لقد شيعني الحسين (ع) 370

وورد حديث (الثقلين) بأكثر من سند وصيغة في صحاح الجمهور .
وطبيعي أن يحتاج هذا الحديث إلى نص آخر يحدد عمومه . فحصر الشيعة الإمامة في اثني عشر إماما من آل البيت كما تقدم ذكره والأدلة على ذلك كثيرة بيد إننا نراها على قسمين .
الأولى أدلة اعتبارية سندها الواقع والتجربة . إذ لما ثبت الإمامة لعلي (ع) بالنص فإن وصيته إلى الحسن (ع) تبقى نصا صادرا عن الإمام . وكل إمام أوصى بالآخر ، فيكون هذا التسلسل الاثني عشري دليلا على النص . وهذا هو الدليل العقلي على إمامة الاثني عشر .
كما ينضاف إلى تلك الأدلة ، كون هؤلاء الاثنا عشر هم رموز آل البيت الكبار ، الذين أحصى لهم التاريخ تفوقهم وكرامتهم ، ولا تلقى وصية .
أما ما جاء في روايات الجمهور حول الاثني عشر إماما الموصى بهم . فقد ذكر الترمذي في صحيحه بسنده إلى جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
يكون بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش) وفي مستدرك الصحيحين للحاكم ، عن عون ابن أبي جحيفة عن أبيه قال : كنت مع عمي عند النبي صلى الله عليه وآله فقال :
(لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة) ثم قال كلمة وخفض بها صوته فقلت لعمي وكان أمامي : ما قال يا عم؟ قال يا بني : (كلهم من قريش) .
وحاول بعض أهل السنة ، أن يتصنعوا في تأويل هذه الأحاديث ، وما شابهها : أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة ، وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة . وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ، ووقعت بينهم الفتنة زمن وليد بن يزيد . وحاول بعضهم مثل ابن كثير وصاحب فتح الباري وصاحب الصواعق أن يؤولوها تأويلا إسقاطيا لا سند له من الموضوعية . فادعوا أن الأئمة الاثنا عشر هم الخلفاء الثلاثة ثم علي ، وبعده معاوية فيزيد - ذلك أن الحسن لم يجتمعوا عليه - فعبد الملك وأولاده الأربعة الوليد ، وسليمان ، فيزيد ، فهشام . والثاني عشر : الوليد بن يزيد بن

لقد شيعني الحسين (ع) 371

عبد الملك .
وطبيعي ، إن هذا التأويل أكثر تعسفا مما سبق لأنه مجرد إسقاطات تتغذى بالوضع السياسي الجاهز ولا تركن إلى سند من العقل أو النص .
وجاء في الصواعق المحرقة بإخراج البغوي ، بسند حسن ، عن عبد الله بن عمر ، قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : (يكون خلفي اثنا عشر خليفة ، أبو بكر لا يلبث إلا قليلا) ، قال الأئمة : صدر هذا الحديث مجمع على صحته .
واعتراف ابن حجر ، بالإجماع على صدر هذا الحديث ، دليل على أن المحرفين تصرفوا في مؤخرته وهذا دليل على التزوير الذي شهدته مدرسة الجمهور . وترتفع البراءة التي تدعى .
ولهذا وردا على هذا المنطق يقول الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة :
(قال بعض المحققين! إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر قد اشتهر من طرق كثيرة فبشرح الزمان ، وتعرف الكون والمكان : علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله من حديثه هذا : الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه ، لقلتهم عن اثني عشر (وهم أربعة) ولا يمكن أن يحمل على ملوك الأموية لزيادتهم على أثني عشر (وهم ثلاثة عشر) ، ولظلمهم الفاحش ، إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم لأن النبي صلى الله عليه وآله قال : كلهم من بني هاشم في رواية عبد الملك عن جابر) .
ولم يكن يدعي الاثني عشر ، سوى أئمة أهل البيت . فإذا أضفنا إلى كون الاثنا عشر إماما كلهم ذوو كفاءة ، وكلهم من قريش وكلهم يدعيها . ترتب أن يكونوا هم الاثنا عشر المشار إليهم بالنص . لأن الواقع لم يأت بما كذب ذلك .
وما دام عجز الجمهور عن تبرير هذا النص ، وتقريبه من الواقع ، فإن

لقد شيعني الحسين (ع) 372

الروايات الشيعية أثبتته بالإجماع فقد ورد في منتخب الأثر منقولا عن كفاية الأثر ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : معاشر أصحابي إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطة في بني إسرائيل ، فتمسكوا بأهل بيتي بعدي ، والأئمة الراشدين من ذريتي فإنكم لن تضلوا أبدا .
فقيل : يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ .
قال : اثنا عشر من أهل بيتي أو قال من عترتي .
وكذلك ذكر القندوزي الحنفي في الينابيع : عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله .
(أنا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي أثنا عشر أولهم علي وآخرهم القائم المهدي) .
وذكر الحمويني الشافعي في فرائد السمطين ، عن أبو عباس قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، اثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي .
ولم يدع الاثني عشر إماما إلا الشيعة الإمامية . فينتفي إذن ما يعارضها .
ويحتاج ردها إلى دليل قاطع نقلي وعقلي ، مثلما أثبتوها لأئمتهم عقلا ونقلا .

2 - عصمة الإمام :

كذلك إذا بحثنا مدى انسجام هذه الطرحة ، مع واقع الأئمة الاثني عشر ، نجدها أكثر موضوعية فيما لو أسندت إلى الأئمة من آل البيت (ع) والأدلة العقلية والاعتبارية لا تقل عن النصوص المباشرة في هذا الموضوع .
إن غير الأئمة الاثني عشر ، لم يدعها صراحة . والعصمة لتقتضي طيب المولد وعدم ارتكاب الفواحش قبل الإسلام أو بعده . وغير الأئمة لم يتوفر على ذلك .
والإمام علي (ع) هو الوحيد الذي لم يعبد الأصنام ولم يرتكب فاحشة في الجاهلية . ومهما كان الأمر والسبب فإن النتيجة واحدة ، هي الطهارة والعصمة .

لقد شيعني الحسين (ع) 373

والباحث في سيرة الأئمة من لدن علي إلى آخرهم . يتبين له مدى استقامتهم على طريق الإسلام ، ولم يحصي التاريخ لأحدهم زلة تناقض العصمة .
وكلهم كانوا مصدر علوم ولم يحتاجوا إلى غيرهم في شئ ، وورثوا العلم والرئاسة والعصمة بشكل متراتب أبا عن جد ، بخلاف من هم دونهم .
أما ما يثبت ذلك نقلا . فإن آل البيت وردت فيهم آيات قرآنية وروايات نبوية تدل دلالة نافذة على ذلك .
آية التطهير : قوله تعالى : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » الأحزاب 23 .
ثبت بإجماع الجمهور مفسرين ومحدثين إن الآية نزلت في علي والحسن والحسين وفاطمة - (ع) .
ومن ذلك ما أخرج مسلم في صحيحه عن صفية بنت شيبة قالت : قالت عائشة:
خرج النبي (ع) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدله ، ثم قال :
« إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » .
وفي صحيح الترمذي عن أم سلمة ، لما نزلت الآية : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » في بيت أم سلمة ، فدعا فاطمة وحسنا وحسينا وعليا خلف ظهره فجللهم بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله؟ .
قال : (أنت على مكانك وأنت على خير) .
وفي آية التطهير مجموعة دلالات ، يستحسن الوقوف على مضامينها .
فالآية ، في البدء منصرفة ، حيث حددت (آل البيت) في الرسول صلى الله عليه وآله

لقد شيعني الحسين (ع) 374

وعلي وفاطمة وحسن وحسين . وبذلك ترتفع الإمامة والعصمة عن غير هؤلاء .
ويصبح لآل البيت مفهوم خاص غير ذلك الذي يتحدد بالنسب ، وإلا ، فأولى بأزواج النبي صلى الله عليه وآله أن يكن من أهل بيته فيما لو كانت القضية خاضعة لمفهوم عام غير محدد ، ولكان صلى الله عليه وآله أدخل في كسائه ، أفرادا آخرين من آل البيت غير هؤلاء .
ثم الآية تفيد أن القضية محصورة في نطاق آل البيت ، أو بالأحرى فإن الطهارة هي من خصائص آل البيت ، يدل على ذلك أداة الحصر إنما في (يريد الله أن يذهب عنكم الرجس) .
ثم تحدثت الآية عن قضيتين هما : الرجس ثم الطهارة .
والرجس في اللغة حسب ابن منظور وغيره ، تعني الذنوب . وتعني أيضا الأقذار .
والعاقل لا يستطيع تقبل مفهوم الأقذار كتفسير للآية . إذ أن الطهارة من القاذورات ، لا تحتاج إلى إرادة إلهية لدنية . وإنما المسألة تتعلق بالقاذورات المعنوية ، وهي الذنوب والمعاصي .
أما الطهارة فتعني التنزيه من هذه المعاصي والذنوب .
وحاول البعض أن يتحايل على هذا النص ، فيقول بالطهارة التشريعية التي تعتمد الأحكام المنزلة عليهم ، أي إن آل البيت يتنزهون عن المعاصي بالأحكام التي نزلت في القرآن ، وهذا تأويل ناقص لأن الطهارة التشريعية بهذا المفهوم تستبطن أمرين :
1 - إذا كان الله يريد أن ينزه الدنيا بتشريعه ، آل البيت . فيكون هذا ظلما ، ولا يجوز في حق الله تعالى ، إذ كيف ينزه هؤلاء بإرادته ولا ينزه الناس الآخرين .
2 - إذا كان الله يقصد تطهيرهم بأحكام الشرع المنزلة عليهم في القرآن . فهذا لا يتطلب آية للحصر في آل البيت . يعم جميع الناس من دون استثناء .

لقد شيعني الحسين (ع) 375

فتبقى المسألة الرئيسة أن الله طهرهم طهارة تكوينية خاصة ، تميزهم عن الباقين .
وقد يرى البعض في ذلك نوعا من الظلم الذي لا يجوز على الله ، إذ كيف يجبر البعض على العصمة ولا يجبر الآخرين .
ولا نريد هنا أن نتوسع عقليا ونقليا في هذا الموضوع الذي أرتأينا توفيره إلى مبحث العقائد الخاصة إلا أننا سنرد على ذلك ، بأن الاعتراض على إرادة الله في عصمة آل البيت ، يجوز الاعتراض على إرادته سبحانه في عصمة الأنبياء واختيارهم ، إذ أن الموضوع واحد ، ومضامينه واحدة .
ثم إن للعصمة التي نتحدث عنها هنا تفسيرا تقريبا ، يختلف مع ما يراه البعض.
الإمامية ترى إن الإمام لا يفعل إلا الحسن ، أما المكروهات فلا يفعلها ، وإن كان قادرا على الإتيان بها .
فهناك مواقع نفسية وروحية تحول دونه وذلك ، سببها التزكية ، مصحوبة باللطف الإلهي .
أي إن هؤلاء تعبوا على أنفسهم في التزكية والسمو الروحي حتى اكتسبوا عصمة تحول دونهم والخطايا ولما علم الله أن هؤلاء على مقدرة كافية الاستقامة ، عزز عصمتهم بلطفه . وإذا رأى إنسان في هذا ظلما ، قلنا له إن علم الله بنزاهة هؤلاء هو الذي ترتب عليه هذا التدخل الإرادي في عصمتهم ، والله يحاسب عباده على قدر إيمانهم ، وقد وفر التوبة لغير الأئمة في الأمور التي لا يقوون على إتيانها . وإذا كانت صلاة الليل قد فرضت على الأنبياء والأولياء ، فإنها لم تفرض على من هم دون ذلك . وقد يثبت في علم الله ، إن غير هؤلاء لا يستطيعون عصمة أنفسهم بذلك القدر الذي يستحق التسديد الإلهي .
يرى السيد محمد تقي الحكيم (إن الله عز وجل لما علم أن إرادتهم عليهم السلام تجري دائما على وفق ما شرعه لهم من أحكام ، بحكم ما زودوا به من إمكانات ذاتية ومواهب مكتسبة ، نتيجة تربيتهم على وفق مبادئ الإسلام تربية

لقد شيعني الحسين (ع) 376

حولتهم في سلوكهم إلى إسلام متجسد ، ثم بحكم ما كانت لديهم من القدرات لى إكمال إرادتهم وفق أحكامه التي استوعبوها علما وحكمة ، فقد صح له الإخبار ن ذاته المقدسة بأنه لا يريد لهم بإرادته التكوينية إلا إذهاب الرجس عنهم ، لأنه ا يفيض الوجود إلا على هذا النوع من أفعالهم ما داموا هم لا يريدون لأنفسهم إلا ذهاب الرجس والتطهير عنهم) أهل السنة والجماعة لا يرفضون العصمة إلا في حدود مصطلحها ، أما ضمونا فإنهم يقرون بها لجميع الصحابة ، ذلك أنهم يرون أنهم جميعا عدول .
وليست العدالة كما هي في مفهوم العامة وذهنيتهم ، سوى تلك العصمة التي يراها لشيعة في أئمتهم .
ولا يكلفك أن تكون شيعيا أكثر من أن تتعامل مع أئمة أهل البيت ، كما تعامل مع أبي بكر وعمر .
فالعدالة والعصمة الاعتبارية كما يراها السنة لهؤلاء لا تقل عن تلك التي يراها لشيعة في الأئمة .
والإنسان قد يصل إلى درجة ما من العصمة ، فيما لو طبق القرآن . أي كتسب عصمة معينة .
وهدف الإسلام ، هو أن يصنع أناسا قرآنيين أي على قدر من العصمة ، وإذا ان متاحا لكل الناس أن يلتمسوا هذا القدر من العصمة عن طريق التربية المجاهدة ، فأولى بآل البيت أن يصلوها . لأنهم جهدوا على أنفسهم بشكل عجز عنه غيرهم .
ومن النصوص المنقولة الدالة على عصمتهم حديث السفينة :
ورد في مستدرك الصحيحين للحاكم عن أبي إسحاق عن حنش الكناني قال :
سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة : أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ، ومن أنكر فأنا أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :
(مثل أهل بيتي كسفينة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) .

لقد شيعني الحسين (ع) 377

وفي إحياء الميت للسيوطي عن البزار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
(مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق) .
وفي لفظ الطبراني ، زاد : ومثل باب حطة من بني إسرائيل .
وهذا الحديث ، يحمل دلالة قوية على عصمة الأئمة ، ذلك لو جاز أن يعصوا الله لما أمر الرسول صلى الله عليه وآله باتباعهم ولما جعلهم نجاة للأمة من الغرق .
وجاء في قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) .
ورد في الصحيحين وأحمد بن حنبل عن ابن عباس قال : لما نزل : (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي ، فاطمة ، الحسن ، والحسين .
ولهذا الحديث دلالة أخرى على العصمة ، ذلك أن المودة يستتبعها واجب الطاعة ، ولا يجوز المودة المطلقة لآل البيت فيما لو جازت عليهم المعصية ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . والذي يبدو من الرواية هو الاطلاق . دليلا على عصمتهم ، وروى الحاكم في المستدرك وابن كثير في التفسير وكذا الطبري وتفسير الشوكاني ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله أنا المنذر وعلي الهادي ، وبك يا علي يهتدي المهتدون .
ولا يجوز عقلا أن يكون هاديا من جازت في حقه المعصية .
وفي قوله تعالى : (إن الله وملائكته يصلون على النبي : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (الأحزاب 56) .
جاء في صحيح مسلم : قلت : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه وأما الصلاة عليك فكيف هي؟ فقال : قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم .

لقد شيعني الحسين (ع) 378

وهذا إنما يدل على عصمتهم . إذ لو جازت فيهم المعاصي لما أمر الله بالصلاة عليهم والتعبد إلى الله بهم ، فكيف يتقرب إلى الله بأهل المعصية .
وفي مسند ابن حنبل ، وفي الجمع بين الصحيحين ، أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي (ع) لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق) .
وإطلاق الحكم على هذا المنوال فيه دلالة على العصمة . إذ لو جاز أن يعصي الله ، إذا لكان من الإيمان بغض علي (ع) بل وليس من الإيمان حب على معصية . وإذا ، فإن إطلاقها يدل على أنه متواصل الامتناع عن المعصية أي معصوم عنها .
ولا أدل على العصمة من الحديثين التالين :
1 - في الجمع بين الصحاح الستة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار وفي تاريخ بغداد ، والحاكم في المستدرك وكنز العمال روى أحمد بن موسى بن مردويه ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : (الحق مع على وعلي مع الحق ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) .
والتبشير بالإمام علي (ع) والحكم القاطع على أنه لا يفارق الحق ، هو شهادة من معصوم على عصمة الإمام .
2 - ورد في صحيح مسلم ، عن زيد بن أرقم : أيها الناس ، إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي .
والحديث بالتواتر الذي ميزه ، يعد دليلا على العصمة ، لأن الله قرن بين القرآن وآل البيت وفي حديث آخر للترمذي (فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وتلك شهادة على العصمة .

لقد شيعني الحسين (ع) 379

3 - أفضلية الإمام .

كنا قد أثبتنا ضرورة إمامة الأفضل على خلاف أهل السنة والجماعة ، ذلك أن هؤلاء يجوزون إمامة المفضول وتبعية الفاضل ، وهو أمر مخالف للوجدان وعليه فإننا في مقام البحث في الانسجام بين طرحة (أفضلية الإمام) وآل البيت ، كانوا هم طلائع الأمة الأول ، فالقرآن قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .
وهذه الآية دليل على خصوصيات آل البيت وأفضليتهم على مستوى الكفاية الروحية والعقلية .
كذلك لما رفعهم الرسول صلى الله عليه وآله إلى مقام القرآن وقرنهم به في حديث الثقلين كما تقدم .
وفي رواية أحمد بن المشد والزمخشري في الكشاف ، قال ابن عمر : كان لعلي ثلاثة ، لو كان لي واحدة منها كانت أحب إلي من حمر النعم : تزويجه بفاطمة وإعطاء الراية يوم خيبر وأية النجوى .
وفي مسند أحمد والجمع بين الصحاح الستة أن الرسول صلى الله عليه وآله بعث (براءة) مع أبي بكر إلى أهل مكة ، فلما بلغ ذا الحليفة بعث إليه عليا ، فرده ، فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال :
يا رسول الله أنزل في شئ؟ قال : لا ، ولكن جبرائيل جاءني وقال :
لا يؤدي عنك إلا أنت ، أو رجل منك :
وفي ذلك تفضيل للإمام علي على أبي بكر ، وهو الظاهر والصريح .
وفي حديث المنزلة كما أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم من طرق مختلفة : إن النبي صلى الله عليه وآله لما خرج إلى تبوك ، استخلف عليا في المدينة ، على أهله ، فقال علي : ما كنت أوثر أن تخرج في وجه إلا وأنا معك .
فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي

لقد شيعني الحسين (ع) 380

بعدي .
وهذا الحديث يدل على أن الذي يأتي بعد الرسول صلى الله عليه وآله هو علي (ع) في الأفضلية وما إليها من النصوص الدالة على ذلك .
والتاريخ يشهد أن الإمام عليا والأئمة (ع) ، كانوا هم الأفضل في كل الميادين .
ولو قارنا عليا (ع) مع باقي الصحابة ، وجدناه أكثرهم شجاعة وجهادا ، وأفضلهم تقوى وورعا .
وأفضلهم علما وفقها وقضاء .
كما يؤكد التاريخ إن أئمة أهل البيت (ع) ، كانوا ملجأ لكل سائل في العلم ، ولم يثبت عنهم أنهم قالوا كما كان يفعل الآخرون (لا نعلم) وكلهم كان يستقي علمه من آبائه ، أبا عن جد . ولم يرو التاريخ أن واحدا من آل البيت ، درس على واحد من العامة . وأهل البيت هم مصدر العلوم .
والإمام الصادق هو الفقيه الأول وتتلمذ عليه باقي علماء وفقهاء أهل السنة ، وأخذ منه الأئمة الأربعة وقالوا فيه كلاما كثيرا .
والتحديات التي واجهها آل البيت على مستوى الكفاح والجهاد ، كانت أكبر مثال في تاريخ الشجاعة والجهاد البشري . ولا أدل على ذلك من ملحمة كربلاء وقبل ذلك مواقف الإمام علي (ع) .
نريد من هذا كله أن نؤكد على انسجام الإمامة والعصمة والأفضلية بأشخاص أئمة أهل البيت (ع) ليتبين مفهوم الإمامة عند الشيعة ، حيث انفردوا عن باقي المذاهب في تقييدها وبلورتها وإزالة اللبس عن مفهومها .

لقد شيعني الحسين (ع) 381


الفصل السادس

في عقائد الإمامية



وفيه تركيز على خصائص العقيدة الإمامية :
- في الصفات
- في التفويض والجبر
- في الرؤية
- في البداء

لقد شيعني الحسين (ع) 382




لقد شيعني الحسين (ع) 383

لقد ظهر علم الكلام - أو ما يسمونه بالفقه الأكبر - على أثر الأحداث التي تلت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله إذ أن أمواجا من التحديات الفكرية والفلسفية التي وردت على المسلمين من البلدان المفتوحة ، كانت تفرض على المسلمين ، الاهتمام بالكلام ، لإثبات عقيدتهم إثباتا عقليا يلزم حتى الخارجين عن الإسلام .
وحيث غزت المجتمع الإسلامي مذاهب فلسفية إغريقية ، وأخرى دينية غنوصية وردت من المدرسة الإسكندرانية المسيحية . كل هذا فرض على المسلمين التماس البرهان العقيدي في مناهج وأقيسة الإغريق .
والمتتبع لحركة الفكر الديني ومسائل علم الكلام ، يتبين أنها لم تكن جديدة في تاريخ الفكر البشري ، ذلك أن قضايا الذات والصفات ، والحدوث والقدم .والوحدة والفيض . كل هذه القضايا عولجت في فكر الإغريق منذ مئات السنين . وقبل ظهور الإسلام .
فمثلا كان الفيثاغوريون يفسرون قضية التوحيد من وجهة النظر العددية . إذا أن البارئ واحد كالآحاد ، ولا يدخل في العدد ، مثلما أن الواحد في العدد تصدر عنه جميع الأعداد الأخرى دون أن يشتق هو منها . وقالوا بأن الله لا يدرك مباشرة ، بل من آثاره وأفعاله .
وتحدث الايليون عن الألوهية ، فذكروا أنها وحدة شاملة ، وهي الوجود كله

لقد شيعني الحسين (ع) 384

وكان اكسنوفانس يقول : (إن هذا العالم كله وحدة تامة هي الله) .
كما أن أهل الديانات الأخرى ، سبقوا متكلمة الإسلام ، إلى استعارة الآلية الفلسفية في البرهنة على قضايا الإلهيات . ومثال على ذلك فيلون 35 ق . م - 50 ب . م) .
وهو عالم يهودي كان يستدل على صحة الدين بالفلسفة .
وكذلك بالنسبة لأفلوطين ، الذي تكلم في الفيض والاشراق .
نريد من هذا ، كله . التأكيد على الحقيقة التاريخية ، لواقع علم الكلام عند المسلمين ، وأنه تكرار للتجربة التي قام بها علماء النصرانية واليهودية ، في الاستدلال بالفلسفة على المسائل الإلهية (1).
وعندما نتحدث عن علم الكلام في المجتمع الإسلامي ، فإننا ، نصطدم بثلاث فرق كبرى هي :
- الشيعة .
- المعتزلة .
- الأشاعرة .
أما المرجئة ، وأهل الحديث ، والماتريدية ، فهي من الفرق البائدة والسطحية التلفيقية التي لا ترتقي إلى مستوى الفرق الثلاث .
والأصل هم (الشيعة) لأن الإمام علي (ع) كان هو الملهم الأول لعلم الكلام ، بمعنى الاستدلال العقلي على قضايا العقيدة ، كما نرى ذلك في نهج البلاغة ، وكان الحسن البصري ممن أخذ العلوم عن الإمام علي (ع) ثم انفصل

(1) إنني لا أريد من ذلك تخطئت علم الكلام ، إذ أن استناد بعض علماء النصرانية واليهودية على المنطق الإغريقي في إثبات اعتقاداتهم لا يدل على خطأ هذا المنطق بالضرورة ، لأن العقل واحد . ومصداقية الأفكار والمعتقدات هي في مدى قربها أو بعدها عن العقل ، لكن أريد أن أشير إلى أن تعقيل العقيدة لم يكن من إبداع المسلمين فقط . وهذا ما عرفناه من التاريخ .
لقد شيعني الحسين (ع) 385

واصل بن عطاء عن الحسن البصري - حيث كان معه - ، فتشكل الاعتزال ، وظهرت أشكال أخرى للاعتزال كالجبائية والنظامية . ومن الجماعة الاعتزالية ، انشق الأشعري ، ليشكل في النهاية فرقة الأشعرية .
ولست في الواقع أروم التعمق في هذا المبحث ، من كل زواياه . لأنه أوسع من أن يحتويه فصل واحد من فصول الكتاب . غير أنني أريد أن أشير إلى نقطة ، هي أن أغلب ما قيل حول هذه الفرق ، لم يكن أمينا للحقيقة ، ومن جهة أخرى أن كل الشطحات التي وقع فيها أصحاب الفرق الكلامية ، كانت بسبب الفجوة الواسعة التي تركتها الابتعاد عن توجيه الأئمة .
ومن تلك الادعاءات غير الأمينة ، أن يكون التشيع وليد الاعتزال . أو أن المعتزلة كانوا أكثر دفاعا عن التوحيد بينما كان الأشعرية أكثر فهما له .
وكان أيضا للحالة السياسية تأثير مباشر على حركة التفكير الإسلامي ونشأة علم الكلام ، إذ أن التبرير الذي جرى عليه علماء البلاط الأموي للظلم الأموي ، ولد ردة فعل في نفوس أشخاص ، فقالوا في الاختيار المطلق في مقابل قول الآخرين بالجبر المطلق ، ومن ثم ظهرت أفكار واتجاهات كالقدرية والمفوضة ، وتشعبت المسائل الكلامية واتخذت بعدا سياسيا ، أسفر عن محنة شديدة حول (خلق القرآن) .
نريد هنا أن نستعرض بإيجاز وجهة نظر كل من الفرق الثلاثة ، لنضعها في الميزان ، ونبرز مدى قيمة التفكير العقائدي لدى الشيعة ، من دون أن نطيل في استعراض الترجمات والملابسات التفصيلية .

في التوحيد والصفات :

اختلف أهل الفرق الإسلامية في تحديد علاقة الصفات بالذات ، فمنهم من رأى أنها (معان زائدة) على الذات ، مرتبطة بها ، وقديمة قدمها . وذلك مذهب الأشاعرة .
ومنهم من قال بأن الصفات هي عين الذات ، ولا تختلف صفة عن أخرى وعلى ذلك مذهب الشيعة ومن سار بعدهم من المعتزلة ، فيما ترى الكرامية أن الصفات زائدة على الذات محدثة ليست قديمة ، وهذا رأي لم يحتفل به الحكماء

لقد شيعني الحسين (ع) 386

ولا غيرهم .
والثغرة التي توجد في قول الأشاعرة ، هي في تعدد الصفات واستقلالها عن الذات ، ذلك أن الذات الواجبة هي بسيطة وكاملة وأزلية لا تحتاج إلى عوارض مستقلة لتحقيق كمالها المطلق . إذ أن استقلال الصفات عن الذات ، يناقض مقولة البساطة في الذات . ثم إذا كانت الصفات مستقلة وزائدة وقديمة ، ترتب أن يوجد أكثر من ذات قديمة ، فالعلم الزائد على الذات قديم قدم الذات ، يترتب على ذلك وجود قديمين ، وإذا قسنا ذلك على الصفات السبع التي وضعها الأشاعرة ، يكون هناك إلى جانب الذات ، سبع قديمات وواجبات . يقول العلامة السيد الطباطبائي : (2) وأيضا لازمه فقدان الواجب في ذاته صفات الكمال ، وقد تقدم أنه صرف الوجود الذي لا يفقد شيئا من الكمال الوجودي) .
ومن هذا المنطق ، غاص أهل الفرق في متاهات أخرى . كان الأشاعرة - صراحة - فيها أكثر سطحية وتلفيقا .
فلو كانت صفة البقاء مستقلة عن الذات ، للزم أن يتوقف بقاء الله على شئ مستقل عنه هو (البقاء) والله باق بذاته لا بغيره . ولذا لزم أن تكون صفة البقاء هي هو من دون أن نلغيها .
ولو كان الله في حاجة إلى غيره في البقاء ، إذن لكان ممكنا غير واجب ، وتكون صفة البقاء هي الواجب وفق هذا القول ، وعلى هذا الرأي الشيعة فيما رأى لأشاعرة أن الله تعالى باق بالبقاء (3) .
والغريب عندما رأوا أنه باق ببقاء ليس هو .
ونلخص إلى القول ، بأن الشيعة وقفوا موقف الوسط في مسألة الصفات ، فيما لا كل من الأشاعرة والمعتزلة ، كما صور ذلك الشاعر :
الأشعري (بازدياد) قائل وقال (بالنيابة) المعتزل

(2) نهاية الحكمة . ص 289 مؤسسة النشر الإسلامي ، قم .
(3) شرح التجريد للقوشجي .
لقد شيعني الحسين (ع) 387

فالأشاعرة أثبتوا كل الصفات الزائدة ، ونفى المعتزلة الصفات وقالوا بالنيابة ، يما قال الشيعة بثبوت الصفات العينية ، دون أن يلغوها ، وفي نهج البلاغة يقول لإمام علي (ع) أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به وحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له . وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه شاهدة كل صفة إنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف إنه غير الصفة : فمن صف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه قد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حده ، ومن حده فقد ده ، ومن قال (فيم) فقد ضمنه ، ومن قال (علام؟) فقد أخلى منه .
كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم . متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا ستوحش لفقده) .
ونلاحظ أن الإمام علي (ع) تكلم بنفي الصفات ، وهو بالطبع لا يقول بما الت به المعتزلة فيما بعد ، وإنما يعني نفي الصفات الزائدة ، التي تنافي الكمال لذات .
يقول مرتضى المطهري : (وصف نهج البلاغة ذات الله سبحانه بالأوصاف لكمالية ، وفي نفس الوقت نفى (مقارنته) بالصفات الزائدة على ذاته . والمعتزلة نفون عنه كل صفة ، والأشاعرة يصفونه بكل صفة زائدة على ذاته) (4) .
والرأي الوسط ، هو الرأي الموضوعي ، لأنه لا ينفي صفات أثبتها البارئ في تابه ، ولا يجمع بين الذات والصفات الزائدة وينسب لها القدم والوجوب ، يطرق بذلك بابا للشرك .

في العدل الإلهي :

يعتبر العدل أحد أصول الدين عند الشيعة ، ويعتبر أيضا من أصول المعتزلة .
وعليه فإن الإمامية ومن سار بعدها من المعتزلة ، يرون الحكمة وراء كل أفعال

(4) مرتضى المطهري ، في رحاب نهج البلاغة ، ترجمة هادي اليوسفي ، دار التعارف للمطبوعات يروت ص 63 - الطبعة الثانية .
لقد شيعني الحسين (ع) 388

الله . ويقولون بحسنها . والله لا يفعل القبيح من قبيل الظلم إذ أن الله) ليس لاما للعبيد) . وكل القبائح الموجودة هي من أفعال العباد بينما يتنزه الله عن لك .
وخالفت الأشعرية إلى رأي آخر فترى أن أفعال الله تعالى حكمة وحسنه وإن لقبيح هو أيضا صادر عن الله وذلك لا يتنافى مع عدله .
كما ترى الأشاعرة أن الله يقضي بالكفر والظلم وكل القبائح (5) .
وترى أيضا أن الله يفعل الأشياء من دون مصلحة وغرض حكيم ، ويعذب لعبد من دون مصلحة وقد يخلق خلقا في النار من غير معصية اقترفوها .
ويرون أن الله قد يضل العباد ويغويهم تعالى عن ذلك وقد يدخل إلى الجنة من بده ويدخل النار من عصاه وأن الله قد أمر بكثير مما كرهه ، ونهى عما أراده (6) .
هم بذلك يخالفون الشيعة ومن سار خلفهم من المعتزلة إذ يرى الشيعة أن الله ا يجوز في حقه معاقبة العبد على فعل إنما هو أجبره عليه . وبأن الله لا يفعل لأشياء عبثا من دون مصلحة وغرض . ولا يجوز في حق الله وبمقتضى العدل الإلهي أن يعذب المطيع ويدخل الجنة العاصي وبأن الله لم يكلف أحدا فوق طاقته كما ترى الأشعرية .
نحن نقول للأشاعرة ، بأنه إذا كان الله لا يتنزه عن تعذيب المطيع وإثابة العاصي خلافا للعدل . بمقتضى أن الله مريد في ملكه لا يلزمه شئ نريد أن نقول إن الأشاعرة بذلك أثبتوا قشريتهم ، وتجزيئيتهم ، فالله في وحيه وعد بعقاب الكافرين ومجازات المؤمنين . فإذا لم يف بوعده يتناقض ذلك مع صفة الوفاء والصدق الإلهيين . وإذا كان بمجرد أن يكون الله قادرا على كل شئ يفعله فيكون عدلا ، فلماذا يرد بالاستحالة أن يكون له ولد .
الواقع أن الأشاعرة جعلوا الأفعال هي مقياس العدل ، وليس العدل هو

(5) شرح العقائد ، الملل والنحل .
(6) التغير الكبير ، الفصل لابن حزم .

السابق السابق الفهرس التالي التالي