المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة64

وحدّث محمد بن سهل (كما في ترجمة الكميت ، من معاهد التنصيص(1))

= علي الخزاعي رحمه الله على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام بمرو ، فقال له : يا ابن رسول الله أنّي قد قلت فيكم قصيدة ، وآليت على نفسي أن لا انشدها أحداً قبلك .
فقال عليه السلام : هاتها ، فأنشده :
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما بلغ إلى قوله :
أرى فيأهم في غيرهم متقسّماً وايديهم من فيئهم صفرات
بكى أبو الحسن الرضا عليه السلام وقال له : صدقت يا خزاعي .
فلمّا بلغ إلى قوله :
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم أكفّاً عن الأوتار منقبضاب
جعل أبو الحسن يقلّب كفّيه ويقول : أجل والله منقبضات .
فلمّا بلغ إلى قوله :
لقد خفت في الدنيا وأيّام سعيها وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي
قال الرضا عليه السلام : آمنك الله يوم الفزع الأكبر .
فلمّا انتهى إلى قوله :
وقبر ببغداد لنفسٍ زكيّة تضمنّها الرحمن في الغرفات
قال له الرضا عليه السلام : أفلا اُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟
قال : بلى يا ابن رسول الله .
فقال عليه السلام :
وقبر بطوس يا لها من مصيبة ألحّت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً يفـرّج عنـّا الهـمّ والكربات
فقال دعبل : يا ابن رسول الله ، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟
فقال الرضا عليه السلام : قبري ... الحديث .
انظر : عيون أخبار الرضا 2 : 271 ، مقتل الحسين للخوارزمي 2 : 129 ، الحدائق الورديّة 2 : 206 ، كشف الغمّة 3 : 108 ، مجالس المؤمنين 451 ، معجم الأدباء 12 : 203 ، ديوان دعبل للدجيلي : 8 .
(1) معاهد التنصيص 3 : 93 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة65

قال : دخلت مع الكميت(1) على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في أيّام التشريق(2) فقال له : جعلت فداك ، ألا أنشدك ؟
قال عليه السلام : انّها أيّام عظام !
قال : انّها فيكم .
قال عليه السلام : هات ، وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله ، فقرب فأنشده (في رثاء الحسين عليه السلام) ، فكثر البكاء حتى أتى على هذا البيت :
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم فيا آخراً أسدى له الغي أوّل

قال : فرفع أبو عبد الله عليه السلام يديه فقال : اللهم اغفر للكميت ما قدّم

(1) هو أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي (60 ـ 126) من شعراء أهل البيت عليهم السلام ، قال عنه أبو الفرج في الأغاني : انّه شاعر مقدّم عالم بلغات العرب ، خبير بأيّامها وألسنتها ، وكان معروفاً بالتشيّع لبني هاشم . (الأغاني 15 : 123) .
(2) أقول : وفي رواية أخرى أنّ الكميت رحمه الله دخل على الإمام الباقر عليه السلام في ايّام محرّم فأنشده قصيدته الميميّة التي يقول في مطلعها :
من لقلبٍ مُتيّم مُسهام غير ما صبوة ولا أحلام
فلمّا بلغ قوله :
وقتيل بالطف غودر منهم بين غوغـاء أمّة وطُغـام
وأبـو الفضل إنّ ذكرهم الحلو شفاء النفوس والأسقام
قُتِل الأدعيـاء إذ قتلـوه أكرم الشاربين صوب الغمام
بكى أبو جعفر عليه السلام بكاء شديدا ، ثم قال : يا كميت ، لو كان عندنا مال لأعطيناك ، ولكن لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لحسّان بن ثابت : لا زلت مؤيّداً بروح القدس ما ذببتَ عنّا أهل البيت ، ثم رفع يديه بالدعاء وقال : اللهم اغفر للكميت ، اللهم اغفر للكميت . انظر : الأغاني 15 : 123 ، مقاتل الطالبيين : 84 ، مروج الذهب 3 : 243 ، رجال الكشي : 136 ، اعلام الورى : 158 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة66

وما أخّر ، وما أسرّ وما أعلن حتى يرضى .(1)

(1) قال رحمه الله : بخ بخ ، هنيئاً لمن نال من أئمة الهدى بعض ذلك ، وأنت تعلم انّه عليه السلام لم يبتهل بالدعاء للكميت هذا الابتهال الالما دلّ عليه بيته هذا من معرفته بحقيقة الحال ، وقد أكثر الشعراء من نظم هذا المعنى ، فنظمه المهيار في قصيدته اللامية ، وقبل ذلك نظمه الشريف الرضي فقال :
بنى لهم الماضون أساس هذه فعلوا على أسا تلك القواعد
إلى آخر ما قال .
وكأنّ سيدة نساء عصرها (زينب) عليها السلام أشارت إلى هذا المعنى بقولها مخاطبة يزيد : وسيعلم من سوّل لك ، ومكّنك من رقاب المسلمين .
بل أشار إليه معاوية ، إذ كتب إليه محمد بن أبي بكر يلومه في تمرده على أمير المؤمنين عليه السلام ، ويذكر له فضله وسابقته فكتب له معاوية في الجواب ما يتضمّن الإشارة إلى المعنى الذي نظمها لكميت ، فراجع ذلك الجواب في كتاب «صفّين» لنصر بن مزاحم أو «شرح النهج» الحديدي أو «مروج الذهب» للمسعودي .
وقد اعترف بذلك المعنى يزيد بن معاوية ، إذ كتب إليه ابن عمر يلومه على قتل الحسين فأجابه : أمّا بعد : ، فانّا أقبلنا على فرش ممهّدة ، ونمارق منضّدة ... إلى آخر الكتاب ، وقد نقله البلاذري وغيره من أهلالسير والأخبار ، وفي كتابنا سبيل المؤمنين من هذا شيء كثير ، فحقيق بالباحثين أن يقفوا عليه .
أقول : ولكي يطّلع القارئ على مضمون هذه الرسائل نذكرها هنا ، فالرسالة التي كتبها محمد بن أبي بكر فيها حقائق دامغة لكلّ باحث عن الحقيقة ، فه يتصف معاوية بأنّه ضال مضل ، وأنّه لعين ابن لعين ، وأنّه يعمل كل ما في وسعه لإطفاء نور الله ويبذل الأموال لتحريف الدين ويبغي لدين الله الغوائل ، وأنّه عدو لله ولرسوله ...
والذي يهمّا هنا هو ردّ معاوية بن أبي سفيان على هذه الرسالة ، لتعرف ـ أيها الباحث ـ حقيقة وخفايا ودسائس التاريخ ، وتكشف من خلالها خيوط المؤامرة التي أبعدت الخلافة عن صاحبها الشرعي وتسببت في انحراف الامّة ، فاليك الرسالة والردّ عليها :
كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية
من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر :
سلام على أهل طاعة الله ، ممّن هو سلم لأهل ولاية الله ، أمّا بعد :
=
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة67


= فإنّ الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته ... ـ إلى أن قال : ـ فكان أوّل من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم ، أخوه وابن عمّه علي بن أبي طالب عليه السلام صدّقه بالغيب الكتوم وآثره على كلّ حميم ، ووقاه بنفسه كل هول وواساه بنفسه في كلّ خوف ، وحارب حربه واسلم سلمه ...
وقد رأيتك تساميه ، وأنت أنت ، وهو السابق المبرز في كل خير ، أول الناس إسلاماً ، وأصدق الناس نيّة ، وأفضل الناس ذريّة وخير الناس زوجة ... وأنت العين ابن اللعين ، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل ، وتجهدان في إطفاة نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبال .
إ لى أن قال : فكيف يا لك الويل تعل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيّه وأبو ولده ، وأول الناس له اتباعاً وأقربهم به عهداً ، يخبره بسره ويطلعه على أمره ، وأنت عدوه وابن عدوه ؟! ...
رد معاوية على محمد بن أبي بكر
من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر .
سلام على أهل طاعة الله ، أمّا بعد :
فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما أصفى به رسول الله صلى الله عليه وآله مع كلام كثير الّفته ووضعته لرأيك فيه تضعيف ، ولأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته له ومواساته إياه في كلّ هول وخوف ، فكان احتجاجاتك عليَّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّاً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك .
فقد كنّا وأبوك معنا في حياة نبيّنا نعرف حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، فلما اختار الله لنبيّه عليه الصلاة والسلام ما عنده ، وأتمّ له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأفلج حجّته ، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه ، كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه وخالفه على أمره ، على ذلك اتفقا واتسقا ، ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنها وتلّكأ عليهما ، فهما به الهموم وأرادا به العظيم ، ثمّ إنّه بايعهما وسلم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرّهما ، حتى قبضهما الله وانقضى أمرهما ، ثم قال ثالثهما عثمان فهدي بهديهما وسار بسيرتهما ، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فطلبتما له الغوائل
=
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة68


= حتى بلغتما فيه مناكما .
فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، فسترى وبال أمرك ، وقس شبرك بقترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمه ، ولا تلين على قسر قناته ، ولا يدرك ذو مدى أنانه .
أبوك مهّد له مهاده ، وبنى ملكه وشاده ، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله ، وإن يكن جوراً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه ، فبهديه أخذنا ، ويفعله اقتدينا ، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلمنا إليه ، ولكنا رأينالا أباك فعل من قبلنا ، فاحتذينا مثاله ، واقتدينا بفعاله ، فعب أباك بما بدا لك أودع ، والسلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب .
انظر جمهرة رسائل العرب 1 : 475 ـ 477 ، مرو الذهب للمسعودي 3 : 11 ـ 12 .
ونستنتج من هذا الرد بأنّ معاوية لا ينكر فضائل عليّ بن أبي طالب ومزاياه ، ولكنّه تجرّأ عله احتذاه بأبي بكر وعمر ، ولولاهما لما استصغر شأن عليّ ولا تقدّم عليه أحد من الناس ، كما يعترف معاوية بأنّ أبا بكر هو الذي مهّد لبني اميّة وهو الذي بنى ملكهم وشاده .
ونفهم كذلك من هذه الرسالة بأنّ معاوية لم يقتد برسول الله صلى الله عليه وآله ولم يهتد بهديه ، عندما اعترف بأنّ عثمان هدى بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما .
ولتعميم القائدة لا بأس بذكر الرسالة الثانية والتي ردّ فيها يزيد بن معاوية على ابن عمر ، وهي على اختصارها ترمي نفس المرمى :
كتاب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية
أخرج البلاذري في تاريخ قال :
لمّا قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى يزيد بن معاوية جاء فيها :
أمّا بعد ، فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة ، وحدث في الاسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم قتل الحسين .
ردّ يزيد على كتاب ابن عمر
فكتب إليه يزيد :
أمّا بعد ، يا أحمق ! فإنّا جئنا إلى بيوت مجددة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضدة ، فقاتلنا عنها !
=
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة69

وفي كامل الزيارات بالاسناد عن عبد الله بن غالب قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأنشدته مرثية الحسين بن علي ، فلمّا انتهيت إلى قولي فيها : (لبلية ...) البيت(1) صاحت باكية من وراء الستر يا ابتاه ...(2) .
وروى الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال ، وابن قولويه بأسانيد معتبرة ، عن أبي عمارة قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا أبا عمارة ، من أنشدني في الحسين ، فأنشدته فبكى ، ثم أنشدته فبكى ، قال : فوالله ما زلت أنشده وهو يبكي ، حتى سمعت البكاء من الدار ، فقال : يا أبا عمارة ، من أنشد في الحسين بن علي عليهما السلام فأبكى خمسين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين بن علي عليهما السلام فأبكى ثلاثين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنة(3) .

= فإن يكن الحق لنا فعن حقّنا قاتلنا ، وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا واستأثر بالحقّ على أهله .
وفي رد معاوية على ابن أبي بكر ، وردّ يزيد على ابن عمر نجد نفس المنطق ونفس الاحتجاج ، وهو لعمري أمر ضروري يقرّه الوجدان ، ويدركه كل عاقل ولا يحتاج في الحقيقة إلى شهادة معاوية وابنه يزيد .
(1) والبيت هو :
لبليّة تسقو حسيناً بمسقاة الثرى غير الشراب
(2) كامل الزيارات : 105 ح 3 ، عوالم الإمام الحسين عليه السلام : 541 ، بحار الأنوار 44 : 286 ح 23 .
(3) الأمالي : 121 ح 6 ، ثواب الأعمال : 110 ح 3 ، كامل الزيارات : 105 ح 4 ، بحار الأنوار 44 : 289 ح 29 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة70

وروى الصدوق في ثواب الأعمال ، بالاسناد إلى [أبي](1) هارون المكفوف (2) قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقال لي : يا ابا هارون ، أنشدني ، فأنشدته في الحسين عليه السلام ، فقال لي : انشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقّة(3) ـ ، قال : فأنشدته :
اُمرُر على جَدُث الحسيـ ـن وقُل لأعظمه الزكيّة(4)

قال : فبكى ، ثم قال : زدني ، فأنشدته القصيدة الاخرى(5) .
قال : فبكى ، وسمعت البكاء من خلف الستر ، فلمّا فرغت قال : يا أبا هارون ، مَن أنشد في الحسين فبكى وأبكى عشرة كتبت له الجنّة ـ إلى أن قال : ـ ومن ذُكر الحسين عنده فخرج من عينيه مقدار جناح ذبابة ، كان ثوابه على الله عز

(1) وهو الصحيح .
(2) واسمه ـ على ما احتمله الشيخ المامقاني في تنقيح المقال ـ : موسى بن عمير مولى آل جعدة بن هبيرة الكوفي ، أو ابن أبي عمير ـ على ما في الكافي ـ وعدّه الشيخ الطوسي في رجاله من اصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام .
(3) أقول : قوله : بالرقّة ـ بكشر الراء الشمدّدة ـ أي بالطريقة التي تستعملونها عند الإنشاد ، التي فيها الرقّة والطلاوة ، والتي توجب التأثير في القلب ، لا مجرد التلاوة ، وهو المراد بقوله عليه السلام : انشدني كما تنشدون .
وسها من فسّر «الرقّة» هنا بالبلدة التي على الفرات التي هي بفتح الراء .
(4) أقول : هذا البيت للسيد الحميري رحمه الله ، وقد أنشده أبو هارون إنشاداً ولم ينشئه إنشاء ، والظاهر انّ مطلق القصيدة للسيد الحميري بدليل قول ابي هارون نفسه ـ بعد قول الإمام : زدني ـ فأنشدته القصيدة الاخرى ـ ، فالظاهر من هذا التعبير : الاخرى من قصيدتي السيد الحميري نفسه .
راجع القصّة والأبيات في الأغاني 7 : 230 ، تاريخ الاسلام السياسي 2 : 146 .
(5) وهي :
يا مريم قومي واندبي مولاك وعلى الحسين فأسعدي ببكاك
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة71

وجل ، ولم يرض له بدون الجنة .(1)
وروى الكشّي بسند معتبر عن زيد الشحّام قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ، فدخل عليه جعفر بن عفّان(2) ، فقرّبه وأدناه ، ثم قال : يا جعفر .

(1) ثواب الأعمال : 108 ح 1 ، كامل الزيارات : 100 ح 3 ، بحار الانوار 44 : 288 ح 28 .
(2) هو أبو عبد الله جعفر بن عفّان الطائي ، من رجال الشيعة المخلصين ، كان معاصراً للإمام الصادق عليه السلام ، وقد أطراه علماء الرجال ووثّقوه ، وقد توفّي في حدود سنة 150 هـ . وهو الذي ردّ على مروان ابن أبي حفصة القائل :
خلّوا الطريق لمعشر عاداتهم حطّم المناكب كل يوم زحام
ارضوا بما قسم الإله لكم به ودعوا وراثـة كل أحيد حام
أنى يكون وليس ذاك بكائن لنبي البنـات وراثة الأعمام
فقال جعفر بن عفّان :
لِم لا يكون وان ذاك الكائن لبني البنـات وراثـة الأعمام
للبنت نصف كامل من ماله والعم متـروك بغيـر سهـام
ما للطليـق وللتراث وإنما صلّى الطليق مخافة الصمصام
ومن مراثيه في الإمام الحسين عليه السلام قوله :
ليبـكِ على الإسلام من كان باكياً فقد ضيّعـت أحكـامه واستحلّت
غـداة حسيـن لـرمـاح دريئة وقد نهلت منه السيـوف وعلـّت
وغودر في الصحراء لحما مبدّداً عليه عتاق الطيـر باتـت وظلّت
فما نصرته امّه السـوء إذ دعا لقد طاشت الأحـلام منها وضلّت
بلى قد محـوا أنـوارم بـأكفّهم فلا سلمت تلك الأكـفّ وشلـّت
وناداهم جهـداً بحـقّ محـمـد فإنّ ابنه من نفسـه حيث حلّـت
فماحفظوا قرب النبي ولا رعوا وزلّت بهم أقـدامهـم واستـزلّت
أذاقتـه حـرّ القـتل امّة جدّه هفت نعلهـا فـي كربلاء وزلّت
فلا قدّس الرحمـن امـّة جدّه وإن هي صامـت للإله وصـلّت
كما أفجعت بنت النبيّ بنـسلها وكانوا حماة الحرب حيث استقلّت
وكانوا سروراً ثمّ عادوا رزيّةً لقد عظمـت تلـك الرزايا وجلّت
=
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة72

قال : لبّيك ، جعلني الله فداك .
قال : بلغني انّك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتجيد .
فقال له : نعم ، جعلني الله فداك .
قال : قل ، فأنشده فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته ، ثم قال : يا جعفر ، والله لقد شَهِدت الملائكة المقرّبون قولك في الحسين عليه السلام ، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر ـ إلى أن قال : ـ ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به الاأوجب الله له الجنّة ، وغفر له .(1)
وروى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر عن الصادق عليه السلام جاء فيه : وكان جدّي عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا ذكره ـ يعني الحسين عليه السلام ـ بكى حتى تملأ عيناه لحيته ، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه .
وانّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون ، فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسماء ، وما من باك يبكيه الاوقد وصل فاطمة وأسعدها ، ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأدّى حقّنا ...(2) الحديث .
وفي قرب الإسناد عن بكر بن محمد الأزدي قال : قال أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام لفضيل بن يسار : أتجلسون وتحدّثون ؟
قال : نعم ، جعلت فداك .

= انظر : عيون أخبار الرضا 1 : 188 ، أمالي الطوسي 2 : 24 ، الاحتجاج 1 : 214 ، الأغاني 7 : 8 و 9 : 45 و 12 : 17 ، أخبار شعراء الشيعة للمرزباني : 115 ـ 116 ، مقتل الخوارزمي 2 : 144 .
(1) رجال الكشي : 289 ح 508 ، بحار الانوار 44 : 282 ح 16 .
(2) كامل الزيارات : 117 ح 3 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة73

قال عليه السلام : انّ تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا ، فرحم الله من أحيا أمرنا .
يا فضيل ، من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه .(1)
وفي خصال الصدوق : عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، اولئك منّا وإلينا .(2)
وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين عليه السلام عند أبي عبد الله ـ الصادق ـ عليه السلام في يوم قطّ فرؤي متبسّماً في ذلك اليوم إلى الليل .
قال : وكان أبو عبد الله يقول : الحسين عبرة كلّ مؤمن(3) .
وفيه بالإسناد إلى الصادق عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن الا استعبر(4) .
إلى غير ذلك من صحاح الأخبار المتواترة عن الأئمّة الأبرار ، وناهيك بها

(1) قرب الإسناد : 18 ، بحار الأنوار 44 : 282 ح 14 .
(2) الخصال : 271 .
(3) كامل الزيارات : 108 ح 2 .
وقوله عليه السلام : «عبرة كل مؤمن» من باب ذكر المسبّب وإرادة السبب لقصد المبالغة : أي سبب لاستعباره وبكائه وهو قريب من قول الإمام الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة .
(4) كامل الزيارات : 108 ح 6 ، أمالي الصدوق : 118 ح 7 ، بحار الأنوار 44 : 284 ح 19 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي