دفاع عن التشيع 212

بهذا المعنى فهو كافر عندهم وأفتوا بذلك .
قال الشيخ الصدوق : (وعندنا من زعم أن الله عزوجل يبدو له اليوم في شيء لم يعلمه أمس ، فهو كافر والبراءة منه واجبة) (1) .
وقال الشيخ الطوسي : (فأمام من قال بأن الله تعالى لا يعلم بشيء إلا بعد كونه ، فقد كفر وخرج عن التوحيد) (2) .
وهكذا سار علماء الشيعة بالإفتاء بكفر من قال بهذا المعنى ، يقول السيد محسن الأمين : وقد أجمع علماء الشيعة في كل عصر وزمان على أنه بهذا المعنى باطل ومحال على الله ، لأنه يوجب نسبة الجهل إليه تعالى ، وهو منزه عن ذلك تنزيهه عن جميع القبائح (3) .
فنبذ الكاتب كل تلك الأقوال الشيعية والفتاوى من علمائهم ومفكريهم ، ونسب البداء إلى الشيعة بالمعاني المرفوضة لديهم ، وجعله مشكلة عند الشيعة (4) .
أما لماذا قال الكاتب بذلك ، فإنه سيتبين بعد هذا البحث .

ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني

لم يستطع الكاتب أن يوفق بين أمرين عندما اطلع على قول الصادق عليه السلام أعلاه :
الأمر الأول : هو قول الإمام الصادق عليه السلام : «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» .
الأمر الثاني : إذا كانت الإمامة من الله تعالى وأن الأئمة معروفون معلومون من زمان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فلماذا قال الصادق عليه السلام هذا الكلام ؟
وبعبارة اخرى : إن الكاتب أغمض عينيه عن المعنى الحقيقي لقول الإمام

(1) كمال الدين : ص 69 .
(2) الغيبة للطوسي : ص 264 .
(3) نقض الوشيعة : ص 515 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 106 .
دفاع عن التشيع 213

الصادق عليه السلام ذلك ، وراح يتهم المتكلمين الشيعة بأنهم لم ينظروا إلى أحاديث أهل البيت في تأويلهم لكلام الإمام الصادق عليه السلام (1) ، ولا إلى الحقائق التاريخية .
ونحن هنا نستجيب لهذه الدعوة من الكاتب ، لننظر سوية في أحاديث الإمام الصادق عليه السلام ، ولنعرف قبل تأويل الكلام :
أولاً : موقف الإمام الصادق من مسألة الإمامة .
ثانياً : هل توجد نصوص دلت على إمامة إسماعيل بن الإمام الصادق ؟
ثالثاً : هل توجد نصوص دلت على إمامة موسى بن جعفر .
رابعاً : ما معنى قول الصادق عليه السلام : «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» ؟
أولاً : موقف الإمام الصادق عليه السلام من مسألة الإمامة : سار الصادق عليه السلام في مسألة طرح الإمامة على منوال أبيه الباقر عليه السلام ، لتشابه الظروف التي عاشها الباقر وولده الصادق عليهما السلام ، ففي تلك الحقبة الزمنية صار تحدي الإمام من قبل الملوك والحكام بواسطة اناس مرقوا عن الدين ، فباعوا دينهم بدنيا غيرهم ، وطبل البعض لإمامة زيد بن علي ، ليعوم مسألة الإمامة ، مستغلاً الظروف التي سادت ذلك العصر ، وخروج زيد بن علي على حكام الجور .
فانبرى الباقر ومن بعده الصادق لهذه الحركات المشبوهة ، فكما أثبت الباقر عليه السلام أن الأرض لا تبقى يوماً واحداً بغير حجة لله على الناس (2) ، أثبت ولده الصادق عليه السلام هذه الحقيقة بقوله : «لو لم يبقى في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة» (3) .
ثم تخطى الصادق عليه السلام هذه المرحلة ، وأثبت للناس مكانة هذا الحجة ، ومصير

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 117 .
(2) نظرية الإمامة والسياسة : ص 358 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 179 ، ح 1 .
دفاع عن التشيع 214

الناس في حالة جهلهم له ، فقال : «من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية» (1) .
ولكن وإلى هذا الحد بقي عدد هؤلاء الحجج غير معروف ومن أي نسب هم ؟ ونقل الصادق عليه السلام حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال لعلي : «يا علي هم اثنا عشر أولهم أنت وآخرهم قائمهم» (2) .
ونقل أيضاً حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «الأئمة بعدي اثنا عشر ، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم هم خلفائي وأوليائي وأوصيائي وحجج الله على امتي بعدي ، المعترف بهم مؤمن والمنكر لهم كافر» (3) .
ولم يقف الإمام الصادق عليه السلام في طرحه لموضوع الإمامة عند هذا الحد ، لأن ما طرحه قد يؤوّل ويحرف ، فراح يضيق الدائرة على المتصيدين بالماء العكر ، ويحدد صفات الإمام وشرائطه فقال : «الله تبارك وتعالى نصب الإمام علماً لخلقه ، وجعله حجة على أهل مواده وعالمه وألبسه الله تاج الوقار وغشاه من نور الجبار . . . . فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ومعميات السنن ومشبهات الفتن ، فلم يزل الله يختارهم لخلقه من ولد الحسين . . . . فالإمام هو المنتجب المرتضى والهادي المتنجى والقائم المرتجى» (4) .
ثم ذكر عشرة صفات للإمام منها : العصمة والنصوص ، وأن يكون أعلم الناس وأتقاهم لله ، وأعلمهم بكتاب الله ، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة ، ويكون له المعجز والدليل ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يكون له فيء ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه (5) .
وقال الصادق عليه السلام متحدثاً عن الإمام قائلاً : «المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم

(1) الغيبة للنعماني : ص 129 ، ح 6 ، عنه البحار : ج 23 ، ص 78 .
(2) الأمالي للصدوق : ص 728 ، ح 998 .
(3) كمال الدين : ص 247 ، ح 4 ؛ عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 62 ـ 63 ، ح 28 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 261 ـ 262 ، ح 2 .
(5) الخصال : ج 2 ، ص 498 ، ح 5 ، باب العشرة .
دفاع عن التشيع 215

الله ، وقد قال الله تبارك وتعالى : من يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم» (1) .
وقال أيضاً : «هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن ، لا يفترقان إلى يوم القيامة ، والإمام يهدي إلى القرآن ، والقرآن يهدي إلى الإمام» (2) .
وأشار عليه السلام في حديثه هذا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذي تسالم عليه الشيعة والسنة »لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» .
وأخيراً ، أوضح الإمام عليه السلام بأن المسألة راجعة إليهم يضعون الأمر فيمن يشاؤون ، فقال : «أترون الأمر إلينا نضعه حيث نشاء ؟ كلا والله ، وإنه لعهد معهود من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى رجل فرجل ، حيث ينتهي إلى صاحبه» (3) .
وأكد في حديثه الأخير على حديث اللوح وغيره من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في تبيان عدد وأسماء الأئمة من بعده .
وراح الصادق عليه السلام يبين لأصحابه وخواصه جزاء من يدعي الإمامة ، فقال : «من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر» (4) .
وجعله مفترياً على الله ورسوله ، فقال : «من ادعى الإمامة وليس بإمام ، فقد افترى على الله وعلى رسوله وعلينا» (5) .
وجعل مثواهم جهنم خالدين فيها ، فقال : «يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ووجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين» (6) .
ثم جعل الناس كلهم محتاجين إلى الإمام ، والإمام مستغن عنهم ، فقال : «حاجة

(1) معاني الأخبار : ص 132 ، ح 2 .
(2) معاني الأخبار : ص 132 ، ح 1 .
(3) كمال الدين : ص 213 ـ 214 ، ح 9 ؛ بصائر الدرجات : ص 471 ، ح 3.
(4) الكافي : ج 1 ، ص 434 ، ح 2 .
(5) ثواب الأعمال : ص 254 ، ح 2 .
(6) غيبة النعماني : ص 111 ، ح 1 .
دفاع عن التشيع 216

الناس إليه ولايحتاج إلى أحد» (1) .
فهذا هو التراث الحديثي الذي دعا أحمد الكاتب المتكلمين إلى النظر فيه قبل تأويل «ما بدا لله في شيء» ، وهذه الحقائق التاريخية ، فهل يستجيب الكاتب لها ؟
إذن ، نظرة الإمام الصادق إلى الإمامة هو عهد معهود من الله إلى نبيه ، وبلغه رسوله إلى علي وبعض الصحابة ، أمثال جابر الذي نقل حديث اللوح ، وسلمان وغيرهما ، فهذه النظرة هي المقدمة الأولى التي دعانا الكاتب إلى سبرها لفهم كلام الإمام الصادق عليه السلام : «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» .
ثانياً : هل توجد نصوص دلت على إمامة إسماعيل ؟ : تحدى الشيخ الصدوق قبل مئات السنين ، اولئك النفر اليسير الذين قالوا بإمامة إسماعيل ، تحداهم في أن يأتوا برواية واحدة تدل على مدعاهم ، فقال :
(بم قلتم إن جعفر بن محمد عليه السلام نص على إسماعيل بالإمامة ؟وما ذلك الخبر ؟ ومن رواه ؟ ومن تلقاه بالقبول ؟ فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً ، وإنما هذه حكاية ولدها قوم قالوا بإمامة إسماعيل ، ليس لها أصل) (2) .
وكذلك تحدى الشيخ المفيد ، فقال :
(إنه ليس أحد من أصحابنا يعترف بأن أبا عبد الله عليه السلام نص على ابنه إسماعيل ، ولا روى راو ذلك في شاذ من الأخبار ، ولا في معروف منها) (3) .
وهكذا تحدى علماء الشيعة ومفكروهم بعدم وجود أي نص في ذلك ، ولو كان شاذاً وغير معروف على إمامة إسماعيل .
والمتتبع لما نقله التاريخ ، وكتاب الفرق والملل عنهم ، يجد أنهم تمسكوا بالود والحب الذي يكنه الإمام الصادق عليه السلام لولده إسماعيل ، أضف إلى ذلك أنه اكبر ولده ، وما ذنب

(1) غيبة النعماني : ص 242 ، ح 40 .
(2) كمال الدين : ص 75 .
(3) الفصول المختارة : ج 2 ، ص 308 ـ 309 .
دفاع عن التشيع 217

الإمامة عندما تفسر خطأ من قبل البعض ، وهذا ما تحدث عنه الشيخ المفيد ، فقال : (كان الناس في حياة إسماعيل يظنون أن أبا عبد الله عليه السلام ينص عليه ، لأنه أكبر ولده ، وبما كانوا يرونه من تعظيمه ، فلما مات إسماعيل زالت ظنونهم وعلموا أن الإمامة في غيره) (1) .
وهذه هي المقدمة الثانية لفهم كلام الإمام الصادق المتقدم .
ثالثاً : هل توجد نصوص دلت على إمامة موسى بن جعفر ؟ : لقد حفلت كتب الإمامية بالنصوص الدالة على إمامة موسى بن جعفر ، وعلى حد تعبير الشيخ المفيد : (فمن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد الله الصادق عليه السلام على ابنه أبي الحسن موسى عليه السلام من شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين) (2) .
فلقد روى الكليني والمفيد وابن الصباغ والعلامة والمجلسي عن الفيض بن المختار ، قال : قلت : لأبي عبد الله عليه السلام خذ بيدي من النار ، من لنا بعدك ؟ قال : فدخل أبو إبراهيم ـ وهو يومئذ غلام ـ فقال : «هذا صاحبكم فتمسك به» (3) .
وروى المفيد والطبرسي وغيرهم ، أن أبو عبد الله قال بحق موسى بن جعفر : (وهو القائم مقامي والحجة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي) (4) .
فلم يترك الصادق عليه السلام أصحابه بدون إمام ، فلقد شخصه لهم باسمه وعلاماته ، وحفلت كتب الشيعة بعشرات النصوص الدالة على إمامة موسى بن جعفر من قبل والده الصادق عليه السلام ، ولم يكتف الأصحاب بمعرفة الإمام بعد الصادق عليه السلام ، بل راحوا

(1) المصدر السابق .
(2) الإرشاد : ج 2 ، ص 216 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 368 ، ح 1 ؛ الفصول المهمة : ص 231 ؛ الإرشاد : ج 2 ، ص 217 ؛ بحار الأنوار : ج 48 ، ص 18 ، ح 18 .
(4) إعلام الورى : ج 2 ، ص 7 ؛ الإرشاد : ج 2 ، ص 220 .
دفاع عن التشيع 218

يسألون الإمام بعد ولده موسى ؟ فهذا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن أبي طالب ، يسأل الصادق عليه السلام ، إن كان كون فبمن أأتم ؟ قال : فأومأ إلى ابنه موسى عليه السلام ، قلت : فإن حدث بموسى حدث ، فبمن أأتم ؟ قال : «بولده» ، قلت : فإن حدث بولده حدث وترك أخاً كبيراً وابناً صغير فبمن أأتم ؟ قال : «بولده» ، ثم قال : «هكذا أبداً» ، قلت : فإن لم أعرفه ولا أعرف موضعه ، قال : «تقول : اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي» (1) .
والمطالع لكتب الشيعة حول هذا الموضوع يجد قولنا نزراً يسيراً مما نقلوه ودونوه عن أئمتهم عليهم السلام .
وهذه هي المقدمة الثالثة التي دعا الكاتب المتكلمين إليها لفهم معنى قول الصادق عليه السلام : «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» .
رابعاً : ما معنى قول الصادق عليه السلام :
«ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني»

بعد تلك المقدمات الثلاثة التي أكدت أن الإمام الصادق عليه السلام ينظر إلى الإمامة إلى أنها عهد من الله تعالى ، ليس لاحد يضعه حيث يشاء ، وبعدما نفى إمامة إسماعيل لأصحابه (2) ، وبعد تنصيبه لولده موسى بن جعفر عليه السلام لموقع الإمامة ، بعد كل تلك المقدمات التي حفلت كل واحدة منها بعشرات الأحاديث من قبل الإمام ، نستطيع أن نفهم قول الإمام الصادق عليه السلام : «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» .
قال الشيخ الصدوق : (فأما قوله «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» يعني ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني ، إذ اخترمه ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي) (3) .

(1) الكافي : ج 1 ، ص 369 ، ب 37 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 337 ، ح 1 .
(3) كمال الدين : ص 75 .
دفاع عن التشيع 219

ولا يتوهم الكاتب وغيره بأن هذا التأويل دخيل على الفكر الإسلامي ، فإن هذا المعنى نقله البخاري في حديث «بدا لله أن يبتليهم» (1) .
وقال ابن الأثير معلقاً على هذه العبارة في الحديث الذي جاء في صحيح البخاري : وفي حديث الأقرع والأبرص والأعمى : بدا لله عز وجل أن يبتليهم (2) .
فهذا المعنى وهذه الكلمة «ما بدا لله» لم تأت عند الشيعة فقط ، بل جاءت عند السنة أيضاً ، وفي صحيح البخاري بالمعنى الصحيح الذي يمكن نسبته إلى الله تعالى ، وليس كما ذهب إليه الكاتب وغيره .
أضف إلى ذلك ، أن الشيخ المفيد جعل كلام الصادق عليه السلام كلاماً أجنبياً عن الإمامة ، فقال في تفسير الكلمة : (يعني ما ظهر لله تعالى فعل في أحد من أهل البيت عليهم السلام ما ظهر له في إسماعيل ؛ ذلك أنه كان الخوف عليه من القتل مستنداً ، والظن به غالباً ، فصرف الله عنه ذلك بدعاء الصادق عليه السلام ومناجاته لله فيه ، وبهذا جاء الخبر عن علي ابن موسى الرضا عليه السلام ، وليس الخبر كما ظنه قوم من الشيعة في أن النص كان قد استقر في إسماعيل ، فقيضه الله إليه وجعل الإمامة بعده في موسى عليه السلام ، فقد جاءت الرواية بضد ذلك عن أئمة آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم فروي أنهم قالوا : «مهما بدا لله في شيء فإنه لا يبدو له في نقل نبي عن نبوته ولا إمام عن إمامته ولا مؤمن قد أخذ عهده بالإيمان عن إيمانه» ) (3) .
ونظر كل من الصدوق والمفيد إلى كلام الصادق عليه السلام ، وأعطى تفسيره بناءً على ذلك التراث الذي دعا الكاتب المفكرين اللجوء إليه قبل فهم قول الصادق المتقدم ، وسواء حمل كلام الصادق عليه السلام على فهم الشيخ الصدوق أو فهم المفيد لا يدل كلا الفهمين على ما ادعاه الكاتب .

(1) صحيح البخاري : كتاب الأنبياء ، باب ما ذكر في بني إسرائيل ، ح 3277 .
(2) النهاية في غريب الحديث : ج 1 ، ص 109 .
(3) المسائل الحكبرية : ص 100 ، مسألة 37 .
دفاع عن التشيع 220

المبحث السابع : الإمام الكاظم عليه السلام


إمامة موسى الكاظم عليه السلام : بعد النصوص الكثيرة التي اتفق على نقلها علماء الشيعة أمثال الصدوق والكليني والطوسي والمفيد وغيرهم ، وبعد الإجماع الذي قال به النوبختي على إمامة موسى بن جعفر عندما قال : (فاجتمعوا ـ أصحاب أبي عبد الله الصادق ـ جميعاً على امامة موسى بن جعفر ) (1) بعد كل ذلك ، احتل الامام موسى الكاظم عليه السلام موقعه القيادي والتوجيهي للشيعة ، وليس كما ذهب الكاتب إلى أن الإمام الكاظم احتل مقامه القيادي بعد وفاة أخيه عبد الله الأفطح ، لأن أصحاب الصادق عليه السلام ـ وكما يقول النوبختي ـ أنكروا إمامة عبد الله وخطأوه في فعله وجلوسه مجلس أبيه وادعائه الإمامة ، وكان فيهم من وجوه أصحاب أبي عبد الله عليه السلام (2) .
وعندما علم الكاتب بتلك النصوص الدالة على إمامة موسى الكاظم عليه السلام ، وقول النوبختي وغيره ، راح يكذب على الشيخ الصدوق ، فقطع جزءاً من كلامه ، واستدل به على عدم وجود نص على الإمام الكاظم ، وعدم عصمته ، ونسب هذا التزوير للشيخ الصدوق ، فقال : (يقول الشيخ الصدوق في معرض الاستدلال على إمامة الكاظم : إن الإمام إذا كان ظاهراً واختلفت إليه شيعته ظهر علمه . . . وظهر من فضله في نفسه ما هو بين عند الخاصة والعامة ، وهذه هي أمارات الإمامة . . .) (3) .
وأراد الكاتب من نقل هذا النص للصدوق القول : إن الإمام موسى الكاظم يتمتع بمواصفات ليس بحاجة بعدها إلى النص أو العصمة .
وعودنا الكاتب على ذلك ، فقد اقتطع صدر الكلام للشيخ الصدوق الذي صرح بنصوص الإمامة إلى الكاظم من قبل أبيه الصادق ، وقال : (أوصى بالإمامة إلى

(1) فرق الشيعة : ص 89 .
(2) فرق الشيعة : ص 89 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكرالسياسي : ص 90 ـ 91 .
دفاع عن التشيع 221

موسى . . . ) (1) ، إلخ ، وكتاب الصدوق (كمال الدين) قائم على إثبات النص والعصمة للأئمة ، وقد أفرد عنواناً خاصاً باسم : (وجوب عصمة الإمام) ، وساق الأدلة والأحاديث على ذلك (2) ، ولم يقف الكاتب عند هذا الحد ، بل تحدث حديثاً إنشائياً خالياً من أي توثيق ، يقول فيه : (إن النصوص ـ النصوص الدالة على إمامة الكاظم ـ لم تكن حاسمة في معركة الإمامة) (3).
وعندما سبر تلك النصوص واطلع على أقوال علماء الشيعة ، ومنهم الصدوق الذي قال : (إن لنا أخبار وحملة آثار . . . نقلوا عن جعفر بن محمد عليه السلام من علم الحلال والحرام . . . وحكموا مع نقل ذلك عن أسلافهم أن أبا عبد الله عليه السلام أوصى بالإمامة إلى موسى عليه السلام . . . ) (4) ، ـ بعد أن علم بكل ذلك ـ عرف أن كلمة (لم تكن حاسمة) لا معنى لها ، فرمى كل تلك النصوص بالوضع والتزوير والتحريف ، فقال : (إن تلك النصوص لم تكن حاسمة في معركة الإمامة ، أو بالأحرى لم تكن موجودة في البداية) (5) .
ولكن لم يناقش لاسندا ولا متنا حتى حديثا واحدا منتتلك الاحاديث التي قال عنها الشيخ الصدوق : (وردت إلينا من حملة الآثار ، اولئك الذين نقلوا إلينا الحلال والحرام) .
وبعد الإفلاس التام راح يتشبث بالثورات التي قامت آنذاك ، وجعلها علامة على نفي إمامة موسى الكاظم عليه السلام ، ومن تلك الثورات ثورة شهيد فخ الحسين بن روح ، ولكنه نسي أن الحسين هذا لم يدع الإمامة لنفسه ، بل دعا إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه واله وسلم ، ورفض أي بيعة له إلا على هذا الشرط ، فقال لأصحابه : (ابايعكم على كتاب الله وسنة رسول الله ، وعلى أن يطاع الله ولا يعصى ، وأدعوكم إلى الرضا من آل

(1) كمال الدين : ص 106 .
(2) كمال الدين : ص 22 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 91 .
(4) كمال الدين : ص 106 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكرالسياسي : ص 91 .
دفاع عن التشيع 222

محمد) (1) . فهو يدعو إلى الرضا من آل محمد ، كما اعترف بهذا الكاتب نفسه عندما نقل بيعة الحسين لأصحابه (2) .
ثم راح يكذب على المؤرخين عندما قال نقلاً عن مقاتل الطالبيين : إن عامة الشيعة في عهد الكاظم انصرفوا إلى عيسى بن زيد بن علي وبايعوه سراً بالإمامة .
ونحن ندعو كل أصحاب الفكر ليرجعوا إلى مقاتل الطالبيين (3) ليروا كذب الكاتب بأنفسهم .
موقف زرارة من إمامة الإمام الكاظم عليه السلام : لقد أثارت الزيدية أمام الاثني عشرية شبهة تقول : إن زرارة مات ولم يعرف إمام زمانه ، وأرسل ابنه عبيد الله إلى المدينة ليتعرف على ذلك ، ومات زرارة قبل عودة عبيد الله ، ووضع زرارة المصحف على صدره وقال : اللهم إن إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد عليه السلام .
وكرر أحمد الكاتب ـ كالببغاء ـ هذه الشبهة من لسان الزيدية ، وتجاهل كل الردود عليها من ذلك الزمان إلى يومنا هذا ، ونحن هنا نبتعد عن البحث السندي لهذه الشبهة ، ومتن الحديث الذي لا يدل على ما أراده ، ونسلم جدلاً بما يقول ليتبين الأمر فيما بعد ، وندرس ذلك في اتجاهات :
الأول : لماذا لم يخبر زرارة بعض الشيعة بالإمام الذي اطلبوا منه معرفة اسمه بعد وفاة الصادق عليه السلام ، وأرسل ابنه عبيد الله ليتحسس الخبر .
الثاني : هل روى زرارة خبراً ينافي هذه الشبهة .
الثالث : موقع زرارة عند أهل البيت عليهم السلام .
أما الأمر الأول : فقد أجاب عنه الإمام الرضا بعد حفنة من السنين ، وبعد وفاة

(1) مقاتل الطالبيين : ص 378 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 92 .
(3) مقاتل الطالبيين : ص 342 .
دفاع عن التشيع 223

الصادق والكاظم وزرارة ، قال الشيخ الصدوق : حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (التقة الدين) (1) ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم (الثقة الثبت المعتمد الصحيح المذهب عند النجاشي والطوسي) (2) ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ابن عبيد (الذي قال عنه النجاشي : جليل في أصحابنا ، ثقة ، عين ، كثير الرواية ، حسن التصانيف) (3) ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني (الذي حج أربعين حجة وهو وكيلاً للرضا والجواد والهادي ، وقد صرحت الروايات بعدالته وفضله عند الكشي) (4) ، قال : قلت للرضا عليه السلام : يا بن رسول الله أخبرني عن زرارة ، هل كان يعرف حق أبيك عليه السلام ؟ قال : نعم ، فقلت له : فلم بعث ابنه عبيد الله ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر ابن محمد ، فقال عليه السلام : إن زرارة كان يعرف أمر أبي عليه السلام ، ونص أبيه عليه ، وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي عليه السلام هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه ، وأنه لما أبطأ عنه ابنه طولب في إظهار قوله في أبي عليه السلام فلم يحب أن يقدم ذلك دون أمره ، فرفع المصحف وقال : اللهم إن إمامي من أثبت في هذا المصحف إمامته من ولد جعفر ابن محمد عليهما السلام (5) .
وهذه الرواية بهذا السند المعتبر ـ كما عرفت حال رجاله ـ تؤكد أن زرارة كان يعرف إمامه بعد الصادق عليه السلام جيداً ، ولكن كان يكتم ذلك ، وعندما طولب بإظهار الأمر وضع المصحف على صدره وقال : قوله المتقدم .
ويبرز هنا سؤال ، هل فعلاً كان زمن زرارة والوضع السياسي يتطلب هذا التكتم على الإمام موسى بن جعفر أم لا ؟
أجاب عن هذا السؤال الكليني في الكافي عندما أثبت ان أبا جعفر المنصور بث

(1) كمال الدين : ص 344 ، ذيل الحديث 6 ، باب 34 ما أخبر به الكاظم من وقوع الغيبة .
(2) رجال النجاشي : ص 260 ، رقم 680 .
(3) رجال النجاشي : ص 333 ، رقم 896 .
(4) رجال الكشي : الأحاديث : 1009 ، 1053 ، 1135 ، 1136 .
(5) كمال الدين : ص 81 .
دفاع عن التشيع 224

جواسيسه في المدينة ينظرون إلى من تنفق شيعة جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عليه فيضربون عنقه (1) .
وأجاب عن هذا السؤال موقف المنصور من الشيعة ، عندما قال : قتلت من ذرية فاطمة ألفاً أو يزيدون ، وتركت إمامهم وسيدهم جعفر بن محمد .
وأجاب عنه أيضاً قول الصادق عليه السلام لزرارة عندما سأله عن التقية ، قال له : إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم ، ولو اجتمعتم على أمر لصدقكم الناس علينا ، ولكن أقل لبقائنا وبقائكم (2) .
وأجاب عنه أيضاً الإمام الكاظم لأصحابه الذين سألوا في أن يذيعوا أمره ، قال : «لا تذع فإن أذعت فهو الذبح» .
وأجابت عنه أيضاً وصية الإمام الصادق عليه السلام ، يقول أيوب النحوي : بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته ، فدخلت عليه وهو جالس على كرسي ، وبين يديه شمعة ، وفي يده كتاب ، فقال لي : هذا كتاب محمد بن سليمان (من المدينة) يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات . . . ثم قال لي : اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه ، قال : فرجع الجواب : إنه قد أوصى إلى خمسة ، أحدهم أبو جعفر المنصور . فقال المنصور : ليس إلى قتل هؤلاء سبيل (3) .
هذه وصية الإمام الصادق عليه السلام ، يوصي فيها إلى خمسة منهم الإمام الكاظم ، ومنهم أبو جعفر المنصور ، فهل توجد ترجمة لهذه الوصية غير الوضع السياسي المتربص بالإمام بعد الصادق عليه السلام ، وكيف بهذا الوضع يطالب زرارة باعلان إمامة الكاظم من دون أن يستشيره في الأمر ، ولما لم يرجع الجواب كتم زرارة الأمر تحسباً لهذه الأوضاع .
وأما الأمر الثاني : فإن زرارة روى عن الصادق عليه السلام خبراً ينافي عدم معرفته

(1) الكافي : ج 1 ، ص 351 ، ح 7 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 65 ، ح 5 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 370 ـ 371 ، ح 13 و14 .
دفاع عن التشيع 225

بالإمام بعد الصادق ، والخبر الذي رواه زرارة عن الإمام الصادق قوله : اعرف إمامك ، فإنك إذا عرفته لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر (1) .
فهل من المعقول يسمع مثل زرارة الذي يقول عنه الصادق له ولأصحابه : «والله إنهم أحب الناس إلي أحياءً وأمواتاً» (2) ، ولم يسأل عن الإمام الذي بعده .
واعلم أن هدف هذه التهمة التي أثارها الزيدية ورددها أحمد الكاتب (3) ، ليس النيل من زرارة فقط ، بل الهدف بالدرجة الأولى ضرب الإمام الصادق عليه السلام ، الذي لا تؤمن به الزيدية من خلال ضرب أعوانه وأنصاره المقربين إليه ، لأن الإمام الصادق يقول على لسان جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية» (4) ، فتكون موتة زرارة على قولهم ـ مع مدح الإمام الصادق له وقربه منه ـ موتة جاهلية ، فالإمامة ليست عند الصادق عليه السلام ، بل عندنا نحن الزيدية .
وأما الأمر الثالث : فإن رجال الشيعة وعلماءها أثبتوا وبطرق مختلفة جلالة وعظمة بيت زرارة وعلمهم بالإمامة بشكل قاطع لا يقبل الشك ، يقول الحسين بن روح متحدثاً عن بيت زرارة : (أهل بيت جليل عظيم القدر في هذا الأمر) (5) ، ويريد بالأمر الإمامة ، وبعد أن علم الكاتب أن الطعن في بيت زرارة وشخص زرارة ليس كافياً للتشويش والتدليس ، قال : (إن أقطاب الإمامية لم يكونوا يعرفون بأي نص حول الكاظم) (6) ، فهنا لم يكتف بزرارة ، بل شمل الأمر أقطاب الإمامية .
فكيف لا يعرفون النص ، وقد روى الكليني (16) حديثاً للنص على الإمام

(1) الكافي : ج 1 ، ص 432 ، ح 1 .
(2) كمال الدين : ص 82 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 88 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 438 ، ح 2 .
(5) الغيبة للطوسي : ص 184 .
(6) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 90 .
دفاع عن التشيع 226

الكاظم عليه السلام ، وأفرد إليها باباً أسماه : الإشارة والنص على الكاظم عليه السلام (1) .
وكيف لا تعرف الأقطاب النص على موسى الكاظم عليه السلام ، وهذا الفيض بن المختار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : خذ بيدي من النار ، من لنا بعدك ؟ فدخل أبو إبراهيم الكاظم عليه السلام وهو يومئذ غلام ، فقال : «هذا صاحبكم فتمسك به» (2) .
وكيف لا تعرف الشيعة الإمام الكاظم عليه السلام ، والصادق عليه السلام يوصي أحد أصحابه بأن يوضح لأصحابه الثقات أمر الكاظم عليه السلام (3) . أضف إلى ذلك ، قول الصادق لأصحابه : «هذا صاحبكم فتمسكوا به» ، كما يقول المفيد والكليني وابن الصباغ (4) .
ولم يكتف الإمام عليه السلام بذلك ، بل اوضح الى سليمان بن خالد امر الكاظم عليه السلام بقوله : « عليكم بهذا بعدي ، فهو والله صاحبكم بعدي » (5).
وبعد ان سدت الأبواب بوجه الكاتب ، راح يحرف ويزور ويقطع الحديث ، فلقد استدل بصدر حديث يقول : إن هشام بن سالم وأصحابه ذهبوا إلى المدينة يسألون عن الإمام . وسلم الكاتب بهذا المقطع ، ولكن تجاهل ذيل الرواية وهو دخولهم على الكاظم عليه السلام وتصريحهم بأنه الهدى إلى الله (6) ، والإمام من بعد أبيه .

أكاذيب أحمد الكاتب حول إمامة الكاظم عليه السلام

الكذبة الأولى : قال : (لم يكن الإمام موسى الكاظم يدعو إلى نفسه) (7) .
ولا أدري ماذا يفسر كلام الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام إلى هشام بن سالم ، عندما

(1) الكافي : ج 1 ، ص 368 ـ 372 ، باب 71 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 368 ، ح 1.
(3) الإرشاد : ج 2 ، ص 216 ـ 217 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 368 ، ح1 ؛ الإرشاد : ج 2 ، ص 217 ؛ الفصول المهمة : ص 231 .
(5) الكافي : ج 1 ، ص 371 ، ح 12 ؛ الإرشاد : ج 2 ، ص 219 .
(6) الكافي : ج 1 ، ص 412 ـ 413 ، ح 7 .
(7) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 92 .
دفاع عن التشيع 227

سأله عن الإمام ، وأن قسماً من الشيعة لا يعرفون الإمام ، فقال له : «لا إلى المرجئة ، ولا إلى القدرية ، ولا إلى الزيدية ، ولا إلى المعتزلة ، والا إلى الخوارج ، إلي إلي» (1) .
ولا يستطيع الكاتب رد هذه الرواية ، لأنه استدل بصدرها في (ص 90) ، حيث ورد في الصدر أن مجموعة من الشيعة كانوا لا يعرفون الإمام فتحيروا إلى أين يذهبون إلى المرجئة ، أم إلى القدرية ، أم الزيدية ، أم المعتزلة ، أم الخوارج ، فرأى الكاتب أن هذا الكلام بنفعه ليقول : إن الشيعة لا يعرفون الإمام ، فاستدل بصدرها (2) ، وقطع كلام الإمام ، وهنا قال : لم يكن الإمام يدعو إلى نفسه ، فلا عذر للكاتب في رد الرواية أبداً .
الكذبة الثانية : قال : (لم يكن يوجد عليه أي نص خاص من الله أو من أبيه) .
والمطالع لكتب الشيعة المختصة بهذا المجال يجد أنهم أفردوا أبواباً خاصة للنصوص على أئمتهم ، فهذا الكليني أفرد باباً خاصاً نقل فيه (16) حديثاً ، كلها تدل على إمامة الكاظم عليه السلام بنص أبيه وأجداده ، وسمى ذلك الباب : (الإشارة والنص على إمامة الإمام الكاظم) (3) .
أضف إلى ذلك ، اعترافات علماء الشيعة بورود النصوص على إمامة الكاظم عليه السلام من أبيه ، يقول الشيخ الصدوق : «إن أبا عبد الله (جعفر الصادق) أوصى بالإمامة إلى موسى» (4) .
واعترف علي بن جعفر ، أخو الإمام الكاظم عليه السلام بإمامة أخيه ، حيث قال : كنت عند أخي موسى بن جعفر ، وكان والله حجة بعد أبي صلوات الله عليه (5) .
وبعد هذا الكذب الصريح ، راح يستهزئ بحدوث الكرامات لاولئك الأئمة عليهم السلام ،

(1) الكافي : ج 1 ،ص 412 ـ 413 ، ح 7 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 90 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 368 ـ 372 / باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى ، الأحاديث 1 ـ 16 .
(4) كمال الدين : ص 106 .
(5) الغيبة للطوسي : ص 28 .
دفاع عن التشيع 228

اولئك الذين شهدت سيرتهم الذاتية بتقواهم ووروعهم وقربهم من الله ، وكما حدث به كل علماء الرجال من السنة والشيعة ، فلقد حدثت الكرامات لاناس لم يكونوا بدرجتهم من الإيمان والورع والتقوى ، فكيف بالأئمة ، ومن راجع كتاب كرامات الأولياء (1) يجد وضوح هذا الكلام .

المبحث الثامن : الإمام الرضا عليه السلام

أكاذيب أحمد الكاتب حول إمامة الرضا عليه السلام :
الكذبة الأولى : قال : (غموض النص على إمامة علي بن موسى الرضا) (2) .
لقد روى الكليني في الكافي (16) حديثاً حول إمامة الرضا عليه السلام ، بعدد أحاديث إمامة الكاظم عليه السلام ن وأفرد لها باباً أسماه : الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه السلام وكذلك الشيخ المفيد في الإرشاد ، واختلفت ألسن تلك الأحاديث اختلافاً لفظياً ، واتفقت على إمامة الرضا عليه السلام من بعد أبيه الكاظم عليه السلام ، فمن تلك الألفاظ : (هذا صاحبكم بعدي) ، (اشهدوا أن ابني هذا وصيي والقيم بأمري وخليفتي من بعدي) ، (وقال له سائل : أخبرني من الإمام بعدك ، فقال : ابني فلان ، يعني الحسن الرضا) ، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي رواها خاصة الإمام الكاظم وثاقته ، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته ، مثل داود بن كثير الرقي ، ومحمد بن إسحاق بن عمار ، وعلي بن يقطين ، ونعيم القابوسي وغيرهم ، كما يقول الشيخ المفيد والكليني (3) .
الكذبة الثانية : قال : (إن زوجة الكاظم الأثيرة أم أحمد لم تعرف إمامة الرضا) (4) .

(1) جامع كرامات الأولياء : ج 1 ، وج 2 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 94 .
(3) الإرشاد : ج 2 ، ص 248 ، ح 11 ؛ الكافي : ج 1 ، ص 372 ـ 380 ، باب الإشارة والنص على الإمام الرضا عليه السلام .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 94 .
دفاع عن التشيع 229

واعتمد الكاتب في هذا الكلام على رواية أشار لها في الهامش ، ولم ينقلها بالنص ، لأن الرواية ليس فيها ما يدعيه ، وسننقلها حتى يتبين ذلك :
عن مسافر ، قال : أمر أبو إبراهيم عليه السلام حين اخرج به أبا الحسن أن ينام على بابه في كل ليلة . . . فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنه ، وفرش له ،فلم يأت كما كان ، فاستوحش العيال وذعروا ، ودخلنا أمر عظيم من إبطائه ، فلما كان من الغد أتى الدار ودخل على العيال وقصد إلى أم أحمد ، فقال لها : هات التي أودعك أبي ، فصرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها ، وقالت : مات والله سيدي . . . . فأخرجت له سفطاً وألفي دينار وأربعة آلاف دينار ، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره ، قالت : إنه قال لي فيما بيني وبينه وكانت أثيرة عنده : احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها أحداً حتى أموت ، فأذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها إليه واعلمي أني مت . . . . (1) .
فالرواية كما هو واضح لا علاقة لها بتشخيص الإمام ، بل ناظرة إلى الوقت الذي تعلم فيه زوجه الإمام بوفاته ، فلعل تلك المرأة كانت تعلم بإمامة الرضا ، وتجهل أمر زوجها ، هل هو حي أم لا ؟ وعندما طلب منها الرضا الوديعة علمت بوفاته .
أضف إلى ذلك ، أن الرواية تحمل أمراً أنكره الكاتب ، وهو أن الإمام لا يغسله إلا إمام ، فهي تشير إلى غياب الإمام الرضا عليه السلام ليلة كاملة لا يعرفون مكانه ، ولا يستطيع الكاتب أن ينكر الرواية ، لأنه قد استفاد منها استفادة خاطئة .
ثم أضاف إلى كذبه : (إن الشيعة بايعت أحمد ابن الإمام الكاظم بالإمامة ، وأخذ البيعة منهم) ، مع أن الشيخ المفيد يقول : إن أحمد كان كريماً جليلاً ورعاً ، وكان أبو الحسن يحبه ويقدمه ، وكذلك قال السيد الخوئي (2) . وتفرد الكاتب بنسبة البيعة إليه .
الكذبة الثالثة : قال : (تشبث الإماميون في عملية إثبات الإمامة للرضا بوصية الإمام الكاظم إليه . . . ولكن الوصية كانت غامضة أيضاً) (3) .

(1) الكافي : ج 1 ، ص 444 ، في أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه .
(2) الإرشاد : ج 2 ، ص 244 ؛معجم رجال الحديث : ج 2 ، ص 345 ، رقم 982 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 94 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي