دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 1




دائرة المعـارف الحسينيـة
ديوان
الأبـوذيـة
( الجـزء الاول )


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 2




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 3


دائرة المعارف الحسينية

ديوان
الأبوذية

( الجزء الأول )

محمد صادق محمد
( الكرباسي )

المركز الحسيني للدراسات
لندن ـ المملكة المتحدة


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 4


الطبعة الأولى
1418 هـ ـ 1997م


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 5

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى(2) آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيم وآلَ عمرانَ على العالمين ، ذريّة بعضها من بعضٍ واللهُ سميعٌ عليم(3) ، إنّه لقول رسول كريم(4) ، إني لكم رسولٌ أمين(5) ، أبلغكُم رسالات ربّي و(6) لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى(7) وآتِ ذا القُربى حقّه(8) ذلك خيرٌ للذين يُريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون(9) .

صدقَ الله(10) العليّ العظيم (11)


(1) سورة النمل ، آية : 30 .
(2) سورة النمل ، آية : 59 .
(3) سورة آل عمران ، آية : 33 ـ 34 .
(4) سورة الحاقة ، آية : 40 .
(5) سورة الشعراء ، آية : 107 .
(6) سورة الأعراف ، آية : 62 .
(7) سورة الشورى ، آية : 23 .
(8) سورة الأسراء ، آية : 26 .
(9) سورة الروم ، آية : 38 .
(10) سورة آل عمران ، آية : 95 .
(11) سورة البقرة ، آية : 255 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 6

قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم :

« إن الحسين مصباح هدى
وسفينة نجاة
وإمام خير ويمن
وعز وفخر
وبحر علم وذخر »
(1)

وصدق رسوله الكريم

(1) عيون اخبار الرضا : 2/ 62 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 7

مقَدّمة النَاشر

لو قُيَّضَ لهضبات كربلاء ورباها أو الرمال التي عليها أن تنطق فبماذا ستنطق ؟ وبماذا كانت ستجيب لو سُئلت عن يوم العاشر من المحرم . ولو استطاع العقل البشري في يوم ما من قرننا هذا أو القرن الواحد والعشرين أن يصنع أجهزة يمكنها أن تنقل أحداث التاريخ كما جرت بالصورة أو بالصوت . فماذا كنا سنرى وماذا كنا سنسمع ؟ وكيف سيكون حزننا حينئذ ؟
تنقل لنا صفحات التاريخ أن رُبى كربلاء بكت في يوم العاشر من المحرم على الحسين الشهيد ، بكت بدل الدموع دماً ، فما رُفع حجر يومها إلا ووجد تحته دم عبيط . إن رمال كربلاء التي لامستها وجنة سيد الشهداء لهي أرق وأحنى على إمام زمنها من قلوب الذين قتلوه .
لا أعتقد بأن امرءاً منصفاً ذا ضمير حي أحب الحق والحقيقة يمكنه أن يسمع أو يرى تلك المأساة الكبرى ، والنكبة العظمى والصفحة السوداء في تاريخ الإنسانية . وإن أمكنه أن يرى أو يسمع ، فهو حينها لا بد وأن يبكي بدل الدموع دماً ، ولا بد له من أن يعلن الإنتماء المطلق لذلك الإمام العظيم بلا أي قيد أو شرط . لا بد وأن يعلن الإنتماء المطلق لذلك الإمام العظيم الذي أراد لدين الله الحياة فاستشهد دون ذلك ، لذلك الإمام الذي بكى في كربلاء لا حزناً على نفسه أو على أهل بيته وأصحابه ، بل على أمة ستدخل النار بسبب قتله .
وهكذا ما فتئت نهضة الإمام الحسين عليه السلام وما أنجبته من مأساة دوّنها التاريخ بحروف من دم ، ما فتئت ومنذ العاشر من المحرم عام 61 للهجرة وحتى يومنا الحاضر في القرن الخامس عشر للهجرة تكبر وتنمو في وجدان المحبين لأبي الأحرار الحسين ، وتزداد حضوراً واتساعاً لتطاول وجدان الأمم الأخرى انتمت لخط الحسين عليه السلام أم لم تنتم .
هذا النمو وذلك الإتساع ما سببهما ؟ هل يكفي الجانب المأساوي في واقعة كربلاء لينجب كل هذا الحضور في وجدان الأمة وشعوب الأرض ، بالتأكيد إن هذا الحضور ينجبه إتحاد جوانب عدة . فإذا ما اتحد جانب المأساة وجانب الرفض لتشويه الدين والسعي إلى تصحيحه وإحيائه ، وجانب الرفض للظلم والسعي لقتله وإفنائه ، وجانب عظمة شخصية القائد وانتمائه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجانب معاناة البشرية اليوم من الظلم لأمكن القول إنها ، أي هذه الجوانب هي التي أنجبت هذا الحضور وأنمت تلك النهضة وأعطتها ذلك الإتساع والحضور في وجدان الأمم والشعوب فكانت نهضة الإمام الحسين عليه السلام هي النهضة القدوة والأمثل ، وكانت شخصية

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 8

الإمام الحسين عليه السلام كقائد حر أبي مدافع عن دين الله ومقاوم للظلم والطغيان هي الشخصية القدوة والأمثل .
وبعد .. إن المتصفح لهذا الكتاب( ديوان الأبوذية ) سيرى أنه يتناول لوناً من ألوان الشعر الشعبي العراقي الذي يتميز بألوانه وأوزانه المتعددة ، فالشعر الشعبي سواء كان عراقياً أو غير عراقي ، هو واحد من أوجه الأدب الشعبي المتعددة ، والذين يستطيع من خلاله الدارس له أن يستخلص مزايا حضارة هذا الشعب وتقاليده وعاداته ومشاربه .
وشعر الأبوذية وهو ما يهمنا الآن من ألوان الأدب الشعبي المتعددة لم يبعد عن الشعر القريض في طرقه للأبواب المتنوعة للشعر من الغزل إلى المديح والرثاء والفخر والحماسة ، وقد شكل الشعر الشعبي في العراق وبعض الدول العربية بألوانه المتعددة العنصر الأساسي الثاني إلى جانب الشعر القريض في المجالس واللطميات الحسينية .
وهذا الديوان وغيره من الدواوين التي ستضمها هذه الموسوعة في اللهجة الدارجة والتي ستصدر تباعاً إن شاء الله تعالى تشكل بحد ذاتها دراسة كاملة وشاملة عن الأدب الشعبي كما سيلاحظ القارئ أو الباحث من مقدمة هذا الديوان ، كما أن هذا الديوان هو ليس أول جزء من أجزاء الشعر الشعبي بل يمكن القول إن كل ديوان من دواوين الشعر الشعبي في هذه الموسوعة سيكون معنوناً أو متناولاً للون من الألوان والأوزان الشعبية ، وبعضها سيقع في أكثر من مجلد كما هو الحال في ديوان الأبوذية .
ولا بد أن نشير هنا إلى ان مؤلف هذه الموسوعة خصص وبشكل عام جزاءاَ كاملاً للشعر الشعبي بحث في اللغة الدارجة وتاريخها ودورها وبتاريخ الشعر الشعبي وأنواعه وغير ذلك من الأمور .
إن هذا المؤلف هو أول عمل فريد من نوعه حيث لم يسبق ان وضعت أو ألفت دراسة بهذا الشكل وبهذه الشمولية والاتساع حول الشعر الدارج ، كما يمكننا التأكيد بأن عمل المؤلف هذا هو بمثابة دمج لحضارتين كانتا بعيدتين عن بعضهما زمناً طويلاً ، حيث سعى المؤلف للتقريب بينهما حين بحث عن جذور الكلمات الواردة في الشعر الشعبي في العربية الفصحى والشعر القريض .
في ختام هذه المقدمة يهمنا أن نلفت إلى ما سبق وأشرنا إليه في بعض مقدمات الأجزاء التي طُبعت حتى الآن ، وهو ان هذه الموسوعة مجموعة من الكتب المستقلة لذا لا ينافي طبع واصدار هذه الأجزاء من ديوان الأبوذية إلى جانب الإستمرار بطبع وإصدار دواوين الشعر القريض عن كل قرن وسنكمل بقية الأجزاء من الموسوعة بعون الله وتوفيقه ومنه نستمد العون والتأييد والحمد لله رب العالمين .

6/ صفر / 1418هـ
11/ حزيران / 1996م


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 9


قسم

الحسين في الشعر العربي الدارج


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 10




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 11

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله الذي جعل الحمد ثمنا لنعمائه
والصلاة على رسوله وفاء لحسن أدائه
والسلام على ذوي القربى تلبية لندائه

لندن
محمد صادق
ربيع
1416هـ ـ 1996م .


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 12




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 13

تمهيد

الأبوذية (1) :
إن الشعر الدارج كما سبق وتحدثنا عن ذلك له ألوان متنوعة كما له أبحر مختلفة ومن تلك ما يسمى بالأبوذية وتخفف فيقال بوذية (2) وتفخم فيقال عبودية او أعبودية كما هو معروف عند البغداديين (3) ولا شك ان كلمة أبوذية عند الأكثر مركبة من كلمتين( أبو + ذية ) كما لا شك ان الكلمة الأولى منهما تعني ذو في الفصحى حيث تقول العامة للبطين أبو بطن أو أبو كرش مثلاً أي ذو بطن وذو كرش ومن البعيد جداً أن يراد بها الكنية حيث لم يتطرق أحد إلى ذلك أولاً ولان المتبادر عند العامة من كلمة أبو في غير الأعلام الصاحب ثانياً .
وأما الكلمة الثانية( ذية ) فحقيقتها مجهولة حيث لم نوفق لحد الآن من الجزم بمعناها . فهناك من يقول بأنها مخففة عن أذية حيث أن هذا النوع من الشعر لا ينظم إلا في حالة الاذى فيكون المعنى صاحب الاذية فحورت الى ابوذية او بوذية خفة على اللسان كما هو المتعارف في اللهجة الدارجة . ولعلهم ذهبوا الى ذلك لان منشئها او منشدها عادة يتغنى بها حينما يشعر بالألم والضيق (4) وعلى هذا فالتسمية جاءت متأخرة من بدء تأريخها واستنتجت من كثرة استخدامها في حالة الأذى .

(1) الأبوذية : حتى على رأي من قال بأنها مركبة من أبو فهي لا تعرب هنا لأنها من كلام العامة ومن ذية وهي بكسر الذال المعجمة وتشديد الياء المفتوحة وفي الآخر تاء مربوطة .
(2) كما أورده الحنفي في حرف الباء من كتاب معجم اللغة العامية البغدادية : 2/ 152 .
(3) راجع معجم اللغة العامية لجلال الدين الحنفي البغدادي : 1/ 70 الطبعة الحديثة .
(4) العروض في الشعر الشعبي العراقي : 72 ، وقال الكرملي في مجلة لغة العرب البغدادية العدد : 9 / السنة : 5 / الصفحة : 514 / التاريخ : آذار 1928م « ذية =
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 14

وهناك من يقول بأن أصلها( ذي + يه ) (1) أي أنها صاحبة يه حيث ان الشطر الأخير منها لا بد وأن ينتهي بـ( يه ) وليس هناك شعر يلتزم بـ( يه ) إلا الأبوذية ، ولكن في مثل هذا لا بد أن يقال أبو يه أو ذو ية وتحويرها إلى أبوذيه أو بوذيه فيه نوع تكلف حيث فيه تكرار لمعنى الصاحب إذ أن أبو وذو كلاهما بمعنى واحد ولا حاجة بهما معاً.
ولعل آخرين قالوا بأن أصلها أبوهيه وهيه عند العامة تصغير الهاء حيث أن الشطر الأخير ينتهي بهاء غير منقوطة (2) ، وهذا أيضاً ليس بشيء .
وهناك من يقول بأنها محرفة من عبودية (3) نسبة إلى القبيلة العربية عبودة (4)حيث اشتهرت بنظمها والتغني بها ، فقلبت العين ألفاً للتخفيف كما في « عبادان » بينما قلبت الدال ذالاً كما هو متعارف عند العامة حيث تقول شاذي في شادي ، ويؤيد ذلك أن البغداديين يقولون للأبوذية أعبودية أو عبودية ولكن في قلب العين تكلف إذ القلب في مثل عبادان من إحداث الفرس واللهجة العراقية هي بخلاف اللبنانية لا تميل إلى الرقة بل إلى الخفة فقط دون الرقة فاللبنانيون يقلبون القاف ألفاً والعراقيون يقلبونها گافاً( g ) .
ويرى بعض من قال أن أصلها العبودية هي نسبة إلى حسين العبادي (5) ولكن النسبة إليه عبادية وفي قلب الألف واواً في مثل هذا المقام تكلف ،

= تخفيف أذية لأن ناظم تلك الأبيات ينطق بها بعد أن يصاب بأذية خارجة كانت أم باطنة عقلية أم جسدية ، أدبية أو حسية أو أنه يحاول التأثير في نفوس الغير بما يؤذيها » .
(1) معجم اللغة العامية الطبعة القديمة : 1/ 38 وفي الطبعة الحديثة منه : 2/ 70 يقول وهو أقرب الآراء إلى الصحة في تخريج اللفظ وتحقيق التسمية .
(2)مجلة لغة العرب البغدادية العدد : 9/ السنة : 5/ الصفحة : 514 بقلم الكرملي .
(3)ولا معنى للقول بأن الكلمة جاءت من العبودية وأنها من إنشاء العبيد أو من عاشوا حالة العبودية والذل فانشأوا وهم في الأذى من هذه الحالة .
(4)العبودة : من العشائر الكبيرة ذات الشأن في العراق أصلها من ربيعة وتعد من عشائر الأجود أهل الثلث من المنتفق « معجم قبائل العرب : 5/ 22 » .
(5) هذا رأي عبد الحسن العامري في كتابه المغنون الريفيون وأطوار الأبوذية العراقية : 18 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 15

كما لا يوجد دليل قاطع بذلك بل هو مجرد احتمال .
وهناك من يقول بأنها منسوبة إلى البادية ولعله يريد القول بأن هذا النوع من إنشاء أهل البادية (1)وبقلب الدال منها ذالاً كما هو جار عند العامة فصارت باذية ثم أضيفت الهمزة في أول الكلمة كما تضاف في كثير من الكلمات فتقول في جئت « أجيت » فأصبحت أبا ذية ومنها حورت إلى أبو ذيه وفيه تكلف واضح بالإضافة إلى أن هذا النوع من الشعر لا يتعاطاه أهل البادية ولعل فيه خلط بين الأبوذية والعتابة حيث أنهما قريبا الوزن (2)واللون ولكنهما يفترقان في القافية وذلك لأن الأبوذية تلتزم بقافية واحدة دون العتابة (3) .
وهناك من ذهب إلى أن الأصل في هذه التسمية دوبيت (4) لنمط من الشعر عرف في بغداد أيام العباسيين (5) وفيه تكلف فاحش ولا يساعده اللفظ فمن الصعب تحويره في الكتابة واللفظ إلى دوبية بتاء مربوطة وتبادل الباء والدال ليكون بوديه ثم تحوير الدال ذالاً ليصبح بوذيه (6).
وهناك من يقول : إن التسمية إغريقية (7) وكان أصلها( Apodhia ) وقد نقلها الأنباط فيما نقلوه من الفنون الأخرى إلى العراق واليونان يلهجونها( أبوذه ) وقد قيل إن الانكليز يسمونها( Epodes ) والفرنسيّين يطلقون عليها( Pes Epodes ) وهي عند اليونان رباعية كما هو الأمر في الأبوذية التي تعرف بالنگيض( النقيض) (8).

(1) معجم اللغة العامية البغدادية الطبعة الحديثة : 1/ 70 عن مجموعة الأغاني العامية العراقية( مخطوطة ) للكرملي : 26 .
(2) تأتي القافية في الشطر الرابع « فعل » .
(3)العتابة : قافيتها تأتي باءَ أو ألف مقصورة وتارة ممدودة .
(4)دوبيت : كلمة فارسية تعني بيتين مصطلح يطلق على المقطوعة الثنائية .
(5) معجم اللغة العامية البغدادية الطبعة الحديثة : 1/70 نقلاً عن مصطفى جواد .
(6)هكذا يتصور حركة التحويل على قوله : « دوبيت ذوبيت بوذية » .
(7) الإغريق : هم اليونانيون .
(8)المغنون الريفيون وأطوار الأبوذية العراقية : 14عن الموسيقى في بلاد الرافدين لفاروق العمري .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 16

ولكن لا دليل على ذلك أولاً ، وبأن الأنباط الذين نقوا عن اليونانيين اللون المعروف بالنبطي عنهم لا زالوا متمسكين به لحد الآن فلو كانت الأبوذية من نقلهم أيضاً لكنا نرى له أثراً في حضارتهم ، كما لا يوجد هذا النمط عند الإغريق اليونانيين والموجود عندهم البيت ذو أربعة أشطر وهذا لا يكفي لأن يكون أصلها من تلك كما هو الحال في دوبيت .
وهناك من يقول : إن الأبوذية تعادل الحسچة (1) ، ولكن الصحيح أن بينهما عموم وخصوص من وجه حيث أن كل أبوذية حسچة وليس العكس .
واحتمال أن الأبوذية محرفة من ابن أدية الشاعر بعيد جداً وذلك لأن ابن أدية كنية شاعرين أخوين من الخوارج عرفا باسم أمهما أدية (2) أحدهما مرداس (3) والآخر عروة (4) ابنا حدير بن عمر التميمي ولم يقل أحد بأنهما أنشئا على هذا الوزن أو اللون حتى يتكلف ويقال أنها محرفة من ابن أدية .
وأما احتمال كون الأبوذية مأخوذة من البوذية المعتقد الوثني الذي أسسه بوذا (5) الحكيم الهندي فهذا ما استظهرناه وتبادر إلى ذهننا من التطابق

(1) المغنون الريفيون : 15 عن فهرس الأغاني العراقية( مخطوط ) للأب انستاس ماري الكرملي : 29 هذا وتقدم الكلام عن الحسچة في مقدمة الشعرالدارج .
(2)أدية : قيل أنها أمهما وقيل بل جدتهما .
(3) مرداس : هو أبو جلال مرداس بن حدير التميمي كان شيخ الخوارج ويعد أكبر شخصية منهم ويعد رمز السلف الصالح عندهم كان مع علي في صفين إلا أنه أنكر التحكيم وشهد مع الخوارج النهروان .
(4) عروة : هو بن حدير التميمي أخو مرداس وهو أول من قال لا حكم إلا لله وسيفه أول سيف سل من سيوف أباة التحكيم ، كان مع علي عليه السلام في صفين وحاربه في النهروان قتله عبيد الله بن زياد عام 58 هـ .
ويقال أنه أول من حكم لهما الشعر « مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق العدد : 3/ السنة : 51 الصفحة : 583 » .
(5) بوذا : هو سدهادتا غوتما لقب ببوذا( بودا ) أي النور ، مؤسس الديانة البوذية حوالي عام 566 ـ 486 ق . م . وكان من حكماء الهند يقال هي أقرب إلى فلسفة في الحياة منها إلى الدين إذ لا تؤمن بإله ولكنها ترى في التجرد والزهد تخلصاَ من الشهوات والألم وطريقاً إلى الفناء التام ، وانتشر أتباعه في كل من النيبال والصين والهند الصينية وكوريا والتبت واليابان .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 17

اللفظي بين التسميتين وعلى أثره قمنا بالبحث والتنقيب ، كما احتملنا أن يكون هذا اللون من الشعر كان مما ينشد في الطقوس الدينية عندهم وبالفعل وبعد التحقيق تمكنا من الوصول إلى أن لهم أبياتاً شعرية ذات أربع أشطر ينشدونها في طقوسهم الدينية مما زادنا شوقاً في المضي قدماً في عملية البحث على اتجاهين الديني والأدبي فاتصلنا بالمعاهد والمعابد الخاصة بالبوذية كما اتصلنا بالملحقين الثقافيين لعدد من الدول ذات التواجد البوذي الكثيف على أرضها والتي تعتبر الآن قاعدة مهمة من قواعدهم أمثال تايلند والصين واليابان وتايوان ثم كلفنا بعض الأخوة ممن له معرفة بلغة المُنْكْ (1) والذي يحتفظ بعلاقات طيبة معهم وهم بدورهم اتصلوا بمعابد ومعاهد البوذيين في تايلند وفليبين وغيرهما لهذا الغرض ، وإلى جانب ذلك فقد اتصلنا عبر أحد الإخوان بالمعاهد والمراكز الدينية الخاصة بهم أو بالأديان في المملكة المتحدة فتوصلنا بعد جهد جهيد وبالاتصال مع رئيس الكهنة السيد(Vajiragnana) ـ (2).
وبعدما عرضنا عليه بعض المؤلفات الأدبية للبوذية التي حصلنا عليها ، وعرضه علينا بعضاً منها والتي من أهمها كتاب( Pali taxt society ) ذو النص الپالي والمحرر أيضا بالأبجدية اللاتينية تسهيلاً لقراءتها ـ في كتاب مستقل ـ مضافاً إلى ترجمته باللغة الإنكليزية ، والذي هو في الحقيقة مجموعة شعرية باللغة الپالية (3)يحتوي على مقطوعات (4) ذات أربع أشطر ، وكان من جملتها هاتان المقطوعتان مستقلتان لهما شبه إلى حد كبير بالأبوذية وسنثبت هنا نصهما مع ترجمتهما وأوزانهما .

(1) المُنك بضم الميم وسكون النون لغة نساك البوذيين لغة التحدث وليس لها أبجدية .
(2) mr . m . VAJIRAGNANA في عام 1387 هـ( 1967 م ) عين معاوناً لرئيس كهنة المعبد البوذي بلندن « لندن بودست فهارا » وفي عام 1405هـ( 1985 م ) أصبح رئيساً للكهنة بها .
(3) اللغة الپالية : ويقال لها پالي أيضاً ، لغة منقرضة تنتمي إلى المجموعة الهندية من الفصيلة الفرعية الهندية الإيرانية للغات الهندية الأوربية ، والپالية أيضاً لهجة سنسكريتية « الموسوعة العربية الميسرة : 1/ 317 » .
(4) وتذكر المصادر أن هذه النصوص هي من مضامين حِكَم بودا نفسه لاتباعه وقد نظمت في أيامه أو بعدها بقليل أي قبل الميلاد بأربعة قرون - والعلم عند الله - .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 18

المقطوعة الاولى
1ـ النص الپالي بالأبجدية السنگالية (1) :
(2)

2ـ التلفظ الپالي بالأبجدية اللاتينية :
Ätha b banam supinam lakkanam
no vidahe atho pi nakkhattam , viru-
tañ ca ga b bhakaranam tikiccham
mämako na seveyya . (3)

3ـ الترجمة بالإنكليزية :
He would not practice Atharva charms , or(interpretation of) dreams , or even a strongly . My followers would not devote himself to(the interpretation of animal ) cries , or(the art of ) [ impregnation , or healing .] (4)
4ـ الترجمة العربية :
(بوذا يحذر أتباعه من الاحتيال على الناس ويصفهم بقوله) :

(1) السنغالية : لغة سيلان وتنتمي إلى المجموعات الهندية من الفصيلة الفرعية الهندية - الإيرانية للغات الهندية الأوربية « الموسوعة العربية الميسرة : 1/ 1023 » .
(2) The Sutta-Nipäta الصفحة : 292 ، المقطوعة : 931 .
(3) The Sutta-Nipäta الصفحة : 181 ، المقطوعة : 927 .
(4) The Rhinoceras Horn الصفحة 152 ، المقطوعة : 927 . وهناك ترجمة اخرى وردت في كتاب(The Sutta-Nipäta) الصفحة : 108 ، المقطوعة : 13 .
He does not study the practice of the magic and spells . He does not analyse dreams and signs in sleep and movements in the Zodiac . As one of my followers , he should not spend time interpreting bird-songs or curing infertility or selling medicines or cures .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 19

هو الذي لا يتعاطى السحر والشعبذة ولا يذهب وراء تعبير الرؤيا والأبراج ولا يعالج عقم النساء كما لا يبيع الأدوية ليعالج الناس (1).
5ـ التلفظ الپالي بالأبجدية العربية :
آتـاپَـنَمْ سُوپـينَـم لكّـانَـمْ
نوّيـدهي أتّـوپـي نكّـاتَـمْ
فيروتـَنْ گـه گـبّه گرنَـمْ
تي كي حَمْ ماما كُـنَهْ سِويَّـهْ
6ـ التفعيلة :
أ- أءْ تـأپَنَمْ سُوپـينَمْ لَكْكانَـمْ /ه/ه//ه/ه/ه/ه/ه/ه/ه
مستفعلـن مفعولن مفعولـن
ب-وويـدهي أَتْتوبي نَكْـكاتَـمْ/ه/ه//ه/ه/ه/ه/ه/ه/ه
مستفعلـن مفعولن مفعولـن
ج-فيروتَـنْ گه گبْـبَهْ گرانَـمْ/ه/ه/ه/ه/ه/ه//ه/ه
مفعـولن مفعـولن فعولـن
د-تيكـيچَمْ ماما كُـنَهْ سويْـيَهْ/ه/ه/ه/ه/ه//ه//ه/ه
مفعـولن مستـفعلن فعولـن
فعلى التسميات التي استخدمناها لتحديد الأوزان فالشطر الأول والثاني والرابع من المرج والثالث من الهزج .

(1) ولا يخفى أن الترجمة جاءت بالمعنى مضافاً إلى أنه يقصد بالعلاج ما اشتهر في ذلك الزمان بأن السحرة والمشعوذين كانوا بكثرة وهم يدعون علاج العقم وكانوا يتعاطون هذه الأمور ويحتالون على الناس .

الفهرس التالي التالي