الحسين في طريقه الى الشهادة 134

رضي الله عنه في سفره فمررنا بأرض كربلاء . فقال علي (ع) ههنا مناخ ركابهم . وموضع رحالهم . ومهراق دمائهم فئة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقتلون في هذه العرصة تبكي عليهم السماء والارض(10) وروى الشيخ فخر الدين الطريحي(ره)(11) قال : كربلاء موضع معروف . وبها قبر الحسين بن علي (ع) وروى انه . اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل ـ نينوى ـ والغاضرية ـ بستين الف درهم وتصدق بها عليهم . واشترط عليهم بأن يرشدوا الى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام . وقد رووه عن الائمة الطاهرين فهم لا يترددون في صحته ولا يرتابون فيه ، أقول : اني لا أشك ان الحسين (ع) لما علم ان القوم غير تاركيه وأنهم سوف يقتلونه وينتهبون ثقله ـ كما جرى ذلك ـ فكل ما كان يحمله من النقد دفعه الى بني أسد من أهل السواد وطلب (ع) ابتياع هذه البقعة منهم . والذي يحقق ذلك أن أهل الكوفة بعد مقتله حصلوا على غنائم وافرة بل على كل متاع الحسين (ع) نهبا وذكروا أشياء منه حتى الورس وغيره ولم يذكروا هناك أنهم عثروا على نقود في متاعه عندما انتهبوه . فعلى هذا صح أن الحسين (ع) دفع لبني أسد كل ما كان في خزانته وابتاع منهم هذه الارض كي لا تضيع معالم قبره لعلمه (ع) ان قبره سوف يكون مزارا لشيعته من امة جده محمد (ص) . وقد ذكرها الشعراء بأشعارهم هذه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثي الحسين (ع) وتذكر كربلاء وقولها :
واحسينا فلا نسيت حسينا أقصـدتـه أسنـة الاعـداء
غادروه بكربلاء صريعا لا سقى الغيث جانبي كربلاء

وذكر سبط بن الجوزي في تذكرته انه قال السدي : اول من رثى الحسين (ع) عقبة بن عمرو العبسي قال :
اذا العين قرت في الحياة وأنتم تخافون في الدنيا فأظلم نورها

(10) انظر الشبلنجي ج 2 ص 171 .
(11) انظر فخر الدين الطريحي ـ مجمع البحرين ـ .
الحسين في طريقه الى الشهادة 135

مررت علـى قبر الحسين بكربلا ففاضت عليه من دموعي غزيرها
وما زلت أبكيـه وأرثـي لشجوه ويسعد عينـي دمعـهـا وزفيرها
وناديت من حول الحسين عصائبا أطافت بـه مـن جـانبيه قبورها
سلام على أهـل القبـور بكربلا وقل لهـا مـنـي سـلام يزورها
سلام باصال العشـي وبالضحى تؤديه نكبـاء الـريـاح ومـورها
ولا بـرح الـزوار زوار قبـره يفوح عليهـم مسكـهـا وعبيـرها

وهناك كثير ممن نظم في مراثي الحسين (ع) وذكر بشعره كربلاء .
(النواويس) . تقع شمال غربي كربلاء . والنواويس . جمع ناووس . من القبر ما سد لحده(12) . كانت بها مجموعة مقابر للنصارى في قديم العهد وللذين سكنوا هذه الاراضي في الاحقاب السالفة . واليوم يقال لها . أراضي ـ الجمالية ـ وفي شمال شرقها أراضي الفراشية . قالوا وكانت النواويس قبل الاسلام مقبرة للانباط والمسيحيين . وجاء ذكر النواويس في «من لا يحضره الفقيه(13) . قال الصادق عليه السلام : ان النواويس شكت الى الله عز وجل شدة حرها : فقال لها عز وجل اسكتي . فان مواضع القضاء اشد حرا منك . قال الحموي في معجمه . الناووس والقبر واحد . ولم يذكر نواويس كربلاء . وقد ذكرها الحسين (ع) في خطبته التي خطبها بمكة قبل خروجه منها . قال (ع) «كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء» وجاء في «نفس الرحمن» للشيخ النوري . والنواويس مقابر النصارى . كما في حواشي الكفعمي . وسمعنا أنها في المكان الذي فيه مزار ـ الحر بن يزيد الرياحي من شاطئ الطف . وهي ما بين الغرب وشمال البلد ـ يعني كربلاء ـ وقد ذكرها الشعراء بمراثيهم . ولشيخنا المظفري من قصيدة له يرثي الحسين ويذكر

(12) انظر اقاموس للفيروز آبادي .
(13) انظر الشيخ الصدوق ابن بابويه القمي محمد بن علي بن الحسين المتوفي سنة 381 هجـ «من لا يحضره الفقيه» .
الحسين في طريقه الى الشهادة 136

النواويس :
عند النواويس أجساد موزعة من آل يس في صال من البيد

(الطف) . بالفتح والفاء المشددة . وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق . قال الاصمعي . وانما سميت طفا لانه دنا من الريف . من قولهم خذ ما طف لك واستطف ـ أي ما دنا وأمكن ـ قال ابو سعيد : سمي الطف لانه مشرف على العراق . من أطف على الشيء بمعنى أطل . والطف طف الفرات أي الشاطئ به قتل الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) وأصحابه(14) وهي أرض بادية قريب من الريف . ذكر شيخنا السماوي رحمه الله . في ارجوزته التاريخية . بعض الاسماء الواردة في مواقع «كربلاء» قال :
«الطـف» ما أطـل بـالاشـراف على العـراق وعـلـى الارياف
أو مـا عـلا فـراتـه من شـط واختص في مثوى الحسين السبط
وسمـى «الحائـر» وهـو الـدائر اذ دار فيـه المـاء وهـو حـائر
لـدن رأى هـارون ثـم جعـفـر أن يحـرث القـبـر كمـا سنذكر
وذاك عـشـرون ذراعـا تضرب بمثلهـا فعـم أقـصـى أقـرب
و«نيـنـوى» لقـريـة قديـمـة جـدد فيـهـا يـونـس أديـمه
اذ قذفتـه «النون» عـاري البشره فأبنـت الله علـيـه الشـجـره
وذاك فـي روايـة مـعـروفـه قيل بهـا وقيـل بـل بـالكوفة
لكنـمـا التسـمـية المـذكـورة دلت على الطـرفـة والبـاكوره
و«كـربـلا» لان فيـهـا رخوا أو أنهـا تنـبـت وردا أحـوى
أو «كـور بـابل» كمـا يـقال وخفف اللفظـة الاسـتعـمـال
و«الغـاضريات» لان غاضـره من أسد قـد تخـذتـه حاضره
وفـيـه نـهـر لهـم أو أنهـر تعرف فـي نسبتـهـم وتشهـر
و«مشهد الحسين» حيث استشهدا أو حيث ما يشـهـده من شهدا

(14) ذكر نظيره ابن بليهد انظر صحيح الاخبار ج 5 ص 237 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 137

و«شاطىء الفرات» عم ثم خص لكن هـذا نـادر لمن فحص
وطوله «لج نه» والعرض «لدم» لاحدث الارصاد لا لذى قدم(15و16)
والحد منه خمسـة الفـراسـخ في مثلهـا حرمة قبر شامخ
وحـد فـي أربـعـة بالمثـل ووجهوه بـازديـاد الفضل
وذاك مثل ما يـوجه الخـبـر بالحائر المحدود سبعة عشر

قال ابو دهبل الجمحي : يرثى الحسين (ع) من قتل معه بالطف . وقيل لسليمان بن قتة(17) .
مـررت علـى أبيـات آل محمد فلم أرهـا أمثـالهـا يـوم حلت
ألم تر أن الشمس أضحت مريضة لفقد حسيـن والبلاد اقشـعـرت
وكانوا رجالا ثم صـاروا رزيـة ألا عظمت تـلك الـرزايا وجلت
أتسألنـا قيس فنعطي فـقـيـرها وتقتـلـنا قيـس اذا النعـل زلت
وعند غنى قطرة مـن دمـائنـا سنطلبهـا يـومـا بها حيث حلت
فلا يبـعـد الله الـديـار واهلها وان أصبحت منهم برغمى تخلت
فان قتيل الطف مـن آل هـاشم أذل رقـاب المسلمـيـن فـذلت
وجار فارس الاشقين بعد برأسه وقد نهلت منه الريـاح وعـلت(18)

وقال أيضا يذكر الطف :
تبيت النشـاوى مـن اميـة نوما وبالطـف قتلى ما ينام حميمها
وما أفسـد الاسلام الا عصـابة تأمـر نوكـاها فـدام نعيمها(19)
فصارت قناة الدين في كف ظالم اذا اعوج منها جانب لا يقيمها

(15) أي 33 درجة . و55 دقيقة .
(16) أي 34 درجة واربعين دقيقة .
(17) انظر الاصبهاني . مقاتل الطالبيين ص 121 مصر .
(18) لم يذكر الاصبهاني في مقاتله هذا البيت ، وقد ذكره غيره من المؤرخين .
(19) نوكى . مفردها أنوك . والانوك . الاحمق . الاشد حمقا والجاهل .
الحسين في طريقه الى الشهادة 138

وذكر يحيى بن الحكم الطف بقوله :
لهام بجنـب الطـف أدنى قرابة من ابن زياد النغل ذي الحسب الوغل(20)
سمية أضحى نسلها عدد الحصى وبنت رسول الله ليـسـت بـذي نسل(21)

وذكر مصعب بن الزبير الطف بقوله :
وان الاولى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام التأسيا

ولآخر يرثي الحسين ويذكر الطف :
ابك حسينـا ليوم مصرعه بالطف بين الكتائب الخرس
أضحت بنات النبي اذ قتلوا في مأتم والسباع في عرس(22)

ومن رثاء عقيلة الهاشميين ـ زينب ـ بنت الامام علي (ع) ترثي أخاها وتذكر الطف :
على الطف السلام وساكنيه وروحالله في تلك القباب

ولشقيقها ـ ام كلثوم ـ ترثي أخاها وتذكر الطف :
وان رجالنا بالطف صرعى بلا دفن وقد ذبحوا البنينا

وللسوسي يذكر الطف بشعره :
أأنسى حسينا بالطفوف مجدلا ومن حوله الاطهار كالانجم الازهر

وللعوني ايضا يذكر الطف :
فيا بضعة من فؤاد الرسول بالطف أضحى كثيبا مهيلا

ولابن جمال يذكر الطف :
وذكرني بالنوح والحزن والبكا غريب بأكناف الطفوف فريد

(20) الوغل . المدعي نسبا كاذبا . يشير بهذا الى زياد بن أبيه ونغله . والوغل الدنيء أيضا .
(21) سمية هي ام زياد . كانت ذات علم في الجاهلية ومن العواهر الشهيرات .
(22) انظر ابن قتيبة الدينوري . عيون الاخبار ج 1 ص 212 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 139

وللخليعي ذكر الطف بشعره :
أم كيف لا أبكي الحسين وقد غدا شلوا بأرض الطف وهو ذبيح

وللشرف الرضي يرثى جده الحسين (ع) ويذكر الطف :
ان يوم الطف يوم كان للـدين عصيبا
لم يدع للقلب مني في المسرات نصيبا
لـعـن الله رجالا ملؤا الدنيـا عيوبا
سالموا عجزا ولما قدروا شنوا حروبا
طلبـوا أوتار بدر عندنا ظلما وحوبا

وجاء ذكر الطف في قصيدة مهيار الديلمي قائلا :
نقضتـم عهـوده فـي أهله وجزتم عن سنن المرسام
وقد شهدتم مقتـل ابـن عمه خير مصل بعده وصائـم
وما استحل باغيـا امـامكم يزيد بالطف من ابن فاطم
وها الى اليوم الضبا خاضبة من دمهم مناسر القشـاعم

وذكر ابن عساكر في ترجمة خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد من كلامه في قتل الحسين (ع) :
أبني امية هل علمتم انني أحصيت ما بالطف من قبر
صب الاله عليكم غضبا أبناء جيش الفتـح أو بـدر

واكثر الشعراء الذين رثوا الحسين (ع) ذكروا الطف بشعرهم .
قال شيخنا المظفري : واما طف الكوفة . وتسميه عوام هذا العصر بـ (الطارات) فيمتد من قرية «الشنافية»(23) مجتازا (بالحيرة) فالنجف الاشرف .

(23) بلدة الشنافية هي احدى بلدان العراق الواقعة على شط الفرات الاوسط . وزعماؤها السادة آل «مقوطر» فمن مشاهيرهم السيد هادي مقوطر أحد أركان الثورة العراقية وكان من رجالها المرموقين رحمه الله .
الحسين في طريقه الى الشهادة 140

ويستمر مغربا الى عين التمر ـ شفاثة ـ ومن القطقطانية ينعطف الى كربلاء . قلت وفي هذا الطف عيون كثيرة . منها باقية حتى اليوم . قال ابن الفقيه . وعيون الطف . منها مثل عين الصيد . والقطقطانة . والرهيمة . وعين جمل . وعين الرحبة(24) اقول والتي وقفت عليها من تلك العيون . الرحبة(25) وعيـن الهـارمية(26) وعين الحسن(27) ، وهناك عين ال(الحياضية) وعين (العزية) . وذكر البلاذري(28) قال : كانت عيون الطف مثل عين الصيد(29) والقطقطانة

(24) انظر ابن الفقيه ـ البلدان ص 187 طبع ليدن .
(25) قال البلاذري . كانت عين الرحبة مما طم قديما . فرآها رجل من حجاج اهل كرمان . وهي تنبض . فلما انصرف من حجه اتى عيسى بن موسى متنصحا فدله عليها . فاستقطعها وأرضها . واستخرجها له الكرماني . فاعتمل ما عليها من الارضين . وغرس النخل الذي في طريق العذيب .
(26) عين الهارمية . وقفت عليها غير مرة وهي عين نابعة رائحتها نتنة . ماؤها يميل الى السواد لشدة زرقته . موقعها بين قطعة من النخيل تعزى الى ـ آل عنوز ـ جيراننا بالنجف . ولن يستفاد منها . وهي غربي اراضي الهارمية . ملك السيد عبد الله السيد عبد الزهرة . متصلة بمقاطعة ام حريجة .
(27) عين الحسن . كان كثيرا ما يطرق سمعي اسمها . فمررت عليها عام 1355 هجـ وذلك عندما ارتأت الحكومة العراقية أن يعود طريق الحج على ما كان الايام الامويين والعباسيين على النجف والرحبة خرجت لاشايع بعض الحجاج الى الرحبة . ثم كان رجوعنا على طريق ـ الدسم ـ فمررنا على ضحضاح في سبخة وعليه لمة من الناس فسألت فقالوا لي هذه عين الحسن (ع) وهم يتبركون بذلك الماء .
(28) انظر البلاذري ـ فتوح البلدان ـ ص 296 طبع الازهرية .
(29) عين صيد . قال البلاذري اخبرني بعض الكريزين . ان عين الصيد . كانت مماطم . فبينا رجل من المسلمين تحول فيها هناك اذ ساخت قوائم فرسه فيها فنزل عنه فحفر فظهر الماء . فجمع قوما عاونوه على كشف التراب والطين عنها وتنقيتها حتى عادت الى ما كانت عليه . ثم انها صارت بعد الى عيسى بن علي ابتاعها من ولد الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) وكانت عنده منهم ـ ام كلثوم بنت الحسين بن الحسن . وكان معاوية . اقطع الحسن بن علي عين صيد هذه . عام تنازله من الخلافة مع غيرها . وانما سميت عين صيدلان السمك يجتمع فيها .
الحسين في طريقه الى الشهادة 141

والرهيمة(30) وعين جمل(31) وذواتها للموكلين بمسالح الخندق(32) وغيرهم . وذلك ان سابور أقطعهم أرضا فاعتملوها من غير ان يلزمهم لها خراجا . فلما كان يوم ذي قار . ونصر الله العرب بنبيه محمد (ص) غلبت العرب على طائفة من تلك العيون . وبقي في ايدي الاعاجم بعضها . ثم لما قدم المسلمون (الحيرة) هرب الاعاجم . بعد ان طمت عامة ما في ايديهم منها . وبقي الذي في ايدي العرب فاسلموا عليه . وصارما عمروه من الارضين عشريا . ولما مضى أمر القادسية والمدائن . دفع ما جلا عنه اهلها من اراضي تلك العيون الى المسلمين فاقطعوه فصارت عشريا ايضا . وكذلك مجرى عيون الطف وأراضيها مجرى اعراض المدينة وقرى نجد وكل صدقتها الى اعمال المدينة . فلما ولى اسحاق بن ابراهيم ابن مصعب السواد للمتوكل على الله ضمها الى ما في يده . فتولى عمالة عشرها وصيرها سوادية . وهي على ذلك الى اليوم . وقد استخرج عيون اسلامية مجرى ما سقت عيونها من الارضين هذا المجرى ، قال الاقيشر الاسدي من قصيدة له :
انا يذكرنـي هنـدا وجـارتهـا بالطف صوت حمامات على نيق
بنات ماء معـا بيـض جئاجئها حمر مناقرهـا صفـر الحماليق
ابدى السقـاة بهـن الدهر معلمة كأنمـا لونهـا رجـع المخـانيق
افنى تلادي وما جمعت من نشب قرع القراقيـر افـواه بالابـاريق

وذكر ابن بليهد(33) . : الطف قد ذكره ياقوت وحدده . واجاد في

(30) القطقطانة والرهيمة ذكرنا كلا منهما في محلها من هذا الكتاب .
(31) عين جمل . قال البلاذري . وحدثني بعض المشايخ ان جملا مات عند عين الجمل فنسبت اليه . وقال بعض اهل واسط ان المستخرج لها كان يسمى جملا .
(32) الخندق هو خندق سابور ، المعروف عندنا اليوم (كرى سعده) موقعه بين النجف والكوفة .
(33) انظر ابن بليهد ـ صحيح الاخبار ج 5 ص 239 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 142

تحديده . ولكن هناك جهة يطلق عليها هذا الاسم وهي ساحل الخليج الفارسي . الذي يمتد من بلد الكويت الى قطر . وانا ليس عندي دليل واضح بما ذكرت الا ما سمعته من افواه اعراب نجد وغيرهم . اذا جاءت قافلة ممتارة من عينين . أو من القطيف . وسألناهم من اين امترتم ؟ قالوا من الطف ثم نقول من أي نواحيه اتيتم . ثم يخبرونك بالجهة التي أتوها . واما رواية ياقوت التي اوردها . عن ابي سعيد . حين قال : من اطف على الشيء بمعنى أطل . وهذه اللغة مستفيضة عند أهل نجد يطلقون على اعلا الجبل (طفته) وعلى اعالي الجبال طفافها وهذا هو المشهور عندهم .
(شفية) . ومن كربلاء شفية . ذكرها ابن الاثير في الكامل . وسماها الدينوري (السقبة) وسماها بعضهم (شفيته) وفي الاخبار الطوال . بعد ان ذكر ملاقاة الحسين (ع) والحر . وما جرى بينهما من الكلام . قال : انتهينا في مسايرتنا الى ـ نينوى ـ وجاء الراكب الى الحر . بكتاب من ابن زياد . فانزل بهذا المكان . ولا تجعل للامير علي علة . فقال الحسين (ع) تقدم بنا قليلا الى هذه القرية التي منا على غلوة . وهي الغاضرية . أو هذه الاخرى التي تسمى ـ السقبة ـ فننزل في احدهما . فقال الحر : ان الامير كتب اليّ أن أحلك على غير ماء . ولابد من الانتهاء الى أمره . فنزل الحسين (ع) بتلك الارض وهي كربلاء يوم الاربعاء غرة محرم سنة 61 هجـ(34) او يوم الخميس الثاني من المحرم(35) .

(34) انظر الدينوري ـ الاخبار الطوال ص 251 .
(35) انظر الطبري . ج 6 ص 232 وابن الاثير ج 4 ص 23 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 143

قال انزلوا هنا أرى مجدّلاً وههنا أحبتي تلقى الردى
وههنا تُشبّ نيران الوغى وههنا يُنهب رحلي والخبا

أمر ابن رسول الله (ص) اصحابه بالنزول في تلك البقعة القاحلة الماحلة . والتي تعرت من الكلا وعلى غير ماء . وصار يخبر أهل بيته وأصحابه . ان هذه تربتي التي اقتل وادفن فيها ذكر القرماني(1) عن الدميري . انه لما وصل الحسين (ع) بركبه الى هذه البقعة . سأل عن اسم المكان . فقيل له كربلا . فقال : كرب وبلاء . لقد مر ابي بهذا المكان عند مسيره الى صفين وأنا معه . فوقف وسأل عن هذا المكان . وقال ههنا محط ركابهم وههنا مهراق دمائهم . فسئل عن ذلك . فقال : نفر من آل محمد صلى الله عليه وسلم يقتلون ههنا ثم أمر بأثقاله فحطت في ذلك المكان ، والاحاديث في ذلك مستفيضة . والتي سمعها من جده المصطفى بقتله في كربلاء . اكدت له ذلك . هذا جابر بن عبد الله الانصاري سمع من رسول الله (ص) ذلك . ومثله . أم سلمة رضي الله عنها . وهكذا ابوه علي (ع) سمع من النبي (ص) وحدث هو بقتله . وتخبرنا . ام الفضل . كما هو المروي عنها . قالت : دخلت على رسول الله (ص) وقصصت عليه حلما منكرا في ليلتها . فقال (ص) ما هو يا ام سلمة ؟ قلت انه شديد . قال (ص) ما هو ؟ قالت رأيت قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري . فقال (ص) : خيرا رأيت . تلد فاطمة انشاء الله غلاما فيكون في حجرك . قالت فولدت فاطمة الحسين (ع) فكان في حجري . كما قال (ص) قالت فدخلت يوما عليه (ص) وأنا أحمل الحسين (ع) فوضعته في حجره . ثم حانت مني التفاته . فاذا عيناه تهرفان دموعا . فقلت يا نبي الله . بأبي أنت وامي ما بالك ؟ فقال (ص) أتاني جبرئيل . فأخبرني ان امتي ستقتل ابني هذا بالطف . فقلت هذا . قال نعم :

(1) انظر القرماني ـ اخبار الدول ـ ص 107 ، طبع بغداد .
الحسين في طريقه الى الشهادة 144

واتاني جبرئيل بتربة حمراء(2) قال الراوي . وفي رواية ام سلمة . أخبرني جبرئيل أن هذا يقتل بأرض العراق . فقلت يا جبرئيل أرني تربة الارض التي يقتل بها . قال : فهذه تربتها . وعن ابي سلمة عن عائشة . ان رسول الله (ص) أجلس حسينا على فخذه . فجاء جبرئيل اليه . فقال هذا ابنك . قال نعم : قال : اما ان امتك ستقتله بعدك . فدمعت عينا رسول الله (ص) . فقال جبرئيل : ان شئت أريتك الارض التي يقتل فيها . قال نعم : فاراه جبرئيل ترابا من تراب الطف . وعن ابن عباس . قال : ما كنا نشك وأهل البيت ، وهم متوافرون ان الحسين بن علي (ع) يقتل بالطف . وعن معاذ بن جبلة . قال : خرج علينا رسول الله مصفر اللون . فقال أنا محمد (ص) أوتيت جوامع الكلم فواتحها وخواتيمها فأطيعوني ما دمت بين أظهركم . فاذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله عز وجل . أحلوا حلاله وحرموا حرامه . أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة . كتاب من الله سبق . أتتكم فتن كقطع الليل المظلم . كلما ذهبت رسل جاءت رسل . تناسخت النبوة فصارت ملكا . رحم الله من أخذها بحقها . وخرج منها كما دخلها . امسك يا معاذ . احص . قال : فلما بلغت خمسة بالاحصاء . قال (ص) يزيد لا بارك الله في يزيد . ثم ذرفت عيناه بالدموع . ثم قال : نعى الي الحسين (ع) ثم أوتيت بتربة . واخبرت بقتله وقاتله . والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه الا خلف الله بين صدورهم وقلوبهم وسلط عليهم شرارهم . وألبسهم الذل وجعلهم شيعا . ثم قال (ص) آه لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف . أمسك يا معاذ . فلما بلغت عشرة . قال الوليد . اسم فرعون هادم شرايع الاسلام . يبوء بدمه رجل من أهل بيته يسل الله سيفه فلا غماد له . ويختلف الناس فكانوا هكذا . وشبك بين أصابعه . ثم قال : وبعد العشرين والماءة موت سريع وقتل ذريع فيه هلاكهم . ويلي عليهم رجل من ولد العباس . وعن ام سلمة قال : قال

(2) انظر القرماني ـ اخبار الدول ـ ص 107 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 145

رسول الله (ص) يقتل الحسين (ع) على رأس ستين من مهاجري(3) ولقد اخبر ابوه امير المؤمنين (ع) بمقتله والموضع الذي يقتل فيه . ذكر ابن ابي الحديد(4) بحذف سنده . عن هرثمة بن سليم . قال : غزونا مع علي (ع) صفين . فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا فلما سلم . رفع اليه من ترابها فشمها . ثم قال : واهالك يا تربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب . قال : فلما رجع هرثمة من غزاته الى امرأته ـ جرداء ـ بنت سمير وكانت من شيعة علي (ع) حدثها هرثمة فيما حدث . فقال لها : الا اعجبك من صديقك ابي حسن . لما نزلنا كربلا . وقد أخذ حفنة من ترابها فشمها . وقال واهالك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب . وما علمه بالغيب . فقالت المرأة دعنا منك ايها الرجل . فان امير المؤمنين (ع) لم يقل الاحقا . قال : فلما بعث عبيد الله ابن زياد البعث الذي بعثه الى الحسين (ع) كنت في الخيل التي بعث اليهم . فلما انتهيت الى الحسين (ع) وأصحابه عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي (ع) والبقعة التي رفع اليه من تربتها والقول الذي قاله . فكرهت مسيري . فأقبلت على فرسي حتى وقفت عنده (ع) فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل . فقال الحسين (ع) أمعنا أم علينا ؟ فقلت يابن رسول الله (ص) : لا معك ولا عليك . تركت ولدي وعيالي بالكوفة . وأخاف عليهم من ابن زياد فقال الحسين (ع) اذن فولي هارباحتى لا ترى مقتلنا فوالذي نفس حسين بيده . لا يرى اليوم مقتلنا أحد . ثم لا يعيننا الا دخل النار . قال : فاقبلت في الارض اشتد هربا حتى خفى علي مقتلهم . قال نصر وحدثنا مصعب . قال : حدثنا الاجلح بن عبد الله الكندي . عن أبي جحفة . قال : جاء عروة البارقي الى سعد بن وهب ، فسأله . فقال : حديث حدثناه . عن علي بن ابي طالب (ع) قال نعم : بعثني محنف بن سليم الى علي (ع) عند توجهه الى صفين فأتيته

(3) انظر مقتل الخوارزمي .
(4) انظر عبد الحميد بن ابي الحديد ـ شرح النهج ـ ج 1 ص 278 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 146

بكربلاء . فوجدته يشير بيده . ويقول . ههنا ههنا . فقال له رجل : وماذاك يا امير المؤمنين (ع) فقال : ثقل لآل محمد (ص) ينزل ههنا . فويل لهم منكم . وويل لكم منهم . فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين (ع) ؟ قال : ويل لهم منكم تقتلونهم . وويل لكم منهم . يدخلكم الله بقتلهم النار . قال نصر : وقد روى هذا الكلام على وجه آخر . أنه قال : فويل لكم منهم وويل لهم عليكم . فقال الرجل : أما ويل لنا منهم . فقد عرفناه . فويل لنا عليهم . ما معناه ؟ فقال : ترونهم يقتلون لا تستطيعون لنصرتهم . قال نصر : وحدثنا سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن ابيه . ان عليا (ع) أتى كربلاء فوقف بها . فقيل له يا امير المؤمنين (ع) هذه كربلاء . فقال : ذات كرب وبلاء . ثم اومئ بيده الى مكان . فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم . ثم أومأ بيده الى مكان آخر . فقال : ههنا مراق دمائهم . ثم مضى الى ساباط ، فهذه الاحاديث وهذه الاخبار تروي عن جده وعن ابيه من قبل أن يأتي الى العراق ويحط رحله في كربلاء . فهو أدرى من غيره بما يجري عليه وعلى اصحابه . ولهذا صار يخبر اصحابه واهل بيته وشيعته عن مقتله بهذه البقعة . وأمرهم فنزلوا وضربوا أخبيتهم امتثالا لامره . فضربوا خيامهم قبالة الشمال الشرقي أبوابها . وأول خيمة نصبوها خيمة الحسين (ع) العظمى حيث هي محل مجتمعهم وناديهم . ثم ضربواأخبية عيالات الحسين (ع) بمسافة خميسن ذراعا غربي الخيمة العظمى . وحجبوها بالزقاقات ، والاستار المزركشة بالابريسم ثم خيم اهل بيته خلف الخيمة العظمى أي قبلتها متصلة بخيم الهاشميات ، ثم خيم الانصار ونصبوا خيامهم شرقي خيم الهاشميين . فكانت الخيم كلها كنصف دائرة محيطة بخيمة الحسين العظمى ـ مجلسه ـ ومن وراء الخيم مرابط الخيول ومعاطن الابل . ووقف أصحاب الحسين (ع) واخوته واولاده واولاد اعمامه جعفر وعقيل متقلدين صوارمهم مشرعين رماحهم . أمام الخيم حتى بقيه يومهم ذاك .

الحسين في طريقه الى الشهادة 147

هم المغاوير اذا حُمّ القضا هم المصاليت اذا اشتدّ الوغى

(المغاوير) . مفردها مغوار من الرجال الكثير الغارات . وحم القضاء . وحم الامر بضم الحاء أي قضى . وحم الله ـ بالفتح ـ له كذا قدر وقضاه له . المصاليت من الرجال الشجعان منهم . والوغى الحرب ، وهذا الوصف اتصفت به اخوة الحسين وانصاره . الذين ابلوا بلاء حسنا يوم كربلاء . وراحت البشرية تفخر بهم جيلا بعد جيل ، ذكر الحافظ ابو عمر بن عبد البر(1) راويا عن الحسن البصري : ان الذين قتلوا مع الحسين (ع) من اهل بيته رجال ما على وجه الارض يومئذ لهم شبه ، وذكر ابن ابي الحديد(2) انه قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد . ويحك أقتلتم ذرية رسول الله (ص) فقال : عضضت بالجندل(3) انك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا . ثارت علينا عصابة . ايديها في مقابض سيوفها كالاسود الضارية تحطم الفرسان يمينا وشمالا وتلقى أنفسها على الموت لا تقبل الامان . ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك . فلو كففنا عنها رويدا لاتت على نفوس العسكر بحذافيرها فما كنا فاعلين لا ام لك .
وهم الذين وصفهم عميدهم وسيدهم الحسين (ع) بخطبته الشهيرة التي قال فيها . بعد ما جمعهم اثنى على الله أحسن الثناء . وأحمده على السراء والضراء . اللهم اني احمدك على ما اكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن . وفقهتنا في الدين . وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ولم تجعلنا من المشركين . أما بعد : فاني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من اصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا خيرا . الاواني أظن يومنا من هؤلاء الاعداء غدا . واني قد آذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام . وهذا

(1) انظر عبد البر ـ الاستيعاب ـ ج 1 ص 147 .
(2) انظر عبد الحميد بن ابي الحديد ـ شرح النهج ـ ج 3 ص 307 مصر .
(3) انظر ابن جرير الطبري . ج 6 ص 239 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي