دفاع عن التشيع 267

من قبل المنصور .
وما زلنا مع السفاح وظلمه ، حيث يقول أحمد أمين : (كانت حياته حياة سفك للدماء وقضاء على المعارضين) (1) . واعترف الجنرال جلوب بذلك في كتابه إمبراطورية العرب (2) .
وبعد أن زالت هذه الغمة ، جاء المنصور الذي افتتح دولته بقتل أخيه السفاح للسيطرة على مقاليد السلطة ، وقتل عمه عبد الله بن علي وأبا مسلم مؤسس الدولة العباسية .
يقول المسعودي : (إن السر في تسمية نفسه بالمنصور ، لأنه انتصر على العلويين) (3) .
واعترف بعظمة لسانه عندما قال : (قتلت من ذرية فاطمة ألفاً أو يزيدون ، وتركت سيدهم ومولاهم وإمامهم جعفر بن محمد) (4) .
يقول الطبري : (إنه ترك خزانة فيها رؤوس من العلويين ، وقد علق في كل رأس ورقة كتب فيها ما يستدل على اسمه واسم أبيه ومنهم شيوخ وشبان وأطفال) (5) .
وعندما لامه عمه عبد الصمد بن علي على هذا الإسراف في القتل ، قال له : (آل أبي طالب لم تغمد سيوفهم ونحن بين قوم رأوناً بالأمس سوقة واليوم خلفاء ، فليس نتعهد هيبتنا إلا بنسيبان العفو واستعمال القوة) (6) .
يقول السيوطي : (قتل خلقاً كثيراً حتى استقام ملكه) (7) .

(1) ضحى الإسلام : ج 1 ، ص 105 .
(2) امبراطورية العرب : ص 420 ـ 499 .
(3) التنبيه والاشراف : ص 295 .
(4) الأدب في ظل التشيع : ص 63 .
(5) النزاع والتخاصم للمقريزي : ص 63 .
(6) تاريخ الخلفاء : ص 323 .
(7) تاريخ الخلفاء : ص 315 .
دفاع عن التشيع 268


وتوعد الإمام الصادق بالقتل ، يقول ابن شهر آشوب : (إن المنصور هذا قال للصادق عليه السلام ، لأقتلنك ولأقتلن أهلك حتى لا ابقي على الأرض منكم قامة سوط) (1) .
فهذا الرجل الذي توغل في سفك دماء العلويين هو وعماله ، يقول المسعودي الذي نقل كلام المسيب ابن زهرة عندما قال له المنصور :
(إني أرى أن الحجاج أنصح لبني مروان ، فأجابه المسيب : يا أميرالمؤمنين ، ما سبقنا الحجاج إلى أمر فتخلفنا عنه ، والله ما خلق الله على جديد الأرض خلقاً أعز علينا من نبينا صلى الله عليه واله وسلم ، قد أمرتنا بقتل أولاده فأطعناك) (2) .
فهم يتسابقون على قتل أولاد النبي صلى الله عليه واله وسلم طاعة للعباسيين ، الذي يقول الكاتب إنهم يتعاطفون مع العلويين .
وجاء من بعده المهدي الذي أضاف وسيلة جديدة للمحاربة والنزاع ، وهي خلق الفرق وبأسماء أصحاب الأئمة ، حتى يشوه سمعتهم عند الناس ، فاخترع فرقة الزرارية نسبة إلى زرارة ، واخرى الجواليقية (3) .
واتهم الشيعة وأصحاب الأئمة بالزندقة لكي يسوغ لنفسه قتلهم وتشريدهم ومطاردتهم ، يقول عبد الرحمن بدوي : (إن الاتهام بالزندقة في ذلك العصر كان يسير جنباً إلى جنب مع الانتساب إلى مذهب الرافضة) (4) .
وجاء بعد المهدي الهادي ابنه ، يقول اليعقوبي عنه : (أخاف الطالبيين خوفاً شديداً ، وألح في طلبهم وقطع أرزاقهم وعطياتهم ، وكتب إلى الآفاق يطلبهم) (5) .
ويكفيك واقعة فخ التي روعت المسلمين عموماً ، ولم يكتف هؤلاء بالقتل والتشريد ، بل كانوا يعمدون إلى قطع الرؤوس وحملها لإرهاب الناس ، وجاء بعده

(1) مناقب ابن شهر آشوب : ج 3 ، ص 251 ؛ بحار الأنوار : ج 47 ، ص 178 .
(2) مروج الذهب : ج 3 ، ص 328 .
(3) تنقيح المقال : ج 3 ، ص 269 ؛ قاموس الرجال : ج 9 ، ص 324 .
(4) من تاريخ الإلحاد في الإسلام : ص 37 .
(5) تاريخ اليعقوبي : ج 3 ، ص 148 .
دفاع عن التشيع 269

الرشيد ليعلن الحرب الشعواء على آل أبي طالب وشجرة النبوة ، وعلى حد تعبير الخوارزمي : (حصد شجرة النبوة واقتلع غرس الإمامة) .
ويقول الفخري في الآداب السلطانية : (كان يقتل أولاد بيت الرسول من غير جرم) .
واعترف هو بنفسه على جرمه بحق آل أبي طالب ، ونقل اعترافه أبو الفرج الإصفهاني في الأغاني ، حيث قال على لسان الرشيد : (حتام أصبر على آل بني أبي طالب ، والله لأقتلنهم ولأقتلن شيعتهم ولأفعلن وأفعلن) .
ونفذ هذا المخطط الإرهابي بقتل أولاد فاطمة وشيعتهم ، كما يقول ابن عبد به (1) .
وعندما أرسل الجلودي لحرب محمد بن جعفر بن محمد ، أمره أن يغير على دور آل أبي طالب في المدينة ويسلب ما على نساءهم من ثياب وحلي ، ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوباً واحداً (2) .
ولم يرق له أن يرى أحداً من الطالبيين في بغداد ، يقول الطبري وابن الأثير : (أمر بإخراج الطالبيين جميعاً من بغداد إلى المدينة كرهاً لهم) (3) .
ولم يكتف هذا بالقتل والتشريد والمطاردة للأحياء حتى عطف حقده على الأموات وهدم قبر الحسين ، وحرث أرض كربلاء على يد عامله هناك .
وختم ملف الإجرام والعداء لآل أبي طالب بقتل الإمام الكاظم عليه السلام في قعر السجون المظلمة ، واعترف بذلك جل المؤرخين المنصفين ، ولم يشكك به إلا أحمد الكاتب ، ليبريء الرشيد من إجرامه ، حتى تستقيم نظريته .
ونحن لا نريد في بحثنا هذا أن نستقريء مواقف ملوك بني العباس : السفاح ، المنصور ، المهدي ، الهادي ، الرشيد ، الأمين ، المأمون ، المعتصم ، الواثق ، المتوكل ، المنتصر ، المستعين ، المعتز ، المهتدي ، المعتمد ، المعتضد ، المكتفي ، المقتدر ، القاهر ، الراضي ، المتقي ،

(1) العقد الفريد : ج 2 ، ص 180 .
(2) أعيان الشيعة : ج 1 ، ص 29 ؛ عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 479 .
(3) تاريخ الطبري : ج 8 ، ص 235 ؛ الكامل لأبن الأثير : ج 5 ، ص 85 .
دفاع عن التشيع 270

المطيع ، إلا بقدر إعلام القارئ بأن هذا التعاطف ـ المزعوم ـ خيال وليس حقيقة ، فتاريخهم كان صفحة سوداء ملوثة بدماء عترة الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، ووصمة عار على جبين الإنسانية بمواقفهم من آل أبي طالب ، ومطاردتهم وتشريدهم وقتلهم ومحاصرتهم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ، حيث وصل الأمر إلى العلويات ، كما يقول الإصفهاني : (كن يتداولن الثوب الواحد من أجل الصلاة) (1) .
وسار هؤلاء جميعهم بسياسة واحدة مع العلويين ، يقول بندها الأساسي : من كان بينه وبين أحد من الطالبيين خصومة فاقبل قوله بدون بينه ، ولا تسمع لطالبي بينه أو قولاً .
هذا هو البند الأساسي للدولة العباسية الذي عمل به وكتبه المنتصر إلى عماله (2) .
واستمر هذا الإرهاب الذي لا مثيل له في التاريخ ، والذي أدى في بعض الحالات إلى إبادة مناطق كاملة ، كما حدث في الموصل (3) .
ولاقى أئمة أهل البيت وشيعتهم أقسى أنواع السياسات الظالمة والجائرة من بني العباس ، بحيث أصبح ذلك الظلم انشودة الشعراء ، حيث يقول أحدهم :
تالله ما فعلت امية فيهم معشار ما فعلت بنو العباس

وقال أبو عطاء أفلح بن يسار السندي المتوفى (سنة 180 هـ ) وهو ممن عاصر الدولتين الأموية والعباسية ، قال في زمن السفاح :
ياليت جور بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار (4)

ولقد تكلمنا سابقاً في مواقف المعتز والمهتدي والمعتمد الذين حاصروا العسكري عليه السلام ، وذكرنا ما لاقاه منهم ، فلا نعيد .
حتى المستشرقون اقروا بهذا الظلم ، الذي سماه أحمد الكاتب تعاطفاً .

(1) مقاتل الطالبيين : ص 477 .
(2) الخطط للمقريزي : ج 4 ، ص 153 .
(3) النزاع والتخاصم للمقريزي : ص 99 .
(4) المحاسن والمساوئ : ص 246 : الشعر والشعراء : ص 484 .
دفاع عن التشيع 271


يقول فان فلوتن : ولا غرو ، فإن العلويين لم يلقوا من الاضطهاد مثل ما لقوا في عهد الأولين من خلفاء بني العباس (1) .
وقد وصل هذا الظلم إلى حد أن إبراهيم بن هرمة المعاصر للمنصور دخل إلى المدينة وأتاه رجل من العلويين فسلم عليه ، فقال له إبراهيم : (تنح عني ولا تشط بدمي) (2) .
وأخيراً ننقل كلمات الخضري والشبراوي حول هذه العصور المظلمة ، يقول الخضري حول الوضع العباسي مع البيت العلوي : (فكان نصيب آل علي في خلافة بني هاشم أشد وأقسى مما لاقوه في عهد خصومهم من بني امية ، فقتلوا وشردوا كل مشرد ، وخصوصاً في زمن المنصور والرشيد والمتوكل من بني العباس ، وكان اتهام شخص في هذه الدولة بالميل إلى واحد من بني علي كافياً لإتلاف نفسه ومصادرة أمواله ، وقد حصل فعلاً لبعض الوزراء وغيرهم) (3) .
ويقول الشبراوي : (وخلف العسكري بعد ولده ، وهو الثاني عشر من الأئمة أبو القاسم محمد عليه السلام ، وكان أبوه قد أخفاه حين ولد ، وستر أمره لصعوبة الوقت وخوفه من الخلفاء ، فإنهم كانوا في الوقت يتطلبون الهاشميين ويقصدونهم بالحبس والقتل ويريدون إعدامهم) (4) .
وما نقلناه غيض من فيض من الاعترافات التي ملأت كتب التاريخ والحديث ، والتي تحدثت عن الظلم العباسي للبيت العلوي ، والتي تجاوزها الكاتب بهدوء من دون إشارة ، ووضع لها عنواناً بارزاً في كتابه ، مجرداً من الوثائق ، أسماه : (تعاطف الخلفاء العباسيين مع العلويين) (5) .

(1) السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات : ص 134 .
(2) تاريخ بغداد : ج 6 ، ص 127 .
(3) محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية : ج 1 ، ص 161 .
(4) الإتحاف بحب الأشراف : ص 179 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 252 .
دفاع عن التشيع 272

البحث السابع
وصف شعري لظلم العباسيين للبيت العلوي : لكل حالة من حالات المجتمع أدبها الخاص ، فبينما وصف الظلم العباسي من قبل المؤرخ والمحدث وغيرهم ، ساهم الشاعر في ذلك الوصف وأخرجه ، بحلة جديدة ، تضيف وصمة عار اخرى على جبين العباسيين ومن حاول تبرئتهم .
وفي هذه الوقفة القصيرة نقف مع الشعراء لوصف تلك الحالة ، يقول أحدهم :
تالله ما فعلت امية فيهم معشار ما فعلت بنوالعباس

وقال أبو عطاء أفلح بن يسار السندي المتوفى (سنة 180 هـ) وهو ممن عاصر الدولتين الأموية والعباسية ، حيث عاصر خلاصة الظلم الأموي ، وأوج الظلم العباسي ، قال في شعره :
ياليت جور بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار (1)

ويقول منصور بن الزبرقان النمري المتوفى في خلافة الرشيد :
آل النبـي ومـن يحبهـم يتضامنون مخافة القتـل
أمن النصارى واليهود وهم من أمة التوحيد في أزل (2)

ولقد وقعت هذه الأبيات كالصاعقة على الرشيد ، مما أدى به إلى إصدار أوامره بأن ينبش قبر هذا الشاعر وتحرق عظامه (3) .
ويقول أبو حنفية أو الطغراثي ـ على اختلاف النسبة ـ في جملة أبيات له :
ومتى تولى آل أحمد مسلم قتلوه أو وصموه بالإلحاد

ويقول إبراهيم بن عبد الله بن الحسن واصفاً آل الرسول في ذلك العهد :

(1) المحاسن والمساوئ : ص 246 ؛ الشعر والشعراء : ج 2 ، ص 767 .
(2) الأزل : الضيق والشدة .
(3) زهرة الأدب : ج 3 ، ص 705 .
دفاع عن التشيع 273

أصبح آل الرسول أحمد في النا س كـذي عـرة بـه جــرب
ويقول دعبل الخزاعي :
وليس حي من الأحياء نعلمـه من ذى بيان ولا بكر ولا مضر
إلا وهم شركاء فـي دمائهـم كما تشارك أيسار على جـزر
قتلاً وأسراً وتحريقاً ومنهـبة فعل الغزاة بأهل الروم والخزر
أرى امية معذورين إن فعـلوا ولا أرى لبني العباس من عذر

ويقول علي بن العباس ، الشاعر المعروف بابن الرومي مولى المعتصم :
بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم لـبلـواكـم عـمـا قـيـل مـفــرج
أكــل أوان للنـبـي مـحمــد قـتـيـل زكـي بـالدمـاء مـضـرج

وخاطب بني العباس قائلاً :
أفي الحق أن يمسوا خماصاً وأنتم يكـاد أخوكـم بطنـة يتبعـج
وتمشون مختالين في حجراتكـم ثقال الخطى أكفالكم تترجـرج
وليدهم بادي البطـون ووليدكـم من الريف ريان العظام خدلج
ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم كلابكم فيهـا بهـيم وديـزج

ولقد ذكر سماحة العلامة جعفر مرتضى العاملي جانباً مهماً من ظلم العباسيين ووحشيتهم ، لا يستغني القارئ عن معرفته .
ويقول الشاعر الشيعي البسامي :
تالله إن كانت امـية قـد أتـت قـتل ابن بـنت نبيهـا مظلومـا
فلقـد أتـاه بنـو ابـيه بمثلـه هـذا لعمـرك قبـره مـهدومـا
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا في قـتلـه فـتتبـعوه رمـيمـا

ويقول عيسى بن زيد :
إلـى الله أشكـو ما نلاقـي نقتل ظلمـاً جهـرة ونخـاف
ويسـعد قـوم بحبهـم لنـا ونشقى بهم والأمر فيه خلاف

ولقد دفن الشاعر سديف حياً من قبل عبد الصمد بن علي عامل المنصور لأنه قال :

دفاع عن التشيع 274

إنـا لنـأمل أن ترتد الفتنـا بعد التباعد والشحناء والأحن
وتنقضي دولة أحكام قادتـها فينا كأحكام قوم عابدي وثن (1)

وقال أحمد بن أبي نعيم الذي نفاه المأمون بسبب هذا البيت :
ما أحسب الجور ينقضي وعلى الـ أمة وال من آل عباس (2)

وأخيراً نختم هذا الفصل بمقتطفات من قصيدة أبي فراس الحمداني (المتوفى 357 هـ) ، فقال في قصيدته المعروفة بالشافية :
يا للرجال أما لله منتصـر مـن الطغاة ، أما للدين منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم والأمر تملكه النسوان والخدم
ثم قال :
لا يطغين بني العباس ملكـهم بنو علي مواليهم وإن رغمـوا
أتفخـرون عليـهم لا أبا لكـم حتى كأن رسـول الله جدكـم
وما توازن يوماً بينـكم شرف ولا تساوت لكم في موطن قدم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل ولا لجدكـم مسعـاة جدهــم
ولا لعرقكم من عرقـهم شبـه ولا نثيلتـكم من امـهم امـم
ثم أضاف :
كـم غدرة لكم في الدين واضحـة وكـم دم لرسـول الله عندكـم
أأنـتم آلـه فيمـا تـرون وفـي أظفاركم من بنيه الطـاهرين دم
هيهـات لا قربت قربى ولا رحم يوماً إذا أقصت الأخلاق والشيم
كـانت مودة سلمـان لهم رحمـاً ولم تكن بين نوح وابنه رحـم

بعد كل هذا الظلم الذي عبر عنه الشعراء المعاصرون له ، والذين تحملوا بسبب شعرهم أشد أنواع القتل والتعذيب ، فحفظوا لنا وصفاً أميناً لخلفاء بني العباس ، جاء أحمد الكاتب وفي القرن العشرين ليصف لنا اولئك الخلفاء بالعطف والرحمة على

(1) العمدة لابن رشيق : ج 1 ،ص 75 ؛ العقد الفريد : ج 5 ، ص 87 .
(2) وفيات الأعيان : ج 6 ، ص 153 .
دفاع عن التشيع 275

العلويين ، ووضع لذلك عنواناً بارزاً ليصادر تلك الدماء بكلمات براقة .

المبحث الثاني عشر : الإمام المهدي المنتظر (عج)


ما معنى المهدي ؟ : هذا اللقب حمل بين طياته معنيين :
المعنى الأول : أنه لقب بكل من يهدي إلى الله تعالى .
المعنى الثاني : ذلك الرجل الثائر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
ومصاديق المعنى الأول تشمل الثاني ، بخلاف العكس لأن الأول لقب لكل من يحمل مشعل الهداية إلى الله تعالى ، ولقب المهدي بكلا قسيمه تحدث عنه الباقر عليه السلام عندما نسب لنفسه أنه المهدي بالمعنى الأول ، نفى عنها أنه المهدي الثائر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً صاحب السيف .
يقول الحكم بن أبي نعيم : سألت الباقر عليه السلام ، أنت المهدي ؟
فأجابه الباقر عليه السلام : «كلنا يهدي إلى الله» .
ولم يكتف السائل بهذا الجواب العام ، لأن المركوز في ذهنه أن المهدي هو صاحب السيف الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فأعاد السؤال على الباقر عليه السلام :
أنت الذي تقتل أعداء الله ؟
هنا حدد السائل مراده من المهدي ، ولكن الإمام عليه السلام أجابه :
«يا حكم ، كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين سنة ؟ وإن صاحب هذا الأمر أقرب عهداً باللبن مني وأخفف على ظهر الدابة» (1) .
إذن ، ميز الباقر عليه السلام بين المهدي الهادي إلى الله ، والمهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فاشتبه الكاتب في التمييز هذا ، ولم يستطيع اكتشافه ، وراح يشنع على الأئمة

(1) الكافي : ج 1 ، ص 601 ـ 602 ، باب 128 ، ح 1 .
دفاع عن التشيع 276

وبالخصوص الإمام الباقر عليه السلام بأن هوية المهدي غامضة لديهم (1) .
وما أدري كيف تكون هوية المهدي غامضة عند الباقر عليه السلام والشيخ الصدوق نقل باباً كاملاً احتوى على (17) حديثاً تحت عنوان «ما أخبر به أبو جعفر بن محمد ابن علي الباقر عليهما السلام من وقوع الغيبة بالقائم عليه السلام وأنه الثاني عشر من الأئمة» ، كل ذلك ذكره في كمال الدين (2) .
وكيف تكون غامضة لديه وهو يقول بحقه : «انظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم» (3) .
وكيف تكون غامضة لديه وهو يرفض ان يكون هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما أجاب الحكم بن أبي نعيم بقوله :
كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين سنة (4) ؟
ولما يئس الكاتب من إيجاد ثغرة عند الباقر عليه السلام انتقل إلى ولده الصادق عليه السلام ، ونسب له غموض هوية المهدي لديه (5) ، ونقل حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام ، عدما سأله أحد أصحابه مرة ، أنت صاحب هذا الأمر ، فقال : «لا» . قال : من هو ؟ قال : «الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً على فترة من الأئمة» .
وأقصى ما يدل عليه هذا الحديث أن الإمام الصادق عليه السلام رفض نسبة المهدي بالمعنى الثنائي لديه ، ووصفه بأنه ذلك الرجل يملأ الأرض قسطاً وعدلاً .
ولا يدل الحديث على غموض هوية المهدي عند الصادق أبداً ، فهو تحميل قسري لمعنى الحديث ، لإثبات مدعى سابق لا دليل عليه ، سوى التأويلات القسرية والتحميل المرفوض .

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 177 ـ 178 .
(2) كمال الدين : ص 304 ـ 311 ، باب 32 .
(3) كمال الدين : ص 304 ـ 305 ، باب 32 ، ح 3 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 601 ـ 602 ، باب 128 ، ح 1 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 179 .
دفاع عن التشيع 277

وكذلك فعل الرضا عليه السلام ، فلقد أكد لأيوب بن نوح عندما قال له : اني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر . . . رفض الرضا هذا المعنى (1) .
والسر الذي أدى إلى تبادر المعنى الثاني عند أصحاب الأئمة من لقب المهدي هو الضغط السياسي الذي كانوا يتعرضون له في كل فترة ابتداءً من وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وإلى يومنا هذا ، ولهذا نسب بهذا المعنى إلى كثير من الأئمة عليهم السلام كعلي بن أبي طالب (2) مثلاً ، وإلى غير الأئمة كأبنائهم مثل محمد بن الحنفية (3) ، وإلى عبد الله بن محمد بن الحنفية (4) ، وإلى الطيار عبد الله بن معاوية (5) وغيرهم .
فهؤلاء وغيرهم الصقت بهم صفة المهدي بمعناه الثاني ، لكن لم يشهد لنا التاريخ أي تصريح لهم بذلك ، بل رفضوا ذلك المعنى وأكدوا أنهم هداة إلى الله تعالى فقط .
فلم يستطع الكاتب الاطلاع على التراث لكي يميز بين هذين المعنيين جيداً ، فنسب غموض الهوية للأئمة عليهم السلام ولشيعتهم .
مهدوية محمد بن الحنفية : يقول الذهبي : (عن الأسود بن قيس ، قال : لقيت رجلاً من عنزة ، فقال : انتهيت إلى ابن الحنفية ، فقلت : السلام عليك يا مهدي ، قال : وعليك السلام ، قلت : إن لي حاجة ، فلما قام دخلت معه فقلت : مازال بنا الشين في حبكم حتى ضربت عليه الأعناق ، وشردنا في البلاد ، واوذينا ، ولقد كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء ، فأحببت أن اشافهك ، فقال : إياكم وهذه الأحاديث ، وعليكم بكتاب الله ، فإنه به هدي أولكم ، وبه يهدى آخركم ، ولئن اوذيتم لقد اوذي من كان

(1) الكافي : ج 1 ، ص 402 ـ 403 ، باب 8 ، ح 325 ؛ كمال الدين : ص 345 ، باب 35 ، ح 1 .
(2) المقالات والفرق : ص 19 ـ 20 .
(3) فرق الشيعة : ص 44 ؛ المقالات والفرق : ص 26 .
(4) فرق الشيعة : ص 48 .
(5) فرق الشيعة : ص 52 ؛ المقالات والفرق : ص 44 .
دفاع عن التشيع 278

خيراً منكم ، ولأمر آل محمد أبين من طلوع الشمس) (1) .
لقد طالعتنا هذه الرواية بمبادئ متعددة :
أحدهما : أن محمد بن الحنفية يقال له المهدي .
ثانيها : نهي الشيعة عن الأحاديث الواردة بحق محمد بن الحنفية .
ثالثها : أن آل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقيادتهم وإمامتهم أبين من طلوع الشمس ، كما يقول ابن الحنفية .
ويجب علينا في هذا المجال أن نعرف المعنى الأساسي لكلمة المهدي التي تطلق على محمد بن الحنفية ؛ لأن المهدي في الفكر الإسلامي : هو ذلك الرجل الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، حيث قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تمتليء الأرض ظلماً وعدواناً ، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي ـ الترديد من الراوي ـ يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً» (2) .
والحديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، كما قال ذلك الحاكم (3) .
إذن ، الفكر الإسلامي يحمل معنى لكلمة المهدي ، فهل هذا المعنى هو نفس المعنى المراد من إطلاق كلمة المهدي على محمد بن الحنفية أم لا ؟
وأفضل طريق لمعرفة ذلك هو ما صرح به محمد بن الحنفية نفسه ، فقال : (أجل ، أنا مهدي أهدي إلى الرشد والخير ، واسمي محمد ، قولوا سلام عليك يا محمد ، أو يا أبا القاسم) (4) .
إذن ، لم يكن المهدي بمعناه المرتكز لدى الفكر الإسلامي هو نفس المعنى الذي يطلق على محمد بن الحنفية ، ومن هذا نفهم معنى كلام محمد بن الحنفية عندما قال :

(1) سير أعلام النبلاء : ج 14 ، ص 122 .
(2) مسند أحمد : ج 3 ، ح 10920 ؛ صحيح ابن حبان : ج 15 ، ص 236 ، ح 6223 ؛ المستدرك على الصحيحين : ج 4 ، ص 601 ، ح 8674 .
(3) ابراز الوهم المكنون : ص 515 .
(4) سير أعلام النبلاء : ج 4 ، ص 123 .
دفاع عن التشيع 279

(أمر آل محمد مستأخر) (1) .
فمهدوية محمد بن الحنفية بمعنى أنه راشد إلى الخير ، وراشد إلى طريق الحق ، أما المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي فهو الذي يهدي إلى أمر قد خفي (2) .
ولهذا بشر ابن الحنفية بالمهدي ، وقال ناقلاً الرواية عن أبيه علي عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «المهدي منا أهل البيت ، يصلحه الله في ليلة» (3) .
فما نسب الكاتب إلى محمد بن الحنفية ومهدويته كلام خال من البحث والتحقيق .
هوية المهدي عند رسول الله وأهل بيته عليهم السلام : لقب المهدي كان أملاً يحلق فوق رأس كل من له طموح سياسي لقيادة الدولة ، لما لهذا اللقب من مواصفات حصل عليها من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وأهل بيته من بعده ، فهو يحمل شرعية القيام والثورة ، ويقنع الناس لما هو مركوز في أذهانهم بالالتفاف حول حامله ، وحتى لا يستغل هذا اللقب في الإسلام من قبل الانتهازيين الذين يحرفون المداليل اللفظية ، حدد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نسب هذا الشخص بتحديدات ضيقت على المتصيدين بالماء العكر فرصة استغلاله .
فلقد ذكر ابن ماجة والحاكم والسيوطي والطوسي وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حدد نسب المهدي ومنبعه بأنه من ولد عبد المطلب حين قال صلى الله عليه واله وسلم : «نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي» (4) .
وبما أن ولد عبد المطلب كثيرون ، ومن أي ولد عبد المطلب يكون المهدي ، وما اسمه ؟ كل ذلك أجاب عنه قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «لا تنقضي الأيام ولا يذهب الأمر حتى يملك

(1) سير أعلام النبلاء : ج 4 ، ص 125 .
(2) البرهان : ص 157 ، باب 8 ، رقم 10 .
(3) حيلة الأولياء : ج 3 ، ص 177 .
(4) سنن ابن ماجه : ج 2 ، ص 1368 ، رقم 4087 ، باب خروج المهدي ؛ مستدرك الحاكم : ج 3 ، ص 233 ؛ الغيبة للطوسي : ص 113 .
دفاع عن التشيع 280

العرب رجل من أهل بيتي اسمه يواطئ اسمي» (1) .
وقد عد البغوي هذا الحديث من الأحاديث الحسان .
ولكن هل اكتفى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بهذه التحديدات ؟ يقول أبو داود ، وابن ماجه ، والطبراني ، والحاكم ، وابن حجر ، والمتقي الهندي وغيرهم ، أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يكتف بالتحديدات السابقة ، فأضاف إلى المهدي تحديداً آخر أضيق دائرة من السابق ، فنقلوا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قوله : «المهدي حق وهو من ولد فاطمة» (2) .
والغريب أن هذا الحديث تعرض لمحاولة اغتيال وحذف من صحيح مسلم ، فبينما نشاهد ابن حجر والمتقي الهندي والشيخ محمد بن علي الصبان والشيخ حسن العدوي المالكي ، خرجوا هذا الحديث من صحيح مسلم ، ولكنه لا وجود له في الصحيح في طبعاته الجديدة ، كما جاء في كتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي .
المهم أن المهدي من ولد عبد المطلب ومن النبي من فاطمة عليها السلام واسمه محمد ، إلى هنا يستطيع من ينتسب إلى فاطمة عليها السلام أن يستغل هذا اللقب ، فضيق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الدائرة كما حدثنا بذلك الدار قطني وابن الصباغ المالكي والسمعاني والقندوزي الحنفي والشيخ الصدوق وغيرهم ، قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لفاطمة عليها السلام : «يا فاطمة إنا أهل بيت اعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت . . . . ومنا مهدي الأمة الذي يصلي عيسى خلفه ، ثم ضرب على منكب الحسين عليه السلام فقال : من هذا مهدي الأمة» (3) .

(1) مسند أحمد : ج 1 / 710 ، رقم 4087 ؛ سنن أبي داود : ج 4 ، ص 233 ، رقم 4282 ؛ المعجم الكبير للطبراني : ج 10 ، ص 1134 ، رقم 10218 ؛ سنن الترمذي : ج 4 ، ص 505 ، رقم 2230 ؛ مصابيح السنة للبغوي : ج 3 ، ص 492 ، رقم 4210 .
(2) سنن أبي داود : ج 4 ، ص 107 ، رقم 4284 ؛ سنن ابن ماجه : ج 2 ، ص 1368 ، رقم 4086 ؛ المعجم الكبير للطبراني : ج 23 ، ص 267 ، رقم 566 ؛ الصواعق المحرقة : ج 2 ، ص 472 ، باب 11 ؛ كنز العمال : ج 14 ، ص 264 ، رقم 38662 ؛ اسعاف الراغبين : ص 145 ؛ مشارق الأنوار : ص 59 .
(3) أخرجه الدار قطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي : ص 116 ـ 117 ، باب 9 ؛ الفصول =
دفاع عن التشيع 281


وكذلك أخرج الصدوق عن سلمان قوله : دخلت على النبي صلى الله عليه واله وسلم وإذا الحسين عليه السلام على فخذيه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول : «أنت سيد ابن سيد ، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة ، أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم» (1) .
وبالإضافة إلى النسب الذي أوصله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى الحسين عليه السلام أضاف إليه صفة اخرى : بأن عيسى يصلي خلفه ، ولم يكتف بصفة واحدة ، بل أضاف اخرى كما صرح بذلك الصدوق والجويني والقندوزي الحنفي ، بأن للمهدي هذا غيبة حيث قال صلى الله عليه واله وسلم : «المهدي من ولدي . . . تكون له غيبة» (2) .
إلى هنا قيد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هذا اللقب بتحديدات يصعب على الانتهازيين استغلالها ، وسار أئمة أهل البيت عليهم السلام على هذا المنهج ، كل منهم يضيف إليه تحديداً يضيق الدائرة لهذا اللقب ، فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : «هو ـ المهدي ـ رجل مني» (3) .
ولا يشتبه البعض ، بأن المهدي إذا كان من ولد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فكيف يكون من ولد علي عليه السلام ، فهو من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأنه من ولد فاطمة ، ومن علي لأنه زوج البتول وقرة عين الرسول صلى الله عليه واله وسلم .
وكذلك الإمام الحسن عليه السلام حيث قال : «ذلك التاسع من ولد أخي» (4) .
وهكذا سار أئمة أهل البيت ـ كما نقل ذلك النعماني وغيره ـ على إضافة التحديدات

= المهمة : ص 295 ـ 296 ، فصل 12 ؛ فضائل الصحابة للسمعاني على ما في ينابيع المودة : ج 3 ، ص 839 ، رقم 26 ، باب 94 .
(1) الخصال : ج 2 ، ص 486 ، رقم 12 باب التسعة ؛ كمال الدين : ص 250 ، باب 24 ، ح 9 .
(2) كمال الدين : ص 272 ، باب 25 ، ح 5 ؛ فرائد السمطين : ج 2 ، ص 335 ، ح 587 ؛ ينابيع المودة : ج 3 ، ص 395 ـ 396 ، باب 94 .
(3) الفتن لابن حماد : ص 226 ، باب نسبة المهدي : التشريف بالمنن لابن طاووس : ص 176 ، باب 190 ، ج 238 .
(4) كمال الدين : ص 297 ـ 298 ، ح 2 ، باب 29 .
دفاع عن التشيع 282

لهذا اللقب ، وهذا موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله الله في أديانكم (1) . إلى أن وصل الأمر إلى أبيه الحسن العسكري ، فأخبر بولادة ابنه ، وأنه المهدي المنتظر ، والخليفة من بعده ، ليغلق الباب تماماً ويطوي عليهم كل الفرص ، يقول الكليني : أخبرنا علي بن محمد (الثقة) (2) ، عن محمد بن بلال (الثقة) (3) يقول بأن العسكري أخبره بالخلف من بعده (4) .
وكذلك ورد الحديث الصحيح عن أبي هاشم الجعفري الذي يخبر فيه العسكري أبا هاشم هذا بولده وأنه الخلف من بعده (5) .
وغيرها من الأحاديث التي نقلها الكليني في الكافي ، والمفيد في الإرشاد ، والطوسي والنعماني في غيبتيهما وغيرهم ، والتي تؤكد إخبار العسكري أصحابه بولده المنتظر .
وبعد كل هذا التضييق والتحديد لهذا اللقب بالاسم والنسب تارة ، وبالوصف والإشارة اخرى ، أنكر الكاتب ابن الحسن العسكري عن طريق غموض هويته عند أهل البيت (6) ، ولكن الصحيح أن الغموض ليس عند أهل البيت ، بل عند الكاتب لأنه لم يستطيع ـ على أفضل التقادير ـ أن يميز بين المهدي بأنه هاد إلى الله ، وبين المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، وهذا ما اتضح سابقاً (7) .
الإمام الثاني عشر وأنه المهدي المنتظر : بعد أن أفلس الكاتب من الحصول على

(1) الغيبة للطوسي : ص 104 .
(2) خلاصة الأقوال : ص 187 ، رقم 559 ؛ معجم رجال الحديث : ج 12 ، ص 127 ، رقم 8484 : تنقيح المقال : ج 2 ، ص 303 ، رقم 8354 .
(3) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 14 ، رقم 10455 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 389 ، باب 76 ، ح 1 .
(5) الكافي : ج 1 ، ص 389 ، باب 76 ، ح 2 .
(6) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 177 .
(7) في الصفحة : 229 .
دفاع عن التشيع 283

الوثائق الكافية لنقد ونفي نظرية الإمامة الاثني عشرية راح يبحث في الجزء الثاني عن الإمام المهدي (عج) ليدعم نظريته التي أفلست من الوثائق في جزئه الأول وبمختلف الوسائل التي رأيناه يتبعها هناك من التزوير والتحريف وقطع الاحاديث وتوثيق الضعفاء وتضعيف الثقات ، ولم يستطع بكل ذلك أن يفتح ثغرة في نظرية الإمام الإلهية ، فلجأ الى طريق جديد لعله يجد فيه ضالته ، واول ما افتراه على المهدي (عج ) هو ان نظرية المهدوية مركبة من الإيمان بوجود الإمام الثاني عشر ، وأنه المهدي المنتظر ، وراح يفصل بين جزئي النظرية التي لم يثبت فصلها في التاريخ ، كما سنوضح ذلك ، فقال :
(كانت النظرية المهدوية الاثنا عشرية نظرية مركبة من الإيمان بوجود الإمام الثاني عشر وأنه المهدي المنتظر . . . . . ، ولكن الدراسة التاريخية المعمقة لقصة نشوء هذه النظرية تكشف عن وجود فاصل زمني طويل بين جزئي النظرية) (1) .
وبعد فشله في إقناع القارئ بعدم وجود إمامة إلهية ، راح يفكك بين الإيمان بالإمام الثاني عشر وبين كونه المهدي المنتظر الغائب ، والمستقريء لتاريخ الاسلام وما حمله الرواة والمحدثون يجد أن الإيمان بمسألة الإمام الثاني عشر وكونه المنتظر الغائب من زمن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
يقول الشيخ الصدوق : إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال بعدما نصب علي وولده الحسن والحسين أئمة من بعده قال : «وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم امتي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً» (2) .
فلم يفصل الرسول صلى الله عليه واله وسلم بين الإمام الثاني عشر ، وبين كونه الغائب المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
ويقول النعماني في الغيبة : إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال مخاطباً علي :
«يا علي الأئمة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدك ، أحد عشر إماماً أنت أولهم

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 177 .
(2) كمال الدين : ص 245 ، باب 24 ، ح 1 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي