تراث كربلاء 24

وتحدثنا المصادر ان هناك أسماء قرى كانت تحيط بكربلاء القديمة عند ورود الحسين عليه السلام لها سنة 61 هـ منها : عمورا و مارية وصفورا وشفية ، وقد اطلقت عليها بعد مقتل الحسين تسميات أخرى منها : مشهد الحسين أو مدينة الحسين والبقعة المباركة وموضع الابتلاء ومحل الوفاء (1) .
وقد سبق أن أوضحنا ان كربلاء هي أم لقرى عديدة تقع بين بادية الشام وشاطئ الفرات . ويحدثنا التاريخ أنها كانت من أمهات مدن بين النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس ـ الفرات القديم ـ وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً . وقد كثرت حولها المقابر كما عثر على جثث الموتى داخل أواني خزفية يعود تاريخها إلى قبل العهد المسيحي . أما الأقوام التي سكنوها فكانوا يعولون على الزراعة لخصوبة تربتها وغزارة مائها والسبب في ذلك هو كثرة العيون التي كانت منتشرة في ربوعها . وقد اخذت كربلاء تزدهر شيئاً فشيئاً سيما على عهد الكلدانيين والتنوخيين واللخميين والمناذرة يوم كانت الحيرة عاصمة ملكهم ، وعين التمر (2)البلدة العامرة ومن حولها قراها العديدة التي من ضمنها شفاثا .

(1) مدينة الحسين ـ محمد حسن الكليدار آل طعمة ( الطبعة الاولى ) ج 1 ص 14 .
(2) تقع غربي كربلاء وتبعد عنها 74 كيلومتراً في طريق ترابي وعر . ذكرها ياقوت الحموي في ( معجم البلدان ) ج 3 ص 759 فقال :« عين التمر بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له شفاثا منها يجلب القسب والتمر إلى سائر البلاد وهو بها كثير جداً وهي على طرف البرية وهي قديمة ». كما ورد ذكرها في « مراصد الاطلاع على أسماء الامكنة والبقاع » لابن عبد الحق البغدادي ج 2 ص 977 وهذا نصه :« عين التمر بلدة في طرف البادية على غربي الفرات وحولها قريات منها شفاثا وتعرف ببلدة العين أكثر نخلها القسب ويحمل منها إلى سائر الأماكن » .
وشفاثا مجموعة قرى نمت على حساب بلدة « عين التمر » التي هجرها سكانها بعد جفاف ينابيعها وهي ناحية من نواحي كربلاء واقعة في الجهة الغربية تسقيها الأنهار المنسابة من ينابيعها

=

تراث كربلاء 25

من كل ماتقدم تتجسد لنا المكانة الرفيعة التي منيت بها هذه البقعة المقدسة والمنزلة السامية التي حظيت بها بين بلدان العالم .
الانهار في كربلاء

هناك مصادر قديمة تؤكد على وجود أنهار كانت تروي المزارع في كربلاء ، إلا أنها طمست بمرور الزمن ولم يبق منها غير الآثار ، اللهم سوى نهر الحسينية الذي مازالت مياهه تتدفق فتحمل الخيرات والبركات إلى المدينة . ومن بين هذه الأنهار التي اندثرت بسبب ترسبات الغرين الذي كان يحمله الفرات خلال موسم الفيضان من كل عام هي :
النهرين

وهو فرعان يشتقان من عمود الفرات كانا يجريان في كربلاء قديماً ، وقد ورد ذكرها في كتب المؤرخين الذين تطرقوا إلى مأساة الحسين ومنهم أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ( مقاتل الطالبين ) وابن كثير في كتابه ( البداية والنهاية ) وابن شهر آشوب في كتابه ( المناقب ) والطبري في تاريخه المعروف .
نهر العلقمي

وكان يسقي كربلاء قديماً نهر العلقمي ، وهو اليوم من الآثار المندرسة أيضاً .

= المعدنية المتفجرة . وقد بلغ عدد سكانها حوالي 10 آلاف نسمة هاجروا إليها من المناطق البعيدة والمجاورة ، وعدد القرى ( القصور ) سبعة عشر قصراً سميت أغلبها بأسماء العشائر والرؤساء من الذين سكنوها .
أما اليوم فقد أصبحت عين التمر قضاءاً تابعاً لمحافظة كربلاء وتبعد عنها مسافة (70) كيلو متراً وطريقها معبد بالأسفلت وفيها دار للاستراحة . ولأهالي عين التمر ارتباطات وثيقة بأهالي كربلاء ، لاسيما وان عدداً كبيراً من مالكي البساتين هم من أهالي كربلاء .
تراث كربلاء 26

فقد ذكر المسعودي في التنبيه والاشراف وكاتب البريد ابن خر داذبه في المسالك : إذا جاز عمود الفرات هيت والأنبار ( يقابل الثاني الأول في الضفة الغربية ) فتجاوزهما فينقسم قسمين : منها قسم يأخذ نحو المغـرب قليلاً المسـمى ( بالعلقمي ) إلى أن يصير إلى الكوفـة (1) .
يروي السيد عبد الحسين الكليدار في كتابه ( بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ) عن آثار العلقمي فيقول : وآثار العلقمي الباقي منه اليوم ـ على ما وقفت عليه ـ إذا انتهى إلى شمال ضريح عون اتجه إلى الجنوب ، حتى يروي ـ الغاضرية لبني أسد ـ والغاضرية على ضفته الشرقية ، وبمحاذاة الغاضرية شريعة الإمام جعفر ابن محمد عليه السلام على الشاطىء الغربي من العلقمي . وقنطرة الغاضرية تصل بينه وبين الشريعة ثم ينحرف إلى الشمال الغربي ، فيقسم الشرقي من مدينة كربلاء بسفح ضريح العباس عليه السلام إذا استشهد مايلي مسناته . فإذا جاوزه انعطف إلى الجنوب الشرقي من كربلاء ماراً بقرية نينوى وهناك يتصل النهر ( نينوى والعلقمي ) فيرويان مايليهما من ضياع وقرية شفيه فيتمايلان بين جنوب تارة وشرق أخرى ، حتى إذا بلغ خان الحماد ـ منتصف الطريق بين كربلاء والغرى ـ اتجها إلى الشرق تماماً وقطعا شط الهندية بجنوب برس وحرقة ـ وأثرهما هناك مرئي ومشهور ـ حتى يشتقان شرقي الكوفة (2) .
وحكي في ( الكبريت الأحمر ) عن السيد مجد الدين محمد المعروف بمجدي من معاصري الشيخ البهائي في كتابه ـ زينة المجالس ـ المؤلف سنة 1004 هذا نصه : ان الوزير السعيد ابن العلقمي لما بلغه خطاب الصادق عليه السلام للنهر « إلى الآن تجري وقد حرم جدي منك » أمر بسد النهر وتخريبه ، ومن أجله حصل خراب الكوفة لأن ضياعها كانت تسقى منه (3) .

(1) التنبيه والاشراف : للمسعودي ص 47 .
(2) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ( مطبعة الارشاد ـ بغداد ) ( 31/ 4 / 1966 م) ص 82 .
(3) الكبريت الأحمر ـ نقلاً عن زينة المجالس لمحمد مجدي .
تراث كربلاء 27

وفي ( مصباح المتهجد ) « ان الصادق عليه السلام قال لصفوان الجمال : إذا أتيـت الفـرات ( أعني شرعة الصادق بالعلقمي ) فقل اللهم أنت خيـر من وفـد الـخ » (1) .
ولهذا يؤكد الشاعر السيد جعفر الحلي مصرع العباس عليه السلام جنب العلقمي بقوله :
وهوى بجنب العلقمي فليته للشاربين به يداف العلقم

وذهب فريق آخر من المؤرخين إلى الاعتقاد بأن القسم المحاذي من هذا النهر لطف كربلاء قد كلف بحفره رجل من بني علقمة بطن من تميم ثم من دارم جدهم علقمة بن زرارة بن عدس فسمي النهر بالعلقمي ، وذلك في أواخر القرن الثاني الهجري ، وبذلك قال الشريف محمد بن علي الطباطبائي الشهير بالطقطقي في تاريخه الفخري عند ذكره ترجمة حال أبي طالب مؤيد الدين ابن العلقمي الوزير العباسي على عهد المستعصم وهولاكو الايلخاني انه سمي بابن العلقمي نسبة إلى جده علقمة الذي قام بحفر نهر العلقمي . والفريق الثاني من المؤرخين سموا النهر بإسم العلقم فذكر النويري في كتابه ـ بلوغ الأرب في فنون الادب ـ ان نهر الفرات بعد اجتيازه الانبار ينقسم إلى قسمين : قسم يأخذ نحو الجنوب قليلاً وهو المسمى بالعلقم ، وذلك لكثرة العلقم ( الحنظل ) حول حافتي النهر (2) والعلقم بالفتح والسكون يطلق على كل شجر مر ( الحنظل ) وما عداه من غير فارق ، والعلقمة المرارة ، يخال لي لشدة ما كان العرب يكابدون من مرارة ماء آبار الجزيرة حتى تخوم الجزيرة ومياه عيون الطف ثم ينهلون عذب نمير هذا النهر فلبعد شقة البين بالضد أطلقوا عليه اسم ( العلقمي ) (3) .
وقد أورد الشهيد ابن طاووس روايات بخصوص زيارات الحسين عليه السلام غير

(1) انظر : قمر بني هاشم ـ للسيد عبد الرزاق المقرم ص 121 نقلاًَ عن مصباح المتهجد الشيخ الطوسي ص 499 .
(2) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة / ج 2 ص 4 و5 طبع طهران.
(3) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء / عبد الحسين الكليدار آل طعمة / ص 83 و84 .
تراث كربلاء 28

مقيدة ( إذا أردت زيارة الحسين عليه السلام في كربلاء ووردت قنطرة العلقمي فقيل إليك اللهم قصد القاصد الخ ) .
وجاء في تاريخ آل سلجوق لعماد الدين الأصفهاني المؤرخ الإسلامي الذي عاش في القرن الثامن الهجري ان جدول العلقمي كان يمر بالمشهديـن أي كربلاء والنجف (1) .
وقد بقي نهر العلقمي حتى عام 697 هـ ثم علته الرمال والأوحال مماعرقل جريان الماء فيه ، وتروي بعض المصادر القديمة ان السلطان محمود الغزنوي قد أرسل وزيره علي الجويني إلى كربلاء فأمر بتطهير نهر العلقمي وإزالة الرمال والطمى منه ، وعاد الماء في واديه متدفقاً . وفي عام 915 هـ عادت الرمال تعلو هذا النهر وتوقفه عن الجريان .

نهر نينوى

ومن الأنهار الاخرى التي كانت تروي هذه التربة الطاهرة نهر نينوى الذي كان يتفرع من عمود الفرات مايقارب الحصاصة وعقر بابل ، بين شمال سدة الهندية وجنوب قضاء المسيب من نهر سوري ثم يشق ضيعة ام العروق ، ويجري جنوب كرود أبو حنطة ( أبو صمانة ) وتقاطع مجراه باقياً إلى يومنا هذا ، ويعرف بعرقوب نينوى . ويقال ان البابليين هم الذين حفروا هذا النهر مع تشكيل قرية نينوى باسم عاصمة الآشوريين التي كانت تعرف ( كربا ـ ايلو ) ابان حكمهم .
النهر الغازاني

ومن الأنهار المندرسة الاخرى النهر الغازاني نسبة إلى غازان خان من آل

(1) مدينة الحسين / ج 2 ص 4و5 .
تراث كربلاء 29

جنكيز أحد ملوك التتر الذين حكموا العراق بعد سقوط الخلافة العباسية ، فأمر غازان بتجديد نهر العلقمي وتقريب مأخذه من الفرات ، وقد بتر المغول القسم الأعلى من مجرى النهر وأوصلوا القسم الآخر بالنهر الذي حفره غازان من فرات الحلة ولم يستسيغوا بقاء اسم العلقمي على هذا النهر ، لاسيما وقد طرأ عليه الكثير من التغيير والتبديل كما نص على ذلك ابن الفوطي في حوادث سنة ثمان وتسعين وستمائة بقوله : فيها سار السلطان غازان إلى العراق وجعل طريقه على جوخا وسير بعض العسكر إلى بطائح واسط ، فحصروا الأعراب وأكثروا القتل فيهم والنهب والسبي وغنموا أموالهم ، وعين جماعة لملازمة أعمال واسط ومنع من تخلف من العرب عن الفساد ، ثم توجه إلى الحلة وقصد زيارة المشاهد الشريفة وأمر للعلويين والمقيمين بها بمال كثير ، ثم أمر بحفر نهر بأعلى الحلة فحفر وسمي النهر الغازاني تولى ذلك شمس الدين صواب الخادم السكورجي وغرس الدولة ابن .... ثم سار إلى بغداد (1) وسمي بالغازاني تخليداً لذكرى حافره غازان المذكور .

نهر السليماني ( الحسينية )

أما النهر السليماني ( الحسينية ) فقد أنشأه السلطان سليمان القانوني العثماني سنة 941 هـ / 1534 م . ذكر المستر لونكريك في كتابه ( أربعة قرون من تاريخ العراق ) ان السلطان سليمان كانت غايته الثانية أن يزور العتبات المقدسة في الفرات الاوسط ، ويفعل هناك أكثر مما فعله الزائر الصفوي في العهد الأخير ، فوجد مدينة كربلاء المقدسة حائرة في حائرها بين المحل والطغيان . إذ كان الفرات الفائض في الربيع يغمر الوهاد التي حول البلدة بأجمعها من دون أن تسلم منه العتبات نفسها . وعند هبوط النهر كانت عشرات الألوف من الزوار يعتمدون

(1) الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة / لأبي الفضل عبد الرزاق بن الفوطي ص 497 و498 طبع ببغداد 1351 هـ.
تراث كربلاء 30

على الاستسقاء من آبار شحيحة قذرة . فرفع مستوى ( روف السليمانية ) . وهي سدة ماتزال تقوم بعملها حتى اليوم لوقاية البلدة من الفيضان ، ثم وسع الترعة المعروفة بالحسينية وزاد في عمقها لكى تأتي بالماء المستمر ، ولتجعل الأراضي الخالية المغبرة حولها بساتين وحقولاً يانعة للقمح . وصارت هذه الترعة تنساب في أرض كان الجميع يظنونها أعلى من النهر الأصلي . فاستبشر الجميع بالمعجزة واقتسم الحسين الشهيد والسلطان القانوني جميع الثناء والإعجاب . وبعد أن زار سليمان قبر الإمام علي في النجف رجع إلى بغداد (1) . ويعقب عباس العزاوي على ذلك بقوله : نهر الحسينية هذا النهر من أعظم أعمال السلطان سليمان القانوني كان يسمى باسمه ( النهر السليماني ) والآن يسمى بالحسينية أجراه إلى كربلا فأحياها ولم يوفق السلاطين السابقون أيام غازان وغيره ومنهم الشاه اسماعيل والشاه طهمـاسب (2) الخ . وبتبرع زوجة محمد شاه القاجاري ملك ايران أنفذ نهر الرشدية وذلك عام 1259 هـ فسمي الفرع عند ذاك بأسم الرشدية(3) . اما الفرع الثاني لهذا النهر فسمي بالهنيدية ويسير باتجاه جنوب مدينة كربلاء . ومما يذكر بهذا الصدد أن الرحالة الميرزا أبو طالب خان بن محمد الأصفهاني الذي قدم إلى بغداد في غرة

(1) أربعة قرون من تاريخ العراق للمسترلونكريك ـ ترجمة جعفر الخياط ص 39 ( الطبعة الرابعة ـ مطبعة المعارف ـ بغداد 1968 م ).
(2) تاريخ العراق بين احتلالين عباس العزاوي ج 4 ص 36 ـ 37
(3) من الذين خدموا كربلاء العالمان الفاضلان السيد ميرعلي الطباطبائي صاحب الرياض والسيد كاظم الرشتي ، حيث طلب الأول مساعدات من الهند بعد هجرم الوهابيين على كربلاء عام 1216 هـ ونهبهم المدينة وتخريبهم إياها . وقد لبى طلبه ، حيث استطاع إثر وصول الأموال المرسلة اليه ان يشيد سور المدينة لحفظها من الغزوات في المستقبل .وكان السيد كاظم ابن السيد قاسم الرشتي قد طلب المساعدات من بعض وجوه إيران بغية توسيع هذه الشاخة وإيصال الماء إلى مرقد الحر الشهيد الرياحي ، وبعد وصولها أكمل توسيم هذا الفرع الذي يبدأ من قنطرة باب الطاق فسمي بالرشتية ، وعرف فيما بعد بالرشدية ، وقد أشرف على كري هذا النهر المرحوم السيد مهدي بن السيد محمد الطباطبائي الشهير بالنهري وتعرف اسرته اليوم بآل السندي .
تراث كربلاء 31

شوال 1217 هـ ( 17 كانون الثاني 1803 م) وبعد أيام غادرها لزيارة سامراء ثم عاد إلى بغداد ، وأخيراً بارحها في 4 ذي القعدة 1217هـ أول آذار 1803 م لزيارة الاضرحة التي في كربلاء والنجف قال ما تعريبه : وبعد أن قمت بواجب الزيارة في كربلاء بارحتها قاصدا النجف بطريق الحلة فقدمت اليها في اليوم نفسه ولاقيت في طريقي جدولين أولهما يقال له النهر الحسيني ( الحسينية ) على بعد أميال قليلة في كربلاء وكان حفره بأمر السلطان مراد ( كذا وصححه السلطان سليمان ) والثاني من النهرين يقال له نهر الهنيدية أو الآصفي لأن النواب آصف الدولة حفره بنفقاته وهو أعرض من النهر الحسيني والغاية من حفره إيصال الماء إلى مرقد الإمام علي . وقد بلغت نفقات هذا الجدول حتى الآن عشرة لكوك من الروبيات مع أنه لم يصل بعد إلى النجف لأن باشا بغداد والرجل الذي ولاه الباشا الإشراف على العمل جعلا النهر يمر بالكوفة وغيرها من المدن عوضاً عن جعله يجري مستقيما وقد بقيت أربعة أميال لإيصاله إلى المحل والأعمال متداولة عليها .. الخ (1).
أما حادثة مصرع الحسين بن علي عليه السلام ، فهي مناهضة لحكم الطاغية يزيد بن أبي سفيان ، وتعد من أشهر حوادث التاريخ الإسلامي . وقد حدثت في اليوم العاشر من محرم الحرام سنة 61هـ ( 680 م) فاستشهد مع اهل بيته واصحابه ودفن في هذه البقعة الطاهرة في الموضع الذي يعرف بالحائر .
وضريح الحسين عليه السلام يقام اليوم وسط صحن عظيم تعلوه القبة المنورة والمآذن المغشاة بالذهب الابريز ، فتتلألأ روعة وبهاء .

(1) رحلة أبي طالب خان ص 292 و 293 . ترجمها من الفرنسية إلى العربية الدكتور مصطفى جواد ( بغداد 1970 ) .
تراث كربلاء 32

تاريخ الروضة الحسينية

عندما قصد الإمام الحسين بن علي عليه السلام العراق سنة 61 هجرية مع اهله واصحابه الغر الميامين ، لم يكن في كربلاء للعمران اثراً يذكر ، إلى ان قتل الحسين عليه السلام في العام نفسه ودفن في الحائر المقدس .
يذكر بن كثير القرشي في ( البداية والنهاية ) ان مقتل الحسين رضي الله عنه كان يوم الجمعة يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين . وقال هشام ابن الكلبي سنة اثنتين وستين وبه قال علي بن المديني وقال ابن لهيعة سنة اثنتين او ثلاث وستين وقال غيره سنة ستين الصحيح الأول ، بمكان من الطف يقال له كربلاء ارض العراق وله من العمر ثمان وخمسون سنة او نحوها واخطأ ابو نعيم في قوله : انه قتل وله من العمر خمس اوست وستون سنة (1) .ويشير ابن قولويه : ان الذين دفنوا الحسين عليه السلام اقاموا لقبره رسماً ونصبوا له علامة وبناء لاينـدرس اثره (2). وفي عهد بني امية وضعت على قبره المسالح لمنع الزائرين من الوصول إلى القبر المطهر .وكان القبر مطوقاً بمخافر تتولى المهمة السالفة الذكر .
ان اول من زار الحائر المقدس عبيد الله بن الحر الجعفي لقرب موضعه منها . فوقف على الأحداث ونظر إلى مصارع القوم فاستعبر باكياً ورثى الحسين بقصيدة معروفة :
يقول امـير غادر وابن غـادر ألا كيف قاتلت الشهيد ابن فاطمه
فوا ندمي ان لا اكون نصرتـه ألا كـل نفس لا تسـدد نـادمه
ويا ندمي إن لم اكن مـن حماته لذو حسرة ما ان تفارق لازمـه

(1) البداية والنهاية لابن كثير القرشي ج 8 ص 198
(2) كامل الزيارة لجعفر بن قولويه ص 133
تراث كربلاء 33

سـقى الله ارواح الـذيـن تـآزروا على نصره سقيـاً من الغيث دائمـه
وقفـت على اجـداثـهم ومحالهـم فكاد الحشـا ينفض والعين ساجمـه
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى سراعاً إلى الهيجـا حماة حضارمـه
تأسـوا على نصر ابن بنت نبيهـم بـأسيافهم آسـاد غـيل ضراغمـه
فـإن تقبلوا من كـل نفس زكيـة على الارض قد اضحت لذلك واجمه
وما ان رأى الراؤون اصبر منهـم لدى الموت سادات وزهـرا قماقمـه (1)

ويروى عن الصحابي الجليل الضرير جابر بن عبد الله الانصاري انه قال لقومه عندما زار قبر الحسين عليه السلام يوم 20 صفر سنة 62 هجرية مع جماعة من المسلمين من اهل المدينة واجتمع بنفس السنة بالإمام السجاد عليه السلام : (ألمسوني القبر(2) ). ويروى عن ابي جعفر محمد الصادق عليه السلام: إذا اتيت الحائر فاعبر القنطرة واغتسل في الفرات وضع رجلك في الغاضرية (3) . ويستدل من ذلك ان الصادق عليه السلام كان يحث شيعته على الإكثار من زيارة الحائر ويأمرهم باتخاذ المقام بنينوى او الغاضرية ، ويروي ابو حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام بأنه قال « إذا اردت الوداع بعد فراغك من الزيارات فأكثر منها مااستطعت ، وليكن مقامك بنينوى او الغاضرية ، ومتى اردت الزيارة فاغتسل وزرة الوداع » (4) وفي ( المزار ) بسنده عن صفوان بن مهران الجمال عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال :« إذا اردت قبر الحسين في كربلاء قف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر ثم ادخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الرأس ثم اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين عليه السلام ثم توجه إلى الشهداء ثم امش حتى تأتي مشهد ابي الفضل العباس فقف على باب السقيفة وسلم » (5)

(1) خزانة الادب للبغدادي ج 2 ص 138 ( الطبعة السلفية ).
(2) تاريخ قمقام لفرهاد مرزا ( فارسي ) ص 495
(3) كامل الزيارة لجعفر بن قولوية ص 221 وانظر مزار البحار للشيخ محمد باقر المجلسي ج 10 ص 145 ( طبع كمبني )
(4) كامل الزيارة لجعفر بن قولوية ص 253 و 254
(5) مزار بحار الانوار للشيخ محمد باقر المجلسي ص 179
تراث كربلاء 34

يستبان من الرواية آنفة الذكر وجود مسجد الحسين وسقيفة تظللها شجرة السدرة ايام العهد الاموي واواخره . وفي ايام ابي العباس السفاح خليفة بني العباس الاول ، فسح المجال لزيارة قبر الحسين وابتدأ عمران القبر في ذلك الحين . يروي محمد بن ابي طالب في كتابه ( تسلية المجالس وزينة الجالس ) عند ذكره لمشهد الحسين عليه السلام :« انه اتخذ على الرمس الاقدس لعهد الدولة المروانية مسجداً » (1) .

الحائر الحسيني في العصر العباسي

لم يزل القبر تمتد اليه يد العدوان بعد عهد بني امية ، وفي زمن بني العباس فقد ضيق الرشيد الخناق على زائري القبر ، وقطعت شجرة السدرة التي كانت عنده وكرب موضع القبر (2) . كما ان الرشيد هدم الابنية التي كانت تحيط بتلك الاضرحة المقدسة وقطع السدرة التي كان يستدل بها الزوار موضع القبر ويستظلون تحتها . اما في فترة عام ( 236 ـ 247 هـ ) فقد كان القبر الشريف عرضة إلى تعرض وتنكيل المتوكل العباسي ، حيث احاط القبر بثلة من الجند لثلا يصل الزائرون اليه ، وامر بتهديم قبر الحسين عليه السلام وحرث ارضه واسال الماء عليه ، فحار الماء حول القبر الشريف ، واقام في المسالح اناساً يترصدون لمن يأتي لزيارة قبر الحسين او يهتدي إلى موضع قبره (3) . وعلى ذكر المتوكل فقد ادلى المجلسي في (البحار) برأيه عن ابي المفضل عن علي بن عبد المنعم بن هرون الخديجي الكبير من شاطئ النيل ، قال حدثني جدي القاسم بن احمد بن معمر الاسدي الكوفي ، وكان له علم بالسيرة وايام الناس قال بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم ان أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره

(1) نزهة اهل الحرمين في عمارة المشهدين للسيد حسن الصدر ص 28 ( طبع الهند ) نقلا عن تسلية المجالس .
(2) نزهة اهل الحرمين ص 61 .
(3) تاريخ كربلاء المعلى للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص 13 طبع النجف 1349 هـ
تراث كربلاء 35

منهم خلق كثير فأوفد قائداً من قواده وضم اليه كتفاً من الجند كثيراً ليشعب قبر الحسين عليه السلام ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره فخرج القائد إلى الطف وعمل بما امر ذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين فثار اهل السواد به واجتمعوا عليه وقالوا لو قتلتنا عن آخرنا لما مسك من بقي مناعن زيارته وراموا من الدلائل ماحملهم على ماصنعوا فكتب الأمر إلى الحضرة فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مظهراً ان مسيره اليها في مصالح اهلها والا نكف إلى المصير فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين فبلغ المتوكل ايضاً مصير الناس من اهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام . وانه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق كبير فأوفد قائداً في جمع كثير من الجند وامر منادياً ينادي براءة الذمة فمن زار قبره ونبش القبر وحرث ارضه وانقطع الناس عن الزيارة وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة فقتل ولم يتم له ماقدره (1) . وفي شوال من سنة 247 هـ قتل المتوكل من قبل ابنه المنادي (المنتصر ) فعطف هذا على آل ابي طالب واحسن اليهم وفرق فيهم الأموال واعاد القبور في ايامه إلى ان خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد بن الحسن فأمر محمد بعمارة المشهدين مشهد امير المؤمنين ومشهد ابي عبد الله الحسين وامر بالبناء عليهما . وبعد ذلك بلغ عضد الدولة بن بويه الغاية في تعظيمها (2). ومنذ ذلك الحين اخذ عمران القبر يتقدم تدريجياً ، وانطلق العلويون يفدون إلى القبر والسكنى بجواره ، وفي مقدمتهم السيد ابراهيم المجاب الضرير الكوفي ابن محمد العابد ابن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وهو اول علوي وطأت قدماه ارض الحائر الشريف فاستوطنها مع ولده وذلك سنة 247 هـ . روى السيد حسن

(1) بحار الأنوار / للمولى محمد باقر المجلسي ج 45 ص 397 ( المطبعة الاسلامية ـ طهران ربيع الأول 1385 هـ ) .
(2) نزهة اهل الحرمين ص 17 .
تراث كربلاء 36

الصدر فقال : فاعلم ان آل ابراهيم ويقال له ابراهيم الضرير الكوفي ابن محمد العابد بن موسى الكاظم عليه السلام اول من سكن الحائر فيها ولم اعثر على من تقدم في المجاورة عليهم فإن علماء النسب كلهم ينسبون محمد بن ابراهيم المجاب بالحائري ويصفون ابراهيم المجاب نفسه بالكوفي ، وفي بالي اني رأيت انه كان ابراهيم المجاب الضرير مجاوراً بالحائر وبه مات وقبره هناك معروف لكني لا اذكر الكتاب الذي رأيت فيه ذلك ، لكن نص الكل على ان ابنه محمد الحائري كان في الحائر وعقبه بالحائر كلهم ... الخ (1) والسيد ابراهيم المجاب هذا هو الجد الأعلى لسادات آل فائز في الحائر الحسيني الشريف .
وتولى الخلافة بعد الراحل المنتصر بالله ابو جعفر محمد بن المتوكل وعند توليه انعم على حاشيته والغى اساليب ابيه وطريقته الممقوتة وسلك بالرعية مسلكاً مرضياً واحسن إلى العلويين وقربهم واكثر من تكريمهم وتعظيمهم واجزل لهم العطاء ورفع من قلوبهم الكدر الذي نابهم من جراء تصرفات ابنه وعمر اضرحة ومراقد الإمام الحسين رضي الله عنه وشهداء كربلاء وظل يتفقدها ويرعاها وأذن بزيارتهم كالسـابق (2) . وفي عام 273 هـ تداعت بناية المنتصر ، فقال بتجديدها محمد بن محمد بن زيد القائم بطبرستان ثم شيدها الداعي العلوي قبة على القبر لها بابان وبنى حولها سقفين واحاطهما بسور وكان ذلك عام 280 هـ .

الحائر في الدور البويهي

وفي عام 371 هـ شيد عضد الدولة البويهي قبة ذات أروقة وضريحاً من العاج وعمر حولها بيوتاً وأحاط المدينة بسور . وعضد الدولة هذا هو الذي أمر بإعادة مشهد الحسين بن علي عليه السلام بعد ان كان الخليفة المتوكل قد أمر عام

(1) نزهة اهل الحرمين في عمارة المشهدين / للسيد حسن الصدر ص 36 و 37 .
(2) كلشن خلفاء / لمرتضى نظمي زاده ص 60 ( 1971 م) نقله إلى العربية موسى كاظم نورس .
تراث كربلاء 37

236 هـ / 850 م بهدم قبره وهدم ماحوله من المنازل وبأن يحرث ويبذر ويسقي ، وكان يزعم البعض ان رأس الحسين ( سيد الشهداء ) يوجد في رباط صغير من مدينة مرو وذلك في القرن الرابع الهجري ، ويقول المقريزي : ان رأس الحسين حمل من عسقلان إلى القاهرة ووصل إليها في عام 548 هـ / 1153 م . ويرى ابن تيمية أن هذا باطل باتفاق أهل العلم وان احداً من اهل العلم لم يقل ان رأس الحسين كان بعسقلان . وفي سنة 356 هـ توفي معز الدولة ، وبناء على وصية عماد الدولة صار عضد الدولة ابو شجاع ابن ركن الدين ملكاً على فارس وكان اميراً شهيراً قام ببناء الكثير من الأمكنة في النجف وكربلاء المشرفة (1) . وفي عام 399 هـ ـ 1009 م توفي ابو العباس الكافي الوزير بالري وكان قد اوصى قبل موته أن يدفن في مشهد الحسين فكتب ابنه إلى العلويين ان يبيعوه تربة بخمسمائة دينار فقال الشريف إذ ذاك هذا رجل التجأ إلى جوار جدي ولا آخذ لتربته ثمناً وأعطيت للرجل تربة من غير ان يدفع شيئاً ولم يصل الينا وصف لداخل مشهد الحسين بكربلا قبل وصف ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري أما ما قبل ذلك فيذكر ان القبر كان يغطى بقماش تاريز وحوله شموع مضاءة (2). وتقدمت كربلاء على عهد البويهيين الديالمة تقدماً ملموساً (3)وازدهرت ازدهاراً واسعاً وتقدمت معالمها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، فاتسعت تجارتها واخضلت زراعتها ، واينعت علومها وآدابها ، فدبت في جسمها روح الحياة والنشاط ، فتخرج منها علماء فطاحل وشعراء مجيدون ، وتفوقت في مركزها

(1) كلشن خلفاء ص 83
(2) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري / لآدم متز . نقله إلى العربية محمد عبد الهادي ابو ريدة ص 112
(3) السيد محسن الأمين بحث موسع عن تاريخ آل بويه في موسوعته ( أعيان الشيعة ) ج 14 ص 240 وذكر لنا ان اول ملوكهم ثلاثة هم عماد الدولة علي ابو الحسن وركن الدولة ابو علي الحسن ومعز الدولة ابو الحسن احمد اولاد ابي شجاع الدولة .
تراث كربلاء 38

الديني المرموق . وقد اطنب ابن الاثير في تاريخه في مآثر عضد الدولة وماتقدم به من الخدمات الجليلة نحو الحرمين الشريفين في مكة والمدينة ونحو المشهدين المقدسين في الحائر والغري . ولا تنكر اعماله العظيمة ومآثره الإسلامية الجليلة ، فقد بالغ في تشييد الأبنية حول المشهد الشريف في الحائر فجدد تعمير القبة ، وشيد الأروقة من حوله ، وبالغ في تزيينهما وتزيين الضريح بالساج والديباج وعمر البيوت والأسواق من حول الحائر وعصم مدينة كربلاء بالأسوار العالية فجعلها كحصن منيع (1) واقتفى اثره عمران بن شاهين أحد امراء البطائح فبنى المسجد والرواق الخلفي الملحق بالروضة الحسينية المعروف بأسمه . واشار اليه السيد ابن طاووس بقوله : انه هو الذي بنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفهما السلام (2) . وقد جاء في ( الكامل ) لابن الأثير في ترجمة عمران بن شاهين النص التالي : كان عمران بن شاهين في بدء حياته صياداً قطاع الطرق أغار على البطيح فاستولى عليه وذلك في أواسط القرن الرابع الهجري ، فلما استتب له الأمر بالبطيح أخذ يعيث فساداً في البقاع المجاورة له حتى استولى ذعره على أكثر الساكنين المجاورين له فشكى أمره إلى السلطان عضد الدولة بن بويه الديلمي فسار على رأس جيش عرمرم للقضاء على حصون عمران بن شاهين ودك قلاعه . فلما وصل عضد الدولة الى البطيح كان عمران بن شاهين متحصناً في قلعته فلم يتمكن السلطان البويهي من تحطيم حصونه فأمر جنده بفتح الماء على قلاعه وغرق البطيح وشد في الحصار عليه فترك عمران ابن شاهين البطيح وولى هارباً من وجه السلطان البويهي (3) . روى المجلسي (البحار) والسيد ابن طاووس في (فرحة الغري) : عندما فر عمران بن شاهين من وجه السلطان البويهي لاذ بقبر الأمام علي بن أبي طالب فرأى في المنام علي بن

(1) تاريخ كربلاء وحائر الحسين / الدكتور عبد الجواد الكليدار ص 171 ( الطبعة الثانية )
(2) فرحة الغري / للسيد ابن طاووس ص 67
(3) تاريخ الكامل / لأبي الحسن علي بن الأثير ـ المجلد 8 ص 176و 177

السابق السابق الفهرس التالي التالي