دفاع عن التشيع 284

وآخرهم اسمه اسمي يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يأتيه الرجل والمال كدس» (1) .
وقد نقل المفيد والكليني والصدوق والنعماني والمسعودي روايات كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يكن فيها ذلك الفصل المزعوم ، وشاركت المصادر السنية المصادر الشيعية بنقل عدم الفصل هذا ، فذكر القندوزي الحنفي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، قال :
«أنا سيد النبيين ، وعلي سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أولهم علي ، وآخرهم المهدي» (2) .
وقال الجويني : عن عبد الله بن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر ، أولهم أخي وآخرهم ولدي» ، قيل : يا رسول الله ، ومن أخوك ، قال : «علي بن أبي طالب» ، قيل : فمن ولدك ، قال : «المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً» (3) .
وغير ذلك من الأحاديث الشريفة التي لم تفصل ـ كما فصل الكاتب ـ بين الإيمان بالإمام الثاني عشر ، وبين كونه المهدي المنتظر ، ولو فرضنا أن هذه الاحاديث يشكك فيها الكاتب ، فلماذا لم يذكر بحقها شيئاً ، لا من ناحية السند ولا من ناحية المتن ، فقد أهملها تماماً مشوشاً ذهن المطالع بعدم وجودها ، وأكثر الظن أنه أهملها لعد إمكانه إنكار متنها ولا سندها ، فأفضل طريق لذلك الإهمال ، ولم يقف عدم الفصل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، بل سار أئمة أهل البيت عليهم السلام على عدم الفصل هذا ، يقول الصدوق : عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله : «التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق المظهر للدين الباسط للعدل» (4) .
وكذلك بنت الرسول وقرة عينه فاطمة البتول عليها السلام ، حيث نقل جابر حديث اللوح

(1) الغيبة للنعماني : ص 92 ـ 93 ، ح 23 .
(2) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 295 ـ 296 ، باب 78 ، ح 3 .
(3) فرائد السمطين : ج 2 ، ص 312 ، ح 562 .
(4) كمال الدين : ص 287 ، باب 26 ، ح 16 .
دفاع عن التشيع 285

الذي بيدها ، حيث يقول جابر : دخلت على فاطمة وبين يديها أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم (1) . وأخرج الكليني هذا الحديث بسند صحيح (2) .
وكذلك الحسن عليه السلام أخبر بعدم الفصل هذا الذي نسجه الكاتب ، فقال متحدثاً عن الغائب وأنه الثاني عشر : «ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته» (3) .
وقال الحسين عليه السلام في ذلك : «دخلت على جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأجلسني على فخذيه ، وقال لي : إن الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة ، تاسعهم قائمهم ، وكلهم في الفضل والمزلة عند الله سواء» (4) .
ويقول أيضاً : «منا اثنا عشر مهدياً ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحق . . . . له غيبة يرتد فيها أقوام» (5) .
وسار علي بن الحسين السجاد على عدم الفصل الذي ابتدعه الكاتب ، فقال :
«إن الله تبارك وتعالى خلق محمد وعلي والأئمة الأحد عشر من نور عظمته . . . » ثم في حديث آخر ذكر بقوله : «الغيبة بولي الله عزوجل الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والأئمة من بعده» (6) .
وكذلك الإمام الباقر عليه السلام ، حيث قال : «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي ، تاسعهم قائمهم» (7) .

(1) الغيبة للطوسي : ص 92 ؛ كمال الدين : ص 294 ، باب 28 ، ح 4 ؛ الكافي : ج 1 ، ص 598 ، باب 126 ، ح 9 .
(2) المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي : ص 87 .
(3) كمال الدين : ص 297 ، باب 29 ، ح 2 .
(4) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 395 ، باب 94 ، ح 45 .
(5) كمال الدين : ص 298 ، باب 30 ، ح 3 .
(6) كمال الدين : ص 299 ـ 300 ، باب 31 ، ح 1 .
(7) الكافي : ج 1 ، ص 599 ، باب 126 ، ح 15 .
دفاع عن التشيع 286


وقال أيضاً : «منا اثنا عشر محدثاً ، السابع من بعدي ولدي القائم» (1) .
أما الصادق عليه السلام فقد روي عنه عدم الفصل هذا ، كما حدث الطوسي بذلك (2) .
وقال الإمام الكاظم عليه السلام : «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم عنها ، فإنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة» (3) .
وبهذا قد أجمع أئمة أهل البيت عليهم السلام على عدم الفصل بين الإمام الثاني عشر وبين كونه المهدي المنتظر ، وقام الشيخ الصدوق بجمع الأحاديث التي لم تفصل بين الثاني عشر وبين كونه الغائب في فصل خاص بين فيه أن الأئمة اثنا عشر وأن الثاني عشر هو القائم ، فقد روى عن النبي صلى الله عليه واله وسلم سبعة وثلاثين حديثاً مؤكداً هذه الحقيقة ومن طرق مختلفة ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام تسعة عشر حديثاً ، وعن الزهراء عليها السلام حديث اللوح ، وعن الحسن عليه السلام حديثين ، وعن الحسين عليه السلام خمسة أحاديث ، وعن زين العابدين عليه السلام تسعة أحاديث ، وعن الباقر عليه السلام سبعة عشر حديثاً ، وعن الصادق عليه السلام سبعة وخمسين حديثاً ، وعن الكاظم عليه السلام ستة أحاديث ، وعن الرضا عليه السلام سبعة أحاديث ، وعن الجواد عليه السلام ثلاثة أحاديث ، وعن الهادي عليه السلام عشرة أحاديث ، وعن العسكري عليه السلام خمسة أحاديث ، فبلغ عدد الأحاديث عند الصدوق وحده (177 حديثاً) تؤكد عدم الفصل ، ابتداءً من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى العسكري ، كل ذلك اهمله الكاتب ولم يشر إليه بكلمة واحدة ،أضف إلى ذلك أنه فصل بين الإمام الثاني عشر وأنه المهدي المنتظر بعبارات إعلامية لم يذكر لها مصدراً واحداً ، ولا أدري بم يوصف بحث مثل هذا الذي قام به الكاتب ؟
اعترافات علماء السنة :
ولكي نكمل حقول الهوية الشخصية للإمام محمد بن الحسن العسكري ، وبعد اعترافات

(1) غيبة النعماني : ص 96 ، ح 28 .
(2) الغيبة للطوسي : ص 93 .
(3) غيبة النعماني : ص 154 ، ح 11 .
دفاع عن التشيع 287

علماء الأنساب بذلك ، نأتي إلى علماء السنة الذين صرحوا بأن محمداً هو ابن الحسن العسكري .
يقول محمد بن طلحة الشافعي (المتوفى سنة 625 هـ) :
(محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن القانع بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب ، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام) (1) .
ويقول محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ( المتوفى سنة 658 هـ) :
) وخلف علي الهادي من الولد ابا محمد الحسن ابنه ) ، ثم ذكر تاريخ ولادته ووفاته ، وقال : ( ابنه هو الحجة الامام المنتظر ، وكان قد اخفى مولده وستر امره لصعوبة الوقت وخوف السلطان ) (2).
ويقول علي بن محمد الصباغ المالكي : (الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص . . . ) ، إلخ (3) .
ويقول سبط ابن الجوزي (المتوفى سنة 654 هـ) :
(هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وكنيته أبو عبد الله ، وأبو القاسم ، وهو الخلف الحجة ، صاحب الزمان ، القائم ، والمنتظر ، والتالي ، وهو آخر الأئمة) (4) .
ويقول ابن خلكان (المتوفى سنة 681 هـ) :
(أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور . . . .

(1) مطالب السؤول : ج 2 ، ص 79 الباب الثاني عشر .
(2) كفاية الطالب .
(3) الفصول المهمة : الفصل الثاني عشر ، ص 291 .
(4) تذكرة الخواص : ص 325 .
دفاع عن التشيع 388

كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين) (1) .
ويقول الذهبي (المتوفى سنة 747 هـ) :
(وفيها أي في سنة 256 هـ ولد محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد . . . . الذي تلقبه الرافضة الخلف الحجة ، وتلقبه بالمهدي والمنتظر ، وتلقبه بصاحب الزمان ، وهو خاتمة الاثني عشر) (2) .
ويقول يوسف بن قنير علي بن عبد الله البغدادي الحنفي : (أولاد العسكر منهم :
(م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وكنيته أبو عبد الله ، وأبو القاسم ، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم المنتظر والتالي ، وهو آخر الأئمة) (3) .
أما محي الدين ابن العربي (المتوفى سنة 638 هـ) ، فيقول الشعراني :
(وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات : واعلموا أنه لابد من خروج المهدي عليه السلام ، ولكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طول الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة ، وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من ولد فاطمة عليها السلام ، وجده الحسين بن علي بن أبي طالب ، ووالده الحسن العسكري ابن الإمام علي النقي) (4) .
هذا ما نقله الشعراني من الفتوحات لابن العربي ، ولكن يد التحريف طالت هذا الكلام ، وحذفته من الفتوحات لابن العربي (5) .
ويقول عبد الله بن علي الشافعي اليافعي (المتوفى سنة 768 هـ) :

(1) وفيات الأعيان : ج 4 ، ص 176 ، رقم 562 .
(2) العبر في خبر من غبر : ج 1 ، ص 381 ؛ دول الإسلام : ص 145 .
(3) الزام الناصب : ج 1 ، ص 323 .
(4) اليواقيت والجواهر : ج 2 ، ص 562 ، المبحث الخامس والستون .
(5) دفاع عن الكافي : ج 1 ، ص 573 .
دفاع عن التشيع 389


(وفيها ـ حوادث سنة 260 ـ توفي الشريف العسكري أبو محمد الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر الصادق ، أحد الأئمة الاثني عشرية على اعتقاد الإمامية ، وهو والد المنتظر عندهم ، صاحب السرداب ، ويعرف بالعسكري ، وأبوه أيضاً يعرف بهذه النسبة) (1) .
ويقول أحمد بن حجر (المتوفى سنة 974 هـ) :
(ولم يخلف ـ العسكري ـ غير ولده أبي القاسم محمد الحجة ، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، لكن أتاه الله فيها الحكمة ، ويسمى القائم المنتظر . . . ) ، إلخ (2) .
وقال أحمد بن يوسف أبو العباس القرماني الحنفي (المتوفى سنة 1019 هـ) :
(وكان عمره ـ الحجة ـ عند وفاة أبيه خمس سنين ، أتاه الله فيها الحكمة ، كما أوتيها يحيى عليه السلام صبياً) (3) .
وقال سليمان بن إبراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي (المتوفى سنة 1270) :
(فالخبر المعلوم المحقق عند الثقات ، أن ولادة القائم عليه السلام كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء) (4) .
وقال الشبلنجي (المتوفى سنة 1308) :
(وهو آخر الأئمة الاثني عشر على ما ذهب إليه الإمامية . . . . إلى أن قال : ولد محمد ابن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومئتين) (5) .
ويقول الزرگلي الوهابي ( المتوفى سنة 1396 هـ) : (محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي ، أبو القاسم ، آخر الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية ، ولد في سامراء ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين ، وقيل في تاريخ مولده ليلة النصف

(1) مرآة الجنان : ج 2 ، ص 127 ، حوادث سنة 260 .
(2) الصواعق المحرقة : ج 2 ، ص 601 ، الباب الحادي عشر .
(3) أخبار الدول وآثار الاول : ج 1 ، فصل 11 ، ص 353 ـ 354 .
(4) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 306 ، آخر باب 79 .
(5) نور الأبصار : ص 257 .
دفاع عن التشيع 290

من شعبان سنة 255 هـ وفي تاريخ غيبته سنة 265 هـ) (1) .
ويقول عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني :
(يترقب خروج المهدي (عج) ، وهو من أولاد الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة 255) (2) .
واعترف بهذه الحقيقة العلامة الشيخ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي النيسابوري الشافعي (ت 458 هـ) في كتابه «شعب الإيمان» ، والعلامة عبد الله بن أحمد بن محمد بن الخشاب (ت 567 هـ) في كتابه «تاريخ مواليد الأئمة ووفياتهم» ، والشيخ محمد بن طلحة الحلبي الشافعي (ت 652 هـ) في كتابه «مطالب السؤول » والمؤرخ الشهير شهاب الدين ابوعبد الله ياقوت الحموي ( ت 626 هـ) في كتابه « معجم البلدان » ، والشيخ فريد الدين العطار ( ت 627 هـ ) في كتابه «مظهر الصفات» ، والشيخ محي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد المعروف بابن الحاتمي الطائي الأندلسي (ت 638 هـ) في كتابه «الفتوحات» ، والشيخ جلال الدين محمد البلخي الرومي المعروف بالمولوي (ت 672 هـ) في ديوانه الكبير ، والشيخ صلاح الدين الصفدي (ت 764 هـ) في كتابه شرح الدائرة ، وغير هؤلاء ، وأحصاهم الشيخ نجم الدين جعفر بن محمد العسكري في كتابه «المهدي الموعود المنتظر» عند علماء أهل السنة والإمامية ، وأوصلهم إلى (40 عالماً) من أصحاب الكتب ، وأضاف الشيخ لطف الله الصافي ( 26 عالما) آخر من اصحاب الكتب ، فبلغ عددهم (66 عالما ) من علماء السنة اعترفوا بولادة الإمام المهدي ابن الحسن العسكري عليه السلام . وهذا غيض من فيض من الاعترافات الكثيرة جداً بولادة الإمام الثاني عشر ، وأنه ابن الحسن العسكري .
كل هذا تجاهله أحمد الكاتب ولم يناقشه بكلمة واحدة .
أحمد الكاتب ينكر ما أثبته علماء الأنساب : لا يحق لأي أحد أن يدلو دلوه في

(1) الأعلام : ج 6 ، ص 80 .
(2) اليواقيت والجواهر : ج 2 ، ص 562 ، المبحث الخامس والستون .
دفاع عن التشيع 291

أي مكان وفي أي زمان ، إلا أن يكون ذا خبرة كافية في المورد المطروح للنقاش ، وفي موارد ولادة الرجال وعدمها ـ وخصوصاً إذا طالت المدة ـ يترك الأمر إلى علماء الأنساب المشغلين بهذا الفن لكي يثبتوا الحقيقة أو ينفوها .
وعلماء الأنساب ابتداءً من زمن الغيبة الصغرى ، وحتى عام 1246 هـ قالوا بوجود ولد للعسكري عليه السلام وهو المهدي المنتظر .
يقول النسابة سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري الذي عاصر الغيبة الصغرى : (وولد علي بن محمد التقي عليه السلام الحسن بن علي العسكري عليه السلام من ام ولد نوبية تدعى ريحانة وولد سنة احدى وثلاثين ومائتين ، وقبض سنة ستين ومائتين بسامراء وهو ابن تسع وعشرين سنة ، وولد علي بن محمد التقي عليه السلام جعفر ، وهو الذي تسميه الإمامية جعفر الكذاب ، وإنما تسميه الإمامية بذلك لادعائه ميراث أخيه الحسن عليه السلام دون ابنه القائم الحجة (عج) لا طعناً في نسبه) (1) .
ويقول السيد العمري ـ وهو نسابة مشهور في القرن الخامس الهجري ـ :
(ومات أبو محمد عليه السلام وولده من نرجس معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله ، وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعناها بذلك ، وامتحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته ، وشره جعفر بن علي إلى مال اخيه وحاله ، فدفع أن يكون له ولد ، وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه) (2) .
وقال الفخر الرازي الشافعي ـ نسابة القرن الخامس ـ المتوفي سنة 606 :
(اما الحسن العسكري الإمام عليه السلام فله ابنان وبنتان ، أما الابنان فأحدهما صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والثاني موسى ، درج في حياة أبيه) (3) .
ويقول نسابة القرن السادس المروزي الأزورقاني : (إن جعفر كان كذاباً ووصفه

(1) أبي نصر البخاري ، سر السلسلة العلوية : ص 39 ـ 40 .
(2) المجدي في أنساب الطالبيين : ص 130 .
(3) الفخر الرازي ، الشجرة المباركة في أنساب الطالبية : ص 78 ـ 79 .
دفاع عن التشيع 292

بذلك لأنه أنكر ولادة الإمام المهدي (عج» (1) .
ويقول النسابة جمال الدين أحمد المعروف بابن عنبة ، والمتوفى سنة 828 هـ :
(أما علي الهادي فيلقب العسكري لمقامه بسر من رأى ، وكانت تسمى العسكر ، وامه ام ولد ، وكان في غاية الفضل ونهاية النبل ، أشخصه المتوكل إلى سر من رأى فأقام بها إلى أن توفي ، وأعقب من رجلين ، هما :
الإمام أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام ، وكان من الزهد والعلم على أمر عظيم ، وهو والد الإمام محمد المهدي) (2) .
وذكر النسابة أبو الحسن محمد الحسيني اليماني الصنعاني الزيدي ، وهو نسابة معروف في القرن الحادي عشر ، ذكر المهدي المنتظر بأنه من أبناء العسكري واسمه محمد (3) .
ويقول محمد أمين السويدي (المتوفى سنة 1246) :
(محمد المهدي ، وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، وكان مربوع القامة حسن الوجه والشعر ، أقنى الأنف ، صحيح الجبهة) (4) .
وأخير يقول محمد ويس الحيدري السوري : (فالحسن العسكري أعقب محمد المهدي صاحب السرداب) (5) .
وقال على هامش هذه العبارة : (ولد في النصف من شعبان سنة 255 هـ ، وامه نرجس) (6) .
فهذه هي اعترافات علماء الفن بولادة الثاني عشر ، الغائب المنتظر ، فلا يحق لأحد

(1) الفخري في أنساب الطالبيين : ص 8 .
(2) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ص 180 .
(3) روضة الألباب لمعرفة الأنساب : ص 105 .
(4) سبائك الذهب : ص 78 .
(5) الدرر البهية في الأنساب الحيدرية والأويسية : ص 73 ، طبع حلب ـ سوريا 1405 هـ .
(6) هامش الدرر البهية : ص 83 ـ 74 .
دفاع عن التشيع 293

أن ينقض كلام هؤلاء ، وخصوصاً من لا خبرة له ولا علم ولا دراية بعلم الإنساب لا من قريب ولا من بعيد كأحمد الكاتب .
حديث الغيبتين : دون الفقهاء والمحدثون الثقات في موسوعاتهم الحديثية هذا الحديث ابتداءً من عصر الغيبة وإلى يومنا هذا ، فلقد نقل ذلك الكليني والطوسي والنعماني والطبري والمجلسي وغيرهم .
يقول ثقة الإسلام الكليني : عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «للقائم غيبتان يشهد في أحدهما المواسم يرى الناس ولا يرونه» (1) .
وقال أيضاً : عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «للقائم غيبتان ، إحداهما قصيرة ، والأخرى طويلة ، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه» (2) .
وفي الحديث الثالث شرح الإمام حال الناس في هاتين الغيبتين وموقفهم منها ، يقول الشيخ الكليني بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : «لصاحب هذا الأمر غيبتان ، إحداهما يرجع منها إلى أهله ، ولاأخرى يقال هلك في أي واد سلك» ، قلت : كيف نصنع إذا كان كذلك ؟ قال : «إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله» (3) .
وتحدث الشيخ الطوسي عن حديث الغيبتين ، ونقلها في موسوعته (الغيبة) ، يقول الشيخ الطوسي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إن لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما أطول من الأخرى ، حتى يقال : مات ، وبعض يقول : قتل ، فلا يبقى على أمره إلا نفر يسير من أصحابه ، ولا يطلع أحد على موضعه وأمره ولا خبره إلا المولى الذي يلي أمره» .
وعلق الشيخ الطوسي على هذا الحديث فقال : (فهذا الخبر صريح فيما نذهب إليه في صاحبنا لأن له غيبتين :

(1) الكافي : ج 1 ، ص 400 ، كتاب الحجة ، باب الغيبة ، ح 12 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 401 ، كتاب الحجة ، باب الغيبة ، ح 19 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 401 ، كتاب الحجة ، باب الغيبة ، ح 20 .
دفاع عن التشيع 294

الأولى : كان يعرف فيها أخباره ومكاتباته .
والثانية : أطول ، انقطع ذلك فيها ، وليس يطلع عليه أحد إلا من يختصه ، وليس كذلك لأبي الحسن موسى عليه السلام) (1) .
واستقرأ الشيخ الطوسي أحاديث الغيبتين وما حملت من ألفاظ دلت على أن للمهدي غيبتين .
فقد نقل عن أبي عبد الله عليه السلام مخاطباً حازم بن حبيب : «يا حازم ، إن لصاحب هذه الأمر غيبتين يظهر في الثانية ، إن جاءك من يقول إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه» (2) .
ونقل الشيخ الطوسي حديث آخر لأبي عبد الله عليه السلام حيث قال : «أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين ، واحدة قصيرة والآخرى طويلة» (3) .
ونقل الشيخ أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام قوله : «إن لصاحب هذا الأمر غيبتين ، إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات ، ويقول بعضهم قتل ، ويقول بعضهم ذهب ، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلع موضعه أحد من ولده ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره» (4) .
ونقل الشيخ النعماني في كتابه الغيبة فقال : عن إسحاق بن عمار الصيرفي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «للقائم غيبتان إحداهما طويلة والأخرى قصيرة ، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه» (5) .

(1) الغيبة للطوسي : ص 41 .
(2) الغيبة للطوسي : ص 261 .
(3) الغيبة للطوسي : ص 103 .
(4) الغيبة للطوسي : ص 102 .
(5) الغيبة للنعماني : ص 170 ، باب 10 ، ح 1 .
دفاع عن التشيع 295


ونقل عن الإمام الباقر عليه السلام قوله : «إن لصاحب هذا الأمر غيبتين . . . . » ، إلخ (1) .
ويقول النعماني متحدثاً عن الباقر عليه السلام أنه قال : «إن للقائم غيبتين يقال له في إحداهما هلك ، ولا يدرى في أي واد سلك» (2) .
ولقد نقل النعماني مجموعة من الأحاديث التي تدل على أن للإمام الحجة غيبتين ، إحداهما طويلة والأخرى قصيرة (3) .
ونقل الطبري في دلائل الإمامة عن هشام بن الحكم قال : لصاحب هذا الأمر غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى (4) .
فهذه هي أحاديث الغيبتين وغيرها ، نقلت من الأئمة المعصومين عليهم السلام ، ونقلها الكليني المعاصر للغيبة ، والطوسي والنعماني والطبري ، ونقلها من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام : إبراهيم بن عمر اليماني ، ومحمد بن مسلم الثقفي وغيرهم ، ومن أصحاب الصادق عليه السلام : إسحاق بن عمار الصيرفي ، وحازم بن حبيب وعبيد بن زرارة ، والمفضل ابن عمر ، وزرارة بن أعين ، وهشام بن الحكم ، وعبد الأعلى مولى آلسام .
كل هؤلاء تسالموا على نقل حقيقة حديث الغيبتين الذي أنكره أحمد الكاتب (5) ، ولم يكتف بالإنكار ، بل كذب على القارئ بأن هذا الحديث أول من نقله هو النعماني ، فقال :
(إن الاستشهاد بالغيبتين قد ابتداه النعماني في منتصف القرن الرابع الهجري ، بعد انتهاء عهد النواب الخاصين ، ولم يشر إليه من سبقه من المؤلفين حول الغيبة الذين اكتفوا بالإشارة إلى الغيبة الواحدة) (6) .

(1) الغيبة للنعماني : ص 171 ، باب 10 ، ح 3 .
(2) الغيبة للنعماني : ص 173 ، باب 10 ، ح 8 .
(3) الغيبة للنعماني : ص 171 و 172 و 175 ، باب 10 ، ح 5 و 6 و 15 .
(4) دلائل الإمامة : ص 293 ، باب ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 199 .
(6) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 199 .
دفاع عن التشيع 296

فلا أدري ، هل يعلم الكاتب بأن سنة وفاة الكليني (329 هـ) معاصرة للغيبة الصغرى، والذي استشهد بحديث الغيبتين كما بيناه أم لا ؟
التوقيعات الصادرة من امام العصر والزمان : غيب الإمام المهدي كما تغيب الغيوم الشمس ، وتحقق الحاجز المصرح به والمعلوم عند المسلمين بينهم وبين إمامهم ، ولكن بقي هناك بصيص أمل للاتصال والمتابعة عبر قناة النواب الأربعة الذي اعترف به الكاتب بنفسه عندما قال بحقهم : (اتفقت عامة الاثنى عشرية على الأخذ من النواب الأربعة وميزوهم عن غيرهم) (1) .
ومرر الإمام المغيب عبر هؤلاء الثقات توجبهات إلى الأمة وتوصياته ، يقول الشيخ الكليني : عن إسحاق بن يعقوب ، قال : سألت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عج) ـ ذلك الخط الذي يقول عنه أحد أصحاب الأئمة هو نفس الخط الذي كان يخرج عن العسكري (2) ـ ، وأجاب الإمام المهدي عن مسائل إسحاق بن يعقوب ، وكذلك أجاب عن الكثير من المسائل التي رفعها إليه الأصحاب عن طريق النواب ، وقد بلغت التواقيع عند الشيخ الصدوق وحده ثلاثة وأربعين توقيعاً ، ووضع لها باباً خاصاً سماه ذكر التوقيعات الواردة عن القائم ، ولم يناقش الكاتب لا أسانيد هذه التوقيعات ولا متونها ، واكتفى بوصفها بأنها إشاعات ، ولكن من أين هذه الإِشاعات ، هل من رجال أسانيد هذه المتون الثقات ؟ أم من النواب الأربعة المتفق على جلالتهم وقدرهم ؟ كل ذلك أهمله الكاتب ، ولم يحمل طرف المسؤولية عن تلك الإشاعات .
الاختلاف في اسم ام الإمام وولادته : من عجيب الأدلة التي اعتمدها الكاتب على عدم وجود الإمام المهدي ، هو الاختلاف الحاصل كما يراه في اسم أم الإمام ، أو

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 229 ـ 230 .
(2) الغيبة للطوسي : ص 216 .
دفاع عن التشيع 297

الاختلاف في سنة ولادته (1) ، وما شابه ذلك ، وهذا من استدلالات الغريق الذي يتعلق بالقشة لإثبات مدعاه .
ولو سلمنا للكاتب ، ولم نتبع ما اشتهر من الروايات وتظافر بأن اسم ام الإمام هو (نرجس) ، وأن سنة ولادته هي (255 هـ) في النصف من شعبان ، والذي اعترف به ابن خلكان في وفيات الأعيان (2) ، وغيره ـ كما تقدم ـ .
فلو تركما كل ذلك ، وسلمنا للكاتب أنه يوجد اختلاف تاريخي في اسم ام الإمام وسنة ولادته ، فهل هذا يدل على عدم وجوده ؟
فإن كان ذلك ، فعليه أن يلتزم بكل لوازم كلامه هذا ، عليه أن يلتزم بعدم وجود رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأنهم اختلفوا في ولادته ، هل هو يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ، أو بعد ثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول ، وكذلك اختلف السنة والشيعة حول وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
وعليه أيضاً أن يلتزم بعدم وجود الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين ، لأن السنة أنفسهم اختلفوا في زمن ولادتها ، ولم يكن الاختلاف بالأيام أو بالأشهر ، بل فاق ذلك بكثير .
وعليه أن يلتزم بعدم وجود أمير المؤمنين علي عليه السلام ، لأنهم اختلفوا في ولادته ، فهل ولد يوم 13 رجب أم يوم 23 رجب ، وعليه أن يلتزم بعدم وجود الحسن السبط ، لأنهم اختلفوا في ولادته ، هل كانت يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة (2 هـ) أم سنة (3 هـ) . وعليه أن يلتزم بعدم وجود الحسين عليه السلام ، فإنهم اختلفوا في ولادته . وعليه أن يلتزم بعدم وجود الإمام الكاظم عليه السلام لأنهم اختلفوا في اسم أمه ، هل هي حميدة وهو المشهور ، أو نباتة (3) .
ولو استقرأنا التاريخ على مبنى أحمد الكاتب ، وهو الاختلاف في اسم الأم أو ولادة

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي ، ص 210 ـ 211 .
(2) وفيات الأعيان : ج 4 ، ص 176 ، ح 562 .
(3) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ص 177 .
دفاع عن التشيع 298

الشخص ، وجعلنا ذلك دليلاً لعدم وجود الشخص ، فلا يبقى لنا من أئمة المسلمين وعظماء الإسلام أحد (1) .

(1) دفاع عن الكافي : ج 1 ، ص 531 .
دفاع عن التشيع 299


الفصل الخامس

نظرية الشورى في مواجهة

التحديات


دفاع عن التشيع 300




دفاع عن التشيع 301

سند الشورى الوثائقي

يقول عمر بن الخطاب : (لا يفترن امرؤ أن يقول : إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا إنها قد كانت كذلك ، ولكن وقى الله شرها ! فمن بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرةً أن يقتلا) (1) .
طالعتنا كتب الحديث والتاريخ بهذا السند الوثائقي الذي يعبر عن مسألتين مهمتين :
الأولى : أن بيعة أبي بكر لم تكن عن مشورة ، كما قال الداوودي في معنى فلتة : (يعني من غير مشورة) (2) .
الثانية : لم تكن الشورى نظرية سياسية مطروحة آنذاك كما يدل عليه قول عمر في بيعة أبي بكر : (فلتة . . . ولكن وقى الله شرها) ، ولم تكن معروفة عند عمر بن الخطاب الذي خالفها بتصريحاته مراراً وتكراراً ، يقول ابن الأثير وأحمد بن حنبل وابن الجوزي والذهبي : إن عمر قال : (لو كان أبو عبيدة حياً لوليته) (3) ، وقال أيضاً : (لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته) (4) ، وقال : (لو كان سالم حياً ما جعلتها شورى) (5) .

(1) صحيح البخاري : كتاب المارقين من أهل الردة والكفر ، باب رجم الحبلى من الزنا ، ح 6442 ؛ مسند أحمد : ج 1 ، ص ح 393 ؛ سيرة ابن هشام : ج 4 ، ص 308 ـ 309 ؛ تاريخ الطبري : ج 2 ، ص 446 .
(2) فتح الباري : ج 14 ، ص 117 ، طبعة دار الفكر .
(3) الكامل في التاريخ : ج 3 ، ص 65 ؛ صفة الصفوة : ج 1 ، ص 367 ؛ سير أعلام النبلاء : ج 1 ، ص 10 ؛ مسند أحمد : ج 1 ، ص 18 ، رقم 109 .
(4) صفة الصفوة : ج 1 ، ص 367 .
(5) طبقات ابن سعد : ج 3 ، ص 248 .
دفاع عن التشيع 302


إذ ، إذا كانت الشورى كنظرة سياسية غائبة فضلاً عن كونها نظرية سياسية ، فلماذا طرحها عمر للساحة ؟ ولماذا أكدها وشدد عليها بقوله : (فمن بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة ان يقتلا) ، كل ذلك يبين لنا ان الخليفة الثاني كان يعيش أزمة ، وكان خائفاً من شيء يدور خلف الكواليس ، فما هو هذا الشيء الذي سبب أرق الخليفة الثاني في مسألة الخلافة يا ترى ؟
أجاب على ذلك ابن حجر العسقلاني عندما ذكر أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى ابن عباس في موسم الحج ، وكان يتعلم عنده القرآن ، فقال له : (لو سمعت ما قاله أمير المؤمنين ـ يعني عمر بن الخطاب ـ إذ بلغه أن فلاناً قال : لو قد مات عمر لبايعت فلاناً ، فما كانت بيعة أبي بكر إلا قلتة (1) . فهم عمر أن يخطب الناس رداً على هذا القول ، فنهيته لاجتماع الناس كلهم في الحج ، وقلت له : إذا عدت المدينة فقل هناك ما تريد ، فإنه أبعد عن إثارة الشغب . . . . فلما رجعوا من الحج إلى المدينة ، قام عمر في خطبته فقال : لا يفترن امرؤ أن يقول : إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وتمت ، ألا إنها قد كانت كذلك ، ولكن وقى الله شرها ! فمن بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرةً أن يقتلا) (2) .
إذن ، هذا الكلام الأخير الذي تناقلتة كتب الحديث والتاريخ السنية ، والذي سن فيه الخليفة الثاني مبدأ الشورى كنظرية سياسية ، كان رداً على فلان الذي قال : (لو مات عمر لبايعت فلاناً) (3) .
وهنا يبرز سؤال ، من هو فلان القائل ؟ ومن هو فلان الذي إذا مات عمر يبايعه القائل ؟
أما القائل : (لو مات عمر لبايعت فلاناً) ، فقد صرح به ابن حجر العسقلاني بقوله :

(1) فتح الباري : ج 14 ، ص 109 ، باب 31 ؛ ارشاد الساري : ج 14 ، ص 339 ، كتاب الحدود ، باب 30 .
(2) صحيح البخاري : كتاب المحاربين من أهل الردة والكفر ، باب رجم الحبلى من الزنا ، ح 6442 ؛ مسند أحمد : ج 1 ، ص 56 ، ح 393 ؛ سيرة ابن هشام : ج 4 ، ص 308 ـ 309 ؛ تاريخ الطبري : ج 2 ، ص 446 .
(3) إرشاد الساري : ج 14 ، ص 339 ، كتاب الحدود ، باب 30 .
دفاع عن التشيع 303

(وجدت في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر ، عن الزهري ، بالإسناد المذكور في الأصل ، ولفظه : قال عمر بلغني أن الزبير قال : لو مات عمر . . . ) (1) .
وأما السؤال الآخر ، وهو من هذا الذي يبايعه الزبير ؟ هل هو من أمثال سالم ومعاذ وأبي عبيدة ، الذين صرح عمر بأنهم لو كانوا احياء لولاهم منصب الخلافة ، أم رجل آخر ليس من أمثال هؤلاء ؟
الجواب على ذلك : لو كان هذا الرجل من أمثال هؤلاء ، لما لجأ الخليفة الثاني إلى سن الشورى كطريق جديد للخلافة ؛ لأن عمر بنفسه صرح : (لو كان أبو عبيدة أو سالم أو معاذ أحياء لوليتهم) .
إذن ، الرجل له منهج غير منهج هؤلاء ، وغير منهج الخليفة الثاني ، ولحد الآن لم نتعرف على اسمه ونسبه ، والبعض أطلق المسألة باسم فلان واكتفى ، ولم يحاول ، أو لم يرغب في أن يتعرف عليه ، ولكن ابن حجر العسقلاني صرح بهذه الحقيقة المرة على البعض ، بأن ذلك الرجل الذي كان الزبير يريد مبايعته بعد موت عمر هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، وإليك كلام ابن حجر :
(وجدت في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر ، عن الزهري ، بالإسناد المذكور في الأصل ، ولفظه : قال عمر بلغني أن الزبير قال : لو مات عمر لبايعنا علياً) (2) .
فتحصل من كل ذلك : طرح الشورى بديلاً للنص لإيقاف الزبير عما ينوبه في مسألة الخلافة ، وأخذت هذه النظرة منذ ذلك الوقت تدب في جسم الامة الإسلامية سنين وسنين ، ولكنها فشلت ؛ لأنها لم تكن مرتكزة على أصل في الإسلام ، وصرح بفشلها الدكتور أحمد محمود صبحي بقوله : (أما من الناحية الفكرية فلم يقدم أهل السنة نظرية متماسكة في السياسة تحدد مفاهيم البيعة والشورى وأهل الحل والعقد ،

(1) المصدر نفسه .
(2) ارشاد الساري : ج 14 ، ص 339 ، كتاب الحدود ، باب رقم 30 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي