لقد شيعني الحسين (ع) 315

عين التأريخ ، لقد نور الحياة بدمه الزكي العطر
سطعت بريقا كومض الشموس وشاع سناك كبرق السما
رفعت فكنت تعالي النجوم وعم جبينك لمع السنا
سموت عزيزا تجوب السنين تدك جبال العلى والربى
فدمعك كان كقطر الندى كطل الصباح يرش المنى
علوت فصرت بأفق الجلال عظمت فخافت جسور الوغى
هديت فكنت كنجم السما أنبع الصفاء روؤيا الكرى

وما إن أقرأ عن تفاصيل كربلاء حتى تأخذني الجذبة بعيدا ، ثم تعود أنفاسي إلى أنفاسي ، والحسين ألفاه لديها ، قد تربع بدمائه الطاهرة . فيا ليتني كنت معه ، فأفوز فوزا عظيما ، وفي تلك الجذبة هناك من يفهمني ، وقد لا يفهمني من لا يرى للجريمة التأريخية وقعا في نفسه وفي مجريات الأحداث التي تلحقها .
فكربلاء مدخلي إلى التاريخ ، إلى الحقيقة ، إلى الإسلام ، فكيف لا أجذب إليها ، جدبة صوفي رقيق القلب ، أو جدبة أديب مرهف الشعور ، وتلك هي المحطة التي أردت أن أنهي بها كلامي عن مجمل معاناة آل البيت (ع) وظروف الجريمة التأريخية ضد نسل النبي صلى الله عليه وآله والسؤال الذي يفرض نفسه هنا ، هو من قتل الحسين؟ أو بتعبير أدق ، من قتل من؟ .
نحن لا نشك في أن مقتل الحسين ، هو نتيجة وضع يمتد بجذوره إلى السقيفة ، إلى أخطر قرار صدر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وكان ضحيته الأولى :
آل البيت (ع) ونلاحظ من خلال حركة التاريخ الإسلامي ، إن محاولة تهميش آل البيت ، وقمع رموزهم بدأ منذ السقيفة ، ورأيي لو جازف الإمام علي (ع) وفاطمة الزهراء (ع) لكان فعلا أحرقوا عليهم الدار ، ولكان شيئ أشبه بعاشوراء وكربلاء الحسين . وأن بداية النشوء - أو بالأحرى إعادة النشوء - لحزب بني أمية ، كان منذ الخلافة الأولى ، ذلك أن معاوية وأخاه يزيد كانا عاملين على

لقد شيعني الحسين (ع) 316

الشام ، وتقوى نفوذهما منذ ذلك العهد . وكل المسلمين في ذلك العصر كانوا يدركون مدى القوة التي يمكن أن تمنحها الإمارة ، لرجال مثل معاوية ويزيد .
المعادلة المقلوبة ، وميزان القوى اللامتكافئ بين الحزب الأموي وبني هاشم بدأ منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وما ضرب ولأقمع واستضعف بعد الرسول صلى الله عليه وآله رجل أو عشيرة مثل ما ظلم آل البيت (ع) .
لقد دخل بنو أمية الإسلام ، وهم صاغرون . وكان الرسول صلى الله عليه وآله قد أراد قتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة ، غير أنه عفا عنهم ، وقال (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وطلقاء لا تعني الإسلام ، ثم ما برح صلى الله عليه وآله يحذر من خطرهم ، الذي كان يدركه من خلال طبيعة الصراع الذي دار بين الإسلام وبني أمية .
ويدرك بمنظار النبوة مخترقا بذلك حجب المستقبل ، ليحدثنا عن مصير الأمة على يد بني أمية .
روى الإمام أحمد عن عفان وعبد الصمد عن حماد بن سلمة عن علي بنيزيد (241) : حدثني من سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :
لينعقن - وفي رواية ليزعقن - جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا ، زاد عبد الصمد حتى يسيل رعافه ، ثم قال : فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص : يرعف على منبر النبي صلى الله عليه وآله حتى سال رعافه .
وذكر ابن كثير قال ، قال يعقوب بن سفيان ، ثنا أحمد بن محمد أبو محمد الزرقي ، ثنا الزنجي - يعني مسلم بن خالد - عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة إن الرسول صلى الله عليه وآله قال رؤي في المنام بني الحكم - أو بني أبي العاص - ينزون على منبري كما تنزو القردة ، قال : فما رآني رسول الله صلى الله عليه وآله مستجمعا ضاحكا حتى توفي . ثم قال ابن كثير ، وقال الثوري : عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وآله بني أمية على منبره فساءه ذلك ، فأوحى إليه : إنما هي دنيا أعطوها فقرت به عينه صاحب أسد الغابة

(241) ماذا في التاريخ
لقد شيعني الحسين (ع) 317

عن عمر بن محمد بن المعمر البغدادي وغيره ( . . . ) إلى نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال :
كنا مع النبي صلى الله عليه وآله فمر الحكم بن أبي العاص ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : ويل لأمتي مما في صلب هذا ، وهو طريد رسول الله صلى الله عليه وآله نفاه من المدينة إلى الطائف .
وقال الحسن البصري : أربع خصال في معاوية لو لم يكن فيه إلا واحدة منها لكانت موبقة :
انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غيره مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة واستخلافه بعده سكيرا وخميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير .
هؤلاء الذين لم يحص لهم التاريخ فضيلة - اللهم إلا في مصنفات البلاطيون فهم الذين وطؤوا بأقدامهم آل البيت المحمدي هؤلاء بهذه الصفة ، قتلوا أئمة أهل البيت (ع) وهم في غنى عن التعريف . لقد قتل يزيد الحسين (ع) وهذا الأخير لم يحص له التاريخ سوى الفضائل العظام .
ولقد علم الرسول صلى الله عليه وآله إن ابنه هذا سوف يقتل مظلوما ، وحديث (التربة) تواتر في التواريخ الإسلامية .
ذكر ابن الأثير في (أسد الغابة) : أخبرنا إبراهيم بن محمد الفقيه وغير واحد ، قالوا بإسنادهم إلى الترمذي ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر قال : حدثنا رزين ، حدثني سلمى قال : دخلت على أم سلمة ، وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك؟
قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام ، وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت :
ما لك يا رسول الله؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا .
وذكر أيضا عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، قال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يرى النائم نصف النهار ، وهو قائم أشعث أغبر ، بيده قارورة فيها دم ، فقلت :

لقد شيعني الحسين (ع) 318

بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الدم؟ قال : هذا دم الحسين ، لم أزل التقطه منذ اليوم .
فوجد قد قتل في ذلك اليوم .
وفي البداية والنهاية لابن كثير قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد بن حسان ، ثنا عمارة عن ثابت عن أنس قال : استأذن ملك المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وآله فأذن له ، فقال لأم سلمة :
احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد ، فجاء الحسين بن علي ، فوثب حتى دخل ، فجعل يصعد على منكب النبي صلى الله عليه وآله فقال له الملك : أتحبه؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله نعم ، قال : فإن أمتك تقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، قال : فضرب بيده فأراه ترابا أحمر ، فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها قال : فكنا نسمع يقتل بكربلاء .
وذكر البيهقي عن الحاكم إلى أن قال عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، أخبرتني أم سلمة ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو حائر ، ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في المرة الأولى . ثم اضطجع واستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقلبها ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ فقال : أخبرني جبريل أن هذا مقتل بأرض العراق للحسين ، قلت له :
يا جبريل أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها .
وقال صلى الله عليه وآله الحسن والحسين ريحانتي . وغيرهما مما أحصته الكتب الصحاح عن مناقبهم وفضائلهم بما لا يترك ريبا . ثم يأتي التاريخ . فيوقف الفضيلة كلها أمام الرذيلة كلها . بل ويجعلون الرذيلة تسطو وتبطش بالفضيلة! .
مع كل ذلك يأتي المؤرخة ، فيرون في كل ذلك اجتهادا ، وفي نظر بن خلدون يكون علي (ع) مثل معاوية .
والحسين كيزيد . كلهم عدول مؤمنون ومرضيون ، وإنني لم أجد ما أعبر به عن ابن خلدون إلا ما قاله عنه (هاملتون جيب) بأنه لا يعدو أن يكون فقيها مالكيا ،

لقد شيعني الحسين (ع) 319

يرمي إلى تبرير واقع الخلافة كما فعل قبله الماوردي والباقلاني والغزالي .
أنا هنا لا أريد أن أحط من قدر هؤلاء ، ولست أقول إنهم ساذجون وأغبياء .
بل أقول إن السياسة والبلاط ، قد أفقدهم الرؤية السليمة . والجو النفسي العام كان أقوى من إراداتهم .
كأن ميزان العدل الإلهي اختل - سبحانه وعلا - حتى يكون أغيلمة بني أمية على طرف المساواة مع أئمة أهل البيت (ع) .
وأذكر مرة كنت أتحدث لدى العلامة السيد هادي المدرسي ، فقلت له : من الطريف إن بعض العلماء من العامة يروون حديثا ، هو رؤيا للإمام الحسن (ع) - مثل الغزالي في الإحياء ، وكذلك زاد المعاد - إنه رأى وكأن عليا ومعاوية أوتي بهما ، ثم أدخلا في بيت . فما كان أسرع من علي ، إذ خرج يقول : قضي لي ورب الكعبة ، ثم ما برح أن تبعه معاوية يقول : غفر لي ورب الكعبة .
قال السيد المدرسي : هذه الرواية متناقضة من الأساس ، إذ كيف يكون من العدل أن يقضى لعلي ويغفر في نفس الوقت لمعاوية ، فمن أي جهة قضى لعلي (ع) إذا . إذا كان يزيد والأمويين جميعا ، قتلوا الحسين وآل البيت .
وشربوا الخمور ، وحكموا بالباطل ، وهم مؤمنون ، فلماذا تقوم قائمة المسلمين اليوم ، فيكفرون المجتمعات ، وينتقدون السلطات ، ولست أقل ثورية من أولئك (المتشددة) عندما أقول : إن يزيد بن معاوية وأباه وبني أمية جميعا أنكى وأمر ، طغيانا من أي سلطة معاصرة ، إن القمع والديكتاتورية في عالمنا العربي والإسلامي لها أرضيتها في تاريخنا ، لماذا نحدث القطيعة ، فنبرئ طغاة الماضي والرجوع إلى نموذج السلف . هي دعوة متعسفة ، على هذا الافتراض .
وإذا كان الأمر كذلك ، يلزم أن نتهم كل من تعامل معهم ومكن لهم . فبنو أمية لم تكن لتعود إليهم القوة لولا ما قدمه الخلفاء لهم من إمارات .
كنت أظن أن الإسلام قد أعطانا روحا قوية لطلب العدالة ، ولم أكن أظن أن بعضنا سوف لا تدفعه مذبحة كربلاء ، إلى معرفة القضية من أساسها ، ومحاكمة

لقد شيعني الحسين (ع) 320

أشخاصها على مستوى الفكر الذي لا يزال يؤسس وعينا بالماضي والحاضر . غير أنني رأيتهم مكبلين بألف قيد ، مثلما كنت مقيدا . وإن كنت قد استطعت كسر الأغلال عني ، فإن غيري ضعف عن ذلك وبقي أسير الظلام . ثم أدركت أن الإسلام أعظم من أن يكبل أناسا لطلب العدالة في التاريخ وفي كل المستويات .
أدركت أن شيئا جديدا على روح الإسلام لوث صفاءه الروحي . أدركت أنه (المذهب) . وفي ذلك الوقت عرفت أنني لا يمكنني أن أتعامل بتحرر وموضوعية مباشرة مع القرآن والنبي صلى الله عليه وآله فكان ضروريا أن أرفع القيود عني وأبدأ مسيرة جديدة في البحث عن الحقيقة جئت مرات ومرات عند أهل الخبرة من أهل السنة والجماعة ، وكلما حدثتهم عن ذلك ، امتعضوا وارتسم في وجوههم غضب ، يسمونه الغضب لله! كانت وجهات نظرهم تنقسم إلى قسمين :
1 - بعضهم رد علي : ليس الحسين هو أول أو آخر من مات شهيدا مقتولا ، فأنبياء الله قتلوا وصلبوا ، فلماذا هذا التركيز والمبالغة في قتل الحسين؟ .
2 - بعضهم قال : إننا إذا دخلنا في هذا الصراع ، سوف ندخل في الفتنة ، ونحن أمامنا مسؤوليات يجب أن نؤديها في واقعنا المعاصر ، فلماذا أنت ترجع بنا إلى العهود القديمة؟ .
وكنت أرى في كلا التبريرين روحا سطحية ، وتخلفا حقيقيا في التعامل مع الإسلام والتاريخ .
أما بالنسبة للأولين ، فكنت أردهم ردا عزيزا ، ذلك أن مقتل الحسين (ع) له خصوصياته التي لا ينكرها أحد ، وهي مأساة لم يشهد لها تاريخ الأنبياء مثيلا .
لأن الذين قتلوا الحسين وأهل بيته وقطعوا رأسه وسبوا نساءه كانوا ممن يدعي تمثيل الأمة ، ويمثل الجماعة .
ثم إننا عندما نتحدث عن مقتل هؤلاء الأنبياء نجزم أتوماتيكيا بأن الذين قتلوهم ظالمون ، ظالمون ، كفار ملعونون . بينما عندما نتحدث عن الإمام الحسين (ع) لا نرى بينه وقاتليه فرقا يذكر ، فنقول : إنه اجتهد ، وقبح الله اجتهادا يوجه لسفك دماء أبناء النبي صلى الله عليه وآله

لقد شيعني الحسين (ع) 321

أما الفئة الثانية ، وهي الفئة التي تحمل وعيا متهالكا ، وثورية (الأرانب) ، تقول :
لماذا ترجعون بنا إلى الخلف؟ .
ومن دون أن نبرر أهمية التاريخ التي أصبحت ضرورة علمية وثورية ، دون أن نحرجهم بسؤال عن أي ثورة في التاريخ لم تقم انطلاقا من التاريخ؟ دون كل ذلك ، نريد أن نقول لهم . ماذا فعلتم ، وأنتم تسيرون إلى الأمام دون التفات إلى الوراء؟ .
أولا : ليس لكم في ماضيكم سوى الفضائح والصور الملفقة . فأي تاريخ يمكن أن يساعدكم في تحقيق مشروع النهضة في الحاضر والمستقبل ، فأنتم تنطلقون من الفراغ أو من النصر (المشوه بالأيديولوجية التضليلية) من دون تجربة تاريخية .
ثانيا : إن الذين انطلقوا من ثورة الحسين ، هم اليوم أكثر الفئات ثورية ونهوضا في العالم الإسلامي .
ومن مذبحة الحسين (ع) صنعوا حاضرهم الإسلامي ، وخططوا المستقبل .
وهذا تحد تاريخي يعمي ضوؤه الأبصار .
وكان الإمام الحسين (ع) ضميرا ناهضا ، و (جرس) إنذار للأمة ، لاتخاذ المواقف الضرورية ، لوقف الزحف التحريفي . ولذلك كانت مرحلة ما بعد الحسين (ع) مرحلة انقلابات وثورات مختلفة ، بدءا بثورة (التوابين) لسليمان بن صرد الخزاعي بالكوفة ، وثورة المختار الثقفي ، وزيد بن علي .
أما ما عرفه التاريخ من حكم بني أمية وبني العباس ، فذلك لا يتطلب منا كبير جهد . وهو في متناول كل القراء في مراجع التاريخ الشهيرة . وتلك نتائج لا تهمنا في التاريخ الإسلامي ، بقدر ما تهمنا الأسباب ، الأولى التي شكلت أرضية لكل فساد شهدته الأمة في تاريخها اللاحق! .

لقد شيعني الحسين (ع) 322




لقد شيعني الحسين (ع) 323


الفصل الخامس

مفاهيم كشف عنها الغطاء


لقد شيعني الحسين (ع) 324




لقد شيعني الحسين (ع) 325

مفهوم الصحابي

كان هدفي من هذه الاستراحة التاريخية ، الكشف عن السلوك السياسي والأخلاقي ، للجماعة التي سميت بالصحابة . ذلك أننا في مقام الحديث عن قيمة أئمة أهل البيت ، تعترضنا إشكالية الصحابة وموقعهم من الإسلام .
ولعل الفرق الأصيل بين الشيعة والسنة ، هو هذا ، إن السنة يرون اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وأخذها من أي وعاء خرجت ، ويكفيهم في ذلك الصحبة ، والصحبة عندهم تتحدد بمشاهدة الرسول صلى الله عليه وآله ومعايشته . بينما الشيعة ، لا يرون للصحابة سوى قيمة أدبية ، أما السنة والتشريع فإنهم يتلقونه عن النبي صلى الله عليه وآله عن طريق آل البيت (ع) المحددين في مذهبهم .
ويتساءل الإنسان من العامة ، حول الأسباب التي جعلت الشيعة يرفضون أخذ السنة من الصحابي ، واقتصارهم على آل البيت (ع) فيما يتسأل الإنسان من (الشيعة) حول الأسباب التي تجعل العامة يأخذون السنة من كل من رأي الرسول صلى الله عليه وآله من دون أن يحددوا شرطا قويا لذلك .
أولا : من هو الصحابي؟ .
ثانيا : وهل يجوز أخذ السنة عنه؟ .

مفهوم الصحابي عند السنة :

كل من رأى الرسول صلى الله عليه وآله من المسلمين فهو صحابي . وحسب ابن تيمية

لقد شيعني الحسين (ع) 326

ومن لف لفه : كلهم عدول وعلى هذا يكون الأخذ من علي (ع) وأبي هريرة سيان .
ولهم مرويات غريبة تقول : أصحابي كالنجوم ، بأيهم اقتديتم اهتديتم .
ومن هنا ، فإن الصحابة رغم ما وقع بينهم من فتن ، يبقوا عدولا ، يهتدى بهم.
ولذلك ، كان معاوية صحابيا ، يؤخذ منه ، رغم قتاله عليا (ع) وكذلك عمرو بن العاص ، وسمرة بن جندب وأبي هريرة .
والعقل يخطئ هذا الاطلاق . إذ كيف تؤخذ السنة ممن خالفها في حياته .
لقد روى السنة في صحاحهم أن الرسول صلى الله عليه وآله قال : (من مات وليس في عنقه بيعة لإمام زمانه ، مات ميتة جاهلية) .
وعلى هذا الحكم ، تكون عائشة جاهلية ، لأنها خرجت عن إمام زمانها وهو علي (ع) فكيف يعقل أن تؤخذ منها السنة النبوية ، وهي تخالفها .
ولما ثبت أن معاوية قاتل عليا (ع) والسنة يقولون إنهم كلهم عدول على الرغم من ذلك ، فكيف يجور عقلا الأخذ بسنة صحابيين - حسب رأي السنة - على طرفي نقيض .
والسؤال : هل يجب أخذ السنة من الصحابي! .
في البدء ليس ثمة دليل على وجوب أخذ سنة الرسول صلى الله عليه وآله من الصحابي .
والسنة وهم يعتبرون إن كل من رأى الرسول صلى الله عليه وآله فهو صحابي ، فمن يكون الرسول صلى الله عليه وآله قد أوصى باتباع الصحابة؟ فهل يعقل أن يأمر الصحابي باتباع الصحابي ، إذا جاز أنهم كلهم صحابة .
ثم إن هؤلاء الصحابة كلهم اقتتلوا بعد الرسول صلى الله عليه وآله فكيف يعقل أن يكون كلم عدول وكلهم نجوم .
أما الصحابي كما يعرفه الشيعة وكما يستوعبه العقل . هو ذلك الذي عاش مع الرسول صلى الله عليه وآله وآمن به والتزم نهجه وأطاعه في حياته وجاهد معه بماله وروحه .

لقد شيعني الحسين (ع) 327

وبقي على سنته من بعده ولم يغير بعده شيئا ، وما بدل تبديلا وسماه الرسول صاحبا أو ما يفيد معناه .
وأن يحترم الصحابي شئ وأن يلزم أخذ السنة عنه شئ أخر . إذ أن الأمر الثاني ليس من الاختصاصات التي وكل بها الصحابي . وليس ثمة دليل من العقل أو النقل يوجب على المسلم أخذ السنة من الصحابي . بخلاف ما ثبت عقلا ونقلا في حق آل البيت (ع) ذلك لأن سنة الرسول صلى الله عليه وآله لم تترك عبثا . بل لا بد لها من مؤهلين ومختصين في استيعابها وحفظها ، لتبليغها بعد الرسول صلى الله عليه وآله ولتثبت بها الحجة على الناس . وغير آل البيت (ع) لم يكن مؤهلا ولا مختصا ، ولم يدع وراثة الرسول صلى الله عليه وآله في العلم والإمامة سوى آل بيته . وإذا كان أبو بكر قد منع فاطمة الزهراء من إرثها بمبرر إن الأنبياء لا يورثون إلا علما . كان عليه إذ ذاك ، الانقياد واتباع آل البيت في إرث العلم!! .
وخلاصة القول ، إن الصحابي ، مفهوم مطلق عند أهل السنة والجماعة ، بينما هو مفهوم محدد ومضبوط عند الشيعة (1) .

(1) حاول مرتضى العسكري أن يحقق في بعض من أطلق عليهم اسم صحابي ، فوجد 150 منهم لا وجود لهم في حيز الصحبة فكان كتابه القيم (مئة وخمسون صحابيا مختلقا)! .
لقد شيعني الحسين (ع) 328




لقد شيعني الحسين (ع) 329

نماذج وباقات

عندما أتحدث عن الشخصيات التي انكشفت لي في التاريخ الإسلامي . فإنني لا أريد التحامل عليها . فهذا قد يفهمه من لا تهمه الحقيقة التاريخية ، ويقنع نفسه ببضع سطور في التراجم ، حيث يتحول الشخص التراثي إلى جزء من العقيدة في ذهن (العامي) . وقد يهتم البعض منهم الشيعة ، لما يجدهم يعرضون حقيقة شخصيات تاريخية في صورتها الحقيقة . بينما لا يهمني أن ينعق هذا البعض . وأنا أتعرض لسيرة بعضهم . ذلك أنني عامي النشأة ، وكنت من الذين يسبحون بكرة وأصيلا بهذه الشخصيات . لقد كانت عندي شخصية عمر بن الخطاب أحسن شخصية على الاطلاق بعد الرسول صلى الله عليه وآله وأبو بكر يأتي بعده في المرتبة وهذا خلافا لمذهب الجماعة بل وغلوا في التسنن . ولم أكن أجهل شيئا في مذهب العامة . وربما قصرت عن احتواء الكثير ، الكثير من مذهب الشيعة . بينما لم يكن مذهب العامة يصعب استيعابه بحذافيره . ولذلك وأنا أعرف نفسية العامي - تجاه هذه الشخصيات . لأنها نفسيتي التي كنتها فيما مضى - أعرف أنه سيمتعض من ذلك . غير أن التاريخ لا أم له .
ثم أريد أن أؤكد ، أن ما قيل في أسفار العامة ، حول أبي بكر ، وعمر وغيرهما لا يعدو أن يكون تلفيقات . وكثيرة هي الأوصاف التي أوردوها حولهم كانت أضعف وأوهن من بيت العنكبوت .

لقد شيعني الحسين (ع) 330

فأبو بكر ، وعمر ، كما ذكرهما التاريخ السني ، بتلك الأوصاف ، هما بلا جدال ، أفضل ما رأت البشرية ، وهؤلاء جدير أن يرضى الله عنهما . ولكنني أدرك أن عمر وأبا بكر ، كما هما في التاريخ الحقيقي ، هما شئ آخر ، وأنا أهتم بهما ، كما هما في الواقع التاريخي .
كيف كانت تلك الشخصيات إذا ، وما مقدار صحة ما حيك حولها من مناقب وفضائل مروية؟ .

لقد شيعني الحسين (ع) 331

أبو بكر

أنا هنا لا أتحدث عن أبي بكر ، ذلك الذي انزرع في وجداني من خلال التطعيم التاريخي المزيف . أنا هنا أتحدث عن أبي بكر الحقيقي غير ذلك الذي لا يزال في أذهان الناس . وسأركز على أمرين ، الأول على مدى سلوكه المخالف للشرع ، والثاني ، على التحقيق واختبار ما نسج حوله من روايات مزيفة ، صنعت منه أسطورة التاريخ الإسلامي كغيرة من الصحابة المختلقين .
أولا : خالف أبو بكر (النص) في أكثر من موقف :
- لقد عمد أبو بكر على حرمان فاطمة الزهراء إرث أبيها ظلما وعدوانا وخلافا للشرع (2) .
- ويذكر ابن كثير في تاريخه (3) إن أبا بكر بعد أن أوتي (بالفجاءة) ، أوقد له نارا في مصلى المدينة وجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار فحرقه وهو مقموط . مع أن (الفجاءة) مسلم ولا يزال يدعي ذلك .
- وأبى أبو بكر أن يقيم الحد على خالد في شأن مالك بن نويرة ، وقد سبق أن عمر بنفسه أمره بذلك فأبى عليه أبو بكر .

(2) سنفرد لذلك بابا إن شاء الله .
(3) وكذلك الطبري وابن الأثير وفي الإصابة .
لقد شيعني الحسين (ع) 332

هذا كله بالإضافة إلى قبوله بالخلافة علما أن البيعة في السقيفة كانت قائمة على الغصب والإجبار كما ثبت في الأثر .
ويذكر الطبري وابن الأثير وابن قتيبة وابن عبد ربه . إن أبا بكر في نهاية عمره قال : أجل إني لا آسي على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن ووددت أني تركتهن وثلاث تركتهن ووددت أني فعلتهن . وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله صلى الله عليه وآله فأما الثلاث اللاتي وددت أن تركتهن : فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ وإن كانوا قد أغلقوه على الحرب . ووددت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي وأني كنت قتلته سريحا أو خليته نجيحا ، ووددت إني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين فكان أحدهما أميرا وكنت وزيرا .
وأما اللاتي تركتهن فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا كنت ضربت عنقه ، فإنه تخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه . ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون ظفروا ، وإن هزموا كنت بصد لقاء أو مدد .
ووددت أني إذ وجهت خالد بن الوليد إلى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق ، فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله ومد يديه) .
لقد ثبت في صحاح السنة أن الرسول صلى الله عليه وآله قال (فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ، ويغضبني ما أغضبها) .
وكان أبو بكر قد أغضبها وماتت وهي غاضبة عليه . ولو كان الرسول صلى الله عليه وآله يعرف إن فاطمة قد تدعي ما ليس بحقها ، فلا يطلق كلمة (أغضبها) ولقاء ، أغضبها في حق . فيترتب على ذلك أن أبا بكر أغضبها في شئ يغضب رسول الله ، ودل على ذلك ندم أبي بكر قبيل وفاته ، غير أن الندم في ظلم الناس يحتاج إلى مغفرتهم لا إلى دموع الظالم! .
وقد أكثرت العامة في مدح أبي بكر ، واختلفت فيه أقوالا هي أقرب إلى

لقد شيعني الحسين (ع) 333

الأساطير منها إلى الحقيقة ، وهي وإن كثرت سنذكر بعضا منها ، ونرى مدى صحتها وثبوتها .
لقد ذكروا أن قيمة أبي بكر ، تنبع من الإشادة الإلهية بموقفه في الهجرة إذ يقول تعالى : ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا .
واعتبروا ذلك فضيلة لا يرقى إليها أحد آخر من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله أقول : إن متن الآية ، يدل على أن القرآن عرض حقيقة واقعية ، لا يبدو منها إشادة فعلية ، بل كل ما في الأمر ، إن القرآن يتعرض للحالة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وآله ، لما كان في طريقه إلى المدينة ، وكان ثاني اثنين وكان أبو بكر قد حزن لولا أن قال له النبي : لا تحزن إن الله معنا . وهذا توجيه وتربية تعكس عدم قدرة أبي بكر على الصبر والصمود ، وروحه إلى اليأس والحزن أميل منها إلى رباطة الجأش وتحمل الصعاب .
هذا في الوقت الذي بقي فيه الإمام علي (ع) في فراش النبي صلى الله عليه وآله صامدا ، ينتظر مقتله بإيمان لا يأس فيه ولا حزن . من دون أن يكون معه النبي صلى الله عليه وآله ليوجهه ، ويعلمه أن الله معه . ثم يهاجر بعد ذلك لوحده . وهاجر المسلمون بقيادة جعفر إلى الحبشة ، وما حزنوا وما كان معهم الرسول صلى الله عليه وآله ، يوجههم فصبروا فهم بذلك أولى بالفضيلة ممن كان وجود الرسول صلى الله عليه وآله ، إلى جانبه لا يصرفه عن الحزن وعدم الثقة في الله .
أما قوله : إذ يقول لصاحبه . فالصاحب لا تعني بالضرورة شيئا استثنائيا كما يرى البعض (4) فالصاحب تطلقها العرب على رفيق السفر حتى لو كان غريبا .
بل الصحبة لا تعني بالضرورة الانسجام الروحي والنفسي ووحدة الاتجاه . لقد جاء في القرآن :
« وقال لصاحبه وهو يحاوره ، أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة

(4) - والملفت للنظر إن الله لما تحدث في القرآن عن السكينة لم يقل وأنزل عليهما السكينة ، بل تحدث بالمفرد ، وأفرد رسوله بإنزال السكينة وفي ذلك لفتة تستحق التأمل! .
لقد شيعني الحسين (ع) 334

ثم سواك رجلا ، لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا » (الكهف) .
وإذا ما دققنا النظر وامعناه في الآية ، سنجدها لا تحتوي ما يمكن حسبانه فضيلة وميزة تذكر ، بقدر ما هي عرض لواقعة تاريخية ، قد نفهم منها إن الذي صاحب الرسول صلى الله عليه وآله في السفر لم يكن على قدر كاف من الطمأنينة والثقة في الله .
هذا بالإضافة إلى ما حكوه حوله من أساطير ، كأن قالوا إن الله استحيا من أبي بكر ، وفي مورد آخر طلب منه الرضا ، وإن جبريل يسجد له مهابة ، وإنه خير من في السماوات والأرض . وغيرها من الأحاديث التي لا نريد أن نطيل فيها . ومن أراد ضبطها ، فليراجع كتاب الغدير ، ليحيط بكل ما قالته السنة في أبي بكر ، والوقوف أيضا على زيف هذه الروايات سندا ومتنا ، كما يطلع في ذلك على الأخطاء الفقهية التي كان يقوم بها أبو بكر ، والمذكورة في مرويات السنة ، فليراجع من شاء .
ولو كان ما روي عن أبي بكر صحيحا كله ، إذن لكان أولى بعمر بن الخطاب أن يذكره في السقيفة ، علما بأنهم لم يجدوا فضيلة أخرى غير الآية المشار إليها في الأعلى ، والحال لو كان الصحابة يدركون كل هذه الفضائل لذكروها في السقيفة وما تمردوا عليه بعد ذلك .
ثم كان من أكبر الأخطاء التي تجاوز بها أبو بكر حدود الشرع ، لما حرم فاطمة الزهراء (ع) إرث أبيها فدكا . وفدك هذه كانت منطقة بخيبر ، ملكا للرسول صلى الله عليه وآله مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وكان الرسول صلى الله عليه وآله ينفق منها على أهل بيته (ع) فلما توفي ، ردها أبو بكر إلى بيت المال . ولما تقدم إليه علي . وفاطمة ، ادعى أن الرسول صلى الله عليه وآله .
قال : (الأنبياء لا يورثون ما تركوه صدقة) وفي رواية لا يورثون إلا علما . وفي تحقيق الحديث بما لا يتسع له المقام هنا ، نرى أنه آحاد ، انفرد به أبو بكر وحده ولم يروه غيره . وهب أننا صدقناه إن المال لا يورث من الأنبياء ، فهلا اعترفوا بإرث العلم وما يترتب عليه من إمامة . كنا كما سبق أن قلنا ندرك إن أبا بكر كان يريد إضعاف آل البيت اقتصاديا حتى لا تقوى شوكتهم ضد الخلافة الغاصبة ،


السابق السابق الفهرس التالي التالي