ديوان
السيد محمد مهدي بحر العلوم


جمع
محمد صادق بحر العلوم
تحقيق
محمد جواد فخر الدين .... حيدر شاكر الجد


ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 1




ديوان
السيد محمد مهدي بحر العلوم

ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 2


الطبعة ألأولى
1427 هـ / 2006 م


ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 3


المكتبة ألأدبية المختصة

1

ديوان
السيد محمد مهدي بحر العلوم

جمع
محمد صادق بحر العلوم

تحقيق
حيدر شاكر الجد
محمد جواد فخر الدين


ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 4




ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 5

بسم ألله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطاهرين ومن تبعهم وسار على هديهم .
التراث والفكر ألإسلامي والمعرفي ، يأبى أن يكون منفصلا عن التراث العربي ، وأحسب أنهما لا ينفكان عن بعضهما ، وإذا أردنا أن ندعي وجود أدب إسلامي ، فلا أظن أننا نجانب الحقيقة ، كيف وكل مفردة يكتبها ألأديب والشاعر لا بد أنه قد إستلها من التراث ألإسلامي الذي أفرز الشخصية الإسلامية ذات الثقافة ألإسلامية ، التي مهما أراد صاحبها أن ينسلخ عنها لا يقوى على ذلك إلا بالعودة من جديد إلى بحرها الجواد الذي يلقي إلى القريب والبعيد عطاءه ونداه ..
وهناك دعوى قائلة : إنه لا يوجد أدب إسلامي بالمعنى الإصطلاحي ، أو لا توجد نظرية للأدب ألإسلامي ، بإعتبار أن النظرية عادة لا بد من إعتمادها على رؤى واحدة أو مشتركة ، وأفكار تصب بإتجاه واحد ولا تشذ عنه ، بحيث تتبلور لتتضمن موقف المنتج ألأدبي من الحياة والمجتمع والفرد ، أو بعبارة أخرى : إن الشخصية ألإسلامية ينبغي لها أن تتمثل ثقافيا في إيصال مبادئ السماء إلى ألآخرين ولا هدف لها سوى ذلك ، ولم تظهر مثل هذه النظرية في ألأفق ، ولم يشر واحد من الدارسين لها أو إلى أصحابها .
والصحيح : إن ألأدب العربي هو أدب إسلامي ، وأكاد أجزم إن ما من أديب عربي يحمل ألأصالة والفرادة إلا قد تأثر بالكتاب ألإسلامي ألأدبي ألأول ـ في جانب من إعجازه ـ وهو القرآن الكريم ، وإن كثيرا من الثوابت التي أمضاها أو أسسها ، يرتكز عليها ألأديب العربي ...
نعم ، هناك أديب ملتزم وآخر غير ملتزم ، ودرجات ألإلتزام متفاوتة بين ملتزم وآخر وهي مسألة أخرى ... وربما يثار في هذا المجال ، أن الذي يقوّم الممارسة ألأدبية هي اللغة الجمالية ، فالجمال وحده روح ألأدب ، وليس ما يميز ألأدب عن المعارف ألأخرى الشكل أو الضوابط ، بل أن الحد الفاصل بين لغة ألأدب ، واللغة العلمية ، واللغة اليومية ، هو الجمال .
فاللغة العلمية تمتاز بصرامة المنطق ، واللغة اليومية بالعمومية والمباشرة، والجمال الذي هو روح ألأدب ليس مفهوما في نظر بعض ، بل هو مفهوم نسبي تتفاوت فيه ألأنظار . وقد يراه بعض آخر أنه مفهوم مطلق ، أي لا يمكن أن يكون الجميل إلا جميلا ، ولا يمكن أن يتحول القبيح جميلا ، إلا من خلال الرؤى الشاذة .. وربما يحدد الجمال بعناصر الخيال والتوتر العاطفي أو ألإيقاع أو الموسيقى ، أو يتجاوز كل هذه الحدود أو إلى عناصر أخرى ، ولكن ذلك كله ضرب من الخيال ، فربما إجتمعت كل هذه العناصر المعرفة للجمال ، ولكن النص يبقى مفتقرا لروحه ، وربما إشتمل على عنصر غير معرف ولكن النص يبدو جميلا ، وهو ليس ببعيد حتى عن الكائنات المخلوقة لله سبحانه ، بل لجميع ألأمور المحسوسة على هذه الكرة ألأرضية وما يحيط بها ، فقد ترى مخلوقا له كل الصفات الحسنة ، ولكنك لا تراه جميلا ، وقد يشتمل على شيء لا تدري ماهو فتراه جميلا ، ولا يقتصر الجمال على المشاهدة ، بل قد تسمع خرير الساقية فتطرب وتحس بلغة الجمال تسري في عروقك ، وقد تغني لك البلابل في

ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 7

الروض فكأنك تعيش في قصيدة لم تكتبها بل هي التي تكتبك ، وقد يرى ألإنسان الفضاءات الواسعة بل الصحارى ذات الكثبان الرملية ويتمنى أن ينأى عن المدينة ليعيش هذا العالم الجميل .. وقد يأكل ألإنسان شيئا فيحس بالجمال وينتشي فيه .
فهل يستطيع ألأدب الملتزم أن يوصل أفكاره وأهدافه المرسومة له مع المحافظة على ذلك العنصر الذي لم يكتبه إلا بدمه المحترق ، حتى يستقر ما أملاه عليه قلبه في قلوب ألآخرين ...؟؟
هل تستطيع المفردات المتوهجة النابضة بالحب والجمال ، أن تفلت من قيود وأغلال الإلتزام بتلك الفكرة ، لتجنح بعيدا ولا تستقر بل تظل تسبح في فضاءات العشق ليحدق فيها العشاق الهائمون التواقون للإشتعال بقبس منها ، كما إشتعلوا بالنجوم المعلقة في سمائهم ؟؟
وهل يستطيع ألأدب الملتزم أن يقدم للشاربين عصارة أفكاره ، بحيث تكون عذبة كالطفولة كالصباح ألأنيق ، ولا يُلتفت إلى الكأس من أي شيء صنعت ، ما دامت النشوة آخذة بألألباب ؟
ولا أحسب أن هذه التساؤلات يمكن أن تستفهم ألأدب ألإلتزامي فقط ، بل لها أن تضع كل شيء أراد أن ينتمي إلى ألأدب على منصة المساءلة ، وأزعم أن أول من يمثل للإستجواب هو بعض أنواع ألأدب الحديث ، بكل ما يحيطه من غموض وضغط على القارئ ، الذي يحاول عبثا فهم هذه النصوص المحاطة بهالة من التراكيب المزدحمة ، التي لا تنتج معنى سوى الفاظ تجول هنا وهناك ، وتريد من القارئ أو السامع أن يفهم أو لايفهم ، فالعيب فيه وليس في الفاعل كما يعبرون .
ونحن نعلم أن النص الذي يكتب ، لابد أن يكون مكتوبا لقارئ ، وألا تكون

ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 8

ممارسة مثل هذه الكتابة ممارسة عبثية ، إلا إذا كانت هناك دعوى بوجود قارئ خاص كتب النص لأجله فقط .
على أنّا ندري أن ألأديب الطامح يحاول ألإبداع أبدا ، وهو في دوامة من التفكير ، كيف له أن يولد مخلوقا جديدا ، ولكن عملية الخلق هذه ليست هي لا بشرط من ناحية الجمال الذي هو قوام ألأدب وروحه ، فإذا أراد أن ينتسب مخلوقه للأدب ، فعليه أن يتقيد بهذا القيد فقط . وندري أن هؤلاء المبدعين ساروا على هذه الطريقة ، إرضاء لطموحهم ومحاولة منهم للخروج من الرتابة والموروث الثابت ، ليكوّنوا لنا ظاهرة الشعر الحديث ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ـ بعد تسليمنا بأن التجديد وألإنفتاح على ألآداب ألأخرى غاية كل أديب طموح ـ هل وُفقوا في ذلك ؟ أو أن ما أوجدوه سينطفئ كما إنطفأت تلك الفنون التي ظهرت في فترات زمنية محددة ، كظاهرة الموشحات ألأندلسية ، والمقامة والبند والشعر المرسل وغيرها .
والضابط الذي ذكرناه يمكن تطبيقه على الكتاب الذي بين يدي القارئ وهو ديوان السيد مهدي بحر العلوم رحمه ألله زعيم الحوزة العلمية ورئيسها ، وصاحب المقامات العالية التي لا تخفى على أحد ، والمرجع الكبير الذي يرجع إليه الناس وأتباع أهل البيت عليهم السلام ، في أمور دينهم ، وعلى هذا فإن كلمته هي الفتوى والموقف العملي ، الذي يعتنقه أصحاب المذهب الناجي ببركتهم عليهم السلام ، ومن هنا سوف تكون ممارسته لكتابة الشعر وإنجاز هذا الديوان دليلا على أن الشعر لا تحوطه شائبة الحرمة ، وليس فيه بأس ، بل هو راجح في كثير من ألأحيان خصوصا بعد قرائتنا لهذا الديوان الذي صاغته أنامل السيد الجليل رحمه الله ، ومن قبل قد إرتكب غصصه ـ على أتم وجه ـ كذلك علم الهدى زعيم الحوزة السيد

ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 9

المرتضى قدس سره ، ولا أظن أن هناك أجمل وأرق من قول السيد الشريف الرضي قدس سره :
بتنا ضجيعين في ثوبي هدى وتقى يلفنا الشوق من فرع إلى قدم
وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي مواقع اللثم في داج من الظلم

ولا نبالغ إذا قلنا : إن أغلب العلماء ، قد مارسوا هذه العملية التي هي مضنية في كثير من ألأحيان ، بل على حد تعبير الفرزدق : (قلع ضرس أهون عليَّ من كتابة بيت واحد من الشعر ) .
والمكتبة ألأدبية المختصة في الوقت الذي تتصدى فيه لإخراج هذا الديوان إلى النور ـ ولأول مرة ـ تشكر ألأستاذين المحققين حيدر شاكر الجد ، ومحمد جواد فخر الدين لما قاما به من جهد وهما يحققان هذا الديوان ، ويظهرانه بهذه الصورة ، سائلين المولى القدير أن يكون ما قدمناه خالصا لوجهه الكريم .

مهند جمال الدين
المكتبة ألأدبية المختصة
النجف ألأشرف



ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 10




ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 11


مقدمة المحققين

بسم ألله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم ألأنبياء المرسلين محمد بن عبدألله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين .
تعد مدينة النجف ألأشرف ـ منذ نزول الشيخ الطوسي لاجئا إليها من بغداد حتى وقتنا الحاضر ـ مركزا مهما من مراكز الثقافة والفكر العربي الإسلامي ، بل يمكن القول إنها جامعة إسلامية شاملة لجيمع ميادين النشاط العلمي وألأدبي وألإجتماعي والسياسي ، إذ أنجبت آلاف الفقهاء والمجتهدين وألأدباء والشعراء ، والمجاهدين المدافعين عن بيضة ألإسلام .
وعلى الرغم من أن بعض المدن الشيعية قد حازت الرياسة العلمية والمرجعية ، لكنها لم تدم كما دامت في النجف ألأشرف ، وهذا ما أكده الشيخ جعفر محبوبة بقوله :
«النجف حازت الرياسة العلمية والزعامة الدينية ، من القرن الخامس الهجري حتى اليوم ، وإن إختلفت في بعض العصور قوة وضعفا وقلة وكثرة ، ولكن لم ينقطع عنها العلم أبدا فغدت تعد من العواصم العلمية التي لها الحظ ألأوفر ... إن بعض البلدان الشيعية ـ وإن حازت المركزية العلمية والمرجعية الدينية ، ـ ولكنها لم تطل أيامها كما دامت مركزية النجف » (1).

(1) أنظر : الحكيم ، الشيخ الطوسي . ص 1-- وما بعدها ، فخر الدين ، تاريخ النجف في العصر

=

ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 12

ولهذه الخصوصية التي تميزت بها مدينة النجف ألأشرف ـ بإعتبارها مركزا للفكر العربي ألإسلامي في مختلف العلوم ، فقد أصبحت محط أنظار كثير من طلاب العلم في مختلف أنحاء العالم ألإسلامي لأجل التلمذة على منبرها ـ هاجر ولم يزل يهاجر إليها الجمع الغفير من مختلف العناصر وألأجناس ، إذ كان لهذا التوافد ألأثر الكبير ، لأن هؤلاء هاجروا إليها بأفكارهم وميولهم وأذواقهم وأساليبهم الفكرية التي كانوا يتمتعون بها ، فولّدت ألإحتكاك والتزاوج الفكري الذي أفاد النجف بأمور عديدة ، أدبية وإجتماعية ، وإتجاه إصلاحي وأثر أدبي في الحركة ألأدبية الجديدة التي تمخضت النجف عنها منذ أكثر من قرنين(1).
وخلال هذه الحقبة الزمنية برز لدينا علم من أعلام النجف ، بل مرجع من مراجعها الكبار هو : السيد المهدي بحر العلوم ، الذي كان له الدور الكبير في رسم معالم مدرسة النجف ألأشرف من جديد بعد الفتور الذي أصابها خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين .
إذ يعد عصره من أزهى العصور ، فقد شهدت النجف خلاله نهضة علمية تجديدية في العلوم الفقهية وألأصولية وما يتصل بها من علوم أساسية وفرعية ، تدريسا وتأليفا وأشار الدكتور مهدي البستاني إلى ذلك بقوله :
«ومن مظاهر هذه النهضة وألإزدهار الفكري والثقافي ، تخرج ونضج العشرات من كبار الفقهاء الذين بلغوا أعلى مراتب ألإجتهاد ، ونالوا المرجعية العامة للإمامية ، ليس في النجف والعراق فحسب ، بل في ألأقطار العربية وألإسلامية

=
العباسي ص 175 ـ 245 ، الفقيه ، النجف ألأشرف الجامعة الإسلامية ، 6 / 22 وما بعدها ، محبوبة ، ماضي النجف وحاضرها ، 1 / 275 ـ 276 .
(1) الشرقي ، ألأحلام ، ص 41 ، فخر الدين ، محمد الحسين آل كاشف الغطاء ، ورقة رقم 3 .
ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 13
كافة، والمئات من العلماء والمجتهدين ، وألآلاف من ألأفاضل المدرسين وطلبة العلوم الدينية ، وكذلك بروز ونبوغ المئات من الخطباء والوعاظ وألأدباء والشعراء والمفكرين ألإسلاميين ، وإتساع دائرة التأليف العلمي ، حيث شهد هذا العصر غزارة في الكتب والرسائل المؤلفة والمحققة والمشروحة ، وتميز الكثير من هذه المؤلفات بالسعة وألإحاطة بأقوال الفقهاء وأدلتهم ، ومناقشتها بالدقة والرصانة العلمية ، وما ترتب على ذلك من شهرة واسعة لهذه الكتب ومؤلفيها ....»(1).
ومن هنا يتضح لنا أن مدرسة النجف خلال هذا الدور ـ والذي يعد من أزهى أدوارها العلمية ـ قد أسهمت في رفد الفكر العربي وألإسلامي بشتى صنوف المعرفة ، أضف إلى ذلك أن حوزتها العلمية لم تزل لوقتنا الحاضر لها دور الريادة على الحوزات العلمية ألأخرى .

المخطوطة

لقد أنجبت مدينة النجف ألأشرف آلاف الشعراء وألأدباء منذ نشأتها حتى وقتنا الحاضر ، ومن يتتبع موسوعة ألأستاذ علي الخاقاني «شعراء الغري» وما ألحقه أخيرا ألأستاذ كاظم الفتلاوي في كتابه «مستدرك شعراء الغري» سيلاحظ العدد الهائل من الشعراء وألأدباء الذي أبرزته هذه المدينة خلال هذه السنوات الطويلة من عمرها الفكري والحضاري .
على أن ألأغلبية الساحقة من هؤلاء الشعراء قد ضاع شعرهم وتناثر هنا وهناك ، ولم تطبع لهم دواوين مستقلة ، ويعود ذلك إلى إهمال عوائلهم حفظ تراث ألآباء من جهة ، وعدم مد يد المساعدة من أسر الشارع لمن يحاول البحث

(1) البستاني ، مدرسة النجف ، ص 435 ـ 436 .
ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 14

والكتابة عنه وجمع الشتات المتبقي من أشعارهم من جهة أخرى ، أضف إلى ذلك أن كثيرا من القصائد أخذت تنسب إلى غير أصحابها ، في حين تجد الكثير من الدواوين التي جمعت ، لم تزل مرصوفة بين جدران المكتبات تنتظر من يشمر عن ساعديه ويخرجها إلى الوجود .
ومن هذه الدواوين ديوان العلامة المتبحر السيد محمد مهدي بحر العلوم قدس سره والشيء الذي يقال هنا ، ويثير ألإستغراب في الوقت نفسه : أنه لم ينشر هذا الديوان بعد مرور تلك ألأعوام الطويلة ، منذ وفاة السيد بحر العلوم إلى يومنا هذا ، أي ما يزيد على المئتي عام .
ونخص بالذكر العلامة المدقق المحقق السيد محمد صادق بحر العلوم الذي جمع شتات هذا الديوان ، ومن المحتمل أن إحجام عائلة السيد عن نشر ديوانه كان لأسباب قد لا تكون خافية على البعض ، وذلك لأنه يُعد من أبرز الفقهاء والمشتغلين في العلوم الدينية ، وسيؤدي هذا ألأمر إلى التقليل من شأنه ومنزلته العلمية ، أضف إلى ذلك كون السيد قدس سره ناظما أكثر من كونه شاعرا ، لذا فإن ما جمعه السيد محمد صادق بحر العلوم كان حفظا لتراث جده ألأكبر خوفا من ضياعه وإندثاره .
ومن خلال مطالعتنا لفهارس مخطوطات مكتبة الإمام الحكيم العامة في النجف ألأشرف عثرنا على هذا الديوان ، فأجج في داخلنا رغبة جامحة في تحقيقه وترتيبه على أفضل وجه ، وإخراجه للقارئ الكريم الذي طالما تسائل عن مصير هذا الديوان .
وفي الوقت نفسه كان هذا العمل منا تخليدا ووفاءا لأولئك الرجال العظام ، الذين خدموا الدين بما خلفوه من نتاجات فكرية لم تزل موضع إجلال وإكبار من العلماء والمشتغلين بالعلوم الدينية ، وكذلك ما أسهموا به في إبقاء الجلباب

ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 15

العلمي لهذه المدينة المقدسة ، على الرغم من الصعوبات والمحاذير والمتغيرات الظرفية التي كانت تكتنف كل فترة من هذه الفترات .
هذه المخطوطة التي بين أيدينا هي بخط السيد محمد صادق بحر العلوم منسوخة عن نسخته ألأصلية ـ وكما ذكرنا سابقا ـ أن السيد قد جمعها وحسبما جاء في نهاية المخطوطة :
«تم بحمد ألله سبحانه على يد أقل الطلبة عملا وأكثرهم زللا محمد صادق بن الحسن بن إبراهيم الشاعر الكبير ، بن العلامة السيد الحسين بن الحجة البالغة محمد الرضا ، بن ألآية العظمى العلامة السيد محمد المهدي الطباطبائي الملقب (بحر العلوم) الحسني الحسيني طاب ثراه ، في اليوم الرابع من شهر محرم الحرام سنة 1350 هجرية ».
وكان خطها (أي المخطوطة ) جميلا ومقروءا .
قد لا نخرج عن ألإطار الذي رسمه ألأعلام الكبار في التحقيق ، لا سيما إذا كان الهدف المتوخى هو إخراج النص الشعري بأفضل ما يكون ، لذا إتبعنا الخطوات التالية خلال عملنا :
1 ـ لقد قمنا بتتبع جميع من كتب عن السيد بحر العلوم قدس سره ، وإتصلنا ببعض ذريته على أمل العثور على قصائد أخرى ، إلا أننا لم نحظ بشيء آخر ، ويبدو أن السيد محمد صادق بحر العلوم قد تقصى وبحث حتى جمع هذا العدد من القصائد أضف إلى ذلك ما كان موجودا بين يديه من المتوارث من آبائه .
2 ـ قابلنا القصائد التي وردت في الديوان مع القصائد التي ذكرها مترجموه ، واشرنا إلى مواضع ألإختلاف في بعض النصوص الشعرية .
3 ـ لقد عنينا بإخراج النص الشعري في صورته التي بها ، إذ حافظنا على نصها ولم نمسه بأي تغيير ما عدا بعض الكلمات التي رأينا فيها رأيا فأوردناها مع ما رأيناه.

ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 16

4 ـ قمنا بإرجاع ألآيات القرآنية إلى سورها وتخريج الشواهد التاريخية ، وألأحاديث والروايات الواردة عن الرسول ألأعظم صلى ألله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام .
5 ـ ترجمنا في الهامش ألأعلام الذين وردت أسماؤهم ضمن القصائد الشعرية ، وكذلك الذين وردت أسماؤهم ضمن النص .
6 ـ إستعنّا بالمعاجم اللغوية في تفسير الغريب من اللغة ، وإيضاح قصد الشاعر في بعض ألأبيات .
7 ـ رتبنا القصائد وفق الترتيب ألأبجدي ، وجعلنا الديوان يقع في بابين :
الباب ألأول : قصائده في حق أهل البيت عليهم السلام .
الباب الثاني : قصائده في مناسبات عديدة .
وختاما نرجو أن نكون قد وفقنا لإبراز هذا الديوان بشكل يرضي القارئ الكريم . ولا يسعنا إلا أن نقدم شكرنا وتقديرنا إلى كل من مد يد المساعدة في إتمام هذا الديوان على أفضل ما يكون ، لا سيما مدير مكتبة أمير المؤمنين العامة ألأستاذ علي جهاد الحساني ، الذي بذل جهدا بمراجعته المسودة ، كذلك مدير مكتبة ألإمام الحكيم العامة في النجف ألأشرف السيد جواد الحكيم ، والعاملين في قسم المخطوطات ، وجميع العاملين في قسم المخطوطات وفقهم ألله لما يحب ويرضى خدمة للعلم وأهله .
أللهم وفقنا لكل خير ، وتقبل منا هذا العمل اليسير ، وإجعلنا ممن رضيت عنهم ـ وإن بدا منا التقصير ـ إنك على كل شيء قدير .
يا أرحم الراحمين
محمد جواد فخر الدين حيدر شاكر الجد
15 جمادى ألأولى 1433 هـ
النجف ألأشرف


ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 17
صورة الصفحة ألأولى من المخطوطة
ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 18
صورة الصفحة ألأخيرة من المخطوطة
ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 19

فيوضات من حياة المهدي بحر العلوم قدس سره


أولا : حياته العامة : نسبه ـ أسرته ـ ولادته ـ نشأته

هو السيد محمد مهدي بن مرتضى بن محمد بن عبدالكريم بن مراد بن شاه أسد ألله بن جلال الدين بن الحسن بن مجد الدين بن قوام الدين بن إسماعيل بن عباد بن أبي المكارم بن عباد بن أبي المجد بن عباد بن علي بن حمزة بن طاهر بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن احمد بن إبراهيم الملقب بـ (طباطبا) بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن ألإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
تُعد أسرة بحر العلوم من ألأسر العلمية العريقة ، فقد ظهر فيها أعلام ونوابغ تعاقبوا على خدمة الدين والمذهب ، وساهموا في إتساع الصرح العلمي في مدينة النجف ألأشرف .
وقد إنتقلت أسرة المترجم له في بدايات القرن الثاني عشر الهجري من إيران إلى العراق ، حيث إستقر ركبهم العلمي وألإجتماعي في كربلاء المقدسة والنجف

(1) بحر العلوم ، مقدمة كتاب رجال السيد بحر العلوم ص 12 ـ 23 ، الخاقاني ، شعراء الغري ، 12 / 133 .
ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 20

ألأشرف منذ ذلك التأريخ حتى اليوم(1).
كانت ولادته قدس سره في مدينة كربلاء ، قبيل الفجر من ليلة الجمعة في غرة شوال عام 1155 هـ (2).
نشأ السيد بحر العلوم وترعرع في أحضان والده ، حيث أشرف على تربيته وتنشأته ، فكان يعتني به كثيرا لما كان ينتظره من مستقبله الطموح ، فكان يصحبه معه إلى مواضع البحث والتدريس ، وإلى مظان العبادة ، فإستقى من هذا وذاك روح ألإيمان وواقعيته كما تشاؤه ذاته الطيبة وكفاءته النشطة ، ونباهته العلوية(3).

ثانيا : حياته العلمية : نشأته العلمية ـ ألقابه ـ أساتذته ـ تلامذته ـ أقوال العلماء فيه ـ أدبه ـ مؤلفاته ـ آثاره :

نشأ السيد بحر العلوم في بيت طافح بالعلم والعلماء ، ومن يتتبع تأريخ هذه ألأسرة العلمي سيجد عددا غير قليل من العلماء والفقهاء وألأدباء ممن أنجبتهم هذه ألأسرة وعلى طول تأريخها حتى وقتنا الحاضر .
وكان والده السيد مرتضى من العلماء ألأعلام الذين يشار إليهم بالبنان ، وفي مرتبة سامية من الورع والتقوى ، وقد تخرج عليه كثير من علماء عصره ومنهم

(1) بحر العلوم / مقدمة كتاب رجال السيد بحر العلوم ، ص 126 .
(2) بحر العلوم / مقدمة كتاب رجال السيد بحر العلوم ، ص 126 ، ألأمين ، أعيان الشيعة ، 48 / 164 ، شبر ، أدب الطف ، 6 / 51 ، ألأميني ، معجم رجال الفكر وألأدب ، ص 56 ، البغدادي ، هدية العارفين ، ص 351 ، الزركلي ، ألأعلام ، 7 / 334 ، النوري ، مستدرك وسائل الشيعة ، 3 / 383 .
(3) بحر العلوم / مقدمة كتاب رجال السيد بحر العلوم ، ص 32 .
ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 21

ولده السيد بحر العلوم (1).
ومنذ نعومة أظفاره جبل السيد بحر العلوم على محبة العلم ، ولما وجد المرتضى في ولده من النباهة والذكاء والفطنة ، أخذ يصطحبه إلى مجالس العلماء ومواضع البحث والتدريس ، فكان يصغي إلى محاضراتهم العلمية كما يصغي بقية التلاميذ إليها بتأمل .
وسجل لنا السيد محمد صادق بحر العلوم من حياة جده السيد بحر العلوم العلمية بقوله :
«وحضر أولياته وسطوحه من النحو والصرف وبقية العلوم العربية والمنطق وألأصول والفقه والتفسير وعلم الكلام وغيرها على فضلاء عصره والمتخصصين في هذه العلوم ، فأكمل تلك ألأوليات في ظرف ثلاث أو أربع سنين ـ وعمره لم يتجاوز الثانية عشر ـ ، وبعد ذلك حضر (الخارج) ألأصول على والده المرتضى ، وعلى أستاذ الكل الوحيد البهبهاني ، وخارج الفقه على الفقيه الكبير الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق المتوفى سنة 1186 هـ (رحمه ألله تعالى) وأخذ يزدلف إلى هذه الينابيع العلمية الثرة زهاء خمسة أعوام ، حتى بلغ درجة ألإجتهاد ، وشهد له بذلك أساتيذه الثلاثة ولمع نجمه في كربلاء ، مع وجود هؤلاء ألأقطاب الثلاثة ...»(2).
ومن خلال ما ذكره السيد محمد صادق بحر العلوم ، يتضح لنا أن بداية مشواره العلمي إرتبط بمدينة كربلاء عندما كانت هذه المدينة تمثل مرتعا خصبا للعلماء والمتعلمين ، اضف إلى ذلك مقر المرجعية الدينية .

(1) بحر العلوم ، مقدمة كتاب رجال السيد بحر العلوم ، 1 /26 ـ 27 .
(2) بحر العلوم ، مقدمة كتاب رجال السيد بحر العلوم ، 1 / 32 ـ 33 .
ديوان السيد محمد مهدي بحر العلوم 22

على أن ألإنقلاب الكبير في حياة السيد بحر العلوم وبروز شخصيته العلمية كأحد أبرز العلماء والمجتهدين هو إنتقاله إلى مدينة النجف ألأشرف سنة 1169 هـ وعمره 15 سنة (1)، لينهل من بحار علومها وليكمل أشواطه الباقية في الجهاد وألإجتهاد الفكريين ، فحضر على فطاحل علمائها المبرزين ـ يومئذ ـ كالشيخ مهدي الفتوني المتوفى سنة 1183 هـ ، والشيخ محمد تقي الدورقي المتوفى سنة 1186 هـ والشيخ محمد باقر الهزار جريبي المتوفى سنة 1205 هـ وغيرهم من الحجج وألأعلام (2).
وخلال مدة قليلة من إنتقاله إلى مدينة النجف ألأشرف ، إستطاع أن يرسخ أقدامه في جامعتها الدينية (إذ كان مجدا في التدريس والتأليف وإدارة القضايا الدينية ، وحسم الدعاوى ألإجتماعية ، ورعاية شؤون الفقراء والمعوزين حتى تسنم مراقي الزعامة الدينية ، وإستوفى حظه ألأوفى من عامة العلوم ألإسلامية ، واصبح قطب رحى العلم والفضيلة ، وإليه تشير الزعامة الدينية المطلقة ببنانها . . . )(3).
إلا أن السيد بحر العلوم عاد مرة أخرى إلى مدينة كربلاء لإكمال مراحل دراسته العالية وألإستفادة من أستاذه الكبير محمد باقر البهبهاني الذي يمثل في وقته أحد أقطاب الفكر ألإمامي في كربلاء(4).
ولم يبق في مدينة كربلاء إلا مدة قصيرة ثم آثر الرجوع إلى مدينة النجف ألأشرف حيث : ـ

(1) ألأمين ، أعيان الشيعة، 48/ 165 .
(2) بحر العلوم ، مقدمة كتاب رجال السيد بحر العلوم ، ص 33 .
(3) بحر العلوم ، مقدمة كتاب رجال السيد بحر العلوم ، ص 34 .
(4) ألأمين ، أعيان الشيعة ، 48 / 165 .
الفهرس التالي التالي