دفاع عن التشيع 117

الزمان ؟ قال : «يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم» (1) .
هذا الحديث الذي أنكره الكاتب نقله الشيخ الصدوق الثقة ، عن والده (الثقة) كما قال النجاشي والطوسي والحلي والمامقاني (2) ، نقله والد الصدوق عن عبد الله بن جعفر الحميري شيخ القميين ووجههم بتعبير النجاشي (3) ، ووثقه الطوسي والحلي والمامقاني (4) ، ونقل عبد الله بن جعفر الحميري هذا الحديث ـ الذي أثبت غيبة الإمام المنتظر (عج) وحدد موقف الناس منه ـ عن أيوب بن نوح الثقة عند النجاشي والطوسي والحلي والمامقاني (5) ، ونقل أيوب بن نوح عن محمد بن أبي عمير الذي ترجمه له النجاشي بقوله : (جليل القدر ، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين) (6) ، وجعله الطوسي من أوثق الناس عند الخاصة والعامة (7) والذي قال الكشي بحقه : (إنه ممن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه وأقر له بالفقه والعلم) (8) ، وأما المحقق المامقاني فقد قال بحقه : ثقة ، مراسيله كالمسانيد الصحاح (9) .
ونقل الرجل هذا الحديث الذي أنكره الكاتب عن جميل بن دراج ، الذي تحدث

(1) كمال الدين : ص 328 ، باب 33 ، ح 44 .
(2) رجال النجاشي : ص 261 ، رقم 684 ؛ رجال الطوسي : ص 433 ، رقم 6191 ، من لم يرو عن واحد من الأئمة عليهم السلام ؛ خلاصة الأقوال : ص 178 ، رقم 531 : تنقيح المقال : ج 1 ، ص 106 ، رقم 8246 .
(3) رجال النجاشي : ص 219 ، رقم 573 .
(4) رجال الطوسي : ص 400 ، رقم 5857 أصحاب العسكري عليه السلام ؛ خلاصة الأقوال : ص 193 ـ 194 ، رقم 605 ؛ تنقيح المقال : ج 1 ، ص 88 ، رقم 6785 .
(5) رجال النجاشي : ص 102 ، رقم 254 ، رجال الطوسي : ص 352 ، رقم 5214 ، أصحاب الرضا عليه السلام : خلاصة الأقوال : ص 59 ، رقم 58 : تنقيح المقال : ج 1 ، ص 19 ، رقم 1195 .
(6) رجال النجاشي : ص 326 ـ 327 ، رقم 887 .
(7) الفهرست للطوسي : ص 218 ـ 219 ، رقم 617 .
(8) خلاصة الأقوال : ص 239 ـ 240 ، رقم 816 ، نقلاً عن الكشي .
(9) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 13 ، رقم 10272 .
دفاع عن التشيع 118

عنه النجاشي ، فقال : (شيخنا ووجه الطائفة ثقة) (1) ، ووثقه الطوسي والحلي والمامقاني (2) ، وقال بحقه الكشي إنه : (ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فيما يقول ، والإقرار له بالفقه) (3) .
وأما الرجل الأخير في السند ، والذي سمع الحديث من فم الإمام الصادق عليه السلام والذي أثبت للناس على لسان الصادق عليه السلام أن للمهدي غيبة ، فهو زرارة بن أعين الذي تحدث عنه النجاشي بقوله : (شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم ، وكان قارئاً ، فقيهاً ، متكلماً ، شاعراً ، أديباً ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، صادقاً فيما يرويه) (4) ، وقال بحقه الطوسي إنه ثقة (5) ، وقد تابع الحلي النجاشي في توثيقه المتقدم (6) ، وأما المامقاني فقد قال : (ثقة ، وأي ثقة) (7) . فهذا موقع الرجل الذي نسب إليه الكاتب بأنه يجهل إمام زمانه .
هذه الأحاديث الصحاح التي نقلناها من الشيخ الصدوق فقط هي غيض من فيض من الأحاديث الصحاح التي نقلها الإمامية الاثنا عشرية حول مولد الإمام الثاني عشر وغيبته واختلاف الناس فيه ، وتلقوها كابراً عن كابر ، كل ذلك أنكره الكاتب بكلمات إعلامية وشعارات واهية لا تنطلي إلا على جهال الناس .

(1) رجال النجاشي : ص 126 ـ 127 ، رقم 328 .
(2) الفهرست للطوسي : ص 94 ، رقم 154 ؛ خلاصة الأقوال : ص 92 ـ 93 ، رقم 209 ؛ تنقيح المقال : ج 1 ، ص 28 ، رقم 1933 .
(3) رجال الكشي : ترجمة محمد بن أبي عمير .
(4) رجال النجاشي : ص 175 ، رقم 463 .
(5 رجال الطوسي : ص 337 ، رقم 5010 .
(6) خلاصة الأقوال : ص 152 ، رقم 441 .
(7) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 56 ، رقم 4213 .
دفاع عن التشيع 119

إنكار علائم الظهور بدون بحث وتحقيق

أنكر الكاتب علائم الظهور التي تحدث عنها الفكر الإسلامي عامة (السني والشيعي) ، والتي رويت بأسانيد صحاح لا يعتريها الشك مطلقاً ، فقال في هذا المجال : (إن جميع هذه الروايات الواردة في هذا الشأن هي مرسلة أو مروية عن مجاهيل وغلاة ووضاعين) (1) .
وهذا الشعار ـ كالشعارات السابقة ـ خلا من التحقيق لسند أو متن روايات علائم الظهور ، فهو إنكار ساذج لأسانيد صحيحة روت لنا علائم الظهور ، منها :
ما رواه الحاكم ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام عندما سأله رجل عن المهدي فقال : «هيهات» ، ثم عقد بيده سبعاً فقال : «ذلك يخرج في آخر الزمان ، ثم إذا قال الرجل الله الله قتل ، فيجمع الله تعالى له قوماً كقزح السحاب ، يؤلف الله بين قلوبهم ، لا يستوحشون إلى أحد ، ولا يفرحون بأحد ، يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر ، لم يسبقهم الأولون ، ولا يدركهم الآخرون ، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر» .
وقال الحاكم : (صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه) (2) .
وأخرج ابن ماجه حديثاً في علائم الظهور عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : «يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ، لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق ، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم» . ثم ذكر شيئاً لا أحفظ ـ على حد تعبير الراوي ـ ثم قال : «فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدي» (3) .
قال الحاكم ـ متحدثاً عن سند هذا الحديث ـ : (صحيح على شرط الشيخين) (4) . وقال ابن كثير : (وهذا إسناد قوي صحيح) (5) .

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 255 .
(2) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 596 ـ 597 ، رقم 8659 .
(3) سنن ابن ماجه : ج 2 ، ص 1367 ، رقم 4084 .
(4) مستدرك الحاكم : ج 4 ، ص 510 ، رقم 8432 .
(5) كتاب النهاية ( الفتن والملاحم ) : ج 1 ، ص 301 .
دفاع عن التشيع 120

ثم تحدث ابن كثير عن هذا الحديث فقال : (هذه الرايات ليست هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في 132 هـ بل رايات سود تأتي بصحبة المهدي) (1) .
وغير ذلك من العلامات التي نقلت بالأحاديث الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعن أمير المؤمنين ، والعشرات من هذه الروايات نقلت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وقد رماها الكاتب بسهام الضعف والوضع من دون مناقشة تذكر ، أضف إلى ذلك أن الصحابة رووا بالآثار الصحيحة الكثير من العلامات ، كما ذكر ابن حماد .
يقول عبد الرزاق في مصنفه ، عن معمر بن راشد الأزدي أبي عروة البصري ، عن ابن طاووس وهو عبد الله بن طاووس بن كيسان ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، قال : (لا يخرج المهدي حتى تطلع مع الشمس آية) (2) .
فهذا الأثر الذي روي عن معمر بن راشد الثقة الثبت الفاضل ، الذي قال عنه ابن حجر في تهذيبه : (إن حديثه عن ابن طاووس مستقيم) (3) ، وكذلك قال الذهبي (4) ، وأما ابن طاووس فهو ثقة فاضل (5) ، وأخيراً علي بن عبد الله بن عباس أبو محمد فهو ثقة عابد (6) .
فهذه الأحاديث ، وعشرات مثلها ، وبأسانيد صحيحة من ثقات تؤكد وجود علامات للمهدي قبل ظهوره ، استهزأ بها الكاتب من غير دراسة ولا بحث ، ورماها بالوضع والاختلاق ، وجره هذا القول إلى قول آخر ، وهو أن أحاديث علامات الظهور لم تحدد هوية المهدي ، بينما نجد علي بن المكي الهلالي يقول في حديث إنه دخل

(1) كتاب النهاية (الفتن والملاحم) : ج 1 ، ص 301 .
(2) مصنف عبد الرزاق : ج 11 ، ص 373 ، رقم 2775 .
(3) تهذيب التهذيب : ج 10 ، ص 220 ، رقم 441 .
(4) ميزان الإعتدال : ج 4 ، ص 154 ، رقم 8682 .
(5) تقريب التهذيب : ص 251 ، رقم 3397 .
(6) تقريب التهذيب : ص 342 ، رقم 4761 .
دفاع عن التشيع 121

على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وفاطمة عليها السلام عند رأسه في مرضه ، فبكت ، فأخبرها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم باختياره واختيار علي عليه السلام والأوصياء من بعده ، وهم خير الأوصياء ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعدد علائم الظهور التي أنكرها الكاتب ، ثم أخيراً ـ وكما يقول الحديث ، أخبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاطمة بأن المهدي من ولدها ، ومن ولد الحسين بالذات . وأخرج هذا الحديث الذي أنكر الكاتب مضمونه الطبراني والهيثمي والجويني وغيرهم ، والذي حدد فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هوية المهدي من فاطمة عليها السلام من الحسين عليه السلام ، وحدد الأوصياء فيه .
وهذا غيض من فيض من الأحاديث التي حددت معالم الظهور وعلاماته ، ومن أراد الاطلاع أكثر فليراجع معجم أحاديث الإمام المهدي (1) ، كل ذلك أنكره الكاتب بكلمة إنشائية خالية من المصادر .

الاشتباه في فهم ألفاظ الروايات

ونتيجة للفهم الخاطئ لألفاظ الروايات وقع الكاتب في اشتباهات فضيعة ، أدت به إلى إنكار نص رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ومن مصاديق ذلك قوله : (إن الإئمة لم يكونوا يعرفون بخلفهم من قبل) (2) .
والسر في فهمه الخاطئ هذا أنه لم يستطيع أن يميز بين الروايات جيداً ،أي لم يستطيع التمييز بين معرفة الإمام بنفسه أنه إمام ، وبين بداية إمامته .
اما الامرالاول ، وهو معرفة الامام بنفسه انه امام ، فهذا مما دلت عليه كتب الحديث ، وطالعتنا به الروابات التاريخية بالتصريح باسمائهم من قبل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، كما نقل ذلك القندوزي الحنفي في ينابيعه ، والصدوق في إكمال الدين ، والكليني في الكافي ، مضافاً إليه حديث اللوح الذي نقله الصدوق والكليني .
أما الصدوق فقد قال : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا أبي عن

(1) معجم أحاديث الإمام المهدي 5 مجلدات .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 73 .
دفاع عن التشيع 122

أحمد بن محمد بن عيسى ، وإبراهيم بن هاشم ، جميعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء ، فعددت اثنى عشر اسماً ، آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمد ، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم (1) .
وروى الصدوق هذا الحديث بطريق آخر ، وهو : عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري . . . الحديث .
وقد يقال : إن السند غير حجة من وجهين :
الأول : أن الحسين بن أحمد بن إدريس في السند الأول ، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار في السند الثاني لم يوثقا .
قلت : هما من مشايخ الإجازة ، ولم يذكر الصدوق أحدهما في جميع كتبه إلا مترضياً عليه ، ومن البداهة أن لا يقال للفاسق : (رضي الله عنه) ، بل يقال ذلك للرجل الجليل .
ولو تنزلنا بعدم دلالة هذا اللفظ على الوثاقة ، فإنه من البعيد كل البعد أن يتفق كل منها على الكذب على أبيه ، لأنهما رويا الحديث عن أبويهما .
ومما يدل على صدقهما أن الكليني أخرج الحديث بسند صحيح ، عن أبي الجارود ، وابتدأ السند بوالد الشيخ الصدوق عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري (2) ، والمشايخ الثلاثة الاول في هذا السند من أجلاء المحدثين وثقاتهم المشهورين بالاتفاق .
الثاني : أن أبا الجارود قد طعن عليه ، فالسند ليس بحجة .
والجواب : إن أبا الجارود تابعي ، ومن أين للتابعي أن يعلم بأن في اسماء الأوصياء عليهم السلام ثلاثاً باسم محمد وأربعة باسم علي ؟ ! وهذا هو المنطبق مع الواقع ، وقد مات أبو الجارود قبل إتمام هذا الواقع بعشرات السنين ، على أن الشيخ المفيد قد وثقه

(1) كمال الدين : ص 293 ، باب 28 ، ح 3 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 532 ، باب 126 ، ح 9 .
دفاع عن التشيع 123

في رسالته العددية .
هذا ، والصدوق أخرج حديث اللوح في أول الباب بهذا السند ، قال : حدثني أبي ومحمد بن الحسن (رضي الله عنهما) قالا : حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبي الحسن صالح بن حماد والحسن بن طريف ، عن بكر بن صالح .
وحدثنا أبي ، ومحمد بن موسى المتوكل ، ومحمد بن علي بن ماجيلويه ، وأحمد بن علي بن إبراهيم ، والحسن بن إبراهيم بن تاتانه ، وأحمد بن زياد الهمداني (رضي الله عنهم) قالوا : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن بكر بن صالح ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله . . . الحديث .
والسندان صحيحان ، إلا بكر بن صالح الذي ضعف ، ولا يضر ضعفه هنا لأنه من غير المعقول أن يخبر الرجل الضعيف عن شيء قبل أوانه ، ثم يتحقق ذلك الشيء على طبق ما أخبر له ، ثم لا يكون الخبر ـ بعد ذلك ـ صادقاً ، فالرجل روى عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، فمن أين له أن يعلم بأولاده وصولاً إلى المهدي عليهم السلام ؟ ! وهو كما يبد من طبقته لم يدرك الأئمة (الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام) ، ويدلك على هذا أن من مشايخ الحسن بن طريف الراوي عن بكر بن صالح في السند الأول هو ابن أبي عمير (ت 217) ، ومن في طبقته (1) .
فحديث اللوح : ـ عهد من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى الأئمة من ولده ، كما قال الصادق عليه السلام : «أترون الأمر إلينا نضعه فيمن نشاء ؟ كلا والله ، إنه عهد من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى علي بن أبي طالب ، رجل فرجل إلى أن ينتهي إلى صاحب هذا الأمر» (2) ـ يخبر بحقيقة علم الأئمة بأنفسهم بأنهم أئمة ، وقد أنكر أحمد الكاتب ذلك (3) .
وأما الأمر الثاني ـ وهو معرفة الإمام وقت بداية إمامته ـ فيقول الصادق عليه السلام : «إن

(1) المهدي في الفكر الإسلامي : ص 86 ـ 88 .
(2) بصائر الدرجات : ص 471 ، باب 1 ، ح 2 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 73 .
دفاع عن التشيع 124

الإمام التالي يعرف إمامته في آخر دقيقة من حياة الأول» (1) ، أي يعرف بداية إمامته بقرينة آخر دقيقة من حياة الأول .
وعبرت رواية صفوان بن يحيى عن هذا المعنى الذي خلط الكاتب فيه ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام أخبرني عن الإمام متى يعلم أنه إمام ، حين يبلغ أن صاحبه قد مضى ، أو حين يمضي مثل أبي الحسن عليه السلام قبض ببغداد وأنت هيهنا ؟ قال : «يعلم ذلك حين يمضي صاحبه» (2) .
فالإمام الرضا عليه السلام أكد أن الإمام اللاحق يعرف بداية إمامته حينما يمضي الإمام السابق ، لا حينما يبلغ بأن الإمام السابق قد مضى ، فلعل هذا الإبلاغ ليس له حقيقة وواقع ، فلا يمكن أن يكون هناك إمامان في وقت واحد ، فبداية إمامته تبدأ بعد وفاة السابق .
وهذا الخلط الذي وقع فيه الكاتب بين معرفة الإمام نفسه بأنه إمام ، وبين بداية إمامته ، أدى به إلى القول : (لم تكن هناك قائمة مسبقة بأسماء الأئمة القادمين ، وإنما كانت هذه القضية متروكة للزمن . . . . ـ وقال : ـ إن الأئمة لم يكونوا يعرفون بخلفهم من قبل) (3) .
وبعد ما تقدم تبين أن هذا الكلام لا معنى له ، ناشئ من عدم التحقيق والبحث والتمييز بين الروايات .
وعندما لم يجد الكاتب أدلة على ما يقول ، راح يبحث عن قضية سؤال الشيعة للأئمة عن هوية الإمام اللاحق ، وفي بعض الأسئلة يرفض الأئمة تحديد الهوية (4) ، ولكنه تجاهل السبب الذي حدا بالأئمة عدم تحديد هوية الإمام اللاحق لاولئك الذين لم يؤنس منهم رشد (5) ، واكتفى بالنتيجة ، لأن السبب يدينه ، والسبب ـ كما هو واضح

(1) بصائر الدرجات : ص 477 ـ 478 .
(2) بصائر الدراجات : ص 466 ، ح 1 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 73 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 74 .
(5) معجم رجال الحديث : ج 19 ، ص 229 ـ 300 .
دفاع عن التشيع 125

عملاً ـ ما قام به أبو جعفر المنصور ببث جواسيسه ينظرون إلى من تتفق شيعة جعفر عليه فيضربون عنقه (1) .
فلهذا السبب رفض الأئمة تحديد هوية الإمام اللاحق لاولئك الذين لم يؤنس منهم رشداً ، فالمسألة ليست كما يتصور الكاتب بهذه السهولة أن يطرح الإمام هوية الإمام اللاحق ، لأن ذلك معناه الذبح ، كما يقول الكاظم عليه السلام (2) .

مخالفة المفسرين واتهامهم

خالف الكاتب المفسرين في تفسيرهم لقوله تعالى :«يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم» (3) ، ونفى الكاتب دلالة الآية على العصمة ، وقال : (إن الآية قد تفهم على أساس النسبية ، بل إن هذا ـ النسبية في الطاعة ـ ما يوحي به العرف والعقل والآيات الاخرى في القرآن الكريم) (4) .
ومراد الكاتب من النسبية في الطاعة أو اولي الأمر ليسوا بمعصومين ، ولكن فلنستمع إلى الرازي في تفسيره لهذه الآية ، يقول الرازي : (إن الله تعالى أمر بطاعة اولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد أن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وإنه محال ، فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة اولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت

(1) الكافي : ج 1 ، ص 412 ، ح 7 .
(2) نفس المصدر السابق .
(3) النساء : الآية 59 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 79 .
دفاع عن التشيع 126

أن اولي الأمر المذكور في الآية لابد أن يكون معصوماً) (1) .
بينما نجد الكاتب يقول : بأن من يفهم من الآية هذا المعنى مخالف للعرف والعقل والآيات الاخرى ، لأنه جعل العرف والعقل والآيات الاخرى كلها أدلة على فهم النسبية في الطاعة التي تتحدث عنها الآية ، فاتهام الرازي بعدم معرفته بالعرف والعقل وآيات القرآن ومن قبل الكاتب من عجائب الدنيا .
ثم راح الكاتب يشوش ذهن القارئ فقال : (فإن المسلمين الأوائل لم يكونوا يفهمون من معنى الإطلاق والطاعة لاولي الأمر حتى في المعاصي والمنكرات ، وقد رفضت جماعة من المسلمين كان الرسول الأكرم قد أرسلها في سرية وأمر عليها رجلاً طاعة ذلك الرجل عندما أمر الجماعة في وسط الطريق بدخول نار أشعلها وطالبهم بالامتثال لأوامره ، وقالوا له : لقد فررنا من النار فكيف ندخل فيها) (2) .
ومن الغريب جدا ان يجعل الكاتب مورد نزول الاية دعابة فعلها عبد الله بن حذافة ، تقول الرواية : ان عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي اذ بعثه النبي صلى الله عليه وآله في سرية ، قال ابو عمر : وكان في عبد الله بن حذافة دعابة معروفة ، ومن دعابته ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره على سرية فأمرهم أن يجمعوا حطباً ويوقدوا ناراً ، فلما أوقدوها أمرهم بالتقحم فيها ، فقال لهم : ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بطاعتي ؟ وقال : « من أطاع أميري فقد أطاعني» ، فقالوا : ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار ، فصوب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فعلهم ، كما يقول القرطبي (3) .
لقد أصبح القرآن عند الكاتب نازلاً لدعابات يلعب بها عبد الله بن حذافة ، وليس لهداية البشرية ، فمورد نزول الآية عند الكاتب هو دعابة يلعب بها عبد الله بن حذافة ، ورفض أن يكون مورد نزول الآية علي بن طالب عليه السلام ، تقول الرواية : رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعث سرية يوماً على رأسها علي ، فصنع علي شيئاً أنكروه ، فتعاهد أربعة

(1) التفسير الكبير : ج 10 ، ص 116 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 79 ـ 80 .
(3) الجامع لأحكام القرآن : ج 5 ، ص 260 .
دفاع عن التشيع 127

من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن يعلموه ، وكانوا إذا قدموا من السفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فقالوا له ذلك ، فنهرهم وقال غاضباً : «ما تريدون من علي ، ما تريدون من علي ، علي مني وأنا من علي ، وعلي ولي كل مؤمن بعدي» (1) .
أضف إلى ذلك قول الباقر عليه السلام في قوله تعالى : «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم» (2) قال : «هي في علي وفي الأئمة ، جعلهم الله مواضع الأنبياء» (3) .
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام : «إن هذه الآية نزلت فيمن قرنهم الله بنفسه ونبيه ، هم اولئك الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا بعدي إن تمسكتم بهما ، كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي» (4) . كل ذلك نبذه الكاتب وراء ظهره ليشتري به ثمناً قليلاً ، فبئس ما يشترون .

ادعاءات إعلامية فارغة

امتلأ كتاب أحمد الكاتب بالادعاءات الإعلامية الفارغة التي في كثير منها لا يسوق لها أي شاهد ، وفي بعضها الآخر يحرف المراد الواقعي لها من قبل فقهاء الإمامية ومتكلميهم ، وأنكر في بعض آخر حقائق اتفق عليها الفكر الإسلامي ، أعم من كونه سنياً أو شيعياً ، فلقد أنكر العدد المحدد للأئمة أو الخلفاء من بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (5) . في الوقت الذي نجد فيه أن العدد الاثنى عشر (خليفة ، امام ، أمير ) ورد في روايات كتب الفريقين ، كما سيتضح فيما بعد .
ثم شنع على الشيعة فهمه الخاطئ لألفاظ أحاديث تقول : إن الإمامة مستمرة في

(1) مصنف بن أبي سنية : ج 7 ، ص 504 ، ح 58 ؛ مسند أحمد : ج 4 ، ح 19426 ؛ سنن الترمذي ج 5 ، رقم 3712 ؛ الإحسان بترتيب صحيح ابن حيان : ج 6 ، ص 269 ، رقم 6938 .
(2) النساء : الآية 59
(3) الميزان : ج 4 ، ص 421 .
(4) الميزان : ج 4 ، ص 421 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 109 .
دفاع عن التشيع 128

الخلق ، وقال : (إن الإمامة لا تنقطع ولا تنحصر في عدد معين) (1) ، ولكنه لا يستطيع أن يطلي أكاذيبه على القارئ ، لتسالم الفكر الشيعي والسني على وجود اثنى عشر خليفة حتى تقوم الساعة ، يقول مسلم في صحيحه :
«لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، ويكون عليكم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش» (2) .
فالحديث واضح المعنى ، إن الرقم المحدد اثني عشر ، هو خلفاء الله على البشرية من بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى تقوم الساعة ، ولكن عندما أنكر الكاتب ذلك العدد زور كلمة (حتى تقوم الساعة) وما يشابهها في كتب الشيعة ، ليجعل الإمامة إلى يوم القيامة وإنها مستمرة بدون عدد محدد .
وبعد هذا وذاك ، كذب على الشيعة من جديد عندما قال : (إن النظرية الإمامية تقول : إن النص قد حدث على علي فقط ، وان النص على الأئمة الآخرين يتم من قبل الأول للثاني ، وهكذا) (3) .
وهذا كذب محض ، وافتراء واضح ، لأن الشيعة تسالموا في نقل النصوص على إمامة أهل البيت عليهم السلام من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وأعد بعض الفقهاء أبواباً خاصة باسم (النصوص العامة على إمامة الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام وخلافتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم . . . إلخ) ، كما نقل ذلك الحر العاملي وغيره (4) ، ومسألة النص على الأئمة من قبل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، كما في حديث اللوح الذي نقله جابر وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كسلمان ، مسألة مفروغ عنها في الفكر الشيعي ، وكذلك بعض كتب المنصفين من السنة ، أمثال القندوزي الحنفي الذي جعل باباً بعنوان : (بيان الأئمة الاثني

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 109 .
(2) صحيح مسلم : ح 1822 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 110 .
(4) إثبات الهداة : ج 2، ص 244 ـ 566 .
دفاع عن التشيع 129

عشر بأسمائهم) (1) ، ونقل حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» .
يقول الحر العاملي : إن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : «أوحى الله إلي يا محمد ، إني اطلعت إلى الأرض إطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً ، ثم اطلعت ثانياً فاخترت منها علياً فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك ، وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين ، خزان علمي ، فلولاكم لما خلقت الدنيا والآخرة ولا الجنة ولا النار ، يا محمد أتحب أن تراهم ؟ فقلت : نعم ، فنوديت ، يا محمد ، ارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، فإذا أنوار علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجة يتلالأ من بينهم كأنه كوكب دري ، يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك . . . » (2) .
هذا ما ذكره الحر العاملي في إثبات الهداة ، والغرض من نقلنا لهذا الكلام هو أن نبين أن الكاتب نسب إلى الحر العاملي أنه قال بأن النص حدث على الإمام علي فقط ، وأن النص على الأئمة الآخرين يتم من قبل الأول للثاني (3) ، بينما نرى أن الحر العاملي نقل الحديث أعلاه ، وعشرات مثله تؤكد النص على الأئمة من قبل الرسول صلى الله عليه واله وسلم .
ثم أطلق الكاتب شعارات فارغة ، لم تعترف بها الشيعة في أي زمان ، فقال : (وكانت النظرية تعترف بعدم وجود النص الصريح من بعض الأئمة على بعض) (4) .
فلو تفضل علينا الكاتب ، وذكر لنا مورداً واحداً تقول الشيعة فيه أن النص على هذا الإمام لم يقم عليه دليل ؟ بل على العكس تماماً ، فقد ذكروا أحاديث للنص عليهم من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وثم من آبائهم واحداً بعد واحد، وأنه أمر إلهي لا يضعه الإمام

(1) ينابيع المودة : ح 3 ، ص 281 ، باب 76 .
(2) إثبات الهداة : ج 2 ، ص 520 ؛ عيون أخبار الرضا : باب النصوص على الرضا عليه السلام .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 110 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 110 .
دفاع عن التشيع 130

حيث يشاء ، كما يقول الصادق عليه السلام .
وأول تأويلاً قسرياً بعض الأحاديث التي تقول بأن الإمام اللاحق تبدأ إمامته في اللحظة الأخيرة من حياة الإمام الأول ، فأوله الكاتب بأن الإمام الصابق يجهل الإمام اللاحق ، وحاول جاهداً بتأويل قسري أن يحمل الأحاديث ذلك المعنى (1) .

الإهمال المتعمد لكثير من الروايات

أهمل الكاتب تراثاً كاملاً من الروايات الصحيحة التي حفلت بها كتب الشيعة ، منها ما تعلق بالإمامة الإلهية ، ومنها ما تعلق بولادة المهدي (عج) ، فلقد روى الشيخ الطوسي وحده (31 رواية) حول ولادة الإمام الثاني عشر ، أضف إلى ذلك روايات الكليني والمفيد والصدوق وغيرهم ، كل ذلك أهمله الكاتب ، واكتفى بمناقشة روايتين منه فقط ، وأهمل أيضاً خبر محاولة اعتقال الإمام المهدي الذي رواه الصدوق ، والذي حدث به أحمد بن عبيد الله بن خاقان ، فقال :
لقد ورد ـ جعفر ـ إلى السلطان يخبره باعتلال الإمام العسكري واستعدوا لذلك ، وبعد وفاة الإمام أعدوا العدة للمداهمة والتفتيش للقبض على من يهد عروش الطواغيت ، ولكن خيب الله مسعاهم (2) .
كل ذلك أهمله الكاتب ، ونسب محاولة القبض على الإمام إلى مرويات الطوسي والمجلسي والصدر ، واتهم أخبارهم بالإرسال (3) ، ولم يذكر بقية علماء الشيعة أمثال الصدوق وغيره ، والذين دونوا حادثة محاولة اعتقال الإمام .
وعندما أحس الكاتب بأن الروايات في هذا المجال كثيرة جداً وكلامه السابق لا يفي بالغرض ، جعل من العباسيين الساعد الأيمن للعلويين ، وأوجد الموادعة والمؤانسة بينهم . فقال : (كان المعتضد العباسي يميل إلى التشيع . . . مما يبعد صحة الرواية المرسلة التي

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 110 .
(2) كمال الدين : ص 49 ـ 52 .
(3) أحمد الكحاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 225 .
دفاع عن التشيع 131

تتحدث عن محاولة اعتقال الإمام المهدي) (1) .
ولقد فسر احمد الكاتب إرسال السلطان إلى داره ـ الحسن العسكري ـ من يفتشها ويفتش حجرها ، وختم على جميع ما فيها ، وطلبوا أثر ولده ، وجاؤوا بنساء يعرفن الحبل ، فدخلن على جواريه فنظرن إليهن ، فذكر بعضهن أن جارية هناك بها حمل ، فأمر بها فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم (2) ، فسره بالميل إلى التشيع .
ولم يذكر الكاتب أن جعفر أخبر المعتمد ـ الذي يميل إلى التشيع على حد زعمه ـ بالإمام المنتظر ، فثارت ثائرته ـ كما يقول الصدوق ـ فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صيقل الجارية ، فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حبلاً بها لتغطي حال الصبي ، فسلمت إلى أبي الشوارب القاضي (3)
ولم يذكر الكاتب قول احمد بن عبد الله حيث قال : فلما دفن ـ الحسن والد المنتظر ـ وتفرق الناس ، اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده ، وكثر التفتيش في المنازل والدور (4) .
كل هذا أهمله الكاتب ليجعل المؤانسة والموادعة بين العباسيين والعلويين دليله لعدم الضغط العباسي على البيت العلوي .

أحمد الكاتب يريح نفسه عناء البحث

أراح الكاتب نفسه عناء البحث عن فصل مهم ، نقله الثقات إلينا من فصول دراسة الإمام الثاني عشر ، وهو الاعترافات الصريحة والصحيحة من قبل العشرات ، بل المئات الذين شاهدوا الإمام المنتظر في حياة أبيه العسكري وبعدها ، ونحن هنا نكتفي

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 225 .
(2) كمال الدين : ص 51 ـ 52 .
(3) كمال الدين : ص 472 .
(4) كمال الدين : ص 52 .
دفاع عن التشيع 132

بنقل بعض الأسماء والثقات الذين شاهدوا الإمام ، والذين ضرب الكاتب عنهم صفحاً ، فلم يشر لهم بكلمة واحدة ، منهم : إبراهيم ابن إدريس أبو أحمد (1) ، وإبراهيم ابن عبده النيسابوري (2) ، وإبراهيم بن محمد بن أحمد الأنصاري (3) ، وإبراهيم بن مهزيار أبو إسحاق الأهوازي (4) ، وأحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (5) ، وأحمد بن إسحاق الوكيل (6) وأحمد بن الحسين بن عبد الملك الأزدي (7) ، وأحمد بن عبد الله الهاشمي (8) ، وأحمد بن محمد بن مطهر (9) ، وأحمد بن هلال والحسن بن أيوب (10) ، وأبو الأديان (11) ، وإسماعيل بن الحسن الهرقلي (12) ، وإسماعيل بن علي النوبختي (13) ، وجعفر بن علي (14) ، وجعفر الكذاب (15) ، وجعفر بن محمد بن عمرو (16) ، والحسن

(1) الكافي : ج 1 ، ص 392 ، ح 8 ؛ الإرشاد : ج 2 ، ص 353 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 293 ، ح 6 ؛ الإرشاد : ج 2 ، ص 352 .
(3) الطبري ، دلائل الإمامة : ص 298 .
(4) كمال الدين : ص 408 ، باب 44 ، ح 19 ؛ ينابيع المودة : ج 3 ، ص 335 ، باب 83 ، ح 12 .
(5) ينابيع المودة : ص 331 ، باب 83 ، ح 7 .
(6) كمال الدين : ص 418 ، ح 21 ؛ الإحتجاج للطبرسي : ج 2 ، ص 524 ـ 525 .
(7) الغيبة للطوسي : ص 152 .
(8) الغيبة للطوسي : ص 155 .
(9) الكافي : ج 1 ، ص 392 ، ح 5 ؛ الإرشاد : ج 2 ، ص 352 .
(10) الغيبة للطوسي : ص 217 .
(11) كمال الدين : ص 432 ، باب 44 ، ح 25 .
(12) النجم الثاقب : ج 2 ، ص 343 ، الباب السابع .
(13) الغيبة للطوسي : ص 164 .
(14) الكافي : ج 1 ، ص 392 ، ح 9 .
(15) كمال الدين : ص 405 ، ح 15 .
(16 الغيبة للطوسي : ص 208 .
دفاع عن التشيع 133

ابن أيوب بن نوح (1) ، والحسن بن الحسين الأيادي (2) ، والحسن بن عبد الله التميمي (3) ، والحسن بن وجناء النصيبي (4) ، والحسين بن روح أبو القاسم ، وأبو الحسين ابن أبي البغل الكاتب (5) ، وحكيمة بنت الإمام الجواد (6) ، ورشيق صاحب الماداري (7) ، وسعد بن عبد الله القمي (8) ، وأبو سورة (9) ، وغيرهم ، هذا فضلاً عن المشاهدات الجماعية في حياة العسكري وبعدها ، وآمن بتلك المشاهدات ونقلها ثقات الشيعة ومؤلفوها ، أمثال المفيد والطوسي والكليني والصدوق وغيرهم من أقطاب الفكر الشيعي ، كل ذلك تجاهله الكاتب ولم يذكره إلا بعبارة إعلامية خالية من أي مصدر قائلاً : (إن عامة الشيعة لم يكونوا شاهدوا أي ولد للإمام العسكري) (10) .
وأهمل الكاتب هذا الكم الهائل من الاعترافات من دون تأويل أو تضعيف وما شابه ذلك والذي تعودناه من الكاتب أمام كل دليل خلاف مدعاه .

أحمد الكاتب يعتمد على رواية ثم يضعفها

لقد تخبط الكاتب تخبطاً عجيباً في الاعتماد على الروايات ، فتارة يعتمد على رواية لأن فيها مقطعاً نافعاً في استدلاله ، فيجعل تلك الرواية ركناً لنظريته ، واخرى يضعف نفس تلك الرواية إذا كان المقطع الآخر يهدم استدلاله في المقطع الأول ، فيتناول

(1) الغيبة للطوسي : ص 217 .
(2) تبصرة الولي : ص 279 ـ 280 .
(3) الغيبة للطوسي : ص 163 ؛ الخرائج والجرائح : ج 1 ، ص 471 ، ح 15 .
(4) منتخب الأثر : ص 488 ، رقم 7 .
(5) فرج المهموم : ص 245 .
(6) إعلام الورى : ج 2 ، ص 214 .
(7) الغيبة للطوسي : ص 149 .
(8) كمال الدين : ص 454 ، ح 21 ؛ حلية الأبرار : ج 2 ، ص 557 .
(9) الثاقب في المناقب : ص 596 ، رقم 538 .
(10) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 191 .
دفاع عن التشيع 134

سندها ومتنها وبدون أمانة علمية ، إما بتضعيف الثقات أو بالتأويل القسري الذي لا تتحمله ألفاظ الرواية ، ومن مصاديق ذلك أن الكاتب جعل رواية أبا الأديان البصري ركناً أساسياً لعدم مشاهدة الشيعة لإمامهم المنتظر ، وقال :
(عامة الشيعة لم يكونوا يعرفون أحداً غير جعفر من أبناء الإمام الهادي ، ولم يكونوا شاهدوا أي ولد للإمام العسكري ، وهذا ما تؤكده رواية أبي الأديان البصري) (1) .
ولكن عندما حملت هذه الرواية بعض الإشارات للتعرف على الإمام المهدي ، قال الكاتب بحقها :
(وأما رواية أبي الأديان البصري التي ينفرد بنقلها الصدوق ويرسلها دون أي سند . . . ولا يعرف أحد شخصاً بهذا الإسم مما يؤكد اختلافه من بعض الغلاة) (2) .
فما حدا مما بدا ، بالأمس وفي (ص 191) كانت الرواية القاعدة الأساسية للاستدلال على ما أراد ، واليوم وفي (ص 224) أصبحت ضعيفة مرسلة ، راويها غير معروف . وما هذا التخبط إلا للمنهج العشوائي الذي اعتمده الكاتب في الاعتماد على الروايات وتقطيعها ، وتأييد ما ينفعه من قطعها ، وتضعيف ما يهدم أركان استدلاله منها .
ولم يكتف الكاتب بذلك ، بل حمل الرواية أكاذيب لم تحملها ، وجعل من أبي الأديان البصري ـ على الرغم من اتهامه بالجهالة ـ رجلاً معزياً ومهنئاً لجعفر ، معزياً بوفاة العسكري ، ومهنئا بمقام جعفر الجديد ، وهو الإمامة ، ونسب ذلك إلى الرواية (3) ، بينما نجد أبا الأديان هذا في تلك الرواية يقول : (إن كان جعفر هو الامام فقد بطلت الإمامة لأني ـ والكلام لأبي ـ كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجسوق ويلعب الطنبور) (4) . فلم ينقل هذه المواصفات لجعفر والتي حدث بها أبو الأديان ،

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 191 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 224 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 191 .
(4) كمال الدين : ص 432 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي