الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 1


ذكرى خطيب كربلاء

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 2

بسم الله الرحمن الرحيم


دار الكتاب والعترة بيروت


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 3

الشيخ الكعبي
صوت حزين وعبرة ساكبة


ذكرى خطيب كربلاء
الشيخ عبد الزهراء الكعبي


بقلم نخبة من ادباء كربلاء

1414 هـ
1993 م

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 4




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 5

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين* اياك نعبد واياك نستعين* اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين»

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 6




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 7

بسم الله الرحمن الرحيم

ان «دار الكتاب والعترة» في بيروت ، اذ تثني على الدور البناء الذي قامت به لجنة التأبين المهتمة باظهار ما للشيخ الكعبي من تقدير وفضل في تاسيس وتركيز المنبر الحسيني في العراق ، ونشر الروائع الادبية التي قيلت في تأبين الراحل الجليل ؛ واذ تضم صوتها الى اصوات اعضاء هذه اللجنة الموقرة في شكر جهود الشعراء والادباء الكربلائيين الاوفياء .. فانها تنتهز هذه الفرصة الثمينة ليكون لها شرف القيام ، ولو بدور متواضع ، في هذه المناسبة ؛ وذلك عبر طبع هذا الكراس القيم وفاء للراحل العظيم المفضال الذي يعيش في قلوب الحسينيين ومحبي اهل البيت ـ عليهم السلام ـ .

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 8




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 9


الشيخ عبد الزهراء الكعبي



الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 10




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 11

بسم الله الرحمن الرحيم

تصدير

الحمد لله الذي هدانا سبل الرشاد وجعلنا من العاملين لطاعته والسالكين طريق هدايته والصلاة على نبيه واهل بيته الطاهرين .
بين يدي القارئ مجموعة من المقالات والقصائد التي قيلت في تأبين الحاج الشيخ عبد الزهراء الكعبي ، وهو من ابرز خطباء كربلاء واعلامها ولسانها المعبر عن آمالها وآلامها .
ولئن دل هذا الكراس الذي نضعه بين يدي القارئ الكريم على شيء ، فانما يدل على الخسارة الجسيمة بفقد هذا العالم الجليل وما عمله في مجال الخطابة والعلم والادب ، وما تمتع به من حب وتقدير لدى جميع الطبقات ، وعلى ما له من علائق نافذة الى اعماق القلوب .
وها هي لجنة التأبين تفي بالواجب ، وتخرج هذا النتاج القيم الذي يضم ما استطعنا الحصول عليه مما ابّن به فقيدنا

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 12

الراحل ، آملين ان تكون قد قامت ببعض الواجب الملقى على عاتقها تجاه فقيدنا الراحل . وتنتهز اللجنة هذه الفرصة للتعبير عن شكرها الوافر وتقديرها العميق للجهود المبذولة من قبل ادباء كربلاء الذين اثبتوا دوما انهم اهل للوفاء والاخلاص .
تغمد الله الفقيد بالرحمة والرضوان ، انه سميع مجيب .



لجنة التأبين

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 13

الشيخ عبد الزهراء الكعبي في ذمة الخلود (1)

ليلة الخامس عشر من شهر جمادى الاولى 1394 هـ ، كانت ليلة أليمة في مدينة «كربلاء المقدسة» بالعراق ، فقد توفي فيها سماحة العلامة الكبير والخطيب الشهير والاديب الشاعر : الشيخ عبد الزهراء بن فلاح الكعبي ، تغمده الله برحمته الواسعة واسكنه الفسيح من جنانه ، وحشره مع النبي المختار والائمة الاطهار ـ عليهم الصلاة والسلام ـ .
ويوم الخامس عشر من شهر جمادى الاولى 1394 هـ كان يوما مشهودا في مدينة «كربلاء المقدسة» بالعراق ، فقد زحفت الجماهير من كل حدب وصوب للاشتراك في تشييع جثمان الفقيد الراحل عبر الخط الطويل من بيته في «حي الحسين» الى مرقده في «الوادي» (2) مرورا بـ «المغتسل» في محلة «المخيم» ، وبالروضة الحسينية المطهرة ، وبالروضة العباسية المقدسة ، وقال شهود عيان : ان مراسيم تشييعه كانت مشابهة تماما لمراسيم تشييع المراجع الكبار ، من : وضع جثمانه في «العماري» (3)

(1) نشرت في مجلة «العرفان» اللبنانية ، العدد 7 ، المجلد 72 ، تموز سنة 1974 م ، ص 827 .
(2) الوادي : الجبّانة .
(3) العماري : شيء يصنع من الخشب يوضع فيه التابوت احتراما للمتوفى ولا =
الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 14

وانطلاق المسيرات العزائية الحزينة في مقدمة الجنازة .
وحيث ان الفقيد الراحل كان احد اكبر الخطباء البارزين في العراق والخليج ، وحيث ان زوار الامام الحسين ـ عليه السلام ـ من كافة الاقطار الاسلامية كانوا قد استمعوا الى منابره في « مدينة كربلاء المقدسة » وخصوصا عند تلاوة القسم الاول من «مقتل الامام الحسين» يوم العاشر من شهر محرم الحرام من كل عام ، وحيث ان اكثر من اذاعة كانت تبث يوم العاشر من شهر محرم الحرام من كل عام تسجيلا بصوته للقسم الاول من «المقتل» ، وحيث ان اكثر من اذاعة كانت تبث يوم العشرين من شهر صفر من كل عام تسجيلا بصوته للقسم الثاني من : «المقتل» ، فقد ضج لوفاته كثير من البلاد الاسلامية ، فكتبت عنه الصحف والمجلات واقيمت على روحه الطاهرة مجالس الفاتحة في العديد من المدن ؛ واذكر على سبيل المثال : كربلاء المقدسة ، بغداد ، السماوة ، البصرة ، الكويت ، بيروت ، طهران ، وقم .
واداء لبعض حقوقه على المسلمين بصورة عامة ، وعلى الشيعة بصورة خاصة : اكتب ما يلي من نقاط تكشف قليلا من جوانب حياة الفقيد الراحل ، عساها تصبح قدوة واسوة وامثولة خيّرة للشباب المتديّن .
* كان يوم ميلاده يوم ميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ ولذلك : سمي بـ «عبد الزهراء» ، وكان يوم وفاته وفاتها ، وكفى بذلك صدفة ذات معنى عميق .
كان ينام في اليوم والليلة بين اربع ساعات وبين خمس ساعات ،

= يستعمل الا لمراجع المسلمين او ممّن يقربونهم في المرتبة وهذه عادة جرى عليها الناس في العراق وايران .
الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 15

وذلك حرصا منه على ان يستفيد اكثر ما يمكن من عمره في سبيل الحق والخير .
* كان شاعرا مجيدا «ولكن مقلا» باللغة العربية الفصحى ، وباللغة العراقية الدارجة ، وكثيرا ما كان يردد نتاجه على منابره الحسينية فلا يميز المستمع بينه وبين نتاج اكابر شعراء الطف باللغتين الفصحى والدارجة .
* [ من آثاره المطبوعة كتاب «الحسين قتيل العبرة» ، طبع اكثر من مرة آخرها طبعة «دار الكتاب والعترة» بيروت 1414 هـ / 1993 م ] .
* كان يوزع اكثر من ربع منابره على الفقراء والمساكين بصورة مكتومة عن الناس ، ويحتفظ بالباقي الزهيد ليصرفه على شؤونه الخاصة .
* كان يساهم بشكل فعال في التمهيد للمشاريع الاسلامية في كافة الحقول وفي بنائها ، وفي اعطائها الاستمرارية ، بحيث لا تجد مشروعا اسلاميا واحدا في مدينة كربلاء المقدسة لم يكن للفقيد الراحل دور فيه .
* كان يعتني بتربية الخطباء الناشئين حتى يصبحوا بمرور الزمن ـ وتحت التعليم النظري ، والممارسة العملية ـ خطباء كبارا يدعون الى الله تعالى والصراط المستقيم ، وذلك حتى يستمر ـ رضوان الله عليه ـ في استمرار تلامذته الخطباء . وفي الوقت الحاضر يزدان العراق وايران والخليج بالعديد من الخطباء الذين رعاهم بتربيتهم على اتقان المنبر الحسيني شكلا ومضمونا .
* كان متواضعا الى اقصى الدرجات ، وبصورة خاصة بالنسبة الى السادة الذين ينتمون الى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فلم يكن يتقدم على «سيد» مهما كان صغيرا في عمره ، او متواضعا في مكانته الاجتماعية .

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 16

* كان «حسينيا» الى ابعد الحدود ، يعني كان متفانيا في كل ما يمت الى الامام الحسين ـ عليه السلام ـ بصلة ، واشتراكه كل عام في «عزاء اهالي طويريج» بعد ظهر يوم العاشر من شهر محرم الحرام ، خير دليل على ذلك ، مع انه كان في مثل ذلك الوقت من كل سنة متعبا ومرهقا من كثرة مجالس العزاء ليلا ونهارا .
* كان صبيحة كل يوم عاشوراء «العاشر من شهر محرم الحرام» يقرأ في قلب مدينة كربلاء المقدسة القسم الاول من «المقتل الحسيني» الذي هو وثيقة تاريخية لكل ما جرى على الامام الحسين ـ عليه السلام ـ واهل بيته واصحابه ، من استشهاد بطولي رائع في ساحة الطفوف على يد الحكم الاموي الغاشم . وكانت الجماهير الزائرة والمقيمة تحتشد في الاسواق والشوارع والطرقات بالآلاف لاستماع ذلك وهي باكية نادبة ، وكانت إذاعة بغداد وإذاعات أخرى تذيع ذلك كل عام بانتظام ، وقد وزعت كثرة هائلة من تسجيلاته الصوتية للقسم الاول من «المقتل الحسيني» في البلاد لإذاعته يوم عاشوراء في المساجد والحسينيات وما شابه ذلك .
* كذلك كان الفقيد الراحل يتلو القسم الثاني من «المقتل الحسيني» ، وهو ما جرى على اسرى اهل البيت واسرى الاصحاب بعد مقتل الامام الحسين ـ عليه السلام ـ يوم العشرين من شهر صفر في «الحسينية الطهرانية» الكائنة في مدينة «كربلاء المقدسة» ، وذلك بمناسبة مرور اربعين يوما على شهادة الامام . وكانت اذاعة بغداد واذاعات اخرى تذيع ذلك سنويا . وكان الاقبال عليه يقرب من الاقبال على القسم الاول .
* وكان الفقيد الراحل يشد الرحال الى جامع الكوفة ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك من كل سنة ، وذلك لقراءة تفاصيل مقتل

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 17

الامام علي ـ عليه السلام ـ على الجماهير المحتشدة في ذلك المسجد التاريخي الشهير ، والمناسبة هي : ان الامام كان يقيم صلاة الفجر في محراب الجامع نفسه يوم 19 رمضان عندما تلقى ضربة قاتلة من يد ابن ملجم المرادي ـ لعنه الله ـ انتقل على اثرها الى جوار ربه تعالى ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك .
* وهكذا انتهت حياة فقيدنا الغالي وهي صفحة مشرقة بالتوجيه والجهاد الدائبين في سبيل اهل البيت ـ عليه السلام ـ الذين كان يرتقي المنابر باسمهم ويحاول ان يكون هو ومستمعوه نماذج لهم . فرحمه الله تعالى يوم وعظ وارشد ، ورحمه الله يوم جاهد وصمد

* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 18




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 19

الكعبي خادم المنبر الحسيني الشريف

سعيد رشيد زميزم

مما لا يختلف فيه اثنان ان الفقيد الشيخ عبد الزهراء الكعبي هو شيخ قراء المنبر الحسيني ، قضى معظم حياته في خدمة هذا المنبر الشريف سواء في داخل العراق او خارجه . وكانت مجالسه مدرسة حديثة تضم نخبة صالحة من الشباب المثقف الواعي ، تتلقى على يديه دروس الفضيلة ، فقد كان شيخنا الراحل يعالج في هذه المجالس الامور الحياتية وشؤون المجتمع ونشر المعرفة . فهو من خيرة الخطباء العاملين الذين يشار اليهم بالبنان ، اشتهر بغيرته وكرم اخلاقه ومؤاساته للفقراء ، بعيد الهمة ، كبير الآمال .
مهر شيخنا الكعبي باللغة فحفظ غريبها وحواشيها واشعار العرب ، واشتهر بالفصاحة والبلاغة ، فكان رحمه الله لم يسال عن شيء إلا واستشهد فيه بآي من الذكر الحكيم او بكلام العرب من النظم والنثر ، لذا كان نادرة زمانه ووحيد اوانه .
في خطاباته تطرق الى ملحمة كربلاء الدامية ، تلك الملحمة التي ابكت الصخر وادمت قلوب المسلمين في مشارق الارض ومغاربها ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فقد كان فقيدنا الغالي يتمتع بصوت شجي

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 20

جميل رقيق يجذب اليه المستمعين من خلال محاضراته القيمة وخطبه الغراء الملفتة للنظر ، ولا سيما اختصاصه في قراءة مقتل الحسين عليه السلام ، حيث اجاد في قراءته إجادة تستهوي القلوب ، وتخلب الالباب ، ومن منا فاته الاستماع الى قصة إستشهاد سيدنا الحسين واهل بيته الغر الميامين ؟ تلك القصة الرائعة التي تستدر الدموع وتهيج الاحزان ، ولا ننسى ما يتخللها من شعر فصيح وشعر عامي وتأثيرهما في النفوس ، كل ذلك كان يستغرق من الوقت اكثر من ساعتين . ولا تزال العديد من اذاعات الدول الاسلامية تنقل لنا عبر محطاتها في اليوم العاشر من محرم الحرام كل عام قصة مقتل الحسين ـ عليه السلام ـ .
ان الجهود المكثفة التي بذلها شيخنا الراحل الشيخ عبد الزهراء الكعبي لجديرة بالثناء والعرفان ، فقدنا بفقده مثال الحمية والوفاء والاريحية والمروءة والعمل الدؤوب ، كما فقدنا من امثاله رجال الفصاحة والادب في كربلاء كالشاعر الوطني الكبير الشيخ محمد محسن ابوالمحاسن والشاعر المبدع السيد جواد الهندي خطيب كربلاء والخطيب الشاعر الشيخ محسن ابو الحب ، والخطيب الشهير الشيخ هادي الشيخ صالح الخفاجي والشاعر السيد مرتضى الوهاب وغيرهم .
فالى تقوى الله وغفرانه وروحه وريحانه يا جميل الفعال وكريم الخصال :

والمـوت نقاد على كفه جواهر يختار منها الجياد
* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 21

فقيد الخطابة

سلمان هادي آل طعمة

اعـرني بيانا مـنك كالطيـر يصدح فـكـل فـؤاد بالـصدود يـبرح
عهدتك طودا راح يشمخ فـي الذرى ودنيا عطاء حـين تمسي وتصبح
ومـا انـت الا فـارس شب عزمه يكـد بمـيدان الـحيـاة ويكـدح
مناقـب لا تحصـى لـديك جليلـة يضيق لها صـدر الحسود ويجنح
حبـاك اله الكـون علمـا و حكمة وكم في الملا من لا يفوز ويفلح ؟
و حسبـك ان نلـت المحامد وادعا وما المجد الا ما سعى حيث تطمح
عهدتك روض الفضل يعبق بالشذى بأهـليه مـا تنفك تعنـى وتمنـح
جمعت امـور الدين حتى هضمتها وكنت لآل البيت تطـري وتمـدح
ومـا زلت ظلاّ للفقاهـة والحجـا تجول على الاعداء كالنـار تلفـح
فلـم انـس اياما مضـت وليالـيا بها مأتم للسـبط والعـين تسفـح
مـواعظ تـزهو ام جـمان قلائـد كـما تقتني الحسناء عقدا وتفـرح
واي فـؤاد لا يلـوب مـن الأسى وعيـن على اخلاقـه لا تقـرح ؟
وكم فضح الباغين في كل خطـبة وفي صالح الاعمال للناس يصلح ؟
لفقـدك وجـد ما امض مصابـه الا هل درى دهر به الرزء يفـدح
الم ترى ان الروض اصبح ممحلا وكان على افنانه الطير يصـدح ؟
عـلام خلا النادي وران به الاسى وكانت به باب الغوامض تفتـح ؟

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 22

كفى المرء احسانا ونـبلا وسؤددا فمن مثله قـد كان بالفضل يطفح ؟
ومن مثله قد شاقه نصـر دينـه يذب عـن الحق الصراح وينصح ؟
كساك العلـى تاجا والبسك التقـى وشاحا كمن في متجر الحمد يربـح
بكت من دم عين المحب فأججت لواعـج تسري بالضلـوع وتقـدح
فقدناك فقـد العين يا خير ماجـد يجـود بألبـاب العقـول ويسمـح
شمائلك الغـرا تفـيض سماحـة كمن يحتسي كاسا دهـاقا ويمـرح
قـلائـد در صغتهـا متخايـلا تـقلـد فـيهـا تـارة وتـوشـح
فيا مضجع التقوى تحيـة وامـق سقاك سحـاب يستهـل ويـدلـح
لقد غبت عن دنيا المكارم والعلا وارقنا الحـزن الـذي ليس يـبرح
هنيئا لك الحسنى على ما صنعته وليس سوى الحسنى تجازى وتربح
* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 23

الكعبي .. خطيبا

محمد حسن الكليدار آل طعمة

هو عمدة قراء هذه المدينة التاريخية المقدسة ، وفخر وعّاظها ، وفارس ميدان الخطابة فيها . كان الناس معجبين بمكارم اخلاقه ، وحسن سيرته ، لأن نشأته كانت نشأة صالحة ، وتربيته تربية عالية ، وبمرور الزمن اشتهر ذكره وذاع صيته ، حتى حصلت له مكانة سامية في عالم الخطابة قل من يضارعه فيها احد . فقد بلغ الغاية في هذا الفن طيلة ربع قرن او يزيد ، تدلك على ذلك ، المجالس الحسينية التي تأخذ بمجامع القلوب ، وتانس لحضورها النفوس على اختلاف ثقافاتهم . كسته الفصاحة زخرفها ، والقى عليه البيان نوره ، فتسابقت معانيه الى الافهام . رعى حرمة الادب ، وتبحر في الآداب كمن يغوص في اعماق البحر بحثا عن اللؤلؤ ، ودعا الى نشر العلم والعرفان والفضيلة ، مستهديا بالقرآن المجيد وسنة رسوله الصادق الامين . وفي محاضراته يتسلسل بأساليب الكلام بعد استهلال بآي من الذكر الحكيم او حديث نبوي شريف أو خطبة من خطب نهج البلاغة او الشعر الحسيني ، ثم يدخل في صلب الموضوع تحليلا واستنتاجا ، ويشرف على النهاية في مأساة كربلاء ، بحيث يشد المستمع اليه ، وهو يسترسل بأقواله البليغة التي تتجلى بالرواية الصحيحة والمسائل الدقيقة التي تستند الى مصادر موثوقة وحجج دامغة .

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 24

لقد كان الشيخ عبد الزهراء الكعبي اديبا ماهرا ، فضلا عن كونه خطيبا مصقعا ، يحفظ الشعر الغزير ، ويشنف اسماع الحاضرين في ذكر مصائب العترة النبوية الطاهرة ، والاحاديث الدالة على فضل البكاء على الحسين الشهيد واهل بيته الغر الميامين .
ان الدرس الذي يلقيه على مستمعيه في كربلاء او خارجها ، جليل الفائدة ، جزيل النفع ، يبسط امامهم على منضدة البحث محاضرات قيمة في التاريخ الاسلامي ، اضافة الى خوضه في فنون الآداب والعلوم وكافة فنون المعرفة الأخرى . ولا شك ان مهنة الخطابة شريفة ، صعبة المسالك ، تحتاج الى شجاعة أدبية ، وثبات مبدأ ، وتزداد صعوبتها حينما تختلف النزعات والميول ، وتتباين المذاهب والاتجاهات ، لذلك يصعب على الخطيب إرضاء الجميع ، ولكن الذي يبغي رضا الله لا يحد من افكاره شيء .
اما خطيبنا الكعبي فقد حقق ما كان يصبو اليه من امال ترضي الله ورسوله والأئمة الهادين المهديين ، حتى هداه الله الى الطريق السوي اللاحب الى بلوغ الأماني ، والسلام على من يستمعون القول فيتبعون احسنه ، ورحم الله الكعبي ما اشرق صبح ودجا ظلام .
* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 25


وبالطـف لقد صعـد الكعبـي مـعراج «الـمقتـل» للـرب
وبـمـوت الـكعـبـي اؤرخ قـاري المقتـل طـي الغيـب
454 + 133 + 807 311 + 601 + 19 + 1043

1393 هـ1974 م

نظم محمد زمان الكربلائي


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 26




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 27

الشيخ عبد الزهراء الكعبي كما عرفته

السيد كاظم محمد النقيب

عرفت الشيخ عبد الزهراء الكعبي عليه الرحمة منذ صباي ، وتعرفت عليه في اول شبابي ، وصحبته اكثر من ربع قرن من الزمان ، وسافرت معه كثيرا ، ولازمته وقتا طويلا ، وتعلمت منه اشياء لم اكن اتعلمها من غيره ، وكان دائما يقول : نحن يجب علينا ان نقدم خدمة للناس دون ان نتوقع منهم جزاء على ذلك . وكانت اهم سفرة سافرتها معه هي سفرة الحج الاولى التي استغرقت اربعين يوما وذلك عام 1373 هجري الموافق لعام 1954 ميلادي ، فكان مثالا للإنسان المتعاون ـ المضحي ـ المتفاني في خدمة الآخرين .
وفي عام 1376 هجرية ذهب مرة اخرى الى الحج ، ولكني لم استطع الذهاب معه ، فاكتوى القلب بنيران الفراق فقلت في ذلك :
عنا الخطيب ابو علي يبعـد ولحـج بيت الله امسى يقصد
يا روضة كنا نروم فناءهـا دوما ويشدونا الخطيب الامجد
تتعشق الارواح فيهـا منبرا يعـلوه استاذ الخطابـة اصيد
جفـت نضارتها وبان يبابها وبغيـر عودتـه لنا لا نسعـد
ان القلوب اذا تعلـق ودهـا كالنار لا تخبو ولا هـي تخمد


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 28

مـن للـمنابر يرتقيها يرشـد من للمدارس فكره يتجرد
هي بانتظارك ان تعود لفضلها كالبدر بعد محاقه يتجـدد

وعرفت الكعبي خطيبا مفوها ومتكلما لامعا ينفعل بما يقول كانه يخرج كلامه ممزوجا بعصارة قلبه ، ولهذا كان لقوله تاثير كبير في نفوس مستمعيه لأن ما يخرج من القلب يقع في القلب ، ينشر الفضيلة بين الناس ويدعو الى الاصلاح والتمسك بالقيم الانسانية الرفيعة ، وينهى عن الفرقة والاختلاف ، ويبث العلم والمعرفة بين سائر طبقات الامة ، ويحث على الالتزام بمكارم الاخلاق والتحلي بالصفات الحسنة وينهى عن كل ما يشين الإنسانية من الرذائل والعادات السيئة ، ويجهد نفسه على ذكر الاخبار الصحيحة والتاريخ المعتبر ويتجنب ذكر الاخبار التي لم يتثبت من صحتها .
كانت مجالسه كثيرة ينتقل من مجلس الى آخر دون ان يكرر ما قاله ، يتصرف بالكلام ويحلل الاخبار ويستخلص النتائج .
وقد ساعد الكعبي على تكوين شخصيته المنبرية الفريدة صوته الرخيم وحفظه الكثير وسرعة بديهته وانتقاله من موضوع الى آخر يربط بينها بذكاء خارق ويعود الى اصل موضوعه بعد ان يشد المستمعين اليه باسلوب نادر ، يكثر من ذكر الامثلة لتوضيح افكاره ويتبسط بتذليل المعلومات المعقدة متبعا في ذلك الاسلوب القرآني في ضرب الامثال وتقريب المعاني الى الاذهان .
يتكلم الفصحى بطلاقة ويعرب ما يقول دون تكلف او تلكؤ ، وكان يتثبت من نطق الكلمة ، ويراجع من اجل ذلك المطولات والمصادر المختلفة ولا يلقي القول على عواهنه .
وعرفت الكعبي مؤمنا متدينا ملتزما ثابت الايمان ، صابرا على

الفهرس التالي التالي