البالغون الفتح في كربلاء 27

وإعتماده عليه ومنزلته الخاصة عنده (1).
إستشهاده :


قال أبو مخنف : كان الحسين عليه السلام كتب إلى أهل البصرة كتابا وبعثه مع مولى له يقال له سليمان ، وكتب بنسخة إلى رؤوس ألأخماس بالبصرة وإلى ألأشراف ، فكتب إلى مالك بن مسمع البكري وإلى ألأحنف بن قيس ، وإلى المنذر بن الجارود ، وإلى مسعود بن عمرو ، وإلى قيس بن الهيثم ، وإلى عمرو بن عبيدألله بن معمر ، فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها .
قال أبو مخنف : فكل من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمه ، غير المنذر بن الجارود ، فإنه خشي بزعمه أن يكون دسيسا من قبل عبيدألله بن زياد (لع) ، فجاءه بالرسول من العشية التي يريد صبيحتها أن يسبق إلى الكوفة ، وأقرأه كتابه ، فقدم الرسول فضرب عنقه (2). قتله سليمان بن عوف الحضرمي لعنه ألله (3).

جريمة إبن الجارود :


ذكر صاحب المجموعة : إذا أردنا الشهيد ألأول من شهداء هذه الثورة المقدسة عموما فإن رسول ألإمام الحسين عليه السلام إلى أشراف البصرة

(1) ذكر السيد إبن طاووس في الملهوف ص 110 يقول : كان سليمان هذا مولى للحسين عليه السلام أرسله إلى أهل البصرة ، وسلمه أحد من أرسل إليه من زعماء البصرة إلى عبيدألله بن زياد (لع) فقتله ، وذكر بعض المؤرخين أنه إستشهد مع الحسين عليه السلام ، والظاهر أنه وقع خلط بين هذا سليمان وبين سليمان آخر إستشهد مع الحسين عليه السلام يوم الطف .
(2) تاريخ الطبري : ج4 ص 565 .
(3) عبدالمجيد محمد رضا الشيرازي : ذخيرة الدارين ص 323 .
البالغون الفتح في كربلاء 28

ورؤساء ألأخماس فيها هو ذلك الشهيد ألأول رضوان ألله تعالى عليه ، الذي قتله عبيدألله بن زياد قبل يوم من تركه البصرة متوجها إلى الكوفة ، وذلك بسبب خيانة المنذر بن الجارود العبدي ، الذي زعم أنه خاف أني كون الكتاب دسيسا من عبيدألله بن زياد ـ وكانت بحرية بنت المنذر زوجة لعبيدألله بن زياد ـ فأخذ عبيدألله بن زياد الرسول فصلبه ، أو قدمه فضرب عنقه (1).

من هو إبن الجارود؟ :


كان المنذر بن الجارود مع علي عليه السلام يوم الجمل وأمره على إصطخر وأمه أمامة بنت النعمان وولاه عبيدألله بن زياد (لع) الهند ومات هناك سنة 61 هـ وعند إبن خليفة ولاه السند فمات سنة 62 (2) إن مصعب بن الزبير قال للحكم بن المنذر بن الجارود ، كان الجارود علجا بجيزرة (إبن كاوان) فارسيا فقطع إلى ساحل البحر فإنتمى إلى عبدالقيس ، لا وألله ما أعرف حيا أكثر إشتمالا على سوأة منهم ثم أنكح أخته المكعبر الفارسي فلم يصب شرفا قط(3).
قال صاحب المجموعة الموضوعية : المنذر بن الجارود العبدي : ولاه ألإمام علي عليه السلام بعض أعماله فخان فيه فكتب عليه السلام إليه (أما بعد ، فإن صلاح أبيك غرني منك ، وظننت أنك تتبع هديه وتسلك سبيله ، فإذا أنت رقي إلي عنك لا تدع لهواك إنقيادا ، ولا تبقي لآخرتك عتادا ، أتعمر دنياك بخراب آخرتك !؟ وتصل عشيرتك بقطيعة دينك !؟ ولئن كان ما

(1) المجموعة الموضوعية : ج2 ص 37 ـ 38 .
(2) السيد المقرم : المقتل عن العسقلاني في ألإصابة ج2 ص 480 ـ وفي تاريخ الطبري ج7 ص 183 طبعة أولى أنه مات سنة 71 هـ .
(3) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 29

بلغني عنك حقا لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك ، من كان بصفتك فليس بأهل أن يُسد به ثغر أو ينفذ به أمر أو يُعلى له قدر أو يُشرك في أمانة أو يؤمن على جباية ، فأقبل إلي حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء ألله) .
وقال عليه السلام في المنذر بن الجارود هذا أيضا :
(إنه لنظار في عطفيه ، مختال في برديه ، تفال في شراكيه) أي أنه ذو زهو ، بنفسه ومظهره ، متكبر ، همه في نظافة ظاهره لا في طهارة الباطن وتزكية النفس وتهذيب المحتوى والعروج إلى آفاق المعنويات السامية .
و(كان علي عليه السلام ولاه فارسا فإحتاز مالا من الخراج .. وكان المال أربعمائة الف درهم ، فحبسه علي عليه السلام فشفع فيه صعصعة وقام بأمره وخلصه )(1).
ولقد شفع المنذر بن الجارود خيانته في ألأموال بخيانته في النفوس حيث قدم نسخة رسالة ألإمام الحسين عليه السلام إليه مع رسول ألإمام عليه السلام سليمان بن رزين إلى عبيدألله بن زياد تقربا إليه وطمعا في الزلفة منه ، وكانت نتيجة هذه الخيانة أن قُتل رسول ألإمام رضي الله عنه صبرا .
ولقد كافأ إبن زياد إبن الجارود على خيانته فولاه السند حيث توفي سنة 61 هـ فلم يهنأ بجائزته إلا شهورا قليلة(2).


2 ـ مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي ألله عنه :

أبوه : عقيل بن ابي طالب بن عبدالمطلب الهاشمي الطالبي . وقد كان عقيل مبغوضا إلى قريش بمساوئهم فهو ينشرها ولا يخفيها ،

(1) المجموعة الموضوعية : ج2 ص 35 .
(2) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 30

فيفتضحون بذلك ، فلذا أبغضوه ونسبوا إليه كلما يشينه ويوجب القدح فيه ، حتى أنهم نسبوا إليه ألإنحراف عن أخيه أمير المؤمنين عليه السلام وزعموا أنه فارقه ولحق بمعاوية ، وجرى هذا التشنيع عليه بغضا له ، قال الشيخ المظفر وقد ذكرنا كل ما ذكروا في (الميزان الراجح( وأجبنا عنه . وهنا كلمة للحافظ المقريزي وقعت في موقعها من الصواب ، وقد أوردها مورد ألإحتجاج على بني أمية ، ما لفظه هذا : وهم يزعمون أن عقيلا أعان معاوية على علي عليه السلام فإن كانوا كاذبين فما أولاهم بالكذب ، وإن كانوا صادقين فما جازوه خيرا إذ ضربوا عنق مسلم بن عقيل رضي ألله عنه صبرا ، وقتلوا معه هانئ بن عروة لأنه آواه ونصره (1).
وكان عقيل رجل قد كُف بصره ، وله بعد لسانه ونسبه وأدبه وجوابه ، فلما فضل نظراءه من العلماء بهذه الخصال صار لسانه أطول ، وغاضب عليا عليه السلام وأقام بالشام فكان ذلك أيضا أطلق للسان الساعي عليه والحاسد فيه ، وزعموا أنه قال لمعاوية ـ وذكر ما قاله في ألإستيعاب من قوله (أنت خير لي في دنياي) .
وقال له مرة أخرى : أنت معنا يا أبا يزيد. قال : ويوم بدر كنت معكم (2).
وقال معاوية يوما : يا أهل الشام ! هل سمعتم قول ألله تعالى في كتابه العزيز «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ».
قالوا : نعم .
قال : فإن أبا لهب عمه .

(1) المرحوم الشيخ عبدالواحد المظفر : بطل العلمقي ج1 ص 269 .
(2) المصدر السابق : ص 277 .
البالغون الفتح في كربلاء 31

فقال عقيل : هل سمعتم قول الله عز وجل : «وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ»؟
قالوا : نعم .
قال : إنها عمته .
قال معاوية : حسبنا ما لقينا من أخيك .
وذكروا أن إمرأة عقيل وهي فاطمة بنت عتبة بن ربيعة قالت : يا بني هاشم ! لا يحبكم قلبي أبدا : اين ابي ؟ أين عمي ؟ أين اخي ؟ كأن أعناقهم أباريق الفضة ترد أنفهم قبل شفاههم .
قال لها عقيل : إذا دخلتي جهنم فخذي على شمالك .
وقال إبن ألأثير : إن عقيل بن أبي طالب لزمه دين فقدم على علي عليه السلام في الكوفة فأنزله وأمر إبنه الحسن عليه السلام فكساه ، فلما أمسى أُتي بعشائه فإذا خبز وملح وبقل فقال عقيل : ما هو إلا ما أرى ؟
قال : نعم .
قال : تقضي ديني .
قال : كم دينك ؟
قال : أربعون ألفا .
قال : ما هي عندي ولكن إصبر حتى يخرج عطائي فإنه اربعة آلاف أدفعها إليك.
قال عقيل : بيوت المال بيدك وأنت تسوفني بعطائك ؟
قال : أتأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين وقد إئتمنوني عليها ؟
فقال عقيل : فإني آت معاوية .

البالغون الفتح في كربلاء 32

فأذن له ، فأتى معاوية ، فقال له : يا (عقيل) كيف تركت عليا واصحابه ؟
قال : كأنهم اصحاب محمد صلى ألله عليه وآله وسلم إلا أني لم أر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم ، وكأنك أبو سفيان واصحابه إلا أني لم ار أبا سفيان فيكم .
فلما كان الغد قعد معاوية على سريره وأمر بكرسي إلى جنب السرير ثم إذن لعقيل .
فقال : يا معاوية ! من هذا معك ؟
قال : الضحاك بن قيس .
فقال : الحمد لله الذي رفع الخسيسة وتمم النقيصة ، هذا الذي كان أبوه يخصي بهمنا بألأبطح ، لقد كان بخصائها رفيقا .
فقال الضحاك : إني لعالم بمحاسن قريش ، وإن عقيلا عالم بمساوئها .
فأمر له معاوية بخمسين ألف فأخذها ورجع(1).

حديث الحديدة المحماة التي أدناها منه أمير المؤمنين عليه السلام :


ليس فيها ما يدل على إقترافه إثما أو خروج عن طاعة ، فإن أمير المؤمنين عليه السلام اراد بذلك تهذيبه بأكثر مما تتهذب به العامة ، كما هو مطلوب من مثل عقيل والمناسب لمقامه (2) . فعرفه (سيد ألأوصياء) أن إنسانا بلغ من الضعف إلى أن يئن من قرب الحديدة المحماة بنار الدنيا من دون أن تمسه ، كيف يحتمل نار ألآخرة في لظى نزاعة للشوى وهو

(1) المصدر السابق .
(2) السيد المقرم : العباس عليه السلام ص 84 .
البالغون الفتح في كربلاء 33

مضطرم بين أوارها ، فمن واجب ألإنسان الكامل ألإبتعاد منها بكبح النهمة وكسر سورة الجشع والمكابدة للملمات القاسية ، فهي مجلبة لمرضاة الرب ومكسبة لغفرانه ، وإن كان غيره من أفراد الرعية يبتعد عنها بترك المحرمات فحقيق بمثله ـ وهو إبن بيت الوحي ورجالات عصبة الخلافة ـ التجنب حتى عن المكروهات ، وما لا يلائم مقامه من المباحات ، ويروض نفسه بترك ذلك كله حتى تقتدي به الطبقات الواطئة بما يسعهم ، أو يسلون انفسهم بمقاساة الشدائد في دنياه مثل عقيل ، فلا يبهضهم الفقر الملم والكرب المدلهم قرب مباح ينقم عليه من مثله ولا يلام من هو دونه بإرتكابه فإن (حسنات ألأبرار سيئات المقربين)(1).
وأمير المؤمنين عليه السلام أراد أن يوقف اخاه على الخطر الداهم الذي حواه ، وقد ذهل عنه في ساعته تلك .

أمه :


كانت أم مسلم بن عقيل رضي ألله عنه نبطية من آل فرزندا ..إلخ أما بقية أهل النسب فقالوا إنها أم ولد ولم يبينوا أنها من اي أمة ولكنهم إتفقوا على أنها جارية ليست من العربيات (2) .
قال أبو الفرج ألأصفهاني في مقاتل الطالبيين : أمه أم ولد يقال لها (علية) وكان عقيل إشتراها من الشام فولدت له مسلما ولا عقب له .
أما السيد المقرم فله رأي آخر ينقله في كتابه مسلم بن عقيل رضي الله عنه فيقول : إن غموض التعريف عن أم مسلم بأجلى المظاهر ، أوقع الباحث في حيرة السؤال عن إقتران عقيل منها ، هل كان بالعقد أم بملك اليمين،

(1) المصدر السابق .
(2) عبدالواحد المظفر : سفير الحسين عليه السلام ص 9 .
البالغون الفتح في كربلاء 34

وأنها حرة أم جارية ؟ ، والعتب في ذلك على المؤرخين الذين أهملوا الحقائق مع تحفظهم على أمور تافهة لا يقام لها وزن ، وإن من الجدارة التعريف بنواحي هذا الرجل العظيم الذي دخل الكوفة وحده بلا عدة ولا عدد ، فدوى أرجاءها بصرخته الحسينية في وجه المنكر ، وأقلق فكر الممثل للزعامة ألأموية في الشام ولعل من هذا ألإغفال يستطيع الباحث الجزم بأن ما يلم «بإبن عقيل» كان على ابعد حد من الفضائل والفواضل سواء من ناحية أمه وابيه أو من بيته الرفيع فإنه لو كان هناك طريق للغمز فيه ولو من جهة تأريخ أمه لتذرع به المنحرفون عنه وعن سلفه الطاهر كما هو ديدنهم فيمن ضمهم هذا البيت أو إنضوى إلى رايتهم ومشى على ضوء تعاليمهم . وليس للمؤرخين إلا نصّان احدهما بعيد عن الواقع كما ستعرف ، وألآخر على ما فيه من غموض وإجمال يمكن للمتأمل فيه ، وفيما كتب عن أصل النبط الإذعان بأن «أم مسلم» عربية حرة ، ولعل ترك إبن زياد التعرض لها في ما جرى بينه وبين مسلم من المحاورات يشهد له ، فإنه كان بصدد إسقاط مسلم عن أعين الناس فنسب له اشياء يقطع بأنه لم يأت بها اصلا فلو كانت أمه جارية لنبزه بها كما فعل هشام إبن عبدالملك مع زيد الشهيد ـ رضوان الله عليه ـ إذ قال له : زعمت أنك تطلب الخلافة ولست هناك وأنت إبن أمة ، فقال له زيد : إن ألأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات ، وقد كانت أم إسماعيل أمة فلم يمنعه أن يكون نبيا وابا لخاتم ألأنبياء صلى الله على نبينا وآله وعليهم السلام .

الخلف الصالح يخلد ذكر سلفه :


فلا يزال ذكره حيا بعمره الثاني من ذكر جميل وثناء جزيل ، وترحم متواصل ، وإستغفار له منه وممن تعرف به ، وفي الحديث : إن إبن آدم إذا مات إنقطع عمله من الدنيا إلا من ثلاث ، وعدّ منها الولد

البالغون الفتح في كربلاء 35

الصالح (1) . ومن أجلى الواضحات أن هذا التذكير يختلف حسب تدرج ألأولاد في المآثر ، فمهما كان قسطهم منها أكثر فهم لمجد آبائهم أخلد .
وكذلك ألأسلاف فكلما كانوا في الشرف والسؤدد أقرب فإنتشار فضلهم بصالحي خلفهم أسرع . إذا فما ظنك بمثل عقيل بن ابي طالب الشريف المبجل ، وقد خلفه (شهيد الكوفة) وولده ألأطايب (شهداء الطف) الذين لم يسبقهم ولا يلحقهم لاحق ، فلو لم يكن لعقيل شيء من الخطر والعظمة لتسنم بهؤلاء ألأكارم اوج العلى والرفعة .
وكم أب علا بإبن ذرى شرف كما علا برسول ألله عدنان

وكيف به وهو من أشرف عنصر في العالم كله ؟ !

ولادته :


كان مسلم بن عقيل رضي الله عنه مدني النشأة حجازي البيئة والتربية والتثقيف ولد في دارهم المعروفة بدار عقيل والتي صارت مقبرة لآل أبي طالب وهي في أول البقيع ولم تعرف سنة ولادته تحقيقا ولأرباب المقاتل إختلاف في تقدير سنه يوم قتل فقائل إستشهد وسنه 28 سنة ، وآخر يقول 34 سنة لدة العباس ألأكبر إبن أمير المؤمنين عليه السلام ، وآخرون أن سنه 38 سنة . ونرى هو ألأرجح لأن ألإمام أمير المؤمنين عليه السلام أمره على فيلق حربي يوم صفين سنة 36 هـ . مما يعني أنه كان في عمر الشباب .

زوجاته


تزوج مسلم رضي ألله عنه بكوكبة من السيدات الفاضلات ، وهن خيرة نساء المسلمين عفة وفضلا وكمالا ، وأسماؤهن :

(1) السيد المقرم : العباس عليه السلام ص 87 .
البالغون الفتح في كربلاء 36

1 ـ رقية الكبرى بنت ألإمام أمير المؤمنين عليه السلام :
شقيقة عمر ألأطرف وأمها الصهباء التغلبية وقد ولدت له عبدألله وعليا وإستشهد عبدألله مع ألإمام الحسين عليه السلام .
2 ـ رقية الصغرى (أم كلثوم) بنت ألإمام أمير المؤمنين عليه السلام :
وأمها أم ولد . قال الشيخ المظفر : قال محمد بن حبيب النسابة البصري في كتابه المحبر ص 56 طبع حيدر آباد ، ويظهر من كلام إبن حبيب أن مسلما تزوج أولا الكبرى وفارقها ثم تزوج الصغرى كما هو ظاهر قوله وصاهره مرة أخرى ، ورقية هذه أي الصغرى شهدت كربلاء وكانت مع أخوات الحسين عليه السلام اللاتي خرجن معه . ويضيف المحقق المرحوم المظفر قائلا : ولا يتوهم أن أم كلثوم هي الكبرى بنت علي عليه السلام من فاطمة الزهراء عليها السلام بل هي أم كلثوم الصغرى أمها أم ولد وانا لست أدري من هذه أم كلثوم فإني لم اجد لرقية كنية بأم كلثوم والعهدة على الناقل (1).
3 ـ أم ولد :
لم ينص المؤرخون على إسمها (2) أعقبت له محمدا وقد إستشهد مع ألإمام الحسين عليه السلام كما إستشهد معظم أبنائه في صعيد كربلاء مع ريحانة رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم .

السفارة :


إبتداء معرفة السفارة وتسمية المصطلح سفيرا إنما عرف ذلك من نصوص القرآن الكريم ، «رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً»(3).

(1) الشيخ المظفر : سفير الحسين عليه السلام ص 15 .
(2) المصدر السابق : أنظر القرشي مسلم بن عقيل رضي الله عنه ص 66 .
(3) سورة البينة ، ألآية : 2 .
البالغون الفتح في كربلاء 37

السفارة لغة :


في مجمع البحرين ، السّفر : الكتاب يسفر عن الحقائق والسفير : الرسول بين القوم يزيل ما بينهم من الوحشة .
والسفارة بالكسر : الرسالة فالرسول والملائكة والكتب مشتركة في كونها سافرة عن القوم بما إشتبه عليهم وفي الحديث (حق إمامك عليك في صلاتك بأنك تعلم أنه تقلد السفارة)(1) أي الرسالة بينك وبين ربك ، والمقصود إمام الجماعة واسطة بين المأموم وربه . وقد قال الفقهاء أنه يتحمل صلاة المأمومين ويضمن الخلل الواقع في الصلاة ما عدا ألإخلال بالطهارة .

معاني السفير :


حسب المصادر اللغوية إن للسفير معان عدة :
(أحدها) أن السفير هو الرسول وواسطة التبليغ .
(الثاني) أن السفير هو الوكيل والنائب في أمر خاص أو عام .
(الثالث ) المصطلح وهو الساعي في إخماد ثورة أو تسكين مشاغبات بين عشيرتين أو حكومتين أو شعب وحكومة (2).

الحسين عليه السلام يحدد صفات السفير :


حدد الإمام الحسين عليه السلام صفات سفيره ومعاني ومهام السفارة بوضوح من خلال وثيقة سفارته :

(1) المظفر : سفير الحسين عليه السلام ص 41 .
(2) المصدر السابق : ص 42 .
البالغون الفتح في كربلاء 38

بسم ألله الرحمن الرحيم

من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين :
أما بعد : فإن هانئا وسعيدا قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي إقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلكم : أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل ألله أن يجمعنا بك على الحق والهدى .
وإني باعث إليكم اخي وإبن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل رضي الله عنه ، فإن كتب إلي أنه قد إجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء ألله ، فلعمري ما ألإمام إلا الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط الداين بدين الحق ، الحابس نفسه عن ذات ألله ، والسلام .
يبدو واضحا أن ألإمام الحسين عليه السلام قد حدد بوضوح مزايا سفيره فوصفه بأخيه وثقته من أهل بيته فيكون الحسين عليه السلام بذلك قد حدد مسبقا مهمة السفير ومواصفاته وهو ألإمام المعصوم إلا أنه وللأسف الشديد أن بعض ألأقلام راحت تجاهر بعدم أهلية مسلم بن عقيل رضي ألله عنه بالسفارة دون دراسة موضوعية للواقع وللأحداث وقد شطت أقلامهم بعيدا عن الحقيقة وسنحاول من خلال هذه الدراسة إثبات العكس إن شاء ألله .


ألإعداد للثورة :

قال أبو مخنف : حدثني عقبة بن سمعان مولى الرباب إبنة إمرئ القيس الكلبية إمرأة الحسين عليه السلام ـ وكانت مع سكينة إبنة الحسين عليه السلام ، وهو مولى لأبيها ، وهي إذ ذاك صغيرة ـ قال : خرجنا فلزمنا الطريق ألأعظم ، فقال للحسين اهل بيته : لو تنكبت الطريق ألأعظم كا فعل

البالغون الفتح في كربلاء 39

الزبير لا يلحقك الطلب ، قال : لا ، وألله لا أفارقه حتى يقضي ألله ما هو أحب إليه ، قال : فإستقبلنا عبدألله بن مطيع فقال للحسين : جُعلت فداك ّ أين تريد ؟ قال : اما ألآن فإني اريد مكة ، وأما بعدها فإني استخير ألله ، قال : خار ألله لك ، وجعلنا فداك ، فإذا أنت أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة ، فإنها بلدة مشؤومة ، بها قُتل أبوك ، وخُذل أخوك ، وأغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ، إلزم الحرم ، فإنك سيد العير ، لا يعدل بك وألله أهل الحجاز أحدا ، ويتداعى إليك الناس من كل جانب ، لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فوألله لئن هلكت لنُسترقن بعدك (1).
فأقبل حتى نزل مكة ، فأقبل اهلها يختلفون إليه ويأتونه ومن كان بها من المعتمرين وأهل ألآفاق ، وإبن الزبير بها لزم الكعبة ، فهو قائم يصلي عندها النهار ويطوف ، ويأتي حسينا فيمن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كل يومين مرة ، ولا يزال يشير عليه بالرأي وهو أثقل خلق الله على إبن الزبير ، قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ولا يتابعونه أبدا ما دام حسين بالبلد ، وإن حسينا أعظم في أعينهم وانفسهم منه ، وأطوع في الناس منه .
فلما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية أرجف أهل العراق بيزيد وقالوا : قد إمتنع حسين وإبن الزبير ، ولحقا بمكة ، فكتب أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام ، وعليهم النعمان بن بشير .
وعن أبي مخنف (2) : لما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية إجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي قال : فذكرنا هلاك معاوية ، فحمدنا ألله عليه ، فقال لنا سليمان بن صرد : إن معاوية قد هلك ، وإن

(1) تاريخ الطبري : ج 4 ص 559 .
(2) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 40

حسينا قد تقبض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون إنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فأكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه ، قالوا : لا ، بل نقاتل عدوه ونقتل دونه ، قال : فأكتبوا إليه فكتبوا إليه :
بسم ألله الرحمن الرحيم

للحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر ألأسدي وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة . سلام عليك ، فإنا نحمد إليك ألله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي إنتزى على هذه ألأمة فإبتزها أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمر عليها بغير رضا منها ، ثم قتل خيارها ، وإستبقى شرارها ، وجعل مال ألله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعدا له كما بعدت ثمود أنه ليس علينا إمام ، فأقبل لعل ألله أن يجمعنا بك على الحق . والنعمان بن بشير في قصر ألإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء ألله ، والسلام ورحمة ألله عليك . قال : ثم سرحنا بالكتاب مع عبدألله بن سبع الهمداني وعبدألله بن وال ، وامرناهما بالنجاء ، فخرج الرجلان مسرعين حتى قدما على حسين لعشر مضين من شهر رمضان بمكة ، ثم لبثنا يومين ، ثم سرحنا إليه قيس إبن مسهر الصيداوي وعبدألرحمن بن عبدالله بن الكدن ألأرحبي وعمارة بن عبد السلولي ، فحملوا معهم نحوا من ثلاثة وخمسين صحيفة ، الصحيفة من الرجل وألإثنين وألأربعة(1).

(1) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 41

قال أبو مخنف : إن الحسين عليه السلام دعا مسلم بن عقيل رضوان ألله عنه فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبدألله بن الكدن ألأرحبي وعمارة بن عبدألله السلولي ، فأمره بتقوى ألله وكتمان أمره ، واللطف ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك . أما الشيخ المفيد فقد ذكر أن الذين بعثهم أهل الكوفة إلى ألإمام الحسين عليه السلام في ثاني وفادة هم : قيس بن مسهر الصيداوي وعبدألله وعبدالرحمان إبنا شداد ألأرحبي وعمارة بن عبدألله السلولي ثم يذكر أن ألإمام عليه السلام دعا مسلما رضي الله عنه وأمره بالمسير إلى الكوفة مع المذكورين (1).


ألحسين عليه السلام يستكشف نيات أهل الكوفة مرة أخرى :

بعد ورود رسائل أهل الكوفة في المرة ألأولى إليه لم يجبهم وبقي متأنيا فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب ، وتواترت الكتب حتى إجتمع عنده منها في نوب متفرقة إثنا عشر ألف كتاب(2).
ثم قدم عليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبدألله الحنفي بهذا الكتاب وهو آخر ما ورد عليه عليه السلام من أهل الكوفة ، وفيه :
بسم ألله الرحمن الرحيم

إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين عليه السلام .
من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام .
أما بعد ، فإن الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل يابن رسول ألله ، فقد إخضر الجناب ، وأينعت الثمار ، وأعشبت

(1) تاريخ الطبري : ج4 ص 562 .
(2) السيد إبن طاوسُ : الملهوف على قتلى الطفوف ص 105 .
السابق السابق الفهرس التالي التالي