لقد شيعني الحسين (ع) 335

وإلا ، فلماذا يرد عمر بن الخطاب فدك إلا أبناء فاطمة الزهراء ، علما أنه كان مدافعا عن رأي أبي بكر إذا كان الأمر ورد فيه نص . وهل أبو بكر أعلم من علي وفاطمة ، حتى يقنعهم بحرمة إرث الرسول صلى الله عليه وآله وكان أولى بالرسول صلى الله عليه وآله أن يخبر بهذا الحديث أهله حتى لا يطمعوا في إرثه ، بينما التاريخ يثبت إن أبا بكر هو المنفرد بهذه الرواية . وقد قامت فاطمة الزهراء بتلقينه درسا في الشريعة ، ترد عليه في خطبتها الشهيرة حيث قالت : ( . . . ثم أنتم تزعمون أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .
أيها معشر المسلمين أأبتز إرث أبي يا ابن أبي قحافة أبى الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريا ، جرأة منكم على قطيعة الرحم ونكث العهد ، فعلى عمد تركتم كتاب الله بين أظهركم ونبذتموه إذ يقول : « وورث سليمان داود » وفيما اقتص من خبر يحيى ابن زكريا إذ يقول : « ربي هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا » وقال عز وجل « يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين » وقال تعالى : « إن ترك خير الوصية للوالدين والأقربين » .
وزعم أن لاحظ لي ولا إرث من أبي أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها! أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم بخصوص القرآن وعمومه أعلم ممن جاء به فدونكموها مرحولة مخطومة ، تلقاكم يوم حشركم ، فنعم حكم الله ، ونعم الخصم (محمد) صلى عليه وآله ، والموعد القيامة ، وعما قليل تؤفكون وعند الساعة تخسرون ، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم .
ثم التفتت إلى قبر أبيها وتمثلت بأبيات صفية بنت عبد المطلب (5) :
قد كان بعدك أنبـاء وهنبثـة لو كنت شاهدها لـم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض و ابلها واجتث أهلك من غيبت واغتصبوا

(5) شرح النهج لابن أبي الحديد ، الإحتجاج الطبرسي .
لقد شيعني الحسين (ع) 336

أبدت رجال لنـا فحوى صدورهم لما نأيت و حـالت بيننا الكثب
تهجمتنـا رجـال و استخـف بنا دهر فقد أدركوا منا الذي طلبوا
و قد كنت للخلق نورا يستضاء به عليك تنزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريـل بالآيـات يؤنسنـا فغاب عنـا فكل الخير محتجب

فكثر البكاء من الحاضرين .
وكان أبو بكر قد ندم على سلوكه هذا كما تقدم . ثم هو الذي أوصى - إن مات - أن يدفن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وآله واستأذن ابنته في أن يدفن فيما ورثته من أرض الحجرة ، ولو كانت تركة النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين جميعا ، لكان أبو بكر استأذنهم جميعا (6) .
وكما يذكر البخاري والبيهقي وابن كثير وغيرهم أن عمر بن الخطاب رد فدكا إلى ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله فيترتب على ذلك أن عمر بن الخطاب قد خالف الشرع وأعطى آل البيت (ع) ما ليس حقا لهم . غير أن الواقع هو السياسة ، ثم جاء عثمان وأغتصبها منهم مجددا وأقطعها مروان ، وبقيت كذلك حتى جاء عمر بن عبد العزيز ثم اغتصبت وهكذا دواليك .
وإذا ثبت أن أبا بكر هو المنفرد برواية (الإرث) ، على أن الرسول صلى الله عليه وآله قد أسر له بذلك ، فكيف يخفي الرسول صلى الله عليه وآله على بنته وأقربائه وهم المعنيون بذلك .
وعلى أثر هذا الأجراء ، غضبت فاطمة الزهراء ، ودعت على أبي بكر وعمر ، وتوفيت وطلبت من بعلها علي (ع) أن يصلي عليها ويدفنها خفية ولا يجهر بجنازتها ويخفي قبرها وفعل ، وكذلك راحت الصديقة الطاهرة ، تحمل في قلبها كربا ، لو كان أبوها حيا ما كان لأحد منهم أن يقترب من حقوقها .
ولكن الرسول صلى الله عليه وآله قد راح إلى رحاب الله ، وترك أبناءه لأمة تسلط عليها شرارها . ولا حول ولا قوة إلا بالله! .

(6) فدك في التاريخ - محمد باقر الصدر .
لقد شيعني الحسين (ع) 337

عائشة بنت أبي بكر

أردت أن أقدم نموذجين لشخصيات إسلامية شربنا قداستها إلى حد الثمالة .
فلم نجدها كما أراد القرآن . ولم نكن نريد الإطالة في سرد أخبار كل الصحابة ، واقتصرنا على أبي بكر وعائشة كشخصيتين يمكن قياس الباقي عليهما إذ أن حصول الانحراف في مثل هؤلاء يجعل حصوله في الباقين واردا ، باعتبار هؤلاء ، رموزا لا يعلى عليهم في التاريخ الإسلامي . لأن أبا بكر أول (خليفة) ، أنتجته سقيفة بني ساعدة بتلك الملابسات التي سبق أن أوردناها . وعائشة لأنها ابنته التي تمردت على علي (ع) في حرب الجمل . أما الباقون ، فلا يحتاجون إلا إلى نفضات يسيرة في التاريخ ، لكي تسقط عنهم ورقة التوت المزيفة .
كانت عائشة من الناقمين الأوائل على عثمان ، ومرارا صاحت : اقتلوا نعثلا فقد كفر ، وهي التي لم تأبه بطلب مروان إياها ، نصرة عثمان ، يوم كان في الحصار ، وهي تتأهب يومئذ للحج . ولكن من هي عائشة ، وكيف تسنى لها أن تخرج على رجل هو أقرب الناس إلى زوجها ، وأجدر بإمامة المسلمين؟ .
جاءت عائشة تطالب بدم عثمان بعد أن كانت تتمنى أن يقطع إربا إربا . وذلك مستمسك تاريخي بأن عائشة كانت طائشة عابثة ، لم تكن تهدف الحق من وراء تحريضها على عثمان . وليس عثمان أول من خالف النصوص . فأبوها فعل ذلك ، وفاروقه أيضا . ولم تنبس يومها ببنت شفة . إنما القضية أوسع من ذلك . فعثمان

لقد شيعني الحسين (ع) 338

كان قد انشغل بأقربائه ، فخفض لعائشة من العطاء (7) فترك ذلك في نفسها شيئا .
فحاربته حتى مقتله . غير أنها هابت خلافة علي (ع) إذ أنه لا يحابي فردا من أفراد المجتمع على آخر . وهو لن يحتاج فتوى من عائشة . فمركزيتها ستغيب مع وجود علي (ع) على سدة الخلافة . فهو أقرب الناس صحبة ونسبا للرسول صلى الله عليه وآله وأعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بالإضافة إلى جوانب أخرى تضمرها عائشة عنه في نفسها .

(7) اليعقوبي .
لقد شيعني الحسين (ع) 339

عائشة في الميزان وما دامت قد خضعت لميزان الأحداث . نرى من الضروري وضعها قبل كل شئ في الميزان . عائشة زوج للنبي صلى الله عليه وآله أمر لا شك فيه ولا جدال - أم المؤمنين ، وسام أعطي لها بشروط ، لم تلتزم بها . هي مركز كبير في الأمة له قدسيته ، وبسبب هذا المركز الكبير وتلك القدسية ، كانت خطيئتها مضاعفة .
إنها ليست امرأة عادية تخطئ فيتقبل منها ذلك . إنها امرأة لها موقع في وجدان الكثير ، حتى روى عنها العامة ، أن (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء) .
وسواء أكانت هي موضوع الإفك أم غيرها ، فإننا نبرءها ابتداء انطلاقا من التنزيه المعطى للرسول صلى الله عليه وآله لأن ذلك إن وقع - لا سمح الله - فإنه يخدش في مقام النبوة .
غير أن براءتها من الإفك - إن كانت هي موضوعا له - لا يعني براءتها المطلقة مما قامت به من فتن ، ونحن تعلمنا من الإسلام ومن الرسول صلى الله عليه وآله أن الحق الذي جاء به القرآن ، أغلى من النفس ومن الأزواج والأبناء .
محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وزوجته مذنبة ، وهذا ليس عيبا ، بل حقيقة وقعت ، وإذا هي لم تناف مقام النبوة فلأن لها نظيرا في تاريخ النبوة . ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله لم يمن بزواج فاشل بناء على ذلك . فلقد حظي بخير النساء ، أقمن أركان الذين بالتضحية ، وهي خديجة الكبرى التي أنجبت منها أبناءه ، وعلى

لقد شيعني الحسين (ع) 340

رأسهم الزهراء الطاهرة (ع) ولكي نعرف عائشة ونضعها في الميزان . يجب أن نتوخى الحقيقة ، ونكسر في أذهاننا صنم عائشة من أجل الحقيقة الغالية فقط .
أعطى القرآن درسا لنساء النبي صلى الله عليه وآله حتى لا يغتررن ، ويظنن أن الرسول صلى الله عليه وآله يخفي عنهن شيئا ، فرسول الله صلى الله عليه وآله بعث للبشرية ، وهو لم يبعث ليحتكره هوى امرأة . ولطالما حاولت عائشة ذلك . فالتأنيب القرآني ، بين أن امرأة النبي صلى الله عليه وآله ليست هي التي تحدد عواطفه وسلوكه ، وبأنهن معرضات للطلاق إذا لم يكففن عن أذى الرسول صلى الله عليه وآله وإشغاله بالسفاسف ، مما يصرفه عن مهمته النبوية . يقول تعالى :
« يا أيها النبي ، قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا . وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما . يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا . ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما ، يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى »(8) .
والآية تحتوي على مجموعة من الحقائق التي يجب الوقوف على دلالاتها :
1 - تخيير نساء النبي بين إرادة الدنيا وزينتها التي يترتب عليها الطلاق أو إرادة الله ورسوله والدار الآخرة .
وهي حقيقة تبين نوعية الزواج النبوي . أنه زواج يفترض أن يكون في خط الله ، ومنقطعا إليه . فإما هذه الوجهة ، وإما الطلاق ، وهذا حق لهم لم يبخسه القرآن .

(8) الأحزاب آية ، 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 .
لقد شيعني الحسين (ع) 341

2 - إن الله أعد للمحسنات منهن أجرا عظيما . ولم يذكر مطلق نسائه .
فالمسألة مشروطة بالإحسان . أي العمل الصالح . وبالتالي يترتب عليه بمقتضى المفهوم بالمخالفة ، إنه ليس ثمة أجر عظيم لغير المحسنات منهن .
3 - وإنه أنذر من تأت منهن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين .
وذلك على الله يسير . وفي هذا دلالات يجب الافصاح عنها . فالإنذار بمضاعفة العذاب ، هو مقتضى العدل ، لأن الضعف يتسع أيضا للإحسان . وذلك أيضا لمكانتهن من الرسول صلى الله عليه وآله ثم يتحدث القرآن عن الفاحشة . وهذا دليل على أن من بين زوجات النبي صلى الله عليه وآله من قد تأتي بالفاحشة . غير أن الفاحشة هنا لها مدلول خاص . فالفاحشة بالمعنى المسقط للسمعة ، كالزنا - والعياذ بالله - غير وارد في حق زيجات النبي صلى الله عليه وآله بإجماع المسلمين شيعة وسنة .
وتشمل كلمة - فاحشة - بالتالي كل المعاني الأخرى التي لا تمس شخصية الرسول صلى الله عليه وآله .
4 - وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وهو أمر إلهي لنساء النبي صلى الله عليه وآله للزوم البيوت وحرمة الخروج . وضرب القرآن لهن مثلا ، بزوجات الرسل والأنبياء السابقين :
« ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين » (9) .
أما عائشة فماذا؟ .
لقد كانت مصدر قلق وإزعاج للرسول صلى الله عليه وآله مزعجة مشاغبة كادت تشيبه قبل المشيب .
روى حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه وكان بدريا قال :

(9) التحريم / آية : 10 .
لقد شيعني الحسين (ع) 342

تزوج رسول الله أسماء بنت النعمان الجونية ، فأرسلني فجئت بها ، فقالت حفصة لعائشة : اخضبيها أنت! وأنا أمشطها! ففعلتا . ثم قالت لها أحداهما :
إن النبي صلى الله عليه وآله يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول :
أعوذ بالله منك! فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها فقالت : أعوذ بالله منك . فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وكمه على وجهه فاستتر به ، وقال : عذت بمعاذ ثلاث مرات ، ثم خرج إلى أبي أسيد فقال يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين يعني كرباسين .
(وطلقها) فكانت تقول :
ادعوني الشقية . قال ابن عمر قال هشام بن محمد فحدثني زهير بن معاوية الجعفي : إنها ماتت كمدا) (10) .
ومما ورد عنها ، من إزعاج الرسول صلى الله عليه وآله ما أخرجه البخاري في تفسير سورة التحريم عن عائشة .
قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها . فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير؟ قال : لا ولكن أشرب عسلا عند زينب بنت جحش ، فلن أعود له لا تخبري بذلك أحدا وفي ذلك أنزل الله في القرآن :
« يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك »(11) .
فالله الذي بعث محمدا نبيا ، لم يشأ له الشقاء « طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى » ، كيف لا يرفع الحرج والعسر على نبيه ، وقد فرض على نفسه شيئا ابتغاء مرضات عائشة وتجنبا لإزعاجها .

(10) الحاكم في ترجمة أسماء بنت النعمان من الجزء 4 من المستدرك . وأورده ابن سعد في الطبقات ج 8 وكذا أخرجه بن جرير .
(11) التحريم ، آية 1 .
لقد شيعني الحسين (ع) 343

وذكر صاحب الأحياء قولها للرسول صلى الله عليه وآله (أنت الذي تزعم أنك نبي الله) (12) .
وخاصمت النبي صلى الله عليه وآله يوما إلى أبي بكر : فقالت : يا رسول الله اقصد - أي اعدل - فلطم أبو بكر خدها وقال : تقولين لرسول الله اقصد . وجعل الدم يسيل من أنفها (13) .
وما إلى ذلك مما ورد فيها ، ويضيق عنه المقام . ككسرها الأواني في بيت الرسول صلى الله عليه وآله أثناء غضبها وما إلى ذلك مما ورد في آثار السنة . وحسبنا ما روته هي عن نفسها قالت :
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ، فيحسن الثناء عليها فذكرها يوما من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلا عجوز فقد أبدلك الله خيرا منها ، فغضب حتى أهتز مقدم شعره من الغضب ، ثم قال :
لا والله ما أبدلني خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني في مالها إذ حرمني الناس ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء (14) .
لقد نزل القرآن موبخا لها في هذا السلوك :
« إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه » ( أي على النبي صلى الله عليه وآله ) « فإن الله مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ، عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا » (التحريم 4 - 5) .
ولم تكن هي أفضل زوجات الرسول صلى الله عليه وآله بنص ما سبق . فقد جاء في

(12) إحياء علوم الدين الغزالي ، كتاب آداب النكاح .
(13) بإسناد عن عائشة ، أورده صاحب الكنز ، والغزالي في آداب النكاح .
(14) الإستيعاب لابن عبد البر المالكي ، ومسند أحمد بن حنبل ، أسد الغابة ، الإصابة لابن حجر وكذلك ذكر البخاري بلفظ آخر ومسلم والترمذي .
لقد شيعني الحسين (ع) 344

الحديث ، أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبشرها - أي خديجة - ببيت لها في الجنة من قصب (15) .
وقوله صلى الله عليه وآله خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد (16) .
كان الرسول صلى الله عليه وآله يتفرس فيها الفتنة ، وعلم أنها ستحدث بعده فقال لهن مرة :
" ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب " (17) .
ولقد نبحتها تلك الكلاب - شرف الله قدركم - يوم الجمل .
ولم يكتف الرسول صلى الله عليه وآله بذلك ، بل أكد مرارا وتكرارا على خطورتها ، وهو لا يزال على قيد الحياة . فلقد وقف صلى الله عليه وآله مرة خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال :
هاهنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان (18) .
وفي لفظ مسلم خرج رسول الله من بيت عائشة فقال : رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان .
غير أن حجب كثيفة منعتنا من الكشف عن الحقيقة هو أن عائشة راوية حديث يكاد حديثها يسود كل أسفار العامة والواقع إن ذلك كله تضخيم للواقع ، وقد عمد الأمويون على التكثير من أحاديث عملائهم ورموزهم وأتباعهم مثل أبي هريرة . وكانت عائشة ممن وقف معهم ونادى من بعد ذلك مطالبا بدم عثمان ، وممن شاركهم في أذى البيت الهاشمي ، ومنعت استجابة لمروان أن يدفن الحسن

(15) صحيح البخاري ، صحيح مسلم ، صحيح الترمذي ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزية .
(16) الإستيعاب لابن عبد البر ، أسد الغابة ، الإصابة لابن حجر .
(17) الحديث مشهور ، ذكره صاحب العقد الفريد ، والطبري في التاريخ والإستيعاب لابن عبد البر ، وتذكرة الخواص للسبط بن الجوزي .
(18) صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير ، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله .
لقد شيعني الحسين (ع) 345

قرب جده في بيتها .
التكثير من ذكر عائشة وأخبارها ، ليس إلا صناعة اعتادها المؤرخون ، من الطريف ما ذكره صاحب شرح الملحمة التترية لأحمد بن منير الطرابلسي .
حيث فند كذبة ، كون عائشة روت كل هذا الكم الهائل من الأحاديث ، فيذكر أن ما اشتهر عند أهل السير هو أن عائشة بنى عليها الرسول صلى الله عليه وآله وهي 9 سنوات ، بينما بلغ حديثها ألف حديث ويزيد فكيف تكون العملية؟ .
لقد بنى عليها وهي بنت 9 سنوات ثم مات عنها وهي بنت 18 سنة .
فتكون حياتها مع النبي صلى الله عليه وآله 9 سنوات .
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وآله كانت تحته 8 نساء وهي تاسعتهم ، وبمقتضى العدل بين النساء يكون لها يوم كامل من كل 9 أيام و 9 سنوات من حياة عائشة مع النبي صلى الله عليه وآله موزعة على (9) من نسائه .
بالإضافة إلى أنه يقضي معظم نهاره في شؤون المسلمين بالمسجد الجامع وجزءا كبيرا من ليله في التهجد والعبادة ، ثم لا بد له من الراحة (كبشر) .
وعليه ، فلا يمكن أن يتجاوز حديث الرسول صلى الله عليه وآله مع عائشة أكثر من 100 ساعة ، وإذا افترض أنه حدثها خلال كل ساعة (10) أحاديث وهذا غير وارد ، إذ أن الرسول صلى الله عليه وآله كان طويل الصمت ، وصمته أكثر من كلامه ، فيكون المجموع عندئذ (10000) وفي هذا مبالغة .
وإذا أضفنا (10000) حديث أخرى ، بمقتضى إن السنة هي قول وعمل وتقرير ، وهي إضافة مبالغة فسيكون المجموع (20000) في أقصى الحدود .
فأين هذا العدد من (41) ألف حديث لعائشة .
ويلخص صاحب الملحمة ، عمليته كالتالي :
(لعائشة 9 سنوات في بيت الرسول ولها من هذا العدد سنة واحدة فقط) لأنها تعيش مع (8) ضرات والسنة تساوي 365 يوما واليوم يساوي أربعا وعشرين

لقد شيعني الحسين (ع) 346

ساعة) وحاصل ضرب (365 في 24 = 8760 ساعة) ينقص نصفها وهو النهار لوجوده في المسجد .
و (3 / 4 ثلاثة أرباع من الليل للعبادة والراحة) فألف ساعة نصيب وافر جدا قد فرضناه لحياتها معه - أي للتحدث معها (19) .
هذه هي عائشة أم المؤمنين ، كيف نجمع بين النقيضين كيف دخلت المعركة مع يعسوب المؤمنين؟ .
لدي وجهة نظر قوية الدلالة ، فعائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله كانت مخطئة في حربها مع علي (ع) هذا ما لا يشك فيه أحد . لأنها لم تتمالك نفسها أمام فرصة تسنح لها ، لتصفية حسابها - كامرأة غيورة - مع عدو لها لدود استبد بأوقاتها مع النبي (ص) الزوج - ودفعه المبدأ الصارم إلى حل مشكلة الإفك باقتراح الطلاق ، وذلك من أجل قضية الرسول الرسالية فلم يراع في ذلك شعور عائشة - المرأة - الغيور ، وما يمكن أن يتركه هذا التصرف في امرأة خاصمة وكسرت الأواني في البيت وساهمت في خداع نساء النبي صلى الله عليه وآله ، ليعرض عنهن .
كل ذلك غيرة! والمؤرخون ، هم الذين خلعوا عليها قداسة زائدة ، ورأوا في نزوعها ذاك ، اجتهادا دينيا أضافوه إلى شريعة محمد صلى الله عليه وآله .
واستمر الإمام علي (ع) في طريق نضاله العقيدي ، لا تشغله سفاسف الصغار . في مثل هذه الفرص ، تقدم عائشة دليلا على غيرتها الكبرى التي ليس بعدها مبرر أقوى لمحاربة كتلة من المسلمين على رأسهم علي بن أبي طالب (ع) فهذا الأخير إذا حكم ، وعائشة موجودة إذا سينفذ النص وسيكون كالنبي صلى الله عليه وآله الذي لم تكن عائشة تقدر على تليينه ، لأنه زوجها أولا ، وثانيا لأنه مدعوم بالوحي مباشرة ، ولأنه ثالثا زجرها بالوحي أكثر من مرة أرادت أن تتظاهر عليه .

(19) رؤوف جمال الدين : شرح الملحمة التترية لأحمد بن منير الطرابلسي؟ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، لبنان ص . ب 7120 . أقول : والمرأة التي تكذب على النبي صلى الله عليه وآله حسب ما أوردنا ، ونزول القرآن فيها ، أليست مستعدة للكذب على الناس الذين هم دونه بلا شك .
لقد شيعني الحسين (ع) 347

بينما علي (ع) هذا سوف يطبق أحكاما أشبه في صرامتها ب‍ (طلقها يا رسول الله) .
وهذا يؤذي عائشة ويؤذيها أن يتألق نجم علي وبنيه ، بشكل يخبو فيه وهجها أمام المسلمين ، تريد أن تستبد وحدها بإرث الرسول صلى الله عليه وآله في الشرف ، ويؤذيها أن يتولى أمر الناس أحد أعداء أبيها وفاروقه وقتال للعرب! .
مع كل ذلك أقول أن عائشة ، رغم خطيئتها في حرب علي (ع) إلا أنها كانت ترى نفسها منطقية مع شعارها الذي هو (أن عليا قتل عثمان)! .
وكل عاقل يدرك أن عليا لا يمكن أن يتآمر بهذه الطريقة العصبانية على رجل ضعيف - وإن كان قويا بعشيرته - ولكن المؤامرة كانت استراتيجية واعتبارية ، أي أن عليا (ع) نضج الأجواء الثورية لهذه العملية ، فوجوده وسلوكه وتوجهاته تعكس ملامح (الرفض)! وتحول علي (ع) وأسرة بني هاشم على مدى سنوات من الاغتصاب الاستخلافي ، إلى محطة لتزويد الجماهير بالرفض ، نقطة استفهام انزرعت في قلب المجتمع الإسلامي يومها ، كانت تلك هي بنو هاشم! .
فعائشة كانت ترى أنها تحمل شعارا فيه مبررات مقبولة عند العوام ، فهي ترى أن رؤساء الوفود الذين جاءوا إلى عثمان ، كانوا هم طليعة وخلص شيعة علي (ع) وأن الذين اقتحموا البيت على عثمان وتزعموا قتله ، أصبحوا من عمال علي (ع) في البلدان ، كمحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن أبي حذيفة وأمثالهما .
وجدت عائشة في ذلك مبررا ، لمعارضة علي (ع) بعد أن انعقدت له البيعة ، وأشعلت فتنة في أمة الرسول صلى الله عليه وآله لم يطفئها إلا سيف علي (ع) .
أمثل هذه المرأة ، يستحق أخذ الدين عنها . وكيف نتقرب إلى الرسول صلى الله عليه وآله ونحترمه من خلالها وهي التي كانت لا تحترمه ولا توقره على خلاف بعض أزواجه الأخريات .
يقول الإمام علي في نهجه :
لا تعرف الحق بالرجال ، ولكن اعرف الحق تعرف أهله .

لقد شيعني الحسين (ع) 348




لقد شيعني الحسين (ع) 349

أيديولوجيا المنطق السلفي

هناك في الفكر السلفي ما يقمع وما يوجه الأمة وثقافتها ، القمع الذي تعززه ب‍ (إذا ذكر صحابي فأمسكوا) .
والتوجيه الذي تبرره ب‍ : (أصحابي كالنجوم ، بأيهم اقتديتم اهتديتم) .
والمفهوم النهائي من ذلك كله هو أن تتبع محددات ، دون معرفة .
وعندما نفهم الإسلام ، بعيدا عن التوجيه الأيديولوجي السلفي . نفهم أن الهدف منه هو إثارة عقل الإنسان . لكي يمارس حياته بوعي ، وليقوم بدوره الديني على يقين .
ولا أعتقد أن الإسلام الذي جاء ليعلم الناس الحكمة والعلم ، أن يضع الأغلال على المسلمين ، ويربطهم بأشخاص مجهولين ، ثم يمنع هؤلاء الناس من البحث عن سيرتهم الحقيقية في التاريخ .
وليس في القرآن قدوة ، غير الرسول صلى الله عليه وآله ومن نص عليهم . أما الصحابة ، فقد كانوا هم موضوع الرسالة .
ونلاحظ أن في الأمر بالإمساك عن ذكر أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله - مهما أحدثوا - إيحاء بالعصمة لهم . وهذا خلاف لما جاء به الإسلام ، فإذا لم يخضع هؤلاء إلى معادلة الجنة والنار . فمن يخضع لها إذا .

لقد شيعني الحسين (ع) 350

وليس من المنطقي أيضا ، أن يكون كل أصحاب الرسول كالنجوم . وإلا فإن من هدى معاوية أن قاتل عليا (ع) ونهب الأمة ، وأحدث فيها ثم جعلها في النهاية ملكا عضوضا . وأن عمرو بن العاص باع دينه ليشتري به دنياه ، وأن أبا هريرة لم يكن يجسد سيرة الإسلام ، وهو يخالف الحق من أجل إشباع بطنه .
ثم ما حدث بين هؤلاء الصحابة دليل على أنهم ليسوا جميعا نجوما .
وهذا الخطاب ، ليس خطابا لنا وحدنا ، بل هو بالدرجة الأولى ، خطاب موجه لهؤلاء المعاصرين له - الذين أطلق عليهم السنة جميعا ، اسم الصحابة - وهذا دليل على أن الصحابة الذين يعنيهم النص - مع افتراض صحته - ليسوا إلا فئة معينة ضمن هذا القطيع الواسع من المعاصرين للرسول صلى الله عليه وآله .
وكنت ألاحظ تلك السطحية في عقلية العامة بخصوص تحديد مفهوم (الصحابي) وكل ما قالوا عنه مجرد تبريرات وهمية لا ترقى إلا سمو الإقناع . يقول (أنور الجندي) في رده على (عبد الرحمن الشرقاوي ، في مسرحية الحسين شهيدا) (20) : شهد الباحثون الذين راجعوا القصة ( . . ) أن الأصابع الحمراء تشوه حقائق التاريخ الإسلامي وتشهر بالصحابة الأجلاء .
ثم لم يوضح كيف أساء إلى الصحابة . واقتصر على (وتشهر بالصحابة الأجلاء) لاستعطاف الوجدان العامي ، من دون اللجوء إلى أساليب إقناع موضوعية . ثم قال:
تردد في المسرحية تشهير بجماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وهم قدوة لنا وقد نوه الرسول صلى الله عليه وآله بمكانة أصحابه في أكثر من حديث شريف ومن واجبنا أن نبرز مفاخرهم ونركز عليها ونهتم بها وألا نطيل الوقوف أمام ما نسب إليهم من خلاف أو أخطاء) .
ولا زلنا ننتظر من مفكر العامة أن يفصح عن كيفية هذا التشهير ولم يبين للذين يكتب لهم ، ماذا قال (الشرقاوي) وأين أخطأ بل اقتصر على وجوب إبراز مفاخر

(20) إعادة النظر في كتابات المصريين في ضوء الإسلام . دار الاعتصام .
لقد شيعني الحسين (ع) 351

الصحابة ونركز عليها ونهتم بها .
- كما لو نركز على أن الرسول أخطأ وأصاب عمر - ولا نطيل الوقوف أمام ما نسب إليهم من خلاف أو أخطاء - كما لو لم نطل الوقوف أمام مقتل الحسين - لسواد عين يزيد والعامة .
واستمر كذلك (الجندي) في كلماته المطاطة التي لا تحتوي مضمونا عقلانيا يحمل مظهرا من مظاهر الإقناع . وهذه الضبابية في تحديد المفاهيم عند العامة ، ليست من مسؤولية الجندي ، بل هي كانت في صميم البنية المذهبية للعامة .

قصة طريفة :

من القصص التي حدثت لي يوما وعرفت من خلالها مدى تقديس الصحابة عند العامة تقديسا يفوق قدسية الرسول صلى الله عليه وآله نفسه من حيث لا يشعرون . جاءني واحد من المثقفين ، والمتوجهين إلى دراسة الفكر السلفي . ورتب معي موعدا للحديث عن ملابسات السقيفة .
وعندما بدأنا حوارنا . كان يحاول أن يفتح لي في كل مرة بابا في النقاش ، ليبرر به موقف عمر بن الخطاب ، غير أنني كنت أعرف مسبقا - وبحكم التجربة - أي باب يريد أن يفتح ، ثم أصده في وجهه . وكان هدفه أن يبرئ عمر من أي خطأ مهما كانت النتيجة . وكنت أحاول أن أوضح له موقف الرسول صلى الله عليه وآله من قضية الإمامة مهما كلفت نتيجة ذلك ، ولو بخسران واحد من الصحابة . ولما رأى أن الأبواب كلها انغلقت عليه . وألفى (النص) لدى كل باب يريد فتحه .
قال بكل ابتذال : إذا لو كنت في ذلك الموقف ، لاتبعت عمر وتركت الرسول صلى الله عليه وآله لأن عمر رأى المصلحة في ذلك ، بدليل أن خلافته كانت كلها عادلة .
قلت له : أنا لا أريد أن استعرض أمامك حقيقة العهد العمري في الخلافة ونقاط الاستفهام المبهمة في فترة خلافته . غير أن الأساسي هنا ، هل أنت مستعد

السابق السابق الفهرس التالي التالي