لقد شيعني الحسين (ع) 146

التي رافقت أحداث السقيفة ومرض النبي صلى الله عليه وآله تدل على ذلك . وكان عمر بن الخطاب أكثر صلافة وقسوة . وموقفه سئ من أهل البيت وتاريخه خير شاهد على هذا ، ويعترف (مسلم) في صحيحه إن عليا (ع) بعد وفاة فاطمة الزهراء ، وبعد أن فكر في تحصين نفسه ومن معه من جبروت طلاب الخلافة دعا أبا بكر إلى بيته ، على أن يكون منفردا ، وأشار (مسلم) إلى ذلك إشارة لعدم حضور عمر بن الخطاب للكراهية التي كانت تفصله عن البيت المحمدي . كان أبو بكر رجلا ضعيفا لم يغلب نفسه أمام طمع الخلافة والوجاهة إنها نفس الأطماع التي دفعته إلى عصيان الائتمار بأسامة بن زيد في حياة الرسول صلى الله عليه وآله أما عمر بن الخطاب ، وللنفسية الحادة التي كان يتحلى بها ، كان ينزع إلى التطرف والانحراف عن النص وقد بين ذلك المؤرخون . وبصلافته هذه كاد يفتن المسلمين عن الرسول صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية . أبو بكر بهذا الضعف وعمر بتلك الحدة ، ارتكبا الخطيئة التي تسلل من وراءها الجهاز الأموي . إنهما أعطيا الأمويين مبرر السطو على الخلافة ، ومحاربة آل البيت (ع) في شأنها ، متعللين بمثال أبي بكر وعمر .
ومعاوية كان داهية لما رد على محمد بن أبي بكر وهو من شيعة علي (ع) حين كتب إلى (معاوية) يذكره بفضل الإمام علي (ع) فقال معاوية رادا عليه : (قد كنا وأبوك فينا ، نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازما لنا مبرورا علينا ، ثم كان أبوك وعمر ، أول من ابتزه حقه وخالفه على أمره . فإن يك ما نحن عليه صوابا ، فأبوك استبد به ونحن شركاؤه ، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ولسلمنا إليه . وكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله .
فعب أباك بما بدا لك أو دع ذلك ، والسلام على من أناب) (59) .
كان هذا مستمسكا ، لبني أمية كي يعبثوا بمصير أمة مسؤولة بين الأمم .
ولست هنا أقول إن أبا بكر وعمر بن الخطاب ، كانا على علاقة بالخط الأموي .
فإن ذلك ما كان وما كان ينبغي أن يكون . فالمشروع الثلاثي . في السقيفة كان ذا

(59) المسعودي مروج الذهب وبنات النبي صلى الله عليه وآله لبنت الشاطئ .
لقد شيعني الحسين (ع) 147

أهداف شخصية (60)لقد أرادوا فقط الخلافة ، وهم استصغروا عليا وادعوا خوفهم عليه من حداثة سنه . ولا يزال مع ذلك أبو بكر يشيد بمقام علي (ع) ولا يزال عمر بن الخطاب يرى (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن) ولكن خطأهما ، لم تشفع لهما فيه فاطمة الزهراء (ع) لما أغضباها وأخذ منها حقها في (فدك) فماتت وهي غاضبة عليهما .
إن خطأ أبي بكر وعمر . كان خطأ ذا بعد شخصي ، وهو الجمع بين الخلافة .
إذ عز عليهما أم يسلكها غيرهما ، كما ثقل عليهما أن يكونا ضمن الرعية بعد الرسول صلى الله عليه وآله بيد أن التيار الأموي . كانت له أهداف بعيدة يطمح إليها ، ويجهد ليل نهار من أجل تحقيقها .
فلو لم يعارض آل البيت (ع) ولم ينقدوا خلافة أبي بكر وعمر ، إذن لكان لهم عندهما شأن عظيم . ولكن الآخرين (بني أمية) ، كانوا يطمحون محو البيت الهاشمي ، انتقاما للماضي ، وكفرا صريحا بوحي السماء . وهو ما أكدته أشعارهم المشهورة :
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل

قلت إن الإمامة ، ليست (كفرا) حتى ولو لم تثبت في التاريخ والنصوص .
لأنها ليست سوى الحل المنسجم مع مصلحة الرسالة . إن الغريب . القريب أن يغيب الرسول صلى الله عليه وآله ولا يحدثهم عن أمر الخلافة .
نعود مرة أخرى لنؤكد ، على أن السقيفة - مشروع فاشل في الأمة . وحدث وقع خارج النص . ذلك لأنه لو أطاع المسلمون السير في جيش أسامة . لما حدث شئ اسمه السقيفة ، في ذلك الزمان ، وفي ذلك المكان . والمبنى على الخطيئة (خطيئة) . ثم إن عمر بن الخطاب نفسه يعترف على أن تلك البيعة كانت فلتة ، وإنه من عاد إليها فاقتلوه .

(60) هذا وإن حصلت مساومات غير مباشرة بينهما والأمويين ، صما أسفر عن تولية معاوية ويزيد بن أبي سفيان لإسكات أبي سفيان .
لقد شيعني الحسين (ع) 148




لقد شيعني الحسين (ع) 149

عصر ما بعد السقيفة

كعادتنا ، وانسجاما مع طبيعة البحث ومقاصد الكتاب ، لا ننزع إلى التاريخ السردي لهذه المرحلة في ترتبها ، وتطوراتها التفصيلية . فهذا متوفر في مكتباتنا التراثية . ولكن ما نطمح إليه هنا . هو التركيز على المحطات المهمة ، ومحاولة استنطاقها بوسائل السبر التاريخي ، وبعد السقيفة ولما استتب الأمر لأبي بكر ، اعترضت أبا بكر متاعب كثيرة ، ومشاكل معقدة . أفرزها واقع السقيفة! .
الأولى : - لما منع فاطمة الزهراء (ع) من ميراث أبيها بفدك ، أثار غضبها وبقيت حزينة إلى أن توفيت (ع) وبحرمان آل البيت (ع) ميراثهم (61) خسر كل أوراقه .
ثانيا : - دخوله في معركة مع المسلمين ، واتهامهم بأهل الردة . ذلك لأنهم منعوه الزكاة . والتاريخ لا يحدثنا عن كل الملابسات التي أحاطت بحادث ما سمي بالردة .
كيف بدأ الحدث ، وكيف انتهى؟ .
ذكر المؤرخون ، أن قبائل كثيرة من العرب ارتدت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وبعضها لم يكفر وأنما امتنع عن الزكاة لشبهة ما . فبعث لهم أبو بكر جيشا بإمارة

(61) كان أبو بكر وخوفا من أن ينقلب عليه الهاشميون ، حاول أن يجردهم من عناصر القوة ، فأخذ حقهم في الميراث بحجج (طوباوية) لا تنسجم مع منطق القرآن كما سنبين! .
لقد شيعني الحسين (ع) 150

خالد بن الوليد ، ليقاتلهم على الزكاة . وكانت قبائل ، كأسد وغطفان ، ممن قد (ارتد) أهلها ، فبعث لهم أبو بكر سرايا للقتال فقضوا عليهم . ولكن التاريخ الرسمي ، لم يرو لنا إلا ما يريده مؤرخة البلاط . إذ كيف نتصور ذلك . كيف إن هؤلاء الذين أسلموا في عهد الرسول صلى الله عليه وآله لم يتمكن منهم الرسول صلى الله عليه وآله في الهداية . ثم ارتدوا جميعا من دون أن يبقى واحد منهم على إسلامه . لقد امتنع هؤلاء عن تقديم الزكاة لشبهة معينة ، ولم يمتنعوا عن الإسلام . وامتناعهم عن تقديم الزكاة لأبي بكر نابع عن عدم الاعتراف به كخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ولقد اعترض عمر بن الخطاب نفسه على قتالهم . لكنه ، فشل في كسر أبي بكر عن رأيه .
وتلك سياسة عرفت في حكومة أبي بكر وعمر . فهما دائما يشكلان سياسة مزدوجة ، تتفق والأهداف التي يتوخيان تحقيقها والصورة التي رسمها - العقاد لهما في عبقرياته ، لم تكن بتلك البراءة التي يريدها لهما أديب هم خلع الخيال على الشخصيات التي يترجم لها ، ذلك لما ذكر ، أن أبا بكر لما يغضب ، فإن عمر يكون لينا ، ولما يلين الأول ، يتصلب الثاني . هذا التوازن له مقاصده السياسية .
ليتركوا فجوة في سياستهما ، ضد أي موقف محتمل . وحتى إذا قيل إن أبا بكر يقاتل المسلمين . يقال لهم ، إن عمر بن الخطاب ممن عارضه ، ومع ذلك لم يتخل عن خلافته! وكشفت تلك الحروب عن حقائق في رجالات أبي بكر وعمر . كفضيحة (خالد بن الوليد) الذي قتل (مالك بن نويرة) وهو مسلم . واستأثر بزوجته لقد ثبت أن مالك بن نويرة ، لم يكن عازما على قتال جيش خالد بن الوليد . فقد ذكر ابن الأثير في الكامل : (وكانت سجاح تريد غزو أبي بكر ، فأرسلت إلى مالك بن نويرة ، تطلب الموادعة ، فأجابها وردها عن غزوها وحملها على أحياء من بني تميم ، فأجبته وقالت : أنا امرأة من بني يربوع ، فإن كان ملك فهو لكم . وهرب منها عطارد بن حاجب وسادة بني مالك وحنظلة إلى بني العنبر) .
هناك نقطة لم يشر إليها المؤرخون ، أو بالأحرى المحققون في الأخبار (فسجاح) لم تكن كما يصورها التاريخ (المقلوب) إنها خارجة أو مرتدة . ورأيي إنها لم تكن كذلك إلا أن (السياسة) اقتضت حبكها على تلك الصورة ، لا لشئ

لقد شيعني الحسين (ع) 151

سوى لأنها لا تملك أن تكتب التاريخ ، بينما أعداؤها يملكون كتابته .
بعض المؤرخين ، يريدون تزييف الحقائق وإعادة ترميمها . فيفسدونها ، ويوقعون أنفسهم في مآزق . لقد فشل الرسول صلى الله عليه وآله في أن يربي أصحابه فقط على الإيمان والإسلام . ثم إن أبا بكر ورجالاته لم يستطيعوا إقناع (سجاح) بالعودة إلى الإسلام . حتى يأتي معاوية بن أبي سفيان . فيقنعها بذلك .
عندما وقعت المعاهدة بين الحسن (ع) ومعاوية بن أبي سفيان فلم تزل سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة وجاءت معهم وحسن إسلامهم وإسلامها . وانتقلت إلى البصرة وماتت بها وصلى عليها سمرة بن جندب ، وهو على البصرة لمعاوية قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولاية البصرة) (62) .
وكان مالك بن نويرة ، قد أذعن وأقر بقبوله لتقديم الزكاة . غير أن خالد بن الوليد الذي انتهى من قتال فزارة وغطفان وأسد وطئ يريد البطاح ، وبها مالك بن نويرة قد تردد عليه أمره) (63) فتمرد الأنصار عن خالد بن الوليد ، وقالوا : إن هذا ليس بعد الخليفة إلينا إلا أن خالدا أصر على المسير .
ووصل خالد بن الوليد إلى البطاح وأهلها ، متفرقون ليسوا عازمين على التمرد . وكان مالك بن نويرة قد أقنعهم بذلك فأجابوا . وجاء مالك بن نويرة يناظرهم (64) ، غير أن خالد بن الوليد لم يأبه بالرجل ولا إسلامه . قال اليعقوبي :
فأتاه مالك بن نويرة يناظره ، واتبعته امرأته فلما رآها خالد أعجبته فقال : والله لا نلت في مثابتك حتى أقتلك ، فنظر مالكا ، فضرب عنقه ، وتزوج امرأته .
فلحق أبو قتادة بأبي بكر ، فأخبره الخبر ، وحلف إلا يسير تحت لواء خالد لأنه قتل مالكا مسلما ، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر : يا خليفة رسول الله! إن خالدا قتل رجلا مسلما ، وتزوج امرأته من يومها . فكتب أبو بكر إلى خالد .
فاشخصه : فقال يا خليفة رسول الله أني تأولت ، وأصبت ، وأخطأت) .

(62) ابن الأثير في الكامل (ص 357 - ج 2) .
(63) نفس المصدر .
(64) اليعقوبي (ص 131 ج 2) .
لقد شيعني الحسين (ع) 152

وفي الكامل لابن الأثير ، قال عمر لأبي بكر : (إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك . فقال : يا عمر : تأول فأخطأ ، فارفع لسانك عن خالد ، فإني لا أشيم سيف سله الله على الكافرين) .
كان قتل مالك بن نويرة رحمة الله عليه بعد أن أمنوه . ولم يسمع خالد بن الوليد لكلامه . وأبى إلا أن يقتله ليسطو على زوجه ، تلك التي كانت فارهة الجمال وهي (ليلى بنت المنهال أم تميم) وكانت على حد تعبير العقاد : (من أشهر نساء العرب بالجمال ، ولا سيما جمال العينين والساقين قال : يقال أنه لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها) (65)هذا مما أفقد خالد بن الوليد توازنه . فقتل مالك بن نويرة ، صبرا ، وجعل رأسه أثفية لقدر . حسب (وفيات الأعيان) لابن خلكان . وبني بزوجته في تلك الليلة . على أن (المرأة) لم تكن (سبية) وبناءه بها حتى مع افتراض (سبيتها) يبقى أمرا حراما إذا لم يتم استبراؤها . وهذا ما جعل كثيرا من الصحابة ، وحتى عمر بن الخطاب يقدمون على (اتهامه) . فأين أنتم يا فقهاء ، ويا من نادوا بالاحتياط في الدماء والفروج . . ها هو خالد العبقري ، جمع بين الاثنين!!! .
ومالك هذا لم يكن رجلا عاديا . فلقد كان من المسلمين الذين ولاهم الرسول صلى الله عليه وآله في حياته على صدقات أقوامهم . لقد كان مالك بن نويرة (66) ممن أسلم طواعية في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وأسلم مع قومه بنو يربوع . وما كان - رحمه الله - يريد سوى التريث بالزكاة الشرعية حتى ينجلي أمر الخلافة . وذلك شكا منه في مصداقية خلافة أبي بكر . لذلك ما كان ينوي محاربة خالد بن الوليد . ولقد قتله هذا الأخير ، وهو لم يرفع في وجهه سيفا . ورثاه أخوه متمم بن نويرة ، لما قال على مرآى ومسمع من أبي بكر بعد أن فرغ من الصلاة :
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت خلف البيوت قتلت يا ابن الأزور

(65) عبقرية خالد للعقاد .
(66) هو مالك بن نويرة بن حمزة بن عبد بن ثعلبة بن يربوع التميمي . من إشراف بني تميم .
لقد شيعني الحسين (ع) 153

أدعـوته بالله ثـم غـدرتـه لو هو دعـاك بنقـة لم يغـدر(67)

إن قتل (مالك بن نويرة - غيث -)! وصمة عار وخطيئة على خلافة أبي بكر ، وإن كان الخطأ قد ارتكبه (سيف الإسلام المسموم) إلا إن إمضاء أبي بكر وقوله لعمر دفاعا عن خالد (تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشيم سيف سله الله على الكافرين) إنما يدل هذا على صحة ما قاله عمر في خلافة أبي بكر (فلتة وقى الله منها المسلمين) .
ثالثا : - إن أعظم رزية ، هي لما خلف وراءه عمر بن الخطاب رغما عن المسلمين . وتحديا لحرياتهم ، وتسفيها لمقاماتهم الكبرى . لقد بقي أبو بكر ، سنتين وبضعة أشهر في الخلافة ، فمرض بعدها مرضا شديدا ، أدى به إلى الموت . وحسب العقاد في (العبقرية) إنه مات بمرض الملاريا (68) . وفي تلك الأثناء دعا عثمان بن عفان وقال له : أكتب عهدي ، فكتب عثمان وأملى عليه :
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة أخر عهده في الدنيا نازحا عنها وأول عهده بالآخرة داخلا فيها : إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فإن تروه عدل فيكم ، فذلك ظني به ورجائي فيه ، وإن بدل وغير فالخير أردت ، ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (69) إن هذه ليست سوى تتمة المشهد (السقيفي) وهي في نفس الوقت ثاني خطيئة كبرى في التعاطي مع (النص) و (الإمامة) وبينما كان (الحس) الشوري هو الغطاء المهلهل لصفة (السقيفة) فإن الإثبات ، والتنصيب ، كان هو لغة الخطاب ، وسياسة المرحلة في أيام أبي بكر . وفي الوقت الذي استهجنوا الرأي

(67) تاريخ اليعقوبي .
(68) وقيل حس المستنقعات وهناك شكوك في ذلك . هل هي الملاريا أم هل هي سم زعاف؟! .
(69) تاريخ الخلفاء بن قتيبة (ص 19 - 201) مؤسسة الوفاء بيروت .
لقد شيعني الحسين (ع) 154

الذي يقول إن الإمامة تثبت بالنص لعلي (ع) ها نحن نجدهم يقلبونها برحابة صدر ، على امتداد التاريخ ، بنفوس صنعت على الإيمان الطيب البسيط ، تقبل بالأمر الواقع! وحري بالرسول (ص) وهو أعلم بمصلحة الأمة ، أن يعين بعده من يصلح للأمة . وهل أبو بكر ، وهو يبرر استخلاف عمر بن الخطاب ، هل كان أحرص من الرسول صلى الله عليه وآله بمصلحة الأمة . وهل هذا المنطق الذي سلكه أبو بكر ، وسوغه اتباع الرأي ، إلا ما تعتقده الشيعة في الإمامة والتنصيب . وكيف يكون استخلاف الرسول . . لعلي (ع) غلوا ، والذي فعله أبو بكر ، حصافة ورأي سديد!! .
كان على أبي بكر أن يقول في وصيته ، فإن بدل وغير (فاعزلوه) غير أنه قال (فالخير أردت ولا أعلم الغيب)! وكنت أنتظر من أبي بكر أو عمر نفسه أن يقول لا وصية وكتاب الله معنا أو أن يقول عمر ، إن أبا بكر (يهجر) فلا يقبل وصيته؟؟! .
لقد اعترض الصحابة على خلافة عمر بن الخطاب . وخافوه على أنفسهم .
وتوسلوا لأبي بكر ، بأن يبعده عن إمارتهم . وفي ذلك كبار الصحابة . ولكن أبا بكر أبى إلا أن يكمل الصفقة مع عمر . على سبيل الوفاء بالعهود ، المشهورة في سنن العرب . يقول صاحب الإمامة والسياسة . (فدخل عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنه استخلف عمر ، فقالوا : نراك استخلفت علينا عمر ، وقد عرفته ، وعلمت بوائقه فينا وأنت بين أظهرنا ، فكيف إذا وليته عنا وأنت لاق الله عز وجل فسألك ، فما أنت قائل؟ .
فقال أبو بكر ، لئن سألني الله لأقولن : (استخلفت عليهم خيرهم في نفسي) . وهكذا تغيب المشورة في رأي شخصي . هو نفسه لم يتم له الأمر إلا بعد أن خاضها عمياء لا تبقي ولا تذر . وهو يملك أن يحاجج الله سبحانه ، ولا يبالي .
وكان الله عز وجل يرضى لما يرضى أبو بكر . لأن هذا الأخير ، هو منشئ السماوات والأرض .

لقد شيعني الحسين (ع) 155

يقول أبو بكر (لأقولن استخلفت عليهم خيرهم في نفسي (وإفصاحه عن الواقع بعبارة في نفسي) هو مفتاح السر ، لإدراك اللعبة . فهو يراه خيرا في نفسه ، لا حسب نفوس المسلمين أصحاب السابقية والمجد . وكيف لا يكون خيرا في نفسه ، وهو لولاه لما تمت خلافة المسلمين . لقد عرف (أبو بكر) أن وجدان المجتمع قد تشكل على أيديولوجيا (الشورى) التي لم تكن إلا غطاء لصرف الإمامة عن (النص) وعليه ، فإن أبا بكر وهو عازم على تثبيت عمر بن الخطاب ، يحتاج إلى تعديل في التشكيلة الوجدانية للمسلمين . التعديل الذي لا يسرف فيه حتى يحفز الناس إلى الخلافة الكبرى . التي أرستها شريعة الإسلام لعلي (ع) ولا يفتر فيه حتى يرفضوا مشروع خلافة عمر ابن الخطاب . حاول أبو بكر أن يزرع في هذا الوجدان مفهوما جديدا للخلافة ، وهو الخلافة بالتنصيب . وأعاد المنطق الذي كان مطروحا على صعيد الحلم الإسلامي ، إبان وفاة الرسول صلى الله عليه وآله هو (النص) على الخلافة! .
قال أبو بكر صلى الله عليه وآله : (70)وأما اللاتي كنت أود أني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنهن ، فليتني سألته لمن هذا الأمر من بعده؟ فلا ينازعه فيه أحد ، وليتني كنت سألته . هل للأنصار فيها من حق؟ وليتني كنت سألته عن ميراث بنت الأخ والعمة ، فإن في نفسي من ذاك شيئا) أجل لقد بقي في نفس أبي بكر شئ من كل ذلك ، حتى من (ظلامة) علي (ع) وأهل بيته . وهو القائل : (فأما اللاتي فعلتهن وليتني لم أفعلهن ، فليتني تركت بيت علي وإن أعلن علي الحرب) (71) .
إنه يشهد أن خلافته ليست مؤكدة . أولا ، ليس متأكدا من شرعيتها ، ويشهد أنه ارتكب خطيئة يوم أعلن الحرب على علي (ع) ولكنه بعد ذلك كله يأبى إلا أن يدفع ثمن الصفقة السقيفية . استجابة للعهد المعهود .

(70) ابن قتيبة : الإمامة والسياسة (ص 19 - 201) دار الوفاء - بيروت
(71) نفس المصدر .
لقد شيعني الحسين (ع) 156

والناظر في سيرة عمر بن الخطاب ، وشخصيته . بعين المتفحص والمقلب والسابر . سيجد عمر بن الخطاب ، رجلا لا يصلح لإمارة رعاع الأمة فضلا عن الصحابة . وهو لا يقربهم علما ولا شجاعة ، ولا سابقية .
إنهما يريدان لعلي (ع) الخلافة . فلو كانت له وحده إذن لصبرا عليها . ولكن يعلمان أنها لن تصلهما إذا استقرت في البيت النبوي ، ما دامت هي (نصا) لذلك أرادوها لأنفسهما . إننا نعتقد إنهما كانا يستهدفان (الخلافة) وزهدا في كل شئ دونها . واعترف أبو بكر باللآئي ود لو لم يفعلهن . ليس مجاملة . كما يحاول البعض تلفيقها . وإنما هو الواقع المر الذي خلفه وراءه ، والشرخة الكبرى التي على سيرة أبي بكر . وكأن كل من أراد أن يركب سنام الخلافة ، لا بد له أن يدرس مقام آل البيت (ع) وإلحاق الضربة بهم . وإن تاريخ أبي بكر ، وعمر حتى لو فرض بأنه تاريخ زهد فأنهما لن يزهدا في الخلافة ، وفي سبيل ذلك (شرعا) للنيل من آل البيت (ع) وقدما أول نموذج لذلك . مما شجع الباقين على اقتفاء آثارهم في السطو على تركة الرسول صلى الله عليه وآله بحجة التمسك بسنة الشيخين ، التي لم تكن إلا تغييبا أيديولوجيا لسنة الرسول صلى الله عليه وآله وهكذا بايع الناس عمر بن الخطاب ، خوفا ورهبة ، ولو وجدوا ما يقوي شوكتهم إذا ، لقاتلوه . ولكن هيهات .
فالأمر ثابت مستقر ، و (سيف ديموقليس) فوق رأس كل معارض . وإنه على غرار صاحبه لم يكن متأكدا من صلاحيته . وما زال عمر ابن الخطاب يسأل (حذيفة بن اليمان) أمين سر الرسول صلى الله عليه وآله فيما لو كان (عمر) أحد الذين ورد اسمهم في صحيفة (حذيفة) . وهي ما كان يعلمه من المنافقين . ولست أدري كيف يخاف عمر بن الخطاب على نفسه من (النفاق)؟ وأخرى من (كذاب الآخرة)؟ اللهم إلا لشئ فعله في حياته لا ينسجم مع حكم الشريعة . وأجزم هنا إن من تلك الأفعال ، اغتصابه الخلافة الشرعية من أهلها الموكلين بها . وقد . يخاف المرء من عذاب الله يوم القيامة ، ولكنه لا يشك فيما إذا كان منافقا أو ورد فيه كلام أبدا من ال صلى الله عليه وآله!! .
كان منهج عمر بن الخطاب في الرعية ، منهجا قمعيا وسطحيا . فهو يقمع

لقد شيعني الحسين (ع) 157

الغث والسمين ، وينال من الأخضر واليابس على حد سواء ، ويضرب المصلي إذا صلى خاشعا بتهمة النفاق ، ويضرب المخطئ ضربا مبرحا ، لا أن يحل مشكلة الخطأ من الأساس . واشتهر عمر ابن الخطاب ، بالدرة ، وهي آلته في ضرب الناس ، والإنزال من معنوياتهم . ولم يسلم من درته كبار الصحابة . حتى وصل به الأمر أن يقول : أصبحت أضرب بالدرة كل الناس ليس فوقي إلا الله) (72) وعدها (العقاد) من عبقرياته . وتمثل هذا القمع منذ البداية ، وقد هاب أمره الناس لحدة طبعه ، وتشنج مزاجه . ولكن أبا بكر كما سبق ذكره ، كان يريد دفع الثمن لعمر . على الرغم من أنه تظاهر بالزهد فيها ، وود لو كان في أمر المسلمين خلوا ، وهو صاحب (أقيلوني فلست بخيركم) ونتسأل من خلال التاريخ ، كيف يعترف أبو بكر بأنه ليس بخير من الناس ، ينازع فيها عليا (ع) ويقول لطلحة بن عبيد الله : أبالله تخوفني! إذا لقيت ربي فسألني ، قلت : استخلفت عليهم خير أهلك ، فقال طلحة : أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله! فاشتد غضبه ، وقال : إي والله ، هو خيرهم وأنت شرهم (73) .
لقد كان تنصيبا بالاستبداد ، الذي لا يسمح أن يقال أو يسأل ، هل (عمر هو خير الناس) فعلا!؟ وهذا التناقض في التظاهر بالزهد في الخلافة ، والاستبداد بها في النهاية ، وتوريثها لعمر بن الخطاب هو ما أشار إليه الإمام علي (ع) في خطبته الشهيرة في النهج : (فيا عجبا! بينما هو يستقبلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته! لشد ما تشطرا ضرعيها! فصيرها في حوزة خشناء غلظ كلمها ، ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها راكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ، فمني الناس لعمر لله بضبط وشماسي ، وتلون واعتراض فصبرت على طول المدة ، وشدة المحنة) والواقع هو ما اعترف به ابن الحديد المعتزلي في شرحه ، مع شئ من التزييف :

(72) الغدير في الكتاب والسنة والأدب الأميني .
(73) بن أبي الحديد في شرح النهج (ص 164 - 165 - 103) منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم - إيران 1406 ه‍ . .
لقد شيعني الحسين (ع) 158

(إنما قال : أقيلوني ، ليثور (أي ليبحث) ما في نفوس (قلوب) الناس من يعته ، ويخبر ما عندهم من ولايته ، فيعلم مريدهم وكارههم ، ومحبهم مبغضهم ، فلما رأى النفوس إليه ساكنة ، والقلوب لبيعته مذعنة استمر على مارته ، وحكم حكم الخلفاء في رعيته ، ولم يكن منكرا منه أن يعهد إلى من ستصلحه لخلافته) (74) والواقع إن ثمة ، ثغرة لم يكشف عنها بن أبي الحديد ، هو ن سكوت الناس لا يعني (سكونهم) ورب حكومات ، تحركت جنودها ، للجم لكلمة من الناس ، تمهيدا لخطبة يلقيها الحاكم ، فيظهرون على حال (السكينة) ينما هم مسلوبو (الكلام)! .
لقد حاول البعض أن يقيس على منهج (إبليس) في القياس بين موقف أبي كر (حين قال أقيلوني فلست بخيركم) وعلي بن أبي طالب (ع) يوم قال للناس عد أن بايعوه : (دعوني والتمسوا غيري ، فأنا لكم وزيرا خير مني لكم أميرا) الإمام علي (ع) لم يقل إنه ليس بخير من الناس ، ولم يقل أنه واجد في نفسه ، إصراره على حق قال إنه حقه ، وما تلزمه كلمة حق من معنى (الشرعية) وهو فض الخلافة بعد أن أتت إليه (فاسدة) وقد وصل الخراب إلى آخر مواقع لمجتمع الإسلامي . قالها بعد أن لعب بالخلافة من ليس لها أهل . ولكنه لما وليها هد بها إلى ابنه الحسن (ع) لأنه جدير بها . ولأنه فعلها استجابة للنص لا لرأي . ولو لم تكن المسألة نصا . لكان علي (ع) أجدر أدبا ، أن يبعد عنها ابنه ، ولو كانت المسألة ، مسألة ، تظاهر بالعدل والزهد ، لكان علي (ع) أحق بهذا الزهد .
لقد أمسك أبو بكر وعمر الخلافة ، ومارسها بارتياب وتعثر بسبب عدم جدارتهما . وفي ذلك يقول الإمام علي (ع) : (ويكثر العثار فيها والاعتذار .
وذلك بسبب الاعتذار التي رافقت سياسة الخليفتين ، وبسبب أخطائهما القتالية ، وعثارهما في سياستهما . وكان عمر بن الخطاب متحمسا للخلافة بعد أبي بكر ، فلما كتب العهد أمر به أن يقرأ على الناس ، فجمعهم وأرسل الكتاب مع مولى له

(74) شرح النهج (ص 169 - 1 - 2) .
لقد شيعني الحسين (ع) 159

ومعه عمر فكان عمر يقول للناس : انصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله فأنه لم يسألكم نصحا . فسكن الناس ، فلما قرئ عليهم الكتاب سمعوا وأطاعوا ، وكان أبو بكر أشرف على الناس وقال : أترضون بمن استخلفت عليكم؟ فإني ما استخلفت عليكم ذا قرابة وإني قد استخلفت عليكم عمر فاسمعوا وأطيعوا ، فإني والله ما ألوت من جهد الرأي) (75) .
لقد هيأ عمر الطريق لأبي بكر ، حتى ينصبه على الناس ، قال لهم (اسمعوا وأطيعوا) لخليفتكم الذي يسألكم نصحا ، ليقول أبو بكر للناس . إني استخلفت عليكم عمر (فاسمعوا وأطيعوا) والرؤية التي كان يحملها عمر بن الخطاب ، للخلافة وإدارتها ، ليست في مستوى الإسلام وإنسانيته . لقد كانت تتأسس على موروث فطري عربي ممزوج ببعض ما فهمه عمر من الإسلام كان يرى الخلافة بمعنى التابع والمتبوع . وإن الخليفة هو القائد الذي تسير خلفه قطعان من الخرفان ، لا حق لها في المشاركة . وقف عمر بن الخطاب بعد وفاة أبي بكر ، فقال إنما مثل العرب مثل جمل آنف أتبع قائده فلينتظر قائده حيث يقوده . وأما أنا فورب الكعبة لأحملنكم على الطريق!) (76) إنه يقسم برب الكعبة إنه سيحملهم على الطريق . تلك التي كما يراها هو . وكثيرا ما رأى الحق ، فكان باطلا . وما وسعه إلا أن يقول كلمات نظير : (كل الناس أفقه منك يا عمر) . أو (لولا علي لهلك عمر)! وما أشبه ذلك من أمثلة . وفي تاريخ الخلفاء ، ذكر ابن قتيبة :
(فخرج عمر بالكتاب وأعلمهم : فقالوا : سمعا وطاعة . فقال له رجل : ما في الكتاب يا أبا جعفر؟ قال : لا أدري ، ولكني أول من سمع وأطاع قال : لكني والله أدري ما فيه : أمرته عام أول . وأمرك العام) (77) .
وهكذا كانت الوقائع التي أكدها التاريخ . تثبت بالبراهين المحرقة ، إن عمر ابن الخطاب . فرض على المسلمين بالاستبداد . ولو خيروا يومها لاجتمعت

(75) ابن الأثير (ج 2 ص 426) دار صادر بيروت .
(76) تاريخ بن الأثير (ص 427 ج 2) .
(77) تاريخ الخلفاء (ص 20) .
لقد شيعني الحسين (ع) 160

كلمتهم على عزله ، ولكن عهد أبي بكر ، ودرة عمر لم يسمحا للكلمة الناقدة والمعارضة أن تستمر . غير أن المسلمين رأوا أن يصبروا عليه ، وينافقوه خوفا من عنجهيته .



لقد شيعني الحسين (ع) 161

عمر بن الخطاب مع الرعية

الكل يحاول أن يرسم عمر بن الحطاب في صورة أسطورية كما شاءها له مناوئو بني هاشم . حتى يغطوا ، بدخانها الكثيف فضائل البيت العلوي! بينما الواقع إن عمر بن الخطاب لم تكن له مؤهلات الخلافة النفسية والاجتماعية . وإن أدنى تمحيص لسلوكه وشخصيته يثبت ذلك يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج : .
(وكان عمر بن الخطاب صعبا . عظيم الهيبة شديد السياسة ، لا يحابي أحدا ، ولا يراقب شريفا ولا مشروفا . وكان أكابر الصحابة يتحامون ويتفادون من لقائه) وهو لولا هذه (النرفزة) لما استطاع أبو بكر أن يحصل على شئ من السقيفة ، وعمر هو الذي شد بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها فكسر سيف الزبير لما جرده ، ودفع في صدر المقداد . ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة . وقال : اقتلوا سعدا ، قتل الله سعدا! وحطم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، وتوعد (عمر) من لجأ إلى دار فاطمة (ع) من الهاشميين ، وأخرجهم منها ، ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة) صلى الله عليه وآله (78) وبلغ حقد الناس وكرههم به مبلغا كبيرا ، فقد ذكروا أنه وبينما هو جالس في المسجد . بعيد وفاة أبي بكر ، إذا برجل أتاه فقال ، يا أمير المؤمنين ، أدنوا منك فإن لي حاجة؟ قال عمر : لا قال الرجل ، إذا أذهب فيغنيني الله

(78) ابن أبي الحديد . شرح النهج (2 - 1 - ص 174) .
لقد شيعني الحسين (ع) 162

عنك ، فولى ذاهبا ، فأتبعه عمر ببصره ، ثم قام فأخذه بثوبه ، فقال له ، ما حاجتك؟ فقال الرجل : بغضك الناس ، وكرهك الناس ، قال عمر : ولم ويحك؟ فقال الرجل : للسانك وعصاك) (79) .
وحيث بلغ القمع ، وحر الدرة ، بأن أتته امرأة حامل يوما بعد أن استدعاها لأمرها ، فأسقطت ما في بطنها من شدة الهيبة (80) .
وإذا علمنا ، أن الناس لم يكونوا يجثون على ركبهم ، ولا كانت النساء تسقط أجنتها ، لما تلقى عليا (ع) وهو من هو في التنمر ، والشجاعة و . . لعلمنا إذن ، إن ذلك كله كان بسبب خشونة زائدة لا تميز ظالما ولا مظلوما . تلك الخشونة التي سماها التاريخ البدوي (عدالة)!! إنها درته التي لا توقر امرأة ، ولا شريفا ، ولا حتى فاطمة إذ أزمع على حرق دارها! .
والذي لا ينكر لعمر ابن الخطاب إنه لم يحاب الأهل إذ لم يكن له أهل يذكرون . وكان يهتم في أن يظهر للناس عظيما ومتقشفا . ولكن السؤال القرآني ، هو لماذا أخذ حق غيره . ومن خوله حق ممارسة السلطة حتى وإن كان عدلا .
إن الخلافة لا تعطى للناس لبساطتهم . إنها قرار إلهي! وخلافة عمر كانت فيها ميزات خفيفات ، أتلفتها هنات جسيمة فمن ميزاتها تلك ، أنه خلع خالد بن الوليد ، وهو بذلك أعطى للتاريخ دليلا ، على أن صاحبه أبا بكر كان مخطئا لما تجاوز عن خالد وغفر له كما تقدم .
ثانيا إنه أعاد (فدك) لآل البيت (ع) تزلفا إليهم . مع أنه كان محرضا لأبي بكر ، أن يسلبهم ذلك الحق . والظاهر . أن أبا بكر وعمر منعا آل البيت ذلك الحق . حتى لا يقووا به نفوذهم . ولكن ما أن استتب الأمر حتى جاءت بها نفسه على أهلها . ولو كان مقتنعا أنها لله ، لما حابى بها آل البيت . . إذا ، لما

(79) تاريخ الخلفاء بن قتيبة (ص 20) .
(80) ابن أبي الحديد - شرح النهج (ص 174) .

السابق السابق الفهرس التالي التالي