البالغون الفتح
في كربلاء

الحاج عبدألأمير القريشي


البالغون الفتح في كربلاء 1


البالغـون الفتح
في كربـــــــلاء



البالغون الفتح في كربلاء 2


الطبعة ألأولى
1429 هـ ـ 2008 م


البالغون الفتح في كربلاء 3

البالغـــون الفتح
في كربــــلاء


الحاج عبدألأمير القريشي


بيت العلم للنابهين
بيروت ـ لبنان


البالغون الفتح في كربلاء 4


بسم ألله الرحمن الرحيم


البالغون الفتح في كربلاء 5

ألإهداء

إلى سيدي أبي ألأحرار ... إلى من واجه الظلم بقوة ألإيمان
إلى أرواح من قرأوا الحياة خلودا ... وعرفوا سبل الرشاد إنتماءً حسينيا والشهادة هوية ألأوفياء
إلى الكيان الذي رحل معانقا الشهادة مجدا ... دماءً زاكية سالت برصاص الغدر والجبن والخيانة وفي شهر ألله العظيم ... أخي الذي كان ظلا لا يفارقني ... الشهيد الحاج كريم عزيز القرشي (أبو عزيز) مستشفعا بسيد الشهداء وأخيه أبي الفضل العباس والشهداء يوم لا ينفع مال ولا بنون

البالغون الفتح في كربلاء 6




البالغون الفتح في كربلاء 7

قال ألإمام الحسين عليه السلام
أما بعد فإنه من لحق بي منكم إستشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح

بحار ألأنوار : ج 18 ص 463



البالغون الفتح في كربلاء 8




البالغون الفتح في كربلاء 9

بِسْـــمِ أللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111

صدق ألله العلي العظيم



البالغون الفتح في كربلاء 10




البالغون الفتح في كربلاء 11

بأبي أفدي وجوها منهم صافحوا في كربلا فيها الصفاحا
أوجها يشرقن بشرا كلما كلح العام ويقطرن سماحا
تتجلى تحت ظلماء الوغى كالمصابيح إلتماعا وإلتماحا
أرخصوا دون إبن بنت المصطفى أنفسا تاقت إلى ألله رواحا
فقضوا صبرا ومن أعطافهم أرج العز بثوب الدهر فاحا
لم تذق ماءً سوى منبعث من دم القلب به غصت جراحا
أنهلت من دمها لو أنه كان من ظامي الحشا يطفى إلتياحا
أُعريت فهي على أن ترتدي بنسيج الترب تمتاح الرياحا


البالغون الفتح في كربلاء 12




البالغون الفتح في كربلاء 13

تقديم
بسم ألله الرحمن الرحيم

إحتلت التضحية الحسينية المباركة عواطف الناس وتفاعلت مع مشاعرهم ، لأنها حفلت بجميع القيم والمبادئ التي يعتز بها هذا الكائن الحي من بني ألإنسان ، وهي أحق بالبقاء وأجدر بالخلود من هذا الكوكب الذي نعيش عليه .
تدول الدول وتفنى الحضارات وتدوم وقعة أبي ألأحرار خالدة مع الزمن . ستزول الدنيا وينعدم الكون وجرح الحسين صعب الشفاء ! . إن تاريخ البشرية حافل بالعظماء والمصلحين وما عانوه من ألأزمات في سبيل ألإصلاح الإجتماعي . ولكن لم نجد لهم ـ واحدة من ألف ـ مثل ما جرى على أبي ألأحرار وسيد الشهداء من الرزايا والنكبات ، وهو صامد لم توهن عزيمته تلك المصائب الموجعة التي يتبع بعضها بعضا . وقد ذهل الناس من صبره وصموده فلم يجزع وإنما قابل رزاياه بالتسليم لأمر ألله تعالى والصبر على قضائه .
وقد إنبرى العلماء وعشاق الفضيلة إلى التأليف عن حياة ألإمام الحسين عليه السلام وشهادته ومكاسب ثورته وعدد الشهداء من أهل بيته والمستشهدين من أصحابه ، وممن ألّف وأجاد فيما جمع وصنف ولدنا الفاضل الحاج عبدألأمير القريشي وفقه ألله لكل خير نبيل ، فقد صحب

البالغون الفتح في كربلاء 14

في كتابه من إستشهاد ألأبطال وألأفذاذ في سبيل الحسين عليه السلام وصعيد كربلاء ، وهو مجهود ضخم وجيد فقد تتبع في بحوثه عشرات المصادر التي إعتمد عليها وجل منها ، وإني أهنيه على هذا الجهد الخلاق متمنيا له التوفيق والنشاط وألإبداع فيما يكتبه .
وألله تعالى الهادي الموفق إلى سواء السبيل

باقر شريف القريشي
النجف ألأشرف
11 / رمضان / 1428 هـ
24 / 9 / 2007 م



البالغون الفتح في كربلاء 15

تقريظ
بسم ألله الرحمن الرحيم

السلام عليك يا سيدي يا ابا عبدألله الحسين وعلى أنصارك وأعوانك المستشهدين بين يديك ورحمة ألله وبركاته . ولعن ألله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ، ودفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم ، ولعن ألله من قتلكم والممهدين لهم بالتمكين من قتالكم ، إلى يوم الدين .
أما بعد : فإن الكتاب الذي بين أيدينا والمسمى (البالغون الفتح في كربلاء) بقلم ألأستاذ الفاضل الحاج عبدألأمير القريشي ـ دام تأييده ـ لجدير بالقراءة وألإهتمام من ذوي العلاقة بالتاريخ ألإسلامي ـ عموما ـ والثورة الحسينية المباركة على نحو الخصوص ، حيث إنه كشف العملاء المرتبطين بالسلاطين ، وأقلامهم المأجورة المجيّرة لصالح الطواغيت ـ في كل زمان ـ الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويبثون سمومهم في كل ما يوجب ألإنتقاص من شأن أهل بيت العصمة والطهارة . وأبرز للثورة الحسينية المباركة وجهها الناصع البهي .
لذلك إنبرى أخونا الفاضل لغربلة ما كتبه المزيفون للحقائق ، المتلاعبون بالثوابت المعروفة لدى الطائفة الحقة ، الطائفة الجعفرية ألإثني عشرية . أتباع اهل البيت عليهم السلام إرضاء لأصحاب الضغائن والحاقدين

البالغون الفتح في كربلاء 16

على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمذهب الحق . هذا من جهة ـ ومن جهة أخرى : إنطلى على كثير من المؤرخين ـ غير المحققين ـ كثير من تلك الدسائس ، فوقف عندها ومحصها تمحيصا دقيقا .. وأعاد الحق إلى نصابه ودحض الباطل ومن تسربل به .
من هنا يظهر جهد الكاتب ، وتحمله وصبره لفرز الصور المريبة ، المشينة أو المدسوسة في هذه الملحمة التاريخية التي قلبت كراسي الحكم على رؤوس ألأمويين أصحاب التاريخ ألأسود ، وكشفت حقيقتهم وإنهم الشجرة الملعونة الخبيثة على إمتداد التاريخ ، إنتهاء بما إقترفته أيديهم ، من جريمة لا نظير لها بـ ( قتل الحسين واهل بيته وأنصاره وأشياعه) في واقعة الطف الدامية في العاشر من محرم الحرام عام 61 من الهجرة ، وما تلتها من أحداث جسام كحرق الخيام وسبي العائلة الحسينية الهاشمية المطهرة ووو .
إن أمثال هذه الدراسات المعمقة لها تأثير كبير على شرح أهداف ومنطلقات الثورة الحسينية المباركة وتقريب معطياتها إلى ألأوساط الشعبية والعلمية في العالمين : ألإسلامي والعربي ، وبيان أن المغزى ألأصيل من الثورة الحسينية هو : ثورة ألإسلام على الكفر ، والحق على الباطل ، وتقويض اركان الكفر ، الذي يريد أربابه إرجاع الحركة ألإسلامية المحمدية إلى الوراء ، ليحكم مرة أخرى (الحم الطاغوتي الجاهلي الوثني) .
أراد يزيد بن معاوية بقتل الحسين عليه السلام قتل ألإسلام ومحق الإسلام ، وإستعمل في سبيل ذلك كل ألآليات المتاحة لقلب المفاهيم والحقائق ، ولكن ألإمام الحسين عليه السلام بثورته المباركة ونهضته السامية ، قلب السحر على الساحر ، وإنكشفت النوايا التي كان قد أضمرها

البالغون الفتح في كربلاء 17

(الحزب ألأموي ) وجلاوزته المجرمون في هذه الملحمة ، وعرّتهم على حقيقتهم .
كل هذه الحقائق الناصعة سيجدها القارئ في هذا الكتاب الجديد في أسلوبه وتتبعه للقضايا المهمة التي غابت عن أذهان كثير من كتاب المقاتل والسير ، فلا خير في كاتب يسرد لنا حكايات وردت في هذا الكتاب أو ذاك ، دون تمحيص للحقائق وإستخلاص للنتائج وألأغراض منها .
كنا ولا نزال نطالب كتّابنا ألأفاضل وخطباءنا ألأجلاء أن يعرضوا للقارئ والسامع الصورة الحقيقية والمقبولة لمتطلبات المرحلة التي يعيشها إنسان القرن الحادي والعشرين من خلال النهضة الحسينية وبيان حقائقها العظيمة ، وأن يتركوا سرد الحديث غير المقبول واقعيا وعقليا .. وبهذا يسدون للتاريخ ألإسلامي بعامة وللثورة الحسينية المباركة بخاصة خدمة جلى يشكرون عليها ويؤجرون ثوابا من ألله ورسوله وصاحب النهضة السامية ألإملم الشهيد ابي عبدألله الحسين سيد شباب أهل الجنة وشفيع ألأمة يوم القيامة . ويا ليتنا كنا معه لنفوز فوزا عظيما .

كربلاء المقدسة / محمد علي داعي الحق القرشي
18 / جمادى الثانية / 1428 هـ
4/ تموز / 2007 م



البالغون الفتح في كربلاء 18




البالغون الفتح في كربلاء 19

المقدمة

الشهداء :

يشعر المتمعن في التاريخ أن الكثير من خفايا ألأمور أصبحت معلنة وغير خافية على أحد وتلك السبل السياسية المدججة بالقمع وألإرهاب وكم ألأفواه لخلق فلسفة شيطانية مفادها التدريج التعويدي على نهج موبوء رسمته القيادات ألأموية لتضليل الجماهير من خلال تجنيد أئمة السوء ووعاظ السلاطين كأداة لبث روح ألإستكانة والمهانة والذلة والخنوع بإسم ألإسلام .. مما أدى إلى إنحراف ألأمة عن جادة الشرع القويم والصراط المستقيم وقد ظهرت ولم تعد خافية على الجماهير .. فلذلك كان لا بد من نهضة إسلامية تصحيحية تتحمل أعباء المسؤولية لأخطر مرحلة في التاريخ ألإسلامي .. وبما أن ألإمام الحسين عليه السلام هو ألإمتداد الطبيعي للوجود الرسالي وشموخه المعد سلفا بنص الحديث (إني تارك فيكم الثقلين كتاب ألله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ) ومثل هذا التماثل لابد أن ينهض بأعباء المسؤولية .... فأينعت الثورة جذوة في الضمائر النقية التي تسعى لإعادة المجد الرسالي الذي يكفل للأمة إستمرار روحها الجهادية وصون كرامتها المفقودة .. ومثل هذه المسؤولية العظيمة التي لا يتحملها إلا أهل الرسالة السماوية وأصحابها ألأفذاذ تعتبر أحد المساعي الجهادية التي لا ترتكز على إنتقاء الظرف المناسب أو عد العدة المناسبة ، فلذلك

البالغون الفتح في كربلاء 20

نرى أن ألإمام الحسين عليه السلام ثار بعدد قليل من ألأنصار وقد حملوا مشعل الثورة وأدركوا حقيقتها ، فسجلوا أسمى وأقدس معاني التضحية والفداء في تاريخ ألإنسانية كلها عندما إستجابوا لنداء الحق وصمموا على الشهادة ، بينما ألأمة في حالة من ألإنهزام والوهم فلذلك نجد أن التحدي الذي حمله شهداء كربلاء نبراسا يؤثرون على حياتهم من أجل أن تدين المجتمعات ألإسلامية مبدئيتها وتستنهض قيمها والوثوب بها من حالة ألإنحراف وألإنحلال إلى فاعلية الرفض وحيوية الثورة وهذه الميزة جعلتهم أرقى مرتبة من شهداء عهد صدر الإسلام .. فإن المتأمل في حادثة الطف يتجلى له أن هذه الشهادة أعظم من يوم بدر رغم أن تلك المعارك كانت بداية فتوحات المسلمين لأنهم خاضوا غمرات الموت تحت راية النبوة وقد إحتفت بهم ثلاثة آلاف من الملائكة المسومين وهتاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنصر والظهور على العدو ملأوا مسامعهم فقابلوا طواغيت قريش مطمئنين بالغلبة (1). أما شهداء الطف فإنهم قاتلوا عدوا كافرا لبس ثوب ألإسلام متعكزا بفتاوى شريح وأمثاله من الذين باعوا دينهم بدنياهم فتسابق الشهداء إلى الموت بنيات صادقة كأنهم سيقوا إلى الجنة زمرا حتى إذا أذن ألإمام بالقتال لبسوا القلوب على الدروع في سبيل مبدأ آمنوا به وصمموا على الموت من أجله . ويتضح ذلك أكثر عندما أجابوا الحسين عليه السلام حين اعلن لهم مصيره قائلا : (أما بعد فقد أتانا خبر قتل مسلم بن عقيل رضي ألله عنه وهانئ بن عروة وعبدألله بن يقطر ـ وهو أخو الحسين عليه السلام بالرضاعة وكان مبعوثه إلى أهل الكوفة مع مسلم بن عقيل رضي ألله عنه ـ وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم ألإنصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام) . فتفرق عنه بعض من كان معه يمينا وشمالا ولم يبق معه إلا الذين نذروا أرواحهم فداءً للعقيدة .. وإن المتأمل في التاريخ

(1) السيد عبدالرزاق المقرم ، مقتل ألإمام الحسين عليه السلام ص 67 .
البالغون الفتح في كربلاء 21

يجد أن حياة الشعوب تتعرض إلى مثل هذه الإنهزامية لكونها تحتوي على نماذج عديدة منها الوصولية التي تسعى إلى التقرب من السلطان والعيش على فتات موائده بسلام دون حرب وهم من المتملقين دائما للمنفعة الخاصة وأما النصف الثاني فهم الخونة الذين سرعان ما يبيعون مبادئهم ودينهم من أجل منفعتهم المادية ومراكزهم ألإجتماعية ومثل هذين النموذجين وجدناهما في موضوع الواقعة متمثلة في شخصيات زعماء القبائل والرؤساء . أما الصنف الثالث وهم المتذبذبون الذي سرعان ما يتخلون عن مواقفهم وحتى تلك التي يؤمنون بها في دواخلهم في سبيل المحافظة على حياتهم وهؤلاء جلهم من الذين إشتركوا في القتال الفعلي ضد ألإمام الحسين عليه السلام مع أن السواد ألأعظم منهم كان يرزح تحت نير الظلم ألأموي وهو سائم من السلطة وسياساتها ألإجرامية والتعسفية والتي لا يتمكن من البوح بما في داخله ... ويبقى النموذج ألآخر هو الوجه الناصع للإنسانية وهم النخب ألإجتماعية المتميزة التي تحمل فكر المجتمع الحر وتسعى لمداواة جراحاته وألإنتقال به من حالة ألأسى إلى حالة الرفاه وهؤلاء هم على مر التاريخ ثلة قليلة .. فلا نستغرب لهذا ألإصرار الذي تمتع به ألأنصار عبر عدة خطابات حسينية حتى قال لهم (إني لا أعلم أصحابا خيرا منكم ولا أهل بيت أفضل وابر من أهل بيتي فجزاكم ألله عني جميعا خيرا . ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء غدا وأني قد رأيت لكم فإنظلقوا جميعا في حل ليس لي عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فإتخذوه جملا وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم ألله خيرا وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فإن القوم إنما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري) فما كان منهم إلا أن أجابوا بصدق نياتهم وعظيم مقاصدهم ولذلك أشار الشاعر المرحوم السيد رضا الهندي قائلا :

البالغون الفتح في كربلاء 22

وتنادبت للذب عنه عصبة ورثوا المعالي أشيبا وشبابا
من ينتدبهم للكريهة ينتدب منهم ضراغمة ألأسود غضابا
خفوا لداعي الحرب حين دعاهم ورسوا بعرصة كربلاء هضابا
أُسدٌ قد إتخذوا الصوارم حلية وتسربلوا حلق الدروع ثيابا
إتخذت عيونهم القساطل كحلها وأكفهم فيض النجيع خضابا
يتمايلون كأنما عنى لهم وقع الظبا وسقاهم أكوابا
برقت سيوفهم فأمطرت الطلى بدمائهم والنقع ثار سحابا
وكأنهم مستقبلون كواعبا مستقبلين أسنة وكعابا
وجدوا الردى من دون آل محمد عذبا وبعدهم الحياة عذابا

وكان أولهم فخر عدنان وقمر الهاشميين أبو الفضل عليه السلام .. يقول : ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا ألله ذلك أبدا . أما إخوته وجميع أهل بيته فكان جوابهم لا وألله يابن رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم لا نفارقك أبدا ولكنا نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك فقبح ألله العيش بعدك .. وأما مسلم بن عوسجة ألأسدي رغم أن التاريخ لم يحدثنا بالكثير عن سيرته سوى أنه كان صحابيا ممن رأى رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم ومن أبطال العرب في صدر ألإسلام هذا الصحابي الذي لم تغيره الحوادث وبقي على بصيرة من أمره يجيب ألإمام الحسين عليه السلام في قوله نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذا العدد فبما نعتذر إلى رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم وألله لا أفارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت دونك . ولنستمع إلى سعيد بن عبدألله الحنفي وهو يقول : ـ لا وألله يابن رسول ألله لا نخليك أبدا حتى يعلم ألله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولو علمت أني أُقتل فيك ثم أحيا ثم أُحرق ثم أُذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك فكيف

البالغون الفتح في كربلاء 23

وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا إنقضاء لها أبدا .. ثم يأتي من يحمل أمانيه أبعد من هذا المشوار ليتمنى أن تكون الجراح التي يكابدها أكثر من ألف مرة كقول زهير بن القين : ـ (وألله يابن رسول ألله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن ألله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وأهل بيتك) وأفضل مصداق لذلك ما نقله أبن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قيل لرجل شهد الطف مع إبن سعد : ويحك ! أقتلتم ذرية رسول ألله ؟ فقال : لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا لقد ثارت علينا عصابة أيديها في مقبض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يمينا وشمالا وتلقي بأنفسها على الموت لا تقبل ألأمانة ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيره فما كنا فاعلين لا أم لك . فحري بنا أن نستذكر سيرة هؤلاء ألأشاوس النبلاء الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل رفعة ألإسلام وعزته . مع ملاحظتنا الدقيقة عن كثرة ما كتب عنهم حيث كانت معظم تلك الكتابات تستند على النهج العاطفي لكتاب المقاتل وهذا يعني أن المصائبية في هذه الكتابات أغفلت الكثير من دقائق ألأمور التي نحتاجها رغم قلة التراجم لسير حياتهم مما دعا أن تكون أغلب هذه الكثرة تستند على المكرر مع إضافة ألإجتهادات الشخصية من كل كاتب يسعى إلى تغيير ألأسلوب فنجد هناك تناقضات في أنساب وكنى الشهداء وحتى صار عددهم قابلا للزيادة أو النقصان في بعض هذه المصادر بسبب هذه ألإتجاهات ولهذا كان سعينا حذرا نتوخى فيه الدقة ما أمكن بتوفيق من ألله سبحانه وتعالى .

المؤلف
جمادى ألآخرة 1427 هـ



البالغون الفتح في كربلاء 24




البالغون الفتح في كربلاء 25

الفصل ألأول
شهداء قبل الواقعة


1 ـ سليمان بن رزين مولى الحسين بن علي عليه السلام

حينما علم الشيعة في العراق بهلاك معاوية وإستخلاف إبنه يزيد ورفض الحسين عليه السلام البيعة له وخروجه من المدينة إلى مكة . عقد الشيعة مؤتمرهم في الكوفة عند سليمان بن صرد الخزاعي وفي البصرة في بيت مارية بنت منقذ أو سعد(1) ، وناقش المؤتمران كلاهما ألأمر وما ينبغي فعله لمواجهة ألأمور وإتفقوا على رفض بيعة يزيد بن معاوية ودعوة ألإمام الحسين عليه السلام للقدوم إليهم ليبايعوه . وكتبوا له بما إنتهى إليه رأيهم . وإستقرت عليه كلمتهم . فبادر ألإمام الحسين عليه السلام إلى الكتابة إلى أهل البصرة عن طريق أشرافها ورؤساء ألأخماس فيها .
قال أبو مخنف : كتب الحسين عليه السلام مع مولى له يقال له : سليمان ، وكتب بنسخة إلى رؤوس ألأخماس بالبصرة وإلى ألأشراف ، فكتب إلى مالك بن مسمع البكري ، وإلى ألأحنف بن قيس ، وإلى المنذر

(1) تاريخ الطبري ج4 ص 561 .
البالغون الفتح في كربلاء 26

إبن الجارود ، وإلى مسعود بن عمرو ، وإلى قيس بن الهيثم ، وإلى عمرو إبن عبيدألله بن معمر ، فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها : أما بعد ، فإن المصطفى محمدا صلى ألله عليه وآله وسلم إختاره ألله على خلقه ، وأكرمه بنبوته ، وإختاره لرسالته ، ثم قبضه ألله إليه وقد نصح لعباده ، وبلغ ما أرسل به صلى ألله عليه وآله وسلم وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه ، وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس ، فإستأثر علينا قومنا بذلك ، فرضينا وكرهنا الفرقة ، وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه ، وقد أحسنوا وأصلحوا ، وتحرروا الحق ، فرحمهم ألله ، وغفر لنا ولهم. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى ألله وسنة نبيه صلى ألله عليه وآله وسلم ، فإن السنة قد أميتت ، وإن البدعة قد أحييت ، وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد ، والسلام عليكم ورحمة ألله (1). ذهب جل المؤرخين إلى أن إسم هذا الرسول هو سليمان ، ألا أن إبن نما ذكر ـ على قول ـ إن إسمه زراع السدوسي حيث قال : (وبعث الكتاب مع زراع السدوسي ، وقيل مع سليمان المكنى بأبي رزين ..) لكن السلام الوارد عليه في زيارة الناحية المقدسة يؤكد إن إسمه سليمان : (السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المؤمنين ، ولعن ألله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي) ويكنى سليمان بأبي رزين ، وقيل أن أبا رزين (هو إسم أبيه ، وأمه كبشة ، جارية للحسين عليه السلام فتزوجها أبو رزين فأولدها سليمان ) لكن المحقق السماوي ضبط إسم الشهيد هكذا : سليمان بن رزين(2).
وكان سليمان قد خرج مع الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة ، ثم بعثه ألإمام عليه السلام برسالته إلى البصرة ، وهذا كاشف عن ثقته به

(1) تاريخ الطبري ج4 ص564 .
(2) المجموعة الموضوعية ج2 ص38 .
الفهرس التالي التالي