الحسين في طريقه الى الشهادة

الخطيب علي بن الحسين الهاشمي


الحسين

في طريقه الى الشهادة


مطبعة الزهراء ـ بغداد

الحسين في طريقه الى الشهادة




الطبعة الاولى
1371 ـ 1413


الحسين في طريقه الى الشهادة


بسم الله وله الحمد

كلمة سماحة السيد الحجة السيد
هبة الدين الشهرستاني دام تأييده

قدم اليّ البحاثة الجليل والخطيب الاديب والواعظ المعروف السيد علي الهاشمي اعزه الله كتابه القيم الذي هو الآن بين يدي القارئ الكريم .. وقد ضم قصيدة مقصورة من نظمه الرائق يرثى بها امام الابطال سيدنا الحسين السبط عليه السلام ويصف ركبه الهاشمي من «مكة المعظمة» زاد الله شرفها الى مصرعه الشريف بكربلا في العراق .
وقد رأيته كتاباً على وجازته وجزالة نظمه قد حوى بين دفتيه تاريخا موجزا عن الامام عليه السلام وعن المواقع والمنازل التي مر موكبه بها في طريقهم الى العراق من مصادر وثيقة ومخطوطات عتيقة . فذكر فيها منازل لم يذكرها الا قلة من مشاهير المؤرخين مما يجدر بالخطباء والباحثين ان يطلعوا عليها ويرجعوا اليها .. كما ضمن فيها اسماء رسل الحسين عليه السلام الى اهل الكوفة وكيفية مصارعهم هناك .
وانني اذ اثني على مؤلفه الجليل وما بذله من الجهد الجهيد لاخراج مؤلفه هذا .. اتمنى له حسن الثواب والاجر الجزيل .. راجيا أن يأخذ الكتاب سبيله الى القلوب بالاقبال والترحيب انه سميع مجيب .

بغداد ـ غرة رجب 1377
هبة الدين الحسيني
الموافق 21 كانون الثاني 1958
الشهرستاني

الحسين في طريقه الى الشهادة ـ أ ـ


مقدّمة

لنهضة الحسين (ع) تاريخ مجيد حافل بكل مثل رائع من أمثلة التضحية وضروب الفخر ، دونها المؤرخون في مؤلفاتهم وكتبهم وها هي ذي بين ايدينا قد جاوزت في عدها المئات .
ولم يكتب عن شخصية ما بقدر ما كتب عن شخصية «سيد شباب أهل الجنة» كما أنه ما رثى أحد قط بمثل ما رثى به الحسين (ع) من لدن شهادته حتى اليوم .
نعم ألف العلماء في ترجمة حياته (ع) من ولادته ونشأته المباركة وحياته الطيبة حتى يوم مصرعه . وأهمها السنة التي سبقت شهادته ـ سنة ستين من الهجرة ـ حتى يوم العاشر من المحرم من سنة احدى وستين ، هذا وقد اهتم المؤلفون بواقعة الطف اشد اهتمام لفاجعتها البكر . والتي لم يحدثنا التاريخ عن مثلها فاجعة . وايم الحق ان واقعة الطف جاءت لطخة سوداء مشوهة في تاريخ امية . تلك الوقعة التي هدت عرش يزيد ودكت قواعد ملكه . وأودت به الى الجحيم مخلدا فيها مع اشياخه .
وقد كتب ارباب التاريخ عن جل نواحي هذه الكارثة . ولكنهم لم يفردوا مؤلفاً خاصا يحقق لنا المحجة التي سلكها (ع) والمنازل التي مر بها ونزلها أو اجتازها الى غيرها في طريقه من الحجاز الى العراق أي ـ من مكة المكرمة الى الطف ـ حيث تربته الزكية .
ولقد ذكر في بعض الكتب أسماء منها لكنها غير متسلسلة واغفل الكثير منها

الحسين في طريقه الى الشهادة ـ ب ـ

ولم يتعرضوا لها . فرأيت ان الواجب يحتم على أن افرد كتابا اذكر فيه الطريق الذي سلكه الحسين وكل منزل منها وما يخصه جغرافيا وتاريخيا وها هي ذي المصادر الموفورة لدى يسهل علي التناول منها ما صعب على غيري من قبل . فأخذت أبحث واكتب عن الطريق الوحيد الذي كان يسلكه عامة الناس من مكة الى العراق وقتئذ ، وانظم المنازل في مقصورة حتى استقصيتها الى كربلاء ونظمت اسماء المواقع التي لها المساس التام بموضوعي وتخطيط كربلاء وقراها والمواقع الشهيرة منها . وان كان الشعر على الاغلب تسايره الركة في مثل هذه المواضيع لالتزام الناظم الاسماء والامكنة والحوادث بشعره كالشعر القصصي وغيره وهذا شيء يستعمله الشعراء ولا ينكرونه ـ مع هذا كله جاءت المقصورة كما تقرأها مع شرح كل بيت منها .
وفي الوقت الذي كنت ارتاد المكتبات العامة في بغداد وانهل من نميرها وأهمها المكتبة العامة ـ مكتبة المتحف العراقي ـ أرشدني صديقي ـ الدكتور حسين علي محفوظ ـ الى كتاب مخطوط يخص موضوعي والكتاب من مخطوطات خزانة الرضا (ع) في خراسان . وهي من اهم مكتبات الشرق . فصرت الى خراسان . وطلبت من مدير المكتبة الاستاذ ـ شاهزاده ـ الكتاب فأمر باحضاره في الحال . وراح يقدم لي بنفسه ما احتاجه في الوقت نفسه . فانا أشكره على تفضله . وكنت ارتاد المكتبة مدة بقائي في خراسان . ونقلت ما احتاجه منه .
والكتاب كما ذكرت مخطوط . مجهول الاسم والمؤلف . حيث بتر أوله وآخره وعلى احد صفحاته ختم باسم المغفور له ـ الشيخ البهائي طاب رمسه ، وقد وقفه مع طائفة من المخطوطات النادرة . واليك صفة الكتاب .
كتابته سقيمة جدا وورقه سميك يميل الى الصفرة . مختلف الاسطر . طوله ـ 23 ـ العرض ـ 18 ـ سنتمتر عدد اوراقه ـ 116 ـ ورقة . برقم 5751 ـ باسم تاريخ مكة . هكذا عنون اخيرا واعتقد ان اسمه غير هذا . والذي أراه أن مؤلفه جعل مكة المكرمة نقطة وسطى . راح يذكر الطرق المؤدية اليها مع

الحسين في طريقه الى الشهادة ـ ج ـ

تشخيص مواضع الحل للقادم الى الحرم . وأسماء الاماكن والبقاع . وخصوصياتها من المدينة والكوفة والبصرة والبحرين والشام واليمن ومصر ثم يشير الى بلدان ومن عمرها بادئ ذي بدء والقرى والسهول والجبال والاودية والابار ومن احتفرها وصفة مياهها والابنية ومن شيدها والعلائم ومن وضعها وأمكنة البرد ، وهو يحدد المواقع تارة بالفراسخ وأخرى بالأميال ، وانى استرعى نظر القارئ اذا ما ذكرت منه شيئا ونقلت عنه نبذة أقول ـ وفي المخطوط ـ واذكر ما نقلته منه على علاته ، واني حسب جهدي في نظم هذه المقصورة وشرحها وتحقيقاتي للمنازل التي مر عليها الحسين (ع) أراني لم اقصر عن التنقيب والبحث طالبا من الله السداد . انه ولي التوفيق .
المؤلف

الحسين في طريقه الى الشهادة




الحسين في طريقه الى الشهادة




الحسين في طريقه الى الشهادة 1

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى والصلوات الدائمة على سيد ارباب الهجرة وخاتم رسله وسلام الله على آله المنتجبين الذين خصهم الله بآية التطهير وجعلهم أئمة يهدون الى الخير وحججاً على بريته والشهداء عليهم يوم الدين .
«المقصورة وشرحها»
سـار الحسين تاركا امّ القرى ينحو العراق بميامين الورى

سار فعل ماضي . أي ذهب في الارض . والحسين فاعل ، وتاركا حال . وام القرى مفعول . وينحو فعل مضارع . العراق مفعول . بميامين الورى جار ومجرور ومضاف اليه . الحسين (ع) هو ثاني السبطين . الذي قال فيه جده الاكرم «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا . حسين سبـط من الاسبـاط(1)» . وروى ابن حيان وابن سعد وابو يعلى وابن عساكر . عن جابر بن عبد الله . قال : سمعت رسول الله : يقول من سره أن ينظر الى رجل من أهل الجنة . وفي لفظ . الى سيد شباب اهل الجنة فلينظر الى الحسين بن علي (ع) أبوه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ابن عم الرسول وصهره وخليفته على

(1) اخرجه الحاكم وصححه عن يعلى العامري . من نور الابصار للشبلنجي ص 170 طبع العثمانية .
الحسين في طريقه الى الشهادة 2

امته . وامه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين . ذكر ابن حجر في الاصابة (2) عن ابن حريب . قال : بينما عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة اذ رأى الحسين مقبلا . فقال هذا احب أهل الارض الى أهل السماء اليوم . وذكر ابن سعد في طبقاته ونقل عنه سبط ابن الجوزي(3) قال : كان ابن عباس يمسك بركاب الحسن والحسين حتى يركبا . ويقول هما ابنا رسول الله : وقال ابن عساكر(4) وكان الحسين في جنازة فأعيا وقعد في الطريق . فجعل ابو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه . فقال له يا ابا هريرة وأنت تفعل هذا ؟ فقال : دعني . فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم ، وقال الشبراوي(5) : في فصل له وقد حل الامام الحسين رضي الله عنه من هذا البيت الشريف في أوج ذراه . وعلا فيه علوا تطامنت الثريا عن ان تصل الى معناه . ولما انقسمت غنائم المجد كان له منه السهم الاوفر والحظ الاكبر . وقد انحصرت جرثومة هذا البيت فيه وفي أخيه . فكان لهما من خلال المجد والفضل ما لا خلاف فيه . كيف لا . وهما ابنا فاطمة البتول . والملحوظان بعين الود والرأفة والقبول من أشرف نبي واكرم رسول ، نعم كما ذكر :
نسب كـأن عليه من شمس الضحى نورا ومن فلك الصبـاح عمـودا
ما فـيـه الا سيـد مـن سـيـد حاز المكـارم والتقى والجودا

وقال آخر
فيا نسبا كالشمس أبيض مشرق ويا شرفا من هامة النجم أرفع

وقال آخر
ذرية مثل ماء المزن قد طهروا وطيبوا فصفت أخلاق ذاتهم

و«ام القرى» من اسماء مكة المكرمة زاد الله شرفها وتعظيمها . وفسّر

(2) انظر العسقلاني الاصابة ج 2 ص 15 .
(3) انظر سبط بن الجوزي التذكرة ص 134 .
(4) انظر ابن عساكر التاريخ الكبير ج 4 ص 322 .
(5) انظر الشبراوي . الاتحاف بحب الاشراف ص 57 مطبعة الادبية مصر .
الحسين في طريقه الى الشهادة 3

قوله تعالى «وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في امها رسولا»(6) على وجهين . أحدهما انه أراد أعظمها واكثرها اهلا . والاخرى . انه اراد مكة . وقال : ابن دريد سميت مكة (ام القرى) لانها توسطت الارض والله اعلم . وقيل سميت ام القرى لانها تقصد من كل ارض وقرية . أو لانها أقدم القرى التي في جزيرة العرب وأعظمها خطرا . اما لاجتماع أهل القرى فيها كل سنة أولا نكفائهم اليها وتعويلهم على الاعتصام بها لما يرجونه من رحمة الله تعالى(7) وقوله عز اسمه «ولتنذر ام القرى ومن حولها»(8) أراد تعالى ذكره مكة . ومن أسمائها بكة . قال جل ذكره «ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين»(9) وقوله عظم شأنه «وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا»(10) وذكر زكريا القزويني قال في ذكر الحجاز . حاجز بين اليمن والشام وهو مسيرة شهر قاعدتها مكة حرسها الله تعالى لا يستوطنها مشرك ولا ذمى . كانت تقام للعرب بها اسواق في الجاهلية في كل سنة فاذا اجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم وما كان لهم من الايام . ويتناشدون اشعارهم التي احدثوا . وكانت العرب اذا ارادت الحج اقامت بسوق عكاظ شهر شوال . ثم تنتقل الى ذي المجاز فتقيم فيه الى الحج . والعرب الذين اجتمعوا في هذه المواسم . فاذا رجعوا الى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا(11) ومكة . هي البلد الامين الذي شرفه الله تعالى وعظمه وخصه بالقسم وبدعاء الخليل« رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات»(12) «واجعله مثابة للناس وامنا»

(6) سورة القصص .
(7) انظر معجم البلدان للحموي ، ج 1 ص 337 .
(8) سورة الانعام .
(9) سورة آل عمران .
(10) سورة الفتح .
(11) انظر زكريا القزويني ـ آثار البلاد واخبار العباد ص 55 طبع اوربا .
(12) انظر زكريا القزويني آثار البلاد ص 74 طبع اوربا .
الحسين في طريقه الى الشهادة 4

للخايف وقبلة للعباد ومنشأ لرسول الله (ص) فهذه أسماء مكة جاءت في الذكر الحكيم وقد أجمع ارباب التاريخ على ان الحسين (ع) كان قد دخلها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين من الهجرة وذلك عندما ابى بيعة يزيد بالمدينة والخنوع تحت غاشية الظلم والجور . وهو ابن رسول الله ، ولما نزل مكة المعظمة أقبل اليه أهلها ومن كان من المعتمرين بها يسلمون عليه ويرحبون بمقدمه ، وصار الاشراف من الناس يختلفون اليه . وقد اقام بها بقية شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة وخرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء . يوم التروية(13) وهو اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل سفيره بالكوفة ـ وكان قد اجتمع اليه مدّة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضافوا الى أهل بيته ومواليه . وكان ناديه يضم وجوه المسلمين من الصحابة وأعيان أهل الحجاز . كعبد الله بن عباس ـ حبر الامة ـ(14) وعبد الله بن جعفر(15) ونظائرهما . وأمثال عبد الله بن الزبير(16)
(13) سمى يوم التروية لانهم كانوا يرتوون فيه من الماء من منى ويخرجون الى عرفات .
(14) هو عبد الله بن عباس . كان يكنى ابا العباس . توفى بالطائف سنة ثمان وستين في فتنة بن الزبير . وكان قد كف بصره في اواخر حياته . وعمره سبعين سنة . وصلى عليه محمد بن الحنفية . وضرب على قبره فسطاطا ـ انظر المعارف لابن قتيبة .
(15) هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (ع) زوج زينب بنت أمير المؤمنين . قال : صاحب الدرجات الرفيعة ـ ان اول من بايع رسول الله (ص) من الصبيان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر الطيار . ولقد دعا له رسول الله (ص) بقوله : اللهم بارك له في صفقته . وكان جوادا كريماً يعطى العطايا الجزيلة والاموال الكثيرة وفيه قال القائل :
الاكل من يرجو نوال ابن جعفر سيجري له باليمن والبشر طـائره
وكانت ولادته بارض الحبشة . حيث هاجر ابوه جعفر بأمر من رسول الله (ص) اليه هو وجماعة من المسلمين في ابان الدعوة المحمدية . ويروى عنه انه قال : اتى رسول الله (ص) نعى ابينا جعفر . فدخل علينا . وقال : لامنا اسماء بنت عميس اين بنو اخي فدعانا واجلسنا بين يديه وذرفت عيناه . فقالت اسماء هل بلغك يا رسول الله (ص) عن جعفر شيء ؟ قال : نعم استشهد رحمه الله . فبكت =
الحسين في طريقه الى الشهادة 5

وأقرانه . وقال ابن كثير : في البداية والنهاية في اقامة الحسين (ع) بمكة . عكف الناس على الحسين رضي الله عنه يفدون اليه ويقدمون عليه ويجلسون حواليه ويستمعون كلامه وينتفعون بما يسمع منه . ويضبطون ما يروون عنه . وقال ابو الفرج الاصبهاني . ان عبد الله بن الزبير لم يكن شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز . ولا احب اليه من خروجه الى العراق طمعا في الوثوب بالحجاز وعلما

= وولولت . وخرج رسول الله (ص) فلما كان بعد ثلاثة أيام دخل علينا ودعانا . فاجلسنا بين يديه كأننا افراخ . وقال : (ص) لا تبكي على اخي ـ يعني جعفرا ـ بعد اليوم ثم دعا بالحلاق فحلق رؤوسنا وعق عنا . ثم أخذ بيد محمد . وقال هذا شبيه عمنا ابي طالب . وقال : لعون . هذا شبيه ابيه خلقا وخلقا . واخذ بيدي فشالهما . وقال : اللهم احفظ جعفر في أهله . وبارك لعبد الله في صفقته . قال : وجائته امنا تبكي وتذكر يتمنا فقال (ص) اتخافين وانا وليهم في الدنيا والآخرة . وفي جود عبد الله اخبار كثيرة . يروى انه ليم في جوده فقال :
لست اخشى خلة العـدم ما اتقيت الله في كــرمي
كلما انفـقـت يخلفـه لي رب واسـع النـعم
قالوا ولما ورد نعي الحسين الى المدينة . كان عبد الله جالساً في بيته . فدخل عليه الناس يعزونه . فقال غلامه : ابو اللسلاس . هذا ما لقيناه من الحسين (ع) يعني بقتل ولدي عبد الله ـ محمد وعون ـ قال الراوي : فحذفه عبد الله بنعله . وقال : يابن اللخناء اللحسين تقول هذا . والله لو شهدته لما فارقته حتى اقتل معه . والله انهما لمما يسخى بالنفس عنهما ويهون على المصاب بهما . انهما اصيبا مع اخي وابن عمي مواسين له صابرين معه . ثم اقبل على الجلساء . وقال : الحمد لله . أعزز علي بمصرع الحسين أن لا اكن آسيت حسينا بيدي فقد آسيته بولدي . وكانت وفاته سنة ثمانين وصلى عليه ابان بن عثمان ودفن بالبقيع . وقيل مات بالابواء . وله من العمر تسعين سنة . واعقب عشرين ذكرا وقيل أربعة وعشرين . والعقب من جعفر الطيار في عبد الله الاكبر الجواد وحده ليس له الا عقب منه ، انظر عمدة الطالب ص 20 و21 طبع الهند .
(16) هو عبد الله بن الزبير بن العوام . كان يكنى ابا بكر وابا حبيب . ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا طلب الخلافة لنفسه بالحجاز فسار اليه الحجاج فحاصره بمكة . ثم ا صابته رمية فمات بها . وكان بخيلا . وهو صاحب المثل السائر ـ اكلتم تمري وعصيتم امري ـ حتى قال فيه الشاعر :
رايت ابــا بكر وربك غالب على امره يبغي الخلافة بالتمر
انظر ابن قتيبة ـ المعارف طبع مصر .
الحسين في طريقه الى الشهادة 6

منه بان ذلك لا يتم له الا بعد خروج الحسين (ع) فلقي الحسين (ع) وقال له على أي شيء عزمت يا ابا عبد الله ؟ فاخبره برأيه في اتيان الكوفة وأعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل . فقال له ابن الزبير فما يحسبك . فوالله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلومت في شيء وقوى عزمه . ثم انصرف . هذا وقد تواردت كتب أهل الكوفة على الحسين (ع) وذلك لما بلغهم وفاة معاوية(17) وعلموا امتناع الحسين من بيعة يزيد ونزوله مكة . قال ارباب السير اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي(18) بالكوفة . فذكروا وفاة معاوية . وخطبهم سليمان بن صرد . وقال لهم فيما قال : ان الحسين قد خرج من مكة وأنتم شيعته وشيعة ابيه . فان كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا اعدائه فاكتبوا اليه . وان خفتم الفشل والوهن فلا تغروه . قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه . فكتبوا اليه «بسم الله الرحمن الرحيم» . للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام . من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبه ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظهر الاسدي(19)

(17) كان وفاة معاوية في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة . قال ابن اسحاق : مات وله ثمان وسبعون سنة ـ انظر ابن قتيبة ـ المعارف ـ
(18) سليمان بن صرد الخزاعي . كان صحابيا . وكان في الجاهلية اسمه يسار . فسماه رسول الله (ص) سليمان ويكنى ابا المطرف . وكان له قدر وشرف في قومه . شهد مع علي (ع) مشاهده كلها . وهو الذي قتل حوشباذا ظليم الالهاني بصفين مبارزة . وقد سجنه ابن زياد لما دخل الكوفة فيمن سجنهم وقد ترأس سليمان التوابين بعد مقتل الحسين (ع) وسموه امير التوابين . وكان يقال له بالكوفة شيخ الشيعة . ولما جاء عبيد الله بن زياد بجيشه يريد العراق . التقوا بعين الوردة . من أرض الجزيرة . وهي رأس عين فوقعت الواقعة بين التوابين وجيش ابن زياد هناك فقتل سليمان والمسيب بن نجبة وكثير ممن معهما . وحمل رأسيهما الى مروان بن الحكم الى الشام وكان عمر سليمان يوم قتل ثلاثا وتسعين سنة .
(19) هو حبيب بن مظهر الاسدي . كان صحابيا رأى النبي (ص) ذكره الكلبي ، قال ارباب التاريخ ان حبيبا نزل الكوفة . وصحب عليا في حروبه كلها . وكان من خاصته وحملة علومه . علمه على (ع) علم المنايا والبلايا . وكان من جملة الذين كاتبوا الحسين ـ ووفى له ـ وعند ورود مسلم بن عقيل الكوفة ـ صار حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذ ان البيعة للحسين حتى اذا دخل ابن زياد الكوفة وتخاذل اهل الكوفة عن سفير الحسين (ع) اختفيا . الى ان ورد الحسين=
الحسين في طريقه الى الشهادة 7

وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة . سلام عليك . فانا نحمد الله الذي لا اله الا هو . اما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي اعتدى على هذه الامة فابتزها أمرها وانتزعها حقوقها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها . ثم قتل خيارها واستبقى شرارها . وجعل مال الله دولة بين جبابرتها واغنيائها . فبعدا له كما بعدت ثمود . وانه ليس علينا امام . فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق . والنعمان بن بشير(20) في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ولا عيد . وقد حبسنا أنفسنا عليك ولو أقبلت الينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام . ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني . وعبد الله بن وآل . فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين (ع) بمكة لعشر مضين من شهر رمضان . ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب وانفذوا قيس بن مسهر

= كربلاء خرجا مختفيين ولحقا به وصارا من أ صحابه وقتلا بين يديه ، ولما استأذن الحسين لصلوة الظهر وطلب منهم المهلة لاداء الفرض . قال له الحصين بن تميم انها لا تقبل منك . فقال له حبيب انها لا تقبل زعمت الصلوة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وتقبل منك يا حمار : فحمل الحصين وحمل عليه حبيب فضرب حبيب وجه فرس الحصين بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه فحمله اصحابه واستنقذوه وجعل حبيب يحمل فيهم ليختطفه منهم وهو يقول :
اقسم لو كنا لكم اعدادا او شطركم وليتم اكتادا
يا شر قوم حسبا وآدا
ثم قاتل القوم وأخذ يحمل فيهم ويضربهم بسيفه وهو يقول :
انا حبيب وأبي مظهـر فارس هيجاء وحـرب تسعر
انتم اعـد عـدة واكثر ونحن اوفى منكم واصبـر
ونحن اعلى حجـة واظهر حقا وأبقـى منكـم واعـذر
فجالد القوم سويعة حتى قتل منهم جماعة . فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني فضربه بسيفه وطعنه آخر برمحه فوقع فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فسقط . فنزل اليه التميمي فاحتز رأسه .
(20) النعمان بن بشير كان والياعلى الكوفة من قبل معاوية فاقره يزيد عليها . وامه عمرة بنت رواحة اخت عبد الله بن رواحة . قال ابن ابي الحديد في شرح النهج . كان النعمان بن بشير منحرفا عنه يعني ـ عليا (ع) ـ وعدوا لله خاض الدماء مع معاوية خوضا . قتله اهل حمص في فتنة ابن الزبير اذ كان واليا عليها .
الحسين في طريقه الى الشهادة 8

الصيداوي(21) وعبد الله وعبد الرحمن ابني شداد الارحبي وعمارة بن عبد الله السلولي الى الحسين (ع) ومعهم نحو ماية وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والاربعة . ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا اليه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي . وكتبوا الى الحسين (ع) بسم الله الرحمن الرحيم . للحسين بن علي عليهما السلام . من شيعته من المؤمنين والمسلمين . اما بعد . فحيهلا فان الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل والسلام . ثم كتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير بن عطارد التميمي . اما بعد فقد اخضر الجناب واينعت الثمار . فاذا شئت فاقبل على جند لك مجندة والسلام(22) وروى ابن جرير الطبري . عن حصين أن اهل الكوفة كتبوا الى الحسين (ع) ان معك ماءة ألف : قال ارباب التأريخ . وتلاقت الرسل كلها عند الحسين (ع) فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس . ثم كتب مع هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله . وكانا آخر الرسل بسم الله الرحمن الرحيم . من الحسين بن علي الى الملأ من المؤمنين المسلمين . اما بعد فقد فهمت كل الذي اقتصصتم . وقد بعثت اليكم بأخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل . وأمرته أن يكتب اليّ بحالكم وأمركم ورأيكم . فان كتب الي انه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الحجى منكم على

(21) قيس بن مسهر الصيداوي . احد بني الصيداء . وهي قبيلة من بني اسد . واياهم عني الشاعر :
يا بني الصيـداء ردوا فرسي انمــا يفعل هذا بالذليل
قال علماء السير : كان قيس رجلا شريفا شجاعا مخلصا في محبة أهل البيت (ع) وقد بعثه أهل الكوفة بكتبهم الى الحسين (ع) وكذلك بعثه الحسين الى اهل الكوفة بجوابات الكتب من الحاجر في كتاب جاء به يحمله حتى ظفر به الحصين قبل ان يدخل الكوفة . وارسله الى ابن زياد مخفورا وقتل بالكوفة ـ يأتي تفصيل خبره في محله انظر ـ الحاجر ـ .
(22) انظر سبط ابن الجوزي ـ التذكرة طبع ايران ص 129 ، وهؤلاء هم الذين كاتبوا الحسين قاتلوه يوم الطف فقتلوه . انظر على جلال الحسيني ـ الحسين ـ ج 2 ص 174 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 9

مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فاني اقدم اليكم وشيكا انشاء الله . فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب . القائم بالقسط الدائن بالحق الحابس نفسه على ذات الله والسلام . فسار مسلم بن عقيل من مكة واجتاز بالمدينة . فصلى في مسجد رسول الله (ص) وودع أهله واستأجر منها دليلين فمرا به في برية مهجورة المسالك فأصابهم عطش فحادا عن الطريق فضلا وماتا من العطش . ونجا مسلم ومن معه من خدمه بحشاشة الانفس . حتى افضوا الى الطريق فلزموه فورد الماء . فاقام مسلم به . وكتب الى الحسين (ع) مع رسول استأجره من أهل ذلك الماء يخبره خبره وما لاقى من الجهد ويستعفيه ويسأله أن يوجه غيره . فاوصل الرسول الكتاب الى الحسين (ع) فقرأه وكتب في جوابه . اما بعد فقد ظننت انّ الجبن قد قصّر بك عما وجهتك به فامض لما أمرتك به فاني غير معفيك والسلام . فسار مسلم الى الكوفة ومكث هو بمكة بقية شهر رمضان وشوال وذي القعدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة . وفي ذلك الحين ورد اليه كتاب مسلم بن عقيل من الكوفة مع عابس بن شبيب الشاكري(23) يقول فيه . اما بعد فان الرائد لا يكذب أهله(24)

(23) عابس بن شبيب الهمداني الشاكري . وبنو شاكر بطن من همدان . ذكر ارباب السير . أن عابس كان رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا مجتهدا . وكان من رجال الشيعة وكذلك بنو شاكر كانوا من المخلصين بولاء أمير المؤمنين (ع) وفيهم قال علي (ع) يوم صفين ـ لو تمت عدتهم ألفا لعبد الله حق عبادته ـ وكانوا من شجعان العرب وحماتهم وكانوا يلقبون «فتيان الصباح» فنزلوا في بني وداعة من همدان . فقيل لها فتيان الصباح . وقيل لعابس الشاكري والوادعي . وهو الذي قام خطيبا بين يدي مسلم بن عقيل . عندما قدم الكوفة واجتمع عليه أهلها . وصار مسلم يقرء عليهم كتاب الحسين (ع) فقام عابس بن شبيب خطيبا . فحمد الله واثنى عليه . ثم قال : اما بعد فاني لا اخبرك بما أنا موطن نفسي عليه . والله لاجيبنكم اذا دعوتم . ولا قاتلن معكم عدوكم . ولا ضربن بسيفي دونكم حتى القى الله . لا اريد بذلك الا ما عند الله . وكان عابس رسولا لمسلم بن عقيل الى الحسين (ع) وقد ارسله بكتابه اليه . وذلك عندما سار من الكوفة الى الحسين (ع) وقد صحبه شوذب مولاه . ولما كان يوم عاشورا والتحم القتال وقتل جل اصحاب الحسين (ع) قال عابس : لشوذب . يا شوذب ما في نفسك ان تصنع ؟ قال ما اصنع . أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله حتى اقتل . فقال : ذلك الظن بك . اما الان فتقدم بين يدي أبي عبد الله الحسين (ع) حتى يحتسبك كما=

الفهرس التالي التالي