الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 29

تقلبات الزمان وتغير الاحوال مخلصا بعمله لله تعالى لا تأخذه في الله لومة لائم وكثيرا ما كان يردد قول الامام الحسين ـ عليه السلام ـ :
«الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون» .
وعرفت الكعبي فقيها عارفا بالاحكام الشرعية يدرس الفقه الاسلامي لجمع من طلابه ، وبالرغم من كثرة مجالسه وضيق وقته فانه كان يخصص لهم وقتا لتدريسهم الفقه ثم يذهب الى قراءة المجالس الحسينية . وكثيرا ما كان يذكر المسائل الفقهية على المنبر يرشد بها الناس ويعلمهم معالم دينهم واحكام الشرع الشريف .
وعرفت الكعبي كاتبا خطاطا يجيد كتابة الخط العربي اجادة تامة ويتقن ترسيم الحروف اتقانا جيدا ، ولكنه لم يتخذ الخط مهنة له ، واحتفظ ببعض كتاباته حيث كان عندي كتاب «شرح قطر الندى وبل الصدا» في النحو ، مخطوط بخط جميل وقد سقطت منه تسع اوراق فأخذه مني للاطلاع عليه ولما اعاده الي رايته قد اكمل ما كان ناقصا من ذلك الكتاب المخطوط بخط يفوق الخط الذي خط به الكتاب فقلت له : لم كلفت نفسك بكتابة هذه الصفحات الثمان عشرة ؟ فاجابني : لتبقى هذه الكتابة للذكرى عندك ، واحببت ان لا يبقى هذا الكتاب ناقصا .
وعرفت الكعبي استاذا يدرس النحو لعدة مجاميع من الطلبة الراغبين في تعلم النحو ، وكان تدريسه للنحو شيقا حيث يهتم بالتطبيق اكثر من اهتمامه بالحفظ ، فيحاسب طلابه على كل خطأ نحوي يصدر منهم اثناء الدرس والمناقشة ، وبهذا يجعلهم يلتزمون بالنطق الصحيح ويربي فيهم السليقة على القول المعرب ويغرس فيهم الملكة على القول الفصيح دون

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 30

ان يلوك احدهم لسانه على ذلك ، وهذا شيء يكاد ان ينفرد به .
وقد خرج جمعا غفيرا من الطلبة القادرين على التكلم بالعربية الفصحى التي كان ـ رحمه الله تعالى ـ يلتزم بها في تدريسه وفي خطابته ومجالسه المنبرية حيث يصعب عليه التحدث باللغة الدارجة .
وكنت ارى كثيرا من اساتذة اللغة العربية يرجعون اليه في المسائل النحوية والبلاغية واللغوية والصرفية ويستفيدون منه .
وكان يقصده بعض الفضلاء من الحوزة العلمية في كربلاء ليدرس عنده بصورة خاصة منفردا علوم اللغة العربية .
وعرفت الكعبي شاعرا مجيدا ، وان لم يشتهر بقول الشعر كما اشتهر بالخطابة ، ولا ازال احفظ له بعض الابيات مثل قوله :
ليس الشجاع الـذي يرمي العـدا بشبا بتاره بالطعن والحـرب
بل الشجاع الذي ان نفسه طمحت الى الرذائل ساواها مع الرب

فهو يقول الشعر على هذه الشاكلة ، وينظمه دون تكلف ، ونجد العفوية هي الصفة المميزة لكثير من اشعاره .
وعرفت الكعبي صديقا وفيا وحميما مخلصا ، رقيق القلب مرهف الاحساس ، يقدم اصدقاءه على نفسه ويؤثرهم بماله ويواسيهم باحزانهم ويشاركهم بافراحهم وكأن الامام الحسن عليه السلام يصفه بجنادة بن ابي امية بقوله عليه السلام : «اذا نازعتك الى صحبة الرجال حاجة فاصحب من اذا صحبته زانك ، واذا اخذت منه صانك ، واذا اردت منه معونة اعانك ، وان قلت صدق قولك ، وان صلت شد صولتك ، وان مددت يدك بفضل مدها ، وان بدت منك ثلمة سدها ، وان رأى منك حسنة عدها ، وإن

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 31

سالته اعطاك ، وان سكت عنه ابتداك ، وان نزلت بك احدى الملمات واساك ، من لا تأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذلك عند الحقائق ، وان تنازعتما منقسما آثرك» .
نعم ، كان مثالا للصديق الصدوق ولهذا كان له اصدقاء كثيرون يحيطون به ويلتزمون مجالسه ويحرصون على لقياه يوميا ، فاذا فرغ من مجالسه الليلية يسير معهم ويسايرهم حتى يصل كل واحد منهم الى داره وكثيرا ما كان يقف في الطريق ليتحدث اليهم ببعض الاحاديث التي تثار اثناء السير حتى قيل له من قبل بعض اصدقائه : انك عندما تفرغ من مجالسك تقيم مجالس اخرى في الطرقات فكان يجيب : نحن راسمالنا الكلام ، ويوصيهم بالتحلي بالاخلاق الفاضلة ويذكر لهم القول المأثور : «انكم لن تسعوا الناس باموالكم فسعوهم باخلاقكم» ، وقد اثر فقده على هؤلاء الاصدقاء تاثيرا بالغا وتشتت شملهم ، وانفرط عقدهم .
وعرفت الكعبي عاملا للخير ساعيا لتلبية طلبات المحتاجين ، يبذل جل وقته في قضاء حوائج الناس واسعاف الملهوفين واغاثة المستغيثين ، ما جاءه ذو حاجة الا وسعى في قضائها ولو على حساب راحته ، وخاصة اذا كان صاحب الحاجة من الضعفاء او الفقراء ، دون ان يكل او يمل او يتضجر . وكان يقول مستشهدا : «ان من نعم الله عليكم ان جعل حوائج الناس اليكم فلا تملوا النعم فتهلكوا» . وعندما ينجز مهمة من استغاث به ، ويتكلل سعيه بالنجاح يعتريه الفرح وتعلوه المسرة ، وهذه صفة نادرا ما وجدتها في غيره .
وعرفت الكعبي سخيا وهابا للمال ، سمحا في اكرام المحتاجين خاصة من ذوي رحمه ، وقد اطلعت اكثر من مرة انه عندما يقدم له المال

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 32

بعد انتهاء المجلس وهو في ظرف لم يعلم كم هو ، يهب ذلك المال بظرفه دون ان يطلع على مقداره لبعض من يعلم انه محتاج الى تلك الهبة ، ومعنى ذلك انه يهب اتعابه لمدة عشرة ايام لشخص واحد في لحظة واحدة .
وفي عصر يوم الخميس الرابع عشر من شهر جمادى الاولى عام 1394 هجري الموافق للسادس من حزيران عام 1974 ميلادي ، وهو يوم ذكرى وفاة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها قرأ بعض المجالس بالمناسبة ، وعند الغروب شعر بدوار نقل على اثره الى المستشفى الحسيني فقدمت له بعض الاسعافات ، وعادوا به الى داره وهناك لفظ انفاسه الاخيرة ، ونقل جثمانه ليلا الى مغتسل المخيم . وفي صباح يوم الجمعة الخامس عشر من جمادى الاولى ، شيع تشييعا حافلا وحمل نعشه على الايدي الى المقبرة التي خصصها لنفسه ، وخرجت الجموع الغفيرة مشيا على الاقدام رغم طول الطريق وراء النعش وهي باكية مفجوعة بفقده . وعلى شفير القبر ابّنه كثير من محبيه ، واقيمت على روحه الطاهرة مجالس الفاتحة والعزاء لعدة ايام وفي عدة اماكن ومن قبل كثير من الهيئات . وقد قلت هذه الابيات :
يا خـادم الحسنين والزهراء ومقيم ذكـرى سيد الشهداء
بيـوم وفـاة سـيدة النساء اتى اليك الردى عند المساء
فاوجعت القلوب وكنت قبلا تذكرهـا بوقعـة كـربلاء
فراحت تعلن الاحزان شجوا تقيـم لك الـمآتـم للعـزاء

وقد اخبرني من اثق به بعد وفاة المرحوم الشيخ عبد الزهراء : ان رجلا عالما في احدى البلاد الاسلامية قال لأصحابه اريد منكم ان تقيموا

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 33

مجلساً للفاتحة فقالوا له : لمن نقيم المجلس ؟ قال : سأخبركم بعد ذلك ، فاقاموا مجلسا للفاتحة وحضر ذلك العالم المجلس وجاء المعزون بينما هم كذلك لا يدرون سبب اقامة المجلس اذا بالاخبار تصل اليهم بوفاة المرحوم الكعبي فعندها جمعهم ذلك العالم واخذ يحدثهم قائلا كنت نائما فرأيت كأني قد اقمت مجلس العزاء للامام الحسين ـ عليه السلام ـ وحضر المجلس العلماء والفضلاء وجاءت الصديقة فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ لتحضر المجلس ولكنها لم تجلس وهمت بالانصراف فتقدمت اليها وقلت لها : سيدتي لماذا لم تجلسي في عزاء ولدك الامام الحسين فقالت : اني الان مشغولة واريد الذهاب الى كربلاء لاشارك في تشييع خادم ولدي الحسين الشيخ عبد الزهراء الكعبي فانه قد توفي . فانتبهت وقلت في نفسي انا لله وانا اليه راجعون .
هذه رؤيا صادقة ولا اظن الا والشيخ عبد الزهراء قد توفي فعلا ولكني لم اخبر احدا بهذه الرؤيا وعزمت على اقامة هذه الفاتحة على روحه الطاهرة ، والآن جاءتكم الاخبار بصحة الرؤيا .
فسلام على تلك الروح الطاهرة وحشره الله تعالى مع النبي محمد وآله صلوات الله عليهم اجمعين .
* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 34




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 35

الشيخ الكعبي ، رحمه الله : سيرة وذكريات

الشيخ محمد علي داعي الحق

عندما اعود بالذاكرة الى الوراء .. اي الى ربع قرن من الزمن ، لأستحضر اياما خالدة في سجل الذكريات ، لا يمكن للزمن ان يطالها ، وللايام ان تسدل عليها ثياب النسيان وستار الخمول .
اجل ! .. انني اعيش تلك اللحظات التي مرت ـ مر السحاب ـ كانها شريط ملون الصفحات واللوحات يرسمها التاريخ بريشته الحقيقية ، فلا تجد لها منه مهربا او انفلاتا .
كان المغفور له والدي يصطحبني معه الى مجالس الوعظ والارشاد المنعقدة في ارجاء مدينة كربلاء المقدسة ـ اناء الليل واطراف النهار ـ وكنت الوذ منها بالفرار ، لأنني اضيق بها ذرعا ، لاجد لي متنفسا منها ، الى حيث اللهو واللعب مع نظرائي واقراني الاطفال .. وعندما كنت اجادل المرحوم ـ احيانا ـ في ذلك ، كان ينهرني ويزجرني مرة ، ويرغبني احيانا بشكل من الاشكال كي لا اتضجر واتضور منها ، لأنها نافعة لي ، وسادرك فوائدها في المستقبل من الايام .
من تلك المجالس ، كنت احضر مجلس وعظ وارشاد المرحوم المغفور له الخطيب الشيخ عبد الزهراء الكعبي قدس الله روحه ونور

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 36

ضريحه ، الذي كان يكن لوالدي ـ خاصة ـ ايما احترام وتبجيل ، وفاء منه واحتراما وتأدبا والتزاما بقواعد التربية الاسلامية الرصينة ونهجها الاصيل في التعامل مع الكبار وتوقير الافاضل .
بعدها .. توطدت صلتي بالمرحوم الكعبي ـ ابي علي ـ لما كان عليه من خلق كريم وتواضع جم وجاذبية روحية تجذب الناس اليه انجذابا ، فكيف بنا ونحن ابناء جلدة واحدة وصحبة واحدة هكذا انجذبت اليه ـ كما الآلاف من ابناء ورجال المدينة ومفكريها ـ اشتقت الى لقائه وحضور مجالسه ، استفيد واكتسب الاداب والمعارف والاساليب البلاغية وانماط المحاورة مع الناس العاديين وغيرهم ، خارج حلبة القراءة والوعظ والتوجيه الديني من فوق منصة المنبر الحسيني النيّر .
فمجالس الشيخ عبد الزهراء الكعبي ـ رحمة الله عليه ـ لا تخلو من نكتة سانحة ، وبلاغة رائعة ، ونقاش علمي ومطارحات شعرية ، ومحاورات ادبية ، ونقاش تاريخي ونقد في مجالات المعرفة والفنون ، كانت تفيض بالنفع الكبير على المجتمعين الملتفين من حوله ، وكانت تلك المجالس مصداقا حقيقيا لتلك التي رويت عن الامام المعصوم ـ عليه السلام ـ . . حين قال لأحد اصحابه فضيل : «يا فضيل اتجلسون وتتحدثون ؟ . فقال : نعم سيدي . فقال ـ عليه السلام ـ : اني والله لتلك المجالس احبها .. فاحيوا امرنا ... » .
هكذا هو النور ، يملأ سنى وضياء .
هكذا هي رائحة المسك والعبير ، تنثرالانسام ، وتملأ الخياشيم ، وتفرح القلوب وتغمرها عطرا ونقاء ، زهوا وصفاء .
فيا ايتها الذكريات الخوالد ، ويا ايتها الايام المنصرمة ، هل لك ان

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 37

تسبغي علينا لحظة من تلك اللحظات ، عل النفس العليلة تجد شفاء لكمدها ودواء ناجعا لسقمها وجراحاتها الكثر ...
مضت بي الحياة قدما ، حتى بت افهم شيئا ما من قيلها وقالها ، وصرت احيانا اناقش المرحوم الراحل في بعض الامور .. وهو صاحب الصدر الرحب ، فكان يناقشني مناقشة الزميل لزميله والمثيل لمثيله ، دونما استعلاء منه او كبرياء . فصرت لا ارهب جانبه اذا لم اوافقه رأيه . . لأنه لم يفرضه إلا بقوة الدليل ، حيث كان ـ قدس سره ـ ينصاع للحق اينما وجده وآمن به حيثما اعتقده دون نظرة الى من الذي يناقشه من كبير ذائع الصيت ، او صغير ليس بذي شأن معروف او مقام موصوف .
عرفته خطيبا ألمعيا تنساب الخطابة والبلاغة من شفتيه نميرا عذبا كالعسل المصفى ، والبلسم الناجع لذي الاسقام والاوجاع .
بصوته الجهوري أسر القلوب ، وبخطابه الأدبي أذكى المشاعر . وان انس لا انساه حينما كان يقرأ الملاحم الشعرية الطويلة ذات البحور الصعبة والاوزان الثقيلة ، وكانها ارق من نسيم الصبا واخف من ريش القطا ، يختار من عيون الشعر وفنونه ما لا اذن سمعت او خطر على بال متأدب ، مما اشتملت على آيات البلاغة والمحسنات البديعة .
وكم رأيت الاعلام ، من علماء وادباء ومفكرين ، الجالسين تحت منبره ، منبهرين بقراءته مشدودين لحسن اختياراته وبديع موضوعاته ، وجميل أحاديثه الدينية والاجتماعية والتاريخية والادبية ، يمجدونه عند الانتهاء من التلاوة والقراءة ويدعون له بالتاييد والتوفيق . وكلما كان ـ رحمه الله ـ يكبر في عيون الكبار ، يزداد تواضعا وخشوعا امام الواحد القهار ، وكانه نسي نفسه وما تحتاج اليه من راحة ومشاغل دنيوية ، فانصرف لخدمة الدين

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 38

الحنيف بكليته ، وذابت انانيته ، حتى يخيل اليك انه قدّ «من شمعة تحترق لتنير الدرب للآخرين» .
كم كنت ووالدي ـ رحمه الله ـ نضيق ضرعا عندما كنا نخرج معه ليلا من المجلس الأخير للذهاب الى الدار ، حيث كان ـ رحمه الله ـ يصغي الى هذا ويجيب ذاك ويحاور ثالثا ويوصل رابعا الى مفترق الطرق مما كان يستغرق وقتا مضاعفا .. كل ذلك اكراما واحتراما للآخرين .
محضته انسانا مخلصا وصديقا وفيا ، وفاضلا سخيا ، رقيق القلب ، نقي السريرة ، قوي الشكيمة ، صلب الأرادة ، يقول الحق ، وينطق بالصدق ، يامر بالمعروف ، وينهى عن الفحشاء والمنكر لم تأخذه في الله لومة لائم او غطرسة ظالم ، كلامه مبين ، وحجته دامغة ، وبرهانه ساطع ، وحكمه الفصل وقواعد العدل ، وسيرته حسنة ، وسريرته نقية ، ايمانه راسخ ، واحسانه عظيم ، حنانه شامل ، وكرمه حاتمي ، ووجدانه محمدي وهواه علوي ، صبره حسني ، ونهجه حسيني ، زهده وسجاياه ، طبائعه وخلائقه ، اخلاصه واستقامته ، حلمه وتقواه ، شعاره ودثاره وتطلعاته : ( زينبية باقرية صادقية موسوية رضوية تقوية نقوية عسكرية مهدوية ) ما انفك عنها لحظة ولم يفارقها رمشة عين . حتى مضى نقيا طيبا طاهرا الى لقاء الاحبة ، فائزا بالخلد عندما اختاره الحبيب الى جواره ومنعما في جنات تجري من تحتها الانهار . فنعم المثوى والمستقر ، ونعم المأوى والمنقلب .
وحتى هذه اللحظات :
كأنني اسمع صوته المدوي في الآفاق عبر الإذاعات العالمية والأسلامية وهو يتلو بصوته الاجش ، وحنجرته الخارقة «مقتل الامام الحسين ـ عليه السلام ـ الشهيد بكربلاء» مصورا تلك الملحمة التاريخية

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 39

ومفصلا احداثها للعالم اجمع ، مشيدا بالبطولات التي ابداها جند الحق تحت لواء قائدهم الثائر وامامهم الشهيد الحسين الخالد . بطل الاسلام ورمزه الشامخ . يذكرها ويذكّر بها ، ويعلق على ما جرى فيها من احداث رهيبة شهدتها عرصات الطفوف يوم شهر الاسلام سيف الحق بوجه اعتى العتاة . فصرع الباطل وانتصر الحق ، وامتد علم الاسلام خفاقا ليملأ الكون نوره ، ويكتسح الظلام والظالمين من طريقه اللاحب .
لا انساه ابدا وهو يستدر الدموع ، ويلهب الاكباد حتى لم يبق احد في يوم عاشوراء ، الا وانتظر سماع صوته الخالد ونفثات صدره ونشيج احزانه ، وتراتيل الحانه يرسلها من قلب مكلوم ، وصدر مألوم ، متسربلا بالبكاء على ما جرى على الحسين وآل الحسين ، فيبكي الملايين من محبي آل البيت والرسالة حينما يذكرهم بتلك الفواجع التي جرت في العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة ، وكيف تحمل اولئك الافذاذ عبء الدعوة الرسالية السماوية ، حيث قدموا ارواحهم قرابين على مذبح الحق والكرامة حتى استشهدوا عطاشى مجزرين كالاضاحي تسفي عليهم الريح وتحرق جسومهم حرارة الشمس .
رحمك الله ابا علي في الخالدين ...
وحشرك الله مع الحسين واصحاب الحسين ... في الآخرين .
ورزقنا الفوز معك ... فيا ليتنا فزنا بحسن المنقلب وحظينا بما حظيت به من نعيم مقيم ومقام كريم ، والسلام عليك وعلى عباد الله المخلصين الصالحين ورحمة الله .
* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 40




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 41

الشيخ الكعبي في دموع كربلاء

بقلم احد تلامذته

ولد الشيخ الكعبي في قرية كانت مستريحة بجوار ربوة من روابي كربلاء ، التراب الطاهر والطقس المقدس ، حيث تنمو الكرامة والعزة ، ويرتفع الشرف وتكتمل الاخلاق متالقة عالية تحت ظلال الشهادة والبطولة .. تحت قباب ابي الاحرار ومعلم الثائرين ابي عبد الله الحسين ـ عليه افضل الصلاة وازكى السلام ـ .
فهو ـ اي الكعبي ـ ابن العزة والكرامة والاباء . . عاش بين الجوع والريح والمطر .. تذوق مرارة الحرمان ، ومرارة السجون . . ومرارة الغربة ، كل ذلك من اجل الحق . . من اجل العدالة الاجتماعية . . من اجل ان يكون للظالم خصما ، وللمظلوم عونا .
كان في سن الخامسة عندما ادخله ابوه في الكتّاب ، والكتّاب عبارة عن مدرسة تجمع عددا من الاطفال تلقى عليهم فيها دروس الدين والاخلاق والعقيدة . . وتغرس في نفوسهم الصغيرة ، المبادئ الكبيرة ، لينشأوا اقوياء اشداء ، في عقيدتهم واخلاقهم ونظرتهم للحياة . .
في هذا المكان كان الشيخ الكعبي ينمو ، ويترعرع ويتدرج في سلم التكامل والأدب . . حتى برع في الفصاحة والبلاغة ، والقدرة على البيان منذ

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 42

نعومة اظفاره ، فكان يحفظ القرآن كله ، بالاضافة الى عشرات الألوف من القصائد والاشعار والامثال العربية ، مع دراية عميقة للأحاديث النبوية الشريفة ، ولفكر اهل البيت ـ عليهم افضل الصلاة وازكى السلام ـ .
كان ابوه الشيخ فلاح الكعبي ـ رحمه الله ـ من خيرة الرجال ، ومن الصالحين الذين تترك اعمالهم مودة في القلوب ، ومحبة في النفوس .
لقد نشأ الشيخ الكعبي في هذه الاجواء التي صنعت منه خطيبا مفوّها ، ورائدا من رواد الحق والفضيلة . لم تكن تاخذه في الله لومة لائم فكان يقول كلمة الحق ويجاهر بها ، حتى ولو كان ذلك يكلفه الاطاحة براسه ، او ايداعه في السجون . . ولعمري انه لشرط اساسي ان يكون الخطيب شجاعا وجريئا وباسلا .
نعم ، ان القدرة على الصراحة بالحق شرط اساسي في نجاح الخطيب وفلاح الداعية الاسلامي ، وذلك لسبب بسيط ، وهو : ان علاقة اللسان بالقلب تشبه علاقة الظل بالشمس ، فكلما كان القلب قويا وثابتا ، كان اللسان بليغا ومنطلقا . .
على ان قوة الجنان التي تقوي اللسان ، او قل : قوة اللسان التي تدل على قوة الجنان ، انما هي منحة وعطية من الله ، ولا ينالها إلا ذو ايمان واخلاص وصفاء .. لا ينالها إلا كل صادق كريم . . والصدق صفة ملازمة لقلوب المؤمنين الذين يخافون الله عز وجل ويخشونه .
يقول الحق : «الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احداً إلا الله»
[ الاحزاب : 39 ] .
ومن هنا نجد هذه الآية الكريمة قد ذكرت شرطا اساسيا في التبليغ الا وهو الخوف من الله لأن الخطيب الذي يخاف الله ، ويخشاه ، لا يخاف

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 43

احدا سواه ، ولا يخشى احدا غيره ، وهذه هي بحد ذاتها صفة طيبة تجعل من الشخص انسانا فريدا في مواقفه ، ووحيدا في عمله .
واني لأذكر جيدا ، كيف كان استاذنا الكبير الشيخ الكعبي يلقي بهذه المفاهيم علينا ونحن مجموعة من تلامذته ، فكان يحاول بشتى الطرق ان يغرسها في اعماقنا فنرتوي منها ونطلب المزيد .
وكان يفسر ذلك بقوله : ( ان اللسان يعتمد على القلب اعتمادا كليا الى درجة ان اللسان هو الذي يكشف عن حقيقة الانسان ) .
ثم يستطرد قائلا : انظروا الى امامنا ومولانا علي امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ كيف يصور هذه الحقيقة بقوله : ( تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت طي لسانه ) .
ويقول : ( ما اضمر ابن آدم شيئا إلا وظهر على فلتات لسانه وصفحات وجهه ) .
او كما يقول زهير ابن ابي سلمى :
ومهما تكن عند امرىء من خليقة وان خالها تخفى على الناس تعلم

وكان ـ رحمه الله ـ يستدل بتلك الآية التي جاءت في قصة يوسف ، فيقول : ان يوسف الصديق لم يكن ليصل الى تلكم المنزلة التي بلغها ، لولا لسانه ومنطقه .. وكل ذلك كان يعتمد على صدق يوسف وقوة قلبه ، حتى قال الحق سبحانه وتعالى : « فلما كلمه قال انك اليوم لدينا مكين امين » [ يوسف : 54 ] .
ثم يضيف الشيخ قائلا ، وهو يخاطب مجموعة من تلامذته الذين درسوا الخطابة عنده ، واخذوا دروس المنبر من تحت يديه ، كان يقول

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 44

لهم :
ان شدة الارتباط بين اللسان والقلب تجعلنا نأخذ الحالة النفسية التي يكون عليها الخطيب ساعة المنبر ، بعين الاعتبار ، فاذا كان الخطيب يشعر بضيق في صدره فانه لا ينبغي له ان يصعد المنبر وهو في هذه الحالة ، لأن ضيق الصدر يقتل القدرة على الابداع في المنبر وفي البيان .. بخلاف سعة الصدر وانشراحه ، وراحة النفس ، حيث يساعد ذلك على الانطلاقة في الخطابة والمنبر ـ وكل ذلك ـ والكلام ما زال للشيخ ـ نستفيده من القرآن الكريم ، حيث يقول في آيتين جاءتا على لسان نبي الله موسى ـ عليه السلام ـ ففي الآية الاولى يقول : « ويضيق صدري ولا ينطلق لساني »[ الشعراء : 13 ] .
فأكد الربط بين ضيق الصدر وتعثر اللسان ـ في حين انه بين في الآية الثانية ان انشراح الصدر ، يجعل اللسان متدفقا بالبيان ، فيقول : « قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي امري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي » [ طه : 25 ـ 28] .
وعندما يلقي هاتين الآيتين امامنا ، فانه كان يحذرنا ـ نحن الخطباء المبتدئين ـ ان نصعد المنبر من دون النظر الى هذه الحقيقة بعين الاعتبار .
كان يقول : لا يصعدن احدكم المنبر وهو في حالة مزاج رديء ، بل لابد للواحد منا ، ان يستعيد نشاطه وحيويته قبل الصعود على المنبر ، كأن يتوضأ ويصلي ركعتين ، ثم يبدأ باستنشاق عميق ، لأن استنشاق الهواء ، يحيي الخلايا في الدماغ ، وينشط الدورة الدموية ، بالاضافة الى الصلاة التي تشرح الصدر ، وتجعل الإنسان اكثر قدرة على البيان والخطابة ، بالإضافة الى ان الصلاة تضفي على الخطيب جوا من الخشوع ، وتخلع عليه

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 45

رداء السكينة والوقار قبل صعوده المنبر .
وعلى فكرة الخطابة ومدى تأثيرها في الناس ، فان الشيخ الكعبي كان يقول لنا : اجعلوا الامام زين العابدين اسوة لكم في الخطابة ، فانه قبل ان يصعد المنبر في الشام حدد مهمته بكلمات ، فقال : اصعد هذه الاعواد لأتكلم بكلمات فيهن لله رضا ولهؤلاء الجالسين اجر وثواب . فخط بهذه الكلمة الذهبية طريقا لكل الخطباء والوعاظ ، والمبلغين حيث يكون هدف الخطيب مصوبا نحو شيئين هما : رضا الله ، ونفع الجماهير . والكلام اذا كان يرضي الله ، فانه يؤثر في الناس تاثيرا ايجابيا وتربويا ، لأن رضا الله معناه ان المتكلم يخاف الله ويخشاه ، واذا كان يخاف الله ويخشاه فانه يصبح من رجال الاصلاح ، وحملة الرسالات والمبادئ ، بخلاف الذي لا يخشى الله ، ولا يخافه ، فانه يصبح رجل دنيا وطالب حطام ومادة ، فيتخذ من المنبر وسيلة للارتزاق والعيش ، وليس وسيلة لغاية سامية شريفة . . وهذا ما يسبب نفور الناس ، وانفضاضهم من حول الخطيب ، لان الخطيب بهذه الحالة ، يصير طالب مال ومادة ، وليس طالب حق وعدالة . . كما انه ليس هناك شيء اسرع في اسقاط الخطيب من نفوس الناس ، مثل الحالة المادية التي يلتصق بها بعض الخطباء فيحول المنبر ، الى متجر مادي ، وليس الى محراب للايمان والعقيدة .
ثم يضيف الشيخ عبد الزهراء الكعبي ـ رحمة الله عليه ـ قائلا : ومن هنا كان الشرط الاساسي في تبليغ رسالات الانبياء ، هو انهم لا يسألون الناس اجرا ماديا على ما يبلغون من رسالات الله ومناهجه ، وانما كانت الاجرة هي التقوى ، والمودة ، ومحبة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ : « قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى » [ الشورى : 23 ] .

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 46

هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، كان القرآن الكريم يشير الى حقيقة علمية ، ويكشف عن قاعدة في علم النفس الاجتماعي وهي ان الداعية او الخطيب ، اذا سأل الناس مالا مقابل اتعابه وتبليغه ، فان الناس سينفضون من حوله او يتركونه وحيدا ليس معه احد . يقول القرآن الكريم : « اتبعوا من لا يسئلكم اجرا وهم مهتدون »[ يس : 21]
فكانما طبيعة البشر انهم يتبعون الذي لا يطلب مالا ولا عقارا . وهذه حقيقة لا يرقى اليها الشك ، وقد جاءت هنا في حقل التبليغ ، وليس في غيره ، لاننا احيانا كثيرة نطلب المال من الناس بعنوان الحقوق الشرعية : « وفي اموالهم حق للسائل والمحروم » [ الذاريات : 19] .
ويقول : « والذين في اموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم » [ المعارج : 24 ـ 25 ] .
بل احيانا يكون اخذ المال بمثابة عملية تربوية ، ومحاولة جادة لتطهير النفوس ، من الشح والبخل والحرص والطمع ، بل من كل امراض النفس الامارة بالسوء ، يقول القرآن الكريم : « خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلوتك سكن لهم » [ التوبة : 103 ]
هكذا كان يتحدث الشيخ الكعبي مع طلابه ، وتلامذته الذين خرج منهم خطباء كبارا يشار اليهم بالبنان ، وقد كان لكلامه هذا اثر عظيم في نفوس طلابه وتلامذته ، لانه لم يكن كلاما فارغا بعيدا عن التطبيق ، وانما كان قولا مشفوعا بالعمل ، فالشيخ الكعبي ما كان يعامل احداً على اساس المادة واخذ المال في مقابل المنبر ابداً .. وانما كان يصعد المنبر لاداء رسالة مقدسة .. بل اكثر من ذلك ، فقد عرفناه اذا ساله احد اصحاب المجالس عن المقدار الذي يجب ان يقدمه اليه من المال ، فانه كان يرفض

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 47

القراءة ، ولا يصعد المنبر في مثل هذه الاجواء المادية اللزجة الدبقة ..
واكثر من ذلك فقد رايناه لا يفتح ظرفا فيه مال يعطى اليه من قبل اصحاب المجالس ، وانما كان يتركه في بيته كما هو ، دون ان ينظر اليه ، او يعده مثلا .
على انه كان في الغالب يعطي ما ياخذ من المنبر للفقراء والمساكين والمحرومين فيوزع المال ، على الاسر الفقيرة ، وهي كانت بالمئات ، حيث كان الشيخ الكعبي يرعاها بعطفه ورافته ، وكرمه وكبر نفسه ، فكان يتفقد العوائل الفقيرة ، وكان يدلف اليهم في اوقات خاصة ، لا يراه فيها احد ، ولا يعرفه احيانا حتى صاحب الحاجة ، فكان يقضي حوائج الناس دون ان يذكر لاحد منهم ماذا صنع وهذه لعمري ، من خصال الانبياء واخلاق اهل البيت ـ عليهم افضل الصلاة وازكى السلام ـ .
فاين نحن الآن من بعض الناس الذين يجعلون هذا الطريق المقدس ، طريق تجارة ومادة وطمع ؟! اعاذنا الله واياكم من رجفات الطمع ، وسورات الحرص والبخل والجبن ، فانها غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله .
وخلاصة الكلام : ان الخطيب الحسيني الذي يراه الكعبي ، انما هو صاحب رسالة ، وحامل مبدا لا يبتغي من وراء تبليغ رسالته الا رضى الله عز وجل ، وهذه نفحة طيبة ، من نفحات الشيخ الكعبي ـ رحمة الله عليه ـ التي كان يغمرنا بها بين فترة واخرى .. حتى تركت هذه النفحات في نفوسنا معينا لا ينضب ابدا ، وعطاء لا يعرف الانقطاع ، لانه عطاء متصل بالعطاء الكبير ، بالكوثر الذي لا يتوقف عن التدفق والجريان .
على ان هذه الكلمات ، انما هي نداء صادق من الشيخ عبد الزهراء الكعبي الى كل خطيب وداعية ، ان يجعل المنبر وسيلة مقدسة ، لغاية

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 48

شريفة ، وليس وسيلة للتجارة والربح والمادة .
واقراوا معي اذا شئتم قوله تعالى : «اتبعوا من لا يسئلكم اجرا وهم مهتدون » [ يس : 21 ] .
فصول من قصة حياة الشيخ الكعبي :
تبدا قصة حياة الشيخ الكعبي على الشكل التالي :
في كربلاء المقدسة .. كان الناس يرون شيخا طاعنا في السن ، يمسك بيده صبيا لم يبلغ الحلم ، تبدو عليه رقة الحال ، وآثار الحرمان .. فيذهب به الى احد الكتاب ـ او قل : دروس الكتابة ـ ، فيودعه عنده ليعلمه القراءة والكتابة ويفقهه في الدين .. وكان هذا الصبي يقبل على القراءة والكتابة اقبالا منقطع النظير ، كما كان يحظر جلسات حفظ القرآن الكريم ، فيحفظه في اقل من ستة اشهر ، وكان آية في الحفظ واتقان الدروس ، والقدرة على استيعابها ..
ثم استمرت الايام تمشي بالصبي في هذا الاتجاه ، حتى اذا بلغ اشده واستوى ، اخذ العلم يتدفق من جوانبه ، وارتحل صعودا في معارج الكمال ، وراح يتسلق سلم المجد .. ويقطع معارج العلم والحلم ، والفصاحة والشجاعة والبيان ، حتى غدا من اكابر الخطباء واعاظم العلماء ، ومن كبار الفقهاء والادباء .. لقد كانت منابره وخطاباته تهز الاسماع والقلوب.. بل تهز الجبال والنفوس .
واستمرت مدرسته تصدر العلماء وتربي الخطباء ، وتقدم للاجيال احسن عطاء .
وفي يوم وفاته ، كان احد الاولياء يرى في المنام ان فاطمة الزهراء ،

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 49

ـ سلام الله عليها ـ ، كانت تشارك في تشييع جثمانه الطاهر حيث وافته المنية وقضى نحبه بفعل رشفة قهوة مسمومة كان قد قدمها اليه بعض الاوغاد السفهاء من اولاد الادعياء ، فقضت عليه في اقل من ساعة يوم وفاة فاطمة ـ عليها السلام ـ .
فمن هو هذا الرجل العظيم ، او قل من هو هذا الطفل الذي راح يتدرج في سلم التكامل تدرجا سريعا فتغذى بروح الاسلام ، ورضع من ثدي الايمان والعقيدة ؟
تلكم كانت ، باختصار شديد ، قصة شيخنا الكعبي الذي كان خادما للحسين بحق واخلاص ، وصدق .
1ـ كان يوصينا بتقوى الله ، وكان يقول لطلابه وتلامذته : ان الخطيب لا يؤثر في الناس بكلامه فقط ، وانما يؤثر فيهم بالفاظه ونظراته ولسانه ، فاذا كان غاضا بصره عن محارم الله ، ووقف سمعه على العلم النافع له ، فانه يهز القلوب بقوة التاثير التي تتدفق من بيانه وسجاياه واخلاقه .
2 ـ كان قليل الاكل ، قليل النوم ، كثير العبادة والتهجد .. فقد كنت ارقب حياته على مقربة منه ، فاجد فيه شيخا ناسكا ، قارئا للقرآن ، ومن فطاحل القرّاء ، وشيوخ القراءة .
3 ـ ومن غرائب حياته ، انه لم يراجع عيادة طبيب ابدا .. وكان اكثر وقته سليما معافى ، فاذا اصيب بنكسة في صحته ، فانه يلجا الى الدعاء ويتداوى بتربة الحسين ـ عليه السلام ـ .
وهنا اود ان اشير الى ان السمهودي في كتابه وفاء الوفاء ، يذكر ان المسلمين كانوا يتداوون بتراب المدينة .. وكانت فاطمة الزهراء ـ عليها

السابق السابق الفهرس التالي التالي