(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7 : 226 وج 11 : 257 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة
334
عترته صلى الله عليه وآله ، فانّهم أحد الثقلين الذين لا يضل من تمسّك بهما ، ولا يهتدي إلى الله من صدف عنهما .
وقد قال صلى الله عليه وآله من خطبة خطبها يوم غدير خم(1) :
(1) أقول : قد كثر الحديث حول هذا الحديث والف في جمع اسانيده الكتب قديماً وحديثاً ولعل اوّل من الف فيه كما في موسوعة الغدير للعلامة الاميني رحمه الله هو ابو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 210 هجرية صاحب التفسير والتاريخ المعروفين وهو من اكابر علماء العامة الف كتاب «الولاية في طرق حديث الغدير» .
قال الذهبي في طبقاته 2 : 254 : «لما بلغ محمد بن جرير ان ابن ابي داود تكلم في حديث غير خم عمل كتاب الفضائل وتكلم في تصحيح الحديث» .
ثم قال : قلت : رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق» .
وقال ابن كثير في تاريخه 11 : 146 في ترجمة الطبري : «اني رأيت له كتاباً جمع فيه احاديث غدير خم في مجلدين ضخمين» ونسبه إليه ابن حجر في تهذيب التهذيب 7 : 337 (راجع الغدير 1 : 152) .
وقد اغنانا العلامة الاميني رحمه الله وكفانا البحث عن طرق هذا الحديث ومصادره فقد الف في ذلك موسوعته الضخمة ـ التي لم تتم ـ في احد عشر مجلداً جمع فيها طرقه وأسانيده ومن احتج به أو كلّم فيه أو قال فيه شعراً . ولكثرة النصوص المنقولة في هذا الحديث يحتار الانسان فيما يختاره من نص فآثرنا أن ننقل النص الذي صدره الاميني رحمه الله به كتابه وهو نص جامع بين مختلف النصوص الا أنا اكملنا أبيات حسان بن ثابت في الأخير .
واليك النص :
«أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الخروج إلى الحج في سنة عشرة من مهاجره ، وأذّن في الناس بذلك ، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجّته تلك يُقال عليها حجّة الوداع وحجّة الإسلام وحجة البلاغ وحجة الكمال وحجة التمام ، ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه الله فخرج صلى الله عليه وآله من المدينة مغتسلاً متدهّناً مُترجّلاً متجرداً في ثوبين صحاريين إزار ورداء ، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة ، وأخرج معه نساءه كلهم في الهوادج ، وسار معه أهل بيته ، وعامّة المهاجرين والأنصار ، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس .
وعند خروجه صلى الله عليه وآله أصاب الناس بالمدينة جدري (بضم الجيم وفتح الدال
=
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة
335
= وبفتحهما) أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معه صلى الله عليه وآله ، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى ، وقد يقال : خرج معه تسعون ألف ، ويقال : مائة ألف وأربعة عشر ألفاً ، وقيل : مائة ألف وعشرون ألفاً ، وقيل : مائة ألف واربعة وعشرون ألفاً ، ويقال أكثر من ذلك ، وهذه عدّة من خرج معه ، وأمّا الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع عليّ (أمير المؤمنين) وأبي موسى .
أصبح صلى الله عليه وآله يوم الأحد بيلملم ، ثم راح فتعشّى بشرف السيالة ، وصلّى هناك المغرب والعشاء ، ثم صلّى الصبح بعرق الظبية ، ثم نزل الروحاء ، ثم سار من الروحاء فصلّى العصر بالمنصرف ، وصلّى المغرب والعشاء بالمتعشّى وتعشّى به ، وصلّى الصبح بالأثابة ، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحى جمل «وهو عقبة الجحفة» ونزل السقياء يوم الأربعاء ، وأصبح بالأبواء ، وصلّى هناك ثم راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة ، ومنها إلى قديد وسبت فيه ، وكان يوم الأحد بعسفان ، ثم سار فلمّا كان بالغميم إعترض المشاة فصفّوا فشكوا إليه المشي ، فقال : استعينوا بالسلان «مشي سريع دون العدو» ففعلوا فوجدوا لذلك راحة ، وكان يوم الاثنين بمرّ الظهران فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس بسرف فلم يصلّ المغرب حتى دخل مكّة ، ولمّا انتهى إلى الثنيّتين بات بينهما فدخل مكة نهار الثلاثاء» .
فلما قضى مناسكه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ووصل إلى غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين ، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرائيل الأمين عن الله بقوله : «يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك» الآية ، وأمره أن يقيم علياً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد ، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد حتى إذا أخذ القوم منازلهم فقمّ ما تحتهنّ حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهنّ فصلّى بالناس تحتهنّ ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء ، وظلّل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فلمّا انصرف صلى الله عليه وآله من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الابل وأسمع الجميع ، رافعاً عقيرته فقال :
الحمد لله نستعينه ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضلّ ولا مضلّ لمن هدى وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ـ أمّا بعد ـ ايها
=
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة
336
= الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله ، واني اوشك أن اُدعى فأجيب ، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون ، فما أنتم قائلون ، قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً ، قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّ جنته حقّ وناره حقّ وأنّ الموت حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور ، قالوا : بلى نشهد بذلك ، قال : اللهم اشهد ثم قال : ايها الناس ألا تسمعون ؟ قالوا : نعم ، قال : فاني فرَط على الحوض ، وأنتم واردون عليَّ الحوض ، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظرا كيف تخلّفوني في الثقلين .
فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال : الثقل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فتمسّكوا به لا تضلّوا ، والآخر الأصغر عترتي ، وإن اللطيف الخبير نبّأني انهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض فسألت ذلك لهما ربي ، فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ، فقال : أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، يقولها ثلاث مرّات ، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة : أربع مرّات ثم قال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ، ثم لم يتفرّقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله : «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي» الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي ، والولاية لعليّ من بعدي» ثمّ طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه وممن هنّأه في مقدّم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول : «بخ بخ لك ، يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» ، وقال ابن عبّاس : وجبت والله في أعناق القوم ، فقال حسّان : إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهن ، فقال : قل على بركة الله ، فقام حسان فقال : يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول الله في الولاية ماضية ، ثم قال :
نساءهم ، حتى هتكوا المدينة المنورة ، وفضحوا نساءها ، وقتلوا رجالها ، ونصبوا على مكّة العرادات والمجانيق ، وفرضوا على عسكرهم عشرة آلاف صخرة يرمونها كلّ يوم ، حتى هدموا الكعبة المشرفة تارة ، وأحرقوها اُخرى ، ولما بناها المسلمون بعد ذلك كان بنو اُميّة يشربون الخمر على سطحها ، وقد مزّقوا ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله كلّ ممزّق ، أمّا الكتاب فرموه بالنبل حتى مزّقوه ، وقال قائلهم يخاطبه :
من أهل بيتك .
فرقّت عند ذكرها لأخيها وأهل بيتها ، وقالت :
لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فان كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت .
فقال لعنه الله : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوها شاعراً سجّاعاً .
فقالت : يا بن زياد ما للمرأة وللسجع .
وأعظم ما يشجي الغيور دخولها
إلى مجلس ما بارح اللهـو والخمرا
يقارضهـا فيـه الدعـي مسبّة
ويصرف عنها وجهه معرضاً كبرا
* * *
تمّ بحمد الله وحسن توفيقه ما عثر عليه من كتاب
(المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة)
للإمام المجاهد السيد عبد الحسين
شرف الدين الموسوي قدس سره
في 15 شوال 1386 هـ
وقد تم الانتهاء من مراجعة وتحقيق هذا السفر الخالد
مع مقدّمة الزاهرة بتاريخ 4 / رجب / 1421 هـ
بقلم العبد المحتاج إلى رحمة الله الغني المغني ،
محمود البدري المكنّى بـ «أبي ذر البصري» بعيداً
عن الأهل والوطن في دار الغربة والهجرة
قم المقدّسة ، والحمد لله على حسن توفيقه