دفاع عن التشيع 230

ويرد على ذلك أن الإمامة لديها من النصوص الكثيرة جداً غير الوصية تدل على إمامة الرضا من قبل أبيه وأجداده ، نقلها الكليني والمفيد والطوسي وغيرهم ، أضف إلى ذلك أن الوصية لم تكن غامضة كما يدعي الكاتب ، فقد جعلت تلك الوصية الإمام الرضا هو المحور في كل شيء ، وأن بقية أبناء الإمام كما عبرت الوصية التي وردت على لسان الكاظم : «لا أمر لهم معه» . وجاء فيها : «أي شخص يمنع الرضا من هذه الوصية فهو برئ من الله ورسوله ، وأي سلطان أو أحد من الناس كفه (الرضا) عن شيء أو أحال بينه وبين شيء مما ذكرت ، فهو من الله ومن رسوله بريء ، والله ورسوله منه براء . وعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين والنبيين والمرسلين وجماعة المؤمنين» (1) .
فأي أمر تحمل هذه الوصية كي يسورها الكاظم عليه السلام بهذه الأسوار التي تخرج الإنسان من الإسلام رأساً ؟
ولهذا السبب اعترف القاضي أبو عمران الطلحي قاضي المدينة بمكانة علي بن موسى الرضا ، فقال : ما أحد أعرف بالولد من والده ، والله ما كان أبوك عندنا بمستخف في عقله ولا ضعيف في رأيه (2) .
وتقول الرواية : عندما فض الخاتم العباس بن موسى وجدوا فيه إخراجهم (أي جميع ولد الإمام موسى بن جعفر إلا على بن موسى الرضا) وإقرار علي لها وحده ، وإدخاله إياهم في ولاية علي إن أحبوا أو كرهوا ، وإخراجهم من حد الصدقة وغيرها ، وكان فتحه عليهم بلاء وفضيحة وذلة ، ولعلي عليه السلام خيرة ، كما تقول الرواية .
إمامة الرضا عليه السلام وموقف الشيعة : لقد طرح الكاظم عليه السلام إمامة ولده الرضا لشيعته في حياته ، فتارة ينص عليه بالإمامة من بعده ، يقول الشيخ الكليني بسنده عن داود الرقي ، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام جعلت فداك اني قد كبر سني فخذ بيدي من

(1) الكافي : ج 1 ، ص 378 ، باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا .
(2) المصدر السابق .
دفاع عن التشيع 231

النار ، فأشار إلى ابنه أبي الحسن الرضا ، وقال : «هذا صاحبكم من بعدي» (1) ، وكذلك عندما سألوه عن الخلف من بعده ، قال : «هذا أبو الحسن الرضا» (2) .
ونقل الكليني (16) حديثاً حول إمامة الرضا عليه السلام (3) ، وكذلك المفيد ، وأفرد علماء الشيعة لمراسيم تنصيب الإمام علي الرضا عليه السلام وتقليده الإمامة أبواباً خاصة سميت باسم الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه السلام ، كل هذا لم يلتفت إليه الكاتب ولم يناقشه بكلمة واحدة ، وأطلق عبارة إعلامية تقول بغموض النص على إمامة الرضا عليه السلام (4) .
ولم يشهد الشيعة وحدهم بإمامة الرضا عليه السلام ، بل شهد أعداء الشيعة وأعداء الإمام الرضا أيضاً بذلك ، فقام عامل المأمون خطيباً عندما أرسل إليه المأمون رسالة قال فيها : اخطب الناس وادعهم إلى بيعة الرضا ، فلنر ماذا قال هذا الرجل في خطبته ، هل دعا الناس بأمر المأمون ، وأنهم يجب عليهم الطاعة ، أم دعاهم إلى ما في نفوسهم ومكنون ضميرهم ؟ فقال عبد الجبار بن سعد المساحقي عامل المأمون :
(ايها الناس ؛ هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون ، والعدل الذي كنتم تنتظرون والخير الذي كنتم ترجون ، هذا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) .
ســتة آبـاؤهـم مــا هــم من أفضل من يشرب صوب الغمام (5)
ولا تحتاج هذه الخطبة إلى شرح يبين موقع الرضا في النفوس ، والعجيب من الكاتب ، أن يقول : (ولم يظهر عليهم أي ميل خاص لإمامة علي بن موسى الرضا) (6) .

(1) الكافي : ج 1 ، ص 372 ، ح 3 .
(2) الكافي : ج1 ، ص 373 ، ح 5 .
(3) الكافي : ج 1 ، باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه السلام .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكرا لسايسي : ص 95 .
(5) العقد الفريد : ج 5 ، ص 101 ـ 102 .
(6) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 95 .
دفاع عن التشيع 232


أي ميل أكثر من هذا الذي تحدث عنه عامل المأمون عدو الرضا عليه السلام ، وهذا العامل يعرف الناس وميولهم لأنه كان والياً عليهم .
وبعد أن يئس الكاتب من كلامه المتقدم التجأ إلى قادة البيت العلوي ليجعل منهم قادة للزعامة الشيعة ، فقال :
(ونتيجة لغموض النص حول الإمام الرضا . . . . . فقد برز عدد من الزعماء العلويين الآخرين كقادة للحركة الشيعية المعارضة ، كعلي بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن موسى ، ومحمد بن إبراهيم (ابن طبا) بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب) (1) .
ولنبحث معاً في مواقف هؤلاء ، هل هم حقاً كانوا يجهلون موقع الرضا عليه السلام ، كما يقول الكاتب أم لا ؟
أما بالنسبة إلى علي بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، هذ الرجل كما يقول الكليني يعرف مقام الإمام الرضا جيداً ، وصرح بذلك عندما قال : (أشتهي أن أدخل على أبي الحسن عليه السلام اسلم عليه ، فقال له أحدهم : فما يمعنك من ذلك ؟ قال : الإجلال والهيبة له ، وأتقي عليه) .
وشهد الإمام الرضا عليه السلام له ولزوجته بأنه على علم تام بالإمامة ، فقال عليه السلام لسليمان ابن جعفر عندما حدثه عنه قال له : «يا سليمان إن علي بن عبيد الله وامرأته وبنيه من أهل الجنة ، من عرف هذا الأمر من ولد علي وفاطمة عليهما السلام لم يكن كالناس» (2) .
ولا يستطيع الكاتب أن يرمي هذه الرواية بضعف السند أو ما شابه ذلك ، لأن السيد الخوئي بعد تحقيق لها قال : هذه الرواية صحيحة (3) .
إذن ، فقد نسب الكاتب الكذب حتى إلى الإمام الرضا عليه السلام ، لأن الإمام أقر بولاية الرجل وأنكر الكاتب ذلك .

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 95 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 439 ، باب فيمن عرف الحق من أهل البيت ومن أنكره ، كتاب الحجة .
(3) معجم رجلا الحديث : ج 12 ـ ص 89 .
دفاع عن التشيع 233


وأما عبد الله بن موسى ، والذي جعله الكاتب طامعاً في منصب الإمامة ، يقول السيد الخوئي بحقه : (إنه لم يتصد لهذا الموقع أبداً) (1) ، وكذلك ابن طبا ، فهؤلاء لم يتصدوا لموقع الإمامة ، بل تصدوا لموقع قيادة المعارضة ، وهذا التصدي لم يكن بعيداً عن أنظار الإمام الرضا عليه السلام الذي صرح لسليمان بن جعفر بأن علي بن عبيد الله بن الحسن يعرف هذا الأمر .
وكيف يجهل الإمام الرضا ، ويعرفه عدوه ، فقد دخل ابن مؤنس يوماً على المأمون ورأى الإمام جالساً إلى جنبه ، فقال للمأمون : يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد من دون الله (2) .
وكذب ابن مؤنس ، فهو إمام يطاع ، مفروض الطاعة من الله ، ولكنه أراد أن يثير حفيظة المأمون بهذا الكلام .
وكيف يجهل هؤلاء الإمام الرضا ، وقد جعل الإمام طاعته مفروضة من الله ، كطاعة علي بن أبي طالب عندما سأله رجل ، قال له : طاعتك مفروضة ، فقال : «نعم» ، قال : مثل طاعة علي بن أبي طالب ، قال «نعم» (3) .
وهل هناك تأويل يتفضل به الكاتب علينا لقول الرضا عليه السلام ، وهو يمر بنيسابور : «ولا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي» . ولكن لم يتركها على حالها ، بل قال : «بشروطها وأنا من شروطها» (4) .
ولا يستطيع الكاتب أن ينكر هذا الحديث ، لأن السند فيه هو السلسلة الذهبية الذي يقول عنه أحمد بن حنبل : لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنه (5) .
ويقول المأمون العدو اللدود للإمام : (هذا خير أهل الأرض وأعلمهم وأعبدهم) .
(1) معجم رجال الحديث : ج 10 ، ص 352 ـ 353 .
(2) عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 161 ؛ مسند الإمام الرضا : ج 1 ، ص 86 ، باب ماوقع بينه وبين المأمون .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 243 ، ح 8 ؛ الإختصاص : ص 278 ؛ مسند الإمام الرضا : ج 1 ، ص 103 .
(4) أمالي الصدوق : ص 306 ، ح 349 .
(5) مناقب آل أبي طالب : ج 4 ، ص 341 ـ 342 .
دفاع عن التشيع 234


وننقل للكاتب الذي جهل موقع الرضا بالامة ، ننقل له كلمة للدكتور الشبيبي حيث يقول : (وجاء الرضا ليكون مطمح أنظار الطوائف الإسلامية كلها) (1) .
فلاحظ كيف خالف الكاتب أبسط وأجلى حقيقة في الفكر الإسلامي ، ولهذه المكانة العظيمة في المجتمع الإسلامي وقف كل الثوار ، وكل الأحرار أمام الرضا عليه السلام وقفة المطيعين ، ولم يحدثنا التاريخ ـ كما يقول السيد مرتضى العاملي ـ عن حدوث أي ثورة علوية ضد المأمون بعد البيعة للرضا ، سوى ثورة عبد الرحمن بن أحمد في اليمن ،وكان سببها ـ باتفاق المؤرخين ـ هو فقط ظلم الولاة وجورهم ، وقد رجع إلى الطاعة بمجرد الوعد بتلبية مطالبه ، والسر في عدم القيام بالثورات هو أن الكل قادة وسوقة ينظرون إلى الرضا عليه السلام إماماً من أئمة الله تعالى (2) .
وعدم حصول ثورة بعد البيعة نقطة تستوقف الباحث ، فلعل كل الثورات التي حدثت من العلويين والشيعة كانت بإيعاز من الأئمة ،وهذا ما ترجمه المأمون برسالته إلى عبد الله بن موسى ، حيث قال : (ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا) (3) .
أحمد الكاتب يبرئ ساحة المأمون : لم يكتف الكاتب بالتجري على الأئمة عليهم السلام ، بل راح يبرئ ساحة أعدائهم ، فهو يقول : (إن المأمون قد عاهد الله أن يضع الخلافة في أفضل العلويين) (4) .
إذن ، المسألة أن المأمون قد عاهد الله ، ولم يكن هناك تخطيط مسبق ، فلنستنطق التاريخ عن هذه الحقيقة بهذه الأسئلة :
هل كان فعلاً عهد من المأمون إلى الله في تحويل الخلافة ؟

(1) الصلة بن التصوف والتشيع : ص 32 .
(2) الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام : ص 226 .
(3) المصدر نفسه .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 97 .
دفاع عن التشيع 235


وهل قبل الإمام هذه الخلافة برحابة صدر لأنها عهد من قبل المأمون لله تعالى ؟
أما بالنسبة للسؤال الأول فيجيبنا عنه المأمون نفسه ، عندما قال له الريان : إن الناس يقولون : إن البيعة للإمام كانت من تدبير الفضل بن سهل ، قال المأمون . . . . ويحك يا ريان أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة وقد استقامت له الرعية والقواد ، واستوت له الخلافة ، فيقول له ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك ؟ أيجوز هذا في العقل (1) .
فهل يحتاج كلام المأمون إلى توضيح ؟ إذن ، مكانة الإمامة والطاعة المفروضة من الله للأئمة حتمت على المأمون أن يغير أساليب التصفية الجسدية إلى سياسة الاحتواء . حتى يحفظ للعباسيين حكمهم ودولتهم ، وصرح المأمون بقوله للعباسيين عندما احتجوا على ولاية العهد هذه ، فقال : (فإن تزعموا اني أردت أن يؤول إليهم ـ للعلويين ـ عافية ومنفعة ، فإني في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم ولأبنائكم من بعدكم) (2) .
إذن ، ولاية العهد في ظل سياسة الاحتواء هذه هي لتركيز السلطة السيطرة عليها بسياسة جديدة ، ولكن يقظة وحذر الإمام قلبت على المأمون موازينه ، حيث صرح أبو الصلت أن هذه الولاية رفعت الإمام وازداد بها فضلاً عند الناس ومحلاً في نفوسهم ، فلم يتقبل ذلك المأمون وعاد إلى سياسة آبائه ؛ التصفية الجسدية (3) .
وأما السؤال الثاني : هل قبل الإمام الخلافة برحابة صدر ؟ كي يوضح لنا أن الأمر هو عهد من المأمون إلى الله في تحويل الخلافة ، كما يقول الكاتب أم لا ؟
لقد طالعنا التاريخ بجواب لهذه المسألة :
يقول ابن كثير والقندوزي الحنفي والصدوق والمفيد والكليني : إن المأمون قال

(1) عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 163 ، ح 22 ؛ مسند أالإمام الرضا : ج 1 ، ص 75 ، باب ما وقع بينه وبين المأمون .
(2) الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام : ص 207 .
(3) عيون أخبار الرضا : ج 1، ص 264 .
دفاع عن التشيع 236

للرضا عليه السلام . . . . فإني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وابايعك .
قال الإمام : «إن كانت هذه الخلافة لك فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسكه الله وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز أن تجعل لي ما ليس لك» .
قال المأمون : لا بد لك من قبول هذا الأمر .
قال الإمام : «لست أفعل ذلك طائعاً أبداً» (1) .
فالكلام المنمق للمأمون الذي جعله الكاتب دليلاً له ، ارتطم بحنكة الإمام السياسية وتدبيره ، وسرعان ما رجع إلى حقيقته (لا بد لك من قبول هذا الأمر) .
وقد صرح الإمام بكراهيته لهذا الأمر ، فقال : «قد علم الله كراهيتي» (2) .
ولماذا لا يكره ذلك وهو مجبور على قبوله وإلا القتل ، وتحدث الإمام عن ذلك فقال : «خيرت بين قبول ذلك وبين القتل فاخترت القبول على القتل . . . ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إجبار وإكراه» (3) .
ووصف الإمام عليه السلام قبوله الولاية بقبول جده علي عليه السلام بالشورى التي خلفها عمر ابن الخطاب ، فقال لأحدهم عندما استنكر ذلك ، قال له : ما حمل جدي على الدخول في الشورى (4) .
ولم يقف الكاتب عند اتهام الإمام وتبرئه ساحة المأمون ، بل راح يمدح المأمون ، فقال : (وقد أعاد المأمون الفكر العباسي السياسي إلى الجناح العلوي الفاطمي ، وأعلن أن الحق الأساسي في الخلافة للعلويين بناء على حق الإمام في خلافة الرسول صلى الله عليه واله وسلم) (5) .
وأتصور أن الكاتب عندما بحث هذا لم يكن بوعيه التام ، لأنه لو طالع مطالعة سريعة للتاريخ ، لوجد أن المأمون يصرح وبعبارة لا تقبل التأويل مجيباً للريان : ويحك

(1) البداية والنهاية : ج 10 ، ص 273 ؛ علل الشرائع : ج 1 ، ص 236 ؛ الإرشاد : ص 310 .
(2) الأمالي للصدوق : ص 757 / 1022 ؛ بحار الأنوار : ج 49 ، ص 130 .
(3) الأمالي للصدوق : ص 757 / 1022 ؛ علل الشرائع : ج 1 ، ص 239 .
(4) معادن الحكمة : ج 2 ، ص 192 ؛ عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 152 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 97 .
دفاع عن التشيع 237

يا ريان أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة وقد استقامت له الرعية والقواد ، واستوت له الخلافة ، فيقول له ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك ؟ أيجوز هذا في العقل (1) .
ونترك الإجابة لأحمد الكاتب فقد يجوز عقله ذلك !!
النتيجة المتوقعة : بعد أن فشل المأمون في سياسة الأحتواء لكي يركز قيادة العباسيين ويدعهما باستغلال الرضا عليه السلام ، بعد هذا الفشل الذي تحدث عنه أبو الصلت وقال : إن المأمون كان يكرمه ويحبه لمعرفته وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدين ، فلما لم يظهر منه إلا ما ازداد به فضلاً عندهم ومحلاً في نفوسهم انقلب عليه (2) .
يقول ابن حجر وابن الصباغ وغيرهم : (إن المأمون سم الإمام الرضا عليه السلام) (3) .
وتكتم أحمد الكاتب على هذه الجريمة لشكه في عملية السم هذه ، ولم يشر إليها ، ولكي نثبت للكاتب أن الذي دس السم هم المأمون ، حتى يقطع في ذلك ، لأن دينه منعه من اتهام المأمون ، ولم يمنعه من التزوير والتحريف ، نقول :
إن هذه الحقيقة تبين من خلال ما دار في أذهان اولئك الذين عاشوا ذلك العصر ، فهم أدرى بمن فعل هذه الفعلة ، فالناس قالوا : إن المأمون هو الذي سم الرضا ، وهذا ما نستكشفه من كلام المأمون للرضا عندما قال للإمام قبل موته : (وما ادري أي المصيبتين علي أعظم ، فقدي إياك أو تهمة الناس لي أني اغتلتك وقتلتك) (4) .

(1) عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 163 ، ح 22 ؛ مسند الإمام الرضا : ج 1 ، ص 75 ، باب ما وقع بينه وبين المأمون .
(2) عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 263 .
(3) الصواعق المحرقة : ج 2 ، ص 593 ؛ الفصول المهمة : ص 262 ؛ إثبات الوصية : ص 216 ؛ التنثية والاشراق : ص 302 ؛ مروج الذهب : ج 4 ، ص 35 .
(4) مقاتل الطالبيين : ص 460 ؛ عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 269 ، ح 1 .
دفاع عن التشيع 238

فالناس كانوا على علم بالقاتل والفاعل لهذه الفعلة الخسيسة التي ورثها العباسيون من الأمويين ، وبالخصوص من معاوية .
وما إن توفي الرضا عليه السلام ، ومرت فترة لم تكن طويلة حتى برز ما أضمره المأمون سنين وسنين ، حيث أمر عامله على مصر بأن (يغسل المنابر التي دعي عليها لعلي بن موسى فغسلت) (1) .
وبعد كل هذه الحقائق الجلية جاء الكاتب ليبرر شرعية خلافة المأمون بكل ما في جعبته ، ولكن أبى الصبح إلا أن يسفر عن وجهه .
جنايات المؤرخين بحق الرضا عليه السلام : عندما يحاول بعض الناس الالتفاف على قضية من القضايا ، يذكر لها أسباب فيها نوع خفاء ، حتى تنطلي على الناس ، بحيث لا يستطيع أحد أن يكشفها ، بينما نجد بعض المؤرخين عندما يصلون إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام ، يتوسلون بامور لا يعقلها الطفل الصغير فضلاً عن القارئ المتأمل .
ونحن هنا أمام حادثة سم الإمام الرضا عليه السلام ، فلقد جنى الطبري وابن الأثير وأبو الفداء وغيرهم على أنفسهم وعلى عقولهم قبل جنايتهم على الحقيقة ، عندما قالوا في قضية موت الرضا عليه السلام : (إنه أكل عنباً فأكثر منه فمات) (2) .
إمام من أئمة المسلمين ، وولي العهد ، يكثر من أكل العنب فيكون سبباً في موته ، ولا أدري أيوجد مصدق لذلك أم لا ؟!
هذه الامور تدعونا للتوقف أمام كل ما نقله هؤلاء في كتبهم ، والبحث عن مقاصدهم ، قبل النظر في سطورهم وأوراقهم ، ولم يصدق البعض هذه الاكذوبة ، وفكر بمحاولة جديدة للالتفاف على المسألة ، فقال : إن موت الإمام كان فجأة (3) .
وهذا على الأقل ، أهون من السابق ، ونسب فريق آخر السم إلى (القيل) ليقلل منها

(1) الولاة والقضاء للكندي : ص 170 .
(2) الطبري : ج 7 ، ص 150 ؛ الكامل في التاريخ : ج 6 ، ص 35 ؛ تاريخ أبي الفداء : ج 2 ، ص22 ، وغيرهم .
(3) تاريخ بن خلدون : ج 3 ، ص 313 .
دفاع عن التشيع 239

ويضعفها ، أمثال اليعقوبي .
وصرحت بعض الكتب ، كالصواعق المحرقة والفصول المهمة وإثبات الوصية والتنبيه والاشراف ومروج الذهب وغيرها ، بأن المأمون قد سم الرضا عليه السلام (1) .
المأمون يعرف الإمامة والكاتب يجهلها : لقد نوه الإمام للمأمون بإمامته ، وذلك من خلال قوله له : «وما زادني هذا الأمر الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيئاً ، ولقد كنت في المدينة وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب ، ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة وما بها أعز مني» (2) .
واعترف المأمون بالإمامة ووجوب نصب الإمام من قبل الله كالنبي ، فقال بأن الإمام حجة الله على خلقه ومعدن العلم ومفترض الطاعة (3) .
وهذه المعرفة لم تقتصر على المأمون فقط ، بل كان عماله أيضاً ، يرون هذا كما نقل عن عبد الجبار بن سعيد المساحفي ، وكذلك الفضل بن سهل (4) .
كل ذلك أنكره أحمد الكاتب وأهمله ولم يشر إليه .
أحمد الكاتب ينكر إمامة الرضا عليه السلام : لقد ذكر الكاتب حديثاً واحداً عن يزيد ابن سليط حول إمامة الرضا عليه السلام ، وقال : (هو أبرز ما في تلك النصوص) (5) .
ثم قال : (إن هذه الرواية الأخيرة هي أكثر الروايات الواردة بشأن إمامة الرضا صراحة

(1) الصواعق المحرقة : ج 2 ، ص 593 ؛ الفصول المهمة : ص 262 ؛ إثبات الوصية : ص 216 ؛ التنبيه والأشراف : ص 203 ؛ مروج الذهب : ج 4 ، ص 35 .
(2) الكافي : ج 8 ، ص 151 ، ب 8 ، ح 151 .
(3) الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام : ص 333 .
(4) رسالة الفضل للإمام ، الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام : ص 445 ـ 446 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 99 .
دفاع عن التشيع 240

ووضوحاً) (1) .
فأول الكاتب الرواية وحملها تحميلاً قسرياً ، بالرغم من هجومه على بعض من يؤولون الأحاديث ، ونحن تنجنب البحث فيها ، ونذكر للقارئ عدة روايات اخرى نصاً وتصريحاً على إمامة الرضا عليه السلام ، جهلها الكاتب ولم يلتفت إليها ، لما فيها من الوضوح والصراحة ، بل كذب على القارئ بأنه لا يوجد أبرز من تلك الرواية التي ذكرها ، وإليك بعض ما ورد في كتب الشيعة حول إمامة الرضا عليه السلام .
يقول الكليني بسنده إلى داود الرقي ، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : جعلت فداك ، إني قد كبر سني فخذ بيدي من النار ، قال : فأشار إلى ابنه أبي الحسن عليه السلام فقال : «هذا صاحبكم من بعدي» (2) .
ويقول المخزومي : بعث إلينا أبو الحسن موسى عليه السلام فجمعنا ثم قال لنا :«أتدرون لم دعوتكم» ؟ فقلنا : لا . فقال : «اشهدوا أن ابني هذا وصيي والقيم بأمري وخليفتي من بعدي» (3) .
ويقول داود بن سليمان : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : إني أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك ، فأخبرني من الإمام بعدك ؟ فقال : «ابني فلان» ـ يعني أبا الحسن عليه السلام ـ (4) .
ويقول الصدوق : بسنده إلى محمد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال : دخلت على ابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، وقد اشتكى شكاية شديدة ، فقلت له : إن كان ما أسأل الله أن لا يريناه فإلى من ؟ قال : «إلى علي ابني ، وكتابه كتابي ، وهو وصيي وخليفتي من بعدي» (5) .
وقد نقل الشيخ الصدوق أحاديث وروايات في النص على الإمام الرضا عليه السلام ،

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 99 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 372 ، باب الإشارة على أبي الحسن الرضا عليه السلام .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 373 ، باب الإشارة على أبي الحسن الرضا عليه السلام .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 374 ، باب الإشارة على ابي الحسن الرضا عليه السلام .
(5) عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 31 ، ح 1 .
دفاع عن التشيع 241

بلغت (29) حديثاً ، وكذلك نقل الكليني والمفيد وغيرهم ، فكل ذلك أهمله الكاتب ، ونقل نصاً واحداً ، وقال : هذا أبرز النصوص . مع أنه واحد من تلك النصوص البارزة على إمامة الرضا عليه السلام .
أضف إلى ذلك ، أن الكاتب قد كذب على الإمام الرضا عليه السلام أيضاً ، لأنه شكّك بإمامته ، بينما نجد أن الإمام نفسه صرح بذلك كما طالعتنا الرواية التأريخية التي تقول : إن النجاشي الأسدي سأل الإمام أنت صاحب هذا الأمر ؟ فأجابه الإمام : «إي والله على الإنس والجن» (1) .
وسأله أحدهم : طاعتك مفروضة ؟ فأجابه الإمام : «نعم» ، فقال له : مثل طاعة علي ابن أبي طالب ؟ فقال له : «نعم» .
ولم يكتف الكاتب بذلك ، بل صرح بأن الإمام الكاظم عليه السلام كان يجهل إمامة الرضا عليه السلام (2) .
وخالف بهذا ما نقله علماء الشيعة قاطبة من نص الكاظم عليه السلام على الرضا عليه السلام في موارد كثيرة جداً .

المبحث التاسع : الإمام الجواد عليه السلام

أكاذيب الكاتب حول إمامة الجواد عليه السلام : ولما يئس الكاتب من صغر عمر الجواد عليه السلام لما ظهر منه من علم الإمامة ، راح يتهم الجواد عليه السلام بعدم النص عليه (3) .
ونحن هنا نكتفي بالجواب على هذا الكذب الصريح بقول الشيخ المفيد ، حيث قال : (فممن روى النص عن أبي الحسن الرضا على ابنه أبي جعفر عليهما السلام بالإمامة علي بن جعفر بن محمد الصادق ، وصفوان بن يحيى ، ومعمر بن خلاد ، والحسين بن يسار ، وابن

(1) عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 35 ، ح 10 .
(2) أحمد الكاتب ، تطورالفكرالسياسي : ص 100 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكرالسياسي: ص 104 .
دفاع عن التشيع 242

أبي نصر البزنطي ، وابن قياما الواسطي ، والحسن بن الجهم ، وأبو يحيى الصنعاني ، والخيراني ، ويحيى بن حبيب الزيات في جماعة كثيرة يطول بذكرهم الكتاب) (1) .
ومن أراد أن يطلع على مرويات هؤلاء بالنص على إمامة الجواد عليه السلام فليرجع إلى كتب الحديث المعتبرة عند الإمامية ، أمثال الكافي وغيره .
ويكفينا هنا قول رجل من البيت العلوي وهو علي بن جعفر ، حيث قال للجواد عليه السلام : (أشهد أنك إمامي عند الله) . وفي رواية : (أشهد أنك إمام عند الله) (2) .
ومن شدة تعظيم علي بن جعفر للجواد عليه السلام وتكريمه له ، وبخه أصحابه على ذلك ، بأنك شيخ كبير ، وهذا صبي ، فأجابهم :
(اسكتوا ، إذا كان الله عزوجل ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشبية وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه أنكر فضله ؟ نعوذ بالله مما تقولون ، بل أنا له عبد) (3) .
فهل يشهد علي بن جعفر بهذا المقام وبهذه العبودية ولم يعرف الإمامة ؟ لكن الكاتب شاهد النصوص الصريحة لإمامة الجواد ، وشاهد اعترافات اصحابه بامامته التجأ الى اتهام الامام الجوادعليه السلام بتهمة جديدة ، حيث يقول : إن الإمام الجواد لم يدع الإمامة لنفسه ، فقال : (عدم ادعاء الإمام الجواد نفسه بالإمامة) (4) .
وخالف بهذا الكلام الرواية التاريخية التي تقول إن الإمام كان يدعو إلى نفسه ، وكان يستند إلى كتاب الله بقوله : «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن أتبعني» (5) ، وكان يرد على اولئك الذين أنكروا إمامته لصغر سنة بهذه الآية ، ويفسرها لهم فقال : «فوالله ما اتبعه حينئذ إلا علي وله تسع سنين وأنا ابن تسع

(1) الإرشاد : ج 2 ، ص 274 ـ 275 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 384 ، ب 73 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 383 ، باب 73 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 104 ـ 105 .
(5) يوسف : الآية 108 .
دفاع عن التشيع 243

سنين» (1) .
فالإمام يدعو الناس إلى إمامته ويرد مقالة المنحرفين والممولين من قبل المأمون وغيره من العباسيين .
الحالة الخاصة للجواد التي أنكرها الكاتب : أراد العباسيون بقيادة المأمون أن يوقعوا بالإمام الجواد من خلال مناظرة عقدوها له مع قاضي القضاة يحي بن أكثم ، حتى يكشفوا للناس بأن الإمامة والعصمة مصطلحات لا واقع لها في الخارج ، وخصوصاً أن صغر السن للإمام الجواد شجعهم على ذلك .
فجاء يحيى بن أكثم قاضي القضاة مستعداً للمنازلة ، مستهزئاً بالطرف المقابل لصغر سنه ، متوقعاً فوزه بالجولة الأولى وإنهاء مسألة الإمامة والعصمة فيالواقع الإسلامي ، والغاءها من أذهان الناس ، فابتدر يحيى بن أكثم بالسؤال عن محرم قتل صيداً :
أجابه الإمام عليه السلام مستفسراً عن سؤاله بشقوق يجهلها السائل ، فقال له :
«هل قتل في حل أو حرم ؟ عالماً كان أو جاهلاً عمداً أو خطأ ؟ حراً كان المحرم أو عبداً ؟ صغيراً كان أو كبيراً ؟ مبتدياً بالقتل أو معيداً ؟ من ذوات الطير كان الصيد أو من غيرها ؟ من صغار الطير أو من كباره ؟ مصراً على ما فعل أو نادماً ؟ في الليل كان القتل أو في النهار ؟ في عمرة كان ذلك أو في حج» ؟ (2) .
وراح الإمام ينهل من علم الإمامة ويشقق المسألة ، فتحير ابن أكثم بجواب هذه لشقوق والقم حجراً ، عند ذلك انبرى المأمون ليتستر على هذه الفضيحة الجديدة لهم بقوله : (إن أهل هذا البيت خصوا من دون الخلق بما ترون من الفضل ، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال .... أفلا تعلمون أن الله قد خص هؤلاء القوم وأنهم ذرية بعضهم من بعض ، يجري لآخريهم ما يجري لأولهم) ، قالوا : صدقت (3) .

(1) الكافي : ج 1 ، ص 447 ، ح 8 .
(2) الشيعة في الميزان : ص 243 ـ 244 .
(3) الشيعة في الميزان : 244 .
دفاع عن التشيع 244


فالعجب كل العجب ، أن المأمون يعترف بهذه الحالة الخاصة ، والكاتب يحاول إنكارها .
وأكد المسعودي ذلك بقوله : (إن أصحاب الرضا عليه السلام سألوا الجواد فأجابهم بإجابات والده ، فاعترفوا له بالإمامة) (1) .
ومن المعلوم أن الرضا عليه السلام قد توفي والجواد له من العمر تسع سنين ، ولهذا اعترف المأمون بسر اختياره للجواد زوجاً لابنته ، قال : (وقد اخترت محمد بن علي الجواد لتفوقه على كافة أهل الفضل والعلم مع صغر سنه ، وسيظهر لكم وتعلمون أن الرأي ما رأيت .
قالوا : إنه صغير السن ولا معرفة له ولا فقه .
قال : ويحكم ، أنا أعرف به منكم إنه من أهل بيت علمهم الله ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب على الرعايا ، وإن شئتم فامتحنوه حتى يتبين لكم ذلك) (2) .
كل هذه الأقوال ، وهذا الواقع التاريخي ، أهمله الكاتب ولم يشر إليه ، ولم يكتف بإهمال الواقع التاريخي الذي يثبت حالة خاصة للجواد عليه السلام باعتراف العباسيين والمأمون نفسه ، بل أنكر النص على ولده الهادي ، متناسياً ما نقلته كتب الشيعة عليه من قبل أبيه الجواد ، منها قول الجواد إسماعيل بن مهران : «الأمر من بعدي إلى ابني علي» (3) .
أضف إلى ذلك ، عشرات الأحاديث التي حفلت بها كتب الشيعة على إمامة الهادي عليه السلام ، والتي أفردوا لها أبواباً خاصة سميت أبواب الإشارة والنص على الامام الهادي (4) .
ولم يقف الكاتب عند هذا الحد ، بل زور وصية الجواد للهادي ، حيث قال : (إن

(1) ثبات الوصية : ص 216 ـ 228 .
(2) الشيعة في الميزان : ص 243 ـ 244 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 384 ، باب 74 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 384 ، باب 74 .
دفاع عن التشيع 245

الجواد أوصى بابنه علي الهادي إلى عبد الله بن المساور) (1) .
بينما نص الوصية يقول : أنه ـ الجواد عليه السلام ـ أوصى إلى علي ابنه بنفسه وإخوانه . . . وجعل عبد الله بن المساور قائماً على تركته من الضياع والأموال والنفقات (2) .
إذن ، عبد الله بن المساور لم يكن وصياً على الهادي ، كما زور ذلك الكاتب ، بل هو قائم على الأموال والتركات ، وهذه استجابة من الجواد عليه السلام لسنة جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ولا ضير فيها أبداً .

المبحث العاشر : الإمام الهادي عليه السلام

افتراءات الكاتب حول إمامة الهادي عليه السلام : لم يتطرق الكاتب إلى النصوص التي دلت على إمامة الهادي عليه السلام ، والتي حفلت بها كتب الشيعة الإمامية ، ولكنه لم يترك إمامة الهادي عليه السلام تمر عليه بدون تزوير وتحريف للحقائق ، فبينما يقول النوبختي :
(نزل أصحاب محمد بن علي عليه السلام الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بإمامة ابنه ووصيه علي بن محمد عليهم السلام ، فلم يزالوا على ذلك سوى نفر منهم يسير عدلوا عنه إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد ، ثم لم يلبثوا على ذلك إلا قليلاً حتى رجعوا إلى إمامة علي بن محمد ، ورفضوا إمامة موسى بن محمد) (3) .
وهذا النص من مؤرخ مثل النوبختي يكذب كل ما ادعاه الكاتب حول إمامة الإمام الهادي عليه السلام ، وأن الشيعة وقعوا في حيرة وغموض حول إمامة الهادي (4) ، فكيف وقع الشيعة بالغموض والحيرة وعامة الناس تنظر إلى الهادي عليه السلام أنه الإمام المبرز من البيت العلوي ؟ يقول يحيى بن هرثمة الذي أرسله المتوكل للقبض على

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 114 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 386 .
(3) فرق الشيعة : ص 100 ـ 101 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 105 .
دفاع عن التشيع 246

الهادي عليه السلام : لما دخلت المدينة ضج أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على الإمام الهادي وأقامت الدنيا على ساق (1) .
ولهذا المقام الرفيع الذي يحتله الهادي عليه السلام ، لم يثق المتوكل بأي شخص من العرب لإلقاء القبض عليه ، فأوكل أمره إلى الأتراك فهاجموا داره ليلاً في سامراء (2) .
وقد اعترف الدكتور محمد بيومي مهران بهذه المكانة السامية بقوله :(لمقام علي الهادي في المدينة وميل الناس إليه خاف ـ المتوكل ـ منه) (3) .
وهذا المقام كان للإمام الهادي عليه السلام في أيام حياته ، وليس كما يقول الكاتب : إن الشيعة ابتدعوها ـ أي الإمامة ـ بعد قرون من زمان الأئمة . فهذا أحد الأشخاص يقول : أنا واقف على باب المتوكل أنتظر الدخول حتى نودي بإحضار علي الهادي ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا لي : رجل علوي تقول الرافضة بإمامته يريد المتوكل قتله .
ولما يئس الكاتب من إيجاد فجوة في إمامة الهادي ، سواء كانت في النصوص التي دلت على إمامته ، أو بالرأي العام الذي كان ينظر للهادي بأنه إمام ، راح يبحث عن طريق المعاجز وعلم الإمام بالغيب الذي اختص الله به رسوله ، وعلمه الرسول للأئمة عليهم السلام واحداً واحداً ، واستغرب الكاتب استغراباً شديداً من حصول بعض الكرامات للإمام الهادي ، متناسياً أن هذه الكرامات نسبت لأئمة أهل البيت من قبل السيوطي وابن الساعي والإصفهاني وغيرهم ، فضلاً عن علماء الشيعة ومؤلفيها .
يا بني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً : وعلى نفس الطريقة التي دعا الكاتب المتكلمين إليها ، وهي البحث عن تراث أهل البيت ، لمعرفة هذه الرواية قبل اللجوء إلى تأويلها ، ونحن كما فعلنا مع كلمة الإمام الصادق «بدا لله في إسماعيل» نفعل هنا حيث نقوم بدراسة موضوعية لتراث الإمام الهادي عليه السلام حتى نستطيع أن نفهم

(1) الإمامة وأهل البيت : ج 3 ، ص 188 .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق .
دفاع عن التشيع 247

كلمة الهادي عليه السلام وستشمل هذه الدراسة أربعة محاور :
المحور الأول : موقف الإمام الهادي عليه السلام من الإمامة .
المحور الثاني : هل توجد أحاديث تصرح بإمامة محمد بن الهادي ؟ لأن الرواية تقول عن علي بن جعفر ، قال : كنت حاضراً أبا الحسن عليه السلام لما توفي ابنه محمد ، فقال للحسن : يا بني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً .
المحور الثالث : هل توجد نصوص على إمامة العسكري عليه السلام ؟
المحور الرابع : ما معنى كلمة الهادي عليه السلام للعسكري : «يا بني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً» .
وبعد دراسة التراث الشيعي حول هذه المحاور تتضح بشكل جلي كلمة الإمام الهادي عليه السلام لابنه العسكري عليه السلام .

المحور الأول
موقف الإمام الهادي عليه السلام من الإمامة : بنفس الخط سار الهادي عليه السلام في طرحه لنظرية الإمامة الإلهية المتبناة من قبل البيت العلوي ، والمستلهمة من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فقد جعل معرفة الأئمة والسير خلفهم ، هو دين الله الذي ارتضاه لعباده (1) . فارتواء الناس من هذا المنهل هو الدين الصادق عند الهادي عليه السلام ، وما عداه فليس بشيء ، بل ليس من الله تعالى ، وبادر الأصحاب إلى عرض دينهم وعقائدهم على إمامهم الهادي ، فأقبل عبد العظيم الحسني ليعرض معتقداته عليه ، ويحصل على الامضاء الشرعي فقال له :
(إن الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين حد الأبطال وحد التشبيه . . . ) وهكذا راح السيد عبد العظيم الحسني يعرض معتقداته ـ إلى أن قال : ـ (وإن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده ـ بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ـ أمير المؤمنين علي بن

(1) مسند الإمام الهادي : ص 145 ـ 146 ، رقم 83 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي