دفاع عن التشيع 41


ب ـ حديث الكساء : رواه الفريقان بطرق كثيرة وأساليب مختلفة ، وأماكن متعددة أشرنا إليها في كتاب العصمة (1) . ويمكن مراجعته تفصيلاً في كتاب آية التطهير (2) .
وقد رواه مسلم في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، والبيهقي في سننه الكبرى ، وكل من الطبري وابن الأثير والسيوطي في تفاسيرهم ، وغيرهم كثير ، فقد ورد عن عائشة قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم غداةً وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين ، فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة ، فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» (3) .
ويقول الآلوسي في هذا المجال : (وأخبار ادخاله صلى الله عليه واله علياً وفاطمة وابنيهما ـ رضي الله تعالى عنهم ـ تحت الكساء ، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «اللهم هؤلاء أهل بيتي» ودعاءه لهم ، وعدم إدخال أم سلمة أكثر من أن تحصى ، وهي مخصصة لعموم أهل البيت ، بأي معنى كان البيت ، فالمراد بهم من شملهم الكساء ، ولا يدخل فيهم أزواجه صلى الله عليه واله) (4) .
وقال الرازي في تفسيره الكبير في ذيل قوله تعالى : «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى» (الشورى 23) . وأنا أقول : (آل محمد صلى الله عليه واله هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل ، كانوا هم الآل ، ولا شك أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين ، كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه واله أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل . وأما غيرهم ، فهل يدخلون

(1) العصمة : محاضرات السيد كمال الحيدري ، بقلم محمد القاضي ، ص 199 ـ 228 .
(2) آية التطهير في أحاديث الفريقين : ج 2 ، ص 159 ـ 312 .
(3) صحيح مسلم : ج 7 ، ص 130 ؛ مستدرك الحاكم : ج 3 ، ص 147 ؛ سنن البيهقي : ج 2 ، ص 149 ؛ تفسير الطبري : ج 22 ، ص 5 ؛ الدر المنثور : ج 5 ، ص 198 ؛ تفسير ابن كثير : ج 3 ، ص 485 .
(4) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : ج 22 ، ص 14 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
دفاع عن التشيع 42

تحت لفظ الآل ، فمختلف فيه) (1) .
ويقول بعض الأعلام المعاصرين : (والذي يبدو أن الغرض من حصرهم تحت الكساء ، وتطبيق الآية ـ آية التطهير ـ عليهم ، ومنع حتى أم سلمة من الدخول معهم ، كما ورد في روايات كثيرة ، هو التأكيد على اختصاصهم بالآية ، وقطع الطريق على كل ادعاء بشمولها لغيرهم . وكأن النبي صلى الله عليه واله وسلم قد خشى أن يستغل بعضهم قربه منه ، فيزعم شمول الآية له ، فحاول قطع السبيل عليهم بالتأكيد على تطبيقها على هؤلاء بالخصوص ، وتكرار هذا التطبيق ، حتى تألفه الأسماع ، وتطمئن إليه القلوب) (2) . وهذا ما ورد في روايات عديدة أشار إليها السيوطي في الدر المنثور ، قال : (أخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء ـ رضي الله عنه ـ قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه واله ثمانية أشهر بالمدينة ، ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة ، إلا أتى إلى باب علي ـ رضي الله عنه ـ فوضع يده على جنبتي الباب ، ثم قال : «الصلاة الصلاة ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» ) (3) .
جـ ـ خروجه إلى المباهلة : روى مسلم في صحيحه ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب ؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلى الله عليه واله ، فلن أسبه ، لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول حين خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه واله : «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي» ؟ ، وسمعته يقول يوم خيبر : «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله» ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : «ادعوا لي علياً» ، فاتي به أرمد العين ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله على يديه ، ولما نزلت هذه الآية : «قل تعالوا ندع

(1) التفسير الكبير : ج 27 ، ص 166 .
(2) الأصول العامة للفقه المقارن : ص 156 .
(3) الدر المنثور في التفسير بالمأثور : ج 6 ، ص 606 ، دار الفكر .
دفاع عن التشيع 43

أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وانفسكم ثم نبتهل» دعا رسول الله صلى الله عليه واله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي» .
وروى ذلك الترمذي في صحيحه ، وأبو المؤيد في كتاب فضائل علي ، وأبو نعيم في الحلية ، والحمويني الشافعي في فرائد السمطين .
وفي قوله صلى الله عليه واله وسلم : «اللهم هؤلاء أهل بيتي» ، دلالة واضحة على أن هؤلاء لا غير هم أهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم وعترته ، لما ينطوي عليه الكلام من القصر والاختصاص .
وعلى كل حال ، فإن خلاصة هذا الطريق ، أنه بعد أن تعين عدد من المعصومين من أهل البيت في الخطوة الاولى ، كما تم لعلي وفاطمة والحسن والحسين ، يأتي دور هؤلاء لتعيين كل سابق ، الإمام اللاحق له .
وهذا ما نجده واضحاً في كثير من الروايات التي عين فيها كل سابق اللاحق له ونص عليه .
لا يقال : إن بعض هذه الروايات إما هي ضعيفة السند ، وعلى فرض صحتها فهي آحاد ، لا يمكن الاعتماد عليها في الاصول الاعتقادية كمبحث الإمامة .
فإنه يقال : حتى لو سلمنا ما يقوله المستشكل ، فإنه لا نعتمد على خصوص هذه الروايات لتعيين الأئمة من السجاد عليه السلام إلى القائم عليه السلام ، وإنما يضاف إليها عشرات الروايات التي تحدثت عن أسمائهم جميعاً ، كما في الطريق الأول . مضافاً إلى دليل آخر يمكن اعتماده في هذا المجال وهو الدليل التأريخي ، لإثبات إمامتهم ، وتوضيحه كما قرره استاذنا الحكيم في الاصول العامة : (إن هؤلاء الأئمة الإثني عشر ، قد ادعوا لأنفسهم الإمامة في عرض السلطات الزمنية ، واتخذوا من أنفسهم ، كما اتخذهم الملايين من أتباعهم قادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمنهم ، وكانوا عرضة للسجون والمراقبة ، وكثير منهم قتل بالسم ، وفيهم من استشهد في ميدان الجهاد على أيدي القائمين بالحكم ، وفي هؤلاء من تولى الإمامة وهو ابن عشرين سنة كالحسن العسكري عليه السلام ، بل فيهم من تولى منصبها وهو ابن ثمان كالإمامين الجواد والهادي عليه السلام . ومن المعروف عن الشيعة ادعائهم العصمة لأئمتهم الملازمة لدعوى

دفاع عن التشيع 44

الإحاطة في شؤون الشريعة جميعها ، بل ادعوا الأعلمية في جميع الشؤون وهم أنفسهم صرحوا بذلك) (1) .
ومن كلماتهم في ذلك :
1 ـ عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول : «نحن شجرة النبوة ، ومحط الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكمة» (2) .
2 ـ وعنه عليه السلام أيضاً : «أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى ، إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم» (3) .
3 ـ وقال الإمام السجاد عليه السلام : «وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجوا بمتشابه القرآن ، فتأولوه بآرائهم ، واتهموا مأثور الخبر فينا ـ إلى أن قال ـ : وإلى من يفزع خلف هذه الامة ، وقد درست أعلام الملة ، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف ، يكفر بعضهم بعضاً ، والله تعالى يقول :« ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات» فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة ، وتأويل الحكمة ، إلا أهل الكتاب ، وأبناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة ، هل تعرفونهم أو تجدونهم ، إلا من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطرهم تطهيراً» (4) .
4 ـ وقال الإمام الصادق عليه السلام : «إن الله عزوجل أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبياً عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه ، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ـ إلى أن يقول ـ فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه ، من ولد الحسين عليه السلام من عقب كل إمام ،

(1) الاصول العامة للفقه المقارن : ص 181 .
(2) نهج البلاغة : الخطبة رقم 109 .
(3) نهج البلاغة : الخطبة رقم 144 .
(4) كشف الغمة : ج 2 ، ص 99 .
دفاع عن التشيع 45

يصطفيهم لذلك ، ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ، ويرتضيهم ، كل ما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً ، علماً بيناً ، وهادياً نيراً ، وإماماً قيماً ، وحجةً عالماً ، أئمة من الله ، يهدون بالحق وبه يعدلون ، حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه . . . جعلهم حياةً للآنام ، ومصابيح للظلام ، ومفاتيح للكلام ، ودعائم للإسلام ، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها» (1) .
5 ـ وقال الإمام الرضا عليه السلام : «إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء ، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، ومقام أمير المؤمنين عليه السلام ، وميراث الحسن والحسين عليهما السلام ، إن الإمامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعز المؤمنين ، إن الإمامة اس الإسلام النامي ، وفرعه السامي ـ إلى أن يقول ـ الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب» «أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، كذبتهم والله أنفسهم ، ومنتهم الأباطيل ، فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً ، تزل إلى الحضيض أقدامهم ، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة ، وآراء مظلة فلم يزدادوا منه إلا بعداً ، ولقد راموا صعباً ، وقالوا إفكاً ، وظلوا ظلالاً بعيداً . . .» «وأن العبد إذا اختاره الله عزوجل لامور عباده ، شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاماً ، فلم يعي بعده بجواب ، ولا يحير فيه عن الصواب ، فهو معصوم مؤيد ، موفق مسدد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار ، يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده ، وشاهده على خلقه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم» (2) .
ونظير هذه الأقوال كثير في كلام أئمة أهل البيت عليهم السلام . من هنا قد يقال : (أما كان بوسع السلطة وهي تملك ما تملك من وسائل القمع ، أن تقضي على هذه الجبهة من المعارضة ذات الدعاوى العريضة من أيسر طرقها ، وذلك بتعريض أئمتها لشيء من الامتحان العسير في بعض ما يملكه العصر من معارف ، وبخاصة ما يتصل بغوامض

(1) الأصول من الكافي : ج 1 ، ص 203 ، باب نادر وجامع في فضل الإمام وصفاته ، ح 2 .
(2) الاصول من الكافي : ج 1 ، ص 200 ، ح 1 .
دفاع عن التشيع 46

الفقه والتشريع ، ليسقط دعواها في الأعلمية من الأساس ، أو يعرضهم إلى شيء من الامتحان في الأخلاق والسلوك ليسقط ادعاءهم العصمة . وإذا كان في الكبار منهم عصمة وعلم ، نتيجة دربه ومعاناته ، فما هو الشأن في ابن عشرين عاماً أو ابن ثمان ، فهل تملك الوسائل الطبيعية تعليلاً لتمثلهم لذلك كله . ولو كان هؤلاء الأئمة في زوايا أو تكايا ، وكانوا محجوبين عن الرأي العام كما هو الشأن في أئمة الاسماعيلية ، أو بعض الفرق الباطنية ، لكان لإضفاء الغموض والمناقبية على سلوكهم من الاتباع مجال ، ولكن ما نصنع وهم مصحرون بأفكارهم وسلوكهم وواقعهم ، اتجاه السلطة وغيرها من خصومهم في الفكر ، والتأريخ حافل بمواقف السلطة منهم ومحاربتها لأفكارهم ، وتعريضهم لمختلف وسائل الإغراء والاختبار ، ومع ذلك فقد حفل التأريخ بنتائج اختباراتهم المختلفة وسجلها بإكبار . ولقد حدث المؤرخون عن كثير من هذه المواقف المحرجة ، وبخاصة مع الإمام الجواد ، مستغلين صغر سنه عند تولي الإمامة . وحتى لو افترضنا سكوت التأريخ عن هذه الظاهرة ، فإن من غير الطبيعي أن لا تحدث أكثر من مرة ، تبعاً لتكرر الحاجة إليها ، وبخاصة أن المعارضة كانت على أشدها في العصور العباسية .
وطريقة إعلان فضيحتهم بإحراج أئمتهم فيما يدعونه من علم واستقامة سلوك ، وإبراز سخفهم لاحتضانهم أئمة بهذا السن وهذا المستوى لو أمكن ذلك ، أيسر بكثير من تعريض الامة الى حروب قد يكون الخليفة نفسه من ضحاياها ، او تعريض هؤلاء الأئمة إلى السجون والمراقبة أو المجاملة أحياناً . . . وإذا كان للصدفة ـ وهي مستحيلة ـ مجالها في امتحان ما ، بالنسبة إلى شخص ما ، فليس لها موقع بالنسبة إليه في مختلف المجالات ، فضلاً عن تكررها بالنسبة إلى جميع الأئمة ، صغارهم وكبارهم ، كما يحدث في ذلك التأريخ . وأظن أن في هذه الاعتبارات التي ذكرناها مجتمعة ما يغني عن استيعاب كل ما ذكر في تشخيص المراد من أهل البيت) (1).

دفاع عن التشيع 47


المحور الرابع

المهدي ، هل هو حي ، أم سيولد بعد ذلك ؟

تعتبر مسألة الإمام المهدي (عج) من المسائل الأساسية في بحث الإمامة الخاصة ، من هنا ورد التأكيد عليها في التراث الشيعي ، بما يناسب موقعها المهم هذا . كما إن فكرة مجيء المصلح في آخر الزمان ، فكرة لا خلاف عليها بين علماء المسلمين عامة ، حيث اتفقت كلمتهم إلا من شذ منهم ، على أنه لابد أن يأتي في آخر الزمان من يصلح الأرض ، ويملأها قسطاً وعدلاً ، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً . وممن صرح بأحاديث المهدي ، الترمذي في السنن ، والنيسابوري في المستدرك ، والبغوي في مصابيح السنة ، وابن الاثير في النهاية ، وابن تيمية في منهاج السنة ، والذهبي في تلخيص المستدرك ، والتفتازاني في شرح المقاصد ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والجزري الدمشقي في أسنى المطالب ، والصبان في إسعاف الراغبين ، والشوكاني وعشرات غيرهم (1) .
وصحح النيسابوري كثير من روايات المهدي ، وعبر عن طائفة منها بأنها صحيحة على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، كحديث أم سلمة حول خسف البيداء الذي يكون في زمن المهدي (2) ، وحديث ابن مسعود «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بتي ، يواطيء اسمه اسمي» (3) ، وحديث ثوبان حول الرايات التي

(1) سنن الترمذي : ج 4 ، ص 505 ؛ مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 553 ؛ مصابيح السنة : ص 488 ، ح 4199 ؛ النهاية في غريب الحديث والأثر : ج 5 ، ص 254 ؛ منهاج السنة : ج 4 ، ص 211 ؛ تلخيص المستدرك : ج 4 ، ص 553 ؛ شرح المقاصد : ج 5 ، ص 312 ؛ مجمع الزوائد : ج 7 ، ص 313 ـ 314 ؛ أسنى المناقب في تهذيب أسنى المناقب : ص 163 ـ 168 ؛ إسعاف الراغبين : ص 145 ؛ الإذاعة : ص 125 .
(2) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 429 .
(3) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 442 .
دفاع عن التشيع 48

توطيء للمهدي سلطانه (1) ، وحديث أبي سعيد : «المهدي مني أجلى الجبهة» (2) ، وحديث أبي سعيد أيضاً : «لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً ، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً» (3) ، وحديث محمد ابن الحنفية عن أبيه علي عليه السلام أنه قال ، وقد سأله رجل عن المهدي : «ذاك يخرج في آخر الزمان» (4) .
وعبر عن طائفة ثانية منها ، بأنها صحيحة على شرط مسلم ولم يخرجه ، كحديث أبي سعيد الخدري : «المهدي منا أهل البيت» (5) ، وحديث الآخر أيضاً : «تملأ الأرض جوراً وظلماً فيخرج رجل من عترتي» (6) .
وعبر عن طائفة ثالثة بأنها صحيحة الإسناد ولم يخرجاه ، كحديث أبي سعيد : «ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد ، فيبعث الله عزوجل من عترتي ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً» (7) ، وحديث أبي سعيد أيضاً : «يخرج في آخر أمتي المهدي» (8) .
بل صرح بعض الأعلام بتواتر هذه الأحاديث ، كالابري في مناقب الشافعي ، كما نقل ذلك المزي في تهذيبه (9) ، والقرطبي في التذكرة (10) ، والعسقلاني في تهذيب التهذيب (11) ، والصخاوي في فتح المغيث ، والسيوطي في مصباح الزجاجة ، والمتقي

(1) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 464 .
(2) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 457 .
(3) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 557 .
(4) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 554 .
(5) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 557 .
(6) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 558 .
(7) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 465 .
(8) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 558 .
(9) تهذيب الكمال : ج 25 ، ص 146 / 5181 ، في ترجمة محمد بن خالد الجندي .
(10) التذكرة : ص 701 .
(11) تهذيب التهذيب : ج 9 ، ص 125 / 201 ترجمة محمد بن خالد الجندي .
دفاع عن التشيع 49

الهندي في البرهان في علامات مهدي آخر الزمان ، والبرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة ، وعشرات غير هؤلاء لا مجال لذكرهم في هذه العجالة (1) .
فمثلاً ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ، نقلاً عن الابري في ترجمة محمد بن خالد الجندي : (وقد تواترت الأخبار ، واستفاضت بكثرة رواتها ، عن المصطفى صلى الله عليه واله وسلم في المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، ويملأ الأرض عدلاً ، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وانه يؤم هذه الأمة ، وعيسى خلفه) (2) .
وقال أيضاً : (وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الأمة ، مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة ، دلالة للصحيح من الأقوال «أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة» والله العالم) (3) .
ولم يقتصر الأمر على المتقدمين من علماء المسلمين ، بل نجد ذلك واضحاً في كتابات المتأخرين أيضاً ، حيث صرح أهل التحقيق منهم ، بصحة أحاديث المهدي ، بل بتاواترها، كالشيخ محمد الخضر المصري ، والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي ، وأبو الأعلى المودودي ، وناصر الدين الألباني ، والشيخ حمود التويجري ، والشيخ عبد العزيز بن باز ، وغيرهم (4) .
وقال الشيخ منصور علي ناصف في كتابه (التاج الجامع للأصول) : (اشتهر بين

(1) نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني : ص 144 ؛ العطر الوردي لشرح القطر الشهدي للبلبيسي : ص 45 .
(2) تهذيب التهذيب : ج 9 ، ص 125 / 201 ، ترجمة محمد بن خالد الجندي .
(3) فتح الباري : ج 6 ، ص 385 .
(4) نظرة في أحاديث المهدي : ص 829 ـ مقال نشرته مجلة التمدن الإسلامي ، دمشق 1370 هـ ـ 1950 م ؛ محاضرة نشرت في مجلة الجامعة الإسلامية للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي ، العدد الثالث ، السنة الاولى ، 1388 هـ السعودية ؛ البيانات للمودودي : ص 116 ؛ حول المهدي ـ مقال ـ 644 ، نشرته مجلة التمدن الإسلامية 1371 هـ ـ دمشق ؛ الاحتجاج بالأثرعلى من أنكر المهدي المنتظر : ص 70 ـ 71 ؛ الاحتجاج بالأثر للتويجري : كلمة التصدير ، بقلم ابن باز ، ص 3 .
دفاع عن التشيع 50

العلماء سلفاً وخلفاً ، أنه في آخر الزمان ، لا بد من ظهور رجل من أهل البيت ، يسمى المهدي ، يستولي على الممالك الإسلامية ، ويتبعه المسلمون ، ويعدل بينهم ، ويؤيد الدين ، وبعده يظهر الدجال ، وينزل عيسى عليه السلام فيقتله ، أو يتعاون عيسى مع المهدي على قتله . وقد روى أحاديث المهدي ، جماعة من خيار الصحابة ، وخرجها أكابر المحدثين ، كأبي داود والترمذي ، وابن ماجة . . . ، ولقد أخطأ من ضعف أحاديث المهدي كلها ، كابن خلدون وغيره) (1) .
وقال ابن باز : (فأمر المهدي معلوم ، والأحاديث فيه مستفيضة ، بل متواترة متعاضدة ، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها . . . وهي متواترة تواتراً معنوياً ، لكثرة طرقها واختلاف مخارجها ، وصحابتها ، ورواتها ، وألفاظها ، فهي تدل على أن هذا الشخص الموعود به ، أمره حق ثابت وخروجه حق) (2) .
وقال أيضاً : (ولقد تأملت ما ورد في هذا الباب من أحاديث ، فاتضح لي صحة كثير منها ، كما بين ذلك العلماء الموثوق بعلمهم ودرايتهم ، كأبي داود ، والترمذي ، والخطابي ، ومحمد بن الحسين الآبري ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، والعلامة ابن القيم ، والشوكاني وغيرهم) (3) .
وقد ورد في معجم أحاديث الإمام المهدي ما يقرب من (2000 رواية) عن رسول الله وأهل بيته تعرضت لمختلف شؤون المهدي ، كالأبحاث المتعلقة بمرحلة ما قبل ظهور المهدي (عج) ، ثم ما يتعلق بشخصيته ، وحركة ظهوره ، وأحداثها ، ثم ما يكون بعده (4) .
إذن ، فمسألة ظهور المهدي في آخر الزمان ، وأنه من أهل بيته صلى الله عليه واله وسلم وعترته ، وأنه

(1) التاج الجامع للاصول : ج 5 ، ص 341 .
(2) كلمة ابن باز في آخر محاضرة ، عقيدة أهل السنة والأثر ، مجلة الجامعة الإسلامية ، المدينة المنورة 1388 .
(3) الاحتجاج بالأثر للتويجري : كلمة التصدير لابن باز ، ص 3 .
(4) معجم أحاديث الإمام المهدي : ج 1 ، ص 11 ، تأليف ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية .
دفاع عن التشيع 51

يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، مما لا ريب فيها ، ولا مجال للتشكيك والتردد إزائها ، وبتعبير الشيخ محمود التويجري : (أنه لا ينكر خروجه إلا جاهل أو مكابر) (1) .
ولقد أجاد بعض الكتاب المعاصرين حيث قال : (إن في عالم الدجل ، الكثير من الذين يدعون العلم ويتاجرون بالورع ، يريدون أن يجعلون تراثنا خالياً من الهواء . . . ، لقد رفض فكرة المهدي رجال هناك ، أمثال (غولد سابهر) و (فلهوزن) فاتبعهم رجال هنا ، من منطلق أنهم يأكلون كل طعام يأتي من هناك) (2) .
نعم ، الذي وقع الخلاف فيه بين علماء المسلمين ، إنما هو في جهة اخرى من البحث ، هي : هل أن المهدي حي ؟ ولكنه غائب مستور ، كما ذهب إلى ذلك أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام تبعاً للروايات الصحيحة الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام ، أم أنه سيولد بعد ذلك ؟ كما هو الاتجاه العام عند مدرسة الخلفاء .
من هنا لابد أن ينصب الحديث على إثبات أن المهدي المنتظر حي أم لا ؟ ويمكن ذكر طريقين في هذه العجالة لإثبات حياته :
الطريق الأول : وهو الطريق غير المباشر ، إن صح التعبير ، وذلك بأن يقال : بعد أن ثبتت ضرورة استمرار وجود معصوم ، لا يفارق الكتاب ولا يفارقه الكتاب ، كما هو نص حديث الثقلين ، وأن هؤلاء المعصومين لا يتجاوز عددهم (12) كما هو مقتضى أحاديث (خلفائي من بعدي إثنا عشر) ، وأن هؤلاء هم علي والحسن والحسين وتسعة من صلب الحسين عليهم السلام ينتهون بالمهدي المنتظر ، كما هو نص عشرات الروايات من الفريقين ، إذن يثبت بالدلالة الالتزامية العقلية ، أن الإمام الثاني عشر ، حي يرزق ، لكنه غائب مستور عن الخلق لحكمة إلهية في ذلك .
ومن الواضح أن هذا الطريق يثبت لنا وجود إمام معصوم غائب ، هو المهدي

(1) الاحتجاج بالأثر : ص 127 .
(2) عقيدة المسيح الدجال في الأديان ، قراءة في المستقبل ، تأليف سعيد أيوب ، ص 361 ، دار البيان للطباعة والنشر .
دفاع عن التشيع 52

المتنظر ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي عليهما السلام .
ولكنه لا يتعرض لتفاصيل سنة ولادته ، وكيفية ذلك ، ومن هي امه ، ومتى غاب ، وهل له غيبة واحدة أم أكثر . إلا أن هذا لا يؤثر في أصل فكرة إثبات وجوده ، وأنه حي غائب ، لأن الضرورة النقلية وما يلزمها عقلاً تثبت هذه الحقيقة .
الطريق الثاني : وهو الطريق المباشر ، ولكي يتضح ذلك جيداً لابد من الإشارة إلى التسلسل الوارد في الروايات ، لإثبات هذه الظاهرة الإلهية ، وهذا ما أحصاه بعض المحققين المعاصرين :
1 ـ الروايات التي تبشر بظهوره (عج)
657 رواية

2 ـ الروايات التي تبين أنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً
123 رواية

3 ـ الروايات التي تثبت أن المهدي المنتظر من أهل البيت
389 رواية

4 ـ الروايات التي تبين أنه من ولد أمير المؤمنين عليه السلام
214 رواية

5 ـ الروايات التي تثبت أنه من ولد فاطمة الزهراء عليها السلام
192 رواية

6 ـ الروايات التي تقول أنه من ولد الإمام الحسين عليه السلام
185 رواية

7 ـ الروايات التي تقول أنه التاسع من ولد الإمام الحسين عليه السلام
148 رواية

8 ـ الروايات التي تقول أنه من ولد علي بن الحسين عليهما السلام
185 رواية

9 ـ الروايات التي تقول أنه من ولد محمد الباقر عليه السلام
103 رواية

10 ـ الروايات التي تقول أنه من ولد الصادق عليه السلام
103 رواية

11 ـ الروايات التي تقول أنه السادس من ولد الصادق عليه السلام
99 رواية

12 ـ الروايات التي تقول أنه من ولد موسى بن جعفر عليهما السلام
101 رواية

13 ـ الروايات التي تقول أنه الخامس من ولد موسى بن جعفر عليهما السلام
98 رواية

14 ـ الروايات التي تقول انه الرابع من ولد علي بن موسى الرضا عليه السلام
95 رواية

15 ـ الروايات التي تقول أنه الثالث من ولد محمد بن علي التقي عليه السلام
90 رواية

16 ـ الروايات التي تقول أنه من ولد علي الهادي عليه السلام
90 رواية


دفاع عن التشيع 53


17 ـ الروايات التي تقول أنه ابن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام
146 رواية

18 ـ الروايات التي تقول أنه الثاني عشر من الأئمة وخاتمهم
136 رواية

19 ـ في ولادته عليه السلام وتأريخها وبعض حالات امه
214 رواية

20 ـ في أنه له غيبتين
10 رواية

21 ـ في أنه له غيبة طويلة
91 رواية

22 ـ في أنه طويل العمر جداً
318 رواية (1)

ولا شك أن روايات بعض هذه العناوين ، قد تتداخل مع بعضها الآخر ، كما هو واضح .
لا يقال : بأن الاستدلال بروايات أئمة أهل البيت عليهم السلام لإثبات إمامة أنفسهم وبيان خصائصها ، وعدد الأئمة ، وأن الثاني عشر حي ، ونحو ذلك ، إنما يلزم منه الدور ، لأن حجية أقوالهم موقوفة على إمامتهم وعصمتهم ، والمفروض أن إمامتهم متوقفة على حجية أقوالهم .
لأنه يقال : إن هذا الإشكال مدفوع ببيانين :
الأول : إننا بعد أن أثبتنا عصمتهم بإحدى الطرق المتقدمة في المحور الثالث ، يمكن الاحتجاج والاستناد إلى أقوالهم لإثبات خصائص إمامة المهدي المنتظر (عج) ، ولا يلزم محذور في المقام ، لاختلاف الموقوف عن الموقوف عليه ، فيرتفع الدور .
الثاني : إنه حتى لو لم تثبت عصمة أئمة أهل البيت عليهم السلام في الرتبة السابقة ، إلا أنه يمكن الاعتماد على رواياتهم ، وذلك من خلال أنهم رواة ثقاة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم ، فتكون حجية قولهم على حد حجية قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذين قبل المسلمون عامة ، الاعتماد على ما ينقلونه عن النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم ، ولا اضن ان احد من المسلمين يتوقف في قبول مثل هذا الأمر بشأن أهل البيت عليهم السلام سواء فيما صرحوا فيه من الروايات ، بأنهم ينقلونه عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ، أو التي لم يصرحوا فيها بذلك ، بل اكتفوا بالقاعدة الكلية التي بينوا فيها ، أن حديثهم هو

(1) منتخب الأثر ، للصافي الگلپايگاني .
دفاع عن التشيع 54

حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، كما يقول الإمام الصادق عليه السلام : «حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أميرالمؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم» (1) .
وعلى هذا ، لم نجد أحداً من المسلمين ، شكك فيما نقل الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مع علمنا أن كثيراً من هؤلاء الذي سمعوا هذه الأحاديث من الأئمة عليهم السلام وقبلوها ، ورووها ، لم يكونوا يعتقدون بعصمة الأئمة عليهم السلام كاعتقاد الشيعة بهم ، غير أنهم ، كانوا يعتقدون ، بأن هؤلاء في أعلى درجات التقى والعلم والوثاقة والصدق .
ولا يخفى أن هناك طرق اخرى لإثبات حياته (عج) كشهادة من رآه ، وهم جم غفير ، وفيهم الثقاة والعلماء فقد أحصى البعض (عدد من شاهد الإمام المهدي ، فبلغوا زهاء 304 شخص) (2) . ولعل ما فاته أكثر مما ذكره .
من هنا جاءت اعترافات عدد كبير من علماء السنة ، تبين ولادة المهدي (عج) ، وقد صرح بعضهم ، أنه هو الإمام الموعود بظهوره في آخر الزمان . وقد أحصيت بعض المؤلفات المعاصرة وهو (المهدي في نهج البلاغة) للشيخ مهدي فقيه إيماني ما يزيد عن (100) شخصية ، صرحت بولادته (عج) .
وكنموذج على ذلك ، ما ذكره العلامة الشعراني الحنفي في كتابه القيم (اليواقيت والجواهر) حيث قال : (فهناك يترقب خروج المهدي عليه السلام وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمسة وخمسين ومائتين ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام ـ إلى أن تقول ـ وعبارة الشيخ محي الدين في الباب السادس والستين وثلثمائة من (الفتوحات) : واعلموا أنه لا بد

(1) وسائل الشيعة : ج 27 ، ص 83 ، باب 8 ؛ الكافي : ج 1 ، ص 53 .
(2) من هو المهدي ، أبو طالب التجليلي التبريزي ، ص 460 ـ 505 ، نقلاً عن كتاب دفاع عن الكافي : ج 1 ، ص 562 .
دفاع عن التشيع 55

من خروج المهدي عليه السلام ، لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد ، طول الله تعالى ذلك اليوم ، حتى يلي ذلك الخليفة ، وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من ولد فاطمة (رضي الله عنها) جده الحسين بن علي بن أبي طالب ، ووالده الحسن العسكري ، ابن الإمام علي النقي بالنون ، ابن الإمام محمد التقي بالتاء ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام موسى الكاظم ، ابن الإمام جعفر الصادق ، ابن الإمام محمد الباقر ، ابن الإمام زين العابدين علي ، ابن الإمام الحسين ، ابن الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه واله ، يبايعه المسلمون بين الركن والمقام . . .) (1) .
كانت هذه عبارة صاحب الفتوحات المكية ، كما ينقلها أحد أعلام القرن العاشر الهجري ، ولكن مما يؤسف له ، فإن الأيادي غير الأمينة ، عبثت بهذا النص ، عندما طبعت الفتوحات ، فجاء النص بنحو آخر : (اعلم أيدنا الله ، إن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض ظلماً وجوراً ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، طول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله صلى الله عليه واله ، من ولد فاطمة ، يواطيء اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه واله ، جده الحسن بن علي بن أبي طالب ، يبايع بين الركن والمقام . . .) (2) .
وبهذا تخرج مسألة الإيمان بالمهدي المنتظر (عج) ، وأنه حي يرزق ، عن دائرة اتهام الشيعة ، باختلاقها وإيجادها في الفكر الإسلامي .
وبإضافة هذا المحور إلى المحاور الثلاثة المتقدمة ، ونعني بها : استمرار الإمامة وعدد الأئمة ، ومصاديقهم ، يتم بحث الإمامة بشكل منطقي و ننتهي من خلاله إلى نتائج قطعية لا ينكرها أي عالم باحث عن الحق والحقيقة .

(1) اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر : ج 2 ، ص 562 ، دار إحياء التراث العربي ، مؤسسة التأريخ العربي ، بيروت ـ لبنان .
(2) الفتوحات المكلة : ج 3 ، ص 327 ، دار إحياء التراث العربي .
دفاع عن التشيع 56

وفي الختام

فإن الكتاب الماثل بين أيدينا ، وهو كتاب (دفاع عن التشيع) فقد طالعته ، وسرني ما وجدت فيه من الجهد العلمي والتحقيقي ، الذي بذله أحد أعزة تلامذتنا المتتبع ، السيد نذير الحسني ، حيث تصدى فيه للرد على بعض الأسئلة والاستفهامات ، بل جملة من الاتهامات التي جاءت في كتاب (تطور الفكر السياسي الشيعي) لأحمد الكاتب .
وأود الإشارة هنا إلى أن البحث في مسائل الإمامة ، يمكن أن يكون من خلال بعدين :
الأول : العبد الوجودي والتكويني .
الثاني : البعد السياسي والفقهي والتأريخي .
والمراجع لكتاب (تطور الفكر السياسي . . .) يجد أن المؤلف تجاهل البعد الأول تماماً ، وأغفل الحديث عنه بالكلية ، وإنما حاول أن يقرأ الإمامة من خلال البعد الثاني ، وهذا ما أوصله إلى جملة من النتائج الخاطئة ، وهذه هي النكتة التي أومأنا إليها في بداية هذا البحث ، وقلنا بأن المدرسة السنية ، انطلقت من نقطة مركزية لفهم نظرية الإمامة ، تمثلت في أن الإمام والخليفة ، يعني القائد والزعيم السياسي . لذا بينا أننا ما لم نحدد محل النزاع في الإمامة ، ونقف على المسؤوليات التي انيطت بها ، فإن البحث لا يمكن أن ينتهي إلى نتائج صحيحة .
وعلى هذا الأساس جاءت محاولة هذا الكتاب لعرض الجوانب السياسية والتأريخية لبحث الإمامة ، واستطاع مؤلفه أن يعطي صورة واضحة وتفضيلية عن هذا البعد ، مضافاً إلى بيان مدى الاشتباه والتحريف الذي وقع فيه الكاتب .
وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت ، وإليه انيب
السيد كمال الحيدري
24 صفر 1421 هـ
قم المقدسة


دفاع عن التشيع 57

المقدمة


بينما أنا أتجول في خزائن السلف الصالح ، اقلب تلك الكنوز التي تركها مصنفوها والتي تحكي واقعهم العلمي والعملي من خلال نقلهم الحقائق بأدلة لا تقبل الشك والخلاف ، وقع نظري على كتاب أسفل المكتبة بعنوان (تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه) ، وكان مؤلفه باسم (أحمد الكاتب) ونظراً لعدم شهرة هذا الاسم لم أتعرف عليه بدقة ، ولكني أخذت أتصفح الكتاب واقلب فهارسه ، فوجدت فيه عناوين لمواضيع مختلفة شدتني إلى قراءته ، وبدأت في القراءة وإذا بالمؤلف يتحدث عن شبهات كثيرة قرأتها في كتب المتقدمين الشيعة سابقاً مع ردودها ، ولكن الذي أثار انتباهي هنا ان المؤلف ينسب في كثير من الأحيان هذه الشبهات إلى علماء الشيعة وليس إلى أصحاب المذاهب الأخرى الذين أثاروها ، فكان هناك فارق كبير بين ما أقرأه في كتب الشيعة الأوائل التي اعتمدها المؤلف وبين ما نسبه إليهم ، أضف إلى ذلك أنه نسب إلى علي عليه السلام وأبنائه القول بالشورى خلافاً لما نقل إلينا من تراث صحيح علم به المخالف والموالف ، وتحدث أيضاً عن امور نعلم خلافها بالضرورة ، ولعدم التسرع في الحكم على الكتاب حتى لا يظلم صاحبه ، عدت من جديد لقراءة الكتاب للمرة الثانية على التوالي وبدون فاصل زمني بين القراءتين ، فلم يسعفني محمل واحد من السبعين لحمل المؤلف عليه ، عندها بادرت إلى من له باع طويل في الحوزة وأبلغته بذلك ،

دفاع عن التشيع 58

فقال لي : (قرأت الكتاب ولكنه لا يستحق الرد) ، والسر في هذه الكلمة أن هذه الشبهات اثيرت قبل مئات السنين وردها المفيد والصدوق والطوسي والمرتضى وغيرهم .
ولكن بعد فترة ليست طويلة أخذت هذه الشبهات تطلق وتنسب إلى المؤلف ، وتناقلت بعض الصحف ذلك ، وطبل لها الكثير ليؤججوا نار الفتنة بعدما أخذت الحقيقة تنجلي شيئاً فشيئاً ، ولكي تنصف الحقيقة ولا تحقق أهداف أولئك ، تركت ما تعودت عليه يومياً وتفرغت لهذا الكتاب بالكامل ـ صباحاً ومساءً ـ وأخذت في أول عملي بتخريح جل الروايات والأقوال التي اعتمدها المؤلف ، معتمداً بذلك ما أشار إليه هو في هامشه ، ولم يكن هذا العمل سهلا ، خصوصا وان المؤلف لم يتبع المنهج العلمي في ذكر المصادر ، ولم يذكر مشخصات الكتاب المقتبس منه بالكامل ، ومن المعلوم أن لأكثر الكتب طبعات مختلفة تختلف الأجزاء وأرقام الصفحات والمطالب بحسبها ، هذا فضلاً عن اعتماد المؤلف على اكثر من طبعة لمصدر واحد،فاستغرق العمل وقت طويلا جداً ، خرج بنتيجة تقول : (من يقرأ كتاب المؤلف يقرأ تأريخاً منكوساً على رأسه ، ومن يقرأ مصادره يقرأ تأريخاً قويماً ناصعاً لا شك فيه ولا خلاف) ، أضف إلى ذلك مخالفات كثيرة وقع فيها المؤلف عمداً تارة ، وسهواً اخرى ـ حملاً على قاعدة صحة عمل المسلم ـ ، ومن هذه المخالفات :
1 ـ مخالفات منهجية في أجزائه الثلاثة ، ففي جزئه الأول يقول في (صفحة 19) : (وبالرغم مما يذكره الإماميون من نصوص حول تعيين النبي صلى الله عليه واله وسلم للإمام علي بن أبي طالب كخليفة من بعده ، إلا أن تراثهم يحفل بنصوص اخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل بيته بمبدأ الشورى) ، بارغم من هذا الاعتراف لم يقم المؤلف بمقارنة نصوص التعيين ونصوص الشورى ، ولم يوازن بينهما حسب المنهج العلمي المتعارف عليه ، فترك نصوص التعيين وتعلق بنصوص الشورى المزعومة .
وفي جزئه الثاني بحث عن وجود ولد للعسكري بعد أن نفى إمامته في جزئه

دفاع عن التشيع 59

الأول ، ولا أعلم ما فائدة وجود ولد للعسكري أو عدم وجوده إذا لم يكن إماماً .
وفي جزئه الثالث ربط قضايا فقهية بمسألة الغيبة ، وجعل الاختلاف فيها من الآثار السلبية لها ، مع أن الاختلاف في هذه المسائل نابع من دليلية الدليل وامو اخرى ذكرناها في المتن ، فضلاً عن اختلاف علماء أهل السنة في كثير منها وهم لا يؤمنون بأن المهدي هو ابن الحسن العسكري .
2 ـ بثلاث روايات عليلة ـ كما سنرى ـ نفى المؤلف الإمامة وأقام الشورى دستوراً للمسلمين .
3 ـ الكذب الصريح على علماء الشيعة ، وبالخصوص الشيخ المفيد والنوبختي والصدوق والطوسي والنعماني والسيد المرتضى وغيرهم .
4 ـ عدم التروي في نسبة الكتاب إلى مؤلفه ، فنسب «فرق الشيعة» إلى النوبختي ، مع أن هذه النسبة عليها عدة علامات استفهام .
5 ـ الاعتماد على روايات الضعفاء وتضعيف الثقة وتوثيق الضعيف ، كما فعل ذلك مع الريان بن الصلت ، وقال عنه : (ضعيف) ، مع أن النجاشي يقول : (ثقة ، صدوق) .
6 ـ قراءة منكوسة لتأريخ أئمة أهل البيت ، وتأويل بعض الروايات بالرأي ، وتحميلها معنىً قسرياً تأباه .
7 ـ الجهل التام بما ورد في التأريخ الإسلامي (الشيعي والسني) حول مسألة «الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش» ، فنسب عدم حصر الخلفاء باثني عشر إلى التراث السني ، مع أن البخاري ومسلم وبقية علماء السنة نقلوا هذا الحديث وبالحصر .
8 ـ التشبث بروايات تعلق المؤلف بأعناقها لاوياً إياها مطيعاً معناها إلى مرامه .
9 ـ الخلط الواضح في كثير من المسائل ، وعدم التمييز بين المصطلحات وخصوصاً في مسألة الاجتهاد .
10 ـ النتيجة التي توصل إليها (شورى الأمة على نفسها) لا تستدعي نفي


السابق السابق الفهرس التالي التالي