الحسين في طريقه الى الشهادة 121

المستشرقون ـ باكيدر ـ وقد ألفت (المس بل) كتابا ضخما أسمته ـ القصر والجامع في الاخيضر(3) ذكرت فيه «هنالك بناية او قرية تدعى المقاتل وقد اشار اليه ياقوت بكونها اما بين عين التمر ودمشق او قرب القطقطانة وسلام»(4) . ثم ذكرت «وحالة قصر المقاتل وقد عد خطأ بكونه الاخيضر»(5) ، وايضا ذكرت «وهذا يقضي بي مرة أخرى الى القول ان قصر المقاتل قد كان يقوم في ما قبل الاسلام . وفي العصر الاموي . ثم خرب واستعاد بناءه عيسى بن علي . ان قصر المقاتل اعيد بناؤه في مطلع العصر العباسي(6) .(7) وربما يبعد عن الاخيضر اثنى عشر كيلو متر . وقد اندثر القصر ولم يبق من اثره الاشبه تل ، وبالقرب من هذا التل عين نابعة تميل الى الملوحة . تسميها العرب ـ الاخيضرة ـ وهذه الارض كلها تسمى طف العراق ، واهالي النجف يسمون المرتفع عليها شرقا والمشرف على الطف ـ الطارات ـ وقال عبيدالله بن الحر الجعفي يذكر قصر مقاتل :
وبالقصر ما جربتموني فلم أخم ولم اك وقافا ولا طائشـا فشـل
وبارزت اقواما بقصـر مقـاتل وضاربت ابطالا ونازلت من نزل

ذكر صاحب كتاب ـ البادية ـ ان الناظر لهذه القصور يخيل اليه انها بنيت لغابة واحدة . قد تكون مسالح او مراكز دفاعية . فاذا حدث اعتداء على احد هذه القصور يكفي ان يشعل ساكنوها النار على سطح أحد القصور ايذانا بالخطر فيأخذ سكان القصر الثاني او القلعة الثانية الحذر فيشعلون النار ايضا تنبيها للقصر الثاني . وهي طريقة دفاعية في غاية الاحكام . انظر كتاب البادية ص 14 ، قلت وكل هذه القصور موقعها في طف العراق ـ المعروف اليوم عند اهالي النجف ـ بارض البحر ـ وتوجد هناك آثار بعض الاديرة القديمة ، وسلسلة البنايات منها موجدة . والعطشان في الجنوب . وقلعة شمعون وبرداويل من جهة الشمال :
(3) ـ القصر والجامع في الاخيضر ـ باللغة الانكليزية تأليف ـ المس بل ـ طبع انكلترا . اوكسفورد سنة 1914 م .
(4) انظر ـ مس بل القصر والجامع في الاخيضر ـ ص 162 .
(5) انظر ـ مس بل ـ القصر والجامع في الاخيضر ـ ص 164 .
(6) انظر ـ مس بل ـ القصر والجامع في الاخيضر ـ ص 168 .
(7) ترجم لي هذه الكلمات الاستاذ الكبير ـ كوركيس عواد ـ مدير مكتبة المتحف العراقي ببغداد .
الحسين في طريقه الى الشهادة 122

فلا بصـرة امي ولا كـوفـة ابي ولا انا يثنيني عن الرحلة الكسل
فلا تحسبنـي ابـن الزبير كناعس اذا حل أغفى او يقـال اذا ارتحل
فان لم أزرك الخيل تردى عوابسا بفرسانها حولـي فما انا بالبطل

وهذا هو عبيد الله بن الحر الجعفي . الذي التقى به الحسين (ع) في قصر مقاتل . ذكر صاحب ـ در النظيم ـ في بعض فصوله . راويا عن ابي مخنف انه قال : لما نزل الحسين (ع) قصر بني مقاتل راى فسطاطا مضروبا . فقال لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل لعبيد الله بن الحر الجعفي : وكان معها لحجاج بن مسروق الجعفي . وزيد بن معقل الجعفي . فارسل الحسين (ع) الحجاج اليه يدعوه فلما اتاه . قال له : يابن الحر . اجب الحسين بن علي بن طالب (ع) فقال له ابلغ الحسين عني وقل له اني لم اخرج من الكوفة الا فرارا من دمك ولئلا اعين عليك . والحسين (ع) ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة . فجاء الحجاج . وبلغ الحسين مقالته . فعظم ذلك على الحسين (ع) . ثم انه دعى بنعليه فركبهما . واقبل يمشي حتى دخل على عبيد الله وهو في الفسطاط . وكان الحسين (ع) عليه جبة خز وكساء وقلنسوة(8) فلما رأى الحسين مقبلا قام اليه اجلالا . وأوسع له عن صدر المجلس حتى أجلسه بمكانه . قال يزيد بن مرة . حدثني ابن الحر . قال : دخل على الحسين (ع) ولحيته كأنها جناح غراب . ما رأيت أحدا قط أحسن ولا املا للعين من الحسين (ع) ولا رققت لاحد قط كرقتي على الحسين حين رأيته يمشي وأطفاله حواليه ، فالتفت الحسين (ع) الى عبيد الله وقال له : ما يمنعك يابن الحر أن تخرج معي ؟ فقال : لو كنت ممن كتب لك لكنت معك . ولكن هذه خيلي المعدة والادلاء من أصحابي . وهذه فرسي الملحقة . فوالله ما طلبت عليها شيئا الا أدركته وما طلبني أحد الا فته . فدونكها فاركبها حتى تلحق بمأمنك وأنا ضمين لك بالعيالات حتى أؤديهم اليك أو أموت أنا وأصحابي دونهم . وأنا كما تعلم اذا دخلت في أمر لا يضمني فيه أحد . فقال الحسين (ع) هذه نصيحة

(8) انظر علي جلال الحسيني ـ الحسين ـ ج 1 ص 97 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 123

منك لي ؟ قال نعم : فوالله الذي لا اله فوقه فقال الحسين اني سأنصحك كما نصحتني . مهما استطعت أن لا تشهد وقعتنا ولا تسمع واعيتنا . فوالله لا يسمع اليوم واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا الا اكبه الله على منخريه في النار ، وفي الامالي(9) فقال له الحسين ، لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك . ثم تلا قوله تعالى «وما كنت متخذ المضليـن عضدا»»(10) ثم فارقه الحسين (ع) قال أهل السير : ولما قتل الحسين (ع) ندم عبيد الله على عدم نصرته للحسين وصار يتحسر لذلك ويتأسف بقوله :
فيالك حسـرة مـا دمـت حيا تردد بين حلقـي والـتـراق
حسين حين يطلب بذل نصري على أهل الضـلالة والنفـاق
غداة يقول لي بالقـصـر قولا أتتركنـا وتـزمـع بالفـراق
ولو أنـي اواسـيـه بنفـسـي لنلت كـرامـة يـوم التـلاق
مع ابن المصطفـى روحي فداه تولـى ثـم ودع بانـطـلاق
فلو فلـق التلهـف قلـب حي لهـم اليـوم قلبـي بانـفلاق
لقد فاز الاولى نصـر واحسينا وخاب الاخرون ذوو النفـاق

وقال ايضا يصف حزنه على الحسين عليه السلام :
يبيت النشـاوي من اميـة نـوما وبالطـف قتلى لا ينام حميمها
وأضحت قناة الدين في كف ظالم اذا اعوج منها جانب لا يقيمها
فأقسمت لا تنفك نفسـي حـزينة وعيني تبكي لا يجف سجومها
حياتـي أو تلقـى اميـة خـزية يذل بها حتـى الممات قرومها

وذكر الطبري(11) ان عبيد الله بن زياد . تفقد أشراف أهل الكوفة . فلم ير عبيد الله بن الحر الجعفي . ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه . فقال له : اين

(9) انظر امالي الصدوق (ره) .
(10) سورة الكهف .
(11) انظر ابن جرير الطبري ج 6 ص 270 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 124

كنت يابن الحر ؟ قال : كنت مريضا . قال : مريض القلب أم مريض البدن . قال : أما قلبي فلم يمرض . وأما بدني فقد من الله علي بالعافية . قال له ابن زياد . كذبت ولكنك كنت مع عدونا . قال : لو كنت مع عدوك لرؤى مكاني . وما كان مثل مكاني يخفى . قال : وغفل عنه ابن زياد غفلة فخرج ابن الحر فقعد على فرسه . فقال ابن زياد : أين ابن الحر . قالوا خرج الساعة قال علي به : فأحضرت الشرطة . فقالوا له : أجب الامير ابن زياد . فدفع فرسه . ثم قال : أبلغوه عني اني لا آتيه طايعا أبدا . ثم خرج حتى أتى منزل أحمر بن أياد الطائي ـ فاجتمع في منزله اصحابه . ثم خرج حتى أتى كربلاء فنظر الى مصارع القوم . فاستغفر لهم هو وأصحابه . ثم مضى حتى نزل المدائن وقال في ذلك :
يقـول أميـر غـادر وابـن غادر ألا كنت قاتلت الحسيـن بـن فاطمة
فيـا ندمـى أن لا اكـون نصـرته ألا كل نفـس لا تـسـدد نـادمـه
وانـي لانـي لـم اكـن من حماته لذو حسـرة ما أن تفـارق لازمـه
سـقـى الله أرواح الذيـن تـازروا على نصـرة سقيا من الغيـث دائمه
وقفت على أجداثهـم ومحـالـهـم فكاد الحشـى ينقض والعيـن ساجمه
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى سراعا الـى الهيجـا حماة ضراغمه
فـان يقتـلـوهم كـل نفـس تقية على الارض قد أضحت لذلك واجمه
وما أن رأى الراؤون أفضـل منهم لدى الموت سـادات وزهـر قماقمة(12)
أتقتـلهـم ظلمـا وتـرجـو ودادنا فدع خطـة ليسـت لنـا بملائمـه
لعمري لقـد راغمتـمـونـا بقتلهم فكم ناقم منـا عليـكـم ونـاقمـة
أهم مـرارا أن أسـيـر بجحـفل الى فئة زاغـت عـن الحق ظالمه(13)
فكفـوا والا ذدتكـم فـي كتـائب أشد عليكـم مـن زحـوف الديالمه

(12) قماقمه . مفردها . قمقام . السيد الكثير العطاء .
(13) زاغت أي مالت عن الحق .
الحسين في طريقه الى الشهادة 125

والفتح ما هوى ـ أي الشهادة ما هواها . وهذه الكلمة قالها الحسين (ع) بكتابه الى أخيه محمد بن الحنفية . كتب اليه اما بعد . فمن لحق بي منكم استشهد ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح والسلام(14) فأنزل الحسين (ع) الشهادة بمنزلة الفتح . وأي فتح أعظم من هذا . فقد ورد في الزيارة اخرج عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة . وقد هد عرش أمية . وجدد دين جده رسول الله (ص) بشهادته (ع) قال أرباب التاريخ ولما كان في آخر الليل أمر الحسين (ع) بالرحيل فسار من قصر مقاتل . ولما طلع الفجر نزل وصلى بأصحابه . ثم ركب واخذ يتياسر بهم . وكلما أراد أن يميل نحو البادية يمنعه الحر بن يزيد ويرده وأصحابه نحو الكوفة(15) جهة الشرق حتى وافى كربلاء .
ولم يفارقه «الرياحي» الى أن وقف الطـرف بسبط المصطفى
فضيّـق الحـرّ عليه قائلا حط عصى الترحال يابن المرتضى
فقال دعنا أن نسري غلوةً فـقـال لا ننـزل الا بـالـعـرا

الرياحي هو «الحر بن يزيد الرياحي» وقد مرت ترجمته مفصلا ، والغلوة رمية سهم وعن الليث الفرسخ التام خمسة وعشرون غلوة(1) قال : ارباب التاريخ . ولما حاذى الحسين بسيره ـ نينوى ـ اذا براكب على نجيب عليه السلاح متنكبا قوسه مقبلا . فوقفوا ينتظرونه . فلما انتهى اليهم سلم على الحر ولم يسلم على الحسين (ع) فدفع الى الحر كتابا من ابن زياد واذا فيه اما بعد . فجعجع بالحسين حتى يبلغك كتابي . ويقدم عليك رسولي . فلا تنزله الا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء . وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام . فلما قرأ الكتاب . قال لهم الحر : هذا كتاب الامير عبيد الله يأمرني

(14) انظر محمد بن الحنفية للمؤلف .
(15) انظر عمر ابو النصر ـ الحسين بن علي حفيد محمد بن عبد الله ص 107 .
(1) انظر ابن منظور ـ لسان العرب ـ مادة غلو .
الحسين في طريقه الى الشهادة 126

أن اجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه . وقد أمر رسوله أن لا يفارقني حتى انفذ أمره . وأخذهم الحر بالنزول على غير ماء ولا في قرية . فقالوا دعنا ننزل في نينوى أو ننزل بالغاضرية . أو شفية . فقال لا استطيع : هذا الرجل قد بعث عينا علي . فقال زهير بن القين للحسين (ع) انه لا يكون والله بعد ما ترون الا ما هو أشد منه يابن رسول الله (ص) ان قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به فهلم نناجز هؤلاء . فقال الحسين (ع) اني اكره أن أبدأهم بالقتال قالوا : وصار الحسين (ع) يسأل عن اسم هذه الارض .
فسأل الحسين ما اسمه هذه الارض فقال القوم تدعى نينوى

(نينوى) . بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح النون . بوزن . طيطوى . وهي قرية يونس بن متى . قال الحموي(1) وبسواد الكوفة ناحية يقال لها نينوى . منها كربلاء التي قتل بها الحسين (ع) . ذكر ابن ابي طاهر ان الشعراء اجتمعوا بباب عبد الله بن طاهر فخرج اليه رسوله . وقال : من يضف الى هذا البيت على حروف قافيته بيتا وهو :
لم يصح للبين منهم صرد وغراب لا ولكن طيطوى

فقال رجل من أهل الموصل :
فاستقلوا بكرة يقدمهم رجل يسكن حصنى نينوى

فقال عبد الله بن طاهر للرسول . قل له تصنع شيئا فهل عنده غيره . فقال أبو سناء القيسي :
وبنبطى طفا في لجة قال لما كظه التغطيط وى

فصوبه وأمر له بخمسين دينارا .
ونينوى تقع شرقي كربلاء . وهي الان سلسلة تلول أثرية ممتدة . منها من جنوب سدة الهندية حتى مصب نهر العقلمي في الاهوار . وتعرف بتلول نينوى .

(1) انظر ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ـ ج 8 ص 368 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 127

ويتفرع منها نهر العلقمي هذا من نهر الفرات الذي كأن يجري من أعالي الانبار الى بابل في نقطة تقع شمال نينوى . قال شيخنا المظفري(2) كانت قرية مسكونة . واراد الحسين (ع) النزول بها . عندما قال للحر . دعنا ننزل القرية ـ يعني نينوى ـ أو هذه ـ يعني الغاضرية ـ أو هذه ـ يعني سقية ـ فأجابه الحر . هذا رجل قد بعث عينا علي الخ . وذكر الشيخ الطوسي . وتابعه الشيخ النوري . انها قرية الى جنب حائر الحسين (ع) ولكن الشيخ المفيد (ره) يذكر أن نزول الحسين (ع) بنفس نينوى . وان لم ينزل القرية العامرة وذكر الطبري(3) قال : حتى انتهوا الى نينوى . المكان الذي نزل به الحسين (ع) . وهي تمتد من أراضي السليمانية اليوم الى سور بلدة كربلاء المعروف ـ بباب طويريج ـ اليوم . كما تمتد الغاضرية . من سور كربلاء من الموضع المعروف ـ بباب الحسينية الى قرب مرقد ـ عون ـ أو الى ـ خان العطيشي ـ ونينوى هي اليوم الموضع المعروف ـ بباب طويريج ـ شرقي كربلاء . كما حققها وأثبتها العلامة المظفري . وحتى ناقش باثباته وتحقيقاته سيدنا الحجة ـ الشهرستاني أيده الله . اذ قال : انها السدة الهندية اليوم . وربما تكون هي أقرب المواضع الى مصرع الحسين (ع) وفي حديث ابي بكر بن عياش . انه خرج من قنطرة الكوفة حتى انتهى الى نينوى . وقد ذكرها الشعراء بمراثيهم منها قول بعضهم . يصف أصحاب الحسين (ع) .
ومذ أخذت في نينوى منهم النـوى ولاح بهـا للغدر بعض العلائم
غدا ضاحكـا هـذا وذا متبسـمـا سـرورا وما ثغر المنون بباسم
لقد صبروا صبر الكرام وقد قضوا على رغبة منهم حقوق المكارم

ولشيخنا المظفري . مطلع قصيدته : ذكر نينوى قال :
قف على نينوى وحيى رباها بقعة شرفت فطاب ثراها

(2) انظر الشيخ عبد الواحد المظفري ـ بطل العلقمي ـ ج 3 ص 351 .
(3) انظر ابن جرير الطبري ـ 6 ص 232 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 128

قالوا فقال الحسين (ع) : هل لها أسم غير هذا ؟ فقالوا العقر :
أغير ذا اسم لها قالوا بلى العقر فاستعوذ من كل بلا

(العقر) . بفتح اوله وسكون ثانيه . قال الخليل : سمعت أعرابيا . من أهل ـ الصمان ـ يقول : كل فرجة تكون بين شيئين فهو عقر . قال : ووضع يديه على قائمتي المائدة ونحن نتغدى . فقال : ما بينهما عقر . قال علماء الجغرافية . وهناك عقر . يقال له . عقر سلمى لبني نبهان عن يسار المصعد الى مكة هذا بالحجارة ذكره البكري(1) قال : ثم يلي الجبل العقر . وذكر الدينوري(2) ـ عند وصول الحسين الى كربلاء ـ قال فقال زهير بن القين . فهاهنا قرية بالقرب منا على شط الفرات . وهي عاقول(3) حصينة الفرات يحدق بها . الا من وجه واحد . فقال الحسين (ع) وما اسم تلك القرية ؟ فقال ـ العقر ـ فقال الحسين (ع) نعوذ بالله من العقر . والذي يتتبع آثار العراق القديمة يجد ان هناك عدة قرى ومدن كانت تسمى ـ بالعقر ـ منها قرية تقع على شط دجلة فوق تكريت . وقد مر بها الرحالة ابن بطوطة عام 727 هجـ(4) فقال عنها ما نصه . ثم رحلنا ـ أي من تكريت ـ منها مرحلتين ووصلنا الى قرية تعرف بالعقر على شط دجلة وبأعلاها ربوة كان بها حصن وبأسفلها الخان المعروف ـ بخان الحديد ـ له ابراج وبناؤه حافل . والقرى والعمارة متصلة من هناك الى الموصل ، ومنها قرية بالقرب من كربلاء وهذه التي اشار احد اصحاب الحسين (ع) عليه بان يسير وينزل لحصانتها ، ثم نجد هناك آثار قريتين مندرستين تقعان على الفرات جنوب الانبار ـ الفلوجة اليوم يقال لهما عقر الغربي وهي التي اشار اليها زهير على الحسين ان ينزلها(5) .

(1) انظر البكري ـ معجم ما استعجم ص 718 طبع اوربا .
(2) انظر الدينوري ـ الاخبار الطوال ص 226 .
(3) العاقول منعطف الوادي والنهر .
(4) انظر ابن بطوطة ـ رحلته ص 148 .
(5) انظر احمد سوسه ـ وادي الفرات ـ ج 2 منه .
الحسين في طريقه الى الشهادة 129

وفي بدرة في الجانب الثاني تل يقال له العقر والى جانبه شيدت حكومتنا العراقية دورا للموظفين . ويوجد أيضا تل كبير في قضاء الشامية من اراضي ـ عشيرة الكرد ـ يسمى ـ عقر ـ وهذا الاسم يشمل جميع الاراضي الزراعية المحيطة به ـ وقد مررت عليه عام 1347 هجـ وشاهدت عليه بعض البيوت مقامة وهي من سعف النخل والقصب ، لم يزل حتى اليوم حواليه الارض الزراعية التي . قد أوقفها ـ السيد عماد الدين وبهاء الدين على أبنائهما ذكورا واناثا وقد أثبتا تلك الوقفية بخط ابن اختهما ـ العلامة الحلي ـ ولم يزل حتى الان السادة المعروفون (بـ آل بهية) والعماديون يتصرفون ببعض العقر وان ابتز بعض ذوي السلطة قسما منها ، وعقر بابل ينسب اليها أبو الدر لؤلؤ بن ابي الكرم بن فارس العقري . قال صاحـب اللباب(6) هذه النسبة الى العقر وهي قرية على طريق بغداد الى الدسكرة ، وعقر كربلاء غيره عقر بابل . ففي عقر بابل قتل يزيد بن المهلب بن ابي صفرة سنة 102 هجـ . وكان قد خلع طاعة بني مروان . ودعا الى نفسه فأطاعه أهل البصرة والاهواز وفارس وواسط . فخرج في ماية وعشرين الفا . فندب له يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة . فوافقه بالعقر من أرض بابل . فأجلت الحرب عن قتل ابن الملهب . وكانوا يقولون ـ ضحى بنوا حرب بالدين يوم كربلاء وضحى بنوا مروان بالمروءة يوم العقر . وقال الفرزدق : يشبب بعاتكه بنت عمرو ابن يزيد الاسدي . زوج يزيد بن المهلب :
اذا ما المزونيات أصبحن حسرا وبكين أشلاء على عقر بابل
وكم طالب بنـت المـلاءة انها تذكر ريعان الشباب المزايل

وذكرها الشعراء بمراثيهم للحسين (ع) فللعلامة المظفري قوله :
فسل عقر الطفوف تجد لديه تفاصيلا لفاجعة الطفوف

فسأل الحسين هل لها اسم غير فأخبروه . يقال لها كربلاء .

(6) انظر اللباب ج 6 ص 145 طبع القاهرة .
الحسين في طريقه الى الشهادة 130

قال أجل فهل تُسمى غير ذا قالوا بلى هذي تسمى كربلا

(كربلاء) . بالمد موضع في طرق البرية عند الكوفة . فاما اشتقاقها فمن كربلة . والكربلة رخاوة القدمين . يقال جاء يمشي مكربلا . فيجوز أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك . والكربل . اسم نبت ـ الحماض ـ فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر هناك . وتقع كربلاء على خط الطول 43 درجة و55 دقيقة شرقي «غرنج» وعلى خط العرض 34 درجة و45 دقيقة تقريبا . شمال خط الاستواء . وفي المنطقة المعتدلة الشمالية . ذكر المؤرخون ان كربلاء كانت في عهد البابليين معبدا لسكان بلدتي نينوى وعقر بابل الكلدانيتين الواقعتين بالقرب منها . والاسم محرف من كلمتي ـ كرب ـ بمعنى مصلى أو معبد أو حرم ـ وأبلا ـ بمعنى اله . باللغة الارامية ـ أي حرم الاله(1) ولما فتح الساسانيون ـ العراق على عهد ـ شابور ذي الاكتاف ـ قسموا العراق الى استانات(2) وكل استانة الى ـ طسج ـ(3) وهذه الطساسيج الى رساتيق(4) فأصبحت الاراضي الواقعة بين ـ عين التمر ـ(5) والفرات طسجا من طساسيج الاستانة . وسمى ـ بهفباد الاوسط . وكانت تتألف من ستة طساسيج : طسج بابل . طسج خطرنية . طسج فلوجه السفلى . طسج فلوجة العليا . عين التمر . طسج النهرين . وفي طسج النهرين . يقول دعبل بن علي الخزاعي(6) في قصيدته التائية :

(1) خطط الكوفة . للمستشرق ماسنيون الافرنسي ـ ترجمة تقي الدين المصعبي .
(2) الاستانة . ولاية .
(3) الطسج أي قضاء .
(4) رساتيق والرستاق الناحية .
(5) المعروفة اليوم ـ بشفاثة ـ .
(6) هو دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم الخزاعي . ويكنى ابا علي . وهو شاعر مطبوع وكان شاعر الرضا (ع) والمنشد له قصيدته التي يقول في مطلعها :
الحسين في طريقه الى الشهادة 131

نفوس لدى النهرين من أرض كربلا معرسهم فيها بشط فرات

مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
وهذه القصيدة من اروع ما نظم . فكافأه الرضا (ع) عليها عشرة الاف درهم مما ضرب باسمه (ع) وكان رحمه الله يهجو بحق . حيث يشاهد المنكرات من اصحاب السلطة والامراء ولم يقف عند حده في هجائهم بل صار يهجو الخلفاء كالرشيد والمأمون والمعتصم وكان هجاؤه من باب الاحتجاج عليهم واظهار منكراتهم للناس وتلاعبهم بالشريعة والاحكام . فمن هجائه للمعتصم قوله :
بكى لشتـات الـديـن مكتئب صب وقاض بفرط الدمع من عينه غرب
وقام امـام لم يـكـن ذا هـدايـة فليـس لـه ديـن ولـيـس له لب
وما كانت الانبـاء تـاتـي بمثلـه يملك يـومـا او تديـن له العرب
ولكن كما قـال الـذيـن تتـابعوا من السيف الماضي اذا عظم الخطب
ملوك بني العباس في الكتـب سبعة ولم تأتنا عن ثـامـن لهـم كتـب
كذلك اهل الكهـف فـي العد سبعة خيـار اذا عـدوا وثـامنهـم كلب
واني لاعلى كلبهم عنـك رفـعـة لانـك ذو ذنـب وليـس له ذنـب
لقد ضاع ملك الناس اذ ساس ملكهم وصيف واشناس وقد عظـم الكرب
وعندما بلغه نعي المعتصم قال :
قد قلت اذ غيبوه وانصرفوا في شر قبر لشر مدفون
اذهب الى النار والعذاب فما حلتك الا من الشياطين
مازلت حتى عقدت بيعة من اضربا لمسلمين والدين
ومن شعره يهجو المتوكل بقوله :
ولست بقائل بدعا ولكن لامر ما تعبدك العبيد
قالوا يرميه في هذا البيت بالابنة :
يا معشر الاجناد لا تقنطوا وارضوا بما كان ولا تسخطوا
فسوف تعطـون حنينـية يلتـذها الامـرد والاشـمـط
والمعبـديات لـقـوادكم لا تـدخـل الكيس ولا تربط
وهكـذا يـرزق قـواده خليفـة مصحفـه الـبـربط
وقوله في المأمون :
أيسومني المأمون خطة عاجز أو ما رأى بالامس رأس محـمد
اني من القوم الذين عهـدتهم قتلوا اخاك وشرفـوك بمقـعـد
شادوا بذكرك بعد طول خموله واستنقذوك من الحضيض الاوهد
قتل رحمه الله بناحية الاهواز في قرية قرب السوس ودفن بها وذلك في سنة اربعين وماءتين ، وكان حينذاك توفى ابو تمام بالموصل ، فرثاهما صديقهما البحتري بقوله :
الحسين في طريقه الى الشهادة 132

وقد سمى الطسج السادس . بطسج النهرين . لوقوعه بين ـ خندق شابور ونهر العلقمي ـ ولما فتح المسلمون العراق في عهد عمر بن الخطاب (رض) سنة 14 هجـ بقيادة سعد بن ابي وقاص الذي أمر ابن عرفطة بفتح طسج النهرين ففتحه واتخذ كربلاء بادئ ذي بدء مأوى لجيوش المسلمين ومركزا لقيادتهم .
ثم بعد ذلك رحلوا عنها الى الكوفة . لوخامتها ورداءة مناخها وقتئذ . فاستبدل الاسلام اسم الاستانة الى ـ كور ـ وعرف هذا الطسج السادس ـ بكور بابل ـ وقد أخطأ بعض المؤرخين بتسميتها ـ بكور بابل ـ والصحيح كما مر اسمها ـ كربلاء ـ وقسم الاسلام أيضا . طسج النهرين . الى عدة قرى . فسميت كل قرية باسمها الخاص منها نينوى .
(نينوى) . تقع شرقي كربلاء اليوم وهي الان سلسلة تلول أثرية ممتدة من جنوب سدة الهندية . حتى مصب نهر العلقمي في الاهوار . وتعرف ـ بتلول نينوى ـ ويتفرع منها نهر العلقمي هذا من نهر الفرات الذي كان يجري من أعالي الانبار الى بابل في نقطة تقع شمال نينوى . والعقر وعين التمر يقعان غربي كربلاء قال شيخنا المظفري(7) في تحقيقاته عن بلاد كربلاء . الاسم الحائز على الشهرة العظيمة التي طويت الاجيال ولفت العصور لقداستها بما حوته من جثمان سيد شباب أهل الجنة سبط رسول الله (ص) وريحانته ـ الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) ـ هي بالاصل اسم لموضع خاص من مواضع هذه الارض الواسعة الفسيحة . غلب على الصقع بأسره . وهو من دونها موضع قاحل . أرضه جرداء لا نبات بها سوى الحلفاء وبعض الادغال . وليس فيها ماء في ذلك الوقت ولا سكان . وبهذا الموضع نزل الحسين (ع) أولا . ثم تركه ونزل ـ المخيم ـ المعروف الان ـ بالخيمكاه ـ بلسان الفرس . فانهم أنزلوه به كرها . امتثالا

=
قد زاد في كلفى واوقد لوعتي مثوى حبيب يـوم مات ودعبل
أخوي لا تزل السماء مخيلـة تغشاكمـا بسمـاء مزن مسبل
جدث على الاهواز يبعد دونه مسرى النعي ورمسة بالموصل
(7) انظر المظفري ـ بطل العلقمي ج 3 ص 324 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 133

لامر اللعين ابن زياد . في ان ينزلوه بالعراء على غير ماء ولا كلاء . ولما علم منهم التصميم على قتاله . واختبر الارض فوجدها لا تصلح للحرب اذ أنها مكشوفة . وليس بها ملجأ . ولا لاصحابه وعيالاته من مكان يعتصمون به من غارة العدو . ورأى قريبا منها تلك التلاع الثلاث التي يتمكن لو جعلها خلف ظهره ويحتمي بها وقت المصاولة . فارتحل من منزله الاول وبه استشهد . وموضع نزوله الاول معروف لحد الان . وعوام أهل كربلاء من القرويين يعرفونه باسم ـ كربله ـ مفخما . ولاجل نزول الحسين (ع) به غلب اسمه على تلك المنطقة بأسرها فسميت به عامة المواضع . وقد ظهر لي بالسؤال . من أهل تلك النواحي . والنقل عن أهل الخبرة من أهل العلم . أن بها موضعين . كل واحد منهما يقال له ـ كربله ـ بالتفخيم أحدهما ما وصفه لي بعض المطلعين أنه في بادية كربلاء . يبعد عن البلدة مقدار ستة أميال تقريبا الى الجنوب الشرقي من قرية ـ الرزازة ـ «قرية ابن هذال» أحد زعماء عنزه «اعنزه» والثاني ما وصفه الميرزه النوري (ره) في كتابه . نفس الرحمن ولفظه : واما كربلاء فالمعروف عند أهل تلك النواحي أنها قطعة من الارض الواقعة في جنب نهر يجري من قبلي سور البلد . يمر بالمزار المعروف ـ بابن حمزه ـ منها بساتين ومزارع . والبلد واقع بينها انتهى ، يعني مزار ابن حمزة وكربلاء . ثم تحققنا من بعض الخبراء المطلعين من أهل البلد . فقال نعم كربلة . مقاطعة على طريق المتجه الى بغداد . مجاورة للوند . مقاطعة «السيد قاسم الرشتي»(8) ، فعلى هذا يجوز أن تكون الارض كلها من ـ الوند ـ الى ما فوق ـ الرزازة ـ تسمى كربلاء . وهو اسمها اليوم عند أهل البادية والقرويين . وسميت به البلدة للمجاورة . روى الجنابذي(9) مرفوعا الى الاصبغ بن نباتة . عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه . قال : أتينا مع علي

(8) السيد قاسم الرشتي كان علما من أعلام كربلاء وشخصية علمية وملاكا في الوقت نفسه .
(9) انظر الحافظ عبد العزيز الجنابذي ـ معالم العترة ـ .

السابق السابق الفهرس التالي التالي