دفاع عن التشيع 60

الإمامة الإلهية ـ كما فعل ـ لأن من يؤمن بالإمامة اليوم يؤمن بشورى الامة على نفسها .
وغير ذلك من المخالفات العلمية لأبسط قواعد البحث العلمي ، والتي سيجدها القارئ في هذا الكتاب الذي قسمنا فصوله إلى أحد عشر فصلاً .
تناول الفصل الأول المخالفات الصريحة والتحريف المتعمد والتجاهل لكثير من الحقائق في التأريخ .
وتناول الثاني موارد الكذب المتعمد الذي اعتمده المؤلف على علماء الشيعة ، أمثال المفيد والصدوق والمرتضى والطوسي والنوبختي والنعماني وغيرهم .
وتناول الثالث موارد الخلط التي وقع فيها المؤلف وعدم التمييز في المواقع .
وتناول الرابع افتراءات وأكاذيب المؤلف على مصاديق الإمامة الإلهية ابتداءً بعلي عليه السلام وانتهاءً بالمهدي المنتظر (عج) .
وأما الخامس فقد كرسناه لنظرية الشورى والتحديات التي واجهتها .
وتحدث السادس عن الافتراءات المتعمدة التي افتراها المؤلف على أركان نظرية الإمامة الإلهية .
وتحدثنا في السابع عن حديث «خلفاء اثنا عشر» ومصاديقه ، ودفعنا بعض الشبهات في ذلك .
وأما الثامن فتناول التسرع الذي وقع فيه الكاتب في إصدار الأحكام من دون بحث ودراسة للظروف الموضوعية لكثير من المسائل التأريخية .
وتحدث التاسع عن التقية في الفكر الإسلامي ، وقسم من أقسام العلم بالغيب الذي أطلع الله رسوله وأولياءه عليه .
وذكرنا في العاشر الحركات والفرق التي حاول الكاتب التعلق بأهدافها لخدمة نتائجه .
وفي الحادي عشر تحدثنا عن التشيع وعلمائه والظروف التي واجهوها .
وأخيراً ، دراسة النتيجة النهائية التي توصل إليها المؤلف والتي كانت غريبة

دفاع عن التشيع 61

عن مقدماتها تماماً .
وبهذه الجولة المضنية والطويلة نقدم للقارئ دفاعاً عن التشيع الذي حاول المؤلف إثارة الغبار على كثير من مسائله العقائدية .
وأخيراً لا أنسى شكري العام إلى الاخوة العاملين في المكتبات المختصة في فروع الحديث والرجال والتأريخ والتفسير والفقه والاصول ، المنتشرة في مدينة قم المقدسة ، وشكري الخاص إلى الأخ الشيخ أياد كمالي ، الذي لم يدخر جهداً في المساعدة .
ونسأل الله أن يهدي اولئك الذين لم ينشدوا الحقيقة ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
نذير الحسني
محرم الحرام 1421 هـ
قم المقدسة


دفاع عن التشيع 62




دفاع عن التشيع 63


الفصل الأول

مخالفات صريحة


دفاع عن التشيع 64




دفاع عن التشيع 65

ادعاء خال من التوثيق

ادعى أحمد الكاتب في مطلع بحثه ، أن الأمة الإسلامية كانت خلال العقود الاولى من تاريخها تؤمن بنظام الشورى (1) ، وأطلق هذا الشعار من دون الاستناد إلى أي وثيقة ، وأين يجد الوثيقة وصانع الشورى عمر بن الخطاب ـ كما يتضح فيما بعد ـ يحكي لنا بيعة أبي بكر بقوله : (كانت فلتة وقى الله شرها) (2) ، ثم لما أفلت الخلافة عنه قال : (لو كان أبو عبيدة حياً لوليته) (3) ، وقال أيضاً : (لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته) (4) ؟ !
وبالاضافة إلى أقوال الخليفة الثاني عمر التي تعبر عن شعور راسخ بمسألة النص ، وعدم إيمان بمسألة الشورى ، نجد أن الخليفة الثالث عثمان بن عفان صرح بذلك أيضاً عندما خاطب ابن عباس قائلاً : (ولقد علمت أن الأمر لكم ، ولكن قومكم دفعوكم عنه واختزلوه دونكم) (5) .
وأما عبد الله بن عباس فكان لا يروق له أي صفة يصف بها علي عليه السلام إلا أنه

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 19 .
(2) صحيح البخاري : كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة ، باب رجم الحبلى ، ح 6442 ؛ تاريخ الطبري : ج 3 ، ص 446 ؛ سيرة ابن هشام : ج 4 ، ص 308 ـ 309 .
(3) الكامل في التاريخ : ج 3 ، ص 65 ؛ صفة الصفوة : ج 1 ، ص 3 ؛ سير أعلام النبلاء : ج 1 ، ص 10 .
(4) صفوة الصفوة : ج 1 ، ص 367 .
(5) ابن الحديد ، شرح نهج البلاغة : ج 9 ، ص 9 .
دفاع عن التشيع 66

وصي ، كما يقول المسعودي : (إن ابن عباس كان يصف علياً بأنه سيد الأوصياء) (1) .
وكذلك محمد ابن الخليفة الأول أبي بكر ، يصف علياً أنه وارث رسول الله ووصيه (2) .
هذا فضلاً عن موقع أمير المؤمنين عند الزبير وعمار بن ياسر وأبي ذر والمقداد وسلمان ، وعشرات الصحابة الذين آمنوا بمسألة النص والوصية .
إذن مسألة النص كانت من مرتكزات الفكر السياسي الإسلامي في الصدر الأول من تاريخه ، ومجرد دعوى من قبل الكاتب ـ وإن كان تشوش الأذهان ـ لا تمحو الواقع الإسلامي والتاريخ المكتوب ، وسيتضح ذلك ـ فيما بعد ـ بشكل جلي .

أخطاء منهجية

الخطأ الأول : يقول الكاتب : (بالرغم مما يذكره الإماميون من نصوص حول تعيين النبي صلى الله عليه واله وسلم للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كخليفة من بعده إلا أن تراثهم يحفل بنصوص اخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل البيت بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها) (3) .


يلاحظ على هذا النص
1 ـ تجاوز الكاتب الاعتبارات العلمية للبحوث ، فعلى الرغم من اعترافه بنصوص الإمامة التي ملأت كتب الشيعة ، إلا أنه لم يذكر نصاً واحداً في كتابه ، والمنصف في هذا المجال عليه أن يذكر أدلة الطرفين ويناقشها ، ويثبت صحة ما يعتقد به ، فهذا لم نجده عند الكاتب مطلقاً .
2 ـ حاول استغفال القارئ وإيهامه بأن نصوص تعيين الإمام واردة من طرق الشيعة فقط ، والمطالع للرواية السنية يجد مسألة تعيين الإمام كخليفة من قبل رسول

(1) مروج الذهب : ج 3 ، ص 8 .
(2) مروج الذهب : ج 3 ، ص 21 ؛ وقعة صفين : ص 118 ـ 119 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 19 .
دفاع عن التشيع 67

الله صلى الله عليه واله وسلم واضحة آبية عن التأويل القسري الذي تعرضت له ، ومن مصاديق ذلك :

أولاً : حديث الغدير :
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» (1) .
وتعرض هذا الحديث إلى محاولتين :

الاولى : فسرته بالنصرة والمحبة ، وأصبح معنى الحديث : إنكم تحبوني أكثر من أنفسكم ، فمن يحبني يحب علياً ، اللهم أحب من أحبه ، وعاد من عاداه (2) .

الثانية :
رأت الاولى غير كافية لتصحيح مواقف الصحابة الذين خرجوا على علي عليه السلام ، فأصدرت بنداً جديداً يقول : إن بعض الصحابة لهم حق على غرار ما يسمى بحق النقض ، بأن يجتهدوا أمام النصوص ، فقالت هذه المحاولة بأن من حق هؤلاء الذين نصبوا العداء لعلي الاجتهاد في مقابل النص ، وهم معذورون وإن أخطأوا (3) .
ولم يبق لهذا الحديث بعد ذلك أي معنى ، لأن من أحب علياً ومن أبغضه واحد من حديث التكليف ، مادام باب الاجتهاد مقابل النص مفتوحاً .

ثانياً : حديث الدار :
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا» (4) .
وحاولت كثير من الكتب الحديثية مصادرة هذا المعنى بعدم نقله ، ولكن رفضت كتب التاريخ ذلك وأبرزته بأجلى صوره ، ولما كان لسان الحديث آبياً عن التأويل القسري وجهت أصابع الاتهام إلى عبد الغفار بن القاسم الواقع في سنده ، حيث اتهمه

(1) مسند أحمد : ج 1 ، ح 642 و 672 و 953 و 964 ؛ سنن النسائي : كتاب الخصائص ، ح 8542 ؛ البداية والنهاية : ج 5 ، ص 229 ـ 232 و ج 7 ، ص 383 ـ 385 في عشرين طريقاً .
(2) روح المعاني : ج 6 ، ص 195 ـ 196 .
(3) الفصل في الملل والأهواء والنحل : ج 3 ، ص 291 ـ 292 ؛ الباعث الحثيث : ص 135 .
(4) تاريخ الطبري : ج 2 ، ص 63 ؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 62 ـ 64 ؛ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 461 ؛ تفسير الخازن : ج 3 ، ص 333 .
دفاع عن التشيع 68

ابن كثير بالكذب لأنه شيعي (1) .
والذي يهون الخطب أن ابن حجر قال بحقه : (ذا اعتناء بالعلم وبالرجال ، وقال شعبة : لم أر أحفظ منه) (2) .

ثالثاً : حديث المنزلة :
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي» (3) .
فقالوا : هذا الحديث ورد تطييباً لخاطر الإمام عليه السلام ، وترغيباً له في البقاء بالمدينة ، ولئلا يلتفت إلى مقالة المنافقين ، وقد تناسوا تلك الآية التي نسبت كل أقوال الرسول صلى الله عليه واله وسلم إلى الوحي ، حيث قال تعالى : «إن هو إلا وحى يوحى» (4) .
هذا بعض ما ورد في كتب العامة الحديثية والتاريخية والتفسيرية بشأن تعيين الإمام خليفةً لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فحتى هذا الواضح الذي لا يختلف فيه اثنان ، ولا يتناطح عليه عنزان ، لم يذكره الكاتب ، ولم يناقشه ، والسر الذي يكمن وراء عدم ذكره لهذه النصوص أنه لا يستطيع أن يستغفل القارئ بتلك التأويلات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، فاكتفى بالعبارة المتقدمة : (بالرغم مما يذكره الإماميون من نصوص حول تعيين النبي صلى الله عليه واله وسلم للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كخليفة من بعده) ، متناسياً ما ورد من نصوص في كتب العامة الحديثية والتأريخية والتفسيرية ، التي هي كالشمس الطالعة في وضح النهار على إمامة علي عليه السلام .

الخطأ الثاني : ربط في جزئه الثالث القضايا الفقهية مثل ولاية الفقيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود ، والجهاد ، والخمس ، وصلاة الجمعة ـ ربطها ـ بالغيبة ، وجعل اختلاف العلماء في ذلك من الآثار السلبية لنظرية الغيبة ، كما

(1) ابن كثير ، البداية والنهاية : ج 3 ، ص 53 .
(2) ابن حجر ، لسان الميزان : ج 4 ، ص 42 ـ 43 .
(3) مسند أحمد : ج 1 ، ح 1550 ؛ صحيح البخاري : باب مناقب علي ، ح 3503 ؛ صحيح مسلم فضائل علي ، ح 2404 ؛ مصنف ابن أبي شيبة : ج 7 ، ص 496 / 11 ـ 15 .
(4) النجم : آية 4 .
دفاع عن التشيع 69

صرح هو بذلك (1) ، علماً إن هذه الأمور الفقهية قد اختلف فيها فقهاء السنة ، وهم لا يؤمنون بغيبة المهدي الذي هو الحجة بن الحسن العسكري .
يقول القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء :
وأما الإمامة في صلاة الجمعة ، فقد اختلف الفقهاء في وجوب تقليدها ، فذهب أبو حنيفة وأهل العراق إلى أنها من الولايات الواجبة ، وأن صلاة الجمعة لا تصح إلا بحضور السلطان او من يستنيبه فيها ، وذهب الشافعي (رضي الله عنه) وفقهاء الحجاز إلى أن التقليد فيها ندب ، وأن حضور السلطان ليس شرطاً فيها . . . ويجوز أن يكون الإمام فيها عبداً وإن لم تنعقد ولايته (2) .
ويقول مغنية متحدثاً عن صلاة الجمعة : (واختلفوا هل يشترط في وجوبها وجود السلطان أو من يستنيبه لها أو أنها واجبة على كل حال) .
وقال الحنفية والإمامية : (يشترط وجود السلطان أو نائبه ، ويسقط الوجوب مع عدم وجود أحدهما ، واشترط الإمامية عدالة السلطان ، وإلا كان وجوده كعدمه ، واكتفى الحنفية بوجود السلطان ولو غير العادل) .
ولم يعتبر الشافعية والمالكية والحنابلة وجود السلطان ، وقال كثير من الإمامية : (إذا لم يوجد السلطان أو نائبه ، ووجد فقيه عادل يخير بينها وبين الظهر مع ترجيح الجمعة) (3) .
وقد اختلفوا في مسألة الخمس ، فمنهم من أسقط سهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بموته ، وهم الحنفية ، وأما المالكية فقالوا يرجع أمر الخمس الى الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة .
وقالت الشافعية والحنبلية : (تقسم غنيمة الخمس إلى خمسة أسهم ، واحد منها سهم الرسول ، ويصرف على مصالح المسلمين ، وواحد يعطى لذوي القربى ، وهم من

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 271 .
(2) الأحكام السلطانية : ص 134 .
(3) الفقه على المذاهب الخمسة : ص 120 .
دفاع عن التشيع 70

انتسب إلى هاشم بالأبوة من غير فرق بين الأغنياء والفقراء ، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل ، سواء كانوا من بني هاشم أم من غيرهم) .
وقالت الإمامية : (إن سهم الله وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوض أمرها إلى الإمام أو نائبه يضعها في مصالح المسلمين ، والأسهم الثلاثة الباقية تعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ولا يشاركهم فيها غيرهم) (1) .
وأما مسألة الإمامة والولاية فقد اختلف فيها السنة وفي كيفية انعقادها ، وفي شروطها ، وشروط الإمام ، وكيفية الاختيار (2) .
فكل هذه المسائل اختلف فيها أهل السنة مع عدم إيمانهم بغيبة الإمام الثاني عشر ، لأنها من المسائل الفقهية التي لا علاقة لها بوجود غائب أم لا ، مرد الاختلاف فيها إلى دليلية الدليل شرعاً عند واحد دون غيره ، أو الاختلاف في حصول الجزم والتصديق ببعض دون آخر او الاختلاف في الاذهان في الحدة والذكاء ، وسرعة الانتقال إلى المطالب وبطؤه من الأدلة الثابتة كالحجية المقررة (3) .
وراح الكاتب في هذه البحوث الفقهية التي لا يحق لأحد الخوض فيها ماعدا الفقهاء والعلماء ، راح يخلط بين الجهاد الابتدائي والجهاد للدفاع عن بيضة الإسلام الذي قال عنه الشهيد الثاني : (أما الجهاد الذي يخشى فيه على بيضة الإسلام يجب بغير إذن الإمام أو نائبه) (4) .
ولم ينقل الكاتب الصورة بأمانة للقارئ حول موقف الشيعة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حيث يقول الشهيد الأول فيهما :
(وهما واجبان عقلاً ونقلاً على الكفاية . . . ويجوز للفقهاء حال الغيبة إقامة الحدود

(1) الفقه على المذاهب الخمسة : ج 1 ـ 2 ، ص 188 .
(2) الأحكام السلطانية : ص 6 ـ 21 .
(3) تاريخ حصر الاجتهاد : ص 80 .
(4) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : ج 2 ، ص 379 ـ 381 .
دفاع عن التشيع 71

مع الأمن ، والحكم بين الناس مع اتصافهم بصفات المفتي . . .) (1) .
وهذه البحوث لا يحق لأي أحد أي يدلي بها دلوه إلا إذا كان فقيهاً مجتهداً معلوماً طريقة إلى الفقاهة .

الخطأ الثالث :
وبعد أن عجز الكاتب من إيجاد أي ثغرة عند الإمامية ، راح يبحث عن سبب للغيبة بعد أن نفى إمامة المهدي (عج) (2) .
وهذا المنهج عليل ، لأن البحث عن سبب غيبة الإمام بعد نفي أمامته لا معنى له .
يقول الشيخ الطوسي : (ذلك لأن الكلام في سبب غيبة الإمام فرع على ثبوت إمامته ، فأما قبل ثبوتها فلا وجه للكلام في سبب الغيبة) (3) .
فلا بد أن نبحث أولاً إمامة المهدي (عج) ثم نبحث عن سبب الغيبة ، فإذا لم يكن إمام فسواء غاب أم لم يغيب لا ربط له بالمسألة المبحوث عنها .
وأثبت الشيعة بالأدلة العقلية والنقلية إمامة الإمام الثاني عشر ، وتجاهل الكاتب ولم يذكر تلك الأدلة والروايات الصحيحة ـ التي سنذكرها فيما بعد ـ ، بل اكتفى بالعبارات الإعلامية والشعارات الخالية من التوثيق ، والشيعة أثبتوا ذلك قبل أن يلجأوا إلى إثبات سبب غيبته ، لأن في الإثبات الأول استدلالاً لا يحتمل الاشتباه والغموض ، وإمكان التأويل . أما سبب الغيبة والعلة النهائية فيها فقد يخالطها الشك والغموض والتأويل من قبل من لا دين له ، وممن يعتمد على المنهج الحسي في إثبات الحقائق ويهمل المنهج الغيبي الذي صرح به القرآن مراراً وتكراراً .
يقول الشيخ الطوسي : (وإنما رجحنا الكلام في إمامته عليه السلام على الكلام في غيبته ، لأن الكلام في إمامته مبني على امور عقلية لا يدخلها الاحتمال ، وسبب الغيبة ربما غمض واشتبه ، فصار الكلام في الواضح الجلي أولى من الكلام في المشتبه الغامض ، كما فعلنا مع المخالفين للملة ، فرجحنا الكلام في نبوة نبينا صلى الله عليه واله وسلم على الكلام على ادعائهم

(1) اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية : ص 84 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 241 ـ 246 .
(3) الغيبة للطوسي : ص 59 .
دفاع عن التشيع 72

تأبيد شرعهم لظهور ذلك وغموض هذا ، وهذا بعينه موجود هاهنا) (1) .
فبينما تتابع الشيعة وفقهاؤها البحوث الدقيقة التي لا تحتمل التأويل ، غير خائفين من نتائجها للقطع بعقيدتهم ، يتابع الكاتب وغيره منهجاً ملتوياً غامضاً ، يعومون المسائل خلاله ، ويشوشون أذهان القراء التي لم تسمح لهم الفرصة للاطلاع على التراث الشيعي .
وعندما نفى الكاتب إمامة الامام المهدي بالتزوير والتحريف للحقائق ، ونفى أي سبب للغيبة بنفس الأسلوب ، راح يبحث عن نظرية الخوف ، والتي نفى سببها من خلال إيجاد الموادعة بين البيتين العباسي والعلوي .
وهنا تخبط الكاتب تخبطاً عجيباً ، وضاق خناقه ، وأطلق شعاراً يقول : (لقد زال الخوف اليوم) (2) .
فلماذا لا يظهر المهدي ، وكأنه سلم بالخوف في تلك الحقبة الزمنية ، وتراجع عن الوداعة والسلام بين العباسيين . وهذا هو منهج الغريق ، وسنبين للكاتب بالأدلة القاطعة وضع العلاقة بين العباسيين والعلويين ، أضف إلى ذلك أن الخوف هو أحد الحكم التي غاب الإمام لأجلها .

استغفال القارئ

حاول أحمد الكاتب أن يستغفل ذهن القارئ ، حيث ذكر رواية نقلها من كتاب الشافي للسيد المرتضى ، تقول تلك الرواية : إن علي بن أبي طالب خاطب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حول الخلافة هو والعباس بن عبد المطلب ، فقالوا له : يا رسول الله استخلف علينا ، فقال : «لا ، إني أخاف أن تتفرقوا عنه كما تفرقت بنو اسرائيل عن هارون ، ولكن إن يعلم الله في قلوبكم خيراً اختار لكم» (3) .

(1) الغيبة للطوسي : ص 59 ـ 60 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 246 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 19 .
دفاع عن التشيع 73

وعمدة استدلال الكاتب هنا : إن هذه الرواية التي تدل على الشورى ذكرت في كتب الشيعة ، ويقصد من كتب الشيعة ـ كما أشار في الهامش ـ كتاب الشافي للسيد المرتضى ، ولم يشر إلى منهج السيد المرتضى في كتابه الشافي الذي هو رد على الشبهات التي أثارها القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني ، فيقوم السيد المرتضي بعرض الشبهة ثم يشرع بالرد عليها ، وواحدة من تلك الشبهات التي أثارها القاضي عبد الجبار هذه الرواية ، التي ذكرها السيد للرد عليها ، فاقتنص الكاتب الرواية من كتاب الشافي وترك الرد عليها لنزاهته في البحث العلمي ! وإليك رد السيد المرتضي :
قال السيد المرتضى : يقال له ـ أي للقاضي عبد الجبار المعتزلي ـ : أما سؤال العباس (رض) عن بيان الأمر من بعده فهو خبر واحد غير مقطوع عليه ، ومذهبنا في أخبار الآحاد ، التي لا تكون متضمنة لما يعترض على الأدلة والأخبار المتواترة المقطوع عليها ، معروف ، فكيف بما يعترض بما ذكرناه من أخبار الآحاد ؟ فمن جعل هذا الخبر المروي عن العباس دافعاً لما تذهب إليه الشيعة من النص الذي قد دللنا على صحته ، وبينا استفاضة الرواية به ، فقد أبعد ، على أن الخبر إذا سلمناه وصحت الرواية به غير دافع للنص ، ولا مناف له ، لأن سؤاله (رحمه الله) يحتمل أن يكون عن حصول الأمر لهم وثبوته في أيديهم ، لا عن استحقاقه ووجوبه ، يجري ذلك مجرى رجل نحل بعض أقاربه نحلاً وأفرده بعطية بعد وفاته ، ثم حضرته الوفاة ، فقد يجوز لصاحب النحلة أن يقول له : أترى ما نحلتنيه وأفردتني به يحصل لي من بعدك ، ويصير إلى يدي ، أم يحال بيني وبينه ويمنع من وصوله إلي ورثتك ؟ ولا يكون هذا السؤال دليلاً على شكه في الاستحقاق ، بل يكون دالاً على شكه في حصول الشيء الموهوب له إلى قبضته . والذي يبين صحة تأويلنا وبطلان ما توهموه قول النبي صلى الله عليه واله وسلم في جواب العباس على ما وردت به الرواية : «إنكم المقهورون» ، وفي رواية اخرى : «إنكم المظلومون» (1) .

(1) الشافي في الإمامة : ج 2 ، ص 152 ـ 153 .
دفاع عن التشيع 74

الاعتماد على رواية الضعفاء

خالف الكاتب المنهج العلمي في قبول الرواية وردها ، وراح ـ كالقصاصين ـ يسرد الروايات ، من دون بحث وتحقيق ، فنقل رواية تقول : إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عرض على العباس بن عبد المطلب بقوله : «يا عم النبي محمد ، تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته» ، فرفض العباس وقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، إني شيخ كبير ، كثير العيال ، قليل المال ، من يطيقك وأنت تباري الريح ، فعرضها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على العباس مرة اخرى ، وعاد العباس مقالته ، ثم عرضها على علي عليه السلام فقبلها .
وقال بعدها : (إنها وصية عادية شخصية آنية ، لا علاقة لها بالسياسة والإمامة والخلافة الدينية) (1) .
وجعل الكاتب هذه الرواية ركناً لنفي الإمامة الإلهية ، ولكنه تناسى أن الشيعة لا تعتمد على هذه الرواية لإثبات الخلافة السياسية للإمام علي عليه السلام مطلقاً ، ولم نجد في كتبهم ذلك ، بل تعتمد على ما جاء بطريق لا يقبل الشك ، أمثال حديث الدار ، وحديث المنزلة ، وحديث الغدير ، والعشرات من هذه الأحاديث ، وسر عدم استدلال الشيعة بهذه الرواية أن في سندها سهل بن زياد الذي ضعفه النجاشي (2) ، وقال عنه الطوسي : (ضعيف جداً عند نقاد الأخبار) (3) .
فعرض الكاتب هذه الرواية مجردة عن السند ، خوفاً من اطلاع القراء عليه ، والحكم عليها قبل قراءتها .

لماذا لم يذكر أحمد الكاتب الرواية ؟

يقول : (هناك وصية أخرى ، ينقلها الشيخ المفيد في بعض كتبه عن الإمام أمير

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 19 ـ 20 .
(2) خلاصة الأقوال : ص 356 ـ 357 ، ر 1411 .
(3) الاستبصار : ج 3 ، ص 267 ، ح 935 .
دفاع عن التشيع 75

المؤمنين عليه السلام ، ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد أوصى بها إليه قبل وفاته ، وهي أيضاً وصية أخلاقية روحية عامة ، وتتعلق في الوقوف والصدقات) (1) .

يلاحظ على ذلك
1 ـ لم يرو الشيخ المفيد في (المجلس رقم 21) من كتاب الأمالي ـ الذي اقتبس الكاتب الكلام منه ـ أي رواية عن الإمام علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ولم يوجد أي ذكر لأي وصية جاء في طريقها علي عليه السلام من قبل الرسول صلى الله عليه واله وسلم في المجلس (21) ، نعم هذا المعنى جاءعن جابر ، عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كما سنوضحه ، فلقد وردت في المجلس (21) سبع روايات :
الأولى : عن أبي حمزة الثمالي رحمه الله ، عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي عليه السلام قال : سمعته . . . .
الثانية : عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : . . . .
الثالثة : عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فقلت : يا رسول الله . . . .
الرابعة : عن أبي ذر الغفاري رحمه الله قال : رأيت رسول الله . . . .
الخامسة : عن عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه قال . . . سمعت المقداد بن الأسود يقول لعبد الرحمن بن عوف . . . .
السادسة : عن عبد الملك بن عمير اللخمي ، قال : قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية . . .
السابعة : عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم . . .
فهذه سبع روايات لم نجد فيها ما يقوله الكاتب بأن هناك وصية عن أمير المؤمنين ، ويقول ـ أي أمير المؤمنين عليه السلام ـ إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد أوصى بها إليه قبل وفاته .
2 ـ إن في المجلس (21) في الرواية الثالثة ، أن جابر بن عبد الله الأنصاري سأل رسول الله : يا رسول الله ، من وصيك ؟ فأجابه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد ما أمسك عنه ، قال

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 20 .
دفاع عن التشيع 76

له : «أتاني جبرئيل فقال : يا محمد ، إن ربك [يقرئك السلام] ويقول لك : إن علي بن أبي طالب وصيك وخليفتك على أهلك وامتك» (1) .
ويسأل جابر عن نتيجة من لم يؤمن بهذا ؟ فأجابه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فقال : «نعم ، يا جابر ، ما وضع هذا الموضع ليتابع عليه ، فمن تابعه كان معي غداً ، ومن خالفه لم يرد علي الحوض أبداً» (2) .
3 ـ إن الوصية التي تحدث عنها الكاتب وجدناها في المجلس (22) ، ولكنه حذف منها قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم لعلي : «وأنت الإمام لأمتي ، والقائم بالقسط في رعيتي ، وأنت وليي ، ووليي ولي الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله» (3) .
فهذه الفقرة لم يذكرها الكاتب بل اكتفى بالقول : (هناك وصية ينقلها الشيخ المفيد . . . وهي أيضاً وصية أخلاقية روحية عامة) (4) ، فأين النزاهة العلمية باقتباس الروايات ؟! وأين الاحترام الذي يكنه الكاتب لذهن القارئ ؟!

بثلاث روايات عليلة نفى الإمامة وأقام الشورى

اكتفى الكاتب بثلاث روايات فقط ليقول بعدم وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للإمام علي عليه السلام بالخلافة والإمامة ، وترك الأمر شورى (5) . فكان عمدة استدلاله في الاولى أنها ذكرت في كتب الشيعة ، والمقصود من كتب الشيعة كتاب الشافي للسيد المرتضى ، ولم يذكر أن السيد المرتضى ذكرها ليرد على القاضي عبد الجبار المعتزلي الذي استدل بها .
وأما الرواية الثانية التي اعتمد عليها الكاتب ، فقد حذف الكاتب سندها ولم

(1) الأمالي : ص 167 ـ 168 ، باب 7 ، المجلس 21 .
(2) الأمالي : ص 167 ـ 168 ، باب 7 ، المجلس 21 .
(3) الأمالي : ص 174، المجلس 22 ، ح 4 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 20 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 20 .
دفاع عن التشيع 77

يتطرق إليه ، لأن فيه سهل بن زياد الذي ضعفه النجاشي ، وقال عنه الطوسي : (ضعيف جداً عند نقاد الأخبار) (1) .
وأما الثالثة ، فقد حذف منها قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام : «وأنت الإمام لأمتي ، والقائم بالقسط في رعيتي» (2) .
وبهذه الروايات العليلة خرج الكاتب بنتيجة تقول : إن الرسول صلى الله عليه واله وسلم قد ترك الأمر شورى (3) .
وبالرغم من ذلك كله نتنازل للكاتب جدلاً ، ونسلم معه بما ذكر ، ولكن هل من المعقول أن يترك تراث ضخم قائم على النص والوصية لأجل ثلاث روايات فقط ، فلم يقنع الكاتب حتى نفسه بذلك فراح يجند الشواهد التي كان يعتقد أنها تؤيد رواياته الثلاث ، فلوى أعناقها ليؤكد ذلك التأييد ، فأول تلك الشواهد التي ذكرها هو إجحام أمير المؤمنين عليه السلام عن العرض الذي قدمه العباس إليه عندما قال له : (امدد يدك ابايعك) .
يقول الكاتب : (بالرغم من إلحاح العباس بن عبد المطلب عليه بذلك ، حيث قال له : امدد يدك ابايعك وآتيك بهذا الشيخ من قريش ( يعني أبا سفيان) ، فيقال : إن عم رسول الله بايع ابن عمه ، فلا يختلف عليك من قريش أحد ، والناس تبع قريش ، فرفض الإمام علي عليه السلام ذلك) (4) .
ففسر امتناع الإمام عن قبول البيعة إيماناً منه بالشورى ، ليؤكد نظريته التي استخرجها من ثلاث روايات فقط .
ونحن نشاطر الكاتب هذا الفهم لولا جواب الإمام للعباس الذي حذفه الكاتب ولم يشر إليه ، يقول الراوي : بعدما عرض العباس على الامام ذلك أجابه الإمام بقوله :

(1) الاستبصار : ج 3 ، ص 267 ، ح 935 .
(2) الأمالي : ص 74 ، المجلس 22 ، ح 4 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 20 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 20 .
دفاع عن التشيع 78

«أو منهم من ينكر حقنا ويستبد علينا» (1) .
فهذا الجواب يوضح لنا أن الخلافة ليست بيعة ، حتى يوافق الإمام على ذلك العرض ، وإنما هي حق من الحقوق يؤخذ ولا يعطى ، فحذف الكاتب هذه العبارة التي تفسر لنا عقلية الصحابة الذين لا يستطيعون أن ينكروا حقه في الإمامة والخلافة ، إلا أن يقوموا بانقلاب ـ كما نسميه اليوم ـ على كل ما هو سائد لدى القوم . فحذف الكاتب تلك العبارة ليزور الحقائق ويشوش ذهن القارئ .
ولم يقف عند هذا الحد ، بل جاء بما هو أسوأ من ذلك ، جاء بالمعونة التي قدمها أبو سفيان للإمام علي عليه السلام عندما قال له : (ابسط يدك ابايعك فوالله لأملأها على أبي فصيل خيلاً ورجلاً) ، وجعل من رفض الإمام علي عليه السلام دليلاً على إيمانه بالشورى (2) ، ولكنه عاد من جديد وحذف جواب الإمام «ويحك يا أبا سفيان ، هذه من دواهيك» .
وعجباً لرجل يأتي في القرن العشرين ، ويستدل بعروض أبي سفيان بعدما عرف المؤلف والمخالف من هو أبو سفيان ، ولماذا عرض ذلك على الإمام ؟ وما هو قصده ؟ وهل آل الأمر بعلي بن أبي طالب أن ينتصر لدين الله بعدو الله أبي سفيان !
ولعل الكاتب استدل على إيمان الإمام علي عليه السلام بالشورى من عبارة اخرى موضوعة ذكرت في الرواية ، وهي : «ويحك يا أبا سفيان ، هذه من دواهيك ، وقد اجتمع الناس على أبي بكر» (3) .
فهذا الاجتماع المزعوم لم يؤيده عمر بن الخطاب الذي وصف لنا أجواء السقيفة بقوله : (كثر اللغط وارتفعت الأصوات) (4) ، فضلاً عن أمير المؤمنين الذي لا يملك اجتماع الناس على الخلافة أي مساحة في حساباته ، فهو يقول في هذا المجال : «لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه واله وسلم من هذه الأمة أحد ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم

(1) نهج البلاغة : ج 1 ، ص 160 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 20 ـ 21 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 21 .
(4) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج 14 ، ص 111 ، طبعة دار الفكر .
دفاع عن التشيع 79

أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة» (1) .
ولذا ناشد أمير المؤمنين عليه السلام كل المسلمين عندما قال : «انشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، لما قام وشهد» ، فقام اثنا عشر بدرياً فقالوا : (نشهد إنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول يوم غدير خم . . . إلخ) (2) .
إذن ، الإمامة عند أمير المؤمنين عليه السلام منصب إلهي ، مجعول من قبله تعالى ، كما ورد في الذكر الحكيم : «إني جاعلك للناس إماماً» ، وهذا ما أثبته ابن عباس لعمر عندما قال له عمر : (إن القوم كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة) .
فأجابه ابن عباس : (وأما قولك : إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة ، فإن الله عزوجل وصف قوماً بالكراهية فقال : «ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم» (3) ) ، فقد جعل ابن عباس مسألة الإمامة من المسائل المنزلة من الله تعالى ، لا من عطايا البشر حتى يجتمعوا عليها على فرض تحقق ذلك الاجتماع .
وتحدث الداوودي عن بيعة أبي بكر ـ شارحاً قول عمر ـ : (كانت فلتة) : (يعني وقعت من غير مشورة) (4) .
بهذه الشواهد وأمثالها استدل الكاتب على الشورى متناسياً أن الاجتماع الذي يتحدث عنه قتل سعد بن عبادة لأنه لم يبايع ، ونسب قتله إلى الجن ، ولكن هذه الكذبة إذا انطلت على بعض ، لم تنطل على المفكرين ، أمثال طه حسين الذي عزا مقتل سعد بن عبادة إلى السياسة (5) .

(1) نهج البلاغة : الخطبة 2 ، ص 25 .
(2) مسند أحمد : ج 1 ، ح 642 و 672 ؛ البداية والنهاية : ج 5 ، ص 229 ـ 232 ؛ سنن الترمذي : ج 5 ، ح 3713 ؛ سنن ابن ماجة : ج 1 ، ح 116 و 121 .
(3) تاريخ الطبري : ج 3 ، ص 289 .
(4) فتح الباري : ج 14 ، ص 117 ، دار الفكر .
(5) طه حسين ، تاريخ الأدب العربي : ج 1 ، ص 146 .
دفاع عن التشيع 80


وأخيراً ، لماذا لم يبادر الإمام علي عليه السلام إلى بيعة أبي بكر ، ومتابعة اجتماع الناس المزعوم ؟ ولماذا راح يناشد الناس عن حقه المغتصب ؟ فلو كان يؤمن بالشورى فكان عليه أن يبادر للبيعة ، ولا يتأفف هنا وهناك ، ولا يقول : «فيا لله وللشورى» (1) ، وهل يؤمن بالشورى من يقول : «أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً ؟ . . . . إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم» (2) ، وكذلك قال محتجاً على البيعة : «احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة» (3) .
اذن ، ما اعتمد عليه الكاتب من الروايات الثلاث العليلة ، ومن الشواهد المريضة ، لا ينطلي على القارئ ، فضلاً عن الباحث والمحقق .

الكذب على الصحابة

يقول الكاتب : (إن الصحابة لم يفهموا من حديث الغدير أو غيره من الأحاديث معنى النص والتعيين بالخلافة ، ولذلك اختاروا طريق الشورى وبايعوا أبابكر) (4) .
ولنسأل الكاتب : أي قسم من أقسام الصحابة تقصد هنا ؛ لأن الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انقسموا إلى قسمين : الأول ذهب إلى السقيفة ، والقسم الثاني امتنع عن السقيفة .
وبلاإشكال لا يستطيع الكاتب أن يقول : كلاهما المقصود ، لأن الممتنعين لم نطلع على نواياهم لنعرف سبب امتناعهم ، هل لأنهم لم يفهموا من كلام الرسول صلى الله عليه واله وسلم تعيين علي وتنصيبه ، ولم يرغبوا في الدخول في هذه المعمعة السياسية ، أم لا ، امتنعوا لأنهم يقرون ويعترفون بأن الرسول نصب أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا الذي يحدث انقلاب

(1) نهج البلاغة : الخطبة 3 ، ص 28 .
(2) نهج البلاغة : الخطبة 144 ، ص 263 .
(3) نهج البلاغة : الخطبة 67 ، ص 102 ـ 103 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 22 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي