تراث كربلاء 1




تراث كربلاء

تراث كربلاء 2




تراث كربلاء 3

سلمان هادي الطعمة


تراث كربلاء

طبعة مزيدة ومنقحة

منشورات

مؤسسة الأعلمى للمطبوعات

بيروت ـ لبنان

تراث كربلاء 4


الطبعة الثانية
1403 هـ ـ 1983م


تراث كربلاء 5


صورة المؤلف

تراث كربلاء 6


الأهداء


إلى القابسين من أنوارالفضيلة ، والواردين حياض البذل والفداء . إلى الواجفة قلوبهم، والواكفة مدامعهم ، والمتفطرة أكبادهم .
إلى زوار قبر أبي الشهداء الإمام الحسين بن علي عليه السلام .
أهدي هذه السطور جهداًَ متواضعاً في سلسة الجهود المبذولة لتعريف بتاريخ هذه المدينة المقدسة .

سلمان هادي آل طعمة


تراث كربلاء 7


منظر عام لمدينة كربلاء

تراث كربلاء 8

تراث كربلاء

هذه اضمامة عطرة تفضل بها الشاعرالمبدع
السيد مرتضى الوهاب مؤرخاً صدور الطبعة
الأولى من الكتاب.

أضـاء للناظر بـرق فجـلا ما قد توارى من فخار وعلا
و ما حـواه الطف في كنوزه من أدب مروق يحكي الطـلا
و انكشفت آثـار مـا شيـده عباقـر الفن لنـا من الأولى
أظهره ( سلمان ) بعد غيبـة كادت بـأن تأتي عليه فانجلى
فأن أهل البيت ـ و هو منهم أدرى بمـا في بيتهم مفصلا
بسعيـه و فـنـه و جهـده أرختـه ( يحيا تراث كربلا )
29 1101 253
1383هـ
كربلاء مرتضى السيد محمد الوهاب

تراث كربلاء 9

كلمة حجة الاسلام الشيخ آغا بزرك الطهراني

أتحفنا البحاثة القدير ، المؤرخ الكبير حجة الإسلام العلامة الشيخ محمد محسن الشهير بآغا بزرك الطهراني صاحب موسوعة ( الذريعة ) بهذه الكلمة القيمة .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى اوصيائه الإثنى عشر الائمة المعصومين من الآن إلى قيام يوم الدين .
وبعد ، فقد سرحت النظر عابراً بالنظرة العجلى هذا السفر النفيس الذي هو ( تراث كربلاء ) فوجدته اسماً طابق المسمى لاحتوائه على مالم يبحث عنه المتقدمون عليه من مؤلفي تواريخ كربلاء ، كيف وقد أبرزه إلى الوجود يراع الفاضل البارع الشاب اللبيب فضيلة السيد سلمان آل طعمة الحائري أداء لبعض حقوق وطنه ومسقط رأسه ، فأعرضنا عن الثناء عليه واكتفينا بالدعاء له بالتوفيق والتأييد لاخراج امثال هذا السفر الشريف ، ووفق أقرانه لاتباعه بإجراء قلمهم النزيه النظيف في هذه المواضيع ليجزيهم الله جزاء المحسنين .
حررته بيدي المرتعشة في مكتبتي العامة في النجف الأشرف يوم الجمعة المطابقة لأول الحمل من السنة الشمسية الخامس من شهر ذي القعدة الحرام عام ثلاثة وثمانين والف وأنا الفاني الشهير بآغا بزرك الطهراني .

تراث كربلاء 10

كلمة حجة الاسلام الاصفهاني الحائري


تكرم علينا حجة الإسلام الفيلسوف الكبير الحاج الشيخ محمد رضا الأصفهاني الحائري بكلمة بليغة عبر فيها عن انطباعاته لهذا الكتاب .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله آل الله .
وبعد : ان من أسباب فضيلة الكلام أن يكون الكلام في موضوع ذي فضل ولما كانت كربلاء من أفضل بقاع الدنيا ، فالتكلم في تاريخه من أفضل الكلام في التواريخ ، و قد تكلم جماعة في تاريخ هذا البلد المقدس ، ولكني مارأيت تلك التواريخ ، وإنما رأيت تاريخ ( تراث كربلاء ) الذي الفه الفاضل الشاب اللبيب والمهذب البارع الأديب السيد سلمان بن السيد هادي بن السيد محمد مهدي آل طعمة سلمه الله تعالى ، فوجدته في هذا الموضوع مؤلفاً جامعاً مشتملاً على كثير من الخصوصيات ، فقد تعرض لذكر عامري هذا البلد المبارك من العلماء والسادات والسلاطين وغيرهم ولبيان بعض خصوصيات الروضتين المقدستين روضة سيدنا الحسين عليه السلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام ولكثير من البقاع كبقعة السيد ابراهيم المجاب وبقعة حبيب بن مظاهر وبقعة الحر بن يزيد الرياحي وغيرها ولكثير من المدارس الدينية والمساجد والحسينيات ولكثير من المكتبات العامة

تراث كربلاء 11

والخاصة ولذكر كثير من اعاظم العلماء والاساطين وبعض مصنفاتهم ، ولجماعة من الادباء والشعراء وبعض طرائف اشعارهم . وفي الحقيقة يعد هذا من كتب التواريخ والتراجم والمعاجم والانساب والادبيات . وقد اتعب نفسه وصرف عمره وبذل مجهوده في جميع مافي هذا الكتاب من المصادر المتفرقة والموارد المتشتته ، فلله دره وعلى الله بره ، فليقدر مجهوده ويشكر سعيه ويعرف قدره . وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل سعيه هذا شرفاً لدنياه وذخيرة لعقباه وأن يحشرنا وإياه مع مشرف هذه البلدة المقدسة وجده وابيه وامه واخيه والائمة من ذريته وبنيه بجاههم وحرمهم فإنه ارحم الراحمين .
حرره احوج المربوبين إلى رحمة ربه الغني محمد رضا بن محمد التقي الاصبهاني يوم العشرين من ذي القعدة الحرام سنة 1383 هـ من الهجرة المباركة في كربلاء المعلى .

تراث كربلاء 12

كلمة البحاثة الكبير السيد حسن الامين


كربلاء المدينة المقدسة ذات التاريخ الحافل، بحاجة إلى التعريف بها والتنويه بشأنها بصورة تتفق مع مكانتها في الماضي والحاضر . وهذا ما قام به فريق من محققي هذه المدينة فألفوا عدة كتب تؤرخ لها وتدل عليها ، ومع ذلك فقد ظلت جوانب كثيرة منها بحاجة إلى تخصيصها بالعديد من البحوث والدراسات .
فكربلاء منذ اليوم الذي حل فيها ركب الحسين ، وصمم على الصمود في وجه الطغيان ونفذ تصميمه ، فغدت بذلك محجة للقلوب تهوي اليها من كل مكان . واصبحت ملتقى للألوف ينزلونها من كل فج عميق مستوحين من ذكرى صاحب القبر أسمى معاني الرجولة والبسالة والشمم ، ومستلهمين من روعة المكان ارفع مبادئ التحرر والتمرد على الطغيان والاستبداد .
ان كربلاء منذ ذلك اليوم حظيت بعناية المنقبين والباحثين والناثرين والشاعرين وكانت بذلك جديرة ، وظلت الاقلام تتعاقب على ذكرها من عصر إلى عصرحتى هذا العصر . فكان بين أيدينا من ذلك ذخيرة ثمينة ، وتشاء الأقدار لها أن تكون إلى جانب ما حظيت به من قداسة وتكريم ، وماقام فيها من مشاهد ومراقد ، أن تكون مبعثاً لنهضات علمية وفكرية وأدبية وسياسية . فقد جاء وقت كانت فيه مدرسة الشيعة الكبرى ومقر كبار مجتهديهم المدرسين المفتين . كما أنها لم تخل في كل عصر من حلقات علمية واسعة ومناهج تدريسية

تراث كربلاء 13

مطبقة ، فنبغ فيها العديد من رجال الفكر والقلم ، وشهدت الكثير من العلماء والشعراء ،كما شيدت فيها المعاهد والمدارس ، كما كانت مصدراً لعدد من الحركات السياسية والثورات الوطنية ، وقد كان كل ذلك داعياً لأن لا يكتفي بالوقوف عند حد معين من الكتاب والتأليف فيها ، على كثرة ماكتب والف . ومن هنا نهض واحد من أدبائها الاكفاء فأخذ على نفسه خدمة بلده خدمة خالدة والوفاء لها وفاء دائماَ فألف الكتاب الذي أسماه ( تراث كربلاء ) ذاك هو الأستاذ السيد سلمان هادي الطعمة الذي كتب كتابه مستهدفا احياء تراث كربلاء من جميع جوانب هذا التراث وطبع الكتاب طبعته الاولى ولقي مايستحقه من الرواج والإقبال عليه حتى نفذت الطبعة الاولى فعزم على اعادة طبعه مضيفا اليه ما فاته من قبل وما استجد ممالم يكن . وهو هذا الذي يراه القارئ بين يديه في الصفحات التالية .
ولن استبق القارئ فأدله على ما سيلقى في مطالعته مما يشوقه ويلذه بل اترك له أن ينكب على الكتاب منقباً مستطلعاً ، وأنا واثق من أنه سيخرج من ذلك بكل فائدة وكل متعة ، وسيتعرف على مختلف النواحي في هذا البلد المقدس التاريخي . وهذا ما يحملنا على تحية الكتاب والإشادة بجهوده ، واثقين من ان من واجب المثقفين جميعا ان يدرسوا بلدانهم كهذه الدراسة ليكون لنا من مجموع مايكتبونه تاريخاً مفصلاً للوطن ودليلا كاملا لكل جزء من أجزائه ، وأمامهم هذه التجربة الناجحة لهذا الكاتب الناجح .

بيروت حسن الأمين

تراث كربلاء 14

مقدمة الطبعة الأولى


لاشك ان الذين كتبوا عن تاريخ هذه المدينة المقدسة ، وما جرى عليها من الحوادث الدامية في مختلف العصور ، أسدوا خدمة كبيرة للعالم بتقديم ذلك التراث القيم الذي يخدم الإنسانية جمعاء ، فلذا حاز تقدير أرباب العلم وأساطين الفكر ورجال المبدأ والعقيدة وسواهم . ومع كل ذلك رأيت لزاماً علي أن أقوم بجمع ما يمكن جمعه كل مايخص ترايخ كربلاء الثقافي والسياسي والاجتماعي تخليداً لذكرى المفكرين الذين انجبتهم هذه الأرض الطيبة من علماء وشعراء وفلاسفة ورجال جهاد وسياسة وغيرهم ممن أقاموا للفكر وزناًً وقدموا تراثاً فيه عناصر إنسانية علينا أن نجدده ونعيد درسه ، وقد بقي تاريخ قسم من هؤلاء المفكرين مجهولاً ، لم يعرف عنه الملأ إلا النزر اليسير ، فآثرت وضع هذه البحوث المنشورة في الصحف والمجلات العربية في كتاب جامع باسم ( تراث كربلاء ) .
وغير خاف على القارئ اللبيب ان مدينة كربلاء لها تاريخ مجيد حافل بجلائل الأعمال ، ويضم أنصع الصفحات التي خط اسطرها أمير البلاغة والبيان ، ورجل البطولة والفداء الامام الحسين بن علي عليه السلام بكل ماحوت فيه من بطولة نادرة وجهاد لايشق إليه غبار .
وكربلاء في ماضيها العلمي والأدبي زاخرة بالمواهب الخلاقة ، وقد مرت في

تراث كربلاء 15

القرون الغابرة بمراحل وأدوار مختلفة ، مما عظم شأنها وسمت منزلتها في ميدان العلم والمعرفة ، حيث بلغت أوج عظمتها ، وكان سببه ظهور علماء ومفكرين رفعوا رأسها عالياً ، ولا تزال آثارهم تدرس حتى اليوم في معاهدنا العلمية كما وشهدت ساحات كربلاء قبل قرنين أو أكثر حركة علمية صاخبة لم تشهد لها مثيل من قبل ، حيث استقرت فيها الزعامة الروحية وذلك بوجود عدد غفير من أساطين العلماء ، حتى بدأت كربلاء تنافس النجف الاشرف في حركتها العلمية ، كما وشهدت مباريات خطابية وحلبات أدبية يعجز القلم عن وصفها ، ويكل اللسان عن الثناء عليها .
تتضمن مواد هذا الكتاب أحوال كربلاء منذ أول تشييدها وتدوين تطوراتها الاجتماعية والسياسية والعمرانية والعلمية والادبية ، وتضم تراجم أقطاب العلم الذين قدموا للإنسانية أعمالاً مجدية في الفكر والجهاد إلى غير ذلك من المواضيع الهامة المتعلقة بشؤون هذا البلد المقدس التي شغفت منذ الحداثة بجمعها وتدوينها .
ومهما يكن من امر ، فأنا أنتهز هذه الفرصة الثمينة لتقديم ما اختمر في الذهن ، وما شعرت به النفس من المواضيع والبحوث التي كانت مبعثرة هنا وهناك ، فأثرت إخراجها بهذا الشكل حرصا للفائدة العامة ، ورغبة في تحفيز هواة الادب والتاريخ وتوسيع طاقاتهم ، وقد توفرت لدي مصادر كافية غنية يعتمد عليها ما ينبغي ايراده من الشواهد والدلائل ، علماً بأن هناك عدداً من المخطوطات التي تتعلق بمواضيع الكتاب ، قد اطلعت عليها في مكتبات إيران والعراق . زد على ذلك إني استمعت إلى روايات المعمرين من الجيل الماضي ، وأحاديث ممن يروي عنهم طيلة السنين الخوالي .
وأخيراً لايسعني إلا أن أرفع اسمى أيات شكري وامتناني إلى كل من آزرني في هذا المشروع الضخم الذي يتطلب وقتاً طويلاً وعملاً متواصلاً من تقديم يد المساعدة إلي وأخص بالذكر فضيلة العلامة الكبير حجة الاسلام الشيخ آغابزرك الطهراني صاحب( الذريعة ) والاستاذ كوركيس عواد مدير مكتبة

تراث كربلاء 16

المتحف العراقي والاستاذ ضياء الدين ابو الحب وفضيلة العلامة الشيخ محمد علي اليعقوبي والشيخ كاظم ابو اذان والمحامي السيد عبد الصاحب شيقر والاستاذ عبد المجيد حسين السالم والاستاذ حسن عبد الامير المهدي ، وكلا من أبناء عمومتي السيد مجيد السيد سلمان الوهاب آل طعمة والمحامي السيد محمد مهدي الوهاب آل طعمة وغيرهم من رواد الفكر ومحبي الثقافة سائلاَ المولى العلي القدير أن يوفقهم في مسعاهم وأن يلهمهم التوفيق في خدمة العلم والادب والتاريخ ، والله هو الموفق .

كربلاء 10 شوال المكرم1383 هـ
23 شباط 1964 م
سلمان السيد هادي آل طعمة



تراث كربلاء 17

مقدمة الطبعة الثانية


بعد نفاذ الطبعة الاولى من كتابنا « تراث كربلاء » لقيت من لدن القراء الكرام إقبالاً كبيراً وتشجيعاً أعتز به ، لذا رأيت لزاماً علي أن أعيد طبعه مرة ثانية لرغبة الكثير من الاصدقاء المثقفين ، فأخذت على عاتقي إخراجه بثوب جديد بعد أن توفرت لدي معلومات قيمة ووثائق عظيمة الاهمية تلقي أضواء على بعض الاحداث التاريخية . كما انني حذفت من الكتاب بعض الافكار والمواضيع التي هي غير جديرة بالتسجيل ، حيث يغلب عليها طابع التشكيك في صحتها أو التي هي غير مرغوب في ادراجها ، وقد دعاني إلى تدوينها في الطبعة الاولى الاسراع .
ان هذه الطبعة الجديدة تمتاز بدقة المعلومات وصحة الاسانيد وروعة الاغراض وسمو الاهداف ، وقد خلت من الاخطاء التي وقعت فيها خلال الطبعة الاولى .
إنني لم أستهدف من وراء إخراج هذا الكتاب إلا خدمة للفكر وحفظاً للتراث العربي في هذه المدينة الشامخه المقدسة التي لعبت دورا مهما في تاريخ العرب قديما وحديثاً ، ولقيت من أحداث الدهر ما جعلها أنشودة في فم الزمان لانها صمدت كالطود الاشم دون أن تلين قناتها أو ترضخ أمام قوى الشر والعدوان .

تراث كربلاء 18

وكان في طليعة رجال الفكر الذين زودوني بالمعلومات النافعة وأرشدوني إلى محجة الصواب الأديب الكبير السيد صالح الشهرستاني ـ نزيل طهران ـ الذي نقد الكتاب بتفصيل ، كما أخص بالشكر السادة محمد حسن مصطفى الكليدار وابراهيم شمس الدين القزويني على توجيهاتهما واهتمامهما ، وكذلك جدي السيد أحمد السيد صالح آل طعمة حفظه الله الذي عاصر معظم الاحداث التي مرت بكربلاء وجالس أدباءها وعلماءها ويحتفظ لهم في ذاكرته الكثير من الطرائف المستملحة والحكايات اللطيفة التي كانت تتناقلها الاندية حينذاك .
وبعد أيها القارئ ، فهذه هي الطبعة الثانية من تراث كربلاء، آمل أن تلقى منك استحساناً ، وتترك في نفسك أثراً ، وتسترعي اهتمامك . فهو كتاب يجلو مآثر كربلاء واحداثها الضخام ، ويبرز صفحات مشرقة من بطولات رجالها العظام وعبقربات أدبائها الكرام .
والله اسأل أن يسدد خطانا إلى مافيه الخير والصواب.

كربلاء ـ العراق
10 ربيع الأول 1403 هـ
سلمان السيد هادي السيد محمد مهدي آل طعمة


تراث كربلاء 19

الفصل الاول

نظرة عامة في تاريخ كربلاء


في الواقع ان كربلاء اسم قديم في التاريخ ، يرجع إلى عهد البابليين ، وقد استطاع الؤرخون والباحثون التوصل إلى معرفة لفظة ( كربلاء ) من نحت الكلمة وتحليلها الغوي ، فقيل إنها منحوتة من كلمة ( كوربابل ) العربية ، وهي عبارة عن مجموعة قرى بابلية قديمة منها ( نينوى ) التي كانت قرية عامرة في العصور الغابرة ، تقع شمال شرقي كربلاء ، وهي الآن سلسة تلول أثرية ممتدة من جنوب سدة الهندية حتى مصب نهر العلقمي في الاهوار ، وتعرف بتلول نينوى . ومنها ( الغاضرية ) وهي الاراضي المنبسطة التي كانت مزرعة لبني أسد ، وتقع اليوم في الشمال الشرقي من مقام أو شريعة الإمام جعفرالصادق عليه السلام، على العلقمي بأمتار وتعرف بأراضي الحسينية . ثم ( كربله) بتفخيم السلام ، وتقع إلى شرقي كربلاء وجنوبها . ثم ( كربلاء أو عقر بابل ) وهى قرية في الشمال الغربي من الغاضرية ، وبأطلالها أثريات مهمة . ثم ( النواويس ) وكانت مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الإسلامي ، وتقع في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى . أما الأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء تعرف بـ ( كربلاء القديمة ) يستخرج منها

تراث كربلاء 20

أحياناً بعض الحباب الخزفية ، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها . وقد عبر عنها الإمام الحسين عليه السلام في خطبة مشهورة له وذلك عندما عزم السير نحو الكوفة :« وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا» (1) . ثم( الحير ) ومعناه اللغوي الحمى . ثم ( الحائر ) (2) وهي الأراضي المنخفضة التي تضم موضع قبر الحسين عليه السلام إلى رواق بقعته الشريفة ، وقد حار الماء حولها على عهد المتوكل العباسي عام 236 هـ . وكانت للحائر وهدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة وربوات متصلة في الجهات الشمالية الغربية والجنوبية منه تشكل للناظرين نصف دائرة مدخلها الجهة الشرقية ، حيث يتوجه منها الزائر إلى مثوى سيدنا العباس بن علي عليهما السلام (3) . وسميت كذلك بـ ( الطف ) لوقوعها على جانب نهر العلقمي ، وفيها عدة عيون ماء جارية منها الصيد والقطقطانية والرهيمة وعين الجمل وذواتها ، وهي عيون كانت اللموكلين بالمسالح التي كانت وراء الخندق الذي حفره شابور كحاجز بينه وبين العرب (4) . ومنها ( شفيه ) وهي بئر حفرتها بنو أسد بالقرب من كربلاء ، وأنشأت بجانبها قرية ، وكان الحسين عليه السلام عندما حبسه الحر بن يزيد الرياحي عن الطريق ، وأم كربلاء ، اراد ان ينزله في مكان لا ماء فيه ، قال اصحابه دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى أو هذه القرية يعنون الغاضرية أو هذه الأخرى يعنون شفيه . وان الضحاك بن عبد الله المشرفي عندما اشتد الأمر على الحسين عليه السلام يوم عاشوراء وبقي وحيداً استأذن الحسين عليه السلام بالانصراف لوعد كان بينهما ( أنه ينصره متى كان كثير الانصار ) فاستوى على ظهر فرسه فوجهها نحو العسكر ، فأخرجوا له واخترق صفوفهم ، ثم تبعه منهم خمسة عشر

(1) اللهوف في قتلى الطفوف ـ للسيد ابن طاووس ص 26 .
(2) دائرة المعاوف الاسلامية الفرنسية ـ انظر مادة ( حائر Hair ) .
(3) نهضة الحسين ـ للسيد محمد علي هبة الدين الحسيني ص 80 .
(4) معجم البلدان ـ لياقوت الحموي ـ مادة الطف .
تراث كربلاء 21

فارساً حتى جاء شفيه فالتجأ بها وسلم من القتل (1) . وتسمى بـ ( العقر ) وكانت به منازل بخت نصر ويوم العقر قتل به يزيد بن المهلب سنة 102 وكلها قرى متقاربة ، وقد روي أن الحسين عليه السلام لما انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد قال : (ما أسم تلك القرية وأشار إلى العقر فقيل له اسمها العقر فقال: نعوذ بالله من العقر ، فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها قالوا : كربلا فقال أرض كرب وبلاء وأراد الخروج منها فمنع حتى كان ماكان (3) وقد سبق أن نزلها أبوه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في سفره إلى حرب صفين وشوهد فيها متأملاً في مابها من أطلال وآثار فسئل عن السبب فقال ان لهذه الأرض شأناً عظيماً فها هنا محط ركابهم وهاهنا مهراق دمائهم ، فسئل في ذلك فقال : ( ثقل لآل محمد ينزلون ههنا ) (3) إلى غير ذلك من الأسماء التي وردت في التاريخ ، وليس باستطاعتنا استيفاء البحث عن قدمها (4) . وذكر ياقوت في كتابه ( معجم البلدان) بخصوص لفظة ( كربلاء ) وأوعزها إلى ثلاثة أوجه ، فقال ما نصه : «كربلا بالمد وهو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علي عليه السلام في طرف البرية عند الكوفة (5) » . فأما اشتقاقه فالكربلة رخاوة في القدمين ، يقال جاء يمشي مكربلاً فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك ، ويقال كربلت الحنطة إذا هززتها ونقيتها وينشد في صفة الحنطة :

(1) كربلاء في التاريخ ـ السيد عبد الرزاق عبد الوهاب آل طعمة ( الجزء الأول ) مخطوط ـ فصل اسماء كربلاء ـ ص 5ـ6 .
(2) معجم البلدان ـ ياقوت الحموي ج 6 ص 195
(3) الأخبار الطوال ـ للدينوري ص 250
(4) الطبري ـ لابن جرير ج 10 ص 118 مروج الذهب ـ للمسعودي ج 3 مزار البحار ـ للمجلسي ص 142 مجالي اللطف بأرض الطف ـ للشيخ محمد السماوي ص 3و4
(5) انظر مراصد الاطلاع في أسماء الأمكنة والبقاع ـ لابن عبد الحق البغدادي ج 3 ص 1154 .
تراث كربلاء 22

يحملن حمراء رسوباً للثقل قد غربلت وكربلت من القصل

فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك والكربل اسم نبت الحماض . وقال أبو وجزة السعدي يصف عهود الهودج .
وتامر كربل وعميم دفلى عليها والندى سبط يمور

فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نباته هناك فسمي به ، ونزل خالد كربلاء عند فتحه الحيرة سنة 12 هـ فشكى اليه عبد الله بن وثيمة البصري الذبان فقال رجل من أشجع في ذلك :
لقد حبست في كربلاء مطيتي وفي العين حتى عاد غثا سمينها
إذا رحلت من منزل رجعت له لـعمري وايهـاً انني لأهينهـا
ويمنعها من ماء كل شريعـة رفاق من الذبان زرق عيونهـا (1)

وقد وردت لفظة « كربلاء » في رسالة السيد حسن الصدر فقال : « انها مشتقة من الكربة بمعنى الرخاوة . ولما كانت أرض هذا الموضع رخوة سميت كربلاء أو من النقاوة من كربلت الحنطة إذا هززتها ونقيتها ولما كانت هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل سميت كربلاء . أو أن الكربل نبت الحماض كان كثير نبته في هذه الأرض فسميت به والأظهر من هذه الوجوه الثاني والأوسط (2) . ويرى فريق آخر من المؤرخين أن لفظة ( كربلاء ) مركبة من كلمتين آشوريتين هما :( كرب ) و ( ايلا ) ومعناها ( حرم الله ) ، وذهب آخرون إلى أن الكلمة فارسية المصدر ، فهم يرون أنها مركبة من كلمتين هما ( كار ) و( بالا ) ومعناهما العمل الأعلى أي العمل السماوي أو بعبارة أخرى

(1) معجم البدان ـ لياقوت الحموي ـ المجلد 7 ص 229
(2) نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ـ للسيد حسن الصدر ص 17 ( طبع الهند )
تراث كربلاء 23

محل العبادة والصلاة (1) ومن الاسماء التي أطلقت على كربلاء اسم ( النوائح ) وربما اشتق من كلمة النياح لكثرة البكاء والعويل منذ نزول الحسين عليه السلام فيها ، وذكر ياقوت الحموي في معجمه أبياتاً أنشدها الشاعر معن بن أوس المزني من قصيدة طويلة :
إذا هي حـلت كربلاء فلعلعـا فجوز العذيب دونها و النوائحا
فباتت نواها من نواك فطاوعت مع الشانئين الشانئات الكواشحا
توهمت ربعاً بالمعبر واضحـاً أبت قرّتـاه اليـوم ألا تراوحا (2)

ولابد لنا ونحن في معرض حديثنا عن تاريخ كربلاء القديم ، أن ننقل رأي الدكتور عبد الجواد الكليدار في هذا الصدد بشأن التعريف بأسماء كربلاء فقال : « وقد نعتت كربلاء منذ الصدر الاول في كل من التاريخ والحديث باسم كربلاء والغاضرية ، ونينوى ، وعمورا ، وشاطئ الفرات ، ورد منها في الرواية والتاريخ بإسم ماريه ، والنواويس ، والطف ، وطف الفرات ، ومشهد الحسين ، والحائر ، والحير إلى غير ذلك من الاسماء المختلفة الكثيرة ، إلا أن أهم هذه الاسماء في الدين هو ( الحائر ) لما احيط بهذا الإسم من الحرمة والتقديس او انيط به من اعمال واحكام في الرواية والفقه إلى يومنا هذا (3) » . وذكر صاحب دبستان المذاهب : ان كربلاء كانت في الزمن السالف تحوي بيوت نيران ومعابد للمجوس ويطلق عليها بلغتهم ( مه بارسور علم ) أي المكان المقدس (4) .

(1) موجز تاريخ البلدان العراقية ـ للسيد عبد الرزاق الحسني ص 61 و62 وانظر كتابه ( العراق قديماً وحديثاً ) ص 124
(2) معجم البلدان ـ لياقوت الحموي ( مادة كربلاء ) ، وانظر ( الأغاني ) لأبي الفرج الأصفهاني المجلد 12 ص 63
(3) تاريخ كربلاء ـ للدكتور عبد الجواد الكليدار آل طعمة ( الطبعة الثانية ) ص 23
(4) دبستان المذاهب ـ مجهول المؤلف طبع بَمْبَيْ 1262 هـ

الفهرس التالي التالي