دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 290

دوراً حول مرقد الإمام الحسين عليه السلام ، ويذكر أن الداعي الصغير بالغ في فخامة البناء وحسن الريازة ودقة الصنعة (1) في عمارة الحائر (2).
وفي هذا يقول السماوي في أرجوزته :
وأرسل الكنوز من أرض العجم كالسحب ترفض بغيث إنسجم
وتـم تلك الـرازة المستحسـنة في الـمئتين والثمانين سنـة

(1) حاولنا أن نرفق الوثائق التاريخية عن عمران المرقد الحسيني الشريف بالرسوم أو التخطيطات المستوحاة من واقع الحالة العمرانية التي كانت سائدة آنذاك وتطبيقها مع المعلومات والتفاصيل التي وردت في الأحاديث وكتب التاريخ عن المرقد الحسيني ، فبالنسبة إلى القرنين الثالث والرابع الهجريين مثلاً يجدر الإشارة إلى أن الطراز المعماري رغم أنه كان ينحو في اتجاهات ثلاث إلا أن أسسها كانت متقاربة إلى حد بعيد ، والإتجاهات الثلاث هي كالآتي :
1ـ الطراز العباسي : ويتجسد في مثل مسجد أبي دلف في سامراء والذي شيد عام 246 هـ ، وجامع سامراء المشيد عام 234 هـ حيث نجد أن المسجدين أقيماعلى مساحة مستطيلة يتوسطهما صحن مكشوف تحيط به أروقة ويحيط به من الخارج سور من الطوب ( الآجر ) إرتفاعه عشرة أمتار، وتدعمه أبراج نصف دائرية بارزة عن الجدران بحوالي مترين .
2ـ الطراز البويهي : وتعتمد مساجدهم عادة على ثلاثة أشكال :
أ ـ مسجد مربع مقفول تغطيه قبة ، ب ـ مسجد ذو ايوان مقبب ، ج ـ مسجد يتكون من صحن مكشوف تحيط به العقود من جهاته الأربعة ، ومن أقدم المساجد التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا هو مسجد مدينة نائين في إيران . 3ـ الطرز السماني : فقد أقاموا ضريحاً لإسماعيل بن أحمد السماني المتوفى عام 295 هـ في بخارى على مساحة مربعة الشكل إستخدم الطوب والآجر على نطاق واسع في عمارته ، وقد غطيت واجهاته الأربعة من الداخل ومن الخارج بقوالب الآجر في ترتيب زخرفي جميل ، ويعلو الضريح قبة كما توجد في أركانه أعمدة متصلة بالجدران تنتهي بأربع قباب صغيرة .
ولا يخفى أن في بغداد القريبة من كربلاء قد بنى العباسيون على قصرهم قبة مرتفعة خضراء يمكن رؤيتها من مسافات بعيدة ، وللمزيد راجع فنون الشرق الأوسط في العصور الإسلامية : 45 ـ 69 .
(2) تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 169 . وجاء في هامش اعيان الشيعة : 9 / 337 عن كتاب تاريخ طبرستان وروبان ومازندران : 169 ما تعريبه « في عهد الداعي محمد ابن زيد ارسل من طرفه اموالاً وعّمر مشهد الحسين عليه السلام » .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 291

في زمن المعتضد (1)المنصب بالطعن في حرب وآل حرب (2)



(1) المعتضد بالله : هو أحمد بن الموفق : السادس عشر من حكم من بني العباس ( 279 ـ 289 هـ ) . عقد صلحاَ مع خمارويه الطولوني وتزوج ابنته .
(2) مجالي اللطف : 2/ 40 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 292

القرن الرابع
( 7/ 8 / 913 ـ 14 / 8/ 1010 م )

في سنة 313 هـ زار الحائر (1) الزعيم القرمطي (2) أبا طاهر الجنابي (3) وطاف حول القبر مع أتباعه وآمن أهل الحائر ولم يمسهم (4) بمكروه (5).
وفي عام 352 هـ أمر معز الدولة (6) البويهي بإقامة العزاء على الإمام

(1) جاء في تراث كربلاء : 78 أن الزعيم القرمطي كان كثير التردد على كربلاء عند غزواته للكوفة عام 313 هـ .
(2) القرامطة : حركة دينية منحرفة أسسها أبوسعيد الحسن بن بهرام الجنابي القرمطي ، ويقال إنهم يرجعون في مذهبهم إلى رجل بالكوفة يقال له ( حمدان قرمط ) بدأت الحركة وذاع صيتها سنة ( 286 هـ = 899 م ) واستمرت قرابة القرنين ، قضى عليهم الأمراء العيونيون في البحرين (الكبرى)عام ( 418 هـ 1027 م) .
(3) أبا طاهر الجنابي : هو سلمان بن الحسن بن بهرام المتوفى عام 333 هـ ، من كبار زعماء القرامطة ، كان فاتكاً جريئاً حيث ثار على أخيه سعيد فقتله ونصب نفسه مكانه عام 310 هـ ، وكانت مدة حكمه 23 سنة كانت حافلة بالغزوات والبطش والأحداث ، هاجم مكة والكوفة عدة مرات واقتلع الحجر الأسود ونقله إلى القطيف .
(4) والظاهر أن عدم مساسه القبر والساكنين حول الحائر ناجم عن ضعفه وميله لكسب المزيد من الموالين لحركته ( القرامطة ) .
(5) تراث كربلاء : 78 ، المنتظم لابن الجوزي : 8/ 105 .
(6) معز الدولة : هو أحمد بن أبي شجاع ولد عام 303 هـ أحد الأخوة الثلاثة الذين أسسوا السلالة البويهية ، إحتل كرمان وأخضع البريدي حاكم الاهواز ، دخل بغداد عام 334 هـ ، خلع عليه المستكفي لقب أمير الامراء ، حارب الحمدانيين في الموصل ، حكم ما بين 356 ـ 367 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 293

الحسين عليه السلام في بغداد وذلك في يوم عاشوراء (1) ، وكان لهذا الأمر آثاره الإيجابية في تطوير وإعمار مرقد الإمام الحسين عليه السلام وإنعاش مواسم الزيارة ، بل وساهم في عمارة المرقد (2) .
ولما كانت سنة 366 هـ زار (3) عز الدولة البويهي (4) المرقد الشريف للإمام الحسين عليه السلام مما دعم حركة الهجرة للحائر الحسيني وعمرانه .
وفي سنة 367 هـ إستولى (5) عضد الدولة البويهي (6) على بغداد فعرج منها على كربلاء (7) لزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام ثم أنه جعل زيارته للمرقد الشريف عادة سنوية (8) .
وفي ظل اضطراب الأوضاع السياسية في العراق وتدهورها في الفترة

(1) راجع كتاب التوفيقات الإلهامية : 1/ 384 ، وقد فصلنا القول عن ذلك في باب « الشعائر الحسينية تاريخها ـ مقوماتها » من هذه الموسوعة .
(2) وجاء في رحلة عراقية : 100 أن عمران المرقد الحسيني تم على أيدي آل بويه من معز الدولة وعضد الدولة وركن الدولة وغيرهم .
(3) تراث كربلاء : 78 وفيه أن أول زيارة قام بها البويهيون للحائر كانت سنة 366 هـ .
(4) عز الدولة البويهي : هو أبو منصور بختيار بن معز الدولة أحمد بويه الديلمي ، ولي مملكة أبيه بعد موته وعمره فوق العشرين ، وكان بين عزالدولة وابن عمه عضد الدولة منافسات في الممالك أدت إلى التنازع والمحاربة ، أسره ابن عمه عضد الدولة وقتله عام 367 هـ .
(5) ولا يخفى أن عضد الدولة ليس أول سلطان بويهي يستولي على بغداد فقد سبق وأن إستولى عليها معز الدولة عام 334 هـ ، ولطالما خرجت من سيطرتهم ولاكنهم تداولوا السيطرة عليها إلى أن استولى عليها مرة أخرى عضد الدولة وذلك عام 367 هـ أي في عهد الطائع لله العباسي ( 363 ـ 381 هـ ) فضم العراق إلى حكمه .
(6) عضد الدولة : هو فنا خسرو ابن ركن الدولة الحسن البويهي الديلمي المتوفى عام 372 هـ ، خامس سلاطين البويهيين ، حكم ما بين عامي ( 366 ـ 372 هـ ) ويعد من أعظم ملوك بني بويه ، رعى العلماء والأدباء ، وعمر المراقد المقدسة لأهل البيت عليهم السلام .
(7) وقيل إن ذلك كان في عام 369 هـ كما في كتاب شهر حسين : 251 عن الكامل في التاريخ : 7/ 100 ، وسيأتي أنه أمر بعمارة المرقد الحسيني في عام 369 هـ وانتهى منه عام 371 هـ .
(8) راجع أعيان الشيعة : 1/ 628 عن تسلية المجالس .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 294

التي سبقت دخول عضد الدولة بغداد عام 367 هـ (1) تمكن عمران بن شاهين (2) أن يستقطع البطائح (3) بجنوب العراق من سلطة البويهيين (4) ومنع الخراج عنهم ، ثم إن عضد الدولة وبعد أن استتبت الأمور له في بغداد أرسل إليه بجيش عظيم فحاصروه وضيقوا عليه الخناق ،وعندما عجز عمران بن شاهين عن مقاومتهم إلتجأ إلى قبر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وتضرع إلى الإمام ورأى علياً في المنام يقول له : « ياعمران سيقدم العبد فناخسروا لزيارة البقعة فلذ به سيفرج عنك » فلما انتبه من نومه نذر لله إن نجا من عضد الدولة أن يبني مسجداً ورواقاً في حرم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وآخر مثلهما في حرم الأمام الحسين عليه السلام فلما التقى بعضد الدولة أخبره بكل ذلك فعفى عنه (5) ، وأوفى بنذره ، فبنى المسجد المعروف باسمه إلى الآن والذي يقع إلى جهة الشمال من الروضة وقد ضم فيما بعد إلى الحرم ، أما الرواق الذي شيده فيقع إلى جهة الغرب (6)

(1) في شوال من هذه السنة إستولى عضد الدولة على بغداد ، ويبدو أنه في هذا العام جهز الجيش لملاحقة عمران بن شاهين .
(2) عمران بن شاهين : أمير من أمراء دبيس ، وجاء في الكامل في التاريخ : 7/ 98 « توفي عمران فجأة في المحرم ـ عام 369 هـ وكانت ولايته بعدأن طلبه الملوك والخلفاء وبذلوا الجهد في أخذه وأعملوا الحيل أربعين سنة فلم يقدرهم الله عليه ومات حتف أنفه فلما مات ولّي مكانه ابنه الحسن » .
(3) البطائج : اسم أطلقه العباسيون على المستنقعات الواقعة بين واسط والكوفة .
(4) ولا يخفى أن عمران بن شاهين كان على خلاف مع معز الدولة فقاومه فأضعف سلطة عمران على البطائح . (5) جاء في تراث كربلاء : 38 نقلاً عن بحار الأنوار : 42 / 320 أن عمران كان ملاصقاً بجدار الروضة فسأله عضد الدولة عن حاجته ، فخاطبه عمران بإسمه الحقيقي « فناخسرو » فإندهش عضد الدولة من معرفة هذا الشخص اسمه ، فقص عليه رؤياه فعفى عنه وأولاه إمارة البطيح مرة ثانية .
(6) تراث كربلاء : 38 ، فرحة الغري : 67 وفي تراث كربلاء : 39 نقلاً عن سلاسل الذهب للسيد محمد صادق بحر العلوم أن رواق ابن شاهين هو في الجانب الغربي من الحائر الشريف المعروف اليوم برواق السيد إبراهيم المجاب ، بقي المسجد موجوداً إلى أيام الصفويين فوقع قسم منه في الصحن ، ويذكر ان السيد حسن القزويني شاهد اساس هذا المسجد الذي كان قطره ثلاثة امتار عندما اجريت الحفريات الاخيرة .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 295

من قبر الحسين عليه السلام (1) وهو أول من ربط حزام الحائر بالرواق (2)، والظاهر أن ذلك كان في عام 368 هـ (3) .
ويصف السماوي ما قام به عمران بن شاهين من بناء فيقول :
ثم أتـى عـمران في زمانـه فعمر الـرواق مـن مكانـه
ووصـل الروضـة بالـرواق من الجنوب وهـو بعـد باق
وتمـم ذا في السبع والستينا (4) بعد ثلاث قد مضت مئينا (5)



(1) تاريخچه كربلاء : 61 .
(2) تراث كربلاء : 39 ، بحار الأنوار : 42 / 320 .
(3) جاء في تاريخ الروضة الحسينية المصور : 9 أن بناء عمران للمسجد والرواق كان في عام 369 هـ ، وهذا لا يصح لأن عضد الدولة دخل بغداد في شوال عام 367 هـ وحتى تستقر الأمور له في بغداد ويستطيع تجهيز حملته للقضاء على ابن شاهين وملاحقته ثم العفو عنه لاحقاً لابد وأن تكون سنة 367 هـ قد انصرمت ، وإذا ما علمنا أن وفاة عمران كانت في محرم من عام 369 هـ فمعنى ذلك أن البناء قد وقع حتماً في عام 368 هـ .
(4) وهذا لايصح كما سبق وفصلنا القول في الهامش .
(5) مجالي اللطف : 2/ 40.
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 296

وفي عام 369 هـ أغار ضبة الأسدي (1)على مدينة كربلاء وقتل أهلها ونهب أموالهم وسرق ما في خزانة الحرم المطهر من نفائس وذخائر وتحف وهدايا ، وهدم ما أمكنه هدمه وذلك بمؤازرة بعض العشائر ، ثم قفل عائداً إلى البادية فلما بلغ أمره إلى عضد الدولة أرسل في تلك السنة سرية (2)إلى عين التمر (3) وبها ضبة الأسدي فلم يشعر إلا والعساكر معه (4) فترك أهله وماله ونجا بنفسه فريداً ، وأخذ ماله وأهله وملكت عين التمر عقاباً لنهبه مرقد الإمام الحسين عليه السلام (5)، ويصف السماوي غزوة ضبة على كربلاء بقوله :
والحـادث نهـب الأسدي ضبة ذو العين لأهل البلـد
وسلبه في الدور والأسواق وقتلـه كـل فتـى يلاقـي
ونهبه من روضة الحسين مصوغة النظار واللجين (6)

وفي العام نفسه ـ 369 هـ ـ (7) وعندما قام عضد الدولة بزيارته التقليدية

(1) ضبة الأسدي : زعيم لعصابة من اللصوص وقطاع الطرق أيام ضعف الطائع لله العباسي ( 363 ـ 381 هـ ) سكن واحة عين التمر ، وهو الذي هجاه المتنبي فأرسل ضبة رجالاً من بني أسد فقتلوه وابنه وذلك في عام 354 هـ ، راجع باب مدينة الحسين عليه السلام من هذه الموسوعة .
(2) السرية : قطعة من الجيش ، سميت بذلك لأنها تسري خفية ، والجمع سرايا ، جاء في تراث كربلاء : 359 ، وشهر حسين : 237 أن عدد العساكرالتي أغارت على عين التمر قاربت العشرة آلاف رجلاً .
(3) عين التمر : واحة في وسط الصحراء إلى الجنوب الغربي من كربلاء بمسافة 86 كلم ، إشتهرت بالعيون العذبة والنخيل .
(4) جاء في كتاب شهر حسين : 237 وذلك في يوم الجمعة 28 ذي الحجة عام 369 هـ .
(5) راجع الكامل في التاريخ : 7/ 103 ، موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 260 ، تاريخچه كربلاء : 101 .
(6) مجالي اللطيف : 2/ 55.
(7) شهر حسين : 251 ، وفي كتاب فرحة الغري : 113 ذكر الطوسي بسنده عن يحيى ابن عليان الخازن بمشهد الغري أنه وجد على غلاف كتاب بخط الشيخ أبي عبد الله ابن محمد بن السري المعروف بابن البرسي أن فناخسرو عضد الدولة قام بتشييد =
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 297

للمرقد المطهر للإمام الحسين عليه السلام أمر بتجديد بناء القبة الحسينية (1) وروضتها المباركة وشيد ضريح الإمام الحسين عليه السلام بالعاج وزينه بالحلل والديباج وبنى الأروقة حوالي مرقده المقدس وعمر المدينة ، واهتم بايصال الماء لسكان المدينة والضياء للحائر المقدس وعصمها بالأسوار العالية (2) التي بلغ محيطها حوالي 2400 خطوة (3)وقطره حوالي 2400 قدم (4) ، فأوصل المدينة بترعة فاحياها وأوقف أراضي لاستثمارها لصالح إنارة الحرمين الشريفين أبي عبد الله الحسين عليه السلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام وبالغ في تشييد الأبنية والأسواق حوله وأجزل العطاء لمن جاوره (5) من العلماء

= حرم الحسين عليه السلام عام 369 هـ وأنجز بناءه في عام 371 هـ واستغرق ذلك ثلاث سنين ، وذكر الخواجة حميد الدين في تاريخه (روضة الصفا)بالفارسية أن عضد الدولة عثر على كنوز ـ في الهند ـ مملوءة بالذهب والفضة صرفها على تعمير المشهدين مشهد الغري في النجف والحائري في كربلاء ، واستغرق البناء ثلاث سنين حيث بده بهما في عام 369 هـ وأنجزا في عام 371 هـ .
(1) وقد جاء ذكر هذه القبة في الزيارة التي وضعها السيد المرتضى علي بن الحسين المتوفى عام 436 هـ حيث يقول : « السلام على ساكن التربة الزاكية ، السلام على صاحب القبة السامية » ـ راجع بحار الأنوار : 98 / 235 .
(2) راجع تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 171 .
(3) راجع موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 262 عن المعارف الإسلامية نقلاً عن حمد الله المستوفي إذ يذكر أن محيط كربلاء كله كان يبلغ حوالي 2400 خطوة أي مايعادل 2160 متراً ، ومن المعلوم أن الخطوة تعادل يارداً واحداً أي تسعين سانتمتراً ، وذكر المستوفى أن هذا المحيط ورد ذكره في رحلة ابن بطوطة إلى كربلاء عام 727 هـ .
(4) جاء في تاريخچه كربلاء : 62 أن عضد الدولة أحاط المدينة بسور مساحته 2400 قدم ، ولا بد هنا من القول أنه ربما قصد بقوله ( مساحته ) أي طول قطر السور أو ربما طول ضلعه ، أي ما يعادل 720 متراً ، إذ أن القدم الواحد يساوي 30 سانتمتراً تقريباً ، وهذا يتوافق مع قول حمد الله الستوفي أن محيط كربلاء كان 2400 خطوة أي 2160متراً ، ولايخفى أن نسبة القطر إلى المحيط حوالي الثلث 7/ 22 ويظهر أن أحدهما حدد السور بمحيطه والآخر حدده بقطره تحديداَ تقريباً .
(5) تاريخچه كربلاء : 62 ، العراق حديثاً وقديماً : 129 ، تراث كربلاء : 38 ، تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 171 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 298

والعلويين (1) كما أمر ببناء المدرسة العضدية الأولى ، كما بنى بجنبها مسجد (2) رأس الحسين عليه السلام (3) وعلى أثر ذلك تضاعف عدد المجاورين لمرقده المقدس .



(1) جاء وصف ما تكرم به عضد الدولة من عطاء في فرحة الغري : 113 ما نصه « وتصدق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتها وجعل في الصندوق دراهم ففرقت على العلويين فأصاب كل واحد منهم إثنين وثلاثين درهماً ، وكان عددهم ألفين ومائتي اسم ، ووهب العوام والمجاورين عشرةآلاف درهم وفرق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل ، ومن الثياب خمسمائة قطعة ، وأعطى الناظر عليهم ألف درهم ، وفيه أن ذلك كان عام 371 هـ » .
(2) المدرسة والمسجد : موقعهما في أول شارع السدرة من جهة الغرب ، ولا يوجد أثر للمدرسة ، أما المسجد فلا زال معروفاً بمسجد رأس الحسين عليه السلام والذي يقال إن عمر بن سعد وضع الرأس الشريف للإمام على صخرة هناك قبل حمله إلى الكوفة .
(3) مجلة الحوزة ـ القمية ـ العدد : 72 الصفحة : 173 ، جريدة الحياة اللندنية العدد : 12396 الصادرة بتاريخ : 4/ 2/ 1997 م ، مجلة الإيمان الكندية : 63 / 10 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 299

ويصف السماوي ما قام به عضد الدولة من بناء وإعمار ورعاية فيقول :
ثم تولى ابن بويه العضد فاخضر عود فيه كـاد يخضد
بنى له القبة ذات الأروقة محيطة على الضريـح محدقة
وزين الضـريح بالديباج ومـا عـلا دائـره بـسـاج
وشعشع القـبة والـرواقا وعـمر البيـوت والأسراقـا
وعصم الـبلدة بالأسـوار فـحكـت المعصـم بالسـوار
وساق للطف مياهاً جارية وامتاز للضوء وقوفاً جارية (1)

ولما كانت سنة 371 هـ (2) واصل عضد الدولة زيارته التقليدية السنوية للحائر المقدس ، ويبدو لنا أنه اشرف في هذه السنة على مراسم الإنتهاء من إعمار وبناء المرقد الحسيني المطهر ، فاهتم بتزيين الروضة والأروقة حيث جلب معه القناديل والثريات المضاءة بالشمع لإنارة الروضة المقدسة (3)، كما زين الضريح بالساج والديباج وغلفه بالخشب ، و أمر ببناء الصحن الصغير وبناء مدرسة ثانية (4) إلى جوار الصحن الشريف وملاصقة له ، وقد احتل الصحن الصغير موقعه في الجهة الشمالية الشرقية للمرقد المطهر فيما كانت المدرسة قد بنيت إلى الى الغرب من الصحن الصغير اي شمال المرقد المطهر ، ويحتوي الصحن الصغير على مئذنتين وكان منه يذهب إلى مرقد أبي الفضل العباس (5) . ويصف الكليدار (6) هذا الصحن الذي عرف بالصحن الصغير بقوله :

(1) مجالي اللطف : 2/ 40 .
(2) تاريخ مرقد الحسين والعباس : 80 ، فرحة الغري : 113 ، وذلك لبضعة أيام بقين من جماد الأولى عام 371 هـ ، فكانت زيارته الأخيرة للمرقد ، إذ أنه توفي بعدها بعام أي في عام 372 هـ .
(3) تاريخ مرقد الحسين والعباس : 80 ، تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 172 .
(4) مجلة الحوزة ـ القمية ـ العدد : 72 الصفحة : 173 ، راجع بشأن المدرستين العضديتين ، باب مدينة الحسين ، فصل النهضة العلمية من هذه الموسوعة .
(5) تراث كربلاء : 57 .
(6) الكليدار : هو عبد الجواد بن علي بن جواد الحائري آل طعمة ، ولد عام 1307 هـ ، درس عند السيد حسين القزويني ودرس في السوربون وحصل على ليسانس العلوم السياسية فيها ، وأكمل دراسته في جامعة بروكسل في بلجيكا وحصل على دكتوراه الحقوق منها ، أصدر جريدة يومية سياسية في بغداد عام 1352 هـ ، له عدة بحوث =
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 300

« هذا الصحن الصغير هو هذه الساحة المسورة الفخمة الأثرية القديمة من العصر العباسي الثاني ، والتي يزين جدرانها العالية الرفيعة ذلك الكاشاني الأثري البديع الصنع ، وتزين سقوف مداخلها المقرنصات الفنية البديعة المعلقة على طول السقف في شبه أسطوانات هندسية الشكل ذات الأضلاع والزوايا المتداخلة المتنوعة والدقيقة الصنع والتركيب ، والمتلبسة كلها بأحسن تلبيس فني هندسي كامل بالفسيفساء والكاشاني المعرق من النوع القديم الممتاز النادر والثمين ، لأن البناء كله يرجع إلى ألف سنة بالضبط من عهد البويهيين إلى اليوم (1) ، ومقرنصات سقوف مداخل هذا الصحن الصغير هي على شاكلة المقرنصات الموجودة ، لكن من نوع أوطأ منها في سقوف بعض المداخل الأخرى لصحن الحسين عليه السلام وتتصل هذه البناية المجللة التاريخية ، أو الصحن الصغير كما يعبر عنه اليوم ، من جهة الغرب بصحن الحسين عليه السلام وبينهما دهليز واسع كبير مزين تقريباً بنفس التزيين الفني ، ولكن من نوع أوطأ من ذلك الفسيفساء والكاشاني القديم مما تتنافس متاحف العالم على إقتناء أمثالها .
وأما من جهة الشرق فتقع على مفترق طرق البلدة الشمالية والشرقية والجنوبية بجانب السوق الكبير في قلب المدينة ، ولها مدخلان : مدخل شمالي ويدعى اليوم بـ « باب الصحن الصغير » ومدخل شرقي يدعى بـ « باب الصافي نسبة الى مقبرة تقع على جانب الباب وهي عائدة الى اسرة السيد مهدي الصافي (2) من سادات ووجهاء كربلاء السابقين ، ومن هذا المدخل أو الآخر يقصد الزائر عادة حرم العباس عليه السلام بعد أداء الزيارة لحرم الحسين عليه السلام .
وقد اتخذ الملوك البويهيون هذا المحل مدافن لهم في الحائر المقدس لتكون قبورهم على طريق الزائرين بين الحرمين الشريفين ، فشيدوا هذا البناء

= تاريخية وأدبية ، وله كتاب تاريخ كربلاء وحائر الحسين عليه السلام توفي سنة 1379 هـ .
(1) ويظهر من المصدر أن تأليفه كان عام 1368 هـ .
(2) الصافي : هو مهدي بن جواد بن صافي بن علي العطار ، يرجع نسبه إلى الإمام الحسن بن علي عليه السلام ، من أعيان مدينة كربلاء ، وهو مدفون في مقبرة خاصة به في الصحن الصغير التابع لحرم الإمام الحسين عليه السلام .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 301

الهندسي الجميل الطراز والأسلوب ، وهو بمجموعه آية في الفن والصنعة وهو من الأبنية الأثرية التاريخية القديمة ، يرجع عهده إلى العصر العباسي في القرن الرابع والخامس من الهجرة وجعلوه من ملحقات الحائر وتوابعه .
وكانت مقابرهم تقع في وسط الساحة في سرداب منظم تحت الأرض والبعض الآخر على جانبي المدخل الرئيسي الذي هوالمدخل الشمالي لها وذلك في داخل حجرتين مجللتين مبنيتين بأجمل طرز من طراز المقابر القديمة وجدرانها حديثة من الداخل والخارج بالكاشاني القديم البديع الصنع ، وفي صدر كل مقبرة منها حجرة خاصة في وسطها مئذنة أثرية قديمة يرجع عهدها إلى زمن البويهيين ، وهكذا تقع على جانبي المدخل الشمالي لهذا البناء تلك المئذنتان البويهيتان القديمتان والمنقوش عليهما الآيات القرآنية بالكتابة الكوفية ، وقد قطع رأسيهما في التعميرات التي جرت خلال العصور المتأخرة حسب الظاهر فأصبحتا مخبوئتين في داخل البناء إلى حد السطح ، وكان لكل منهما درج لولبي من داخل المئذنة يصعد إليها ، وللمئذنة الغربية منها ( ديدبان ) (1) أي منظار كان يجلس فيه محافظ مقابر الملوك للمراقبة والمحافظة في تلك العصور الخالية ، وكان ينتهي هذا « الديدبان » من المئذنة المذكورة إلى فوق مقبرة الطباطبائية الحالية من الشباك الذي كان يشـرف على باب هـذه المقبرة (2) .

(1) ديدبان : كلمة فارسية مركبة تعني مكان المراقبة ، ويطلق على برج المراقبة أيضاً .
(2) تاريخ كربلاء وحائر الحسين لعبد الجواد الكليدار : 174 ويعلق بعد نقل هذا الوصف الرائع للصحن الصغير بقوله : ولكن ألم يوقف البويهيون مع ثروتهم الطائلة وسطوتهم الفائقة في عصرهم أملاكاً وأوقافاً لمدافنهم او لحرم الحسين عليه السلام ؟ فأين صارت تلك الأوقاف ؟ صارت فيما صادره السلطان العثماني مرادالرابع من أملاك الشيعة وأوقافهم عند فتحه العراق في سنة 1048 هـ ( 1638 م ) ؟ إذ أن المستر لونكريك الإنكليزي يحدثنا في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق : 79 « بأن السلطان مراد الرابع رسم للمفتي يحيى أن يعيد بناء قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني وأوقف لها أوقاف كثيرة معظمها من أملاك الشيعة » ولعل خان الباشا الكبير الذي هوبقرب الصحن في كربلاء وأوقاف التكية الخالدة في سوق النجف وغيرهما أيضاً هي من جملة ما صادره مراد الرابع من أوقاف العتبات المقدسة ، وإلا بأي مناسبة يكون للكيلاني أو لخالد بن الوليد أوقاف في العتبات المقدسة في كربلاء والنجف فأين صارت إذن تلك الأوقاف ؟ ومثل تلك الأوقاف أيضاً الأوقاف الحسينية لمئذنة =
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 302


وفي عام 400 هـ توجه إلى زيارة مرقد الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام الوزير البويهي الحسن بن الفضل الرامهرمزي (1) وذلك فـي شهـر جمادى الأولـى (2).

= العبد المشهورة التي هدمت ظلماَ في عام 1354 من الهجرة لبناء فخامة صورية زائلة من أنقاض فخامتها التاريخية الصامدة ، فكان هدمها تعميراً للآخرين .
(1) الرامهرمزي : هو أبو محمد الحسن بن الفضل بن سهلان ، وفي العراق قديماً وحديثاً : 129 ذكره باسم الحسن بن إسماعيل ،وهو خطأ ، قتل في عام 414 هـ ، وفي تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 224 ذكر أنه أسند السلطان الوزارة إليه بعد اضطراب الأوضاع وذلك في ربيع الثاني من عام 407 هـ .

السابق السابق الفهرس