آيات فضلك كلّها عنوان |
|
مهما أنتقيتُ فإنّه البرهان |
فبليغ نطقك دونه سحبان |
|
وحديث زهدك كلّه إيمان |
وعلو كعبك دونه الكيوان |
|
فشذت صفاتك كلّها ريحان |
من أين أبدأ في حديثي كلما |
|
خايرتها يتميّزُ القرآن |
|
*** |
|
تلك الحقيقة قد بدت مزهوة |
|
كالشمس واضحة لديّ عيان |
يا حافظاً دون البلوغ لمحكم |
|
ومفسّراً فيما أتى التبيان |
يا ترجمان الوحي أنت وعيته |
|
حفظاً ومعنى واستبان لسان |
يا حبر أمتنا بنعتٍ صادق |
|
هل يُنكرنْ نور الذَكا إنسان |
يا بحر علمٍ قد أفضتَ معارفاً |
|
زخرتْ بطوفان الهدى الوديان |
فلأنتَ ربانيّ أمة أحمد |
|
فيما حُبيتَ شهيدُك الفرقان |
يُفني البِلا جسداً ويبقى بعده |
|
للمرء ذكرٌ ما أتت أزمان |
يحيى بذكر الخالدات لدى الورى |
|
تُروى ليَحيى ذكرَها الإنسان |
يا راسخاً في العلم زيّنه التقى |
|
علماً وحلماً زانك الإيمان |
فاهنأ أبا العباس يزجيك الثَنا |
|
صوراً صحاحاً دونها البرهان |
أخلاقك الغراء شعّت رفعة |
|
أنوار علمك زَيتها القرآن |
إيهاً أبا العباس هذي مدحتي |
|
مني الفخار ومنكمُ الإحسان |
|
*** |
|
يا ناهلاً للعلم من صفو الهدى |
|
بمدينة وببابها تزدان |
فقتَ الصحابَ بما سمعتَ وعيتَه |
|
لم تلهك الأسواق والبعران |
فمدينة العلم النبيّ صحبته |
|
فسبقتَ من سبقت به الأسنان |
وحباك من نبع النبوة منهلاً |
|
ما زال ثراً سيله غُدران |
ونعمتَ في بيت النبوة برهةً |
|
فتقاصرت عن شأوها الأزمان |
لا غروَ لو فقتَ الصحابَ روايةً |
|
قلبٌ عقولٌ بالسؤال لسان(1) |
أنّى يكون السابقون دراية |
|
لو وازنوك لما استوى الميزان |
|
*** |
|
إيه ابن عباسٍ فدعني سائلاً |
|
عما كتبتُ فهل به بهتان |
هل صحّ عندك ما رأيتَ وما روي |
|
فيما أتى الشيخانِ أو نكران |
كيف المواثيق الّتي قد أبرمت |
|
عهد النبي، وبعده مَن خانوا |
أفهل رأوا في هجرها ومرخَّصاً |
|
منع الوصيةِ مَن هم الخوّان |
إيهاً عصيّ الدمع حدّثنا بما |
|
أشجاك حتى فاضت العينان |
تبكي الرزية حين قالوا ضلة |
|
قلبَ النبيّ أصابه الهُجران |
لم ذا التنازع وهو ينشد صحبَه |
|
صُمّت لهم عن سمعه آذان؟ |
ماذا جرى حتى أرقت على الثرى |
|
دمعاً تحدّر قيل فيه جُمان؟ |
لولاك ما عُرف الحديث وشأنُه |
|
كم ذا المعالمُ لفّها الكتمان |
أو ليس في يوم الغدير ولايةً |
|
مشهودةً قد لفّها النكران؟ |
حدّث أبا العباس فيما قد جرى |
|
قد كنت في البيت الّذي قد كانوا |
هل صحّت الأخبار حين أتوكم |
|
بالجزل حتى قد بدا الدخان |
أفهل رأيتَ عجاجةً لم يّطفها |
|
غير الدماء يقولها سفيان؟(1) |
كثر الحديث وما أتى من نثّه |
|
فيه الأسى فليطوه النسيان |
|
*** |
|
حدّث لمن عايشت بعد محمّد |
|
عن خير مَن سادت به عدنان |
حتى إذا مات النبيُّ لزمتَ مَن |
|
هو نفسُه وشهيدك القرآن |
صاحبته طفلاً وكهلاً شاخصاً |
|
سلماً وحرباً ضمكم تحنان |
حدّث أبا العباس عمّا قلته |
|
كم نفثة صُكّت لها الآذان |
فوقفت في صفّ الإمام تحوطه |
|
حرفاً وسيفاً ما أقتضى الميدان |
ونصرت حيث الخالفين تقدموا |
|
بمواقف هاجت لها الأحزان |
حاججت في أمر الإمامة عصبةً |
|
جحدت بما قد شاده القرآن |
أخرستَ كلّ الناعقين بحجة |
|
لكنّ هاشم حظُها الحرمان |
فكعمتَ فاغرةً تلجلج منشداً |
|
فيما يوسوس نُشدها الشيطان |
واه ابن عباس يقول مخاصمٌ |
|
وخصمتَه بالحقّ وهو مدان |
كم معشر سبقوا ووافى بعدهم |
|
مَن سار سيرهُم فهم أعوان |
ما كنتَ يوماً ناكصاً عن موقف |
|
قد شدّ مقولك القويمَ جَنان |
حقاً إذا ما عشتَ تبقى ماثلاً |
|
في الخالدين مواقفاً تزدان |
|
*** |
|
يا خير من عاش الزمان مكابداًً |
|
عَنَتَ الحوادث إذ يفيء زمان |
صلب العقيدة في المواقف كلّها |
|
إن يُقتدح زند له نيران |
خبّر عن الأمر الذي قد جاءكم |
|
من بعد غاشية الخنوع فدانوا |
ثارت شقاشقُ فاستثارت عصبةٌ |
|
فعلا النعيقُ وصاتت الغربان |
وتحزّبت فرق الضلال يسوقها |
|
طمعٌ وتعلو فوقَه الأضغان |
وعلا نعيقُ بالشئام يجيبه |
|
يرغو رغاءً عسكرٌ شيطان |
حدّث لنا عن ذي الحروب وما بها |
|
من محنة طالت بها الأزمان |
هبّت ظعينة أحمد في هودج |
|
سارت فسار بسيرها الركبان |
مرَحَى أبا العباس كنت موفّقا |
|
في كل ما تخطو لك الإذعان |
كم مرة جئت الزبير مناصحاً |
|
ولطلحة ولمثلهم من خانوا |
فلقد نصحتَ الناكثين ومذ أبوا |
|
يوم الهياج شهيدُك الميدان |
ونهضتَ في تلك الضروس مجاهداً |
|
بضُبا جهادك حجةٌ وسنان |
يكفيك من ناءت بحجتك البكا |
|
تبكي وتبكي عندها النسوان |
أبدت لك الأضغانَ من مكنونها |
|
الله ماذا تفعل الأضغان |
|
*** |
|
إيهاً أبا العباس حدّث ما جرى |
|
في حرب صفّينٍ ومن ذا كانوا |
حيث الطليق مع اللصيقَ تناغما |
|
في حربكم مذ تعبد الأوثان |
كم أشعلوها في القديم بليّةً |
|
طالت وعمّت واستعزّ كيان(1) |
حتى إذا الإسلام طنّب ضارباّ |
|
تلك الرؤوسَ فساقَها الإذعان |
جاءت إلى الإسلام تبغي مكسباً |
|
من بعد شركٍ حظه الخسران |
عصبت علياً بالدماء أراقها |
|
في يوم بدر قالها عثمان(2) |
وأتى ابن هند كافراً بقتاله |
|
حتى قضى ما بلّه الإيمان(3) |
يا حبر يا من يستلذّ لسامع |
|
تروي له ما ضمّه الميدان |
نازلتَ عمرواً والوليد وغيره |
|
وشهيدك البتارُ والخرصان(4) |
وبفتنة الحكمين ساء مسارُها |
|
مضريةٌ نقّت فنقَّ يمان |
وتجاوبت أصداءَ كل مرنّة |
|
بلهاءُ شاكيةً لها إرنان |
كنت المرشّح والمفضّل عندهم |
|
لكن أبوا مذ ساقهم عصيان |
فتباريا الحكمان هذا خادع |
|
خبّ وذاك مغفّلٌ حيوان |
وإذا العراق رهينة في حكمهم |
|
خسروا الرهان إذا همُ إرهان |
فتشتتوا زمراً وكنت رقيبَهم |
|
تبغي الهدى ورقيبَهم شيطان |
وسرت ركابُهم على غير الهدى |
|
تُحدى كأنّ مسيرهم كوفان |
لكنهم نزلوا حروراء انتهى |
|
أمر الحكومة فابتدا الإعلان |
فأتيتَ نحوهم بأمر بالغٍ |
|
حتى استجاب إلى الهدى من دانوا |
وبقيتَ ترقبهم وتلك عصابة |
|
مرقت من الدين الحنيف فبانوا |
|
*** |
|
إيهاً أبا العباس خبّر ما جرى |
|
لعصابة المرّاق مهما كانوا |
عاثوا فساداً وانتهوا بجموعهم |
|
في النهروان يسوقهم شيطان |
ولئن نجا مَن فرّ عاد مكايداً |
|
فتحالفوا قسماً عتاةً مانوا |
فأتوا بفاجعة الصيام وجلّلو |
|
بسوادهم واظلمّت الأكوان |
وهنا أبا العباس رغم رزية |
|
متجلداً لم تلهك الأحزان |
فحمدتَ مشكوراً تعيد لأمةٍ |
|
سفّت وطارت واستشاط دخان |
ودعوتَ للسبط الزكي مبايعاً |
|
حتى استجابوا وليتهم ما خانوا |
فبقيتَ تسترعي المواقف خلسة |
|
بالشام حيث مقرّه السلطان |
أصحرتَ في كلّ المواقف ناصراً |
|
آل النبيّ وأنّك المعوان |
ولكم دمغتَ الخصم حجةَ بالغ |
|
مهما تزايد جمعُه الخُوّان |
ونصرتَ للسبط الشهيد مناصحاً |
|
فيما رأيت وفاتك النشدان |
لولا الشهادة للحسين كما ترى |
|
ما انفّكّ حزنُك، ما أتى السلوان |
آهاً أبا العباس عشت مكابداً |
|
فقد الحبيب وما أتى العدوان |
|
*** |
|
ماذا لقيتَ من الأذى من معشر |
|
عُفُنِ الرؤوس وعشعش الشيطان |
فبقيت ترزح تحت كلّ بلية |
|
طخياءَ قد جاءت بها الأوثان |
فبنى على ظلم النبيّ وآله |
|
جورُ ابن هند واعتلى البنيان |
فيزيدهُم حَكَم البلاد بكفره |
|
وأتى بما لم يطوه النسيان |
قتَلَ الحسين وذاك أعظم فادح |
|
مترنّما شعراً به الكفران |
وغزا المدينة واستباح حريمها |
|
وغزا لمكّة هدّه الرحمن |
وتسافلت فرص الحياة فساسها |
|
أسفاً وتعساً إذا أتى مروان |
وابنُ الزبير وذاك رجس عائذ |
|
بالبيت قد ضجّت به الأركان |
فلقد نفاك وكان آخر ظلمه |
|
تباً له إذ حظّه الخسران |
ذهب الذين تهضّموك بظلمهم |
|
فجزاؤهم يوم الجزا النيران |
وبقيتَ حياً في العلوم لقارئ |
|
هذا ابن عباس يشير بنان |
هذا ابن عباس تجده ماثلاً |
|
ملأ القماطر كلها أعيان |
يكفيك حياً أن تعيش مخلّداً |
|
إذ ليس من بعدِ العيان عيان |
حزتَ الخلودَ وزادك الإيمانُ |
|
ومضى العتاة نصيبهم خسران |
|
*** |
|
عذراً أبا العباس هذي نفثةٌ |
|
تخز الضلوعَ ونارُها حَرّان |
فأقول من أسفٍ تصاعدَ حزنُه |
|
حتى استشاط بأن يبوح لسان |
صرتَ الضحية للعدو وللأولى |
|
ما أنصفَ الأعداءُ والخلاّن |
عصفت رياح بالعداوة لم تدع |
|
حصناً سليماً أو يُرى بنيان |
سنّوا مسبّتكم وتلك رزيةً |
|
باءت بها الأعداء والولدان |
خصمان في أمر الخلافة أنحلا |
|
الآباء كلَ رزية تُختان |
فالمكرماتُ تبدلت أضدادَها |
|
وغدا هجين يصطفيه هجان |
وتسابقا بالطعن حتى أنّهم |
|
مَن دان مَن يبغي عليه يُدان |
فلقد جرتْ عبر العصور مصائبٌ |
|
كانت مناقبك العُلا أثمان |
لولا بنوك وقد أساؤا سيرة |
|
في آل أحمد ما أتى البرهان |
فأبثها شكوى وقلبيَ مؤمن |
|
أني نصرتُ وملؤه إيمان |
حسبي بما حبّرتُ فيك موضّحاً |
|
أخطاءَ من بَهتوا عليك فدانوا |
مستشرفاً وَضَح الحقيقة معلنا |
|
للناس أن الحق فيه بيان |
والله بصّركم عمايةَ مغرضٍ |
|
من نسج أعداء لهم أضغان |
لا تعجلوا بالقدح إن وراءكم |
|
يوم الحساب سينصبُ الميزان |
|
*** |
|
يا خير من نصر الوصيّ مشايعاً |
|
عمراً طويلاً كله تحنان |
إيهاً أبا العباس يهنيك الولا |
|
من خير خاتمة حوى إنسان |
فولا علي وهو خير وسيلة |
|
قربىً وزلفى يرتضي الرحمن |
ولقد عملتَ بما علمتَ وقد أتى |
|
من أحمدَ المختارِ فيه بيان |
طوبى أبا العباس قد جزت المدى |
|
في كلّ شوط في الدنا تزدان |
|
*** |
|
يا حبرُ يا من يستريح محدِّث |
|
يروي حديثَك كله عرفان |
فلكم نشرتَ من العلوم صحائفاً |
|
متلوةً تعنو لها الأذقان |
ولكم هديتَ من الضلالة حائراً |
|
لم يستبن سبل الهدى حيران |
ولكم كشفتَ من الغوامض سرّها |
|
للناس من آي حوى الفرقان |
لا غرو لو عشتَ القرون مخلدا |
|
ذكراً حميداً كلّه إحسان |
فلأنتَ حي في فنون معارف |
|
بصحائف لم تبلها الأزمان |
|
*** |
|
يا مجزل الإحسان برّك واسع |
|
كالغيث قد سالت به الوديان |
عفواً إذا ما كنت فيك مقصّراً |
|
ومبيّناً ما شابه النقصان |
هذا جناي وما جنيتُ مجازفاً |
|
فلقد أتيتُ بما أتى البرهان |
خمسون عاماً قد دأبتُ وممعناً |
|
في البحث حتى ملّني الأخوان |
حسبي بهذا أن يكون بضاعتي |
|
أرجو بها أن يثقل الميزان |
فتثيبني عند النبيّ شفاعةً |
|
ولدى الوصي مكانةً ازدان |
ويضمني والحبر أقربُ منزل |
|
عند الآله وعفوه الغفران |
أنت الشفيعُ فلا تخيّب حاجتي |
|
حيث الشفيع وبرّه الإحسان |
لا شك ترعاني وترعى صحبتي |
|
حسبي بما قد قلت فيك ضمان |
|
*** |
|
يا حبر أمتي المجيدة إنّني |
|
ما زلت بالحقّ السنيّ أُزان |
ها قد حبوت لباب قبري شاخصاً |
|
نحو السماء ليعفو الرحمان |
وقطعتُ من عمري سنيناً نيّفت |
|
ما قد قطعتَ وجازه الحسبان |
والمرء مهما قيل فيه معمَّر |
|
لابدّ يوماً ينتهي الإنسان |