لقد شيعني الحسين (ع) 297

ملحمة كربلاء

إنني أتجنب أن أكون أديبا في قضايا التاريخ ، إلا في هذا الموقف ، إنها الجدبة التي لا أتمالك فيها أحاسيسي مهما كان الأمر ، لأن الحدث بلغ من الدراماتيكية ما يفقد الإنسان تقنياته المعرفية .
إنه أمام الأمة ، وإنه جدي ، وإنه الإنسان . كل هذا لا يسمح لي أن أقوم بمجرد سرد وإحصاءات و (فبركات) في مثل هذا المشهد . فلا يلومنني القارئ إذا أخذت بي هذه الجدبة التي لا أملك فيها نفسي أمام مذبحة أبي عبد الله الحسين (ع) .
لكم التاريخ ، ولكم الوثائق ، ولكم كل شئ ، ولي أن أبكي ، وأحزن و (أشقشق) فمن هنا دخلت حرم آل البيت (ع) وفيه ولدت من جديد .
ما زلت أذكر اليوم الذي عشت فيه مأساة كربلاء بتفاصيلها ، حيث ما تزال ظلالها الحزينة ترافق ظلي إلى اليوم . وتفاصيلها لا يتسع لها هذا الكتاب ، فهي تطلب في غيره ، والآثار النفسية التي تركتها في أعماقي ، وما زلت أجرعها كالسموم ، ولا أملك أن أنقلها كما أحسها وأستشعرها في كياني ، لقد وجدت نفسي فجأة في هيئة أخرى ، وفي شرياني جرى دم ، هو مثل تلك الدماء التي أريقت على رمال الطفوف ، ولا عجب من ذلك ، فأنا الحسيني وجدي هو الحسين (ع) وأن العرق دساس ، ومنذ ذلك اليوم ، كان كل يوم عندي

لقد شيعني الحسين (ع) 298

عاشوراء ، وكل أرض كربلاء .
كان الإمام الحسين (ع) يريد أن ينتشل الأمة من جمودها ، يحركها للثورة ضد الكيان الأموي الجاثم على السلطة . ولا بد له من تضحية ، ولا بد من دم شريف يراق ، ليحدث الانقلاب في نفوس القوم الذين خذلوا قضيته وما زالوا يخذلون! .
لقد سمع الرسول صلى الله عليه وآله يقول لأم سلمة ، بعد أن أعطاها تربة في قارورة :
إذا أصبح هذا التراب أحمر فاعلمي أن ابني الحسين قد مات (237) . كان يعلم منذ البداية كما أبيه ، أنه سيموت لا محالة مقتولا ، لذلك لما وصل إلى كربلاء وسأل عنها القوم ، قال :
هذا كرب وبلا . لقد حاصره الجنود في هذه المنطقة النائية حتى ينفذوا فيه الجريمة .
فالقضية قبل كل شئ ، قضية إنسانية ، إذ أن أهله معه وأبناءه ، ولا بد أن يراعي الأعداء حقه في حماية هؤلاء ، نزلوا يلتمسون ماء ، فمنعهم القوم .
منعوهم وهم لا يأبهون . ولعمري أي ملة وأي دين كان يجيز لهم منع الماء عن الأطفال والنساء . وهب إننا عذرناهم في منع الحسين (ع) فما بال الأمهات ورضعهن ، قال شهر بن حوشب وكان من عملاء يزيد : لا تشربوا منه حتى تشربوا من الحميم .
طرح عليهم الإمام الحسين (ع) خيارات كثيرة ، فإما يدعوه يرجع وأما يدعوه يلتقي بيزيد . غير أن القوم المجرمين ، علموا أن وجود الحسين أمام يزيد قد يقلب المعادلة . وقد يثير عليهم لوم الناس وأحقادهم ، فأبوا إلا أن يقتلوه في هذه الصحراء النائية ، وليمتص رمل الصحراء دمه ولا يعلم به أحد . فالناس ليس أمامهم رقابة تمنعهم . أجل ، ليس أمامهم إلا الله .
وكانوا به لا يأبهون! .

(237) ابن الأثير / راجع عقيلة بني هاشم بنت الشاطئ .
لقد شيعني الحسين (ع) 299

لقد قدر للإمام الحسين (ع) أن يدفع الثمن كله . ثمن أخيه وأبيه وجده .
طرح عليهم اختياراته فأبوا إلا أن ينزل على حكم ابن زياد . فقال لهم الحسين :
أنزل على حكم ابن زانية؟ لا والله لا أفعل ، الموت دون ذلك أحلى .
لقد خرج الحسين في مهمة رسالية ، فرضتها عليه ظروف المرحلة ، مرحلة السيطرة الكاملة والسافرة للمجرمين وأعداء الشعوب على أمة ، إنما وجدت لتخاطب البشرية بالفضيلة والسلام والحرية وكل المعاني التي اندكت في عهد بني أمية ، كان هذا منهج الإمام الحسين (ع) وهو خارج إلى الكوفة . حيث قال ، إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي . أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا ، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين) (238) .
ثم راح (ع) يطوف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، وأنهى عمرته (239).
لقد حاولوا تجبين الإمام ، وهو في الطريق إلى الكوفة ، غير أنه لم ينتبه إليهم .
مضى في طريقه إلى الموت وهو يهتف : سأمضي وما بالموت عار على الفتى . إذا نوى حقا وجاهد مسلما .
فهو لم ينهض من بعد أخيه ، إلا لما نقض معاوية الوثيقة ، ونصب ابنه على الأمة . وكيف يسكت الإمام الحسين (ع) على هذا الأمر . فلا بد لصوت أن ينطلق ، ولا بد لضمير أن يهتز :
(إنا أهل بيت النبوة ، بنا فتح الله ، وبنا يختم ، ويزيد شارب الخمور وراكب الفجور ، وقاتل النفس المحترمة ، ومثلي لا يبايع مثله) .

(238) تاريخ الخلفاء - ابن قتيبة .
(239) تاريخ الطبري .
لقد شيعني الحسين (ع) 300

وربما قد نعذره (ع) لو أنه استسلم ، وربما امتدحه القوم ، وأعلوا منصبه .
غير أن الحسين ، هو أمين الله في الأرض ، لا يحيد عن مصلحة الأمة ، ولو أدى به الأمر إلى خسران حياته ، إذ لا قيمة للحياة في ظل ذل وفساد ، ولا قيمة لحياة ، لا تستثمر في إقامة أركان الدين ونصرة الإسلام . لقد قالها للتاريخ ، واستلهمتها منه الأجيال في مسيرات كفاحها :
إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني

لقد صمم الإمام على مغادرة مكة ، ليتجه إلى الكوفة ، حيث الأنصار الذين يميلون بين نصرته وخذلانه ، وقد اعترضه الفرزدق وقال له : إن القوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك .
غير أن الإمام ، كان يرسم خريطة مرسومة سلفا في اللوح المحفوظ ، كان يعلم بما سيجري له ولآل بيته . وقام خطيبا :
الحمد لله وما شاء الله ، ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله على رسوله . خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقربهم عينه ، وينجز بهم وعده ، ألا ومن كان فينا باذلا مهجته ، موطنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى) .
لقد تآمرت الأمة كلها على الحسين (ع) وآل البيت بعضهم بالتقتيل والآخرون بالخذلان . لم يكن الإمام يريد شق الصفوف وتفريق الشعث . لكن حركة الأجرام كانت تتجه صوب قمع كل صوت ، وهدم كل فضيلة ، فالأمة ابتليت بخليفة ، يشرب الخمور ، ولا يرتاح من اللهو . ولا يفهم معاني الورع ، كان لاهيا عابثا في الصحراء لما فرض أبوه بيعته على المسلمين . وجاء متأخرا يلهو

لقد شيعني الحسين (ع) 301

بالقرود . وكان يريد أن يأخذ البيعة غصبا من الحسين (ع) .
وليتهم تركوه ، إذن لما قاتلهم والظروف لا يسمح . لكنهم أرادوا أن يذلوه ببيعة يزيد ، فما كان إلا أن قال (ع) هيهات منا الذلة! .
حاول أن يقنع الجيش ، غير أنهم منعوه من الماء وأبوا إلا قتله ، فدخل إلى الخيمة التي كانت بها أخته زينب (ع) حيث كان علي بن الحسين مريضا ، وهو يقول :
يا دهر أف لك من خليل كم لك في الاشراق والأصيل
من طالب وصاحب قتيل والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل وكل حي سالك سبيلي

وفي يوم الغد ، حاول مع القوم أن يخلوا سبيله للرجوع أو ملاقاة يزيد ، أو يفتحوا له الطريق إلى إحدى ثغور الأمة ، ليقاتل كباقي المجاهدين ، فأبوا إلا قتله .
فرجع إلى قومه يكلمهم : إن القوم ليسوا يقصدون غيري ، وقد قضيتم ما عليكم فانصرفوا ، فأنتم في حل ، فقالوا : لا والله ، يا ابن رسول الله ، حتى تكون أنفسنا قبل نفسك .
ثم يذكر اليعقوبي ، أن زهير بن القين خرج على فرس له فنادى :
يا أهل الكوفة! نذار لكم من عذاب الله ، نذار عباد الله! ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ولد سمية ، فإن لم تنصروهم ، فلا تقاتلوهم ، أيها الناس! إنه ما أصبح على ظهر الأرض ابن بنت نبي إلا الحسين ، فلا يعين أحد على قتله ولو بكلمة إلا نغصه الله الدنيا ، وعذبه أشد عذاب الآخرة .
وانطلق الرعاع ، يحرقون خيام الإمام الحسين ، وقتلوا كل من كان معه ، وتشرد حريم الحسين ، وتفرق الصبية هاربين من الهجمة البربرية .
لقد عرفوا أنهم يقتلون ابن رسول الله . فلقد عرفهم بمنزلته من

لقد شيعني الحسين (ع) 302

الرسول صلى الله عليه وآله وبفضله ، وبالآخرة . إلا أن الدنيا كانت قد حجبت عنهم كل حقيقة قال لهم (ع) كلمة يسترجعهم فيها إلا الاستقامة : ((أيها الناس انسبوني من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ .
ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟ .
أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي .
أو ليس جعفر الطيار عمي .
أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقوله ، وهو الحق والله وما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضرب من اختلقه ، وإن كذبتموني فإن فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم عن سفك دمي)؟ .
فقال ، شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول!.
فقال ابن مظاهر : والله إني أراك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك! .
قال الحسين : فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم؟
فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم .
(ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته! أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جرامة ، ثم نادى : يا شبث بن ربعي ، ويا حجار بن ابجر ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن أقدم قد أينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة؟ .
فقالوا : لم نفعل .

لقد شيعني الحسين (ع) 303

قال : سبحان الله بلى والله لقد فعلتم .
فقال : أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض . فقال له قيس بن الأشعث : أولا تنزل على حكم بني عمك؟ فإنهم لن يروك إلا ما تحب ولن يصل إليك منهم مكروه! . فقال الحسين :
أنت أخو أخيك؟ أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟
لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد .
كان الإمام الحسين (ع) يحرص على كرامة الأمة ومصلحتها . ويحول دون يزيد وإذلالها : ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة .
وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام .
لقد خذل الحسين (ع) وهو في أمس الحاجة إلى من ينصره . فما كان إلا أن يتوكل على الله . ودعا على القوم : اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبره فإنهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير .
كانت لكلمة الإمام الحسين (ع) صدى ، أدركت معناها قلوب القوم ، غير أنها لم تستجب .
فدنيا يزيد أنفس لديهم من ظلم الحسين (ع) فهي الفرصة التي لا يضيعها لئيم . غير أن الكلمة كان لها وقع ثقيل ، ولطيف . على رجل من كبار الفرسان ، وهو الذي دفع بالإمام الحسين (ع) إلى كربلاء ومنعه عن دخول الكوفة . سمع الكلمة فوعاها . وكان هنالك خلف لكل إغراءات يزيد ، رقة إيمان تسكن قلب الحر . فأقبل إلى عمر بن سعد وقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل؟ .
قال : إي والله قتالا أيسره أن تسقط فيه الرؤس وتطيح الأيدي .
قال : ما لكم فيما عرضه عليكم من الخصال؟ .

لقد شيعني الحسين (ع) 304

فقال : لو كان الأمر إلي لقبلت ولكن أميرك أبى ذلك . فتركه ، وقال لقرة بن قيس : هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا : قال : فهل تريد أن تسقيه؟ .
فطن قرة من ذاك أنه يريد الاعتزال . فأخذ الحر يدنو من الحسين . فقال له المهاجر بن أوس : أتريد أن تحمل؟ فسكت ، فارتاب المهاجر من هذا الحال ، وقال له ، لو قيل لي من إشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أراه منك؟
فقال الحر . إني أخير نفسي بين الجنة والنار ، ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو أحرقت .
ثم اتجه نحو الحسين (ع) منكسرا معتذرا يلتمس الغفران . فقال للإمام :
اللهم إليك أنيب فتب علي ، أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك! يا أبا عبد الله ، إني تائب فهل لي من توبة؟ .
قال له : أبو عبد الله : نعم يتوب الله عليك .
فأستأذن الحسين في أن يخاطب القوم ثم قال :
(يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر ، أدعوتم هذا العبد الصالح ، حتى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه! وهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ) .
انطلق الحر ، معربا عن ورعه وإخلاصه لقضية الحسين ، وهو يقول :
إني أنا الحر ومأوى الضيف أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حل بأرض الخيف أضربكم ولا أرى من حيف

ثم راح يقاتل ببسالة يقل لها نظير ، حتى قتل . وكانت تلك شهادة على توبته

لقد شيعني الحسين (ع) 305

وفيئه إلى الحق ، ثم جاء إليه الحسين (ع) وهو ممدد فقال :
لنعم الحر حر بني رياح صبور عند مشتبك الرماح
ونعم الحر إذ نادى حسينا وجاد بنفسه عند الصباح

وقال : والله ما أخطأت أمك لما سمتك حرا ، فأنت الحر في الدنيا والآخرة!
كان شعار الإمام الحسين (ع) بكربلاء (الحرية) ولذلك معنى عميق ، يدرك باستيعاب الحدث وفلسفته . انطلق الإمام وهو ينادي القوم (إن كنتم لا تؤمنون بالله ولا تخافون الميعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم إن كنتم عربا كما تزعمون) وقضية الحسين ، هي بالإضافة إلى كونها قضية إسلام وجاهلية ، تبقى قضيته حرية . إذ أن الذين طلبوه ثم خذلوه ، كانوا يفتقدون للحس التحريري . التحرر من كل ما يفقد الضمير يقظته ، ويعكر المعاني والقيم في النفوس . لقد فقدوا حريتهم أمام (دنيا) يزيد . واستعبدهم بطشه . فافتقدوا الإرادة ، وافتقدوا معها (الحرية) . ولم تكن هذه المعركة تعبر حتى عن الذهنية العربية . فمعارك العرب أسمى من أن تجمع بين جيش جرار وفئة قليلة من الناس . وهي أسمى من أن تجمع بين لقطاء وبين عصبة تنتمي لبيت الشرف . وقد كان الحس القبلي طاغيا على الحس الغنيمي عند العرب ، والفضيلة غالبة على كل الاعتبارات الأخرى فهذا القدر من الحرية ، افتقده جيش يزيد ، وبالتالي كانوا يحتاجون إلى أكثر من قفزة للوصول إلى مستوى الخطاب الإسلامي . فهم في حاجة إلى (حرية) ولو في صبغتها العربية ، كان الحر بن يزيد هو ذلك النموذج الذي أثرت عليه كلمات الحسين (ع) والإحساس بالتحرر كان لا يزال حيا في أعماقه . وكل من كان هناك كان يعرف إنه مسلوب الحرية باختيار منه ليس إلا . فالحر بن يزيد أدرك إنه أكثر تحررا من أن يمنعه القوم المجرمون عن نصرة الحسين (ع) ومهما بطش يزيد وتجبر ، فإنه لا يملك أن يسلب الحرية ممن وطن نفسه على الكفاح واستقبل الموت بصدر وسيع . كان يزيد أقل قدرا وأخس من أن يجبر مسلما على الخضوع لو أن المسلمين استجابوا للجهاد . فما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا . وكان نموذج أهل الكوفة نموذج القوم الذين افتقدوا حس التحرر . وتلك هي أهم القضايا التي واجهها

لقد شيعني الحسين (ع) 306

الحسين (ع) .
والقوم الذين ضاع حسهم التحرري في منعرجات النزوع الدنيوي ، لم يكونوا في حاجة إلى ضمير ثوري ، يزعجهم ، ويضعهم أمام المسؤولية وفي مواجهة الخيار الصعب . فكان ضروريا أن يهاجموا معسكر الأحرار ، ويدكوا بفرسانهم جسد الحسين (ع) انتقاما ، من صلابته التي تعتبر ، انتصارا على مستوياتهم النفسية .
لقد ظهرت لهم نفوسهم أخس وأخس مئات المرات من (جون) ذلك العبد الذي تنفس حريته . ووجد في معسكر الحسين ، ميدانا واسعا للتعبير عن تحرره المكبوت خلال سنين مد يده . إنهم يرون في تحرر الحسين وشيعته ، قبح وجوههم وذمامتها ، وخسة نفوسهم وانحطاطها . فلذلك ازداد انتقامهم وتضاعف .
فراحوا يتنافسون على تدمير معسكر الإمام الحسين (ع) .
اشتد القتال ، وشيعة الحسين (ع) يتساقطون كأوراق الخريف الواحد تلو الآخر ، وكلهم يقدم أروع أدوار البطولة والفداء . حتى لم يبق إلا الحسين وأهل بيته ليس معهم إلا الله .
كان علي بن الحسين (ع) مريضا . وقد شاءت الأقدار أن يكون كذلك للدور التاريخي المنوط به بعد الحسين (ع) غير أن عليا الأكبر ، وهو أخوه ، كان في تمام الاستعداد ، لالتماس (الشهادة) ليكتب بها وثيقة عار في تاريخ الجريمة التي شهدها آل البيت المحمدي . انطلق يطلب القوم نصرة أبيه ، وللحق الذي جاء من أجله ونشد في القوم :
أنا علي بن الحسين بن علي نحن ورب البيت أولى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي أضرب بالسيف أحامي عن أبي
ضرب غلام هاشمي قرشي

كان المشهد يدور بعين الحسين (ع) يرى ببصيرة المعصوم ، انحطاط النفوس ، وتشوه القلوب . يرى كيف صار الأمر في أمة ، طالما ربى فيها جده وأبوه النفوس التعبى .

لقد شيعني الحسين (ع) 307

ثم أطلقها صرخة ، والدموع تنساب من عينيه ، وقد أحس بالاستضعاف :
ما لك؟ (يقصد عمر بن سعد) قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلط عليك من يذبحك على فراشك . ثم رفع يديه الكريمتين نحو السماء وتمثل قائلا :
اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمدا خلقا وخلقا ومنطقا وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه اللهم ، فامنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ، ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترضي الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا .
قاتل علي الأكبر القوم ، وأبوه يرى بلاءه فيهم . واشتد العطش عليه ، فعاد إلى أبيه يستسقيه ، ليستجمع قواه ، ويكر من جديد على جيش الأعداء . غير أن الحسين (ع) أدرك أنه ليس بينه وبين مفارقة الحياة إلا فترة قصيرة . ففضل أن يبقى على عطشه حتى يلقى الله تعالى فأعطى بذلك لابنه روحا جديدة ، فقال له : (ما أسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبدا) . ثم راح يقاتل الأعداء ، فحملوا عليه وطعنوه بالرماح وضربوه بالسيف على رأسه ، وقطعوه بالسيوف قطعا . وفارقت نفسه الحياة ، وجاء أبوه يودعه ، فما وجده إلا جثة هامدة مضرجة بدماء العزة الإيمان . فقال : على الدنيا بعدك العفا ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول يعز على جدك وأبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثونك .
إنهم يدركون أن نسل الرسول صلى الله عليه وآله مهدد بالانقراض . وهم يمعنون في ذلك . فبنو أمية أنفع لهم من بني هاشم التي أخذتهم بالعزائم ونغصت عليهم حياتهم بالورع والفضيلة .
كان معسكر الحسين (ع) مكتضا بالأطفال والنساء . اشتد عليهم العطش ، ولا يزال الحسين (ع) وآل بيته يستسقون القوم ، فلم يجيبوهم . كان (العباس) حاضرا ذلك المشهد ، وضاق صدره وطلب من الحسين (ع) أن يخرج إلى القوم الظالمين . فنادى في القوم .

لقد شيعني الحسين (ع) 308

يا عمر بن سعد : هذا الحسين ابن بنت رسول الله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى ، فاسقوهم من الماء ، قد أحرق الظمأ قلوبهم .
فصاح شمر : يا ابن أبي تراب - يقصد الإمام علي (ع) - لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لا سقيناكم منه قطرة ، إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد .
لقد جعلوها شرطا لحياتهم وحياة عيالهم . والحسين (ع) ليس مجنون حرب حتى يضحي بأهله وعياله في سبيل موت هو عنه في خيار . إلا أن المسألة تخضع لمعايير الإسلام . والإسلام مهدد فيما لو بايع الحسين (ع) رجع العباس ، والأطفال يبكون من شدة الظمأ . فرق قلب العباس ، واستنفر عزيمته ، وانطلق في القوم ، يقاوم يمينا وشمالا حتى أتى الفرات واغترف منه ماء ، ورجع يقاوم جيش النفاق ، فنصبوا له كمينا ، وضربه بعضهم فقطع يمينه . واستمر في مسيره قاصدا الحسين ، يريد إيصال قربة الماء ، لسقي عطاشى آل البيت وهو يقول :
والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبدا عن ديني
وعن إمام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين

وانطلق بعيدا حتى باغته حكيم بن الطفيل من وراء نخلة فضربه على شماله ، وقطع يده الأخرى .
وانهالت عليه السهام من كل جانب ، وأصابت صدره وضرب رأسه فانفلق ، وسقط صريعا وهو يقول : عليك مني السلام أبا عبد الله .
رآه الإمام الحسين (ع) فأي عبره تعكس حقيقة المأساة ، وأي كلمة تعكس حقيقة الحزن الذي اعترى سيد الشهداء . لقد رؤي وهو يكفكف الدمع ويقول :
أما من مغيث يغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حق ينصرنا ، أما من خائف من النار فيذب عنا .
واعتل الصياح في الخيام ، واشتد النواح ، واختلطت أصوات النساء بأصوات الأطفال في مشهد تراجيدي تخرس عن وصفه ألسن الشعراء .

لقد شيعني الحسين (ع) 309

لقد استنفذ معسكر الحسين (ع) كل عناصره . ولم يبق إلى جانب الحسين ، سوى عياله . وكان ذلك الطفل الرضيع ولده فتح عينيه في معترك المأساة . فرفعه أمام القوم يريد استعطافهم ، ليسمحوا بإعطاءه ماء . غير أن الروح الدموية التي ما رآها التاريخ ولا شهدتها ملاحم البشر ، كانت توجد في هذا المعسكر المشؤوم ، فرفع (حرملة بن كاهل الأسدي) سهمه ورمى بها الطفل فسال دم البراءة على كف الحسين ، وأخذ يرمي به نحو السماء وهو يقول : اللهم تقبل منا قربان آل محمد . وقال : هون ما نزل بي إنه بعين الله تعالى ، اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح ، إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين ، واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل ، اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك ثم نزل عليه السلام عن فرسه ودفن طفله الرضيع وصلى عليه .
فكان الإمام هو آخر من يتقدم للميدان ، انطلق إلى القوم مصلتا سيفه ، فقاتلهم قتالا شديدا وهو يقول :
الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار

هنالك صاح عمر بن سعد : هذا ابن الأنزع البطين (يقصدون الإمام علي (ع)) هذا ابن قتال العرب احملوا عليه من كل جانب .
فصاح فيهم الحسين (ع) يردهم بكلامه النافذ في أعماق الضمير ، غير أن القوم لا ضير لهم ، فقال شمر بن ذي الجوشن : ما تقول يا ابن فاطمة؟ .
قال : أنا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا .
واستمر القتال بين جيش عمر بن سعد ، والإمام الحسين (ع) ، وقد بدأت الدماء تغطي جسده وهو يقول : هكذا أكون حتى ألقى الله وجدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا مخضب بدمي وأقول : يا جدي قتلني فلان وفلان .
لقد أصابته السهام في جسده ورأسه فسقط ، ولم يبقى قادرا على الحراك ، يقول

لقد شيعني الحسين (ع) 310


صاحب أسد الغابة ، أمر عمر بن سعد نفرا فركبوا خيولهم وأوطأوها الحسين .
لا تزال الحياة تدب في جسده الشريف ، ولا يزال به رمق . فلا بد أن يتقدم إليه القوم ليحتزوا رأسه .
فبادر زرعة بن شريك بضرب كتفه الأيسر ، ثم رماه الحصين في حلقه وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ، ورماه بسهم في نحره وطعنه آخرون على عاتقه وجنبه.
وارتفعت الأصوات ، ونادت أم كلثوم وأخته زينب :
وامحمداه وا أبتاه واعلياه واجعفراه واحمزتاه هذا الحسين بالعراء صريع بكربلاء ثم نادت زينب :
ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل! .
ولا يزال الصياح يهز الميدان ، والنوح تولول على الحسين (ع) والدنيا قد اظلمت ، فالحسين صريع! ويقف عمر بن سعد ، انزلوا إليه وأريحوه .
فانطلق شمر ، فضربه برجله وأمسكه من لحيته وما زال يضربه بالسيف ثم احتز رأسه .
يقول اليعقوبي : (وانتهبوا مضاربه ، وابتزوا حرمه ، وحملوهن إلى الكوفة) .
لقد أطمعهم في الحسين (ع) سيفه وملابسه . فراح كل واحد يلتمس له قطعة من لباسه ينهبها ، فأخذ الأسود بن حنظلة سيفه ، والأسود بن خالد ، نعليه وإسحاق ابن حوية قميصه .
وقطعوا إصبعه الذي به الخاتم لما رأوا الدم قد تجمد والتصق به .
يقول صاحب أسد الغابة : إن سنان بن أنس لما قتله قال له الناس ، قتلت الحسين بن علي ، وهو ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم العرب خطرا ، أراد أن يزيل ملك هؤلاء ، فلو أعطوك بيوت أموالهم لكان قليلا ، فأقبل على فرسه ، وكان شجاعا به لوثة ، فوقف على باب فسطاط عمر بن سعد ، وأنشده الأبيات :

لقد شيعني الحسين (ع) 311

أوقر ركابي فضـة وذهبا فقد قتلت السيـد المحجبا
قتلت خير الناس أما و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا

قال اليعقوبي : (وأخرج عيال الحسين وولده إلى الشام ، ونصب رأسه على رمح ، وكان مقتله لعشر ليال خلون من المحرم سنة 61 .
ثم جاءوا بالرأس ووضعوه بين يدي يزيد (لعنه الله) ، فأخذ ينكثه بقضيب وهو ينشد :
ليت أشياخي ( ببدر ) شهـدوا جزع ( الخزرج ) من وقع الأسل
لأهـلوا ، واستهـلـوا فـرحا ثم قالـوا : يا ( يـزيد ) لا تشل(240)

(240) القصة مذكورة بصيغ مختلفة في كتب التاريخ الشهيرة : تاريخ الطبري ، ابن الأثير ، مروج الذهب الإمامة والسياسة ، مقاتل الطالبيين ، أسد الغابة ، البداية والنهاية ، الأغاني ، أنظر (عقيلة بني هاشم لبنت الشاطئ ، علي وبنوه) طه حسين وغيرهم .
لقد شيعني الحسين (ع) 313

لقد شيعني الحسين

هذه مجرد عموميات مختصرة حول المشهد الدراماتيكي لملحمة كربلاء كما اتفقت عليها تواريخ المسلمين . ولعمري ، إنه المشهد الذي لا يزال صداه يتحرك في أقدس قداساتي ، يمنيني بالأحزان في كل حركة أتحركها .
ما إن خلصت من قراءة (مذبحة) كربلاء ، بتفاصيلها المأساوية ، حتى قامت كربلاء في نفسي وفكري ومن هنا بدأت نقطة الثورة ، الثورة على كل مفاهيمي ومسلماتي الموروثة ، ثورة الحسين داخل روحي وعقلي .
أجل ، ليس من وظيفة هذا الكتاب التعرض لتلك التفاصيل ، وإنما نريد أن نعطي مجرد إشعاعات متفرقة عن تلك المذبحة ، لفضح التاريخ الرسمي الملفق! .
الأوراق ، كل الأوراق مع هذا التاريخ الجريح ، القابع خلف اللاشعور التاريخي المكتوب بريشة (أهل الزلفى) المقربين .
لقد جاء أهل الشام والكوفة بالسيف ، وجاء الحسين بالدم ، وانتصر الدم على السيف ، بل وانتصر على التاريخ (البلاطوي) فكان الحسين نورا لم تغطه ظلم التحريف! .
ونحن ننعى هذه المأساة ، ونعلم أن الإمام الحسين (ع) قد مضى على الحق .
وأن قطرة من نعيمه قد أنستهم كل معاناته . إلا أننا نبكي أولئك المغفلين ، الذين

لقد شيعني الحسين (ع) 314

اتخذوا من قاتلي الحسين ، وأنصارهم وخاذليه ، قدوة لهم وأسوة . ونماذج من الورع يقتدى بها . وما أكثر الطبول التي قرعت والمزامير التي عزفت ، مدحا لشخصيات تاريخية . كانت من بين أولئك الذين اشتركوا في احتزاز رأس الحسين ونهب متاعه بخسة .
الذين قتلوا الحسين (ع) وهم يعلمون أنه خير من أميرهم ، وسيد العرب والمسلمين ، وما قتلوه إلا طمعا في الحطام الذي أمناهم به يزيد ، أليسوا قادرين على تحريف الإسلام ، واختلاق الأحاديث ، بحثا عن نفس الحطام؟! لقد شيعني الحسين (ع) من خلال المأساة التي شاهدها هو وأهل البيت (ع) شيعني بدمائه العبيطة وهي تنساب على الرمل الأصفر بأرض الطفوف ، وبصراخ الأطفال ونواح النساء . يومها ناديت ، وقد انسكبت من عيني دمعة حزينة ، حزينة ورقيقة ، قلت والقلب تتمزقه الأحزان :
ويرثي ربابك دنيا الشجون ودمع النواح وفيض الدما
فرمس عداك كجحر الصقور وسر هداك ، مخور الدجى
عظمت فأنت عظيم المقام عظيم فأبشر بنصر السما
ويرسي الزمان حراك النسور وسير الذئاب بخبء السرى
فدمعك سال بتلك الطفوف وسال وسال بكل الثرى
فصار رواء بكل الدهور ورطبا جنيا لكل الدنى
فيا أرض لا تقنطي بالقروح ويا قوم لا تبطئوا في الخطى
فحتما يعود لهدم الشرور ويرسي المراح بردم القذى
فذلك الزكي بكل فخار ونجل قضم ، وليث الوغى
رجوت الصلاح بأرض العدا بسبط الأمين ، وطاب الثرى

وأي شئ صنع الأعداء بموته ، سوى إن حفروا قبورهم ، ودقوا نعوشهم بالمسامير ، ليدخلوا مقبرة التاريخ صاغرين ، وما زلت أراه - أبا عبد الله - كبيرا في

السابق السابق الفهرس التالي التالي