حضارة العرب : 482 ـ 484 .
شمس ألمرأة لا تغيب 190

«فإمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف»(1)وقال جل وعلا : «فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة»(2)، وكانت إيطاليا وأسبانيا أعتى دولتين متعصبتين منذ تشريع الطلاق ولكنهما أخيرا أرضختا للحالات الإجتماعية وألأسرية المتردية ، فقد أقر المجلس النيابي ألإيطالي في 18 / 9 / 1390 هـ «17 / 11 / 1970 م» قانونا بإباحة الطلاق ، وكذلك فعلت اسبانيا في شعبان 1398 هـ «تموز 1978م» ، ولا يخفى أن الحكومتين أجرتا إستفتاء عاما في البلاد وكانت نتيجة ألإستفتاءين الفوز المبين لأنصار الطلاق بين الرجال والنساء على حد سواء(3).
* ويقول ماراتوف (4): «إن المحقق أن كمال ألإنسانية في حياة الجنس يتم ، ويجب أن يتم في إتجاه التطلع إلى التنويع أو التفريق الجنسي ألآخذ بالدقة بأن يصبح الرجل أكثر ما يكون رجلا ، وألمرأة أكثر ما تكون إمرأة»(5).
* يقول أجوست كونت (6): إن النساء لو نالت هذه

(1) سورة البقرة ، ألآية : 231 .
(2) سورة النساء ، ألآية : 129 .
(3) ماذا عن ألمرأة : 163 .
(4) ماراتوف (Maratfe) : دكتور فرنسي .
(5) يقتلون ألمرأة أليس كذلك : 25 عن Le Corps et L ,Ame , R ,Biet Pre , sences.
(6) أجوست كونت (Conte) ، مؤسس علم ألإجتماع البشري .
شمس ألمرأة لا تغيب 191

المساواة المادية التي يطلب لها ، فإن ضماناتهن ألإجتماعية تفسد على قدر ما تفسد حالتها ألأدبية لأنهن في تلك سيكن خاضعات في أغلب المصانع لمزاحمة يومية قوية بحيث لا يمكنهن القيام بها ، كما أنه في الوقت نفسه تتكدر المنابع ألأصلية للمحبة المتبادلة (1).
*ويصرح الفيلسوف ألألماني آرثر شوبنهور (2) إن قوانين الزواج في أوروبا فاسدة المبنى بمساواتها ألمرأة الرجل ... ما دامت أباحت للمرأة حقوقا مثل الرجل ، كان من اللازم أن تمنحها أيضا عقلا مثل عقله (3).
* ويذكر الفيلسوف الفرنسي سيمون (4): يجب أن تبقى ألمرأة مرأة ، فإنها بهذه الصفة تستطيع أن تحدد سعاتها وأن تهبها لسواها ، فلنصلح حال النساء ، ولكن لا نغيرها ،

(1) دائرة معارف القرن العشرين : 3 / 228 عن النظام السياسي لأجوست.
(2) آرثر شوبنهور (Arthur Schopengauer) : ولد سنة 1203 هـ (1788 م) وتوفى سنة 1277 هـ (1860 م) ، فيلسوف ألماني صاحب نظرية : أن ألإنسان يقرر بألإرادة اللاعقلانية العمياء وليس بالعقل . له عدد من المؤلفات ، من أهمها : العالم كإرادة وفكرة ، وقد طبع عام 1235 هـ (1819 م) .
(3) قالوا عن ألمرأة : 47 ، عن مجلة المرشد البغدادية : 4 / 8 ، بتاريخ 1348 هـ .
(4) سيمون : هو تيودور سيمون (Theodore Simon) المولود عام 1290 هـ (1873 م) والمتوفى سنة 1381 هـ (1961م) . عالم نفس فرنسي إرتبط إسمه برائز الذكاء المعروف بإسم (رائز بينيه سيمون).
شمس ألمرأة لا تغيب 192

ولنحذر من قبلهن رجالا لأنهن بذلك يفقدون خيرا كثيرا ، ونفقد نحن كل شيء ..(1).
* ويقول الفيلسوف ألإشتراكي برودون(2): العدالة التي تسوي بين صنوف البشر فهي بالنسبة للمرأة عبء ثقيل لا تحمله(3).
* ويصرح اللورد بيرون (4): بضرورة حجب ألمرأة عن ألإختلاط بالغير(5).
إنما أوردنا هذه التصريحات والتقارير لكي تعرف ألمرأة المسلمة بأن البريق الذي تتحدث عنه الوسائل ألإعلامية المضلة ليست إلا سرابا ، وإنما لهم فيها مصالح سياسية على حساب المصالح ألإجتماعية وصلاح ألأمم والشعوب ، ولتعلم ألمرأة كما الرجل أن لا بديل عن الخيار الإسلامي الذي وضع لمصلحة إنسان كفرد وكمجتمع ، ويوما بعد يوم تظهر

(1) قالوا عن ألمرأة : 38 عن مجلة المرشد البغدادية : 3 / 10 بتاريخ 1374 هـ .
(2) برودون : هو بيير جوزيف (Pierre Joseph Proudhon ) ولد سنة 1225 هـ (1809 م) وتوفى سنة 1282 هـ (1865 م) مفكر إشتراكي من فرنسا ، عرف بنزعته إلى الفوضوية ، وهو أول من إستخدم هذا المصطلح ، ذهب إلى أن الملكية الشخصية وسيلة لإستغلال الطبقة الكادحة . (3) قالوا عن ألمرأة : 48 ، عن ألإسلام وألمرأة .
(4) بيرون:
(5) قالوا عن ألمرأة : 47 ، عن ألإسلام وألمرأة .
شمس ألمرأة لا تغيب 193

فلسفة تلك القوانين ألإسلامية التي مضى على تشريعها اكثر من اريعة عشر قرنا .
وأخيرا أود أن اشير إلى دعوى المساواة ، فإنه في البداية لابد من فهم المقصود من المساواة ، أهي في الحقوق والواجبات أم هي في المشاركة ألإجتماعية والسياسية أم إنها في ألأمور التكوينية والتشريعية أم ماذا ؟ . إن كل هذه ألأمور يختلف بعضها عن البعض ألآخر جوهريا ، ولا يمكن إطلاق ألأحكام دون مراعاة الحالة الشخصية وألإجتماعية والخلقية . ومما لا شك فيه أن الطفل والشيخ يختلفان في حاجاتهما وفي تطلعاتهما فالشخصية السياسية تختلف عن الشخصية العلمية إختلافا شاسعا ، بل وربما توضع أحكاما وضعية للعسكر دون المدنيين ، فهل كل هذا من التفاضل أم من الحاجة ألإستيعاب . إذا لابد من العمل بمقتضى العدالة ، ولاتطلق ألأحكام دون مراعاة التركيبة الشخصية ، جسديا كان أو نفسيا مع مراعاة الحاجة والظروف والمتطلبات ، وإلا فإن المساواة بالقول المطلق هو جحيم لكلا الجنسين يورث الشقاء لا السعادة ، ولا نظن احدا من الجنسين يرضى بذلك ، بل إن الإختلاف لا يعني التفاضل بل العكس هو الصحيح . إن وضع الشيء في موضعه يكمن في إختيار ألأفضل للمكان المناسب ، فلو أنك إخترت عالم اللغة ووضعته ليشغل محل

شمس ألمرأة لا تغيب 194

عالم الفيزياء ، ووضعت العالم الفيزيائي لأن يتولى شؤون اللغة ، لا يؤدي هذا التساوي في العمل مؤداه ، بل إن التفضيل دون مراعاة الحقوق والواجبات ، ودون مراعاة المؤهلات ستوقعنا في المأزق الحقيقي .
ومن جهة أخرى فإن المطالبين بالمساواة هم يقولون بالتخصص ، فكيف يمكن الجمع بين التخصص المدروس حسب المؤهلات والكفاءات الذاتية وبين التساوي في كل شيء على إطلاقه . ومع هذا نرى أن المثيرين لمسألة المساواة العشوائية ، حاولوا تطبيقها عقودا متمادية ، فلم يتمكنوا من تطبيقها على أرض الواقع ، فهذه أوروبا لا نجد المساواة فيها مطبقة بما يناسب الشخصيتين ، إلا فيما آلت إلى مزيد من المتاعب وفي ألأمور الدنيئة فقط .
ورغم أن عدد النساء هو ألأكثر ، فلا تجد في الوظائف ألأولى والثانية والثالثة وحتى الخامسة ألأكثرية من الجنس الناعم . فكم دولة يتربع على كرسي الرئاسة ألأولى الفاعلة إمرأة ، إذ الملاحظ أن الرجال إستحوذوا على تلك المقاعد ، وهذا دليل على أن المسألة ليست المساواة ، وإنما وأد ألأنثى كان من وراء رد الفعل ، فقد أقبرت ألمرأة في مهدها ولم يعط لها المجال الطبيعي في ممارسة حقها في ألإجتماع والسياسة والعلم وغيرها ، فأدى ذلك إلى الكبت ، وهذا ما لا

السابق السابق الفهرس التالي التالي