الحسين في طريقه الى الشهادة 148

الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا . وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا خيرا . وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم . فان القوم انما يطلبونني ولم أصابوني لذهلوا عن طلب غيري . فقال له اخوته . وأبناؤه وبنوا أخيه . وأبناء عبد الله بن جعفر . لم نفعل ذلك ؟ لنبقى بعدك . لا أرانا الله ذلك أبدا بدأهم بهذا القول ـ العباس بن علي (ع) وتابعه الهاشميون . والتفت الحسين (ع) الى بني عقيل . وقال : حسبكم من القتل بمسلم . اذهبوا قد أذنت لكم . فقالوا اذا ما يقول الناس وما نقول لهم . انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام . ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن برمح ولم نضرب بسيف . ولا ندري ما صنعوا . لا والله لا نفعل . ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا . نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك وابتدر مسلم بن عوسجة الاسدي قائلا : أنحن نخلي عنك . وبماذا نعتذر الى الله في أداء حقك . أما والله لا افارقك حتى أ طعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي ماثبت قائمه بيدي . ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة . والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك . اما والله لو علمت اني اقتل ثم احيا ثم احرق ثم احيا ثم احرق ثم اذرى يفعل بي هكذا سبعين مرة ما فارقتك حتى القى حمامي دونك . وكيف لا أفعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا . ثم اعقبه زهير بن القين . قائلا : يا أبا عبد الله وددت أني اقتل . ثم انشر ثم اقتل . يفعل بي هكذا ألف مرة وان الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك . وتكلم بقية أصحابه بما يشبه بعضه بعضا فجزاهم الحسين (ع) خيرا(4) وفي ذلك الحين قيل لمحمد بن بشير الحضرمي . قد أسر ابنك بثغر الري . فقال : ما احب أن يؤسر وانا أبقى بعده حيا . فقال له الحسين : أنت في حل من بيعتي . فاعمل في فكاك ولدك . قال : لا والله لا أفعل ذلك . أكلتني السباع حيا ان فارقتك . فقال (ع) اذن

(4) انظر الشيخ المفيد (ره) الارشاد .
الحسين في طريقه الى الشهادة 149

اعط ابنك هذه الاثواب الخمسة ليعمل في فكاك اخيه . وكان قيمتها ألف دينار(5) ولما تحقق الحسين منهم الاخلاص وعلم منهم التوطن على المفادات دونه . أوقفهم على حقيقة ما عنده وأخبرهم بعزمه على منازلة القوم . ثم صار يوضح لهم ما يجري عليه من القتل . فصاحوا بأجمعهم صيحة واحدة . الحمد لله الذي اكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك أولا ترضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله (ص) قال أرباب السير : فدعا لهم الحسين بالخير(6) وكشف لهم عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنة وعرفهم منازلهم فيها(7) وليس ذلك على الله بعزيز ولا في تصرفات الامام بغريب(8) فان سحرة فرعون . لما آمنوا بموسى (ع) وأراد فرعون قتلهم . أراهم النبي موسى منازلهم في الجنة فهم كما وصفهم المرحوم كاشف الغطاء(9) بقوله :
وأتت بنـوا حرب تروم ودون ما رامت تخر من السما طبقاتها
رامت بـأن تعنـو لها سفها وهل تعنو لشـر عبيدها سـاداتها
وتسومها اما الخضـوع أو الردى عزا وهل غير الاباء سماتها
فأبـوا وهـل من عـزة أو ذلـة الاوهم آبـاؤهـا وأبـاتهـا
وتقحموا ليـل الحـروب فأشرقت بوجوههم وسيوفهم ظلمـاتها
وبدت علوج اميـة فتـعـرضت للاسد في يـوم الهياج شياتها
تعدوا لها فتمـيـتـها رعبا وذى يوم اللقا بعـد اتهـا عاداتها
فتخـر بعـد قلـوبهـا آذقـانها وتفر قبل جسومها هامـاتها
وباسرتـي مـن آل احمـد فتية صينت ببذل نفوسهـا فتيانها

(5) انظر السيد علي بن طاووس ـ اللهوف ـ ص 53 .
(6) انظر الشيخ عباس القمي ـ نفس المهموم ـ .
(7) انظر الراوندي ـ الخرائج والجرائح ـ .
(8) انظر علي بن الحسين المسعودي ـ اخبار الزمان ـ ص 247 .
(9) هو المغفور له الحجة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء من مجموعة بخطه .
الحسين في طريقه الى الشهادة 150

يتضاحكون الـى المـنـون كأن في راحـاتهـا قد اترعت راحاتها
وتـرى الصهـيـل مع الصليل كأنه فيهم قـيـان رجـعت نغماتها
وكأنـمـا سمـر الـرمـاح معاطف فتمايلـت لعناقهـا قامـاتـها
وكأنما بيض الـضـبـا بيض الدمى ضمنت لمى رشفـاتها شفراتها
وكأنما حـمـر النـصـول أنـامل قد خضبـتـهـا عندما كاساتها
ومذ الوغـى شبـت لظى وتقاعست دون الشـدائـد نكصـا شداتها
وغـدت تعـوم مـن الحـديد بلجة قد أنبتت شجر القنا حـافاتـها
خلعوا لهـا جنـن الدروع ولاح من نيـرانهـا لجنانـهـم جنـاتها
وتزاحفوا يتنـافـسـون على لقـى الآجال تحسـب أنهـا غاداتها
بأكفـهـا عـوج الاسـنـة ركـع ولها الفـوارس سجـدها ماتها
حتى اذا وافـت حـقـوق وفـائها وعلت بفردوس العلى درجاتها
شاء الاله فنـكـسـت أعـلامهـا وجرى القضاء فنكصت راياتها
وهوت كما انهالت على وجه الثرى من شم شاهقة الذرى هضباتها
وغـدت تقـسـم بالضبا أشلاؤها لكن تـزيـد طـلاقة قسماتها

نكتفي بوصفهم عن أقوال الشعراء لهم بهذه القصيدة الرائعة . واختصارا للموضوع لم نثبت اكثر مما ذكرناه في وصفهم من الاخبار وما سجله التاريخ عن يومهم الاغر . وهاك أسماؤهم : ونبدأ بآل ابي طالب (ع) .
1 ـ العباس بن علي بن ابي طالب (ع)
2 ـ ابو بكر بن علي (ع)
3 ـ جعفر بن علي (ع)
4 ـ عبد الله بن علي (ع)
5 ـ عثمان بن علي(ع)
6 ـ ابو بكر بن الحسن بن علي (ع)
7 ـ عبد الله بن الحسن (ع)
8 ـ القاسم بن الحسن (ع)
9 ـ علي بن الحسين الاكبر(ع)
10 ـ عبد الله بن الحسين (ع)
11 ـ مسلم بن عقيل(ع) ـ قتيل ـ الكوفة(10)
12 ـ جعفر بن عقيل (ع)

(10) قتل بالكوفة يوم الثامن من ذي الحجة سنة ستين . وكان يوم خروج الحسين من مكة المكرمة .
الحسين في طريقه الى الشهادة 151

13 ـ عبد الرحمن بن عقيل(ع)
14 ـ محمد بن سعيد بن عقيل(ع)
15 ـ محمد بن مسلم بن عقيل(ع)
16 ـ عون بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب (ع)
17 ـ محمد بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب (ع)
«أسماء أنصار الحسين»

1 ـ ابو الحتوف الانصاري
2 ـ الادهم بن امية العبدي
3 ـ أسلم مولى الحسين
4 ـ امية بن سعد الطائي
5 ـ أنس بن حرث الكاهلي
6 ـ برير بن خضير الهمداني
7 ـ بشر بن عمرو الحضرمي
8 ـ بكر بن حي التميمي
9 ـ جابر بن حجاج التميمي
10 ـ جبلة بن علي الشيباني
11 ـ جنادة بن حرث السلماني
12 ـ جنادة بن كعب الانصاري
13 ـ جندب بن حجير الخولاني
14 ـ جون مولى ابي ذر الغفاري
15 ـ الحرث بن امرئ القيس الكندي
16 ـ الحرث مولى حمزة
17 ـ الحباب مولى عامر التميمي
18 ـ حبشي بن قيس النهمي
19 ـ حبيب بن مظهر الاسدي(11)
20 ـ الحجاج بن بدر السعدي
21 ـ الحجاج بن مسروق الجعفي
22 ـ الحر بن يزيد الرياحي
23 ـ الحلاس بن عمرو الراسبي
24 ـ حنظلة بن اسعد الشبامي
25 ـ رافع مولى مسلم الازدي
26 ـ زاهر بن عمر الكندي
27 ـ زهير بن سليم العبدي
28 ـ زهير بن القين البجلي
29 ـ زياد بن عريب الصائدي
30 ـ سالم مولى عامر العبدي
31 ـ سالم مولى بني المدينة الكلبي
32 ـ سعد بن الحرث الانصاري

(11) يجري على السن العوام . حبيب بن مظاهر وهو غلط صرف وصحيحه ـ مظهر ـ .
الحسين في طريقه الى الشهادة 152

33 ـ سعد مولى علي (ع)
34 ـ سعد مولى عمر بن خالد
35 ـ سعيد بن عبد الله الحنفي
36 ـ سلمان بن مضارب البجلي
37 ـ سليمان مولى الحسين (ع)
38 ـ سوار بن منعم النهمي
39 ـ سويد بن ابي المطاع الخثعمي
40 ـ سيف بن الحرث الجابري
41 ـ سيف بن مالك العبدي
42 ـ شبيب مولى الحرث الجابري
43 ـ شوذب الشاكري
44 ـ ضرغام بن مالك الثعلبي
47 ـ عامر بن مسلم العبدي
48 ـ عباد بن المهاجر الجهيني
49 ـ عبد الله بن بشر الخثعمي
50 ـ عبد الله بن عمير الكلبي
51 ـ عبدالله بن عروة الغفاري
52 ـ عبد الله بن يقطر(12)
53 ـ عبد الله بن يزيد العبدي
54 ـ عبيد الله بن يزيد العبدي
55 ـ عبد الاعلى بن يزيد الكلبي
56 ـ عبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري
57 ـ عبد الرحمن بن عروة الغفاري
58 ـ عبد الرحمن الارحبي
59 ـ عبد الرحمن بن مسعود التيمي
60 ـ عقبة بن الصلت الجهيني
61 ـ عمر بن جنادة الانصاري
62 ـ عمر بن صبيعة الضبعي
63 ـ عمرو بن خالد الصيداوي
64 ـ عمرو بن عبد الله الجندعي
65 ـ عمرو بن قرضة الانصاري
66 ـ عمرو بن كعب ابو ثمامة الصيداوي
69 ـ عمار بن صخلب الازدي
70 ـ قارب مولى الحسين (ع)
71 ـ القاسم بن حبيب الازدي
72 ـ قاسط بن زهير التغلبي
73 ـ قعنب النمري
74 ـ قيس بن مسهر الصيداوي(13)
75 ـ كردوس التغلبي
76 ـ كنانة التغلبي

(12) عبد الله بن يقطر هذا أخو الحسين (ع) من الرضاعة ورسوله الى أهل الكوفة . مرت ترجمته .
(13) قيس بن مسهر الصيداوي هذا رسول الحسين (ع) الذي ارسله بكتابه الى اهل الكوفة مر ذكره .
الحسين في طريقه الى الشهادة 153

77 ـ مالك بن سريع الجابري
78 ـ مجمع العائذي
79 ـ مجمع الجهني
80 ـ مسلم بن عوسجة الاسدي
81 ـ مسلم بن كثير الازدي
82 ـ مسعود بن الحجاج التيمي
83 ـ مسقط بن زهير التغلبي
84 ـ منجح مولى الحسين (ع)
85 ـ الموقع بن ثمامة الاسدي
86 ـ نافع بن هلال الجملي
87 ـ نصر مولى علي (ع)
88 ـ النعمان الراسبي
89 ـ نعيم الانصاري
90 ـ واضح مولى الحرث السلماني
91 ـ هاني بن عروة المرادي(14)
92 ـ يزيد بن ثبيط العبدي
93 ـ يزيد بن زياد الكندي
94 ـ يزيد بن مغفل الجعفي
فهؤلاء هم أصحاب الحسين (ع) الذين حضروا بالطف سواء من استشهد منهم بالطف أو بالكوفة وان فارقه البعض منهم ليلة العاشرة من المحرم لكنهم حضروا الطف لما نزله . وقد أحصى المؤرخون الذي رزقوا الشهادة منهم اثنين وسبعين رجلا جاء ذكرهم بزيارة الناحية ، وفي ابصار العين ـ لشيخنا السماوي (ره) .
(الغاضريات) . أو الغاضرية . نسبة الى غاضرة وهي امرأة من بني عامر . وهم بطن من بني أسد . كانوا يسكنون هذه الارض . وتقع اليوم شمالي «الهيابي» التي فيها مصانع الاجر . وتبعد عن بلدة كربلا كيلو متر تقريبا . وهي من أقربها الى منزل الحسين (ع) بعد نينوى . قال شيخنا المظفري(15) وقد يراها بعض المحققين . انها اراضي الحسينية . أو على مقربة من خان العطيشي اليوم . مركز الشرطة الحالي . ويعرفها البحاثة ـ الشهرستاني باراضي الحسينية . يعني بها المقاربة لخان العطيشي . لكنني اجزم أنها «الجنقنة» فما دونها الى بلدة كربلاء . وقد صرح لي . ابو حنيفة . احمد بن ثابت

(14) هاني بن عروة . زعيم مذحج قتل بالكوفة . وقد مر ذكره .
(15) انظر الشيخ عبد الواحد المظفري ـ بطل العلقمي ـ ج 3 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 154

الدينوري . وهو من علماء الجغرافية . انها بمقدار غلوة من منزل الحسين (ع) ، ونحن نضم صوتنا الى صوت العلامة المظفري . اذ ما نقله هو عين الصواب . كما وقفنا على ذلك في مصادر وثيقة . قال الدينوري(16) حتى انتهى الحسين الى نينوى . فاذا هو براكب على نجيب مقبل من الكوفة . فوقفوا جميعا ينتظرونه . فلما انتهى اليهم سلم على الحر ولم يسلم على الحسين (ع) ثم ناول الحر كتابا من عبيد الله بن زياد فقرأه فاذا فيه . اما بعد فجعجع بالحسين بن علي وأصحابه بالمكان الذي يوافقك كتابي ولا تحله الا بالعراء . على غير خمر ولا ماء . وقد أمرت حامل كتابي هذا أن يخبرني بما يشاهده منك في ذلك والسلام . فقرأ الحر الكتاب . ثم ناوله الحسين (ع) وقال : لابد من انفاذ أمر الامير عبيد الله بن زياد . فانزل بهذا المكان . ولا تجعل للامير علي علة . فقال الحسين (ع) تقدم بنا قليلا الى هذه القرية التي هي على غلوة وهي ـ الغاضرية ـ أو هذه الاخرى التي تسمى «السقبة» فننزل في احدهما . فقال : ان الامير كتب الي أن أحلك على غير ماء . ولابد من الانتهاء الى أمره . فقال زهير بن القين للحسين بابي وامي يابن رسول الله (ص) لو لم يأتنا غير هؤلاء لكان لنا بهم كفاية . فكيف بمن سيأتينا من غيرهم . فقال الحسين (ع) فاني اكره أن أبدأهم بقتال حتى يبدأونا فقال له زهير فها هنا قرية بالقرب منا على شط الفرات ـ وهي في ـ عاقول ـ حصينة . والفرات يحدق بها الا من وجه واحد . فقال الحسين (ع) وما اسم تلك القرية ؟ فقال : العقر : فقال الحسين (ع) نعوذ بالله من العقر . فقال للحر . سر بنا قليلا . ثم ننزل فسار معه حتى أتوا الى كربلاء . فوقف الحر واصحابه امام الحسين (ع) ومنعوهم من المسير . وقال : انزل بهذا المكان . فالفرات منك قريب . فقال الحسين (ع) وما اسم هذا المكان قالوا له كربلاء . فقال : ذات كرب وبلاء . ولقد مر أبي بهذا المكان عند مسيره الى صفين وأنا

(16) انظر احمد بن ثابت الدينوري ـ الاخبار الطوال ـ ص 225 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 155

معه . فوقف فسأل عنه فأخبر باسمه . فقال ههنا محط ركابهم وههنا مهراق دمائهم . فسأل عن ذلك . فقال : ثقل لال محمد ينزلون ههنا .
(الحائر) . أو الحير . هي الارض المنخفظة . والحائر الحسيني موضع قبر الحسين (ع) وقد حار الماء حوله . في عهد المتوكل العباسي سنة 236 هجـ . ويذكرون انه اسم حادث سمي بالحائر لان الماء حار على قبر الحسين (ع) عند ما اراد المتوكل العباسي درس آثاره وذكر ابن بليهد(17) قال الاصمعي يقال للموضع المطمئن الوسط المرتفع الحروف حائر . وجمعه حيران وحوران . واكثر الناس يسمون الحائر الحير . كما يقولون لعائشة عيشة . والحائر قبل الحسين ابن علي رضي الله عنه . وقيل يجمع على حيران وحوران . وهناك مواضع أسماؤها الحائر والحير والحوير ويسمون الحديقة حير كما يسمون النخل حير . وقال ابو القاسم هو الحائر الا انه لا جمع له . لانه اسم لموضع قبر الحسين بن علي رضي الله عنه ، ذكر المسعودي(18) في خلافة المنتصر بالله . قال : كان آل ابي طالب قبل خلافته في محنة عظيمة وخوف على دمائهم . قد منعموا زيارة قبر الحسين والغرى من أرض الكوفة . وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد . وكان الامر بذلك من المتوكل سنة 236 . وفيها أمر «الديزج» بالمسير الى قبر الحسين رضي الله تعالى عنهما وهدمه ومحو أرضه وازالة أثره وان يعاقب من وجد به . فبذل لمن تقدم على هذا القبر فكل خشى العقوبة وأحجم . فتناول الديزج مسحاة وهدم أعالي قبر الحسين (ع) فحينئذ أقدم الفعلة فيه . وانهم انتهوا الى الحفرة وموضع اللحد فلم يروا فيه أثر رمة ولا غيرها . ولم تزل الامور على ما ذكرنا الى ان استخلف المنتصر فأمن الناس وتقدم بالكف عن آل ابي طالب (ع) وترك البحث عن أخبارهم . وان لا يمنع احد زيارة الحير لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه ولا قبر غيره من آل ابي طالب ، يعني مرقد امير المؤمنين وذكر شيخ

(17) انظر محمد بن عبد الله بن بليهد ـ صحيح الاخبار ـ ج 4 ص 145 .
(18) انظر المسعودي مروج الذهب ج 2 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 156

الطائفة في أماليه(19) عن محمد بن جعفر بن محمد بن فرج الرخجي . قال : حدثني ابي عن عمه عمر بن فرج الرخجي . قال : انفذني المتوكل في تخريب قبر الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) فصرت الى الناحية . فامرت بالبقر فمر بها على القبور . فمرت عليها كلها . فلما بلغت الى قبر الحسين فلم تمر عليه . قال عمي عمر بن فرج : فأخذت العصى بيدي . فمازلت أضربها حتى تكسرت العصى في يدي . فوالله ما جازت على قبر الحسين (ع) ولا تخطته . فقال لنا محمد بن جعفر . كان عمي عمر بن فرج شديد الانحراف عن آل رسول الله (ص) فأنا أبرء الى الله تعالى منه . وكان جدي محمد بن فرج شديد المودة لهم رحمه الله ورضي عنه . فأنا أتولاه لذلك . وأفرح بولادته . وعن عبد الله بن اذينة الطهوي : قال حججت سنة سبع واربعين ومئتين . فلما صدرت من الحج . صرت الى العراق فزرت أمير المؤمنين (ع) على خيفة من السلطان . ثم توجهت الى زيارة الحسين (ع) فاذا هو قد حرث أرضه ومخر فيه الماء . وارسلت الثيران تساق في الارض فتنساق لهم . حتى اذا حاذت مكان القبر حادث عنه يمنة وشمالا . فتضرب العصى الضرب الشديد فلا ينفع ذلك ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب . فما أمكنتني الزيارة . فتوجهت الى بغداد وانا اقول في ذلك :
تالله ان كـانت اميـة قـد أتت قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد اتاه بنـوا ابيـه بمـثـلـه هذا لعمـرك قبره مهدوما(20)
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا في قتلـه فتـتبعوه رميما(21)

فلما قدمت بغداد سمعت الهائعة . فقلت ما الخبر . قالوا سقط الطائر بقتل جعفر المتوكل فعجبت لذلك . وقلت لهي ليلة بليلة . وقال ابن الرومي في قصيدته

(19) انظر شيخنا الجليل محمد بن الحسن الطوسي ـ الامالي ـ ص 206 .
(20) هكذا ذكره ابن خلكان ، ونسب الابيات الثلاثة للشاعر البسامي .
(21) انظر ابن خلكان ج 1 ص 388 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 157

التي يرثي بها يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن ابي طالب . وقد ذكر حاثة الحرب لقبر الحسين (ع) منها :
ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم كلابكم منها بهيم وديزج(22)

وقال شيخنا المظفري(23) فالمتوكل شبيه أبرهة الاثرم صاحب جيش الفيل . وحبس الله بقر هذا الشقي كما حبس الله فيلة ذلك التعس عن الكعبة . وان قبر الحسين (ع) يشبه الكبة والمتوكل يشبه ابا كيسوم الاثرم . والبقر تشبه الفيلة . اذ كانت الفيلة تضرب ضربا شديدا فلا تنبعث للكعبة . وذكر ابن خلكان . بعد ذكر الابيات الآنفة الذكر قال : وكان المتوكل كثير التحامل على علي (ع) وولديه الحسن والحسين (ع) فهدم هذا المكان باصوله ودوره . وجميع ما يتعلق به ـ يعني مرقد الحسين ـ وأمر أن يبذر ويسقى موضع قبره . ومنع الناس من اتيانه . ولقد قتله الله على يد ـ باغر التركي ـ ، فقلت في ذلك :
يا سيف «باغر» لا عرا ك تكهم أبد الدهور
وبحـدك المصقـول تر دى كل جبار كفور
لما لمـعـت أريـتـنا قتل الخليفة والوزير
في ليلـة حكـم القضا لهما بخاتمة السرور
سكرا وما صحـوا معا الا بملتهب السعيـر

وقد انتقم الله تعالى من المتوكل وهتك سره فقتله ابنه «المنتصر» في مجلس شرابه هو وزيره الفتح بن خاقان ـ قال المسعودي : ما ملخصه ان المتوكل قتل في سنة 247 هجـ وفي ليلة قتله سكر سكرا شديدا . وكان معه الفتح بن خاقان . فاقبل عليه ـ باغر ـ ومعه عشرة من الاتراك فضربه ـ باغر ـ بالسيف فقتله وقتل أحد العشرة الفتح بن خاقان ولفا في البساط الذي قتلا عليه وطرحا ناحية

(22) انظر الدمياطي ـ فضل الخيل ص 42 ، الاخضر في كلام العجم الديزج . وهو من الحمير الادغم .
(23) انظر الشيخ عبد الواحد المظفري ـ بطل العلقمي ـ .
الحسين في طريقه الى الشهادة 158

ليلتهما وعامة نهارهما ، وذكر سيدنا الحجة الشهرستاني(24) عند ذكره لمواقع كربلاء وما يليها . قال : ثم الحير . ويسمى ـ الحائر ـ وهو موضع قبر الحسين (ع) الى حدود رواق بقعته الشريفة . أو الى حدود الصحن . وكان لهذا الحائر . وهدة فسيحة بسلسلة تلال محدودة وربوات تبدأ من الشمال الشرقي ـ حيث منارة العبد ـ(25) متصلة بباب السدرة(26) في الشمال . وهكذا الى موضع باب الزينبية ـ(27) من جهة الغرب ثم تنزل الى باب القبلة من جهة الجنوب . وكانت هذه التلال المتقاربة تشكل للناظرين نصف دائرة على شاكلة نون . مدخلها الجبهة الشرقية . حيث يتوجه منها الزائر الى مثوى سيدنا العباس (ع) ويجد المنقبون حتى يومنا في أثافى البيوت المحدقة بقبر الحسين (ع) آثار ارتفاعها القديم في أراضي جهات الشمال والغرب ولا يجدون في الجبهة الشرقية سوى تربة رخوة واطئة . الامر الذي يرشد العرفاء الى أن وضيعة هذه البقعة كانت منذ عصرها القديم واطئة من جهة الشرق . ورابية من جهتي الشمال والغرب على شكل هلالي . وفي هذه الدائرة الهلالية حوصر ابن الزهراء في حربه حين قتل ، وأورد فخر الدين الطريحي(28) في مجمعه ذكر الحائر . قال : وهو الاصل

(24) انظر هبة الدين الشهرستاني ـ نهضة الحسين ـ .
(25) منارة العبد . كانت أفخم واجمل مأذنة بالعراق . وكان موقعها في الصحن الشريف على يمين الداخل من باب الشهداء ولجدار الصحن أقرب من جدار الرواق . وسبب هدمها هو أن متصرف اللواء وقتئذ كان . فخامة «صالح جبر» اراد توسعة الصحن . فأخذ موافقة الحكومة ومديرية الاوقاف العامة فهدمها ووسع الصحن الشريف من الجهة الشرقية سنة 1354 هجـ .
(26) احدى ابواب الصحن الشريف من جهة الشمال ، وكانت هناك سدرة داخل الصحن يستضل تحتها الزاور .
(27) احدى ابواب الصحن الشريف ونسبتها الى التل المعروف حتى اليوم بالتل الزينبي نسبته الى زينب بنت علي (ع) حيث وقفت عليه بعد قتل شقيقها وصارت تستنجد به . لما هجم الجيش على المخيم وراح ينتهبها واشعل النار بها ، وعلى التل شباك ومزار يتبرك به حتى اليوم .
(28) انظر فخر الدين الطريحي ـ مجمع البحرين ـ .
الحسين في طريقه الى الشهادة 159

مجتمع الماء . ويراد به حائر الحسين (ع) وهو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرفه السلام ، وهناك أسماء سمي به هذا الموضع قديمة وحديثة فالقديمة منها «عمورا» . «مارية» . «صفوراء» . «شفيته» . والحديثة منها . «مشهد الحسين» . «مدينة الحسين» . «البقعة المباركة» . «موضع الابتلاء» «محل الوفاء» . «النوائح» . وهي مشتقة من النوح . ولعل هذه التسمية جاءت لكثرة النائحة والعويل الذي يشاهد في ذلك المكان . منذ أن نزل الحسين فيه حتى قتله وبعد شهادته حتى اليوم .
حتى اذا ما حط رحله أتت لحربه جيوشهم تحكى الدبى

(الدبى) . أول ما يكون الجراد . ثم يكون غوغاء . اذا هاج بعضه في بعض . ثم يكون ـ كتفانا ـ ثم يصير ـ خيفانا ـ اذا صارت فيه خطوط مختلفة ـ الواحدة ـ خيفانة ـ ثم يكون جرادا(1) ويضرب المثل بالدبى لكثرته . وقد اختلف المؤرخون في عدد الجيش الذي زحف نحو الحسين . فقائل يقول . كان عدد الجيش سبعين الفا . وقيل ماء الف وعشرين ألف . وقيل ثلاثين ألفا . والرواية التي نرويها عن الصادقين عليهما السلام ان جيش عمر بن سعد كان ثلاثين الفا . وهذا هو الصحيح . وقد بالغ الشعراء في وصف هذا الجيش . قال الشيخ حمادي نوح رحمه الله(2) .
جاءت وقائدها العمى والى حرب الحسين يقودها الجهل
بجحافـل بالطـف أولـها وأخيرهـا بالشـام متـصل
ملؤ القفار على ابن فاطمة جند وملؤ صـدورهم دحـل

وللسيد حيدر الحلي (ره) قال :(3)

(1) انظر فقه اللغة للثعالبي .
(2) من ديوانه المخطوط في مكتبة الشيخ كاظم آل نوح الخطيب بالكاظمية .
(3) ديوانه طبع عدة طبعات .
الحسين في طريقه الى الشهادة 160

بجمع من الأرض سـد الفرو ج وغطى النجود وغيطانها
وطى الوحش اذ لم يجد مهربا ولازمت الطير او كـانهـا

ولشيخنا المظفري(4) قال :
الى أن أناخت في النواويس عيسهم أتتهم جيوش من امية كالنمل

وللمرحوم السيد رضا الهندي قال :(5)
هب ان جندك معدود فجدك قد لاقى بسبعين جيشا ماله عدد

وللفاضل الشيخ أحمد الشيخ محمد السماوي :
ترد الجيوش الزاحفات كأنها سحب ملبدة وليـل مفعـم
يا بأبي ضيفاً كريما حل في ساحتهم رمز الفخار والندى

سبق هذا المعنى لسيدنا الشريف الرضي (ره) اذ قال من بعض مقصورته الشهيرة التي نظمها ارتجالا وهو يطوف على ضريح جده الحسين (ع) .
وضـيوف بفـلاة قـفـرة نزلـوا فيهـا على غير قوى
لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا بحدى السيف على ورد الردى

نعم ان الحسين (ع) هو اكرم ضيف نزل بساحتهم . كريم الخيم والسجايا ورث هذه الاخلاق من جده فهو ثاني السبطين . اما جده فسيد البشر رسول الله (ص) وأبوه سيد الاوصياء . وامه الصديقة الزهراء . وجدته ام المؤمنين حقا خديجة بنت خويلد . أضف الى ذلك أنه خامس الخمسة من أصحاب العباء . ولقد سجل أرباب السير والتاريخ في أسفارهم . ما يعجز الرواة عن حصر بعض ما كان يتزيا به الحسين (ع) من الفضائل الجمة والاخلاق السامية وهناك تئاليف لا تحصر في أخلاقه المحمدية والمثل العليا للفضائل حتى قيل فيه . جمع الحسين بن علي الفضائل
(4) هو العلامة الشيخ عبد الواحد آل مظفر نزيل النجف اليوم ، صاحب المؤلفات القيمة ، وله ديوان شعر لم يطبع .
(5) للمرحوم السيد رضا الهندي شعر رائق ومن غرر الشعر غير انه لم يجمع كديوان حتى الآن .
الحسين في طريقه الى الشهادة 161

جمعاء العلم واسراره وفصاحة اللسان وبيانه . ومنتهى الشجاعة . وأقصى غاية الجود والعدل والصبر . والحلم والعفاف والمروءة والورع . والزهد ومكارم الاخلاق . ومحاسن الاعمال . أضف الى هذه المحامد كلها كثرة العبادة وافعال الخير كالصلوة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله والاحسان للناس . وكان (ع) سخيا بماله . متواضعا للفقراء معظما عند الخلفاء مواصلا للصدقة على الايتام والمساكين منتصفا للمظلومين . وكان علم المهتدين وهدى للمسترشدين بانوار محاسنه وآثار فضله . الى غير ذلك الكثير من مزاياه وكرم أخلاقه . «أما علمه» فانه كان يغر العلم غرا وانه ورث العلم من جده رسول الله (ص) ومن ابيه علي (ع) ومن كان النبي معلمه . ومن كان أبوه علي بن ابي طالب (ع) وامه فاطمة الزهراء . وناشئا في أصحاب جده رسول الله (ص) وتلامذة أبيه . فلاشك انه (ع) كان يغر العلم غرا . ومنه أخذ علم الجفر والجامعة(1) الائمة التسعة

(1) الجعفر لغة . هو الجلد المعمول . اذ كان الناس قبل هذا يعملون جلود الانعام ويرقفونها . ليكتبوا عليها . ثم تقدمت هذه الصناعة . حتى صاروا يرقفون جلد الغزال . اطلقوا عليه اسم ـ رق الغزال ـ والى الان نجد بعض الكتب والحروز ـ مكتوبة على هذا النوع والكتاب يجد ولون كتابهم ويذهبونها . وربما كانوا يغالون في ثمنها ، والجفر صار يعرفونه بعلم من العلوم ـ علم الجفر ـ وهذا العلم كما ذكره المؤرخون اختص به الامام علي بن ابي طالب (ع) بادئ بدء كما اختص بغيره من العلوم وربما يكون هذا من العلوم التي لم يطلع عليها احد . حتى ايام الصادق (ع) افضى به (ع) على خواص اصحابه . وقد ذكره كمال الدين محمد بن طلحة في ـ الدر المنظم في السر الاعظم ـ قال : جفر الامام علي بن ابي طالب الف وسبعماية مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف بالجفر الجامع والنور اللامع . وهو عبارة عن لوح الفضاء والقدر عند الصوفية . وقيل العلم المكنون والسر المصون . وقيل باللغة الخفية عند السادة الحرفية . وهو عبارة عن اسرار الغيوب . وقيل مفتاح اللوح والقلم وقال أهل الملاحم : هو عبارة عن سر حوادث الكون وقيل مفتاح العلم اللدني . وهما كتابان جليلان . احدهما ذكره الامام علي رضي الله عنه على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة . والاخر أمره رسول الله (ص) بكتابته في هذا العلم المكنون وهو المشار اليه بقوله عليه السلام . أنا مدينة العلم وعلي بابها . فكتبه الامام علي رضي الله عنه حروفا

السابق السابق الفهرس التالي التالي