دفاع عن التشيع 81

على ما وضعه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لهم .
وتحديد أي الطرفين متروك لهم في أقوالهم ، وسنبين تحت عنوان (النص أم الشورى في فكر الصحابة) آراء هذا القسم وأفكارهم ، وسيتضح أنها قائمة على أساس النص والوصية السياسية لعلي عليه السلام .
إذن ، الكاتب يقصد القسم الأول ، اولئك الذين ذهبوا إلى السقيفة ، فلو أثبتنا للكاتب ، أن رأس اولئك عمر بن الخطاب لا يعترف بمبدأ الشورى ، بل يعترف بمبدأ النص ، ويصرح بذلك ، فلا يبقى له كلام في هذا المجال .
أما متى اعترف عمر بمبدأ النص ؟ ولماذا لم يعمل فيه ؟ كل ذلك تطالعنا به الرواية التاريخية المنقولة ، وهي قول عمر لابن عباس : (كيف خلفت ابن عمك ؟ قال ـ يعني ابن عباس ـ : فظننته يعني عبد الله بن جعفر ، فقلت : خلفته مع أترابه . قال : لم أعن ذلك ، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت . قال : خلفته يحتج بالغرب وهو يقرأ القرآن . قال : يا عبد الله ، عليك دماء البدن إن كتمتنيها ، هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة ؟ قال : قلت : نعم . قال : أيزعم أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نص عليه ؟ قال ابن عباس : قلت : وأزيدك ، سألت أبي عما يدعي ـ من نص رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليه بالخلافة ـ فقال : صدق . فقال عمر : كان من رسول الله في أمره ذرو (1) من قول ، لا يثبت حجة ، ولا يقطع عذراً ، ولقد كان يربع (2) في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعته من ذلك) (3) .
واجتهاد عمر هذا بمنع رسول الله من التصريح نابع من قاعدة استنتجها تقول تلك القاعدة على لسان عمر : (إن قريشاً كرهت أن تجتمع فيكم ـ بني هاشم ـ النبوة

(1) الذرو : المكان المرتفع والعلو مطلقاً ، والمعنى أنه كان من رسول الله في أمر علي علو من القول في الثناء عليه ، أي مبالغة .
(2) يريد أن النبي كان في ثنائه على علي بتلك الكلمات البليغة يمتحن الأمة في أنها هل تقبله خليفة أم لا ؟
(3) شرح نهج البلاغة : ج 11 ، باب 223 ، ص 21 .
دفاع عن التشيع 82

والخلافة فتجحفون على الناس) (1) .
إذن ، زعيم الصحابة في السقيفة يعترف بأن النص هو الفكر الإسلامي الأصيل لولا رفض قريش لذلك ، أضف إلى ذلك أقواله المتكررة أمثال : (لو كان سالم حياً لوليته) وكذلك (لو كان أبو عبيدة حياً لوليته) ، كل ذلك يدلنا على أن الشورى بدعة حدثت متأخراً ، وسنتعرف على وقت حدوثها في البحث اللاحق إن شاء الله تعالى .

التزوير بتقطيع الحديث

يقول : (وهناك رواية في كتاب سليم بن قيس الهلالي تكشف عن إيمان الإمام علي بنظرية الشورى ، وحق الأمة في اختيار الإمام ، حيث يقول في رسالة له : الواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أو يقتل . . . أن لا يعملوا عملاً ، ولا يحدثوا حدثاً ، ولا يقدموا يداً ولا رجلاً ، ولا يبدؤوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً ، عالماً ، ورعاً ، عارفاً بالقضاء والسنة) (2) .
والواجب يفرض على كل باحث نزيه يتعامل مع التاريخ أن يحفظ الحقيقة العلمية ، ويدافع من أجلها ، ولا يحاول تشويش ذهن القارئ ظاناً منه عدم الرجوع إلى مصادره المعتمدة ، والتأكد من دقة كلامه ، فمن عاد إلى كتاب سليم بن قيس الهلالي يجد الرواية بهذا الشكل : «والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم او يقتل أن لا يعملوا عملاً ، ولا يحدثوا حدثاً ، ولا يقدموا يداً ولا رجلاً ، ولا يبدؤوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً ، عالماً . إن كانت الخيرة لهم ، وإن كانت الخيرة إلى الله عزوجل وإلى رسوله فإن الله قد كفاهم النظر في ذلك الاختيار ، ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد رضي لهم إماماً ، وأمرهم بطاعته واتباعه» (3) .
فقد حذف الكاتب الترديد الثاني الذي رجحه أمير المؤمنين عليه السلام وقال : «فإن الله

(1) الكامل في التاريخ : ج 3 ، ص 63 ح 64 ؛ تاريخ الطبري : ج 3 ، ص 289 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 23 .
(3) كتاب سليم : ج 2 ، ص 752 ـ 753 ، ح 25 .
دفاع عن التشيع 83

قد كفاهم النظر في ذلك الاختيار ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد رضي لهم إماماً ، وأمرهم بطاعته واتباعه» ، فالرسالة كانت تحمل أمرين اكتفى الكاتب بالأول وحذف الثاني الذي اعتمده أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه وهما :
الأمر الأول : إن كانت الخيرة للناس فعليهم أن يختاروا إماماً عفيفاً . . . إلخ .
الأمر الثاني : إن كانت الخيرة لله ورسوله فإن الله قد كفاهم النظر في ذلك الاختيار ، ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد رضي لهم إماماً وأمرهم بطاعته واتباعه .
ولم يشر الكاتب لا من قريب ولا من بعيد إلى الأمر الثاني ، محاولاً استغفال القارئ وتشويش ذهنه ، بل اعتمد على الأول وجعله ركناً أساسياً في نظريته .
هذا مضافاً إلى أن كتاب سليم بن قيس الهلالي معد لتركيز نظرية الإمامة وتعداد الأئمة وأسمائهم ، فكيف بكتاب يكون هذا منهجه ينقل رواية تخالف منهجه بالمرة ؟!
اضف الى ذلك ، ان الكاتب ضعف كتاب سليم ، وحاول جاهداً أن يتتبع كلمات العلماء في تضعيف كتاب سليم (1) ، وما هذا التتبع الخالي عن الموضوعية إلا لأن كتاب سليم نص على الأئمة عليهم السلام ، وعندما وجد ما توهم أنه ينفعه اعتمد على الكتاب ، وهذا منهج الغريق ، فإنه يتعلق بالقشة لعلها تنفعه .

شواهد عليلة وكذب صريح

حاول الكاتب أن يحشد أكبر عدد من الشواهد كدليل على نظريته الجديدة (الشورى) فاستدل بقول الإمام علي عليه السلام إلى طلحة والزبير : «بايعتماني ثم نكثتما» (2) ، واتخذ من هذا الكلام دليلاً على إيمان الامام بالشورى ؛ لأنه لو كان يؤمن بالنص لاحتج عليهم به .
وهذا من عجيب القول ؛ لأن طلحة والزبير بايعا ثم نكثا ، فكيف يؤمنان بالنص على علي عليه السلام كي يحتج الإمام عليهما به ، واحتجاج الإمام هنا من باب «ألزموهم بما

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 205 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 24 .
دفاع عن التشيع 84

ألزموا به أنفسهم» ، وهذا منهج للإمام عليه السلام كان يتبعه مع خصومه ، حتى مع معاوية عندما قال له : «فإن بيعتي بالمدينة قد لزمتك وأنت بالشام» . وهذه أساليب عرفية في الاحتجاج يتبعها كل إنسان ، فضلاً عن أمير المؤمنين ، أضف إلى ذلك ، أن طلحة والزبير كانا على علم تام بنص رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على أمير المؤمنين عليه السلام ، ولهذا امتنعوا عن بيعة أبي بكر .
وبعد أن أفلس الكاتب من ذلك ، عدل عن مسألة إيمان الإمام علي بالشورى ، وراح يبحث عن طريق آخر ينفي فيه عصمة الإمام ليسوغ لنفسه الخطأ إليه ، فقال : (كان الإمام علي عليه السلام ينظر إلى نفسه كإنسان عادي غير معصوم ، ويطالب الشيعة المسلمين أن ينظروا إليه كذلك . . . ) (1) ، ونقل الكاتب دليلاً لذلك الادعاء ، كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : «إني لست في نفسي بفوق أن اخطئ ولا آمن ذلك من فعلي ، إلا أن يكفيني الله من نفسي ما هو أملك به مني» .
ونسي الكاتب أن الإمام علي عليه السلام هو المربي الأول للإنسانية ، بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اعتماداً على قوله صلى الله عليه واله وسلم : «يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة» فهو يربي الناس على أخلاق التعامل فيما بينهم ، فكيف يكون إنساناً عادياً ـ كما يقول أحمد الكاتب ـ وهو يقول : «ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إلي الطير» ، فهل يوجد إنسان عادي أو غير عادي ـ عبقري مثلاً ـ يقول هذه الكلمة ، ونحن في هذا القرن .
أضف إلى ذلك أنه بناءً على منهج الكاتب يكون الإمام علي عليه السلام قد ارتكب كل الذنوب ، صغيرة وكبيرة ، لأن الإمام هو القائل : «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم ، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم ، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء ، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء . . . » (2) .
فإذا لم تحمل هذه الامور على أن أمير المؤمنين عليه السلام يحاول تربية الناس على أخلاق التعامل فيما بينهم تارة ، وفيما بينهم وبين ربهم اخرى ، يكون أمير المؤمنين عليه السلام

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 24 .
(2) دعاء كميل للإمام علي عليه السلام .
دفاع عن التشيع 85

مرتكباً لكل المعاصي ، وحاشاه من ذلك ، فسيرته الذاتية دلت على أنه أمير المؤمنين بنص من الله تعالى ، وليس بانتخاب أو شورى .
وبعدما أفلس الكاتب من كل ما اعتمد عليه ، وأحس في نفسه أن كل هذا غير كاف لإيهام القارئ وتشويش ذهنه ، راح يكذب على إصحاب الكتب ، وبالخصوص السيد المرتضى ، فقال : (إن السيد المرتضى ينقل رواية يتجلى فيها إيمان الإمام علي بالشورى دستوراً للمسلمين بصورة واضحة ، وذلك في خلافة الإمام الحسن عليه السلام ، ويقول الكاتب نقلاً عن كتاب الشافي : إن المسلمين دخلوا على الإمام علي عليه السلام بعدما ضربه عبد الرحمن بن ملجم ، وطلبوا منه أن يستخلف ابنه الحسن ، فقال : «لا ، وسألوا علياً أن يشير عليهم بأحد فما فعل» (1) .
ويلاحظ على كلامه هذا الذي نسبه إلى الشافي أنه كذب على السيد المرتضى ؛ لأن الشافي هو رد السيد المرتضى على القاضي عبد الجبار المعتزلي ، فيورد السيد المرتضى ما آثاره القاضي ويرده ، فأحمد الكاتب أخذ فقط الرواية التي نقلها السيد المرتضى من المغني ـ كتاب القاضي عبد الجبار ـ ولم يذكر الرد على تلك الرواية من قبل السيد المرتضى ، فأين الأمانة العلمية ؟ وأين النزاهة التي يفترض أن تتصف بها البحوث ؟
يقول السيد المرتضى قدس سره : رداً على تلك الرواية التي ذكرها أحمد الكاتب ونسبها للشافي ، يقول قدس سره : (إن الخبر الذي رواه عن أمير المؤمنين ـ رواه القاضي ـ متضمن لما يكاد يعلم بطلانه ضرورةً . والظاهر من أحوال أمير المؤمنين والمشهور من أقواله وأفعاله جملة وتفصيلاً ، يقتضي أنه كان يقدم بنفسه على أبي بكر وغيره من الصحابة ، وأنه كان لا يعترف لأحدهم بالتقدم عليه) .
وذكر السيد المرتضى قدس سره الأمثلة الكافية على ذلك ، وجعل هذا الخبر ـ الذي ذكره الكاتب ـ شاذاً ، وجعل بإزاءه الأخبار التي ترويها الشيعة من جهات عدة ، وطرق مختلفة ، تضمنت الوصية السياسية من الإمام علي عليه السلام لابنه الحسن حيث أشار إليه واستخلفه ، وأرشد إلى طاعته من بعده ، وهي أكثر من أن تحصى ، فمنها : ما رواه ابو

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 24 .
دفاع عن التشيع 86

الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام : «إن أمير المؤمنين لما أن حضره الذي حضره قال لابنه الحسن عليه السلام : ادن مني حتى أسر إليك ما أسر إلي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وأئتمنك على ما ائتمني عليه» (1) .
وروى حماد بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «أوصى أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام ، وأشهد على وصيته الحسين ومحمداً عليهما السلام ، وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتب والسلاح» (2) .
وأضاف السيد المرتضى : (وأخبار وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام واستخلافه له ظاهرة مشهورة بين الشيعة ) (3) .
فهذا منهج السيد المرتضى الذي حاول الكاتب أن يحرفه عن معناه الحقيقي من خلال نقله الرواية من كتاب الشافي بدون رد السيد عليها .
بالإضافة إلى ذلك ، فإن الرواية لم تذكر في كتب الشيعة أبداً .
وبعد أن أعلن الكاتب إفلاسه من كتب الشيعة راح يبحث في كتب السنة أمثال كتب ابن أبي الدنيا ، صاحب الموسوعة المتعلقة بالامور الروحية الأخلاقية ، ليستدل بشواذ ما نقلوه حتى يدعم نظريته (الشورى) الجديدة ، وذكر رواية ينقلها ابن أبي الدنيا حول عدم نص الإمام علي على ولده الحسن ، وبغض النظر عن القيمة العلمية لكتب ابن أبي الدنيا ، فقد اعتمد على شاهد عليل وترك العشرات من روايات الإشارة والنص على الحسن بن علي عليهما السلام في كتب الشيعة ، فعن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أوصى أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن ، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ، ومحمد وجميع ولده ورؤساء الشيعة وأهل بيته ، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح ، ثم قال لابنه الحسن : يا بني امرني رسول الله ودفع الي كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفع إلى أخيك الحسين . . . ثم أقبل على ابنه الحسن فقال : يا بني أنت ولي

(1) الشافي : ج 3 ، ص 99 ـ 102 .
(2) المصدر نفسه .
(3) الشافي : ج 3 ، ص 199 ـ 102 .
دفاع عن التشيع 87

الأمر وولي الدم ، فإن عفوت فلك ، وإن قتلت فضربة مكان ضربة» (1) .
وبعد كل ذلك راح يكذب على العلماء ، أمثال الشيخ المفيد ، حيث نسب إليه عدم القول بوصية الإمام علي إلى ابنه الحسن عليهما السلام ، ونسب ذلك إلى «الإرشاد» ولم ينقل الكاتب كلام المفيد حول المسألة ، وبمراجعة بسيطة إلى «الإرشاد» نجد أن الشيخ المفيد يقول عندما حضرت الإمام الحسن الوفاة : (ثم وصى عليه السلام إليه ـ إلى الحسين ـ بأهله وولده وتركاته ، وما كان وصى به إليه أمير المؤمنين عليه السلام حين استخلفه وأهله لمقامه ، ودل شيعته على استخلافه ونصبه لهم علماً من بعده) (2) .
فالإمام الحسن عليه السلام كان وصي أبيه ، والحسين عليه السلام وصي أخيه ، وتوجهت لهم الناس ، واشرأبت إليهم الأعناق ، وحوربوا من طغاة زمانهم أشد محاربة ؛ لما يعرفه اولئك الطغاة من موقع لهم عليهم السلام في الدين المحمدي الحنيف .
أضف إلى ذلك عشرات الروايات التي دلت على إمامة الحسن عليه السلام ، والتي آمن بها المفيد والمرتضى والطوسي والكليني والصدوق وغيرهم من أقطاب الفكر الشيعي ، ويكفي القارئ تصفح كتبهم للاطلاع على ذلك .

تحريف الحقائق

يقول : (وتبعاً لمفهوم الأولوية قالت أجيال من الشيعة الأوائل ، وخاصة في القرن الأول الهجري : إن علياً كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لفضله وسابقته . . . ) (3) .
ونسب الكاتب هذا الكلام إلى النوبختي في (فرق الشيعة) ، ولو سلمنا أن هذا الكتاب للنوبختي ، ورجعنا إلى نص النوبختي وجدناه يقول هكذا : (فجميع اصول الفرق كلها الجامعة لها أربع فرق : الشيعة ، والمعتزلة ، والمرجئة ، والخوارج . فأول الفرق الشيعة ، وهم فرقة علي بن أبي طالب عليه السلام المسمون بشيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه واله وسلم ،

(1) الكافي : ج 1 ، ص 358 ـ 309 ، ح 5 .
(2) الإرشاد : ج 2 ، ص 17 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 30 .
دفاع عن التشيع 88

وبعده معروفون بانقطاعهم إليه ، والقول بإمامته ، منهم المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر : جندب بن جنادة ، وعمار بن ياسر) (1) .
فهذا نص النوبختي الذي يؤكد أن الشيعة الأوائل في زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم أو بعده كانوا يقولون بإمامة علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولم يقولوا بمفهوم الأولوية كما يزعم أحمد الكاتب .
ولكن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم افترقت الشيعة إلى ثلاث فرق ، فرقة قالت : الإمام علي عليه السلام إمام مفترض الطاعة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وفرقة قالت : إن علياً عليه السلام أولى الناس بعد رسول الله . . . . (2) .
وهذا كما هو واضح حدث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، والذين قالوا : إن علياً أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يكونوا هم الجيل الأول للشيعة كما شوش أحمد الكاتب أذهان القراء بذلك ، بل صرح النوبختي ـ كما ذكرنا سابقاً ـ بأن الشيعة الأوائل انقطعوا إلى القول بإمامة علي بن أبي طالب عليه السلام ، واستمروا على ذلك حتى آخر حياتهم .

كذب وافتراء

كذب الكاتب على الإمامية من جديد بقوله : (. . . مؤرخي الإمامية لم يستطيعوا إثبات أي نص حول إمامة الأئمة الآخرين ، وخاصة علي بن الحسين . . . ) (3) .
ولا أظن من له أدنى اطلاع بتراث التشيع يصدق هذا الكلام ، لأن الشيعة في موسوعاتهم الحديثية أفردوا أبواباً كاملة تحت عنوان (أبواب النص والإشارة على الأئمة) ابتداءً من أمير المؤمنين وحتى الإمام المهدي (عج) (4) ، وأما إمامة علي بن

(1) فرق الشيعة : ص 36 ـ 37 .
(2) فرق الشيعة : 37 ـ 38 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 67 .
(4) الكافي : أبواب الإشارة والنص على إمامة أمير المؤمنين .
دفاع عن التشيع 89

الحسين عليهما السلام فقد نص عليها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وتسالم عليها المحدثون كحقيقة موضوعية مفروغ منها ، نقلها المسعودي (ت 346) والكليني (ت 329) والصدوق (ت 381) والطوسي (ت 460) والنعماني والمفيد (ت 413) وابن شهر آشوب (ت 588) (1) .
بالإضافة إلى نصوص الإمامة عليه من قبل أبيه الحسين عليه السلام ، والتي أوردها الكافي في (باب الإشارة والنص على علي بن الحسين عليهما السلام) (2) .
وينقل المؤرخ المسعودي : (إن الحسين عندما تزوج ام علي السجاد قال له أمير المؤمنين : «احتفظ بها وأحسن إليها ، فستلد لك خير أهل الأرض بعدك» (3) .
هذا من ناحية النصوص الواردة بحق السجاد عليه السلام .
ومن ناحية اخرى ، أن السجاد عليه السلام جعل نفسه من اولي الأمر الذين وجبت طاعتهم ، فقال : «إن اولي الأمر الذين جعلهم الله عزوجل أئمة للناس وأوجب طاعتهم : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ثم ألحسن ثم الحسين ابنا علي بن أبي طالب ، ثم انتهى الأمر إلينا» (4) .
فهذا كلام السجاد عليه السلام نفسه ، الذي يقول عنه حماد بن زيد بن سعيد الأنصاري : (إنه ـ أي السجاد ـ أفضل هاشمي أدركته) (5) . ويقول الزهري بحقه : (لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين) (6) .

(1) إثبات الوصية : ص 168 ـ 170 ؛ الكافي ؛ ج 1 ، ص 592 ـ 594 ، باب 126 ؛ عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 47 / ح 1 ؛ الغيبة للطوسي : ص 91 ؛ الغيبة للنعماني : ص 59 ؛ الإرشاد : ج 2 ، ص 138 ـ 139 ؛ مناقب ابن شهر آشوب : ج 4 ، ص 143 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 364 .
(3) إثبات الوصية : ص 170 .
(4) كمال الدين : ص 299 ، ح 2 ، باب ما أخبر به سيد العابدين .
(5) تهذيب الكمال : ج 20 ، ص 387 .
(6) الجرح والتعديل : ج 6 ، ص 178 ، رقم 977 .
دفاع عن التشيع 90

فهذا موقع السجاد من ناحية الصدق والكذب ، إلا أن يرفع أحمد الكاتب شعار الكذب بحق السجاد ، فهذا بحث آخر .

تزوير مفضوح

لقد نسب الكاتب إلى أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر البزنطي السكوني الكوفي ـ نسب إليه ـ أنه قد سأل الإمام الرضا ، وأجاب الإمام عن بعض المسائل الفقهية بخلاف ما جاء عن آبائه وأقرباؤه ، وجعل الكاتب من هذه الشبهة دليلاً لتوقف البزنطي عن القول بإمامة الرضا (1) .
ولم يذكر الرواية التي أكدت ذلك ، ولكنه صاغها بكلامه ، ونقف هنا لنكشف للقارئ حقد هذا الرجل ، وطريقته في التزوير والتحريف ، وننقل الرواية بالكامل ليتضح ما قلناه :
عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : كتبت إلى الرضا عليه السلام : إني رجل من أهل الكوفة ، وإنا أهل بيت ندين الله عزوجل بطاعتكم ، وقد أحببت لقاءك لأسألك عن ديني وأشياء جاء بها قوم عنك بحجج يحتجون بها علي فيكم ، وهم الذين يزعمون أن آباك حي في الدنيا لم يمت يقيناً ومما يحتجون به إنهم يقولون : إنا سألناه عن أشياء فأجاب بخلاف ما جاء عن آبائه وأقربائه . . . إلخ (2) .
إذن ، البزنطي يسأل الإمام عن موقفه من اولئك الذين يدعون أن الإمام أجاب عن مسائل ، بخلاف ما أجاب عليها آبائه وأقربائه ، وليس البزنطي هو الذي سأل الإمام تلك المسائل ، كما حرف الكاتب مورد الرواية .
ولننظر إلى جواب الإمام الرضا عليه السلام على رسالة البزنطي هذه ، وهذه الإجابة تشمل اولئك الذين نسبوا للإمام ما قالوه ، وتشمل أيضاً أحمد الكاتب .
يقول البزنطي : فأجابني الإمام فقال : «ولعمري ما يسمع الصم ولا يهدي العمي إلا

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 101 .
(2) قرب الإسناد : ص 348 ـ 349 ، ح 1260 .
دفاع عن التشيع 91

الله «ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون» .
فلقد جعل الله الرجس على الكاتب بتحريفه لهذه الرواية واتهام البزنطي بامور هو بريء منها ، وشوش ذهن القارئ بأكاذيبه وضلالته ، ولم يكتف بإلصاق التهم بأصحاب الإمام الرضا عليه السلام ، فراح يتهم بعضهم الآخر أمثال داود بن كثير الرقي وقال : إنه توقف بالإمام الرضا لرواية حول الكاظم أنه القائم (2) ، ولكنه لم يذكر الرواية ، ولا حتى أي شيء حول داود ، هذا ، والرواية تقول : إن داود سأل الإمام الرضا عليه السلام بأنه قد سمع رواية بأن سابعنا قائمنا ، ولم يفهم معنى القائم ، فهو معنى عام ، كما صرح به أحد الأئمة ، بأن كل إمام هو قائم ، فأجابه الإمام الرضا عليه السلام على مراده (3) .
أضف إلى ذلك ، أن الكاتب لم يكلف نفسه عناء البحث في موقف داود هذا ، فإن الشيخ المفيد عده من خاصة الإمام الكاظم عليه السلام وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعتهم (4) .
ونحن هنا لا نريد أن نعطي الموقف النهائي بحق هذا الرجل ، الذي وثقه الكشي أيضاً باعتراف الكاتب (5) ، بقدر ما نشير إلى ما يجب عمله كمقدمات للبحث العلمي النزيه .
ثم راح يعتمد على الروايات الضعيفة ، فاعتمد على رواية ضعيفة ـ كما يقول السيد الخوئي (6) ، وجعل من عبد الله بن المغيرة واقفياً لم يقل بإمامة الرضا عليه السلام ، مع أن السيد الخوئي بعد بحثه عن الرجل قال : (لم يثبت أن عبد الله بن المغيرة كان مسبوقاً

(1) الأنعام : الآية 125 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 101 .
(3) خاتمة المستدرك : ج 4 ، ص 286 .
(4) نقله عن الإرشاد محمد صادق آل بحر العلوم ، رجال الطوسي : هامش رقم 1 ، ص 190 ، دائر الذخائر .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 101 .
(6) معجم رجال الحديث : ج 10 ، ص 339 .
دفاع عن التشيع 92

بالوقف) (1) .
فيجب على الكاتب التدبر والمراجعة ، فإن في الروايات ما هو ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه . وراح يتهم البعض بتهم مجردة عن التحقيق والبحث ، فاتهم الوشاء بمثل ما اتهم به أصحابه ، ولم يلتفت إلى أن الوشاء نقل رواية عن جده العباس قال : لما حضرته الوفاة قال : اشهدوا علي وليست ساعة الكذب هذه الساعة لسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «والله لا يموت عبد يحب الله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم ويتولى الأئمة فتمسه النار» (2) ، فالوشاء يعتقد بما يروي حول إمامة الأئمة عليهم السلام .
فكل هذا الكذب والدجل والتزوير لم ينفع الكاتب لحد الآن في النيل من الإمامة ومن مصاديقها ومن حملها من أصحاب الأئمة عليهم السلام .
ولم يقف الكاتب عند هذا الحد ، بل أضاف لبعض الروايات كلمات ليحرف معناها ، فقال : (وكان ابنه عبد الله ـ أي ابن الحسن ـ يقول : ليس لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا ، وليس في أحد من أهل البيت إمام مفترض الطاعة من الله) (3) .
فحاول أن يدلس على القارئ ويزور الحقيقة ؛ لأن الرواية لم يكن فيها كلمة (ليس) ، فأضاف هذه الكلمة ليسهل عملية انكار الإمامة الإلهية على لسان عبد الله بن الحسن ، وإليك نص الرواية بالكامل ليتبين زيف الكاتب :
عن علي بن سعيد ، قال : كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام ، وعنده محمد بن عبد الله ابن علي إلى جنبه جالساً ، وفي المجلس عبد الملك بن أعين ومحمد الطيار وشهاب بن عبد ربه ، فقال رجل من أصحابنا : جعلت فداك ، إن عبد الله بن الحسن يقول : (لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا) ، فقال أبو عبد الله عليه السلام ـ بعد كلام ـ : «أما تعجبون . . . » (4) ، إلى آخر الرواية .

(1) المصدر السابق .
(2) معجم رجال الحديث : ج 5 ، ص 34 ، رقم 2960 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 31 .
(4) بصائر الدرجات :ص 153 ، رقم 5 .
دفاع عن التشيع 93

وحتى لو كان هناك ما يشير إلى هذا الإنكار من قبل عبد الله نجد أن السيد الخوئي ذكر رواية حول هذا الرجل وقال بشأنها : (هذه الرواية تدل على أن عبد الله بن الحسن كان قد نصب نفسه للإمامة وكان يفتي بغير ما أنزل الله . . . ) ، وقال عن الكشي : (إن عبد الله بن الحسن هذا كان مرجعاً للزيدية وكان يتصدى للفتيا) (1) .
إذن ، فليس من الغريب أن يدعي هذا الرجل الإمامة لنفسه ، ولكن الغريب أن الكاتب ينفي الإمامة الإلهية بإضافة كلمة (ليس) في الرواية على لسان هذا الرجل ، أضف إلى ذلك أن الرواية خالية من عبارات اخرى أضافها أحمد الكاتب ، والعبارات هي : (وليس في أحد من أهل البيت امام مفترض الطاعة من الله) .
وحاول الكاتب أن يركز فهمه هذا في ذهن القارئ بقطع جواب الإمام الصادق عليه السلام رداً على مزاعم عبد الله هذا ، والذي أكد فيه الإمام الصادق عليه السلام موقعه في الأمة ؛ لما يملك من تراث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وتراث آبائه وأجداده عليهم السلام (2) .
وبعد عمليات التزوير والتحريف والقطع ، خلص إلى نتيجة تقول بعدم وجود إمامة إلهية (3) .

شبهة لا محل لها


أثار الكاتب شبهة نتجت عن عدم معرفته بالمفهوم العام للعصمة التي تقول بها الشيعة ، وتصور أن هذا المفهوم هو نفس المفهوم الذي دأب الأمويون على ترويجه ومطالبة الناس بطاعتهم طاعة عمياء .
والشبهة التي أثارها تقول : (كانت فلسفة العصمة تقوم على مفهوم الإطلاق في الطاعة وولي الأمر ، وعدم جواز امكانية النسبية فيها ، وذلك مثل الرد على الإمام ، ورفض طاعته في المعاصي والمنكرات لو أمر بها ، والأخذ على يده عند ظهور فسقه

(1) معجم رجال الحديث : ج 10 ، ص 161 ـ 162 ، رقم 6794 .
(2) بصائر الدرجات : ص 153 ، رقم 5 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 31 .
دفاع عن التشيع 94

وانحرافه ، وهذا المفهوم . . . . أوقع فلاسفة الشيعة في شبهة التناقض ، بين ضرورة طاعة الله الذي يأمر بطاعة اولي الأمر في الآية ، وبين ضرورة طاعة الحكام بصورة مطلقة حتى في المعاصي والمحرمات) .
ومن هذا نستنتج أن الكاتب لم يفهم معنى العصمة عند الشيعة ، وإلا لما قال هذا الكلام ، لأن العصمة عندهم هي : (عصمتهم ـ الأئمة ـ عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت عمداً أو سهواً) (1) ، وهذا المعنى مأخوذ من النص القرآني«لا ينال عهدي الظالمين» .
والإمامة هي العهد الإلهي كما يقول الرازي (2) ، وصرح به الزمخشري بقوله : (أي من كان ظالماً من ذريتك لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة ، وإنما ينال من كان عادلاً بريئاً من الظلم) (3) .
فمفهوم الإمام المعصوم هو الإمام العادل البريء من الظلم ، صغيراً كان الظلم أو كبيراً ، وهذا هو المراد من «أولى الأمر» الذين أمر الله بطاعتهم .
إذن ، لا يوجد مقتض للتناقض حتى يقع الشيعة فيه ؛ لأن اولئك الذين أمر الله بطاعتهم ليس الحكام والجبابرة حتى توفق الشيعة بين طاعة الله وطاعتهم التي أمر الله بها ، بل اولئك الأئمة المعصومون المطهرون من كل رجس صغيراً كان أو كبيراً ، وعلى أحمد الكاتب أن يوضح كيف يوفق بين طاعة الله في الآية وطاعة اولئك الذين أمر الله بطاعتهم ؛ لأن عنده أن اولي الأمر هم من ينتخبه الشورى ، فلا بد له أن يثبت كيف قرن طاعته بطاعة اولئك إن لم يكونوا معصومين مطهرين .
فالشيعة عندهم الطاعة مطلقة ، لأن الإمام معصوم من كل رجس ، ولهذا قال الشيخ الطوسي : (فإن قيل : فلم أنكرتم أن يكون الاقتداء بالإمام إنما يجب فيما نعلمه حسناً ، فأما ما نعلمه قبيحاً أو نشك في حاله فلا يجب الاقتداء فيه ؟

(1) نهج الحق وكشف الصدق : ص 164 .
(2) تفسير الفخر الرازي : ج 4 ، ص 31 ـ 42 .
(3) الكشاف : ج 1 ، ص 183 .
دفاع عن التشيع 95

قيل له : هذا يسقط معنى الاقتداء جملة ويزيله عن وجهه . . . وللزم أيضاً أن يكون الإمام نفسه مقتدياً برعيته من هذا الوجه ، وفساد ما أدى الى ما ذكرناه ظاهر) (1) .
وكذلك قول الصدوق : (إن الدليل على أن الإمام يجب أن يكون معصوماً هو أنه لو جاز عليه فعل الخطيئة ، فإن وجب الإنكار عليه سقط محله من القلوب فلا يتبع) (2) .
فلا معنى لأن يجعل الكاتب المعصوم هو الحاكم الذي يقع في الخطأ والمعاصي والمنكرات ، فهذا ليس معصوماً حتى يشكل أحمد الكاتب على مبنى الشيعة في ذلك .

صياغة نظرية شيعية من أعداء التشيع

صاغ أحمد الكاتب نظرية شيعية تقول : لم يكن عامة الشيعة يميزون بين أئمة أهل البيت (3) ؛ ليسهل له نفي النص الإلهي .
وحصل الكاتب على هذه النظرية من أقوال سليمان بن جرير ، وأبي الجارود زياد ابن أبي زياد الهمداني الكوفي ، ومن مواقف كثير النواء أبي إسماعيل ، أو كثير بن إسماعيل بن نافع النواء ، والحكم بن عيينة ، وسلمة بن كهيل ، وأبي المقدام ثابت الحداد .
وهؤلاء الذين صاغ أحمد الكاتب من أقوالهم ومواقفهم نظرية شيعية عامة هم من أعداء أئمة أهل البيت ، بل نسب بعضهم الكذب إلى الأئمة ، وإليك أقوالهم :
أما سليمان بن جرير الذي نظر للكذب على أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ـ كما ذكر ذلك النوبختي ـ ونسب الكذب إليهم ، وخصوصاً في البداء والتقية ، وكفره أهل السنة لأنه كفر عثمان بن عفان ، فقد قال هذا متجرئاً على أئمة أهل البيت عليهم السلام : (إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداً ، وهما القول بالبداء وإجازة التقية) (4) .

(1) تلخيص الشافي : ج 1 ، ص 192 .
(2) النكت الإعتقادية : ص 40 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 45 .
(4) فرق الشيعة : ص 76 ـ 77 .
دفاع عن التشيع 96

فكيف تؤخذ نظرية شيعية من رجل نسب الكذب إلى الأئمة ، وكفره أهل السنة لتكفيره عثمان .
أما بالنسبة إلى أبي الجارود ، فيقول أحمد الكاتب : (كان يوالي الإمام الباقر في البداية ، ثم انتقل إلى حزب أخيه زيد بن علي) (1) .
وهذا ليس انتقالاً كما يصوره أحمد الكاتب ؛ لأن زيد بن علي لم يشكل حزباً أمام أخيه الباقر عليه السلام ، وكان زيد على علم بالإمامة .
ولما وجد الكاتب أن زيداً وأنصاره على علم تام بالإمامة ، وأن انضمام أبي الجارود لا يشكل نقطة سلبية على الإمامة ، راح يبحث عن مواقفه وأقواله ، ناسياً البحث العلمي الذي أثبت رجوع أبي الجارود إلى مذهب الحق بعد أن شرق يميناً وشمالاً ؛ لأن الحسن بن محبوب نقل عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء ، فعددت اثنى عشر آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي (2) .
ورواية هكذا خبر تدل على رجوعه عن مذهب الزيدية ، خصوصاً وإن الحسن ابن محبوب الذي روى الخبر عن أبي الجارود ولد قريباً من وفاة الصادق عليه السلام ، فلا محالة ـ كما يقول السيد الخوئي ـ أن تكون هذه الرواية بعد تغيره ، وبعد اعتناقه مذهب الزيدية ـ أي بعد اعتناق مذهب الزيدية عاد وروى هذا الخبر الذي يعتقد بمضمونه ـ بكثير ، فإذا روى أن الأوصياء اثنا عشر ، آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمد ، وأربعة منهم علي ، كان هذا رجوعاً منه إلى الحق ، والله العالم (3) .
فلم يتطرق الكاتب إلى كل تلك البحوث والأقوال ، وراح يجرد النظرية الشيعية من كل الملازمات ، ويستخرجها من أقوال ومواقف سليمان بن جرير الذي عرفت موقفه وقوله ، ومن قول أبي الجارود الذي أرسله إرسال المسلمات بدون بحث

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 45 .
(2) عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 52 ، ح 6 و 7 .
(3) معجم رجال الحديث : ج 7 ، ص 325 ـ 326 .
دفاع عن التشيع 97

وتحقيق .
أما كثير النواء ، فقد تبرأ منه الصادق عليه السلام بقوله : «اللهم إني إليك من كثير النوى أبرأ في الدنيا والآخرة» (1) .
وأما بالنسبة إلى الحكم بن عيينة ـ أو عتيبة ـ فقد قال له الباقر ولسلمة بن كهيل : «شرقا أو غربا ، لن تجدا علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت» (2) .
وأيضاً حكم عليه الباقر عليه السلام وجعله ممن قال الله عزوجل عنهم : «ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين» .
وشمل الإمام الباقر عليه السلام بهذا الحكم سلمة بن كهيل ، وكثير النواء ، وأبا المقدام . . . إلخ .
وأما سلمة بن كهيل واولئك الذين ذكرهم أحمد الكاتب ، فإن الكشي يقول بحقهم ما هذا نصه : (والحسن بن صالح بن حي ، وسالم بن أبي حفصة ، والحكم بن عيينة ، وسلمة بن كهيل ، وأبو المقدام ثابت بن الحداد ، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه السلام ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ، ويثبتون لهما إمامتهما ، ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة . . . إلخ) (3) .
إذن ، لا تصاغ نظرية شيعية عامة من هؤلاء الذين صدرت أحكام اللعن بحقهم من أهل البيت عليهم السلام ، والذين لا يميزون بين إمامة علي وأبي بكر وعمر ، ويثبتون لهم إمامتهم كما يقول الكشي .
ولا أدري لماذا لم يناقش الكاتب أقوال أبي خالد الوالبي ، الذي يقول للسجاد عليه السلام : (فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته على كل مسلم) (4) . ومحمد بن الحنيفة ، الذي يقول : (إن الإمام علي بن الحسين علي وعليك وعلى كل مسلم) (5) مخاطباً أبا

(1) رجال الكشي : ترجمة كثير النوى ، ص 241 ، رقم 440 و 441 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 463 ، باب ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من الأئمة .
(3) معجم رجال الحديث : ج 8 ، ص 14 ، نقلاً عن الكشي في رجاله .
(4) معجم رجال الحديث : ج 14 ، ص 131 .
(5) معجم رجال الحديث : ج 18 ، ص 347 .
دفاع عن التشيع 98

خالد الوالبي .
وأمثال منصور بن حازم ، الذي يقول للصادق عليه السلام : (وأشهد بالله أنك انت الحجة ، وأن طاعتك مفروضة) (1) .
فالنظرية الشيعية تؤخذ من أنصار نفس تلك النظرية ، لا من أعدائها . أضف إلى ذلك ، أن الكاتب يحكم بدون بحث وتحقيق ، فهو يقول : (إن سالم بن أبي حفص الذي كان أول الدعاة إلى أمامة الصادق بعد وفاة أبيه ينضم إلى حركة زيد) (2) .
ونحن لا نناقش مسألة الانضمام إلى حركة زيد ؛ لأن الحركة كانت تعرف الإمامة والإمام ، كما صرح بذلك قائدها زيد الشهيد ، ولكن سالماً هذا ذمه الإمام الباقر عليه السلام بقوله : «ويل سالم ويل سالم ، ما يدري سالم ما منزلة الإمام ، إن منزلة الإمام أعظم مما يذهب إليه سالم والناس أجمعون» (3) .
فالرجل مذموم في زمن الباقر والد الصادق عليهما السلام ، فكيف يكون أول الدعاة إلى إمامة الصادق ، أضف إلى ذلك ، أنه ضال مضل منحرف ، كما عبر عنه السيد الخوئي (4) ، فلا تؤخذ منه نظرية شيعية .
واستنكر الإمام الصادق عليه السلام عليه أقواله وأفعاله وقال : «ما يريد مني سالم» (5) .
فمن هؤلاء وأمثالهم صاغ احمد الكاتب نظريته التي تقول : (لم يكن عامة الشيعة يميزون بين أئمة أهل البيت) .
وأراد من تلك النظرية نتيجة تقول : إن الإمامة ليست من الله . وبعد أن اطلع القارئ على أقوال ومواقف اولئك ، نترك له الحكم على ما كتبه أحمد الكاتب ، ثم راح يشوش على القارئ بقوله : (ويؤيد هذا ـ يؤيد قول الجارودية ـ قول قسم من الشيعة في

(1) الكافي : ج 1 ، ص 244 ـ 245 ، ح 15 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 45 .
(3) معجم رجال الحديث : ج 8 ، ص 15 ـ 16 .
(4) معجم رجال الحديث : ج 8 ، ص 15 ـ 17 .
(5) معجم رجال الحديث : ج 8 ، ص 15 ـ 16 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي