تراث كربلاء 54

لو راقبوا الله كانوا عهده حفظـوا و لـو أطاعوه كانـوا أمـره امتثلـوا
والله ما خلفـوه بعـد غيبتـه في قطع من قطعوا أو وصل من وصلـوا
سرعـان ما ضيعوه في ودايعـه أهكـذا فـي بنيـه يخلـف الرجـل ؟
أتـلك زيـنب مسلـوب مقلدهـا الله أكـبـر هـذا الـفـادح الـجـلل
كأنهـا لـم تكـن تنمى لفـاطمة أو أنـهـا غـيـر ديـن الله تنتحـل
لئن بدت و حجاب الصون منتهك عـنهـا فـإن حجـاب الله مـنسـدل
لابـرّد الله قلبي إن نسيـت لهـا قلباً تعـارض فيه الوجـد و الوجـل
حسين يـا واحدي أورثتني أبـداً حزناً مقيمـاً و وجدا ليس يـرتحـل
حسين يا واحدي أوريت في كبدي داء عضـالاً و جرحـاً ليس يندمـل
من كان خادمها جبريل كيف ترى أضحى يحكم فيهـا الفاجـر الـرذل
لو قام يصرخ بالبطحاء صارخها رأيت كيف اعوجـاج المجد يعتـدل
مهلاً أميـة إن الله مـدرك مـا أدركتمـوه فـلا تغرركـم الـمهـل
هناك يعلم من لم يدر حاصلهـا أي الفريـقين منصـور ومـنخـذل
فيه الحسين الذي لا خلق يعدلـه و فيه نـوح و مـن حنت له الإبـل
موسى و عيسى و إبراهيم قبلهما وهـل تعادل بالرضراضـة الحبـل
هذي حرائره أستارهـا هتكـوا و هـؤلاء بنيـه بـعـده قـتـلـوا

أما المسجد الكائن في القسم الشرقي من الصحن الشريف فقد قام بتجديده السيد كاظم بن السيد قاسم الرشتي المتوفي سنة 1259هـ . وفي سنة 1282 هـ أمرت والدة السلطان عبد المجيد العثماني بتشييد خزان لإرواء الماء في الجهة الجنوبية الشرقية من الصحن الشريف . وأرخ بناءه الشاعر الشيخ عباس القصاب فقال :
سلسبيل قد أتى تاريخه ( إشرب الماء ولاتنس الحسين )

1282هـ


تراث كربلاء 55

ويروى عن بعض المعمرين أنه عندما أريد حفر أسس بناية هذا الخزان وجد خلال الحفر درع عتيق وسهم وقربة ، لذا اتخذ هذا المكان خزاناً للسقاية تيمناً بقربة العباس بن علي عليه السلام . وقد هدم الخزان المذكور سنة 1363 هـ إثر توسيع الصحن الشريف . كما أنشأ المرحوم الحاج حبيب الحافظ خزاناً آخر للماء مقابل ذلك الخزان المار ذكره. وهنالك خزان ثالث لسقاية الماء عند مدخل باب القبلة أنشئ عام 1322هـ ، وقد أصبحت هذه الخزانات اليوم أثراً بعد عين .
أما القسم الشمالي من الصحن الحسيني فقد قام ببنائه الشاه سليمان الصفوي ، ويعرف الايوان الكبير الذي يتوسط ذلك القسم بإيوان ( صافي صفا ) وهو من منشآت الصفويين ، وعرف فيما بعد بإيوان ليلو ثم إيوان الوزير نسبة إلى مجدده المرحوم مرزا موسى أحد وزراء الدولة القاجارية في إيران ليكون مقبرة له ولأسرته وذلك عام 1281 هـ حيث جدد مرايا الايوان والكتيبة القرآنية التي كانت تزينه إضافة إلى الكاشي المعرق، وقد ذهبت معالمه اليوم .
وفي عام 1354 هـ أرصدت مديرية الأوقاف العامة مبلغاً من المال لتسوير أسس جدار الرواق الغربي للصحن الحسيني كما خصصت المبالغ اللازمة لدفن الجهة الغربية من الصحن ، ويرجع ذلك إلى الهمة التي بذلها المرحوم السيد عبد الحسين السيد أحمد آل طعمة مدير أوقاف كربلاء المتوفي يوم 25 صفر سنة 1354هـ، وقد بقيت أرض صحن الروضة مفروشة بالرخام الذي كان قد تبرع به السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، إلى أن تبرع السيد أحمد مصطفوي احد تجار إيران بالكمية الكافية من الرخام الايراني ذي الحجم الكبير لتجديد فرش الصحن والروضة الحسينية (1).
ومن الآثار الفنية التي كانت تزين الحائر الحسيني هي ( مئذنة العبد ) الشهيرة التي كان موقعها في الزاوية الشمالية الشرقية من الصحن الحسيني ، وقد تولى

(1) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة ج 1 ص 44
تراث كربلاء 56

بناءها في بادئ الأمر الخواجة مرجان اولجياتي ، وذلك عام 767هـ وزينها بالقاشاني ، وبنى خلفها من الجانب الشرقي من الصحن مسجداً ، وأجرى لهما من أملاكه في بغداد وكربلاء وعين التمر والرحالية وغيرها أوقافاً يصرف واردها على الجامع والمئذنة . ومما يجدر ذكره أن مرجان هذا كان والياً على بغداد من قبل السلطان اويس الجلائري عام 767هـ فشق عصا الطاعة ، مما اضطر السلطان إلى توجيه حملة من تبريز لاخضاعه ، فهرب مرجان نحو كربلاء، واستجار بالحسين عليه السلام وتولى حينذاك بناء تلك المئذنة ، وعندما علم اويس بما جرى للعبد احضره فاكرمه وعفى عنه واعاده والياً على العراق لما قام به من خدمات جليلة في الحائر الشريف ، وفي عام 982 هـ تم تعمير المئذنة بأمر من الشاه طهماسب الصفدي وترميمها ، وأرخ ذلك بكلمة ( انكشت يار ) وتعريبها باللغة العربية ( خنصر المحب ) وقال الشيخ محمد السماوي في ذلك :
ثـم بنى نجـل اويـس احمـد منـارتين فـاستنـار المشهـد
حـليتـا مـن ذهـب بتلويـن فأرخـوه ( دوستـون زريـن )
يعنون تاريخاً ( طلاهما ذهب ) ذلك للعجـم و هـذا للـعـرب (1)

وفي عام 1308 هـ أوعز البلاط العثماني بتصليح المئذنة المذكورة فأصلحت ، وفي عام 1357هـ أمر ياسين الهاشمي رئيس الوزارة العراقية ـ آنذاك ـ بهدم المئذنة نظراً للاعوجاج الذي ظهر عليها كما دلت التقارير التي استلمتها مديرية الأوقاف العامة ، فكان هدمها جبراً ، وبذلك خسر الفن المعماري أثراً تاريخياً رائعاً قل أن يجد الحائر نظيراً له (2) . وتم ذلك في عهد صالح جبر متصرف لواء كربلاء عام 1354هـ / 1355هـ وأرخ هدمها الخطيب الشاعر الشيخ عبد الكريم النايف قائلاً :

(1) مجالي اللطف بأرض الطف / الشيخ محمد السماوي ص 42
(2) تاريخ كربلاء وحائر الحسين / د. عبد الجواد الكليدار ص 240 ومدينة الحسين 1/ 34 و 35
تراث كربلاء 57

منـارة العبد بصحن الحسين بنـاؤها أرخ ( انكشت يـار )
وهدمهـا أعـلن تـاريخـه ( ماجاء إلا لجـأ الاضطرار )

1355هـ


ومن الآثار المندرسة في الحائر المقدس ( الصحن الصغير ) الذي يقع خلف مئذنة العبد ، ومنه يذهب الزائر إلى الروضة العباسية ، وقد شيد في عهد بني بويه الديالمة في القرن الرابع الهجري ، واحتوى على مئذنتين تقعان عند مدخل باب الصحن المذكور من الجهة الشمالية .
ثم شيدت تحت المئذنتين مقبرتان بأمر من نجيب باشا عام 1262هـ كما يتضح من الكتابات الموجودة في مدخليهما .وكانت إحدى المقبرتين عائدة لأسرة السيد ابراهيم القزويني صاحب الضوابط والأخرى عائدة لأسرة السيد محمد مهدي بن السيد علي الطباطبائي . ويحوي الصحن الصغير أيضاً مقبرة آل بويه الخاصة ببعض أفراد عائلتهم ، وقد اكتشفت عام 1292هـ . وكان البويهيون قد اتخذوا هذا المكان مدفناً لهم لوقوعه على طريق الزوار القاصدين إلى الروضة العباسية .
كما توجد في هذا الصحن مقبرة المرحوم السيد مهدي الصافي جد أسرة السادة آل الصافي بكربلاء ، وتقع عند مدخل الباب المعروفة باسمه، والتي تعرف اليوم بباب الشهداء .وقد نقشت على الجبهة الأمامية للباب أبيات بلقاشاني للسيد محمد هادي الصدر قاضي كربلاء آنذاك ، وهي :
أبا الشهداء حسبي فيك منجى يقيني شر عادية الزمـان
إذا ما الخطب عبس مكفهراً وجدت ببابك العالي أماني
وها أنا قد قصدتك مستجيراً لأبلغ فيك غايات الأماني
فـلا تردد يدي و أنت بحر يفيض نداه بالمنن الحسان

وكان الصحن الصغير أية في الفن المعماري وهندسة البناء ،فهو من الأبنية

تراث كربلاء 58

الأثرية التاريخية المهمة ، إلا أنه تناولته أيدي الهدم يوم 16 محرم عام 1368هـ الموافق 18/ 11/ 1948م على عهد عبد الرسول الخالصي متصرف لواء كربلاء يومذاك .
وتعلو الروضة الحسينية المقدسة كلها قبة شاهقة مطلية بالذهب الابريز ، وقد قام السلطان مراد الرابع العثماني بتعميرها وتجديدها وجصصها من الخارج وذلك سنة ثمان وأربعين والف . كما قام آغامحمد خان ( الخصي ) مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبة السامية للسنة السابعة بعد المائتين والألف الهجرية . وبهذه المناسبة نظم المرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر أبياتاً أرخ فيها هذا التذهيب فقال :
كلك صباحي ازين تاريخ اونوشت در كنبد حسين علي زيب يافت زر (1)

وقد تم تذهيب القبة على عهد السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، حيث جدد بناءها وقسماً من تذهيبها في سنة 1273 هـ كما يتضح ذلك من الكتيبة المنقوشة على الحزام الأسفل للقبة نفسها ، ويبلغ ارتفاع القبة المذكورة 15 متراً من قاعدتها إلى قمتها ، وجدد بناء القبة في سنة 1371 هـ / 1951م ورصعت بالأحجار الذهبية ، ويحيطها من الأسفل 12 شباكاً ترتفع على جنبيها مئذنتان شاهقتان مكسوتان بالذهب الخالص ، تتجلى الريازة الإسلامية فيها ، وهما على بعد 10 أمتار من جنوب القبة . ويبلغ ارتفاع كل منهما ابتداء من سطح بناء الروضة حوالي 25 متراً ، سمكها 4 أمتار ، وفي جانبي الصحن ساعتان دقاقتان كبيرتان مثبتتان على برج شاهق إحدهما فوق باب القبلة والأخرى فوق المسجد في الجهة الشرقية للصحن ، وقد نقلت إلى الجهة الغربية فوق إيوان الناصري ( باب رأس الحسين ).

(1) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء / للسيد عبد الحسين الكليدار ص 76
تراث كربلاء 59

وتمتاز الروضة الحسينية المطهرة بسعة صحنها وكثرة أواوينها الجميلة المزخرفة ، ويبلغ طول الصحن 95 متراً وعرضه 75 متراً ، وله عشرة أبواب هي : باب القبلة ، باب الرحمة وهما يقعان في الجنوب ، وباب قاضي الحاجات ، وباب الشهداء وباب الكرامة ، تقع في الشرقي الصحن . وباب السلام وباب السدرة، موقعهما في شمال الصحن. اما في الغرب فتقع باب السلطانية وباب رأس الحسين وباب الزينبية . ولكل باب من هذه الأبواب طاق معقود بالفسيفساء البديع .
ويحيط بالروضة المطهرة (65 ) إيواناً يوجد في كل إيوان حجرو زينت جدرانها من الداخل والخارج بالفسيفساء ، وقد أعدت هذه الحجرة ليتلقى طلاب العلم دروسهم ،وأعد البعض الآخر منها مقابر للسلاطين والملوك وكبار العلماء ورجال الدين وبعض الأسر المعروفة .
أما تولية سدانة الروضة الحسينية (1) المقدسة ، فقد تناولها الخلف عن السلف وتنقلت بين الأسر العلوية القديمة من آل ابراهيم المجاب الذين قطنوا الحائر الشريف في أوائل عهده وآل ابراهيم المرتضى الاصغر بن الامام الكاظم عليه السلام ، تخرج منهم ثم تعود اليهم ، كما صرح بذلك السيد جعفر الاعرجي في كتابه ( مناهل الضرب ) . وقد تسلم مقاليد الروضة الحسينية اليوم الحاج السيد عبد الصالح بن السيد عبد الحسين الكليدار بن السيد علي الكليدار بن السيد جواد الكليدار بن السيد حسن بن السيد سليمان بن السيد درويش بن السيد أحمد بن السيد يحيى آل طعمة من آل فائز الموسوي الحائري المولود في كربلاء سنة 1911 م / 1329 هـ ، وهو يدير شؤون هذه العتبة المشرفة حتى هذا اليوم على أحسن ما يرام ، حفظه الله ووفقه لما فيه الخير .

(1) انظر كتاب ( مدينة الحسين ) للسيد محمد حسن مصطفى الكليدار آل طعمة ( فصل سدانة الروضة الحسينية ) ج 1 ص 76
تراث كربلاء 60


صورة تاريخية للباب الفضي في مدخل الروضة الحسينية التقطت
في شوال سنة 1339 هـ / 1921 م

من اليمين : المرحوم السيد سلمان الوهاب آل طعمة ، المرحوم السيد حسين الوهاب ، أحد حاشية الملك ، المرحوم السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة سادن الروضة الحسينية ، المرحوم الملك فيصل الأول باللباس العربي ، عبد الله المضايفي ، المرحوم السيد محمد رضا زيني ، المرحوم السيد كاظم السيد أحمد النقيب ، المرحوم السيد محمد حسن آل طعمة رئيس خدمة الروضة الحسينية ، المرحوم السيد مصطفى الكليدار آل طعمة .

تراث كربلاء 61

تاريخ الروضة العباسية

العباس بن علي بن أبي طالب (ع) أشهر من أن يعرف ، فهو أحد أفذاذ العلويين الذين طبقت شهرتهم الآفاق . فقد خاض المعركة الدامية في حادثة الطف وصمد فيها صمود الأبطال ، وقاوم بني أمية مقاومة عنيفة ، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة فسقط صريعاً تحت مشتبك النصول على مشرعة الفرات ، حيث نهر العلقمي الذي كان يجري من الشمال إلى الجنوب ماراً بمرقد سيدنا العباس عليه السلام فاستشهد في هذا المكان من أجل أن يأتي بالماء لأخيه الحسين عليه السلام ، وأهل بيته وصحبه الأبرار . وقد أبت نفسه الكريمة أن يلتذ بجرعة من الماء وهو يتلظى عطشاً ، وقد ورد المشرعة ، إذ تذكر عطش أخيه الحسين وصبيته الأبرياء ،ومن هنا أطلق عليه لقب ساقي عطاشى كربلاء تارة وبطل العلقمي تارة أخرى وحامي الضعينة والعبد الصالح وسبع القنطرة وقمر بني هاشم والضيغم والغضنفر إلى غير ذلك من المسميات التي اتصف بها .
يقع مرقده الشريف على بعد 300 متر على وجه التقريب من الجهة الشمالية الشرقية من حائر الحسين عليه السلام . وقد قيض الله لتشييد عمارة مرقده أناساً اجذلوا بذلهم بالعطاء والسخاء المتواصل ، وتولى تشييده كل من تولى تشييد صرح الروضة الحسينية في الأدوار المتعاقبة من ملوك وأمراء ورجال إصلاح . ويروي لنا التاريخ أن الديالمة ( آل بويه ) كانوا أخلص الناس ولاء بآل البيت ،

تراث كربلاء 62

فهم أول من بادروا بتخليد ذكرى الحسين وأخيه العباس عليهم السلام في كل عام ، وخاصةعلى عهد السلطان عضد الدولة البويهي الذي إعلن التشيع ، وشيد عمارة الروضة العباسية والقبة المنورة (1).
وقد تمصرت كربلاء مجدداَ عام 372 هـ على عهد السلطان عضد الدولة بن ركن الدولة المذكور (2).
أما في عهد الصفويين فقد تقدم العمران في الروضة العباسية تقدماً محسوساً ، حيث قام الشاه طهماسب الصفوي بتزيين القبة السامية بالقاشاني سنة 1032 هـ وبنى شباكاً على الصندوق ونظم الرواق والصحن ، وبنى البهو أمام الباب الأولى للحرم وأرسل الفرش الثمينة من صنع إيران . وفي سنة 1153 هـ أهدى نادر شاه إلى الحرم المطهر تحفاً كثيرة وزين بعض تلك المباني بالقوارير . وفي سنة 1172هـ زار الحسين عليه السلام وزيره الشهم ، فجدد صندوق القبر وعمر الرواق ، وأهدى ثريا يوضع فيها الشمع لإنارة الصحن الشريف (3). وفي عام 1236 هـ أمر السلطان محمد شاه بن عباس ميرزا بن فتح علي شاه القاجاري بصنع شباك فضي لضريح العباس عليه السلام . وفي سنة 1259 هـ قد عمر بقعة حرم أبي الفضل سلطان مملكة أود في الهند وهو محمد علي شاه بن السلطان ماجد علي شاه (4) . وإلى ذلك أشار الشيخ محمد السماوي في أرجوزته بقوله :
ثـم أتى العبـاس فـي الأمـلاك فـصيـر الصـندوق في شبـاك
و زيـن القبـة بـالـكاشـانـي والبهـو في شـأن يغيظ الشـاني
و روق الـرواق والصحن نظـم واستجلب الفراش من صنع العجم

(1) تاريخ وجغرافيائي كربلاي معلى / عماد الدين حسين الأصفهاني ص 182.
(2) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة ج 2 ص 106
(3) قمر بني هاشم / السيد عبد الرزاق المقرم ص 126 و 127
(4) المصدر السابق ص 127
تراث كربلاء 63

و أطـلق الكـف بفضل وافـر لسـادن الروضـة و المجــاور
لـلاثنتـين والـثلاثيـن قـفـا ألـف فأرخـوه ( بالحسن صفا )
ثـم أتـى النـادر و استضافـا طـرائفـاً مـن غنمـه لـطافـا
و زان هاتيـك المبـاني المنشئة في الخمس والخمسين من بعد المئة
وجـدد الصنـدوق والـرواقـا و عـلـق الأسـتـار والأعلاقـا (1)

وبعد حادثة الوهابيين التي نشبت عام 1216 هـ ونهب مافي خزائن الروضتين المقدستين من الأعلاق النفيسة والذخائر الثمينة النادرة الوجود ،نهض السلطان فتح علي شاه القاجاري . وجدد مانهب من الروضتين المقدستين ، وعمر قبة العباس عليه السلام بالقاشاني ، كما أنه ذهب قبة الحسين سيد الشهداء عليه السلام وصدر الأيوان المقابل للباب الأولى للحرم من جهة القبلة وأنشأ صندوق ساج على قبر أبي الضيم أبي عبد الله وفضض الشباك المطهر (2) وأمر بصنع ضريح من الفضة الخالصة إلى مرقد العباس عليه السلام سنة 1227 هـ .
وقد بذل الحاج شكر الله بن بدل بك الأفشاري اهتماماً ملحوظاً في الروضة المطهرة العباسية ، حيث سعى في تذهيب الأيوان الكائن أمام حرم أبي الفضل العباس، وأنفق على ذلك كله وذلك بإيعاز من زين الفقهاء والمجتهدين الشيخ زين العابدين الحائرى المتوفى يوم 12 ذي القعدة سنة 1309 هـ وكتب اسمه في الجانب الغربي من جدار الأيوان على صفائح الذهب بخط ذهبي موجود إلى الآن ، وتاريخ الكتابة سنة 1309 هـ (3) .
أما الأيوان الصغير الذي يقع أمام الباب الأولى المعروف بـ ( إيوان الذهب

(1) مجالي اللطف بأرض الطف / الشيخ محمد السماوي ص 42
(2) قمر بني هاشم / السيد عبد الرزاق المقرم 127
(3) قمر بني هاشم / 172
تراث كربلاء 64

قديماً ، فقد أنشأه السلطان محمد علي شاه اللكناهوري . كما وقامت احترام الدولة كريمة فرهاد الدولة وعقيلة ناصر الدين شاه القاجاري بإطلاء الواجهة الأمامية القريبة من سهوات الباب القبلي بالذهب . وقام السيد حسن الملقب بمقتدر السلطنة باطلاء الواجهة الغربية من البهو ، ويقرأ التاريخ المثبت في الجدار الغربي لهذا البهو سنة 1319 هـ .
وقد أمر السلطان عبد الحميد العثماني بتسقيف البهو المذكور بالخشب الساج والزان في سنة 1306 هـ ، كما هو واضح من التاريخ المذكور في أعلى الباب القبلي للحرم الشريف مع بعض الأبيات من الشعر التركي (1) وفي عام 1367 هـ تبرع الثري الإيراني الحاج حسين حجار باشي برصف وفرش أرضية الروضة العباسية من بقايا الرخام الذي كان مخصصاً لقصر كلستان في إيران ، وقدرت تكاليفه بأكثر من 15 الف تومان أي مايساوي 1100 ديناراً عراقياً (2) . وتبرع الحاج أمين السلطان في سنة 1311هـ بنصب الساعة الدقاقة الموجودة حالياً في الروضة العباسية ، وأشرف على نصبها فضيلة المرحوم السيد علي القطب (3) . وكما قام المرحوم الحاج محمد صادق الشوشتري الأصفهاني بانشاء الاطراف الأربعة لصحن الروضة العباسية وذلك سنة 1304 هـ . وقام بإكساء قبة الروضة بالقاشاني سنة 1305 هـ . ويقرأ هذا التاريخ المذكور في كتيبة القبة نفسها . وفي سنة 1221 هـ بلطت مئذنتا الروضة العباسية بالقاشاني كما هو منقوش في أسفلها .

(1) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة ج 2 ص 174
(2) المصدر السابق ج 2 ص 175
(3) ترجم له السيد محسن الأمين في ( أعيان الشيعة ) المجلد 42 ص 12 فقال : ان السيد علي القطب أشهر من نار على علم في زمانه ترك مازندران (إيران ) وسكن العراق مجاوراً للعتبات المقدسة وكان متصوفاً له من المريدين كثرة ، وكان كريماً في قومه ورهطه وكان معروفاً بالقطب الهزار جريبي المازندراني الحائري تزوج من ابنة تاجر كبير في الكاظمية وبنى قصراً عظيماً في كربلاء توفى سنة 1322هـ في كربلاء .
تراث كربلاء 65

والمرجع أن المرحوم محمد حسين صدر الأعظم الأصفهاني ( الجد الأعلى لآل نظام الدولة وآل صدري في كربلاء اليوم ) هو الذي قام بإكسائها ، ولدى إجراء الإصلاحات الأخيرة للصندوق الخاتمي وجدت العبارة التالية منقوشة عليه ( ياأبا الفضل العباس ادركني سنة 1246 هـ ) وكذلك تبرع النواب( بهراء ) بتجديد سقف الضريح بالخشب الجاوه والزان . وكان المشرف على تبديله المرزا محمد باقر الراجه الحائري ، وقام بزخرفته النجار باشي اسطه اسماعيل .كما وجدت على المشبك الفولاذي المحيط بالصندوق الخاتمي العبارة التالية منقوشة عليه ( ضريح العباس سنة 1182 هـ عمل أحمد اكبر المشبك المذكور سنة 1183 ). كما يقرأ التاريخ من العبارة الأخرى المنقوشة عليه وهي ( لازال مطافاً لخيار الناس ).
أما الذي تبرع بالضريح الفضي للمرقد هو محمد شاه بن عباس مرزا القاجاري ، والمشرف على صنعه هو المرحوم الحاج عبد الهادي الاسترابادي عميد أسرة آل الاسترابادي في الكاظمية (1). وعلى ذكر قبر ابي الفضل العباس عليه السلام يحدثنا الأديب المحامي محمود العبطة فيقول : ان الشاعر التركماني هجري دده شاعر ينظم بأربع لغات التركية والفارسية والعربية والكردية ، وانه أكثر اقتداراً بالأول وان له أبياتاً كتبت بماء الذهب على قبر سيدنا العباس بن علي في كربلاء باللغة العربية وأنه يميل إلى القول بما قاله شعراء التصرف المسلمين من الرمز واللغز ووحدة أبناء البشر والمحبة والأخوة (2) . وقام المغفور له السيد مرتضى آل ضياء الدين سادن الروضة العباسية بإكساء المداخل الداخلية للروضة المطهرة داخل الرواق القبلي بالفضة . ومما يجدر ذكره أن هناك أبياتاً نقشت على مصراعي الباب الفضي الكائن في إيوان الذهب وهي للخطيب المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي وهي :

(1) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة ج 2 ص 175 و 176
(2) جريدة ( الأيام ) البغدادية الصادرة بتاريخ 13/ 1/ 1963
تراث كربلاء 66

لُـذ بـأعتاب مرقـد قـد تمنـت أن تكـون النجوم مـن حصباه
وانتشق من ثرى أبي الفضل العباس ليـس يحكى العبيـر نشر شذاه
غـاب فيـه من هـاشم أي بـدر فيـه ليـل الضلال يمحي دجاه
هو يـوم الطفوف سـاقي العطاشى فإسـق من فيض مقلتيك ثـراه
و أطـل عنـده البـكـاء فـفيـه قد أطـال الحسيـن شجواً بكاه
لايضـاهيـه ذو الجنـاحيـن لما قطعـت في شبـا الحسـام نداه
هـو باب الحسين مـاخـاب يوماً و افـداً جـاء لائـذاً بحـمـاه
قـام دون الهـدى ينـاضل عنـه و كـفـاه ذاك المقـام كـفـاه
فـاديـاً سـبـط أحمـد كـأبيـه حيـدر مـذ فدى النبـي أخـاه
جـدد( المرتضى ) لـه باب قدس مـن لجيـن يغشى العيون سناه
انـه بـاب حطـة ليـس يخشـى كـل هـول مستمسك في عراه
قـف بـه داعيـاً و فيـه توسـل فبـه المـرء يستجـاب دعـاه

كما نقشت على مصراعي الباب المؤدي للروضة الكائن في الجانب الغربي قصيدة الشاعر الكربلائي المرحوم السيد حسين العلوي المتوفى سنة 1364 هـ وهي :
فتبدى للصبـح مـذ جـددوه بعنـان السماء منه الضيـاء
( حسـن الندب بالسـدانة فيه نال فضلاً عنت له الفضلاء)
نصـر الدين عن بصيرة أمن صابـراً للذي أراد القضـاء
فعلـى قبره الملائـك طافت وإليـه قـد زارت الأنبيـاء
و غـدا بـاب قدسه للبرايـا كهف أمن به المنى والرجاء
بطل نال في الطفـوف مقاما غبـطتـه بنيلـه الشهـداء
قـد حباه اللوا حسيـن فخراً و إلـى مثله يحـق اللـواء

تراث كربلاء 67

نار موسى أم باب قدس تجلى لأبي الفضل نوره ام ذكـاء
أم غدا العلقمي طور التجلـي وبه الأرض أشرقت والسماء
مـذ حوى مرقد لشبـل علي من له الفضل ينتمي والوفاء

وقال أيضاً في تاريخ تجديدها :
قـد جـددوا بـاب حمى للمبين بنـوره أشـرق للسـالـكـيـن
مـذ تـم أرخ ( مجمـلاً قولنا باب الهدى والرشد في العالمين )

وللمرحوم الشاعر الشيخ محسن بن الشيخ محمد حسن أبو الحب أبيات في تشييد باب في الروضة المقدسة سنة 1936 م وهي :
شيدت يابن المرتضى باب علاً بهـا البرايا قد لوت رقـابها
فقـف عليهـا خاضعاً مسلمـاً ملتـثمـاً مـن أدب أعتـابها
فإنها الباب التي قد ضرب الله علـى هـام السهـا أطنـابها
ألا ترى الأملاك فيها احدقـت أضحـت على أبوابه حجابها
باب أبي الفضل سليل حيـدر من فـاق أبناء العلى انجابها (1)

وللمرحوم الشاعر الشيخ جعفر الهر أبيات في تشييد باب في الروضة العباسية أيضاً وتاريخ التشييد هو عام 1318 هـ وهي :
صحن أبي الفضل رفيع الذرى قد فاخر العرش علاً فارتفعا
فيه قبـاب للفخـار ضربـت بفخـرهـا خازنها قـد رفعا
أبـوابها أمست رجاء المرتجى ومستجـاب دعـوة لمن دعا
ألق العصا مؤرخاً ( بباب مجد أذن الله لـه أن يـرفعـا )

1318هـ

(1) ديوان أبي الحب / تحقيق المؤلف ص 42 ( 1385 هـ / 1966 م ) .
تراث كربلاء 68

وفي مخلع النعال ( الكشوانية ) المقابل لديوان سادن الروضة العباسية بيتان منقوشان في الواجهة وهما للشاعر المرحوم السيد حسين العلوي :
لذ بأعتـاب أبي الفضل الذي كأبيه المرتضى يحمي حماه
واخلع النعلين وادخل صاغراً وانتزع من قدسه طيب شذاه

ومرقد العباس عليه السلام فخم البناء ، يتخلله ضريح في وسط الحضرة الشريفة ، تكسوه الفضة الناصعة البياض ، وتحيط بجهاته الأربعة أروقة تؤدي واحدة إلى الاخرى ، وتعلو الأركان الأربعة قبة من القاشاني البديع الملون ، وتتقدمها مئذنتان مطليتان بالذهب الأبريز من القمة وبالقاشاني والفسيفساء من الأسفل ، وفيهما قال الشاعر الشيخ محمد حسين بن الشاعر الحاج جواد بدقت :
بحضـرة القدس وغـاية الأمل مئـذنة زانـت لعبـاس البطـل
فقــل لبانيهـا سعـدت فبـذا أحبطت نسـراً و يغوثـاً وهبـل
وقـل لمن يرقى بهـا مكبـراً أرخ ( فقل حي على خير العمل )

1309هـ

وتقوم ساعة دقاقة كبيرة على برج شاهق باتجاه هاتين المئذنتين عند باب القبلة ، ويحيط بالحضرة المشرفة كلها صحن واسع أصغر من صحن الحسين بقليل .
وفي عام 1375 هـ / 1955 م تم تذهيب قبة العباس عليه السلام وذلك على عهد مكي الجميل متصرف اللواء ، وبهذه المناسبة نظم الشاعر الكربلائي المعاصر السيد مرتضى الوهاب الأبيات التالية وهي من الموشح :
شع ثغر الفجر نوراً وانجلـى عن سماء الدنيا رداء الغيهب
مستطيلاً من ذكا رأد الضحى يخطف الأبصار غيلاً طفحا
وغزال الشرق مجداً سبحـا ومن الآيـات أوحى جمـلا
نشرت موجتها في المغرب

تراث كربلاء 69

بكـر الطيـر علـى أنـواره زاحفاً في الروض من أوكاره
و انتشى البلبـل مـن أزهاره و على الأغصان بالشدو علا
باغاريد الهوى والطرب
سابحا وسط حشايم عميق من خيال حالم فيه غريق
كلما يظمأ سلسال رحيق يجتني ثغر الأقاحي قبلا
فائزا منها ببنت العنب
سحر الطرف بياض السحر فخـلا للسمـع لحن الوتر
(ما لعيني عشيت بالنظر ) أطلى الكأس تجلت أم طلى
قبة صيغت بغالي النشب
خلتهـا بالتبر لمـا برقـت نار موسى جانب الطور بدت
أم سنا الشمس جلالاً سجدت أم غريض الماء يشفي الغللا
سال مشفوها بنهر سرب
أنثار الورد في الأرض انتشر فتـراءى كالـلآلي للبشـر
أم ترى أدركت الشمس القمر ام جـلال الله بالقدر جـلا
فتجلى للورى عن كثب
قبـة بالتبـر لمـا طليت شرف التبر بها مـذ حليت
فوق طود للمعـالي بنيت من له يوم وغى في كربلا
خالد رغم مرور الحقب
من بوجه الشمس فرداً غبرا وأذاق القوم موتاً احمرا
فاتحاً نحو الفرات انحـدرا عرف الماء وعنه عدلا
ذكر السبط ولما يشرب

السابق السابق الفهرس التالي التالي