ثمّ قلت : هذا عليّ بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ، ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم [اُعرفكم مكانه] .
قال : فما بقيت بالمدينة مخدّرة ولا محجّبة الابرزن من خدورهنّ ، مخمّشات وجوههنّ ، ضاربات خدودهنّ ، يدعونّ بالويل والثبور ، فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه ، وسمعت جارية تنوح على الحسين وتقول :
(1) وقد نسب البيهقي في (المحاسن والمساوئ 1 : 49) هذه الأبيات الى الشاعر كعب بن زهير ، والظاهر انّه كعب بن زهير الصحابي ، ولم أجد الأبيات المنسوبة إليه في غير هذا الكتاب ، فإن صحّت هذه النسبة ، فهي ممّا كتمت في أيّام الأمويّين والعباسيّين .
(1) هو سماك بن خرشة ، من الصحابة الأوائل الذين صمدوا مع الرسول صلى الله عليه وآله في غزوة أحد ، عاش حتى شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام صفين ؛ وقيل غير ذلك .
انظر : الاصابة 2 : 77 ، أسد الغابة 2 : 452 ، الاستيعاب 2 : 83 ـ 84 .
(2) سهل بن حنيف بن واهب بن العُكيم الأوسي الأنصاري ، من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين ، شهد بدراً والمشاهد كلّها مع الرسول صلى الله عليه وآله وثبت يوم احد حين انهزم الناس ، وبايع يومئذ على الموت ، استخلفه علي على البصرة بعد الجمل ، وشهد معه صفين وتوفي في الكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلّى عليه أمير المؤمنين عليه السلام .
انظر : الاصابة 2 : 87 ، أسد الغابة 2 : 470 .
وجعل علي عليه السلام ينقل الماء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في درقته من المهراس ليغسل الدم عن وجهه ، ومنع الله نبيّه صلى الله عليه وآله يومئذ بأخيه ، وبجماعة من المنهزمين ثابوا إليه ، فذهبوا به إلى الجبل فحاصروا وارتفع القتال .
بأبي أنت واُمّي : يا غريب أين كان أخوك المواسي ، ليمنعك من الأعداء حين سقطت شلواً مبضّعاً ، كما منع المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخوه المواسي له ؟
أم أين كان قمر بني هاشم وأنت مطروح على الرمضاء تخور بدمك ، وتلوك لسانك من العطش لينقل الماء إليك من الفرات ، كما نقله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أخوه المواسي له من المهراس ، لكنّه سقط رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أخوه سالم المهجة ، سالم الهامة ، سالم الساعدين ، وكان أخوك إذ سقطت يا قرّة عين الزهراء مرضوخ الهامة ، محسوم الزندين ، مشحوطاً بالدماء ، مبدّد الاعضاء .
وأين عنك يا سيدي صحبك الذين ما فرّوا ، ولا تخطّوا حتى تفانوا دونك ليمنعوك كما منع رسول الله أصحابه ؟ ومن أين لهم أن يمنعوك وهم صرعى في هجير الشمس ، قد وزعت أشلاءهم ظباة السيوف ، وطحنتهم سنابك الخيل ، وابتلت بدمائهم أرض الطفوف ، ولقد يعزّ عليهم والله وقوفك بين الأعداء وحيداً
(1) وقيل : صالح بن وهب المزني ، وهو خبيث ملعون . انظر : مستدركات علم الرجال 4 : 248 .
(2) وهو زرعة بن شريك التميمي ، ملعون خبيث ، ورد ذكره في مستدركات علم الرجال 3 : 426 .
(3) في مستدركات علم الرجال 4 : 161 : سنان بن أنس النخعي ، وهو قاتل مولانا الحسين صلوات الله عليه ؛ قيل : قتله ابن زياد حين قال : قتلت خير الناس اُمّاً وأباً ، والمشهور أنه قتله المختار .
وفي كتاب حكاية المختار : 45 : أن إبراهيم قال لسنان عندما قبض عليه : يا ويلك أصدقني ما فعلت يوم الطف ؟ قال : ما فعلت شيئاً غير أنّي أخذت تكة الحسين من سرواله !! فبكى إبراهيم عند ذلك ، فجعل يشرح لحم أفخاذه ويشويها على نصف نضاجها ويطعمه إياه ،
وكلما امتنع من الأكل ينخزه بالخنجر ، فلمّا أشرف على الموت ذبحه وأحرق جثته .
واعتنقت أباها يوم الحادي عشر من المحرم كما اعتنقت جدّتها الزهراء أباها يوم اُحد ، لكن شتّان بين من اعتنقت أباها وهو حيّ جالس ، وبين من اعتنقته وهو مطروح على الرمضاء بحرارة الشمس ، عاري اللباس ، قطيع الرأس ، منخمد الأنفاس ، في جندل كالجمر مضطرم .
ثوى ثلاث ليالٍ بالعراء بلا
غسلٍ ولا كفن لله من حكم
ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله من اُحد يوم الوقعة فمرّ بامرأة من الأنصار اُصيب أبوها وزوجها ، فلمّا نُعيا إليها قالت : ما فعل برسول الله صلى الله
(1) سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، كريمة نبيلة ، كانت سيّدة نساء عصرها ، توفيت سنة 117 هـ ، نسب إليها بعض المؤرّخين اُمور نقطع بكذبها وافترائهاعليها .
انظر : الطبقات الكبرى 8 : 348 ، الدر المنثور : 244 ، الأعلام 3 : 106 .
(1) الرباب بنت امرئ القيس بن عدي ، زوجة الحسين عليه السلام ، كانت معه في وقعة كربلاء ، وبعد استشهاده جيء بها مع السبايا إلى الشام ، ثمّ عادت إلى المدينة ، فخطبها الأشراف ، فأبت ، وبقيت بعد الحسين لم يظلّها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً ، وكانت شاعرة لها رثاء في الحسين عليه السلام . انظر : المحبر 3 : 13 ، أعلام النساء 1 : 378 .