|
ملحمة كربلاء
|
|
|
إنني أتجنب أن أكون أديبا في قضايا التاريخ ، إلا في هذا الموقف ، إنها الجدبة التي لا أتمالك فيها أحاسيسي مهما كان الأمر ، لأن الحدث بلغ من الدراماتيكية ما يفقد الإنسان تقنياته المعرفية .
إنه أمام الأمة ، وإنه جدي ، وإنه الإنسان . كل هذا لا يسمح لي أن أقوم بمجرد سرد وإحصاءات و (فبركات) في مثل هذا المشهد . فلا يلومنني القارئ إذا أخذت بي هذه الجدبة التي لا أملك فيها نفسي أمام مذبحة أبي عبد الله الحسين (ع) .
لكم التاريخ ، ولكم الوثائق ، ولكم كل شئ ، ولي أن أبكي ، وأحزن و (أشقشق) فمن هنا دخلت حرم آل البيت (ع) وفيه ولدت من جديد .
ما زلت أذكر اليوم الذي عشت فيه مأساة كربلاء بتفاصيلها ، حيث ما تزال ظلالها الحزينة ترافق ظلي إلى اليوم . وتفاصيلها لا يتسع لها هذا الكتاب ، فهي تطلب في غيره ، والآثار النفسية التي تركتها في أعماقي ، وما زلت أجرعها كالسموم ، ولا أملك أن أنقلها كما أحسها وأستشعرها في كياني ، لقد وجدت نفسي فجأة في هيئة أخرى ، وفي شرياني جرى دم ، هو مثل تلك الدماء التي أريقت على رمال الطفوف ، ولا عجب من ذلك ، فأنا الحسيني وجدي هو الحسين (ع) وأن العرق دساس ، ومنذ ذلك اليوم ، كان كل يوم عندي
عاشوراء ، وكل أرض كربلاء .
كان الإمام الحسين (ع) يريد أن ينتشل الأمة من جمودها ، يحركها للثورة ضد الكيان الأموي الجاثم على السلطة . ولا بد له من تضحية ، ولا بد من دم شريف يراق ، ليحدث الانقلاب في نفوس القوم الذين خذلوا قضيته وما زالوا يخذلون! .
لقد سمع الرسول صلى الله عليه وآله يقول لأم سلمة ، بعد أن أعطاها تربة في قارورة :
إذا أصبح هذا التراب أحمر فاعلمي أن ابني الحسين قد مات (237) . كان يعلم منذ البداية كما أبيه ، أنه سيموت لا محالة مقتولا ، لذلك لما وصل إلى كربلاء وسأل عنها القوم ، قال :
هذا كرب وبلا . لقد حاصره الجنود في هذه المنطقة النائية حتى ينفذوا فيه الجريمة .
فالقضية قبل كل شئ ، قضية إنسانية ، إذ أن أهله معه وأبناءه ، ولا بد أن يراعي الأعداء حقه في حماية هؤلاء ، نزلوا يلتمسون ماء ، فمنعهم القوم .
منعوهم وهم لا يأبهون . ولعمري أي ملة وأي دين كان يجيز لهم منع الماء عن الأطفال والنساء . وهب إننا عذرناهم في منع الحسين (ع) فما بال الأمهات ورضعهن ، قال شهر بن حوشب وكان من عملاء يزيد : لا تشربوا منه حتى تشربوا من الحميم .
طرح عليهم الإمام الحسين (ع) خيارات كثيرة ، فإما يدعوه يرجع وأما يدعوه يلتقي بيزيد . غير أن القوم المجرمين ، علموا أن وجود الحسين أمام يزيد قد يقلب المعادلة . وقد يثير عليهم لوم الناس وأحقادهم ، فأبوا إلا أن يقتلوه في هذه الصحراء النائية ، وليمتص رمل الصحراء دمه ولا يعلم به أحد . فالناس ليس أمامهم رقابة تمنعهم . أجل ، ليس أمامهم إلا الله .
وكانوا به لا يأبهون! .
|
(237) ابن الأثير / راجع عقيلة بني هاشم بنت الشاطئ .
|
لقد قدر للإمام الحسين (ع) أن يدفع الثمن كله . ثمن أخيه وأبيه وجده .
طرح عليهم اختياراته فأبوا إلا أن ينزل على حكم ابن زياد . فقال لهم الحسين :
أنزل على حكم ابن زانية؟ لا والله لا أفعل ، الموت دون ذلك أحلى .
لقد خرج الحسين في مهمة رسالية ، فرضتها عليه ظروف المرحلة ، مرحلة السيطرة الكاملة والسافرة للمجرمين وأعداء الشعوب على أمة ، إنما وجدت لتخاطب البشرية بالفضيلة والسلام والحرية وكل المعاني التي اندكت في عهد بني أمية ، كان هذا منهج الإمام الحسين (ع) وهو خارج إلى الكوفة . حيث قال ، إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي . أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا ، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين) (238) .
ثم راح (ع) يطوف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، وأنهى عمرته (239).
لقد حاولوا تجبين الإمام ، وهو في الطريق إلى الكوفة ، غير أنه لم ينتبه إليهم .
مضى في طريقه إلى الموت وهو يهتف : سأمضي وما بالموت عار على الفتى . إذا نوى حقا وجاهد مسلما .
فهو لم ينهض من بعد أخيه ، إلا لما نقض معاوية الوثيقة ، ونصب ابنه على الأمة . وكيف يسكت الإمام الحسين (ع) على هذا الأمر . فلا بد لصوت أن ينطلق ، ولا بد لضمير أن يهتز :
(إنا أهل بيت النبوة ، بنا فتح الله ، وبنا يختم ، ويزيد شارب الخمور وراكب الفجور ، وقاتل النفس المحترمة ، ومثلي لا يبايع مثله) .
|
(238) تاريخ الخلفاء - ابن قتيبة .
(239) تاريخ الطبري .
|
وربما قد نعذره (ع) لو أنه استسلم ، وربما امتدحه القوم ، وأعلوا منصبه .
غير أن الحسين ، هو أمين الله في الأرض ، لا يحيد عن مصلحة الأمة ، ولو أدى به الأمر إلى خسران حياته ، إذ لا قيمة للحياة في ظل ذل وفساد ، ولا قيمة لحياة ، لا تستثمر في إقامة أركان الدين ونصرة الإسلام . لقد قالها للتاريخ ، واستلهمتها منه الأجيال في مسيرات كفاحها :
إن كان دين محمد لا يستقيم |
|
إلا بقتلي فيا سيوف خذيني |
لقد صمم الإمام على مغادرة مكة ، ليتجه إلى الكوفة ، حيث الأنصار الذين يميلون بين نصرته وخذلانه ، وقد اعترضه الفرزدق وقال له : إن القوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك .
غير أن الإمام ، كان يرسم خريطة مرسومة سلفا في اللوح المحفوظ ، كان يعلم بما سيجري له ولآل بيته . وقام خطيبا :
الحمد لله وما شاء الله ، ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله على رسوله . خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقربهم عينه ، وينجز بهم وعده ، ألا ومن كان فينا باذلا مهجته ، موطنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى) .
لقد تآمرت الأمة كلها على الحسين (ع) وآل البيت بعضهم بالتقتيل والآخرون بالخذلان . لم يكن الإمام يريد شق الصفوف وتفريق الشعث . لكن حركة الأجرام كانت تتجه صوب قمع كل صوت ، وهدم كل فضيلة ، فالأمة ابتليت بخليفة ، يشرب الخمور ، ولا يرتاح من اللهو . ولا يفهم معاني الورع ، كان لاهيا عابثا في الصحراء لما فرض أبوه بيعته على المسلمين . وجاء متأخرا يلهو
بالقرود . وكان يريد أن يأخذ البيعة غصبا من الحسين (ع) .
وليتهم تركوه ، إذن لما قاتلهم والظروف لا يسمح . لكنهم أرادوا أن يذلوه ببيعة يزيد ، فما كان إلا أن قال (ع) هيهات منا الذلة! .
حاول أن يقنع الجيش ، غير أنهم منعوه من الماء وأبوا إلا قتله ، فدخل إلى الخيمة التي كانت بها أخته زينب (ع) حيث كان علي بن الحسين مريضا ، وهو يقول :
يا دهر أف لك من خليل |
|
كم لك في الاشراق والأصيل |
من طالب وصاحب قتيل |
|
والدهر لا يقنع بالبديل |
وإنما الأمر إلى الجليل |
|
وكل حي سالك سبيلي |
وفي يوم الغد ، حاول مع القوم أن يخلوا سبيله للرجوع أو ملاقاة يزيد ، أو يفتحوا له الطريق إلى إحدى ثغور الأمة ، ليقاتل كباقي المجاهدين ، فأبوا إلا قتله .
فرجع إلى قومه يكلمهم : إن القوم ليسوا يقصدون غيري ، وقد قضيتم ما عليكم فانصرفوا ، فأنتم في حل ، فقالوا : لا والله ، يا ابن رسول الله ، حتى تكون أنفسنا قبل نفسك .
ثم يذكر اليعقوبي ، أن زهير بن القين خرج على فرس له فنادى :
يا أهل الكوفة! نذار لكم من عذاب الله ، نذار عباد الله! ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ولد سمية ، فإن لم تنصروهم ، فلا تقاتلوهم ، أيها الناس! إنه ما أصبح على ظهر الأرض ابن بنت نبي إلا الحسين ، فلا يعين أحد على قتله ولو بكلمة إلا نغصه الله الدنيا ، وعذبه أشد عذاب الآخرة .
وانطلق الرعاع ، يحرقون خيام الإمام الحسين ، وقتلوا كل من كان معه ، وتشرد حريم الحسين ، وتفرق الصبية هاربين من الهجمة البربرية .
لقد عرفوا أنهم يقتلون ابن رسول الله . فلقد عرفهم بمنزلته من
الرسول صلى الله عليه وآله وبفضله ، وبالآخرة . إلا أن الدنيا كانت قد حجبت عنهم كل حقيقة قال لهم (ع) كلمة يسترجعهم فيها إلا الاستقامة : ((أيها الناس انسبوني من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ .
ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟ .
أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي .
أو ليس جعفر الطيار عمي .
أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقوله ، وهو الحق والله وما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضرب من اختلقه ، وإن كذبتموني فإن فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم عن سفك دمي)؟ .
فقال ، شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول!.
فقال ابن مظاهر : والله إني أراك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك! .
قال الحسين : فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم؟
فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم .
(ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته! أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جرامة ، ثم نادى : يا شبث بن ربعي ، ويا حجار بن ابجر ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن أقدم قد أينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة؟ .
فقالوا : لم نفعل .
قال : سبحان الله بلى والله لقد فعلتم .
فقال : أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض . فقال له قيس بن الأشعث : أولا تنزل على حكم بني عمك؟ فإنهم لن يروك إلا ما تحب ولن يصل إليك منهم مكروه! . فقال الحسين :
أنت أخو أخيك؟ أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟
لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد .
كان الإمام الحسين (ع) يحرص على كرامة الأمة ومصلحتها . ويحول دون يزيد وإذلالها : ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة .
وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام .
لقد خذل الحسين (ع) وهو في أمس الحاجة إلى من ينصره . فما كان إلا أن يتوكل على الله . ودعا على القوم : اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبره فإنهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير .
كانت لكلمة الإمام الحسين (ع) صدى ، أدركت معناها قلوب القوم ، غير أنها لم تستجب .
فدنيا يزيد أنفس لديهم من ظلم الحسين (ع) فهي الفرصة التي لا يضيعها لئيم . غير أن الكلمة كان لها وقع ثقيل ، ولطيف . على رجل من كبار الفرسان ، وهو الذي دفع بالإمام الحسين (ع) إلى كربلاء ومنعه عن دخول الكوفة . سمع الكلمة فوعاها . وكان هنالك خلف لكل إغراءات يزيد ، رقة إيمان تسكن قلب الحر . فأقبل إلى عمر بن سعد وقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل؟ .
قال : إي والله قتالا أيسره أن تسقط فيه الرؤس وتطيح الأيدي .
قال : ما لكم فيما عرضه عليكم من الخصال؟ .
فقال : لو كان الأمر إلي لقبلت ولكن أميرك أبى ذلك . فتركه ، وقال لقرة بن قيس : هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا : قال : فهل تريد أن تسقيه؟ .
فطن قرة من ذاك أنه يريد الاعتزال . فأخذ الحر يدنو من الحسين . فقال له المهاجر بن أوس : أتريد أن تحمل؟ فسكت ، فارتاب المهاجر من هذا الحال ، وقال له ، لو قيل لي من إشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أراه منك؟
فقال الحر . إني أخير نفسي بين الجنة والنار ، ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو أحرقت .
ثم اتجه نحو الحسين (ع) منكسرا معتذرا يلتمس الغفران . فقال للإمام :
اللهم إليك أنيب فتب علي ، أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك! يا أبا عبد الله ، إني تائب فهل لي من توبة؟ .
قال له : أبو عبد الله : نعم يتوب الله عليك .
فأستأذن الحسين في أن يخاطب القوم ثم قال :
(يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر ، أدعوتم هذا العبد الصالح ، حتى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه! وهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ) .
انطلق الحر ، معربا عن ورعه وإخلاصه لقضية الحسين ، وهو يقول :
إني أنا الحر ومأوى الضيف |
|
أضرب في أعناقكم بالسيف |
عن خير من حل بأرض الخيف |
|
أضربكم ولا أرى من حيف |
ثم راح يقاتل ببسالة يقل لها نظير ، حتى قتل . وكانت تلك شهادة على توبته
وفيئه إلى الحق ، ثم جاء إليه الحسين (ع) وهو ممدد فقال :
لنعم الحر حر بني رياح |
|
صبور عند مشتبك الرماح |
ونعم الحر إذ نادى حسينا |
|
وجاد بنفسه عند الصباح |
وقال : والله ما أخطأت أمك لما سمتك حرا ، فأنت الحر في الدنيا والآخرة!
كان شعار الإمام الحسين (ع) بكربلاء (الحرية) ولذلك معنى عميق ، يدرك باستيعاب الحدث وفلسفته . انطلق الإمام وهو ينادي القوم (إن كنتم لا تؤمنون بالله ولا تخافون الميعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم إن كنتم عربا كما تزعمون) وقضية الحسين ، هي بالإضافة إلى كونها قضية إسلام وجاهلية ، تبقى قضيته حرية . إذ أن الذين طلبوه ثم خذلوه ، كانوا يفتقدون للحس التحريري . التحرر من كل ما يفقد الضمير يقظته ، ويعكر المعاني والقيم في النفوس . لقد فقدوا حريتهم أمام (دنيا) يزيد . واستعبدهم بطشه . فافتقدوا الإرادة ، وافتقدوا معها (الحرية) . ولم تكن هذه المعركة تعبر حتى عن الذهنية العربية . فمعارك العرب أسمى من أن تجمع بين جيش جرار وفئة قليلة من الناس . وهي أسمى من أن تجمع بين لقطاء وبين عصبة تنتمي لبيت الشرف . وقد كان الحس القبلي طاغيا على الحس الغنيمي عند العرب ، والفضيلة غالبة على كل الاعتبارات الأخرى فهذا القدر من الحرية ، افتقده جيش يزيد ، وبالتالي كانوا يحتاجون إلى أكثر من قفزة للوصول إلى مستوى الخطاب الإسلامي . فهم في حاجة إلى (حرية) ولو في صبغتها العربية ، كان الحر بن يزيد هو ذلك النموذج الذي أثرت عليه كلمات الحسين (ع) والإحساس بالتحرر كان لا يزال حيا في أعماقه . وكل من كان هناك كان يعرف إنه مسلوب الحرية باختيار منه ليس إلا . فالحر بن يزيد أدرك إنه أكثر تحررا من أن يمنعه القوم المجرمون عن نصرة الحسين (ع) ومهما بطش يزيد وتجبر ، فإنه لا يملك أن يسلب الحرية ممن وطن نفسه على الكفاح واستقبل الموت بصدر وسيع . كان يزيد أقل قدرا وأخس من أن يجبر مسلما على الخضوع لو أن المسلمين استجابوا للجهاد . فما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا . وكان نموذج أهل الكوفة نموذج القوم الذين افتقدوا حس التحرر . وتلك هي أهم القضايا التي واجهها
الحسين (ع) .
والقوم الذين ضاع حسهم التحرري في منعرجات النزوع الدنيوي ، لم يكونوا في حاجة إلى ضمير ثوري ، يزعجهم ، ويضعهم أمام المسؤولية وفي مواجهة الخيار الصعب . فكان ضروريا أن يهاجموا معسكر الأحرار ، ويدكوا بفرسانهم جسد الحسين (ع) انتقاما ، من صلابته التي تعتبر ، انتصارا على مستوياتهم النفسية .
لقد ظهرت لهم نفوسهم أخس وأخس مئات المرات من (جون) ذلك العبد الذي تنفس حريته . ووجد في معسكر الحسين ، ميدانا واسعا للتعبير عن تحرره المكبوت خلال سنين مد يده . إنهم يرون في تحرر الحسين وشيعته ، قبح وجوههم وذمامتها ، وخسة نفوسهم وانحطاطها . فلذلك ازداد انتقامهم وتضاعف .
فراحوا يتنافسون على تدمير معسكر الإمام الحسين (ع) .
اشتد القتال ، وشيعة الحسين (ع) يتساقطون كأوراق الخريف الواحد تلو الآخر ، وكلهم يقدم أروع أدوار البطولة والفداء . حتى لم يبق إلا الحسين وأهل بيته ليس معهم إلا الله .
كان علي بن الحسين (ع) مريضا . وقد شاءت الأقدار أن يكون كذلك للدور التاريخي المنوط به بعد الحسين (ع) غير أن عليا الأكبر ، وهو أخوه ، كان في تمام الاستعداد ، لالتماس (الشهادة) ليكتب بها وثيقة عار في تاريخ الجريمة التي شهدها آل البيت المحمدي . انطلق يطلب القوم نصرة أبيه ، وللحق الذي جاء من أجله ونشد في القوم :
أنا علي بن الحسين بن علي |
|
نحن ورب البيت أولى بالنبي |
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي |
|
أضرب بالسيف أحامي عن أبي |
ضرب غلام هاشمي قرشي
كان المشهد يدور بعين الحسين (ع) يرى ببصيرة المعصوم ، انحطاط النفوس ، وتشوه القلوب . يرى كيف صار الأمر في أمة ، طالما ربى فيها جده وأبوه النفوس التعبى .
ثم أطلقها صرخة ، والدموع تنساب من عينيه ، وقد أحس بالاستضعاف :
ما لك؟ (يقصد عمر بن سعد) قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلط عليك من يذبحك على فراشك . ثم رفع يديه الكريمتين نحو السماء وتمثل قائلا :
اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمدا خلقا وخلقا ومنطقا وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه اللهم ، فامنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ، ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترضي الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا .
قاتل علي الأكبر القوم ، وأبوه يرى بلاءه فيهم . واشتد العطش عليه ، فعاد إلى أبيه يستسقيه ، ليستجمع قواه ، ويكر من جديد على جيش الأعداء . غير أن الحسين (ع) أدرك أنه ليس بينه وبين مفارقة الحياة إلا فترة قصيرة . ففضل أن يبقى على عطشه حتى يلقى الله تعالى فأعطى بذلك لابنه روحا جديدة ، فقال له : (ما أسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبدا) . ثم راح يقاتل الأعداء ، فحملوا عليه وطعنوه بالرماح وضربوه بالسيف على رأسه ، وقطعوه بالسيوف قطعا . وفارقت نفسه الحياة ، وجاء أبوه يودعه ، فما وجده إلا جثة هامدة مضرجة بدماء العزة الإيمان . فقال : على الدنيا بعدك العفا ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول يعز على جدك وأبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثونك .
إنهم يدركون أن نسل الرسول صلى الله عليه وآله مهدد بالانقراض . وهم يمعنون في ذلك . فبنو أمية أنفع لهم من بني هاشم التي أخذتهم بالعزائم ونغصت عليهم حياتهم بالورع والفضيلة .
كان معسكر الحسين (ع) مكتضا بالأطفال والنساء . اشتد عليهم العطش ، ولا يزال الحسين (ع) وآل بيته يستسقون القوم ، فلم يجيبوهم . كان (العباس) حاضرا ذلك المشهد ، وضاق صدره وطلب من الحسين (ع) أن يخرج إلى القوم الظالمين . فنادى في القوم .
يا عمر بن سعد : هذا الحسين ابن بنت رسول الله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى ، فاسقوهم من الماء ، قد أحرق الظمأ قلوبهم .
فصاح شمر : يا ابن أبي تراب - يقصد الإمام علي (ع) - لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لا سقيناكم منه قطرة ، إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد .
لقد جعلوها شرطا لحياتهم وحياة عيالهم . والحسين (ع) ليس مجنون حرب حتى يضحي بأهله وعياله في سبيل موت هو عنه في خيار . إلا أن المسألة تخضع لمعايير الإسلام . والإسلام مهدد فيما لو بايع الحسين (ع) رجع العباس ، والأطفال يبكون من شدة الظمأ . فرق قلب العباس ، واستنفر عزيمته ، وانطلق في القوم ، يقاوم يمينا وشمالا حتى أتى الفرات واغترف منه ماء ، ورجع يقاوم جيش النفاق ، فنصبوا له كمينا ، وضربه بعضهم فقطع يمينه . واستمر في مسيره قاصدا الحسين ، يريد إيصال قربة الماء ، لسقي عطاشى آل البيت وهو يقول :
والله إن قطعتم يميني |
|
إني أحامي أبدا عن ديني |
وعن إمام صادق اليقين |
|
نجل النبي الطاهر الأمين |
وانطلق بعيدا حتى باغته حكيم بن الطفيل من وراء نخلة فضربه على شماله ، وقطع يده الأخرى .
وانهالت عليه السهام من كل جانب ، وأصابت صدره وضرب رأسه فانفلق ، وسقط صريعا وهو يقول : عليك مني السلام أبا عبد الله .
رآه الإمام الحسين (ع) فأي عبره تعكس حقيقة المأساة ، وأي كلمة تعكس حقيقة الحزن الذي اعترى سيد الشهداء . لقد رؤي وهو يكفكف الدمع ويقول :
أما من مغيث يغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حق ينصرنا ، أما من خائف من النار فيذب عنا .
واعتل الصياح في الخيام ، واشتد النواح ، واختلطت أصوات النساء بأصوات الأطفال في مشهد تراجيدي تخرس عن وصفه ألسن الشعراء .
لقد استنفذ معسكر الحسين (ع) كل عناصره . ولم يبق إلى جانب الحسين ، سوى عياله . وكان ذلك الطفل الرضيع ولده فتح عينيه في معترك المأساة . فرفعه أمام القوم يريد استعطافهم ، ليسمحوا بإعطاءه ماء . غير أن الروح الدموية التي ما رآها التاريخ ولا شهدتها ملاحم البشر ، كانت توجد في هذا المعسكر المشؤوم ، فرفع (حرملة بن كاهل الأسدي) سهمه ورمى بها الطفل فسال دم البراءة على كف الحسين ، وأخذ يرمي به نحو السماء وهو يقول : اللهم تقبل منا قربان آل محمد . وقال : هون ما نزل بي إنه بعين الله تعالى ، اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح ، إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين ، واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل ، اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك ثم نزل عليه السلام عن فرسه ودفن طفله الرضيع وصلى عليه .
فكان الإمام هو آخر من يتقدم للميدان ، انطلق إلى القوم مصلتا سيفه ، فقاتلهم قتالا شديدا وهو يقول :
الموت أولى من ركوب العار |
|
والعار أولى من دخول النار |
هنالك صاح عمر بن سعد : هذا ابن الأنزع البطين (يقصدون الإمام علي (ع)) هذا ابن قتال العرب احملوا عليه من كل جانب .
فصاح فيهم الحسين (ع) يردهم بكلامه النافذ في أعماق الضمير ، غير أن القوم لا ضير لهم ، فقال شمر بن ذي الجوشن : ما تقول يا ابن فاطمة؟ .
قال : أنا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا .
واستمر القتال بين جيش عمر بن سعد ، والإمام الحسين (ع) ، وقد بدأت الدماء تغطي جسده وهو يقول : هكذا أكون حتى ألقى الله وجدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا مخضب بدمي وأقول : يا جدي قتلني فلان وفلان .
لقد أصابته السهام في جسده ورأسه فسقط ، ولم يبقى قادرا على الحراك ، يقول
صاحب أسد الغابة ، أمر عمر بن سعد نفرا فركبوا خيولهم وأوطأوها الحسين .
لا تزال الحياة تدب في جسده الشريف ، ولا يزال به رمق . فلا بد أن يتقدم إليه القوم ليحتزوا رأسه .
فبادر زرعة بن شريك بضرب كتفه الأيسر ، ثم رماه الحصين في حلقه وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ، ورماه بسهم في نحره وطعنه آخرون على عاتقه وجنبه.
وارتفعت الأصوات ، ونادت أم كلثوم وأخته زينب :
وامحمداه وا أبتاه واعلياه واجعفراه واحمزتاه هذا الحسين بالعراء صريع بكربلاء ثم نادت زينب :
ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل! .
ولا يزال الصياح يهز الميدان ، والنوح تولول على الحسين (ع) والدنيا قد اظلمت ، فالحسين صريع! ويقف عمر بن سعد ، انزلوا إليه وأريحوه .
فانطلق شمر ، فضربه برجله وأمسكه من لحيته وما زال يضربه بالسيف ثم احتز رأسه .
يقول اليعقوبي : (وانتهبوا مضاربه ، وابتزوا حرمه ، وحملوهن إلى الكوفة) .
لقد أطمعهم في الحسين (ع) سيفه وملابسه . فراح كل واحد يلتمس له قطعة من لباسه ينهبها ، فأخذ الأسود بن حنظلة سيفه ، والأسود بن خالد ، نعليه وإسحاق ابن حوية قميصه .
وقطعوا إصبعه الذي به الخاتم لما رأوا الدم قد تجمد والتصق به .
يقول صاحب أسد الغابة : إن سنان بن أنس لما قتله قال له الناس ، قتلت الحسين بن علي ، وهو ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم العرب خطرا ، أراد أن يزيل ملك هؤلاء ، فلو أعطوك بيوت أموالهم لكان قليلا ، فأقبل على فرسه ، وكان شجاعا به لوثة ، فوقف على باب فسطاط عمر بن سعد ، وأنشده الأبيات :
أوقر ركابي فضـة وذهبا |
|
فقد قتلت السيـد المحجبا |
قتلت خير الناس أما و أبا |
|
و خيرهم إذ ينسبون نسبا |
قال اليعقوبي : (وأخرج عيال الحسين وولده إلى الشام ، ونصب رأسه على رمح ، وكان مقتله لعشر ليال خلون من المحرم سنة 61 .
ثم جاءوا بالرأس ووضعوه بين يدي يزيد (لعنه الله) ، فأخذ ينكثه بقضيب وهو ينشد :
ليت أشياخي ( ببدر ) شهـدوا |
|
جزع ( الخزرج ) من وقع الأسل |
لأهـلوا ، واستهـلـوا فـرحا |
|
ثم قالـوا : يا ( يـزيد ) لا تشل(240) |
|
(240) القصة مذكورة بصيغ مختلفة في كتب التاريخ الشهيرة : تاريخ الطبري ، ابن الأثير ، مروج الذهب الإمامة والسياسة ، مقاتل الطالبيين ، أسد الغابة ، البداية والنهاية ، الأغاني ، أنظر (عقيلة بني هاشم لبنت الشاطئ ، علي وبنوه) طه حسين وغيرهم .
|
لقد شيعني الحسين
|
|
|
هذه مجرد عموميات مختصرة حول المشهد الدراماتيكي لملحمة كربلاء كما اتفقت عليها تواريخ المسلمين . ولعمري ، إنه المشهد الذي لا يزال صداه يتحرك في أقدس قداساتي ، يمنيني بالأحزان في كل حركة أتحركها .
ما إن خلصت من قراءة (مذبحة) كربلاء ، بتفاصيلها المأساوية ، حتى قامت كربلاء في نفسي وفكري ومن هنا بدأت نقطة الثورة ، الثورة على كل مفاهيمي ومسلماتي الموروثة ، ثورة الحسين داخل روحي وعقلي .
أجل ، ليس من وظيفة هذا الكتاب التعرض لتلك التفاصيل ، وإنما نريد أن نعطي مجرد إشعاعات متفرقة عن تلك المذبحة ، لفضح التاريخ الرسمي الملفق! .
الأوراق ، كل الأوراق مع هذا التاريخ الجريح ، القابع خلف اللاشعور التاريخي المكتوب بريشة (أهل الزلفى) المقربين .
لقد جاء أهل الشام والكوفة بالسيف ، وجاء الحسين بالدم ، وانتصر الدم على السيف ، بل وانتصر على التاريخ (البلاطوي) فكان الحسين نورا لم تغطه ظلم التحريف! .
ونحن ننعى هذه المأساة ، ونعلم أن الإمام الحسين (ع) قد مضى على الحق .
وأن قطرة من نعيمه قد أنستهم كل معاناته . إلا أننا نبكي أولئك المغفلين ، الذين
اتخذوا من قاتلي الحسين ، وأنصارهم وخاذليه ، قدوة لهم وأسوة . ونماذج من الورع يقتدى بها . وما أكثر الطبول التي قرعت والمزامير التي عزفت ، مدحا لشخصيات تاريخية . كانت من بين أولئك الذين اشتركوا في احتزاز رأس الحسين ونهب متاعه بخسة .
الذين قتلوا الحسين (ع) وهم يعلمون أنه خير من أميرهم ، وسيد العرب والمسلمين ، وما قتلوه إلا طمعا في الحطام الذي أمناهم به يزيد ، أليسوا قادرين على تحريف الإسلام ، واختلاق الأحاديث ، بحثا عن نفس الحطام؟! لقد شيعني الحسين (ع) من خلال المأساة التي شاهدها هو وأهل البيت (ع) شيعني بدمائه العبيطة وهي تنساب على الرمل الأصفر بأرض الطفوف ، وبصراخ الأطفال ونواح النساء . يومها ناديت ، وقد انسكبت من عيني دمعة حزينة ، حزينة ورقيقة ، قلت والقلب تتمزقه الأحزان :
ويرثي ربابك دنيا الشجون |
|
ودمع النواح وفيض الدما |
فرمس عداك كجحر الصقور |
|
وسر هداك ، مخور الدجى |
عظمت فأنت عظيم المقام |
|
عظيم فأبشر بنصر السما |
ويرسي الزمان حراك النسور |
|
وسير الذئاب بخبء السرى |
فدمعك سال بتلك الطفوف |
|
وسال وسال بكل الثرى |
فصار رواء بكل الدهور |
|
ورطبا جنيا لكل الدنى |
فيا أرض لا تقنطي بالقروح |
|
ويا قوم لا تبطئوا في الخطى |
فحتما يعود لهدم الشرور |
|
ويرسي المراح بردم القذى |
فذلك الزكي بكل فخار |
|
ونجل قضم ، وليث الوغى |
رجوت الصلاح بأرض العدا |
|
بسبط الأمين ، وطاب الثرى |
وأي شئ صنع الأعداء بموته ، سوى إن حفروا قبورهم ، ودقوا نعوشهم بالمسامير ، ليدخلوا مقبرة التاريخ صاغرين ، وما زلت أراه - أبا عبد الله - كبيرا في
| |