دفاع عن التشيع 99

ذلك الوقت بانقطاع الإمامة بعد الحسين) (1) .
ونسب هذا الكلام إلى النوبختي ، وبعد مراجعة كتاب فرق الشيعة للنوبختي وجدنا أن هؤلاء يسمون بالسرحوبية ، وقال النوبختي : (إن أبا الجارود زياد بن المنذر لقبه سرحوباً ـ وقال ـ : كلهم من الزيدية) (2) .
فلماذا عدهم الكاتب فرقة اخرى مناصرة للجارودية ، فهل أراد أن يكثر السواد ظناً منه أن القارئ غافل عن هكذا تدليس ؟ !

مخالفة نص القرآن الكريم

لقد خالف الكاتب نص القرآن الكريم عندما نفى عقلياً أن ينصب الله تعالى لقيادة المسلمين طفلاً صغيراً ، فقال : (لم يكن يعقل أن ينصب الله تعالى لقيادة المسلمين طفلاً صغيراً) (3) .
وهذا النفي العقلي من قبل الكاتب خالف به نص القرآن الكريم عندما قال متحدثاً على لسان عيسى : «قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا»> (4) .
ويقول الرازي : الجمهور قالوا : (إنه قال هذا الكلام حال صغره) (5) .
فعلى قول الكاتب يكون القرآن قد خالف العقل في تنصيب عيسى نبياً لقيادة الناس وهو طفل صغير .
وقال تعالى : «وآتيناه الحكم صبياً» (6) .
والحكم هنا هو النبوة ، يقول الرازي : (والأقرب حمل الحكم على النبوة لوجهين :

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 46 .
(2) فرق الشيعة : ص 67 ـ 68 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 102 .
(4) سورة مريم : آية 30 .
(5) التفسير الكبير : ج 21 ، ص 182 .
(6) سورة مريم : الآية : 12 .
دفاع عن التشيع 100

الأول : أن الله تعالى ذكر في هذه الآية :«وآتيناه الحكم صبياً » صفات شرفه ومنقبته ، ومعلوم أن النبوة أشرف صفات الإنسان ، فذكرها في معرض المدح أولى من ذكر غيرها ، فوجب أن تكون نبوته مذكورة في هذه الآية ، ولا لفظ يصلح للدلالة على النبوة إلا هذه اللفظة ، فوجب حملها عليها .
الثاني : أن الحكم هو ما يصلح لأن يحكم به على غيره ولغيره على الإطلاق ، وذلك لا يكون إلا بالنبوة .
فإن قيل: كيف يعقل حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا .
قلنا لهذا السائل : إما ان يمنع من خرق العادة أو لا يمنع فإن منع منه فقد سد باب النبوات ، لأن النبوة بناء الأمر فيها على المعجزات ولا معنى لها إلا خرق العادات ، وإن لم يمنع فقد زال هذا الاستبعاد ، فإنه ليس استبعاد صيرورة الصبي عاقلاً أشد من استبعاد انشقاق القمر وانفلاق البحر) .
إذن ، لقد خالف الكاتب نص القرآن عندما قال : (لم يعقل أن ينصب الله طفلاً) . وقصد الكاتب من نفيه العقلي هذا ، نفي إمامة الجواد عليه السلام لأنه صغير ، متناسياً أن الإمامة تجري مجرى النبوات ، فليس منكراً إذن ان تكون إمامة الجواد قبل أن يبلغ الرشد ، إذ يجوز للإمام أن يؤتى الحكم صبياً (1) .
ولا يوجد سبباً لإنكار إمامة الجواد عليه السلام إلا صغر السن كما يقول النوبختي : (إن أبا الحسن الرضا عليه السلام توفي وابنه محمد ابن سبع سنين فاستصبوه واستصغروه ، وقالوا : لا يجوز الإمام إلا بالغاً) (2) .
ومن المعلوم أن اولئك الذين استصغروه ليس كأمثال علي بن جعفر الذي جعل نفسه عبداً للإمام عندما وبخه أصحابه لتعظيمه هذا الصغير وهو شيخ كبير ، فقال لهم : (اسكتوا ، إذا كان الله عزوجل ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة وأهل

(1) الإمامة وأهل البيت : ج 3 ، ص 168 .
(2) فرق الشيعة : ص 97 .
دفاع عن التشيع 101

هذا الفتى ووضعه حيث وضعه أنكر فضله ؟ نعوذ بالله مما تقولون ، بل أنا له عبد) (1) .
فاولئك الذين استصغروه هم عبدة العباسيين الذين دعوا له يحيى بن أكثم ليناظره .
فالمشكلة الرئيسية هي صغر الإمام ، ولكنهم نبذوا الكتاب وراء ظهورهم كما فعل أحمد الكاتب ، ولم يلتفتوا إلى أن عيسى ويحيى اعطيا النبوة صغيرين ، ولهذا رد الإمام الرضا عليه السلام مقالتهم عندما قال : «فقد قام عيسى بالحجة وهو ابن ثلاث سنين» (2) .
وبهذا المنهج دعا الإمام الجواد إلى إمامته عندما قالوا له : إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك ، فقال : «وما ينكرون من ذلك ، وقد قال الله تعالى لنبيه :«قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني» (3) ، فوالله ما اتبعه حينئذ إلا علي وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين» (4) .

عدم توخي الأمانة في النقل من المصادر

اعتمد الكاتب هذا الأسلوب لتشويش ذهن القارئ عمداً ـ وهذه وسيلة العاجز ـ ولم نقل بالعمدية إلا بعد العجز عن تأويل ذلك لتبرئته حتى على مبدأ السبعين محملاً ، فلقد كذب الكاتب على الشيخ الصدوق من خلال نقله لشبهة وردها في كمال الدين ، لأن منهج الصدوق في كمال الدين هو ذكر إشكال الزيدية وغيرهم ، ثم يشرع بالرد . وعادة ما ينقل شبهتين أو ثلاث ثم يشرع بالرد عليها واحدة بعد واحدة ، ولكن الكاتب نقل اعتراض الزيدية على لسان الشيخ الصدوق ، وهذا الاعتراض شمل على اربع اشكالات ، ولم ينقل جواب الصدوق إلا على الإشكال الرابع حتى يشوش ذهن القارئ بذلك ، يقول أحمد الكاتب : (وقد نقل الصدوق اعتراض الشيعة الزيدية على الاثني عشرية وقولهم : إن الرواية التي دلت على أن الأئمة اثنا عشر قول أحدثته الإمامية قريباً

(1) الكافي : ج 1 ، ص 383 ـ 384 ، باب 73 ، ح 12 .
(2) الكافي : باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني عليه السلام .
(3) يوسف : الآية 108 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 447 ، ح 8 .
دفاع عن التشيع 102

وولدوا فيه أحاديث كاذبة ، واستشهادهم على ذلك بتفرق الشيعة بعد وفاة كل إمام إلى عدة فرق ، وعدم معرفتهم للإمام بعد الإمام ، وعن معنى البداء في إسماعيل ومحمد بن علي الذي يتنافى مع وجود القائمة المسبقة بأسماء الأئمة ، ووفاة زرارة دون معرفته بالإمام بعد الصادق ، ثم رد الصدوق على الزيدية فقال : إن الإمامية لم يقولوا إن جميع الشيعة كانوا يعرفون الأئمة الاثنى عشر ، ولم ينكر أن زرارة لم يكن يعرف الحديث ، ولكنه انتبه بعد ذلك إلى منزلة زرارة وعدم إمكانية جهله بأي حديث من هذا القبيل ، وهو أعظم تلامذة الإمام الصادق ، فتراجع وقال : إن زرارة ربما كان يخفي ذلك تقية ، ثم عاد فتراجع مرة اخرى بعد قليل ، وقال : إن الكاظم قد استوهبه من ربه لجهله بالإمام ، لأن الشاك فيه على غير دين الله) (1) .
هذا هو نص الكاتب الذي نقل من كمال الدين للشيخ الصدوق ، وفي هذا النص عدة اعتراضات للزيدية :
الأول : الأئمة اثنا عشر قول أحدثته الإمامية .
الثاني : تفرق الشيعة بعد وفاة كل إمام .
الثالث : معنى البداء في إسماعيل ومحمد .
الرابع : وفاة زرارة من دون معرفة الإمام بعد الصادق .
ولكن للأسف لم ينقل الكاتب سوى رد واحد مزور للشيخ الصدوق على مسألة زرارة ، ونحن سنذكر ردود الشيخ الصدوق على تلك الإشكالات ، ونبين تزوير الكاتب وتحريفه .

رد الشيخ الصدوق على الاعتراض الأول :
نقل الشيخ الصدوق الروايات التي تؤكد أن أصل نظرية الاثنى عشرية هو رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ونقل ذلك من كتب العامة ، وليس من كتب الشيعة فقط ، فعن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه ، إذ قال له شاب : هل عهد إليكم نبيكم صلى الله عليه واله وسلم كم يكون من بعده خليفة ؟ قال : إنك لحدث

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 112 .
دفاع عن التشيع 103

السن ، وإن هذا شيء ما سألني عنه أحد من قبلك ، نعم عهد إلينا نبينا صلى الله عليه واله وسلم أن يكون من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل .
وذكر الشيخ الصدوق طرق هذا الحديث وألفاظه المختلفة من كتب السنة ، ثم قال : (وقد أخرجت طرق هذا الحديث أيضاً ، وبعضهم روى «اثنا عشر أميراً» ، وبعضهم روى «اثنا عشر خليفة» ، فدل بذلك أن الأخبار التي في يد الإمامية عن النبي صلى الله عليه واله وسلم والأئمة عليهم السلام بذكر الأئمة الاثنى عشر أخبار صحيحة (1) .
كل ذلك حذفه الكاتب ، ونقل فقط اشكال الزيدية ، ليشوش ذهن القارئ .

رد الشيخ الصدوق على الاعتراض الثاني :
ورد الشيخ اعتراضهم حول تفرق الشيعة بعد وفاة كل إمام ، والمعترضين هم الزيدية الذين يؤمنون بنص الرسول صلى الله عليه واله وسلم على علي بالإمامة ، فرد عليهم ناقضا : (انكم تقولون ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم استخلف عليا وجعله الامام بعده ، ونص عليه ، وأشار إليه ، وبين أمره وشهره ، فما بال أكثر الأمة ذهبت عنه وتباعدت ) (2) .
وكلام الشيخ نقض على كلامهم ومبناهم ، وإلا فيوجد جواب حلي لهذه الشبهة ، ولكن حتى هذا النقض لم يذكره الكاتب ليجعل من الشيخ الصدوق مسلماً لشبهاتهم .

رد الشيخ الصدوق على الاعتراض الثالث :
ملخص الرد : إنكم قلتم إن الصادق نص على إسماعيل بالإمامة ، فأين هذا الخبر ، ومن رواه ، ومن تلقاه بالقبول ، وتحداهم الصدوق في أن يأتوا بحديث واحد على ذلك ، وقال : إنما هذه حكاية ولدها قوم قالوا بإمامة اسماعيل ، وليس لها أصل ، لأن الخبر بذكر الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام قد رواه الخاص والعام عن النبي والأئمة .
وقال الشيخ الصدوق : (فأما قول الصادق « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل

(1) كمال الدين : ص 74 .
(2) كمال الدين : ص 74 .
دفاع عن التشيع 104

ابني» فإنه يقول : ما ظهر لله امر كما ظهر له في إسماعيل ابني ، إذ اخترمه في حياتي ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي) .
وقد ذكر الصدوق عقيدة الشيعة في البداء ليسد المنافذ على المتصيدين بالماء العكر . فقال : وعندنا من زعم أن الله عزوجل يبدو له في اليوم شيء لم يعلمه أمس فهو كافر والبراءة منه واجبة (1) .
ورد الشيخ الصدوق من قال بإمامة إسماعيل بالنصوص الواردة على الأئمة الاثني عشر ،و غير ذلك ، كل ذلك حذفه الكاتب ليوهم القارئ عدم وجود رد من قبل الصدوق عليه .

رد الشيخ الصدوق على الاعتراض الرابع :
لقد حرف الكاتب الشبهة وجوابها ، وصاغ ذلك بكلمات منمقة كالشعارات البراقة البعيدة عن الحق والحقيقة ، فلقد نسب للشيخ الصدوق أنه لم ينكر عدم معرفة زرارة بحديث الأئمة الاثني عشر (2) ، ولا يعرف الإمام موسى الكاظم .
وبمراجعة بسيطة لكلام الصدوق نجده يقول : (إن هذا كله غرور من القول وزخرف) ، راداً على الزيدية الذين أشكلوا بعدم معرفة زرارة بإمامة الكاظم عليه السلام ، ثم قال : فالصادق عليه السلام لا يجوز أن يقول لزرارة إنه من أحب الناس إليه وهو لا يعرف إمامة موسى بن جعفر (3) .
فحرف الكاتب كلام الشيخ الصدوق ، ونسب اليه انه لا ينكر عدم معرفة زرارة بالائمة الاثني عشر .
وما اتبعه الكاتب ليس جديداً على التشيع وعلمائه حتى ينطلي ببساطة على القارئ المسلم ، أضف إلى ذلك ، أن الشيخ الصدوق قد ضعف الخبر الذي يروي أن زرارة وضع المصحف على صدره ، لأن فيه أحمد بن هلال ، وهو مجروح عند مشايخنا ـ

(1) كمال الدين : ص 75 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 112 .
(3) كمال الدين : ص 82 .
دفاع عن التشيع 105

كما يقول الصدوق ـ وقال أيضاً : حدثنا شيخنا الحسن بن أحمد بن الوليد ، قال : سمعت سعد بن عبد الله يقول : ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا أحمد ابن هلال ، وكانوا يقولون إن ما تفرد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله (1) .
وما ذكره الكاتب بأن الكاظم قد استوهب زرارة من الله ، فهذا حديث ضعيف ، ومن أراد فليرجع إلى كتب الحديث والرجال ليطلع على ذلك .
ونحن قد بحثنا قضية زرارة بما فيه الكفاية ، فراجع .

البناء على أغلاط النساخ

من الامور التي استفاد منها الكاتب ، وجعلها ركناً لنظريته هي الأغلاط التي وقع بها النساخ لبعض الكتب ، أو بعض الروايات ، وستتعرف هنا على أحد الموارد التي طبل لها الكاتب من دون أن يبحث عن الحقيقة ، وهي أن الصادق عليه السلام أشار بصراحة إلى إسماعيل ، وأن الهادي عليه السلام أشار بصراحة أيضاً إلى محمد ، ثم عدلوا عن ذلك ، وصير الصادق عليه السلام الأمر في موسى ، وصير الهادي عليه السلام الأمر في الحسن العسكري ، وكلمة (أشار بصراحة) توقف الباحث ، فلقد نقل الكاتب هذه الإشارة بصراحة من البحار ، والرواية كما يلي :
عن أبي هاشم الجعفري ، قال : كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام وقت وفاة ابنه أبي جعفر ، وقد كان أشار إليه ودل عليه ، وإني لافكر في نفسي وأقول هذه قصة أبي إبراهيم وقصة إسماعيل ، فأقبل علي أبو الحسن عليه السلام ، وقال : «نعم يا أبا هاشم ، بدا لله في أبي جعفر وصير مكانه أبا محمد ، كما بدا له في إسماعيل بعدما دل عليه أبو عبد الله عليه السلام ، ونصبه هو ، كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون ، أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده ما تحتاجون إليه ومعه آل الإمامة والحمد لله» (2) .
واستفاد الكاتب من عبارات ذكرت في الرواية ، والعبارات هي :

(1) كمال الدين : ص 81 .
(2) بحار الأنوار : ج 50 ، ص 241 .
دفاع عن التشيع 106


1 ـ وقد كان أشار إليه ودل عليه .
2 ـ وصير مكانه أبا محمد .
3 ـ بعد ما دل عليه ابوعبد الله ونصبه .
ورواية البحار هذه أخذت من رواية الشيخ الطوسي قدس سره والتي أخطأ النساخ عند نقلها ، وسنذكر رواية الطوسي ، ثم نبين كيفية خطأ النساخ في ذلك .
هذه الرواية نقلها الطوسي في الغيبة بنفس ما ذكر في البحار بلا زيادة أو نقيصة ، حرفاً بحرف (1) ، إذن مصدر الرواية هو الغيبة للشيخ الطوسي ، ولو تعمقنا في التاريخ قليلاً إلى ما قبل الشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 ، أي لو ذهبنا إلى المفيد ، المتوفى سنة 413 ـ قبل الطوسي بـ 47 سنة ـ وإلى رواية الكليني المتوفى سنة 329 ـ قبل الطوسي بـ 131 سنة ـ نجد أن نفس هذه الرواية ، ونفس الطريق وجد عند المفيد وعند الكليني ، فيقطع بأن الطوسي أخذ الرواية من المفيد والكليني ، ولكن ما هي رواية المفيد والكليني ، هل فيها نفس تلك الألفاظ حتى يستفيد منها الكاتب أم لا ؟
يقول المفيد : عن أبي هاشم الجعفري ، قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعدما مضى ابنه أبو جعفر وإني لافكر في نفسي اريد أن أقول : كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كابي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهما السلام ، وإن قصتهما كقصتهما ، إذ كان أبو محمد هو المرجى بعد أبي جعفر عليه السلام ، فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال : «نعم يا أبا هشام ، بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام ، ما لم يكن يعرف له ، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله ، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون ، وأبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده العلم وما يحتاج إليه ، ومعه آلة الإمامة» (2) .
وبنفس هذه الألفاظ حرفاً بحرف نقل الكليني الرواية ، فخلت من تلك العبائر التي استفاد منها الكاتب ، أضف إلى ذلك أنك عرفت معنى البداء ، وهو الكشف للناس

(1) الغيبة للطوسي : ص 55 ـ 56 .
(2) الإرشاد : ج 2 ، ص 319 ؛ الكافي : ج 1 ، ص 388 .
دفاع عن التشيع 107

بقوله «لم يكن يعرف له» ، فعرفها الله لهم بموت محمد ، وكذلك كشف الحال بالنسبة لموسى بموت إسماعيل .
وللأسف الشديد ، نسب الكاتب الرواية بتلك العبائر إلى الطوسي والمفيد والكليني وغيرهم (1). مع أن رواية المفيد والكليني التي هي المصدر خلت من هذه العبائر الي جعلها الكاتب ركناً أساسياً في عدم وجود إمامة إلهية .
ومما قدمنا يظهر كذب الكاتب في النسبة ، وحتى في الغيبة للطوسي ، فبالرغم من نقل تلك العبائر في الغيبة فإنها من أغلاط النساخ ، فالبناء على أغلاط النساخ لا ينتج نظرية مطلقاً .

إنكار المسلمات بدون بحث وتحقيق

أنكر الكاتب مسلمات كثيرة ، من دون بحث وتحقيق ، فبعد إنكار الإمامة الإلهية وإنكار ولادة وامامة محمد بن الحسن العسكري بكلمات إعلامية أكثر من كونها تحقيقية ، جره ذلك إلى إنكار الإمامة العمودية هاملاً كل الأحاديث التي ازدهرت بها كتب الشيعة حول هذا الموضوع ، فلم يشر الى حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بحق الحسين عليه السلام : «أنت سيد ابن سيد أخو سيد ، أنت امام ابن امام أخو امام ، أنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم» (2) . ولم يناقش ذلك تضعيفاً او تأويلاً .
ولم يشر إلى قول الصادق الأمين صلى الله عليه واله وسلم بحق ولده الحسين عليه السلام : «أنت حجة أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم» (3) .
وأهمل قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :«يكون تسعة ائمة بعد الحسين بن علي تاسعهم

«
(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 115 .
(2) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 394 ، باب 94 ، ح 44 .
(3) الخصال : ج 2 ، ص 486 ، باب التسعة ، ح 12 ؛ كمال الدين : ص 250 ، باب 24 ، ح 9 .
دفاع عن التشيع 108

قائمهم» (1) .
ولم يشر إلى عشرات الأحاديث التي تسالم على نقلها محدثو الشيعة وثقاتهم ، ونقلها بعض المنصفين من أهل السنة ، أمثال القندوزي الحنفي والجويني وغيرهم ، والتي أكدت تلك الحقيقة (2) .
أضف إلى ذلك ، أن كثيراً من الفرق التي سقطت في الطريق ، وانحرفت عن جادة الصواب لم تواصل الاعتراف بباقي أئمة البيت العلوي ، وكثيراً منهم لم يخرجوا عن فضاء التسلسل العمودي لأئمتهم كي يحافظوا على هذا الأصل الإسلامي .
ولم يجهد الكاتب نفسه عناء البحث في ذلك ، وما أن علم بتراث الشيعة الضخم المليء بالأحاديث التي نقلها صحابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أمثال جابر بن عبد الله ، وسلمان الفارسي وغيرهم ، والتي تؤكد كون الإمامة عمودية ، عدل عن ذلك وشكك في ولادة الإمام المهدي ، التي نقلت إلينا بأحاديث صحيحة ، مثل قول أبي هاشم الجعفري للإمام العسكري : ألك ولد ؟ فقال : «نعم» .
وهذا الحديث الذي أثبت فيه العسكري الخلف من بعده ، نقله لنا ثقة الإسلام الكليني عن محمد بن يحيى العطار (الثقة) (3) ، عن أحمد بن اسحاق (الثقة) (4) ، عن أبي هاشم الجعفري (الثقة) عن الحسن العسكري .
وغير ذلك من الأحاديث التي امتلأت بها كتب الشيعة ، والتي بوبها محدثوهم وثقاتهم ، ووضعوها في أبواب وأخضعوها لمختلف الدراسات الحديثية والدرائية التي أكدت صحة عقيدتهم ، فلم يستطع الكاتب ولا غيره أن يوجد ثغرة في التراث الشيعي على مر القرون والذي دونه وحفظه ثقات المسلمين كابراً عن كابر .

(1) الكافي : ج 1 ، ص 599 ، باب 126 ، ح 15 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 191 .
(3) رجال النجاشي : ص 353 ، رقم 946 .
(4) خلاصة الأقوال : ص 63 ، رقم 73 .
دفاع عن التشيع 109

تضعيف الحديث ثم الاحتجاج به

من الواضح الجلي أن الباحث إذا اعتقد بضعف حديث لسبب معين ، إما لوضعه أو لجهالة في السند أو ما شابه ذلك ، فإنه لا يحتج له على الخصوم ، لأن منتهى الحجة به خصومة نفسه بعد أن ضعفه ، وقد اتبع أحمد الكاتب هذا الطريق ، فقد نقل حواراً بين زيد الشهيد وبين أخيه الإمام الباقر عليه السلام ، وقال : (فدخل زيد ذات مرة على أخيه الباقر ومعه كتب من اهل الكوفة يدعونه فيها الى انفسهم ويخبرونه باجتماعهم ويأمرونه بالخروج ، فقال له أبو جعفر : «هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت بهم إليه ودعوتهم إليه» ؟ فقال : بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله ، ولما يجدون في كتاب الله عزوجل من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا ، ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء ، فقال له أبو جعفر : «إن الطاعة مفروضة من الله عزوجل ، وسنة أمضاها في الأولين ، وكذلك يجريها في الآخرين ، والطاعة لواحد منا والمودة للجميع . . . » ، فغضب زيد عند ذلك . . . . ثم قال : ليس الإمام منا من جلس في بيته وأرخى ستره وثبط عن الجهاد ، ولكن الإمام منا من منع حوزته وجاهد في سبيل الله حق جهاده ، ودفع عن رعيته وذب عن حريمه . . . . فقال أبو جعفر : «هل تعرف يا أخي من نفسك شيئاً مما نسبتها إليه فتجيء عليه بشاهد من كتاب الله أو حجة من رسول الله أو تضرب به مثلاً . . . » ؟ (1) .
وقال الكاتب بعد ذلك : (ومن المحتمل أن يكون موضوعاً في وقت متأخر من قبل الإمامية) (2) .
والسر في ذلك أن هذا الحديث حمل لنا موقف الباقر عليه السلام : المساند للإمامة والمدافع عنها ، ثم بعد لحظات احتج بهذا الحديث وقال : (يعبر عن احتجاج الإمام الباقر على أخيه زيد بالعلم قبل نشوء نظرية النص أو الوصية في الإمامة) (3) ، واحتج به مرة اخرى ، وجعل

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 37 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 38 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 38 .
دفاع عن التشيع 110

زيداً يتبنى الموقف بقوله : (أما زيد بن علي فقد كان يقول : ليس الإمام منا من جلس في بيته وأرخى ستره وثبط عن الجهاد . . . ) . إلى آخر ما في كلام زيد أعلاه .
أضف إلى ذلك ، أن الكاتب تجاهل في هذا الحوار قول زيد إلى الباقر عليه السلام : (إن الناس يجدون في كتاب الله فرض طاعتنا) . وأجابه الإمام الباقر عليه السلام : «إن الطاعة لواحد منا» (1) .
ألا يدل وجدان الناس ـ باعتراف زيد ـ في كتاب الله فرض طاعة أهل هذا البيت الحسيني على النص والوصية ، وهذا شاهد واضح لا يحتاج إلى استدلال وبحث وتفكير ، ولكن أحمد الكاتب استفاد من ذيل الحديث وترك صدره الذي صرح بأن الناس يعلمون من كتاب الله لا من شيء آخر ، بأن أحد رجال البيت الحسيني إمام مفترض من الله تعالى .
أما بالنسبة لموقف زيد من إمامة الباقر عليه السلام ، فأجاب عنه الصادق عليه السلام : «لو ملك لعرف كيف يضعها» (2) .
ونحن لا نريد أن نثبت صحة هذا الحوار بقدر تبين منهج الكاتب في الاستفادة من الروايات ، وأخذ ما ينفعه وترك ما يضره في نفس الرواية ، وإلا فإن ذلك الحوار ضعيف بالإرسال ، وبجهالة الحسين بن الجارود وموسى بن بكر ، كما يقول السيد الخوئي (3) .

مخالفة جمهور المحدثين والمفسرين

لقد خالف الكاتب جمعاً كبيراً من المفسرين والمحدثين حول مصاديق أهل البيت ، حيث اتفق المفسرون على أن المراد من أهل البيت : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وقال بهذه الحقيقة الفخر الرازي في تفسيره ، والزمخشري في الكشاف ،

(1) الكافي : ج 1 ، ص 417 .
(2) معجم رجال الحديث : ج 17 ،ص 347 .
(3) معجم رجال الحديث : ج 7 ، ص 353 .
دفاع عن التشيع 111

والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ، والشوكاني في فتح القدير ، والطبري في جامع البيان ، والسيوطي في الدر المنثور (1) .
وشارك أهل الحديث في هذا الاتفاق ، فقال بهذه الحقيقة كل من : ابن حجر في الإصابة ، والحاكم في المستدرك ، والذهبي في التلخيص ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، ومسلم في صحيحه ، والترمذي في صحيحه ، والطبري في معجمه الصغير (2) .
فكل هؤلاء اتفقوا على أن المراد من أهل البيت هؤلاء الخمسة ، فضلاً عن إجماع الشيعة على ذلك ، ولكن الكاتب خالف ذلك وقال : (إن كلمة أهل البيت لم تكن محددة في أشخاص معينين) (3) .
فكيف يمكن الاعتماد على كلام شخص مثل أحمد الكاتب خالف كل هؤلاء ، وحتى أنه لم يشر إليهم لا من قريب ولا من بعيد .

الكذب على التراث السني

لم يقصر الكاتب كذبه على الشيعة وتراثهم فحسب ، بل طال تراث إخواننا أهل السنة أيضاً ، وهذا مما يؤكد هوية الكاتب الجديدة وانتماءه الأصيل إلى من كان يتولى . فلقد كذب على التراث السني قاطبة عندما نسب إليه أنه لم يحصر الخلفاء باثني عشر خليفة ، فقال : (وإن الأحاديث السنية بالذات لا تحصرهم في اثني عشر) (4) .
وبكلامه هذا كذب على البخاري ، لأن البخاري نقل في صحيحه قول رسول

(1) الجامع لأحكام القرآن : ج 14 ، ص 183 ؛ فتح القدير : ج 4 ، ص 279 ؛ جامع البيان : ج 12 ، ص 6 ؛ الدر المنثور : ج 6 ، ص 603 .
(2) المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 158 ـ 160 ، رقم 4705 ـ 4709 ؛ مسند أحمد : ج 4 ، ح 16540 ؛ صحيح مسلم : ح 2424 ؛ سنن الترمذي : ج 5 ، ح 3787 ؛ المعجم الصغير للطبري : 23 / 3 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 99 .
(4) أحمد الكاتب ، تطورالفكر السياسي : ص 206 .
دفاع عن التشيع 112

الله صلى الله عليه واله وسلم : «يكون اثنا عشر أميراً . . . . كلهم من قريش» (1) .
وكذب على مسلم ، لأن مسلم نقل في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : «ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة من قريش» (2) .
وكذب على أحمد ، فإن أحمد بن حنبل نقل في مسنده قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم : «اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل» (3) .
فهل يوجد عاقل يقول بأن هذه الأحاديث لا تحصر الخلفاء في اثنى عشر ؟ ولم يقف التراث السني عند البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل ، ولكثرة من خرج هذا الحديث ننقل فقط المصادر محيلين القارئ إليها لمطالعتها :
سنن أبي داود : ج 4 ، ص 106 ، ح 4279 ـ 4281 ؛ المعجم الكبير للطبراني : ج 2 ، ص 238 ، ح 1996 ؛ سنن الترمذي : ج 4 ، ص 501 ؛ مستدرك الحاكم : ج 3 ، ص 618 ؛ حلية الأولياء : ج 4 ، ص 333 ؛ فتح الباري : ج 13 ، ص 211 ؛ البداية والنهاية : ج 1 ، ص 153 ؛ صحيح مسلم بشرح النووي : ج 12 ، ص 201 ؛ تفسير ابن كثير : ج 2 ، ص 24 في تفسير الآية 12 من سورة المائدة ؛ كتاب السلوك في دول الملوك للمقريزي : ج 1 ، ص 13 ـ 15 من القسم الأول ؛ شرح الحافظ ابن قيم الجوزية على سنن أبي داود : ج 11 ، ص 363 ، شرح حديث 4259 ؛ شرح العقيدة الطحاوية : ج 2 ، ص 736 ؛ الحاوي للفتاوي : ج 2 ، ص 85 ؛ عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي : ج 11 ، ص 362 ، شرح حديث 4259 ؛ مشكاة المصابيح للتبريزي : ج 3 ، ص 327 ، ح 5983 ؛ السلسلة الصحيحة للألباني؛ حديث رقم 376 ؛ كنز العمال : ج 12 ص 32 ، حديث رقم 33848 و ص 33 ، حديث رقم 33858 وص 34 ، حديث رقم 33861 ؛ فرائد السمطين : ج 2 ، ص 145 ، ح 42 ؛ ينابيع المودة : ج 3 ، ص 104 ، باب 77 .

(1) صحيح البخاري : ج 6 ، ص 1640 ، رقم 6796 ، كتاب الأحكام ، باب الإستخلاف .
(2) صحيح مسلم : ج 3 ، ص 155 ، رقم 1822 ، كتاب الأمارة ، باب الناس تبع لقريش .
(3) مسند أحمد : ج 1 ، ص 657 ، رقم 3772 .
دفاع عن التشيع 113

كل هذا التراث رفضه الكاتب وقال : (إن الأحاديث السنية بالذات لا تحصرهم في اثنى عشر) (1) .
فياترى هل يوجد بعد ذلك من يصدق كلمة واحدة مما كتبه المؤلف ، ولماذا هذا الحقد على الأئمة بحيث أعماه حتى عن مشاهدة مسلمة من مسلمات الفكر الإسلامي السني والشيعي ؟ ولماذا أراد الكاتب أن يمسح من دواوين الإسلام الحديثية حتى الإشارة إلى العدد بشكل إجمالي ؟

انكار أحاديث صحيحة بدون علة

عودنا الكاتب بإنكاراته المتكررة التي طالت حتى المسلمات ، ولم يقف عند مسلمات الشيعة ، بل أنكر حتى مسلمات الفكر السني ، كما يتبين من إنكار حصر الخلفاء باثنى عشر ، وبعد أن أنكر ولادة المهدي (عج) التي أخبر بها والده العسكري وبأحاديث صحيحة ـ كما تقدم ـ تحتم عليه أن ينكر الغيبة وما شابه ذلك ، ونحن هنا لا نريد أن نبحث التراث الشيعي حول الغيبة إلا بقدر إعلام الكاتب بأن هناك أحاديث صحيحة أكدت هذا الموضوع ، ومن رجال ثقات ، فما هو توجيهه لتلك الأحاديث ؟
نقل الشيخ الصدوق عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أيوب بن نوح ، قال : قلت للرضا عليه السلام : إنا لنرجو أن تكون صاحب هذا الأمر ، وأن يرده الله عزوجل إليك من غير سيف ، فقد بويع لك وضربت الدراهم بأسمك ، فقال عليه السلام : « ما منا احد اختلفت اليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت إليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عزوجل لهذا الأمر رجلاً خفي المولد والمنشأ ، وغير خفي في نسبه» (2) .
تؤكد هذه الرواية وضوح نسب المهدي الذي أنكره الكاتب ، فضلاً عن غيبته ، ولم

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 206 .
(2) كمال الدين : ص 345 ، باب 35 ، ح 1 .
دفاع عن التشيع 114

يوجه لنا الكاتب هذه الأحاديث ، ولم يستطيع أن يرميها بتهمة الضعف السندي أو الإرسال أو ما شابه ذلك ، لأن السند هنا الشيخ الصدوق ، فلا يحتاج إلى تعريف ، فهو قطب الإمامية وثقتهم وصاحب شمعة من شموع تراثهم (من لا يحضره الفقيه) والذي نقل عنه الشيخ الصدوق هو محمد بن الحسن بن الوليد الذي يقول عنه النجاشي : (هو شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم . . . ثقة ، ثقة ، عين مسكون إليه) (1) .
وترجم له الشيخ الطوسي بأنه : (جليل القدر ، بصير بالفقه ، ثقة) (2) .
وقال الحلي بحقه : (ثقة ، ثقة ، عين ، مسكون إليه ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، عارف بالرجال ، موثوق به) (3) . وقال المامقاني عنه : (ثقة) (4) .
فهذا الرجل الثاني في السند ، والرجل الثالث فيه هو محمد بن الحسن الصفار الذي جعله النجاشي وجهاً في القميين ، وقال عنه : (ثقة ، عظيم القدر ، راجحاً) (5) ، وعده الطوسي من أصحاب العسكري (6) ، ووثقه الحلي والمامقاني (7) .
وأما الرجل الرابع الذي أخبر بوضوح نسب المهدي وأنكره الكاتب هو يعقوب ابن يزيد الذي قال عنه النجاشي : (ثقة صدوقاً) (8) . وقال عنه الطوسي :(هو وأبوه ثقتان) (9) . وقال عنه الحلي : (ثقة صدوقاً) (10) . وقال عنه المامقاني (ثقة) (11) .

(1) رجال النجاشي : ص 383 ، رقم 1042 .
(2) رجال الطوسي : ص 439 ، رقم 6273 ، من لم يرو عن واحد من الأئمة .
(3) خلاصة الأقوال : ص 247 ، رقم 842 .
(4) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 134 ، رقم 10534 .
(5) رجال النجاشي : ص 354 ، رقم 948 .
(6) رجال الطوسي : ص 402 ، رقم 5898 ، أصحاب العسكري عليه السلام .
(7) خلاصة الأقوال : ص 260 ـ 261 ـ رقم 910 ؛ تنقيح المقال : ج 1 ، ص 135 ، رقم 10551 .
(8) رجال النجاشي : ص 450 ، رقم 1215 .
(9) رجال الطوسي : ص 369 ، رقم 5488 ، أصحاب علي بن موسى الرضا عليه السلام .
(10) خلاصة الأقوال : ص 298 ، رقم 1107 .
(11) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 168 ، رقم 13291 .
دفاع عن التشيع 115

وآخر ما في السند الذي أنكر الكاتب ، والذي روى عن الإمام الرضا عليه السلام هو أيوب بن نوح الذي تحدث عنه النجاشي بقوله : (كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمدعليهما السلام ، عظيم المنزلة عندهما ، مأموناً ، وكان شديد الورع ، كثير العبادة ، ثقة في رواياته (1) . وقال عنه الطوسي إنه ثقة (2) . وقال الحلي بحقه : (ثقة، مأموناً ، شديد الورع ، صحيح الاعتقاد) (3) . وقال المامقاني بحقه : (ثقة) (4) .
هذا هو حال السند الذي أثبت غيبة المهدي المنتظر ، وأثبت وضوح نسبه الذين أنكرهما الكاتب من دون سبب يذكر .
وأنكر الكاتب الحديث الذي نقله الشيخ الصدوق عن أبيه علي بن الحسين بن بابويه القمي ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن العباس بن عامر القصابي ، قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول : «صاحب هذا الأمر من يقول الناس لم يولد بعد» (5) .
فأثبت الإمام الكاظم عليه السلام في هذا الحديث وقبل الغيبة بعشرات السنين بأن الناس سيختلفون في مولده ، وإنكار الكاتب لهذا الحديث لا وجه له لا من ناحية المتن ولا من ناحية السند ، وكيف ينكر السند الذي فيه والد الصدوق علي بن الحسين بن بابويه القمي ، الذي قال عنه النجاشي : (شيخ القميين في عصره ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم) (6) . وقال عنه الطوسي : (ثقة) (7) . ووثقه كل من الحلي والمامقاني (8) .

(1) رجال النجاشي : ص 102 ، رقم 254 .
(2) رجال الطوسي : ص 253 ، رقم 5214 ، أصحاب علي بن موسى الرضا عليه السلام .
(3) خلاصة الأقوال : ص 59 ، رقم 58 .
(4) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 19 ، رقم 1195 .
(5) كمال الدين : ص 336 ، باب 34 ، ح 2 .
(6) رجال النجاشي : ص 261 ، رقم 684 .
(7) رجال الطوسي : ص 432 ، رقم 6191 ، من لم يرو عن واحد من الأئمة عليهم السلام .
(8) خلاصة الأقوال : ص 178 ، رقم 531 ، تنقيح المقال : ج 1 ، ص 106 ، رقم 8246 .
دفاع عن التشيع 116

وأما سعد بن عبد الله فجعله النجاشي شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجيهها (1) . وقال عنه الطوسي : (جليل القدر) (2) . وقال الحلي : (واسع الأخبار ، كثير التصانيف ثقة ، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها) (3) . ووثقه المامقاني (4) .
ونقل سعد بن عبد الله الحديث عن الحسن بن موسى الخشاب ، وهو من وجوه أصحابنا ، مشهور كثير العلم والحديث كما يقول النجاشي (5) . وعده الطوسي من أصحاب العسكري (6) ، وتابع الحلي النجاشي بقوله المتقدم (7) .
وأما الرجل الأخير في السند الذي نقل الحديث الذي أثبت مولد الإمام المهدي واختلاف الناس فيه ، هو العباس بن عامر القصابي ، الذي ترجم له النجاشي بقوله : (الشيخ الصدوق الثقة ، كثير الحديث) (8) . وذكره الطوسي في رجاله (9) وعده الحلي من الثقات (10) ، وكذلك المامقاني (11) .
فهذا حال السند الذي أنكر متنه الكاتب ، وكذلك أنكر حديثاً رواه الشيخ الصدوق عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، قال : قال : أبو عبد الله عليه السلام : «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم» ، فقلت له ـ والكلام لزرارة ـ ما يصنع الناس في ذلك

(1) رجال النجاشي : ص 177 ـ 178 ، رقم 467 .
(2) رجال الطوسي : ص 427 ، رقم 6141 ، من لم يرو عن واحد من الأئمة عليهم السلام .
(3) خلاصة الأقوال : ص 156 ، رقم 452 .
(4) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 62 ، رقم 4702 .
(5) رجال النجاشي : ص 42 ، رقم 85 .
(6) رجال الطوسي : ص 398 ، رقم 5840 ، أصحاب العسكري .
(7) خلاصة الأقوال : ص 104 ، رقم 240 .
(8) رجال النجاشي : ص 281 ، رقم 744 .
(9) رجال الطوسي : ص 434 ، رقم 6222 ، من لم يرو عن واحد من الأئمة عليهم السلام .
(10) خلاصة الأقوال : ص 210 ، رقم 682 .
(11) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 81 ، رقم 6214 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي