موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 101

سم الإمام الحسن (عليه السلام):

والآن إلى بحث مسألة سم الإمام الحسن (عليه السلام)، لأنّ من المؤرخين من أنكرها جملة وتفصيلاً كابن خلدون، ومنهم من برّأ ساحة يزيد وأبيه عن ارتكاب تلك الجريمة الشنعاء كابن كثير، ولم يبعد عنه الذهبي كما ستأتي كلماتهم بعد هذا.
أمّا الآن فإلى عرض روايات السمّ وتسمية المحرّض والمباشر.
لقد روى البلاذري في ترجمة الإمام الحسن من كتابه أنساب الأشراف: «ويقال إنّه سُمّ أربع دفعات فمات في آخرهنّ، وأتاه الحسين وهو مريض فقال له: أخبرني من سقا ك السم؟ قال: لتقتله؟ قال: نعم. قال: ما أنا بمخبرك، إن كان صاحبي الّذي أظن فألقه أشدّ نقمة، وإلاّ فهو الله لا يقتل بي برئ»(1).
وروى البلاذري أيضاً عن الهيثم بن عدي: «أنّ معاوية دسّ إلى زوجة الحسن وهي ابنة سهيل بن عمرو مائة ألف دينار على أن تسقيه شربة بعث بها إليها ففعلت»(2).
وهذه الرواية لم أقف عليها عند غير البلاذري، إلاّ أنّ ابن أبي الحديد ذكر عن المدائني خبراً يوحي من طرف خفي بحال تلك المرأة، فقد ذكر في شرح النهج قال: «تزوج الحسن بن عليّ (عليه السلام) هند بنت سهيل بن عمرو وكانت عند عبد الله بن عامر كريز فطلّقها، فكتب معاوية إلى أبي هريرة أن يخطبها على يزيد بن معاوية، فلقيه الحسن (عليه السلام) فقال: أين تريد؟ قال: أخطب هند بنت

(1) أنساب الأشراف ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) 3 /55 تح ـ المحمودي ط بيروت.
(2) أنساب الأشراف ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) 3 /59 تح ـ المحمودي ط بيروت.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 102

سهيل بن عمرو على يزيد بن معاوية، قال الحسن (عليه السلام): فاذكرني لها، فأتاها أبو هريرة فأخبرها الخبر. فقالت: اختر لي فقال: اختار لك الحسن، فتزوجته، فقدم عبد الله ابن عامر فرقّ لها رقة عظيمة، فقال الحسن: ألا أنزل لك عنها فلا أراك تجد محللاً خيراً لكما مني؟ قال: لا ثمّ قال لها وديعتي، فأخرجت سفطين فيهما جوهر ففتحهما وأخذ من أحدهما قبضة، وترك الآخر عليها. وكانت قبل ابن عامر عند عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فكانت تقول: سيدهم جميعاً الحسن، وأسخاهم ابن عامر، وأحبّهم إليّ عبد الرحمن بن عتاب»(1).
هذه رواية المدائني وتبقى لها دلالات غير خفيّة، فزيجة تتم بما وصفت الرواية لا تمنع المرأة من الاستجابة لاستغواء معاوية لها بالمال من ارتكاب الجريمة، فهي وإن رأت في الحسن سيّد الأزواج الا ان بريق المائة ألف من الأصفر الرنان يغشي البصر والبصيرة.
كما أنّ معاوية رأى في استغوائها بالمال انتقاماً بها ومنها فهو حين يرملها من زوجها سيّد الأزواج ما دامت تزوجته ولم تتزوج بابنه يزيد، ثمّ هو ينتقم بها من الحسن (عليه السلام) لأنّه خطبها له أبو هريرة فتزوج ممّن سوف تكون مخطوبة يزيد.
وتبقى سلامة الخاطب ـ أبو هريرة ـ إذ لم يصبه ضرر من معاوية ولا من يزيد فيما أعلم. وهنا تنتصب علامة تعجّب واستفهام (!؟).
وهذه المرأة إذ لم يذكرها مؤرخوا الحسن (عليه السلام) من أصحاب الكتب المحدثين في قائمة أزواجه فمن الطبيعي أن لا يذكروها فيمن دس إليها معاوية سماً تسم به الحسن (عليه السلام).

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4/4 ط مصر الأولى.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 103

وهناك بعض خدم الإمام الحسن (عليه السلام) اتهم أيضاً بسم الإمام! فقد قال ابن كثير وقد سمعت بعض من يقول: «كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سماً»(1).
وإنّي لا أمنع ولا أدفع ما رواه الهيثم بن عدي ولا ما سمعه ابن كثير، ولا منافاة مع ما رواه جملة من المؤرخين من أنّ معاوية دس السم على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس، فإنّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان يقول سقيت السم مراراً، فيكون من عرفناهم جميعاً شركاء في الجريمة، وربّما كانت هناك أسماء آخرين غير معلنة لها دور مماثل لدور هند وجعدة وبعض الخدم.
وقضية سم معاوية للإمام الحسن (عليه السلام) تظافر نقلها تظافراً يكاد يلحقها بالتواتر فقد ذكرها جملة من المؤرخين من القدامى والمحدثَين، وجزم بها غير واحد منهم قتادة، وأبو بكر بن حفص، والزين العراقي، كما حكاه عنهم ابن حجر الهيتمي في الصواعق، وهو منهم في جزمه، ولم يستبعد ذلك إلاّ بعض الشاذين ممّن هواه مع الأمويين كالذهبي، وابن كثير، وابن خلدون من السابقين، وتبعهم من اللاحقين المعاصرين من غربيين ومغتربين وعرب متغرّبين، ممّن لا يؤبه بهم.
قال الذهبي (ت 748 هـ) بعد أن حكى قول ابن عبد البر في الاستيعاب: «وقالت طائفة: كان ذلك بتدسيس معاوية لها ـ لجعدة ـ وبذله لها على ذلك». قال الذهبي: «قلت: هذا شيء لا يصح فمن الّذي اطّلع عليه»(2) (؟!).
وقال ابن كثير (ت 747 هـ): «وعندي ان هذا - تدسيس يزيد لجعدة بسم الحسن - ليس بصحيح، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى»(3)(؟!)

(1) البداية والنهاية 8/43 ط السعادة.
(2) تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام 2/219 ط القدسي بمصر.
(3) البداية والنهاية 8/43 ط السعادة.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 104

وقال ابن خلدون (ت 808 هـ): «وما ينقل من انّ معاوية قد دس السم إلى الإمام الحسن على يد زوجته جعدة بنت الأشعث فهو من أحاديث الشيعة وحاشا لمعاوية ذلك»(1)(؟!!)
وعلى ما أسس الأولون جرى التالون مستبعدين صدور مثل ذلك من معاوية أو من يزيد، ولم أجد عندهم من المفيد ما يزيد، لذلك لم أذكرهم بأسمائهم رغبة عنهم، ويبقون في دائرة الاستبعاد، ما داموا قد اختاروه لأنفسهم وفي صدورهم الريب، وليس هذا من بطن الغيب.
والآن رداً عليهم وعلى من سبقهم من النافين، كابن كثير، والذهبي، وابن خلدون الّذي زاد في الطنبور نغمة فقال في ذلك: «فهو من أحاديث الشيعة وحاشا لمعاوية ذلك»، أذكر قائمة بأسماء جمهرة كبيرة من المؤرخين السابقين المثبتين لحادثة السم، وفيهم مَن أكدّ ضلوع معاوية في الجريمة، وجميعهم ليسوا من الشيعة الّذين اتهمهم ابن خلدون. وقد رتبتهم حسب تسلسل وفياتهم على القرون كما يلي:


القرن الثاني:

1- عامر الشعبي (ت 103 هـ) قال: «ومصداق هذا القول أنّ الحسن كان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع معاوية: لقد عملت شربتُه، وبلغ أمنيته، والله لا يفي بما وعد، ولا يصدق فيما يقول»(2).
2- قتادة بن دعامة (ت 117 - 118 هـ) قال: «سمّت ابنة الأشعث بن قيس الحسن بن عليّ وكانت تحته ورشيت على ذلك مالاً»(3).

(1) تاريخ ابن خلدون 2/187 ط دار الكتاب اللبناني.
(2) تذكرة الخواص /121 ط حجرية.
(3) المستدرك على الصحيحين 3/176.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 105

3- أبو بكر بن حفص: حكى ابن حجر الهيتمي في الصواعق: قوله وقول سابقه وأنّهما كانا جازمَين بذلك فراجع(1).
4- السدي (ت 128 هـ): حكى قوله سبط ابن الجوزي في التذكرة(2).
5- أبو اليقظان عامر بن حفص (ت 190 هـ): حكى قوله سبط ابن الجوزي أيضاً في مرآة الزمان(3).


القرن الثالث:

1- الواقدي (ت 207 هـ): حكى قوله الذهبي في سير أعلام النبلاء(4).
2- الهيثم بن عدي (ت 207 هـ): حكى قوله السبط في مرآة الزمان(5).
3- المدائني (ت 225 هـ) حكى قوله السبط في تذكرة الخواص(6).
4- ابن سعد (ت 230 هـ): ذكر ذلك في الطبقات(7).
5- ابن قتيبة (ت 276 هـ): ذكر ذلك في كتاب المعارف(8).
6- يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ): حكى ذلك عنه ابن الجوزي في صفوة الصفوة(9).
7- البلاذري (ت 279 هـ): ذكر ذلك في أنساب الأشراف(10).

(1) الصواعق المحرقة /84.
(2) تذكرة الخواص /121 ط حجرية.
(3) مرآة الزمان.
(4) سير أعلام النبلاء 4/397 ط دار الفكر، وفي الهامش عن مختصر تاريخ دمشق 7/39.
(5) مرآة الزمان.
(6) تذكرة الخواص /121 ط حجرية.
(7) ذكر ذلك في كتاب الطبقات الكبير في ترجمة الإمام الحسن ط الطائف تح ـ صامل.
(8) المعارف /92.
(9) صفوة الصفوة 1/321 ط حيدرآباد.
(10) أنساب الأشراف (ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام» 3/55 تح ـ المحمودي.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 106

القرن الرابع:

1- الطبري (ت 310 هـ): ذكر ذلك في كتابه المنتخب(1).
2- ابن أعثم الكوفي (ت 314 هـ): ذكر ذلك في كتابه الفتوح(2) الترجمة الفارسية، بينما خلت النسخة العربية المطبوعة في حيدر آباد وعنها أفست دار الندوة من ذلك، فمن تولى كبر ذلك؟
3- أبو الفرج الاصبهاني (ت 356 هـ): ذكر ذلك في مقاتل الطالبيين(3).
4- الحافظ الطبراني (ت360 هـ): ذكر ذلك في المعجم الكبير(4).


القرن الخامس:

1- الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ): ذكر ذلك في المستدرك(5).
2- أبو نعيم الاصبهاني (ت430 هـ): ذكر ذلك في الحلية(6).
3- صاحب تاريخ الخلفاء ـ من رجال القرن الخامس ـ(7).


القرن السادس:

1- ابن عبدون (ت 529 هـ): أشار إلى ذلك في قصيدته العصماء في رثاء بني الأفطس فقال:
وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسنِ أتت بمعضلة الألباب والفِكَر

(1) المنتخب من ذيل المذيَل /15 ط مصر الحسينية.
(2) الفتوح (الترجمة الفارسية) /339 ط الهند.
(3) مقاتل الطالبيين /73 ط مصر تح ـ صقر.
(4) المعجم الكبير 3/71 ط الموصل.
(5) مستدرك الحاكم 3/176.
(6) حلية الأولياء 2/38.
(7) تاريخ الخلفاء ورقة /53 ب ط موسكو سلسلة آثار الآداب الشرقية سنة 1967 برقم 11.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 107

فبعضنا قائل ما اغتاله أحد وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر

2- الزمخشري (ت 538 هـ): ذكر ذلك في ربيع الأبرار(1).
3- أخطب خوارزم الحنفي (ت 568 هـ): ذكر ذلك في مقتل الحسين(2).
4- ابن عبد البر (ت 573 هـ): ذكر ذلك في الاستيعاب وحكى أقوال آخرين في ذلك فراجع(3).
5- ابن عساكر (ت 573 هـ): ذكر ذلك في تاريخ دمشق(4).
6- ابن الجوزي (ت 597 هـ): ذكر ذلك في المنتظم(5).


القرن السابع:

1- ابن الأثير الجزري (ت630 هـ): ذكر ذلك في الكامل وفي أسد الغابة(6).
2- ابن طلحة الشافعي (ت 652 هـ): ذكر ذلك في مطالب السؤول(7).
3- سبط ابن الجوزي (ت654 هـ): ذكر ذلك في مرآة الزمان وفي التذكرة(8).

(1) ربيع الأبرار 4/208 باب (الموت وما يتصل) به ط أوقاف بغداد.
(2) مقتل الحسين 1/136.
(3) الاستيعاب (ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام».
(4) تاريخ مدينة دمشق (ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام».
(5) المنتظم 5/226 ط دار الكتب العلمية، وفي صفوة الصفوة 1/321.
(6) الكامل في التاريخ 3/182 ط بولاق، وفي أسد الغابة في ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام).
(7) مطالب السؤول /70 ط حجرية.
(8) مرآة الزمان، تذكرة الخواص /121 ط حجرية.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 108

4- ابن أبي الحديد (ت 655 هـ): ذكر ذلك في شرح النهج(1).
5- الكنجي الشافعي (ت 658 هـ): ذكر ذلك في كفايه الطالب(2).
6- ابن خلكان (ت 681 هـ): ذكر ذلك في الوفيات(3).
7- المحب الطبري (ت 694 هـ): ذكر ذلك في الذخائر(4).


القرن الثامن:

1- أبو الفداء (ت 712 هـ): في المختصر(5).
2- النويري (ت 723 هـ): في نهاية الأرب(6).
3- ابن الوردي (ت 749 هـ): في تاريخه(7).
4- جمال الدين الزرندي (ت750 هـ): في نظم الدرر(8).


القرن التاسع:

1- الزين عبد الرحيم العراقي (ت806 هـ): ذكر ذلك في مقدمة شرح التقريب وقد جزم به،كما حكاه عنه ابن حجر في الصواعق(9).
2- الدميري (ت 808 هـ): ذكر ذلك في حياة الحيوان(10).

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4/4 ط مصر الأولى.
(2) كفاية الطالب /268 ط النجف.
(3) وفيات الأعيان 2/66 تح ـ إحسان عباس.
(4) ذخائر العقبى /141 ط القدسي.
(5) المختصر في أخبار البشر 1/183.
(6) نهاية الأرب 20/322.
(7) تاريخ ابن الوردي 1/166 ط الحيدرية.
(8) نظم درر السمطين ط النجف.
(9) الصواعق المحرقة لابن حجر /84.
(10) حياة الحيوان 1/85 ط مصر.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 109

3- ابن الشحنة (ت 815 هـ): ذكر ذلك في روضة المناظر(1).
4- المقريزي (ت 845 هـ): ذكر ذلك في النزاع والتخاصم(2).
5- ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ): ذكر ذلك في الاصابة وفي تهذيب التهذيب وفي التقريب(3).
6- ابن الصباغ المالكي (ت 855 هـ): ذكر ذلك في الفصول المهمة(4).


القرن العاشر:

1- السيوطي (ت 911 هـ): ذكر ذلك في تاريخه(5).
2- الخزرجي (ت923 هـ): ذكر ذلك في خلاصة تهذيب الكمال(6).
3- ابن حجر الهيتمي (ت 974 هـ): ذكر ذلك في الصواعق وحكى أسماء من جزم بذلك(7).


القرن الحادي عشر:

1- الصفوري (ت 1043 هـ): ذكر ذلك في نزهة المجالس(8).

(1) المطبوع بهامش تاريخ ابن الأثير 11/132 ط بولاق.
(2) النزاع والتخاصم.
(3) الإصابة 1/331 ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام)، تهذيب التهذيب 2/300، تقريب التهذيب 1/55.
(4) الفصول المهمة /107 ط حجرية.
(5) تاريخ الخلفاء /129.
(6) خلاصة تهذيب التهذيب الكمال /67.
(7) الصواعق المحرقة /83 ـ 84.
(8) نزهة المجالس 2/192.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 110

2- ابن علاّن الصدّيقي (ت1057هـ): ذكر ذلك في شرح رياض الصالحين(1).


القرن الثاني عشر:

1- الأمير حيدر الشهابي (ت 1143 هـ): ذكر ذلك في الغرر(2).
2- الشبراوي (ت 1171 هـ): ذكر ذلك في الاتحاف(3).


القرن الثالث عشر:

1- الشرقاوي (ت 1227 هـ): ذكر ذلك في تحفة الناظرين(4).
2- عباس محمود العقاد: ذكر ذلك في كتابه أبو الشهداء(5).
أضف إليهم من غير المسلمين: رزق الله منقريوس في تاريخه (دول الإسلام)(6)، وميخائيل شاروبيم بك في (الكافي تاريخ مصر)(7)، فهؤلاء جميعاً نيّفوا على الخمسين وليس بينهم شيعي واحد سوى ابن أعثم الكوفي فقد قيل بتشيعه وليس كذلك. كلّ هؤلاء ذكروا سمّ الإمام الحسن (عليه السلام) وفيهم من صرّح بتدسيس معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس ومنهم من رأى ذلك بتدسيس من يزيد.
ومهما يكن أمر ذلك فهو ثابت لا مجال للقول بأنه من حديث الشيعة كما زعمه ابن خلدون.

(1) شرح رياض الصالحين 1/196.
(2) الغرر الحسان 1/54.
(3) الاتحاف بحب الأشراف /57.
(4) تحفة الناظرين بهامش تاريخ الاسحاقي /69.
(5) أبو الشهداء /128.
(6) دول الإسلام 1/53.
(7) تاريخ مصر 2/87.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 111

تحقيق: أين كان ابن عباس عند موت الحسن (عليه السلام)؟

لقد ذكر البلاذري في أنساب الأشراف ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) فقال: «حدّثني عباس بن هشام، عن أبيه عن جده عن أبي صالح قال: قدم معاوية مكة فلقيه ابن عباس. فقال له معاوية: عجباً للحسن شرب عسلة طائفية بماء رومة فمات منها! فقال ابن عباس: لئن هلك الحسن فلن ينسأ في أجلك، قال: وأنت اليوم سيّد قومك. قال: أمّا ما بقي أبو عبد الله فلا»(1).
فهذا الخبر على ما في سنده من هناة إلاّ أنّه مقبول في الجملة لموافقة عدة أخبار له في ذكر جواب ابن عباس فهو ممّا يؤكد أنّ لقاءاً تم بين ابن عباس ومعاوية بعد موت الحسن (عليه السلام) وكان بمكة، ولكن لا يشعر ذلك بأنّه أوّل لقاء كان بينهما. غير أنّ البلاذري ساق بعده خبراً آخر مسنداً فقال: «المدائني عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان قال: لقي معاوية ابن عباس بمكة فعزّاه عن الحسن فقال: لا يسوءك الله سوءاً يا أبا العباس، فقال: لن يسوءني الله ما أبقاك يا أمير المؤمنين. فأمر له بمائة ألف درهم ـ قالوا ـ وبأكثر من ذلك وبكسوة».
ثمّ قال البلاذري: «وسمعت من يحدّث أنّ وفاة الحسن اتت معاوية وعنده ابن عباس فقال له: عجبت للحسن شرب عسلاً بماء رومة فمات، وعزى ابن عباس عنه فقال: لا يسوءك الله فقال ابن عباس: لا يسوءني الله يا أمير المؤمنين ما أبقاك، فأمر له بألف ألف درهم»(2).
فنحن الآن أمام هذه الأخبار الثلاث، وعند الموازنة بينها نجد الثالث أوهاها حجة لإرساله، وأمّا الأوّل والثاني فمع الإغماض عمّا في سنديهما من هناة كما

(1) أنساب الأشراف 3/62 تح ـ المحمودي.
(2) نفس المصدر /63.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 112

ستأتي الإشارة إليهما، إلاّ أنّ ما سيأتي من حضور ابن عباس عند الإمام الحسن (عليه السلام) وسماعه وصيته لأخيه الحسين (عليه السلام): ثمّ مشاركته في تغسيل الإمام وتشييعه، وموقفه مع عائشة ومع مروان في ممانعتهما من دفنه عند جده، فكلّ هذا يؤيد وجوده في المدينة عند موت الإمام، وقد لا يمنع من أن يكون التقى معاوية بمكة ـ كما مرّ عن البلاذري ـ فإنّ موت الإمام كان سنة خمسين كما في خبر أبي بصير في الكافي وهو أظهر الأقوال ـ أو إحدى وخمسين كما عن ابن قتيبة وغيره وهو أبعد الأقوال، وإذا علمنا بأن معاوية قد أتى الحجاز سنة 50، فيمكن أن يكون اللقاء قد تمّ بينه وبين ابن عباس بمكة بعد الإمام الحسن (عليه السلام) لكن حديث وجوده بالشام عند موت الإمام الحسن (عليه السلام) وإن لم يثبت بسند قوي قد يمنع من ذلك اللقاء بمكة، نعم إن قلنا إنّ الثابت هو حضوره بالشام بعد موت الإمام لا في حينه، وقد جرى بينه وبين معاوية من الكلام كسائر ما كان يجري بينهما من الخصام، أغلظ فيه ابن عباس في الكلام كما سيأتي خبر ذلك، فلا مانع من الجمع بين حضور ابن عباس المدينة وحضور الشام.
والآن إلى حديث حضوره عند الإمام في احتضاره وروايته للوصية وما يتبع ذلك، ثمّ تعقيبنا على ما مرّ عن البلاذري فيما جرى من الكلام:


رواية ابن عباس في موت الإمام:

أخرج الشيخ الطوسي في آماليه(1)، وفي عيون المعجزات المنسوب للمرتضى، والشيخ أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم محمّد بن عليّ الطبري في كتابه بشارة المصطفى(2) وغيرهم، واللفظ للأول:

(1) أمالي الشيخ الطوسي /99 ط حجرية سنة 1313 و 1/159 مط النعمان.
(2) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى /334.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 113

قال: «حدّثنا أبو الحسن عليّ بن بلال المهلبي قال: حدّثنا مزاحم بن عبد الوارث ابن عباد البصري بمصر قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي قال: حدّثنا العباس بن بكار قال: حدّثنا أبو بكر الهلالي عن عكرمة عن ابن عباس.
قال الغلابي: وحدّثنا أحمد بن محمّد الواسطي قال: حدّثنا عمر بن يونس اليمامي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: وحدّثنا أبو عيسى عبيد الله بن الفضل الطائي قال: حدثنا الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) قال: حدثني محمّد بن سلام الكوفي.
قال ـ الغلابي ـ: حدّثنا أحمد بن محمّد الواسطي قال: حدّثنا محمّد بن صالح ومحمّد بن الصلت قال: حدّثنا عمر بن يونس اليمامي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
(حضوره الوصية)
قال: دخل الحسين بن عليّ (عليهما السلام) على أخيه الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في مرضه الّذي توفي فيه فقال له: كيف تجدك يا أخي؟ قال: أجدني في أوّل يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا، وأعلم أنّي لا أسبق أجلي، وأنّي وارد على أبي وجدي (عليهما السلام) على كره مني لفراقك وفراق إخوتك وفراق الأحبة، وأستغفر الله من مقالتي هذه وأتوب إليه، بل على محبّة مني للقاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ولقاء فاطمة وحمزة وجعفر (عليهم السلام)، وفي الله (عزّ وجلّ) خلف من كلّ هالك، وعزاء من كلّ مصيبة، ودرك من كلّ ما فات.
رأيتُ يا أخي كبدي آنفاً في الطست، ولقد عرفتُ من دهاني ومِن أين أتيت، فما أنتَ صانع به يا أخي؟

موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 114

فقال الحسين (عليه السلام): أقتله والله. قال: فلا أخبرك به أبداً حتى نلقى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). ولكن اكتب: هذا ما أوصى به الحسن بن عليّ إلى أخيه الحسين بن عليّ أوصى انّه يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّه يعبده حقّ عبادته لا شريك له في الملك، ولا وليّ له من الذلّ، وأنّه خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا، وأنّه أولى مَن عُبِد، وأحق مَن حُمِد، من أطاعه رَشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى.
فإنّي أوصيك يا حسين بمَن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلَفاً ووالداً، وأن تدفنني مع جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإنّي أحق به وببيته ممّن أدخل عليه بيته بغير إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده. قال الله تعالى فيما أنزله على نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كتابه: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ » (1) فوالله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده.
فإن أبت عليك الإمرأة فأنشدك بالقرابة الّتي قرّب الله (عزّ وجلّ) منك والرحم الماسّة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن لا تهريق فيّ محجمة دم حتى نلقى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده ثمّ قبض (عليه السلام).
(مشاركته في تغسيل الإمام)
قال ابن عباس: فدعاني الحسين (عليه السلام) وعبد الله بن جعفر وعليّ بن عبد الله ابن العباس(2) فقال: أغسلوا ابن عمكم، فغسّلناه وحنّطناه وألبسناه أكفانه، ثمّ

(1) الأحزاب /53.
(2) لا يخفى ان عمره يومئذ 11سنة، فلعله كان يناولهم الماء، كما صنع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في تغسيل الزهراء (عليها السلام) حين كان الحسين يناوله الماء وعمره سبع سنين يومئذ.

السابق السابق الفهرس التالي التالي