كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 175

تخوّلُهم الوقوفَ أمام ذلك الجيش الهائل ، فكان من يراهم يُصاب بالدهشة وذلك لعظِم موقفهم ، وربط جأشهم وقلة مُبالاتِهم ، فأصبحوا في ذلك مَضرباً للمثل بحق ، إذ لو تصفحت التاريخ لا تجد أنصاراً كهؤلاء قاتلوا بروحية عالية ، حيث يتمنى أحدهم أن يقاتل ويقتل سبعين مرةً بلا ملل في سبيل الحسين(عليه السلام) ، حتى أصبحت هذه النخبة المباركة متكاملةً من جميع الجهات ، ووصلت إلى الذروة في الاقدام والبطولة والصمود.
والفضل في هذا كله يعود في الحقيقة إلى الحسين(عليه السلام) الذي انتخبهم وانتقاهم من بين الاخرين ، حيث كان(عليه السلام) يلاحظ ذلك بعين الاعتبار من حيث كفاءة الرجل ونزاهته وتوطينه للنفس ، وقد أعلنها كلمة صريحة قبيل خروجه إلى العراق قائلا : مَنْ كان باذلاً فينا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا ، فإنني راحلٌ مصبحاً إنشاء الله تعالى (1) فكان(عليه السلام) حريصاً في أن تكون النخبة التي تقاتل معه وتقف الى جانبه متكاملة من حيث توطين النفس والاخلاص في التضحية، ولهذا كان أحدهم كألف ، فكانوا كما قيل عنهم :
قومٌ إذا نــودوا لدفـع ملمـة والخيل بين مدعس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع كأنهم يتهافتون إلى ذهاب الانفس(2)

وقال كعب بن جابر قاتل برير في وصفهم :
ولم تر عيني مثلهم فـي زمانهم ولا قبلهم في الناس إذا أنا يافعُ
أشدّ قراعاً بالسيوف لدى الوغى ألا كلّ من يحمي الذمار مقارعُ

(1) اللهوف : ص 26.
(2) اللهوف : ص48.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 176

وقد صبروا للطعن والضرب جُسّراً وقد نازلــوا لــو أن ذلك نافــعُ 13)

وقد قال بعض المؤرخين يصف قتالهم يوم العاشر من المحرم : وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشد قتال خلقه الله (2)
الامر الذي يدل على صدق نياتهم وشدة وثباتهم ، وناهيك عن شهادة أعدائهم لهم بذلك ، قيل لرجل شهد الطف مع ابن سعد : ويحك أقتلتم ذرية الرسول ؟ !
فقال : عضضت بالجندل ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ، ثارت علينا عصابةٌ أيديها على مقابض سيوفها كالاسود الضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً تلقي نفسها على الموت ، لا تقبل الامان ولا ترغب في المال ولا يحول حائلٌ بينها وبين المنية أو الاستيلأ على الملك ، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها فما كنا فاعلين لا اُمَّ لك (3) !!
ووصفهم بعضهم بقوله : لقوا جبال الحديد ، واستقبلوا الرماح بصدورهم ، والسيوف بوجوهم وهم يُعرض عليهم الامان والامـوال فيأبون ويقولون : لا عذر لنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن قُتـل الـحسين (عليه السلام) ومنا عينٌ تَطرُف ، حتى قُتلوا حوله (4)
فبعد هذا تعرف أن هؤلاء الصفوة هم الذين استبقاهم الحسين(عليه السلام) وانتقاهم من بين أولئك الطامعين أو الخائفين ، فهو لا يقبل كلَّ من وفد عليه ما لم يكن مؤهلاً، فهذا عبيد الله بن الحر لمَّا دعاه الحسين إلى نصرته ليمحو بها ذنوبه الـكثيرة

(1) سفينة البحار للقمي : ج5 ، ص42.
(2) تاريخ الطبري : ج4 ، ص333 ، وقعة الطف لابي مخنف : ص228.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ، ص263 ، مقتل الحسين للمقرم : ص69.
(4) إختيار معرفة الرجال للطوسي : ج1 ، ص293 | 133.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 177

قال ابن الحر : فإن نفسي لا تسمـح بالموت ولكن فرسي هذه الملحقة والله ما طلبت عليها شيئاً قط إلا لحقته ولا طلبني أحد وأنا عليها إلا سبقته فخذها لك.
فقال له الحسين
عليه السلام) : أما إذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا في فرسك ولا فيك «وما كنتُ متخذُ المضلينُ عَضُداً »(1) وإني أنصحك كما نصحتني ، إن استطعت أن لا تسمع صراخنا ، ولا تشهد وقعتنا فافعل ، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ولا ينصرنا إلا أكبه الله في نار جهنم (2)
فكان أمثال هؤلاء يجنّبهم الحسين(عليه السلام) ساحة القتـال ، ويحذرهم من سماع واعيته ما داموا غير موطنين أنفسهم للدفاع عنه.
ولذا كان لأذن الحسين(عليه السلام) لاصحابه بالتفرق عنه أكبر الأثر في ابقاء الصفوة الخالصة التي لا يحتمل في حقها الهزيمة أو الخذلان إذ من الطبيعي من كان صادقاً في عزيمته وموطناً على ذلك نفسه ـ وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية ـ لا يتخلى عنه في ساعة المحنة وفي أحلك الظروف واشتداد الامر ، ولذا بقي معه من وطَّن نفسه على ذلك وأبت حفيظتُهُ مفارقتَه ولسان حالهم يقول :
إنّا على العهد لم نخذلك في غدنا وكيف يخذل مَنْ في حبكم فُطِما

وأما من كان غير متصف بهذا كان من الطبيعي أن يتخلى عنه ولو بقي معه مثل هذا ! لا يؤمن منه أن يسلمه عند الوثبة ويخذله في ساحة الحرب ، فيكون أسوأ حالاً ممن انصرف عنه(عليه السلام) ليلة العاشر ، فعلى هذا لا محالة يواجه خطرين عظيمين :
أحدهما : أنه يبوءُ بغضبِ الله تعالى لا نهزامه وزحفه من ساحة المعركة ، ولا

(1) سورة الكهف : الاية 51.
(2) مقتل الحسين للمقرم : ص189 ، تاريه الطبري : ج4 ، ص307 ، بتفاوت.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 178

يخفى أن هذا من أعظم الكبائر ، فيكون مصداقاً لقول الحسين(عليه السلام) : مَن سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا أو يغثنا كان حقاً على الله عزوجل أن يكبه على منخريه في النار (1)
ثانيهما : إظهار الوهن والخذلان في أصحاب الحسين(عليه السلام) كما يثير ذلك أيضاً شماتة الاعداء ! !
وهذا ما دفع زينب (عليها السلام) أن تسأل الحسين(عليه السلام) عن صدق نيات أصحابه ؟
فقالت له : هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة ؟!
فقال لها : والله لقد بلوتهم فما وجدتُ فيهم إلا الاشوس الاقعس ، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه ! !
وعلى إثر هذا الكلام جاء حبيب بن مظاهر مع أصحابه وواجهوا النسوة قائلين : يا معشرَ حرائر رسول الله هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم (2)، فعند ذلك طابت خواطرهن وسكنت قلوبهن. وذلك لما رأين عزائم الابطال الصادقة وثبات موقفهم.
وبهذا يكونُ أصحاب الحسين(عليه السلام) متفوقين بالروح المعنوية على أعدائهم مع قلتهم ، وبمحض إرادتهم ، ودوافعهم النفسية والدينية ، وهذا كما لاي يخفى له دور كبير.

(1) ثواب الاعمال للصدوق : ص309 ، إختيار معرفة الرجال للطوسي : ج1 ، ص331 / 181 بحار الانوار : ج45 ص84 ، مقتل الحسين للمقرم : ص190.
(2) معالي السبطين : ج1 ، ص345 ، الدمعة الساكبة : ج4 ، ص273 ـ 274 ، مقتل الحسين للمقرم : ص219.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 179

في تعزيز المواجهة والاستعداد لدخول المعركة

الامر الثاني

تهيئة السلاح وإصلاحه


ومن الامور العسكرية التي لا حظها الحسين(عليه السلام) ليلة عاشوراء هو إعداد السلاح ، وذلك بشحذ السيوف وصقل الحراب وإصلاحهما ، ليتقوى بذلك على قتال الاعداء ، وكما قال تعالى « وَأَعدُّوا لَهم مَّا استَطَعتُم مِن قُوَّة وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم »(1)، إذ أن إعداد السلاح قبل لقاء الاعداء ، وما يتقوى به على قتالهم من الرجال وآلات الحرب أمورٌ مهمة في تعزيز الموقف.
ولذا من جملة أعمال الحسين(عليه السلام) في هذه الليلة هو الاعداد لهذا الجانب وقـد أشرف عليـه بنفسـه ، كمـا جـاء في روايـة الامـام زيـن العابدين(عليه السلام) : إني جالس في تلك العشية التي قُتل أبي صبيحتها وعمتي زينب عندي تُمرضني إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له وعنده حوَّى مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويُصلحه (2)
وقد رجح البعض إرجاع الضمير في عبارة : ( وهو يعالج سيفه ويصلحه ) إلى جون مولى أبي ذر ، لا إلى الحسين عليه السلام) ، وقد عُرف عن جون أنه كان بصيراً بمعالجة آلات الحرب وإصلاح السلاح كما في كامل البهائي (3) وغيره (4)
وقد عُرف هذا أيضاً عن أبي ثمامة الصائدي ، الذي هو من فرسان العرب

(1) سورة الانفال : الاية 60.
(2) تاريخ الطبري : ج4 ، ص318 ، الارشاد للمفيد : ص232.
(3) كامل البهائي : ج2 ، ص280.
(4) الامام الحسين وأصحابه للقزويني : ج1 ، ص92.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 180

ووجوه الشيعة ، فهو الاخر كان بصيراً بالاسلحة وشؤونها (1)
وعلى أية حال ، فإن معالجة السلاح وإصلاحه حتى وإن تمت على يد جون ـ رضي الله عنه ـ أو غيره من الانصار فإنها لم تخرج عن إشراف الحسين(عليه السلام) ورعايته وأمره ، إذ المقطوع به أنهم كانوا جميعاً رهنَ إشارته وفي خدمته ولا يصنعون شيئاً دون رضاه ـ صلوات الله عليه ـ .
الامر الثالث

تنظيم الخيام

ومن الامور التي قام بها(عليه السلام) أنه أمر أصحابه أن يجعلوا خيامهم في خط واحد ، وأن يقربوا البيوت بعضها من بعض ويدخلوا الاطناب بعضها في بعض ، وقيل إنها صارت على شكل الهلال مما يعزز جبهتم القتالية.
وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم (2) وإنما فعل هذا لئلا يتسلل الاعداء من منافذها.
الامر الرابع

حفر الخندق

وقد أمر(عليه السلام) أصحابه بحفر خندق في مكان منخفض كأنه ساقية وراء الخيام ، كما أمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت ، وذلك لاستخدامه في الصباح وإشعال النار فيه ، وذلك ينفعهم في أمور وقائيـة هامة منها :
أ ـ لتكون عوائلهم في أمان من العدو ومن أولئك الذين يتجولون حول

(1) الكنى والالقاب للقمي : ج1 ، ص34.
(2) تاريخ الطبري : ج4 ، ص319 ، الارشاد للشيخ المفيد : ص232.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 181

خيامهم وخصوصاً ساعة المعركة إذ ليس هناك ما يمنع الاعداء من اقتحامها والهجوم على النساء وأسرهن كرهيتة بأيديهم إذ لا را دع لهم عن ذلك.
ب ـ ليستقبلوا الاعداء من جهة واحدة ، ويمنع تعدد جبهات القتال عليهم ، وهذا ما يعزز موقفهم وترابطهم ولذا جاء في الرواية : ففعلوا وكان لهم نافعاً (1)
الامر الخامس

تفقد التلاع والعقبات

وهذه واحدة من أعماله(عليه السلام) والتي لم يغفل عنها مع ما هو فيه ، إذ خرج في جوف الليل بنفسه إلى خارج الخيام يتفقد التلاع والعقبات والروابي المحيطة بهم والمشرفة على بيوتهم مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل (2)
الامر الذي يدل على إحاطته وبصيرته وحنكته في ذلك ، وغيرته على عياله وأهل بيته ، وبهذا يكون ـ صلوات الله عليه ـ قد أنجز المهمات العسكرية الضرورية استعداداً للمواجهة.
كما أنه(عليه السلام) نظم أصحابه صباح عاشوراء استعداءاً للقتال فجعل زهير بن القين في الميمنة ، وحبيب بن مظاهر في الميسرة ، وثبت هو(عليه السلام) وأهل بيته في القلب ، وأعطى رايته أخاه العباس(عليه السلام) ، لانه وجده أكفأ من معه لحملها ، واحفظهم لذمامه ، وأرأفهم به ، وأدعاهم الى مبدئه ، وأوصلهم لرحمه ، وأحماهم لجواره ، وأثبتهم للطعان ، وأربطهم جأشاً ، وأشدهم مراساً (3)

(1) تاريخ الطبري : ج4 ، ص320.
(2) الدمعة الساكبة : ج4 ، ص273 ، معالي السبطين : ج1 ، ص344.
(3) مقتل الحسين للمقرم : ص225.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 182




كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 183

القسم الثاني

ليلة عاشوراء
في الادب

1ـ من خصائص الادب الشيعي وميزاته
2 ـ أهمية النقد الادبي الموضوعي
3 ـ مرايا ليلة عاشوراء
4 ـ القصائد ونقدها


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 184




كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 185

(1)
من خصائص الادب الشيعي وميزاته

مما لا شكّ فيه أن الشعر ـ بما له من مميزات ـ يُعتبر من العوامل المؤثرة إلى حد كبير في إحياء وحفظ الوقائع والاحداث ، وما ينبغي تخليده وتدوينه وخصوصاً القضايا التي لا غنى للمسلم عن معرفتها والوقوف على حقيقتها ، إذ أن ما سجله الشعر تتلقاه الاجيال ، ويبقى في قلوب الناس.
وقد كان الشعر ـ خصوصاً في تلك الايام ـ الوسيلة الوحيدة التي بها يُناط نقل الاخبار والاحداث ، إذ لم تكن في السابق وسائل إعلام كما هو عليه الحال في الزمان الحاضر ، ولذا دأب الشعراء على تسجيل ما هو مهم في نظرهم في الشعر ولذلك ترى الكثير من الوقائع والاحداث تلقيناها من طريق الشعر ، هذا مع ما مرّ عليه من ظروف وملابسات ، ولهذا اُعتبر الشعر مدرسة مهمة في حفظ التاريخ والحوادث بصورها الواقعية ، وقد يؤرخها بأجلى أبعادها وأصدق معانيها.
ومن مميزات الشعر التي لا تنكر كونه عاملاً مساعداً في تفجير العواطف النفسية واستمالة القلوب والضمائر ، والانشداد التام فيجعل من السامع كأنّما يعيش الواقعة تماماً وكأنه يراها أمام عينيه ، وما ذلك إلاّ لاشتماله على المؤثرات النفسية التي يتميز بها عن غيره.
ولهذا كلّه تعرف سبب اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) وإلحاحهم الشديد في تخليد شهادة الحسين(عليه السلام) وما جرى على أهل بيته ـ في الشعر خاصة ـ فقد تواتر عنهم

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 186

أنهم ركزوا تركيزاً بالغ الاهتمام في نظم الشعر في فضائلهم ومصائبهم (عليهم السلام) وخصوصاً في الحسين(عليه السلام) ، ولم يقتصروا على ذلك بل تحدثوا أيضاً عن فضله وثوابه العظيم عند الله ـ تعالى ـ ترغيباً لهم في ذلك ، ولا شك في أن إنشاد الشعر فيهم (عليهم السلام) هو مصداق من مصاديق إحياء أمرهم ، وإليك بعض ما ورد في ذلك :
1ـ ما روي عن عبيد بن زرارة عن أبيه قال : دخل الكميت بن زيد على أبي جعفر(عليه السلام) وأنا عنده ، فأنشده : « من لقلب مُتيّم مستهام »، فلما فرغ قال(عليه السلام) للكميت : لا تزال مؤيداً بروح القُدُس ما دمت تقول فينا (1)
2 ـ ما روي عن علي بن سالم عن أبيه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : ما قال فينا قائلٌ بيتاً من شعر حتى يؤيّد بروح القُدُس (2)
3 ـ ما روي عن عبدالله بن الفضل الهاشمي قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : من قال فينا بيت شعر، بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة (3)
4 ـ وروي أن جعفر بن عفان دخل على الامام الصادق(عليه السلام) فقال له : أنك تقول الشعر في الحسين(عليه السلام) وتجيده قال : نعم ، فاستنشده فلما قرأ عليه بكى حتى جرت دموعه على خديه ولحيته وقال له : لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون قولك في الحسين(عليه السلام) وإنهم بكوا كما بكينا ولقد أوجب الله لك الجنة ثم قال(عليه السلام) : من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى غفر الله له ووجبت له الجنة (4)

(1) إختيار معرفة الرجال للطوسي : ج2 ، ص 467 / 366 ، وعنه بحار الانوار : ج47 ، ص324 ، ح20.
(2) عيون أخبارالرضاعليه السلام) للصدوق :ج2 ص15 ،ح2 ،وعنه بحار الانوار : ج26 ، ص231 ،ح4.
(3) عيون أخبار الرضا(عليه السلام) للصدوق : ج2 ص15 ، ح1 ، بحار الانوار : ج26 ص231 ح3.
(4) إختيار معرفة الرجال للطوسي :ج2 ، ص574 / 508 ، بحار الانوار : ج44 ،ص282 ،ح16.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 187

5 ـ ما روي عن الحسن بن الجهم قال : سمعت الرضا(عليه السلام) يقول : ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به ، إلاّ بنى الله له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرّات يزوره فيها كل ملك مقرّب وكل نبي مرسل (1)
وغير ذلك من الاخبار التي أكدوا فيها (عليهم السلام) ورغبوا شيعتهم في ذلك مع بيان فضل الانشاد وما له من الثواب والجزاء عند الله ـ تعالى ـ ، وما ذلك كلّه إلاّ لاهمية الشعر وأثره الكبير في إحياء ذكرهم.
وامتثالاً لامرهم (عليهم السلام) هبّ الاُدباء والشعراء ـ قديماً وحديثاً ـ لهذا النداء فأخذوا يبثّون فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ويُظهرون مظلوميتهم وما جرى عليهم من قتل وتشريد وتعذيب في السجون ونفي عن الاوطان ، وخصوصاً واقعة الطف الدامية وما جرى فيها على ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكتفوا بذلك إذ ضمّنوا أشعارهم الاحتجاجات الصارخة المدوية والاستنكار الشديد على قاتليهم وظالميهم ، ولذلك كان الشعر الحسيني ولا يزال يُدوي في ضمير التاريخ ، ويلهب النفوس ويوقظ النائمين وينبه الغافلين والذين عُتمت عليهم الحقيقة ولتصحو كلُ نفس من سباتها العميق.
فالادب الشيعي الحسيني هو من قوام وأساس التعبير الصادق الذي يُظهر لنا المأساة بأجلى أبعادها وصورها وأصدق معانيها الواقعية.
قال أحد الاعلام : أنا لا أنكر ما للادب الشيعي من الروعة ، وما فيه من الجمال ، لانّ هذه الظاهرة في الادب الشيعي واضحة يجدها كل قارىء تذوّق

(1) عيون أخبار الرضا(عليه السلام) للصدوق : ج2 ، ص15 ، ح3 ، بحار الانوار :ج26 ، ص231 ،ح5.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 188

الادب ، أدب الشيعة صدى لعواطف ملتهبة ، أخمد الزمان لهيبها أن يظهر ، وأطلق الادب دخانها أن يثور ، ففاح كما يفوح النَّدُ حين يحترق ، وماء الورد حين يتصعد.
وفي الادب الشيعي رقة الدمع ورهبة الدم ،والحزن للقلوب الكئيبة ، كالنار حين تنفي خبث الحديد وتنقي الذهب الابريز ، ويستطيع الاديب الشيعي أن يبكي في ثورته وأن يثور في بُكائه وأن يُسيطر على الموقف في كلتا الحالتين ، لانه يُلقي من شظايا فؤاده.
لم تستطع الشيعة أن تعمل ولكنها استطاعت أن تقول ، والكبت حين يشتد يتصل بأعماق النفس ليمزج العقيدة بالعاطفة ، ثم يتصعد مع الزفرات أدباً يُلهب ويتلهب ويبكي ويستبكي، وفي أنّة الحزين معاني لا تستطيع أن تعبر عنها أنةُ المعافى وإن تشابهتا في التوقيع.
هذا ما يجعل أدب الشيعة في القمة من أدب المسلمين وفي الذروة من أدب العروبة وهذا بعض ما استفادته من يوم الحسين(عليه السلام) وأيام العترة في التاريخ ، وأيامهم في التاريخ دموعاً ودماً (1)
ولما كانت هذه بعض خصائص ومميزات الادب الشيعي ، وقف المناوئون ـ لاهل البيت (عليهم السلام) وخصوصاً بنو اُمية وأتباعهم ومن نحا نحوهم لاتخاذ المواقف الحازمة ، والتدابير اللازمة ضد شعراء أهل البيت (عليهم السلام) والذين جعلوا على عاتقهم إظهار مظلوميتهم انتصاراً للحق مهما كلفهم ذلك ما دام أنه يرضي الله ورسوله ، إذ أن الامويين واتباعهم يُدركون تماماً مدى خطورة التفاعل الشعري على نواياهم وافعالهم.

(1) كتاب مع الدكتور أحمد أمين في حديث المهدي والمهدوية لزين الدين : ص88.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 189

ومع ذلك كلّه نجد بعضاً من ذلك الشعر مدحاً ورثاءً قد وصل إلينا على امتداد العصور مع ما لابسه من محن ومتاعب ، ناهيك عمّا ضمّته موسوعات الشعر الحسيني في ذلك والذي يمثل ثروة أدبية لا غنى للمكتبة الاسلامية عنها.
ولإهمية هذا الأدب الثري يضم هذا القسم ما جاء في ليلة عاشوراء ـ قديماً وحديثاً ـ من قصائد الولاء والتي ارسلت أضوأها على أحداث ومواقف هذه الليلة العظيمة تخليداً لذكراها الأليمة.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 190

(2)
أهمية النقد الادبي الموضوعي

إنّ من أهم الدراسات الادبية هي الدراسات النقدية الموضوعية ، والتي تستأثر بأهمية بالغة عند الدارسين والباحثين في الادب ، وموضع عناية الاديب والناقد والشاعر، وحتى القاريء النبيه الذي تستهويه مثل هذه الدراسات.
وكما لا يخفى أنّ للنقد الادبي قيمته الذاتية ، إذ هو يُقوّم النص الادبي ، ويُميّز جيده من غيره ، ويحلله ويدرسه على ضوء أدوات النقد الادبي ومعادلاته الخاصة ، والتي منها ـ كما قيل ـ :
الذوق السليم ، والتجربة الشخصية ، والقواعد العقلية ، والمعرفة اللغة العربية وقواعدها ، والاحاطة بأساليب البيان ، بعيداً عن كلّ نزعة وتعصب أو ميول نفسية ، ومَنْ ثَمَّ الحكم على النص من خلال قراءته وملاحظة عناصره الاخرى.
ومن الضرورة بمكان أن يتناول النقدُ الشعرَ من جهاته المُهمّة والتي تنصب على مستوى اللفظ وسلامته والمعنى وصحته ، واستقامة الغرض ، وملاحظة الوزن والقافية ، وائتلاف كل منهما مع الاخر ، كما يتناوله أيضاً من الناحية الفنية والجمالية للقصيدة والاشارة إلى مفاهيمها ، واستخراج معانيها النفيسة التي يرمي اليها الشاعر والاغراض التي إعتمدها الشاعر في بناء قصيدته ، ومقدار عمقها وسعة خيالها ومزاياها الادبية الاخرى ، كما يبحث أيضاً عن خلل القصيدة واضطرابها وعيوبها إن وجد ذلك.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 191

فعلى هذا أصبح من الضروري أن يقف الشاعر على نقاط الضعف في قصيدته ، الامر الذي يجعله أكثر دقة وتلافياً لاخطائه في محاولاته الاخرى اللاحقة.
وهذا هو شأن الدراسات النقدية الادبية البنّاءة الهادفة والتي تُعد ثروة فكرية لا غنى عنها في عالم الادب.
وانطلاقاً من ذلك وللاهمية المتوخاة نقدّم دراسة نقدية موضوعية بقلم الاستاذ ثامر الوندي حول ما جاء في ليلة عاشوراء من قصائد وتقويم مستواها وذكر بعض مزاياها وأغراضها والاشارة أيضاً الى خللها واضطرابها إن وجد ذلك ،كما تناول دراسة عامة لبعض السمات المشتركة فيما يخص ليلة عاشوراء ، فلم يأل جهداً في هذه الدراسة القيّمة والتي إستغرقت منه وقتاً ليس بالقصير فجزاه الله خيراً.
وكما لايخفى أنّ الاستاذ الناقد لاتخفى قدرته النقدية وعمقه في معاني الشعر، وإني أخاله يستنطق القصيدة بلا عناء فتُفصح له عن أسرارها الكامنة فتُخرج له ماخبأه الشاعر في أعماقها بما في ذلك أسرار شاعرية صاحبها ، ليقف الشاعر على ما تركه من لمسات في نصّه الشعري ليكون له حافزاً في تطوره مستقبلا.
وآمل أن تكون مثل هذه الدراسات مستوعبة أدب الجيل بالشكل المناسب وتعطيه أهميةً بالغةً لما في ذلك من تقدم أدبي على صعيد أفضل مما هو عليه الان مما يجعله أكثر تطوراً من ذي قبل.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 192




السابق السابق الفهرس التالي التالي