دفاع عن التشيع 194

وأمير المؤمنين ثانياً ، والحسن والحسين ثالثاً ، وأبيه رابعاً ، كما يقول الشيخ المفيد (1) ؟!
فكل هذه الركائز التي رفدت الباقر عليه السلام وجعلته إماماً للشيعة أنكرها أحمد الكاتب ، وقال : (إن نظرية الإمام الباقر السياسية لم تقم على النص والوصية) .
أما المحور الثاني ، وهو ما افتراه الكاتب بأن نظرية الإمامة تبلورت في بداية القرن الثاني الهجري ، فبالاضافة إلى ما ورد من الرسول صلى الله عليه واله وسلم حول مسألة النص على أمير المؤمنين ، وقد نقلنا ذلك فيما تقدم ، احتج أمير المؤمنين بالنص والوصية له ، فقام مخاطباً المسلمين : «انشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، لما قام وشهد» .
وشهد بالإمامة والنص والوصية للإمام علي عليه السلام اثنا عشر بدرياً ، قالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ذلك يوم غدير خم .
وتسالم على هذا المناشدة امهات الكتب السنية من الصحاح وغيرها ومؤلفيها ، أمثال أحمد بن حنبل والنسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم (2) ، وقد نقل ابن كثير أسانيد هذه المناشدة (3) .
واحتج أيضاً من بعده ولده الحسن عليه السلام بقوله : «أنا ابن النبي وأنا ابن الوصي» (4) .
واحتج الحسين عليه السلام من بعد أخيه الحسن عليه السلام بالنص والوصية السياسية بقوله : «ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه» .
فلا أعلم كيف يحتج علي وولداه الحسن والحسين عليهم السلام على الامة بالنص والوصية السياسية ، والكاتب يقول : (لقد تبلورت هذه النظرية في القرن الثاني) ؟!
ثم بعد أن فشل الكاتب في إيجاد منفذ له في نظرية الإمام الباقر عليه السلام السياسية ، راح

(1) الإرشاد : ج 2 ، ص 160 .
(2) مسند أحمد : ج 1 ، ح 642 و 672 و 953 و964 ؛ سنن النسائي : كتاب الخصائص ، ح 8542 ؛ الترمذي : ج 5 ، ح 3713 ؛ ابن ماجة : ج 1 ، ح 116 و 121 .
(3) البداية والنهاية : ج 5 ، ص 228 ـ 231 .
(4) ذخائر العقبى : ص 239 .
دفاع عن التشيع 195

يبحث عن منفذ آخر له بعد وفاة الباقر عليه السلام ، وقال : (بعد وفاته ـ الباقر عليه السلام ـ سنة 114 هـ حيث ذهب فريق منهم إلى اتباع أخيه الإمام زيد بن علي الذي أعلن الثورة ضد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك سنة 122 هـ اعتماداً على نظرية اولي الأرحام) (1) .
وأراد من هذا الكلام القول بأن نظرية الإمامة لم تكن نظرية معروفة ، ولكن أنى له هذا ؟ فقد رده زيد بن علي نفسه عندما قال : (جعفر إمامنا في الحلال والحرام) (2) .
فلقد اعترف زيد بالإمامة في هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق التي ملأت كتب الحديث الشيعية ، وأنها في جعفر الصادق وبعد والده الباقر ، وقد برأ الإمام الصادق عليه السلام زيداً مما ينسب إليه من البعض بقوله : «فإن زيد كان عالماً ، وكان صدوقاً ، ولم يدعكم إلى نفسه ، إنه دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام ، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه» (3) .
اذن ، لم ينفع احمد الكاتب ذلك الفريق الذي التف حول زيد بن علي ؛ لعلم ذلك الفريق وعلم زيد نفسه وتصريحه بأمامة جعفر عليه السلام.
وبعد أن عجزالكاتب عن إيجاد أي منفذ في البيت العلوي ، راح يتبع اولئك المنحرفين ـ بعد وفاة الباقر عليه السلام ـ الذين انحرفوا عن خط أهل البيت ، فقال : (وذهب فريق آخر بقيادة المغيرة بن سعيد إلى القول بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن) . ومن المعلوم أن هذا الرجل ذهب إلى هذا القول قبل وفاة الإمام الباقر عليه السلام ، ولكنه لم يظهر ذلك إلا بعد وفاة الإمام ، على زعم أنه نبي في نهاية المطاف (4) .
فأراد الكاتب أن يقول بعد هذا الكلام : إن نظرية الإمامة غير واضحة ، وإلا لما تفرقوا . وهذا كلام خال من الموضوعية ؛ لأن اولئك الذين ذهبوا مع زيد كانوا عالمين بإمامة جعفر الصادق عليه السلام ، كما هو واضح ـ وذكرناه سابقاً ـ ، وبتصريح قائدهم زيد ابن علي ، وأما المغيرة بن سعيد فقد قال بإمامة عبد الله بن الحسن قبل وفاة الباقر عليه السلام ،

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 38 .
(2) رجال الكشي : ترجمة سليمان بن خالد ، ص 361 ، رقم 668 .
(3) روضة الكافي : ص 180 ، ح 381 ؛ معجم رجال الحديث : ج 7 ، ص 346 .
(4) فرق الشيعة : ص 75 .
دفاع عن التشيع 196

وليس بعدها ، وكان هذا الرجل مذموماً من قبل الباقر نفسه ، ومثله الإمام الباقر بالشيطان لانه قد«أتته آياتنا وعلم مكانتنا ، ولكن اتبع الشيطان وكان من الغاوين» (1) ، ولقد ذمه الإمام الصادق عليه السلام بقوله : «لعن الله المغيرة بن سعيد» (2) ، وسواء تفرق المغيرة وأمثاله أم لا لا يضر ذلك في الإمامة ما دام الباقر والصادق وأبناء البيت العلوي يدافعون عن هذا المنصب .
إذن ، أفلس الكاتب من أي وثيقة تنفعه ، لا من البيت العلوي ـ أي من الباقر وزيد ـ ولا من أعدائهم ، أمثال المغيرة وغيره .

المبحث السادس : الإمام الصادق عليه السلام

أكاذيب أحمد الكاتب حول إمامة الصادق عليه السلام : سار الإمام الصادق عليه السلام على ما سار عليه آباؤه في طرحه لمسألة الإمامة والنص والوصية ، وتحرك بنفس الاتجاه الذي تحركوا فيه لتركيز هذه النظرية في الفكر الإسلامي .
فقد تحدث الصادق عليه السلام عن الإمامة بالنص والوصية ، وقال لعبد الأعلى : «فذكر ما أنزل الله في علي ، وما قاله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حسن وحسين عليهما السلام ، وما خص الله به علياً عليه السلام ، وما قال فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من وصيته إليه ونصه إياه . . . . ووصيته إلى الحسن . . .» (3) .
وجعل الإمام الصادق مسألة النص من امهات مسائل الإمامة والخلافة ، وقيادة دفة المجتمع الإسلامي ، ونقل حديث اللوح الذي كان بيد امه فاطمة عليها السلام ، الذي رآه جابر بن عبد الله الأنصاري ، والذي فيه السلسلة الذهبية للأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحد ،

(1) معجم رجال الحديث : ج 18 ، ص 278 ، رقم 12558 .
(2) معجم رجال الحديث : ج 18 ، ص 275 ، رقم 12558 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 441 ، باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام ، ح 2 .
دفاع عن التشيع 197

ينص السابق على اللاحق (1) .
وانطلق الإمام الصادق عليه السلام ليركز نظرية فرض الطاعة التي هي من رواشح الإمامة قائلاً : «نحن الذين فرض الله طاعتنا ، لا يسع الناس إلا معرفتنا ، ولا يعذر الناس بجهالتنا» (2) .
وتحرك عليه السلام باتجاه آخر لتركيز هذه النظرية عن طريق العلم ووراثة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فقال: «وإنا ورثنا محمداً صلى الله عليه واله وسلم ، وإن عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى عليهما السلام» (3) .
إلى غير ذلك من الطرق والوسائل التي اتبعها الإمام الصادق عليه السلام في تأصيل نظرية النص والولاية في أذهان المسلمين .
أضف إلى ذلك ، النصوص الكثيرة التي وردت بحق الصادق عليه السلام من أبيه الباقر عليه السلام ، والتي توجت الصادق عليه السلام إماماً للمسلمين ، ومن هذه النصوص التي حفلت بها كتب الشيعة ، أن الباقر عليه السلام نظر يوماً إلى أبي عبد الله عليه السلام يمشي ، فقال : «ترى هذا ؟ هذا من الذين قال الله عزوجل : «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين» » (4) .
وكذلك نقل أبو عبد الله الصادق عليه السلام قول الوصية من أبيه إليه (5) ، وكذلك قول الإمام الباقر عليه السلام إلى الصادق عليه السلام ـ عندما أقبل إليه ـ : «هذا خير البرية» (6) .
ونقلت أحاديث النص على الصادق عليه السلام في كتب الشيعة المختصة بهذا المجال (7) .

(1) الكافي : ج 1 ، ص 593 ، باب ما جاء في الاثني عشر عليهما السلام .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 243 ، باب فرض طاعة الأئمة .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 283 ، باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 366 ، باب الإشارة والنص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .
(5) المصدر السابق .
(6) المصدر السابق .
(7) أبواب الإشارة والنص على الأئمة عليهم السلام في الكافي وغيره .
دفاع عن التشيع 198

وبالرغم من كل هذه النصوص الواردة بحق الصادق عليه السلام ، وما قام به الصادق من دور في تركيز لهذه النظرية ، قال أحمد الكاتب : (لا توجد في التراث الشيعي أحاديث كثيرة عن موضوع النص عليه ـ الإمام الصادق ـ أو الوصية له من أبيه في الإمامة ، ما عدا رواية تتحدث عن وصية عادية جداً) (1) .
وحتى هذه الرواية التي لم يفهم الكاتب مغزاها ، كانت تحمل بين طياتها الوصية والنص على الإمام الصادق عليه السلام ، وإليك نص الرواية :
عن أبي عبد الله قال : «إن أبي عليه السلام استودعني ما هناك ، فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً ، فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر ، فقال : اكتب : هذا ما أوصى به يعقوب بنيه «يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون» ، وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ، وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة ، وأن يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع . . . قال للشهود انصرفوا رحمكم الله ، فقلت له : يا أبت ـ بعدما انصرفوا ـ ما كان في هذا بأن تشهد عليه ؟ فقال : يا بني ، كرهت أن تغلب وأن يقال : إنه لم يوص إليه ، فأردت أن تكون لك الحجة» (2) .
فأراد الإمام الباقر عليه السلام أن يثبت عنوان الوصية للصادق فقط أمام هؤلاء ، ويكون وصي أبيه .
وهناك روايات كثيرة نقلنا بعضها دلت على أن الباقر نصب الصادق عليه السلام إماماً للمسلمين ، فالنتيجة النهائية أنه وصي أبيه أمام هؤلاء ، وإماماً للمسلمين عند اصحابه وأنصاره ، ولهذا قال الإمام الباقر له في ذيل هذا الرواية : «فأردت أن تكون لك الحجة» .
فعنوان الوصية هو الحجة ، والغريب أن أحمد الكاتب قال بعد أسطر : (إن الإمام الصادق نافس عمه زيداً اعتماداً على موضوع الوصية من أبيه) (3) .

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 39 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 368 باب الإشارة والنص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 39 .
دفاع عن التشيع 199

فإذا كانت الوصية عادية فكيف يعتمد عليها الإمام الصادق عليه السلام في موضوع المنافسة المزعومة ؟ فاضطرب الكاتب في الكلام ، ووجد أن مألة النص من المسائل المركوزة في جلسات الأئمة ونقاشاتهم ، فراح يبحث عن وسيلة اخرى ، فقال : ( وتشير بعض الروايات التي ينقلها الصفار والكليني والمفيد عن الإمام الصادق أنه كان يخوض معركة الإمامة مع منافسة عمه زيد . . .) ، إلخ .
والمتابع للرواية التاريخية يجد أن زيداً قد اعترف بإمامة جعفر ولم ينافسه ، وقال بحق الإمام الصادق عليه السلام : (جعفر إمامنا في الحلال والحرام) (1) .
وكان الإمام الصادق عليه السلام في طليعة المدافعين عن زيد الشهيد بقوله : «فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ، ولم يدعكم إلى نفسه ، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام ، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه» (2) .
فقول زيد بحق جعفر عليه السلام ، وقول الصادق جعفر بن محم عليهم السلام بحق زيد ، ينفي موضوع المنافسة التي خلقها أحمد الكاتب .
وعندما أفلس أحمد الكاتب من إيجاد صراع بين زيد وعمه الصادق عليه اسلام حول الإمامة ، راح يقلب دفاتره حول موضوع جديد ، ألا وهو امتلاك سلاح رسول اللهصلى الله عليه واله وسلم ، فقال : (ويظهر من بعض الروايات التي يذكرها الصفار والمفيد أن موضوع السلاح كان في تلك الفترة أهم موضوع حاسم في معركة الإمامة بين محمد بن عبد الله بن الحسن وبين الصادق)
وهذا الاستظهار لا مجال لتصديقه ، ونشأ لدى الكاتب نتيجة لعدم فهم مناهج المحدثين ، أمثال الصفار والمفيد ، فهم يقسمون كتبهم إلى أبواب أو أجزاء أو فصول ، وفي كل واحد من تلك الأجزاء أو الفصول يحمل جهة من الجهات التي اختص بها الأئمة عليهم السلام ، فذهب أحمد الكاتب إلى الفصول والأجزاء التي تحدثت عن امتلاك

(1) رجال الكشي : ترجمة سليمان بن خالد ، ص 361 ، رقم 668 .
(2) روضة الكافي : ص 180 ، ح 381 ؛ معجم رجال الحديث : ج 7 ، ص 346 .
أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 40 .
دفاع عن التشيع 200

الأئمةعليهم السلام لسلاح رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وترك في نفس تلك الكتب الأبواب التي تتحدث عن النص والوصية ، ومن أراد الاطلاع على ذلك فمبجرد مطالعة الفهارس لكتب اولئك الأعلام يتضح له ما نقول .
وبعد أن يئس الكاتب من كل ما تقدم ، عاد وكما عودنا إلى التزوير وتقطيع الروايات ، عاد إلى الإمام الصادق عليه السلام نفسه ، وقال : (لم يكن الإمام الصادق يطرح نفسه كإمام مفترض الطاعة من الله ، وإنما كزعيم من زعماء أهل البيت ، ولذلك فقد استنكر قول بعض الشيعة في الكوفة : إنه إمام مفترض الطاعة من الله . وهذا ما تقوله نفس الرواية السابقة الواردة على لسان سعيد السمان وسليمان بن خالد : أن الإمام الصادق كان جالساً في سقيفة له إذ استأذن عليه اناس من أهل الكوفة ، فأذن لهم ، فدخلوا عليه فقالوا : يا أبا عبد الله ، إن أناساً يأتوننا يزعمون أن فيكم أهل البيت إماماً مفترض الطاعة ؟ . . . فقال : «لا ، ما أعرف ذلك في أهل بيتي» ، قالوا : يا أبا عبد الله ، إنهم أصحاب تشمير وأصحاب خلوة وأصحاب ورع ، وهم يزعمون أنك أنت هو ؟ . . . فقال : «هم أعلم ، وما قالوا ، ما أمرتهم بهذا» (1) . واكتفى الكاتب بهذه الكلمات ولم يكمل الرواية التي تقول :
فخرجوا ، فقال لي : «يا سليمان ـ الإمام قال لأحد أصحابه ـ من هؤلاء» ؟ قلت : الناس من العجلية ـ وهم الضعفاء من الزيدية ، فسموا العجلية لأنهم أصحاب هارون ابن سعيد العجلي ـ قال الإمام : «عليهم لعنة الله . . . » (2) .
فلنسأل أحمد الكاتب : لماذا قال : «عليهم لعنة الله» ؟ فتفسير هذه الكلمة يوضح معنى قول الإمام عليه السلام : «ما أعرف ذلك في أهل بيتي» ، هذا أولاً .
وثانياً : إن الإمام الصادق عليه السلام لا تأخذه في الله لومة لائم ، فعندما يجد شخصاً أدخل في الدين ما ليس فيه يلعنه على رؤوس الأشهاد ، وهذا ما حصل مع المغيرة من سعيد ، حيث قال الإمام الصادق عليه السلام بحقه : «لعن الله المغيرة بن سعيد» (3) ، وكذلك قال

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 41 .
(2) بصائر الدرجات : ص 176 .
(3) معجم رجال الحديث : ج 18 ، ص 275 ، رقم 12558 .
دفاع عن التشيع 201

بحق محمد بن عبد الله بن الحسن الذي أدعى أنه المهدي ، قال : «كذب عدو الله ، بل هو ابني» (1) .
بينما في هذه الرواية نجد الإمام الصادق عليه السلام لم يكذب القوم بدعواهم أنه إمام مفترض الطاعة ، بل قال : «هم أعلم وما قالوا» ، ولم يكذبهم ولم يلعنهم ، فمفردات الرواية وأجوبة الإمام عليه السلام تعطي للرواية فهماً واضحاً ، ولكن الكاتب جرد الرواية من جوها الحقيقي ، وقطع منها ما يعترض طريقه ، فشوش ذهن القارئ بما قال .
وبعد فشل أحمد الكاتب من كل ما تقدم عاد ليتهم الإمام الصادق عليه السلام بعدم اتصافه بميزة إلهية ، فقال : (ونتيجة لعدم تمتع الإمام الصادق بميزة إلهية خاصة ، وعدم معرفة الشيعة في ذلك الزمان بأي نص إلهي حول الإمامة ، فقد نمت الحركة الزيدية بقيادة زيد بن علي الذي فجر الثورة في الكوفة عام 122 هـ) (2) .
ولا ندري كيف لا يتمتع الإمام الصادق عليه السلام بميزة إلهية وهو يقول : «إن سليمان ورث داود ، وإن محمداً ورث سليمان ، وإنا ورثنا محمداً ، وإن عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور وتبيان ما في الألواح» (3) .
ولم نجد من وقف أمام الامام واستنكر قوله هذا ، بل لم نجد في التاريخ مطلقاً من وقف بوجه أحد الأئمة ورد عليهم ما يقولون ، وكم قال الأئمة من أقوال ومن صفات نسبوها لأنفسهم ، ونتحدى الكاتب أن يجد نصاً واحداً يثبت مواجهة نفر من الأمة الإسلامية لما يقوله الأئمة ، فكل ذلك ألا يعتبر ميزة إلهية لهؤلاء الأشخاص . ومن تصفح كتب الإمامية يجد مميزات إلهية وليس ميزة واحدة ، ثم كيف لا تعرف الشيعة أي نص حول الإمامة ، وقد تمسكوا بعد وفاة كل امام بالإمام اللاحق ، فإذا لم يوجد نص ، فلماذا امتنع عن البيعة عمار وأبو ذر والزبير وغيرهم ؟ ولماذا قتل علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ ولماذا سم الحسن عليه السلام ؟ ولماذا قتل الحسين عليه السلام ؟ ولماذا كل هذه المؤامرات

(1) مقاتل الطالبيين : ص 212 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 42 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 282 .
دفاع عن التشيع 202

والدسائس بحق الشيعة ؟
وأما حركة زيد الشهيد فلم تكن حركة قبال الإمامة ، كى يقول الكاتب : إنها نمت نتيجة لعدم وجود نص ؛ لأن زيداً نفسه يقول لابنه يحيى : (الإئمة أثنا عشر ، أربعة من الماضين وثمانية من الباقين ، فقلت : فسقهم يا أبه ، فقال : أما الماضون فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ... ) ، وراح يعد الأئمة ، ثم لم يكتف يحيى بذلك ، بل سأله ؛ هل هو أحد هؤلاء أم لا ؟ فقال له زيد : (لا ، ولكني من العترة ... ) (1) .
فحركة زيد حركة مباركة من قبل الأئمة عليهم السلام ، وإلا لما دعا له الإمام الصادق عليه السلام بقوله : «رحمه الله ، أما أنه كان مؤمناً ، وكان عارفاً ، وكان عالماً ، وكان صدوقاً ، أما أنه لو ظفر لوفى ، أما أنه لو ملك لعرف كيف يضعها» (2) .
هذا بالنسبة إلى حركة زيد ، أما الزيدية كفرقة نشأت بعد وفاة زيد بن علي ، وسر نشوئها هو عدم الفهم الحقيقي لثورة زيد ، وما كان يريد منها ، فاجتهد البعض في تفسير أهداف تلك الثورة والنوايا التي يدعو زيد إليها ، فقالوا بأن زيداً يدعو إلى نفسه ، وقال الشيخ المفيد في هذا المضمار : (واعتقد كثير من الشيعة فيه الإمامة ، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد ، فظنوا يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يريدها ؛ لمعرفته باستحقاق أخيه عليه السلام للإمامة من قبله ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله) (3) .
ووافق كثير من علماء الشيعة الشيخ المفيد هذا الرأي (4) .
ثم قال احمد الكاتب لينقذ موقفه : (وقد بايع محمد بن عبد الله بن الحسن ذي النفس الزكية عامة الشيعة بمن فيهم العباسيون والسفاح والمنصور) (5) .

(1) كفاية الأثر : ص 300 .
(2) رجال الكشي : ترجمة السيد بن محمد الحميري ، ص 385 ، رقم 505 .
(3) الإرشاد : ج 2 ، ص 712 .
(4) كفاية الأثر : ص 301 ـ 303 ؛ بحار الأنوار : ج 46 ، ص 205 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 42 .
دفاع عن التشيع 203


وذكر أحمد الكاتب لهذه الدعوى مصادر ، امثال فرق الشيعة للنوبختي ، والإرشاد للمفيد ، ومقاتل الطالبيين للإصفهاني ، وبمراجعة بسيطة لهذه المصادر نجد أن هذا المعنى غير موجود مطلقاً ، بل هو من صياغات الكاتب نفسه لكي يستخرج نتيجة تقول بعدم وضوح الإمامة لدى عامة الشيعة ، وكذبه النوبختي بقوله : (وعندما توفي أبو جعفر افترقت أصحابه فرقتين ، فرقة قالت بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وأما الفرقة الاخرى من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام فنزلت إلى القول بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق) .
إذن ، فعبارة (إن عامة الشيعة بايعت محمد بن عبد الله بن الحسن) غير موجودة في فرق الشيعة للنوبختي مطلقاً ، بل هي من تزويرات الكاتب الكثيرة ، وكيف تبايع الشيعة محمد بن عبد الله والإمام الصادق عليه السلام يكذب دعواه بقوله : «كذب عدو الله» (1) .
وقال بحقه الصادق عليه السلام : «إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ، ولكنها لهؤلاء ، وإن ابنيك لمقتولون» ، فتفرق أهل المجلس ـ الذين اجتمعوا لمبايعة محمد هذا ـ ولم يجتمعوا بعدها ، كما يقول الإصفهاني (2) .
فتفرق القوم عنه لا ينسجم مع مبايعة عامة الشيعة له كما يقول الكاتب .
إذن ، كل الغبار الذي أثاره أحمد الكاتب حول إمامة الصادق عليه السلام لم يجد نفعاً ، ونذكر أحمد الكاتب أن أعداء الإمام الصادق عليه السلام اعترفوا بإمامته ، أمثال أبي مسلم الخراساني ، حيث عرض الخلافة ابتداءً على الإمام الصادق (3) ، ورفضها الإمام لعلمه بعاقبة الامور ، وكذلك أبو سلمة طلب من الإمام الصادق القدوم لمبايعته (4) .
وقد نظم أبو هريرة الأبار صاحب الإمام الصادق عليه السلام هذه الحادثة شعراً فقال :
ولما دعا الداعون مولاي لم يكن ليثــني إلـيه عزمـه بصــواب

(1) مقاتل الطالبيين : ص 212 .
(2) مقاتل الطالبيين : ص 225 .
(3) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ج 1 ، ص 57 .
(4) مروج الذهب : ج 3 ، ص 280 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج 3 ، ص 95 .
دفاع عن التشيع 204

ولمـا دعوه بالكـتاب أجابهـم بحرق الكتاب دون رد الجواب
وما كان مولاي كمشري ضلالة ولا ملبساً منها الردى بثـواب
ولكـنه لله في الأرض حجـة دليل إلى خير وحسـن مـآب (1)

فهؤلاء اعترفوا بالإمام الصادق عليه السلام إماماً وكاتبوه على ذلك .
الإمامة عند الصادق عليه السلام : ركز الإمام الصادق عليه السلام مفهوم الإمامة في أذهان أصحابه وأنصاره آنذاك ، فقال لأحدهم عندما سأله عن قوله تعالى :«وجعلها كلمة باقيةً في عقبه» ، قال عليه السلام : «يعني بذلك الإمامة ، جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة» .
وحفلت كتب الحديث بأقوال وتوصيات الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه حول مسألة الإمامة ، وراح يوجه الأصحاب إلى زيارة قبر جده الحسين عليه السلام ، وأعلمهم بأن هناك شرطاً لقبولها ، وهو أنك تعترف بأنه إمام مفترض الطاعة ، فقال الصادق عليه السلام : «وزيارته ـ زيارة الحسين عليه السلام ـ مفترضة على من أقر للحسين بالإمامة من الله عزوجل» (2) .
وعندما تطرق الكاتب إلى موقف الإمام الصادق عليه السلام من الإمامة لم يجد بداً إلا التحريف وقطع الأحاديث حتى تنفعه في نظريته ، فقال : (إن هشام بن سالم الجواليقي كلم رجلاً بالمدينة من بني مخزوم في الإمامة ، فقال له الرجل : فمن الإمام اليوم ؟ فقال له : جعفر ابن محمد ، فتعجب الرجل ، وقال : فوالله لأقولها له ، فغم لذلك هشام غماً شديداً خوفاً من أن يلومه الإمام الصادق أو يتبرأ منه) (3) .
فاكتفى الكاتب بذلك ، ولم يكمل الرواية لكي يوقع في هشام بن سالم ، ولكن الرواية تقول : فأتاه الخزومي فدخل عليه فجرى الحديث ، قال : فقال له مقالة هشام ، فقال أبو

(1) مناقب ابن شهر آشوب : ج 4 ، ص 250 .
(2) أمالي الصدوق : ص 206 ، ح 226 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 85 ـ 86 .
دفاع عن التشيع 205

عبد الله الصادق : «أفلا نظرت في قوله ؟ فنحن لذلك أهل» (1) .
كل ذلك قطعه الكاتب ولم يبينه ، فأيد الإمام مقالة هشام ، وقال للمخزومي : «نحن لذلك أهل» ، وأما خوف هشام من طرحه للإمامة فيجيب عليه المنصور الذي دس الجواسيس في كل مكان حتى وصل به الأمر أن يعطيهم أموالاً يحملوها للإمام حتى يوقعه في الفخ ، وهذا ما حدث به التاريخ (2) .
ثم راح الكاتب يبحث عن الروايات المرسلة التي تشير إلى عتاب الإمام الصادق لهشام بن سالم ، وقيس الماصر ، ولقد كفانا السيد الخوئي بحث تلك الروايات ، وقال عنها : مرسلة (3) .
وعلى فرض صحتها فالشيعة لا تدعي العصمة لهشام بن سالم ، ولا إلى قيس الماصر ، ولا إلى أي شخص آخر سوى اثنى عشر بنص رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
أضف إلى ذلك أن الكاتب أراد أن يستدل بكلام الصادق عليه السلام لضرب موقف هشام بن سالم وقيس الماصر ، لأنهم يقولون بالإمامة ، والرواية على فرض صحتها والتي أطلق الإمام كلامه على هشام بن سالم وقيس الماصر فيها ، تحدث بها هشام بن الحكم ، وأثبت للشامي الإمامة ، وقال الشامي : فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأنك ـ الإمام الصادق ـ وصي الأوصياء ، ولما انتهى ذلك ، قال الإمام لهشام بن الحكم مؤيداً مناظرته وشهادة الشامي ، قال له : «مثلك فليكلم الناس» . هذا كله لم يعترف به الكاتب حتى يستدل ببعض الفقرات لضرب أصحاب الإمام .
أضف إلى ذلك أن هذا الشامي عندما جاء إلى المناظرة قال له الإمام الصادق عليه السلام : «إن الذي عندك وتريد أن تناظرنا به من كلام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أم من عندك» ؟ فقال الشامي : من كلام رسول الله بعضه ، ومن عندي بعضه ، فقال له الإمام : «فأنت إذن

(1) رجال الكشي : ترجمة هشام بن سالم ، ص 281 ، رقم 501 .
(2) مناقب ابن شهر آشوب : ج 4 ، ص 239 ـ 240 .
(3) معجم رجال الحديث : ج 14 ، ص 99 ، رقم 9672 .
دفاع عن التشيع 206

شريك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم» ، فقال : لا . قال : «فسمعت الوحي عن الله» ؟ قال : لا . قال : «فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله» ؟ قال : لا . فالتفت الإمام إلى أحد أصحابه وقال : «هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم» (1) .
فالإمام جعل وجوب الطاعة من صفات ذلك الشخص الذي يدعي أن عنده فرائض وفقهاً وكلاماً وكل شيء ، وهذا مختص بالأئمة فقط ، فهؤلاء فقط تجب طاعتهم ، وهذا لا يعترف به الكاتب أيضاً .
كل هذا الكلام حذفه الكاتب ، وذكر فقط قول الإمام الصادق عليه السلام في هذه الجلسة ، بعد أن تمت لهشام بن سالم وقيس الماصر ، الذي أراد الإمام بكلامه أو يوجههم ويعلمهم كيفية النقاش والمجاورة ، على فرض صحة الرواية ، ونصحهم بأن يكونوا كهشام بن الحكم الذي لعب في الرواية دور المناظر والمدافع عن الإمامة .
ثم راح الكاتب يفتش جعبته عن رواية اخرى بشرط أن تكون قابلة للتحريف ، فذكر رواية يوجه فيها الإمام الصادق عليه السلام مؤمن الطاق وجعل منها مورداً من موارد ذم الإمام الصادق لهذا الرجل ، لأنه تكلم بالإمامة مع أن الرواية لم تذكر مورد الحديث ، أضف إلى ذلك أن السيد الخوئي قال : (فلا ينبغي الشك في عظمة الرجل وجلالته ، والروايات المادحة له متظافرة وصحيحة السند) (2) ، فكلام السيد الخوئي هذا اطلق بعد البحث والتحقيق في حال الرجل الذي يقول عنه الطوسي : (ثقة متكلماً حاذقاً) .
وأخذ الكاتب يتمسك بتوجيهات الصادق لأصحابه ، ومنها قوله إلى مؤمن الطاق : «لا تتكلم» ، فقال مؤمن الطاق للمفضل بن عمر : أخاف أن لا أصبر (3) . ولم تبين الرواية أي مورد آخر غير هذا الكلام ، فهي توصية من الصادق عليه السلام لأصحابه ، لأن الفترة كانت حرجة ، كما يقول محمد أبو زهرة : (ليس هناك من ريب في أنه كان للتقية

(1) الإرشاد : ج 2 ، ص 194 ـ 198 .
(2) معجم رجال الحديث : ج 17 ، ص 39 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 86 .
دفاع عن التشيع 207

في عصر الإمام الصادق وما جاء بعده وهي كانت مصلحة للشيعة وفيها مصلحة للإسلام لأنها كانت مانعة من الفتن المستمرة) (1) .
وعلى فرض أنها ذامة لمؤمن الطاق فهي متعارضة مع كثير من الروايات المتضافرة والمادحة له ، ومنها الصحيحة السند كما يقول السيد الخوئي (2) .
وأخيراً ، فالرواية ضعيفة السند ، لوجود المفضل بن عمر ، وهو مطعون ، كما قال السيد الخوئي (3) .
وراح الكاتب يعتمد على تلك الروايات الذامة للرجل ، منها الرواية التي سأل الإمام الصادق فضيل بن عثمان عن موقف مؤمن الطاق وقال : «بلغني أنه جدل . . . » ، إلخ . وهذه الرواية ضعيفة بعلي بن محمد النعيمي ، كما يقول السيد الخوئي (4) .
وعلى فرض صحتها ، فالإمام يوجه مؤمن الطاق في نقاشاته ، ولم تقل الشيعة بعصمة مؤمن الطاق ، وكلام الأحوال في نفسه ، يقول السيد الخوئي : (لا يريد أن يتكلم بالجدل إلا أن الحماية عن الدين والعصبية له دعته إلى ذلك) (5) .
ثم راح الكاتب يدمج بين الروايات ليشوش ذهن القارئ بذم رجل مثل أبي بصير ، فقال : (ويقول الكشي : ان الامام الصادق رفض ان يستقبل ابا بصير ، وقال له : «يهلك أصحاب الكلام وينجو المسلمون ، إن المسلمين هم النجباء» ، وقال : «إني لأحدث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله ، وأنهاه عن القياس ، فيخرج من عندي فيتأول حديثي على غير تأويله» ) (6) .
وأراد من ذلك أن يشوه صورة الرجل الإمامي أبي بصير ، ونحن هنا نفكك بين

(1) الإمام الصادق : ص 243 ـ 244 .
(2) معجم رجال الحديث : ج 17 ، ص 39 .
(3) المصدر نفسه .
(4) المصدر نفسه .
(5) المصدر نفسه .
(6) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 86 ـ 87 .
دفاع عن التشيع 208

الروايات التي دمجها الكاتب ليتبين إلى أي حد تمادى هذا الرجل في كذبه وتزويره .
أما الرواية التي تقول : إن الإمام الصادق عليه السلام لم يأذن لأبي بصير فهي :
محمد بن مسعود ، قال : حدثني جبرائيل بن أحمد ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حماد الناب ، قال : جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله ليطلب الإذن ، فلم يؤذن له .
وهذه الرواية ضعيفة لأن جبرائيل بن أحمد لم يوثق ، فلا يمكن الاعتماد عليها (1) .
وأما كلمة الإمام «يهلك أصحاب الكلام وينجو المسلمون ... » ، إلخ ، التي نسبها الكاتب إلى الكشي ـ كما ذكره سابقا ـ هذه الكلمة لا توجد في ترجمة ابي بصير عند الكشي ، وهناك ثلاث رجال يلقبون بأبي بصير لم يوجد هذا الكلام في واحد منهم كما يقول الكشي ، وأسماء الرجال الثلاثة هي : ليث بن البختري ، وعبد الله بن محمد الأسدي ، ويحيى بن أبي القاسم ، وكل منهم يلقب بأبي بصير .
أما كلمة الإمام التي دمجها الكاتب وهي «إني لاحدث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال .... » ، إلخ ، والتي جعل منها الكاتب مورد ذم لأبي بصير ، جاءت عند الكشي نفسه بهذا الشكل :
«إني لأحدث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله ،وأنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأول حديثي على غير تأويله . . . . إن أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً ، اعني زرارة ومحمد بن مسلم ومنهم ليث بن البختري وبريد العجلي ، وهؤلاء القوامون بالقسط ، وهؤلاء السابقون السابقون اولئك المقربون» (2) .
وأبو بصير هو ليث بن البختري ، الذي جعله الكاتب بدمج الروايات وتحريفها مذموماً ، بينما هو عند الصادق عليه السلام من القوامين بالقسط السابقين السابقين ـ كما يقول الكشي ـ وغير مشمول بالحديث الذي نسبه الكاتب إلى الإمام الصادق بحق أبي بصير .

(1) معجم رجال الحديث : ج 20 ، ص 80 .
(2) رجال الكشي : ترجمة ليث بن البختري ، ص 170 ، رقم 287 .
دفاع عن التشيع 209


ألا يكفي كل هذا الدجل والشعوذة وخلق الفتن داخل الامة الإسلامية بعد أن بدأ الحق يتضح وبدأت الغيوم تنجلي .

أحمد الكاتب ومسألة البداء

وقبل التعرض لكلام الكاتب الذي ردد مقالة السابقين فيه ، نقول : إن البداء بمعناه المرفوض من الشعارات التي رفعت قديماً وحاضراً لضرب نظرية الإمامة الإلهية ، واستخدم هذا الشعار على مرحلتين :
المرحلة الأولى : رفع لإسقاط مكانة الأئمة عليهم السلام عند الناس ، وأول من تصدى لذلك سليمان بن جرير ـ الذي اعتقد بأن الإمامة شورى ـ وقال : (إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معها من أئمتهم على كذب أبداً ، وهما القول بالبداء وإجازة التقية) (1) .
ومقالة هذا الكذاب واضحة الهدف ، وهو تحجيم دور الأئمة عليهم السلام داخل المجتمع من خلال الاتهامات والظنون التي تصدى لها أئمة أهل البيت لكشف زيفها وبيان أهدافها ، فقال الإمام الصادق عليه السلام : «ما بدا لله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له» (2) .
وقال أيضاً : «إن الله لم يبد له من جهل» (3) .
وحاربوا اولئك القائلين بالبداء الذي ينسب الجهل إلى الله تعالى ، فلقد سأل منصور بن حازم الإمام الصادق عليه السلام : هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس ؟ قال عليه السلام : «لا ، من قال هذا فأخزاه الله» (4) .
وبهذه المواجهة الصريحة لرد الشبهات فشلت كل مخططات اولئك لتجحيم دور

(1) فرق الشيعة : ص 76 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 202 ، باب 24 باب البداء .
(3) المصدر نفسه .
(4) المصدر نفسه .
دفاع عن التشيع 210

الإمام في الأمة ، والقضاء على الإمامة الإلهية .
المرحلة الثانية : وبعد فشل تلك النسبة إلى الأئمة توجه اولئك المنحرفون إلى الشيعة ليغيروا الهجمة ويبدلوا طرف المواجهة ، فجعلوا طرفهم الجديد هم أصحاب الأئمة ، وهكذا بدأت الهجمة على الشيعة بعدما فشلت على الأئمة أولاً ، وانبرى علماء الشيعة لمواجهة ذلك بفتاوى وأقوال صريحة .
فقال الشيخ المفيد : (إن الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه ، وأنه لا حادث إلا وقد علمه قبل حدوثه ، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوماً إلا وهو عالم بحقيقته ، وأنه سبحانه لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وبهذا اقتضت دلائل العقول والكتاب المسطور والأخبار المتواترة من آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، وهو مذهب جميع الإمامية) (1) .
وقال الشيخ الطوسي : (إن الله تعالى عالم ، بمعنى أن الأشياء واضحة له حاضرة عنده ، غير غائبة عنه ، بدليل أنه فعل الأفعال المحكمة المتقنة ، وكل من كان كذلك فهو عالم بالضرورة) (2) .
وهكذا قال السيد المرتضى والعلامة والحلي وغيرهم (3) .
فسد علماء الشيعة باب حجة المنحرفين بأن الشيعة تنسب الجهل إلى الله تعالى بذريعة البداء ، وجاء الكاتب في القرن العشرين ، وبلا بحث وتحقيق ، ليجعل من البداء مشكلة تعيشها الشيعة (4) .
ونبع هذا الكلام من جهل تام بمعنى البداء في الفكر الإسلامي ، وليس الشيعي فحسب ، والدليل على ذلك ، أنه جاء في صحيح البخاري عن رسول اللهصلى الله عليه واله وسلم : «إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى ، بدا لله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً ، فأتى

(1) أوائل المقالات : ص 54 ـ 55 .
(2) الرسائل العشر : ص 94 ، المسألة السادسة .
(3) الذريعة : ج 1 ، ص 128 ؛ كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد : ص 310 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 106 .
دفاع عن التشيع 211

الأبرص فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن وجلد حسن ، قد قذرني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه فاعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً ، فقال : أي المال أحب إليك ، قال : الإبل ، فاعطي ناقة عشراء . . . . وهكذا فعل مع الأقرع والأعمى ، وأغناهم الله ، وبعد مدة أتاهم ذلك الملك بصورة رجل مسكين ، فطلب منهم ، فلم يعطه الأقرع والأبرص ، وأعطاه الأعمى ، فقال الملك للأعمى : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك» (1) .
وعلق ابن الأثير على هذا الحديث فقال : (وفي حديث الأقرع والأبرص والأعمى : بدا لله عزوجل أن يبتليهم ، أي قضى بذلك ، وهو معنى البداء ها هنا) (2) .
فعبارة (بدا لله) نقلها البخاري وابن الأثير ، وهؤلاء لم يكونوا شيعة ، فالفكر الإسلامي يقول بالبداء بالمعنى الجائز إطلاقه على الله ، لا بالمعنى الذي رفع لضرب الأئمة عليهم السلام أولاً ، والشيعة ثانياً ، وهو نسبة الجهل إلى الله .
فجهل الكاتب وأمثاله بالمعنى المسموح وشنع على الشيعة قولهم بالبداء المرفوض الذي رده الشيخ الطوسي قبل مئات السنين بقوله : (فأما إذا اضيفت هذه اللفظة ـ أي البداء ـ إلى الله تعالى ، فمنه مايجوز إطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز ، فأما الذي يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه ، ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع ، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهم السلام من الأخبار المتضمنة لإضفاء البداء لله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن ، ويكون إطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهراً لهم ، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلاً لهم اطلق على ذلك لفظ البداء) (3) .
اذن ، فالبداء عند الشيعة ليس كما تصوره سليمان بن جرير واتباعه ، ومن يقول

(1) صحيح البخاري : كتاب الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، ح 3277 .
(2) النهاية في غريب الحديث : ج 1 ، ص 109 .
(3) عدة الأصول : ج 2 ، ص 29 ، الطبعة الحجرية .

السابق السابق الفهرس التالي التالي