المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة246

عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله .
قالت له : أسألك عن سيدي ومولاي الحسين .
قال لها : عظّم الله الأجر بولدك جعفر .
قالت له : أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين .
قال لها : عظم الله لك الأجر بولدك عثمان .
قالت له : أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين .
قال لها : عظّم الله لك الأجر بولدك العباس .
قالت له : أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين . فقال :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قُتل الحسين فأدمعي مدرارُ
الجسم منه بكربلاء مضرّج والرأس منه على القناة يدارُ

فصاحت ولطمت خدّها ، وشقّت جيبها ونادت : وا حسيناه وا سيّداه ، ثمّ أنشدت :
لا تدعونـي ويك امّ البنين تذكرينـي بليـوث العـريـن
كانت بنـون لي اُدعى بهم واليوم أصبحـت ولا من بنين
أربعة مثـل نسور الربى قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشلاءهم فكلّهم أمسـى صـريعاً طعين

=
نحن بنو امّ البنين الأربعة الضاربين الهام وسط المجمعة
وكانت من بيت كرم وشجاعة وفصاحة ومعرفة .
وقال الإمام علي عليه السلام ـ بعد وفاة الصديقة الزهراء عليها السلام ـ لأخيه عقيل ـ وكان نسّابة العرب وعرّافة بأحسابها وعاداتها ـ : «أبغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلدني غلاماً فارساً» .
فقال له عقيل : أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة ؟
انظر : تاريخ بغداد 12 : 136 ، عمدة الطالب : 324 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة247

يا ليت شعري أكما أخبروا بأن عبّاساً قطيع اليمين(1)

ثم انّ الحسين عليه السلام دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كلّ من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول :
القتل أولى من ركوب العار والعار أولى من ركوب النار

قال بعض الرواة : فو الله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه ، وان كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين ألفاً فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله .
قال الراوي : ولم يزل يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله فصاح :
ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون .
قال : فناداه شمر : ما تقول يا بن فاطمة ؟
فقال : أقول : انّي اُقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً .
فقال شمر : لك ذلك يا بن فاطمة .
فقصدوه بالحرب فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد ، حتى أصابه اثنتان وسبعون جراحة فوقف يستريح ساعة

(1) انظر : مقاتل الطالبيين : 85 ، ابصار العين : 36 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة248

وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال :
بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله .
ثم رفع رأسه وقال :
إلهي أنت تعلم انّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنّه ميزاب فضعف عن القتال ووقف .
فكلّما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى الله بدمه ، حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر فشتم الحسين عليه السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دماً .
قال الراوي : فاستدعى الحسين بخرقة فشدّ بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتمّ عليها ، فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه وأحاطوا به .
فخرج عبد الله بن الحسن بن علي(1) وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتدّ حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام فلحقته زينب بنت علي لتحبسه فأبى وامتنع امتناعاً شديداً فقال : لا والله لا اُفارق عمّي .
فأهوى بحر بن كعب(2) ؛ وقيل : حرملة بن كاهل إلى الحسين عليه السلام بالسيف ، فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة ، أتقتل عمّي ؟ فضربه بالسيف

(1) عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، واُمّه بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي ؛ وقيل : اُمّه اُمّ ولد ؛ وقيل : الرباب بنت امرئ القيس ، كان عمره حين قتل إحدى عشرة سنة . انظر : الارشاد : 241 ، مقاتل الطالبيين : 89 ، رجال الشيخ : 76 .
(2) وقيل اسمه : أبجر بن كعب .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة249

فاتّقاها الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة .
فنادى الغلام : يا عماه !
فأخذه الحسين عليه السلام وضمّه إليه وقال : يا بن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين .
قال الراوي : فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه الحسين عليه السلام .
قال الراوي : ولمّا اُثخن الحسين عليه السلام بالجراح وبقي كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن وهو يقول : بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله .
وخرجت زينب من باب الفسطاط وهي تنادي : وا أخاه وا سيّداه وا أهل بيتاه ، ليت السماء اُطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل .
وكان ما كان ممّا لست أذكره .
يا رسـول الله لـو عـاينتهم وهـم ما بيـن قتل وسبا
من رميض يمنع الظـل ومن عاطش يسقى أنابيب القنا
جزروا جزر الأضاحي نسله ثم ساقوا أهله سوق الاما
قتلـوه بعـد علـم منـهـم انّه خامس أصحاب الكسا
ليـس هـذا لرسـول الله يا اُمة الطغيـان والكفر جزا(1)

(1) ديوان الرضي 1 : 44 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 386 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة250




المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة251


الفصل الثاني

في هدي النبي صلى الله عليه وآله وسيرته وذكر خصائصه المقدّسة


المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة252




المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة253

[المجلس الثالث عشر]

إن رسول الله صلى الله عليه وآله ، قد اتسعت أعلام نبوّته ، وتواترت دلائل رسالته ، ونطقت له السماوات قبل بعثته .
نوّهت باسمه السماوات والأر ض كما نوّهت بصبح ذكاها

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وهو أحمد الذي بشر به عيسى عليه السلام ، وهو المصطفى والمختار والمحمود ، والماحي الذي يمحو الله به الذنوب ، والعاقب والحاشر والمهيمن ، وكنيته : أبو القاسم ، وفي ذلك يقول الشاعر :
لله ممّن قـد بـرا صفـوة وصفوة الخلق بنو هاشم
وصفوة الصفوة من هاشم محمد النور أبو القـاسم

كان مولده المبارك عام الفيل وطير الأبابيل لسبع عشرة خلون من ربيع الأول ، وقيل : يوم الثاني عشر منه ، وقيل : لثمان خلون منه قبل الهجرة المباركة بثلاث وخمسين سنة .(1)
ولد صلى الله عليه وآله بمكّة المعظمة بدار ابن يوسف التي بنتها بعد ذلك

(1) قال رحمه الله : القول الأول هو المشهور وعليه أكثر علماء الإمامية ، والثاني رواه الكليني في الكافي وعليه أكثر علماء السنّة ، والثالث قال به بعض من شذّ من المخالفين .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة254

الخيزران امّ الهادي والرشيد مسجداً ، وكان أبوه عبد الله غائباً بأرض الشام ، فانصرف مريضاً فقضى نحبه بالمدينة الطيّبة والنبي صلى الله عليه وآله حمل .
أمّا اُمّه صلى الله عليه وآله : فانّها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب ... وفي السنة الاولى من مولده رفع إلى حليمة بنت عبد الله ابن الحارث ترضعه فكانت تقول وهي تلاعبه :
الحمـد لله الـذي أعطـانـي هذا الغلام الطيّب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالبيت ذي الأركان

فبقى في بني سعد إلى السنة الرابعة من مولده ، وفي تلك السنة أرجعته مرضعته حليمة إلى اُمّه آمنة في مستهل السادسة من عمره الشريف ، وبين ذلك وبين عام الفيل خمس سنين وشهران وعشرة أيّام .
وفي السنة السابعة من مولده خرجت به اُمّه إلى أخواله تزورهم فتـوفّيت بالأبواء(1) ، وقدمت به اُمّ أيمن إلى مكّة بعد خمسة أيّام من موت اُمّه .
وفي السنة الثامنة من مولده توفّي جدّه شيبة الحمد ـ أعني عبد المطلب ـ وضمّه عمّه أبو طالب إليه ، وكان في حجره يؤثره على ولده ونفسه .
وخرج مع عمّه إلى الشام وله ثلاث عشرة سنة ، ثم خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد ومعه غلامها ميسرة وكان صلى الله عليه وآله ابن خمس وعشرين سنة ، فنظر تشطور الراهب وهو في صومعته إليه وقد ظلّلته الغمامة

(1) الأبواء ـ بالفتح ثمّ السكون وواو وألف ممدودة ـ : ... قال ثابت : سمّيت بذلك لتبوّء السيول بها ، وهي قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجُحفة كما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً ؛ وقيل : هي جبل بين مكة والمدينة . انظر معجم البلدان 1 : 79 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة255

فقال: هذا نبي وهو آخر الأنبياء وخاتم الرسل .(1)
وكان منه ما قد تواترت به الأخبار ، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار .
ولمّا هدمت الكعبة بالسيل بنتها قريش فرفعت سمكها ، وتأتي لها ما أرادت في بنيانها من الخشب الذي ابتاعوه من السفينة التي رمى بها البحر إلى ساحلهم ، وكان قد بعث بها ملك الروم من القلزم من بلاد مصر إلى الحبشة لتبنى هنالك له كنيسة ، وانتهت قريش إلى موضع الحجر الأسود وتنازعوا أيّهم يضعه ، فاتّفقوا على تحكيم الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وآله وكان يعرف عندهم جميعاً بالأمين ، وكانوا على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم وضغائنهم ، واعجاب كلّ قبيلة من قبائلهم بنفسها مجمعين على حبّه وأمانته وعدالته في كلّ شؤونه ، فحكموه فيما تنازعوا فيه ، وانقادوا إلى قضائه .
فبسط رداءه وأخذ الحجر فوضعه في وسطه ، ثم قال لأربعة من زعماء قريش ، وأهل الرياسة فيها ـ وهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم ، وقيس بن عدى السهم ليأخذ كلّ واحد منكم بجنب من جنبات هذا الرداء ، فشالوه حتى ارتفع ودنا من موضعه فأخذه صلى الله عليه وآله ووضعه في مكانه وقريش كلّها حضور .
فقال قائل لمن حضر من قريش متعجّباً من فعلهم وانقيادهم إلى أصغرهم سنّاً : «واعجباً لقوم أهل شرف ورياسة كهولاً وشيوخاً عمدوا إلى أصغرهم سنّاً

(1) انظر قصّة ولادة الرسول صلى الله عليه وآله في : الفضائل لابن شاذان 20 ، تاريخ بغداد 3 : 3 ـ 21 ، بحار الأنوار 15 : 146 ح 8 ، وص 281 ح 17 ، وص 341 ح 13 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة256

فجعلوه عليهم رئيساً وحكماً ؟ أما واللات والعزّى ليقسمنّ بينهم حظوظاً وجدوداً ، وليكوننّ له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم» .
وكان أبو طالب حاضراً ، فلمّا سمع هذا الكلام انشأ يقول :
إنّ لنا أوّله وآخره في الحكم العدل لن ينكره

قاتل الله أهـل العناد «فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين»(1) ، كذّبوه وانّهم ليعلمونه الصادق الأمين ، وأنكروا نبوّته ، وهم منها على يقين
«وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم»(2) ، ثم لم يألوا جهداً ، ولم يدخروا وسعاً في اطفاء نور الله من مشكاته «ويأبى الله الا أن يتمّ نوره ... ولو كره المشركون»(3) .
ظلموه وشتموه وأجلوه عن حرم الله عز وجل مسقط رأسه ، ومحل اُنسه ، ثم لم يكتفوا بما كان منهم في مكة المعظمة من فضائع وفجائع ، واُمور تستك منها المسامع ، حتى غزوه وهو في دار هجرته ، ومحل غربته ، فكانت حروب تشيب الأطفال ، وتميد بها الجبال ، لكنّها والحمد لله طحنتهم بكلكلها ، وقرّت الكلاب أشلاءهم ،
«وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويّاً عزيزاً»(4) .
بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ، بأبي أنت واُمّي يا نبي الرحمة ، كم أسديت لهذه الاُمّة من نعمة ، وكم لك عليها من يد بيضاء تستوجب الشكر والثناء .

(1) سورة البقرة : 89 .
(2) سورة النمل : 14 .
(3) سورة التوبة : 32 ـ 33 .
(4) سورة الأحزاب : 25 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة257

وحين فتحت مكّة بعد أن أجلوك عنها ، وكان من أبي سفيان ما كان من التحريض على قتلك ومحاربتك ، فأمرت مناديك ينادي : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
ثم لم يتم على ولدك وسبطك وريحانتك ما تمّ .
ملكنـا فكان العفو منّا سجية فلمّا ملكتـم سـال بالـدم أبطح
وحللتم قتل الاسارى وطالما نمرّ على الأسرى نعفو ونصفح
وحسبكـم هذا التفاوت بيننا وكلّ اناءٍ بالـذي فيـه ينضـح

قال عبد الله بن العبّاس رحمه الله : انّه لمّا اشتدّ برسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه وقد ضمّ الحسين إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول :
مالي وليزيد لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ، ثمّ غشي عليه طويلاً وأفاق وجعل يقبّل الحسين عليه السلام وعيناه تذرفان ويقول : أما أنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجل .
وقال ابن عبّاس أيضاً : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله جالساً ، إذ أقبل الحسن عليه السلام ، فلمّا رآه يبكي وقال له : إليّ إليّ ، فأجلسه على فخذه اليمنى .
ثم أقبل الحسين عليه السلام ، فلمّا رآه بكى وقال له : إليّ إليّ ، فأجلسه على فخذه اليسرى .
ثم أقبلت فاطمة عليها السلام ، فلمّا رآها بكى فقال لها : إليّ إليّ ، فأجلسها بين يديه .

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة258

ثم أقبل علي عليه السلام فرآه وقال له : إليّ إليّ ، وأجلسه إلى جانبه الأيمن .
فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحداً من هؤلاء الا وبكيت أوَ ما فيهم من تسرّ برؤيته ؟
فقال : والذي بعثني بالنبوّة على جميع البرية ما على وجه الأرض نسمة أحب إليَّ منهم ، وانّما بكيت لما يحل بهم بعدي وما يصنع بهذا ولدي الحسين كأنّي به ، وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ثمّ يرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه أرض كرب وبلاء تنصره عصابة من المسلمين ، اولئك سادة شهداء اُمّتي يوم القيامة ، فكأنّي انظر إليه وقد رمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً ثمّ يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً .
ثم انتحب صلى الله عليه وآله وسلم وبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قام وهو يقول :
اللهم انّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي .
والمسلمـون بمنظـرٍ وبمسمعٍ لا منكـر منهـم ولا متفجـّع
كحلت بمنظرك العيـون عماية وأصم رزؤك كـلّ اذن تسمع
أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع(1)

(1) معجم الأدباء 10 : 110 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة259

[المجلس الرابع عشر]

ولد رسول الله صلى الله عليه وآله ـ أعلى الأنبياء قدراً ، وأرفع الرسل في الملأ الأعلى ذكراً الذي بشّرت الرسل بظهوره ، وخلقت الأنوار بعد نوره ـ يوم السابع عشر من ربيع الأوّل ؛ وقيل : يوم الثاني عشر منه ، بمكّة المشرّفة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد الزوال أو عند الفجر عام الفيل وطير الأبابيل .
وهو أبو القاسم محمد المصطفى بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ....
واُمّه آمنة بنت وهب .
وأزواجه خمسة عشر ، وفي المبسوط : ثمانية عشر ، سبع من قريش ، وواحدة من حلفائهم ، وتسع من سائر القبائل ، وواحدة من بني إسرائيل من هارون بن عمران .
واتّخذ من الاماء ثلاثة عجميتين وعربية .
وله من الأولاد من خديجة : القاسم ، ورقيّة ، وزينب ، واُمّ كلثوم ـ وفي رقيّة وزينب خلاف ـ وبعد المبعث ولد من خديجة : الطيّب ، والطاهر ، وسيّدة نساء العالمين ، وله ولد أيضاً من مارية القبطيّة اسمه إبراهيم .
ونزل عليه الوحي صلى الله عليه وآله ، وتحمل أعباء الرسالة يوم السابع

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة260

والعشرون من رجب وهو ابن أربعين سنة ..... واصطفاه ربّه بالمدينة مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشر من الهجرة المباركة وله ثلاث وستّون سنة ، ودفن في حجرته المنورة .
ومات أبوه هو ابن شهرين ؛ وقيل : سنتان وأربع أشهر ؛ وقيل : مات وهو حمل ، وماتت اُمّه في الأبواء .
وكان صلى الله عليه وآله كما وصفه ولده باقر علوم الأوّلين والآخرين عليه السلام : أبيض اللون مشرّباً بحمرة ، أدعج العينين ، مقرون الحاجبين ، عظيم المنكين ، إذا التفت التفت جميعاً ، سائل الأطراف ، كأنّ عنقه ابريق فضّة ، وإذا تكفاً كأنّه إلى منحدر ، لم ير الراؤون مثل نبي الله قبله ولا بعده .
وأمّا معاجزه الباهرة ، وآياته الظاهرة ، فقد قصرت عن حصرها الحسّاب ، وكلّت عن سطرها الكتّاب ، كانشقاق القمر ، وتظليل الغمام ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وتكليم الموتى ، ومخاطبة البهائم ، واثمار يابس الشجر ، وغرس الأشجار وأثمارها على الفور ، وقصة الغزالة مع خشفيها ، وخروج الماء من بين أصابعه ، وانتقال النخلة بأمره ، واخبار الذراع له بالسم ، والنصر بالرعب ، ونوم عينيه دون قلبه ، وعدم طول قامة أحد على قامته ، واكثار اللبن من شاة اُمّ معبد ، ورؤيته من خلفه كما يرى من أمامه ، واطعامه من القليل الجم الغفير ، وطيّ البعيد له ، وشفاء الأرمد إن تفل في عينيه ، وقصة الأسد ، ونزول المطر بدعائه ، ودعائه على سراقة فساخت به الأرض ، وأخباره بالمغيبات ، كأنبائه عن العترة الطاهرة واحداً بعد واحد ، وما يجري عليهم من الأعداء في أرض كربلاء .
ففي البحار وغيره : لمّا ولدت فاطمة الحسين عليه السلام جاء النبي صلى الله عليه وآله فقال :

السابق السابق الفهرس التالي التالي