تراث كربلاء 70

قبـة فـوق الثـريا ارتفعت وعلى الآفـاق بـدر أطلعت
من أبي الفضل بنور سطعت وحكى تاريخها ( صدقاً على
مرقد العباس تاج الذهب )

1375هـ

وليس من شك ان للعباس عليه السلام كرامات لاتعد ولاتحصى ، وأصبح يضرب به المثل بإيثاره ، فما من زائر يؤم قبره إلا وتراه يخشع أمام مثواه ويتضرع في طلب قضاء حاجة . ومما رواه السيد محمد بن السيد مهدي القزويني في كتابه ( كروس الانشاء ) بهذا الصدد قوله : « في سنة 1306 هـ انقطع نهر الحسينية وعاد أهل كربلاء يقاسون شحة الماء وكضة الظمأ ، فأمرت الحكومة العثمانية بحفر نهر في أراضي النقيب السيد سلمان ، فأبى النقيب ان يمكنهم فاتفق ان زرت كربلاء فطلب أهلها أن أكتب إلى النقيب ، فكتبت إليه ما يشجيه وعلى حالهم مايبكيه :
لك عصبة في كربلاء تشكو الظمأ من فيض كفـك تستمـد رواءها
وأراك ياسـاقي عطـاشى كربلاء وأبوك ساقي الحوض تمنع ماءها

فأجاز النقيب حفر النهر وانتفع أهل كربلاء منه (1).
ومنذ عام 1951 م / 1371 هـ وحتى يومنا هذا بوشرت التعميرات في الروضة العباسية : أو قد بذل السؤولون في كل الأدوار اهتماماً ملحوضاً ، فقد تم جلب الكاشي المعرق من أصفهان وتم اكساء الواجهات الأمامية للصحن بالقاشاني .
والروضة العباسية لاتقل روعة وضخامة عن الروضة الحسينية وعن بقية روضات المشاهد والعتبات المقدسة . وقد اعتاد المسلمون أن يزينوا هذا المرقد

(1) طروس الانشاء / تأليف : السيد محمد بن السيد مهدي القزويني ( مخطوط ) نسخته في مكتبة الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي في النجف .
تراث كربلاء 71

كغيره من المراقد المقدسة بالمجوهرات والحلي . وقد ساهموا في صيانتها وتطوير أبنيتها، فبلغت الروعة في الفن المعماري والزخرفة والتذهيب مبلغاً عظيماً بشكل يليق ومقام العباس العظيم في نفوس المسلمين .
هذا وتبلغ مساحة الروضة العباسية والحصن الشريف ( 4370 متراً مربعاً ) وللصحن ثمانية أبواب هي : باب الإمام الحسن ، باب الإمام الحسين ، باب الإمام صاحب الزمان ،باب الإمام موسى بن جعفر ، وهذه الأبواب موقعها في الجهة الغربية من الصحن ، باب الإمام أمير المؤمنين ، باب الإمام علي بن موسى الرضا ، ويقعان في الجهة الشرقية ، باب الرسول صلى الله عليه وأله وسلم المسماة بباب القبلة ، تقع في الجهة الجنوبية ، أما في الجهة الشمالية فتوجد باب الإمام محمد الجواد .
وتضم جوانب الصحن الشريف عدة غرف وأواوين دفن فيها العلماء والسلاطين والوزراء وكبار الشخصيات الإسلامية ، وزينت جوانب الصحن بالفسيفساء والكاشاني البديع الصنع ، ويعتبر اليوم من النفائس الأثرية .
وفي يوم 28 رجب سنة 1385 هـ احتفلت مدينة كربلاء بوصول الضريح الأثري الجديد لمرقد سيدنا العباس عليه السلام ، وهو ضريح مصنوع من الذهب الخالص والفضة ، مطعم بالميناء والأحجار الكريمة ، ويعتبر آية في الابداع .
وقد أعلمني السيد بدر الدين آل ضياء الدين سادن الروضة العباسية المطهرة ان كلفته بلغت حوالي 150 الف دينار ، وقد استعمل في صياغته 400 الف مثقال من الفضة و 8000 آلاف مثقال من الذهب ، واستغرق العمل فيه ثلاث سنوات ، وتم إنجازه في أصفهان بمساعي العلامة الكبير آية الله السيد محسن الحكيم الطباطبائي ، وكان يوم استقباله من أيام كربلاء المشهورة . كما تم استملاك قطعة مجاورة للصحن ، وشيدت مضيفاً لسيدنا العباس عليه السلام .
اما تولية سدانة الروضة العباسية (1) ، فقد كانت في السابق تابعة لسدانة الروضة

(1) راجع بشأن سدانة الروضة العباسية كتاب ( مدينة الحسين ) ج 1 ص 87 ـ 88 .
تراث كربلاء 72

الحسينية . وتسنم مقاليدها اخيراً الحاج السيد بدر الدين الكليدار نجل المرحوم السيد محمد حسن الكليدار بن المرحوم الحاج السيد مرتضى الكليدار بن السيد مصطفى الكليدار بن السيد حسين الكليدار آل ضياء الدين من آل فائز الموسوي الحائري . ومنذ عشر سنوات انتزعت منه السندانة وأوكلت إلى لجنة خاصة من خدمة الروضة العباسية بإشراف مديرية الأوقاف.

صورة تاريخية للملك فيصل الأول في الروضة العباسية

في شوال 1339 هـ / 1921 م ويبدوا إلى يمينه : حميد خان متصرف كربلاء أحد ضباط الجيش ، السيد حسين الدده ، صالح حمام مدير شرطة كربلاء ، السيد محمد حسن ضياء الدين ، السيد عبود السيد علي نصر الله ، وإلى يساره : السيد مرتضى ضياء الدين سادن الروضة العباسية ، السيد عبد الوهاب آل طعمة ورئيس بلدية كربلاء السيد حسن النقيب .

تراث كربلاء 73


الروضة العباسية في كربلاء


تراث كربلاء 74

فضل كربلاء والتربة الحسينية

تمتاز تربة هذه الأرض المقدسة عن سائر بقاع العالم بقدسيتها الدينية السامية فكم أثنى عليها الشعراء والكتاب وأشادوا بها ورفعوها إلى المكانة اللائقة والدرجات الرفيعة التي تستحقها . فهي الأرض التي قدم إليها الحسين عليه السلام وقتل بها ، فاختلطت التربة الطاهرة بدماء الحسين وأهل بيته من العلويين الأبرار وقد نعتت الأرض بأنها قبلة الاباء ومكة قبلة الصلاة ، ولذا فضلها الله سبحانه وتعالى على كافة البقاع المعمورة . فأرض كربلاء هي بحق وحقيق جديرة بالثناء والاجلال .
والتربة الحسينية هي خير شفاء للناس ، فيها الفوائد الكثيرة والمنافع العامة لكل إنسان . قال الامام الصادق عليه السلام في طين قبر الحسين شفاء من كل داء : إذا أخذته فقل باسم الله اللهم بحق هذه التربة الطاهرة وبحق البقعة الطيبة وبحق الوصي الذي تواريه وبحق جده وأبيه وأخيه والملائكة الذين يحفون به والملائكة العكوف على قبره ليلاً ينتظرون نصره صلى الله عليهم أجمعين اجعل لي فيه شفاء من كل داء ، وأماناً من كل خوف وعزاً من كل ذل ووسع علي في رزقي أوصح به جسمي (1) . وقال الامام الصادق أيضاً : إذا أكلتها فقل اللهم رب التربة

(1) راجع الكافي للكليني وانظر : من لايحضره الفقيه / للشيخ الصدوق طبع طهران ـ ص 304 .
تراث كربلاء 75

المباركة ورب الوصي الذي واريته صلى على محمد وآل محمد واجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء . وقال حريم قبر الحسين عليه السلام : خمسة فراسخ من أربع جوانب القبر .
وروى اسحاق بن عمارعن أبي عبد الله عليه السلام قال : موضع قبر الحسين منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنة (1). كثيرة هي المزايا التي تتصف بها هذه الأرض المقدسة والتربة الحسينية المشرفة ، وكثيرة هي الفوائد التي يجنى منها . ولعل رأي العالم الفاضل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء خير مصدر لتفهم حقيقة هذه التربة ، قال : وهذه التربة هي التي يسميها أبو ريحان البيروني في كتابه الجليل (الآثار الباقية) التربة المسعودة في كربلاء نعم ، وإنما يعرف طيب الشيء بطيب آثاره وكثرة منافعة وغزارة فوائده وتدل على طيب الأرض وامتيازها على غيرها ، طيب ثمارها ورواء أشجارها وقوة نبعها وريعها ، وقد امتازت تربة كربلاء من حيث المادة والمنفعة بكثرة الفواكه وتنوعها وجودتها وغزارتها حتى انها في الغالب هي التي تمون أكثر حواضر العراق وبواديه بكثير من الثمار اليانعة التي تخصها ولاتوجد في غيرها ، إذاً فليس هو صميم الحق والحق الصميم أن تكون أطيب بقعة في الأرض مرقداً وضريحاً لأكرم شخصية في الدهر . نعم لم تزل الدنيا تمخض لبلد أكرم فرد في الإنسانية واجمع ذات لأحسن مايمكن من مزايا العبقرية في الطبيعة البشرية وأسمى روح ملكوتية في اصقاع الملكوت وجوامع الجبروت فولدت نوراً واحداً شطرته نصفين سيد الأنبياء محمداً وسيد الأوصياء علياً ثم جمعتهما ثانياً فكان الحسين مجمع النورين وخلاصة الجوهرين ، كما قال صلى الله عليه واله وسلم : حسين مني وأنا من حسين ، ثم عصمت أن تلد لهم الأنداء أبد الآباد (2).
وقوله أيضاً : فإذا وقفت على بعض ما للأرض والتربة الحسينية من المزايا

(1) من لايحضره الفقيه / للشيخ الصدوق ص 304 .
(2) الأرض والتربة الحسينية / الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ص 21 .
تراث كربلاء 76

والخواص لم يبق لك عجب واستغراب إذا قيل أن الشفاء قد يحصل من التراب وان تربة الحسين عليه السلام هي تربة الشفاء كما ورد في كثير من الأخبار والآثار التي تكاد تكون متواترة كتواتر الحوادث والوقائع التي حصل الشفاء فيها لمن استشفى بها من الأرض التي عجز الأطباء عن شفائها ، أفلا يجوز أن يكون في تلك الطينة عناصر كيماوية تكون بلسماً شافياً من جملة الأسقام قاتلة للميكروبات ، وقد اتفق علماء الامامية وتضافرت الأخبار بحرمة أكل الطين إلا من تربة قبر الحسين عليه السلام بآداب خاصة وبمقدار معين وهو أن يكون أقل من حمصة وأن يكون أخذها من القبر بكيفية خاصة وأدعية معينة (1).
هذا أهم ما ورد عن فوائد تربة الحسين عليه السلام في شفاء المرضى وهي أقوال أثبتتها الدلائل العديدة .

(1) المصدر السابق ص 24 .
تراث كربلاء 77

زيارة الملوك والخلفاء والأمراء لكربلاء

لمدينة كربلاء منزلة خاصة في قلوب المسلمين وغير المسلمين ، فلا جرم وهي مدينة السبط الشهيد المضرجة بدمائه الزكية ، العبقة بأرواح شيعته القدسية ، الزاخرة بالمعالم الاسلامية ، وهي لهذا منتجع الملوك ، ومرتاد الخلفاء والأمراء ، يؤمونها زرافات ووحداناً ، تيمناً بتربتها المقدسة وزلفى لله تعالى في زيارة أضرحة الأئمة الأطهار ، وكان لهم شرف الخدمة في تقدير موقف الحسين عليه السلام وصحبه للدفاع عن العقيدة والإباء والانسانية .
إن أول من زار الحائر الشريف من السلاطين الديالمة هو عز الدولة البويهي وذلك في سنة 266 هـ ، ثم زار الحائر عضد الدولة البويهي في سنة 271 هـ وأقام فيه مدة . وقيل عند زيارته ما نصه : « كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي والحائري في شهر جمادى الاولى سنة 271 ، وورد مشهد الحائر مولانا الحسين صلوات الله عليه لبضع بقين من جمادى الاولى ، فزاره صلوات الله عليه وتصدق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم وجعل في الصندوق درهماً ، وكان عددهم ألفين ومائتين اسم ووهب العوام والمجاورين عشرة آلاف درهم وفرق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل ومن الثياب خمسمائة قطعة وأعطى الناظر عليهم ألف درهم » (1) .

(1) فرحة الغري / للسيد ابن طاووس ص 59 . وانظر : تحفة العـالم للسيد جعفـر آل بحر العلوم ج 1 ص 273 .
تراث كربلاء 78

وزار الحائر الشريف كل من الأخوين الملقبين بجالبي الحجارة الداعي الكبير حسن بن زيد العلوي ملك طبرستان وديلم فباشر هذا بتشييد الحضرة الحسينية واتخذ حولها مسجداً ولم يكن الزمن كفيلاً بإنجازه حيث توفى سنة 271 هـ وتولى بعده أخوه الملقب بالداعي الصغير محمد بن زيد العلوي الذي ملك طبرستان وديلم وخراسان فزار الحائر وأمر بتشييد قبة قبرالحسين وبنى حوله مسجداً وسور الحائر واستغرق إنجاز هذا البناء عشر سنوات حيث تم عام 283 هـ (1) . ويذكر لنا المؤرخون أن الزعيم القرمطي أبا طاهر سلمان بن أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي وكان كثير التردد على كربلاء عند غزواته للكوفة سنة 313 هـ حيث توجه إلى الحائر الحسيني فزار قبر الحسين وطاف حوله مع أتباعه وأمن أهل الحائر ولم يمسهم بأي مكروه بالرغم من أن أبا طاهر كان كثير العبث بالحجيج (2).
وزار الحائر السلطان أبو طاهر جلال الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي سنة 431 هـ ترافقه حاشية كبيرة من أهله وأتباعه ومواليه من الأتراك وبضمنهم الوزير كمال الملك أبو المعالي عبد الرحيم ، وكان في أكثر الطريق يمشي على قدميه طلباً لمزيد الأجر والثواب ، ومكث في كربلاء مدة من الزمن أجزل خلالها العطايا والنعم على سكان الحائر ، ثم قصد زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف (2).
وزار الحائر من السلاجقة السلطان أبو الفتح جلال الدولة ملك شاه بن أبي شجاع محمد ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق حيث توجه قاصداً زيارة الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء سنة 479 هـ ومعه حاشية كبيرة كان من

(1) المنتظم / لابن الجوزي ج 2 ص 60
(2) المنتظم / لابن الجوازي ج 8 ص 105
(3) المنتظم / لابن الجوازي ج 8 ص 105
تراث كربلاء 79

ضمنهم الوزير خواجة نظام الملك ، وقد أجزل السلطان لدى زيارته أكثر من ثلاثمائة دينار على سكان الحائر وأمر بعمارة سوره ثم توجه إلى النجف ، حيث زار مشهد الإمام علي عليه السلام (1) .
وفي سنة 513 هـ زار كربلاء الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد أبو الأعز الأسدي ، وكان شجاعاً أديباً شاعراً ملك الحلة بعد والده وحكمها زهاء 17 عاماً وقتل سنة 529 هـ بتحريض السلطان مسعود السلجوقي ولما قصد كربلاء دخل الحائر الحسيني باكيا حافيا متضرعا الى الله ان يمن عليه بالتوفيق وينصره على أعدائه ، ولما فرغ من مراسيم الزيارة أمر بكسر المنبر الذي كان يخطب عليه باسم الخليفة العباسي عند صلاة الجمعة قائلاً لا تقام في الحائر الحسيني صلاة الجمعة ولايخطب هنا لأحد . ثم قصد مرقد الإمام علي عليه السلام في النجف وعمل ماعمل في كربلاء (2).
وفي سنة 696 هـ قدم العراق من بلاد الجبل السلطان محمود غازان خان ماراً بالحلة فالنجف فتوجه إلى كربلاء حيث قصد زيارة الحسين بن علي عليه السلام وفي هذه المرحلة أمر بتوزيع آلاف من الخبز في اليوم للأشخاص المقيمين بجوار قبر الحسين عليه السلام . وكذلك قصد السلطان غازان خان العراق سنة 698 هو قدم إلى زيارة كربلاء والنجف وفي رحلته هذه كان قد عبر الفرات في 10 جمادى الأولى متوجهاً إلى الحلة ومكث بها ستة أيام ، وهناك أمر الخواجة شمس الدين صواب الخادم السكورجي ان يحفر نهرا من اعالي الحلة ياخذ الماء من الفرات ويدفعه إلى مرقد الحسين عليه السلام ويروي سهل كربلاء اليابس القفر ، ووهب غلاة هذا النهر إلى العلويين والفقراء الذين يأتون إلى المرقد الحسيني وعددهم كان عديداً (3).

(1) المنتظم / لابن الجوزي ج 8 ص 74
(2) المنتظم / لابن الجوزي ج 9 ص 74
(3) الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ص 497 وانظر : مجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري ص 380 و 390
تراث كربلاء 80

ويؤكد براون Broun المستشرق الإنكليزي بقوله : وفي سنة 701 هـ أو سنة 703 هـ توجه السلطان غازان إلى الحلة وانحدر منها إلى كربلاء لزيارة المشهد الحسيني وأهدى إلى المشهد هدايا سلطانية وزين الروضة بالتحف النفيسة وأمر للعلويين المقيمين فيها بأموال وفيرة (1). وقد ولد السلطان محمود فجر يوم الجمعة سنة 670 هـ وتوفي سنة 703 هـ . (2) وفي دور الدولة الأيلخانية الجلائرية التي تأسست أمارتها في العراق على عهد الشيخ حسن الجلائري المتوفى سنة 757 هـ وأعقبه في الحكم نجله السلطان أويس قام بتشييد بناية الروضة الحسينية المقدسة . وقد زار الحائر نجله السلطان أحمد بهادر خان بن أويس الذي تم على يده بناء الروضة الحسينية الماثلة للعيان اليوم.
يروي لنا بعض المؤرخين : أما السلطان أحمد فإنه عندما أيقن بعدم مقدرته على صد هذا الفاتح العظيم اضطر إلى ترك بغداد والانسحاب منها بجيشه الذي كان نحو الفي مقاتل فخرج من بغداد بعساكره ليلاً وحمل ماقدر عليه من الأموال والذخائر ونزل في سهل كربلاء فاستولى تيمور على بغداد في السنة نفسها ( سنة 795 هـ ) وفتك بأهلها فتكاً ذريعاً ثم أرسل جيوشه في اثرالسلطان أحمد فدارت بين الفريقين معركة شديدة في سهل كربلاء انهزم في آخرها السلطان أحمد إلى مصر مستجيراً بسلطانها المللك الظاهر برقوق (3).
وأول من زار الحائر من الصفويين السلطان اسماعيل الصفوي وذلك بتاريخ 25 جمادى الثانية سنة 914 هـ . ويروي المسترلونكريك في كتابه ( أربعة قرون من تاريخ العراق ) بهذا الخصوص ماهذا نصه :« فأسرع الشاه في القضاء

(1) تاريخ أدبي ايران / للمستشرق براون ج 3 ص 53 وانظر : كلشن خلفا ص 157
(2) انظر : مجلة الأقلام / الجزء 9 / السنة 4 ( 1388 هـ / 1968 م ) مقال ( كربلاء في العهد المغولي الايلخاني ) للسيد عادل عبد الصالح الكليدار .
(3) مختصر تاريخ بغداد القديم والحديث / علي ظريف الأعظمي ص 156 و 157
تراث كربلاء 81

على الحكومة الآق قويونليه التركمانية في العراق فخضعت بغداد لحكمه في أواخر سنة 1508م / 914 هـ علي يد القائد حسين بك لاله . وان دخول العراق في حوزة العرش الشيعي الجديد بالشاه مسرعاً لزيارة العتبات المقدسة إذ لم تكد تستقر جنوده في بغداد حتى قدم لزيارة الأضرحة المقدسة في كربلاء والنجف (1).
وفي سنة 941 هـ / 1534 م تم فتح العراق على يد السلطان سليمان القانوني الذي احتل بغداد في 18 جمادى الأولى سنة 941 هـ وزار مرقد الإمامين الهمامين الجوادين (ع ) في ظاهر بغداد . ثم قصد زيارة المشهدين المعظمين أمير المؤمنين وأبي عبد الله الحسين عليهما السلام واستمد من أرواحهما (2) . وكانت زيارته لكربلاء في 28 جمادي الأولى من السنة المذكورة ، وأمر بشق نهر كبير من الفرات وأوصله إلى كربلاء وجعلها كالفردوس الأمر الذي زاد في محصولاتها وأثمار أشجارها وأنعم على الخدمة والسكان . كما وأنعم على ساكني دار السلام ... (3) .
كما زار الحائر الشاه عباس الكبير حفيد الشاه اسماعيل الصفوي وذلك في سنة ( 1032 هـ / 1623 م ) . ويؤيد ذلك صاحب كتاب ( عالم آراي عباسي ) كما في قوله : « بعدما قضى الشاه عباس زيارة الحسين عليه السلام توجه عن طريق الحلة إلى النجف للثم عتبة الحرم الحيدري (4) .

(1) أربعة قرون من تاريخ العراق / للمسترلونكريك . ترجمة الأستاذ جعفر خياط ص 20 وأنظر : تاريخ العراق بين احتلالين ج 3 ص 316 والتاريخ الحديث / لوزارة المعارف ص 10 طبع بغداد 1946 م
(2) تحفة العالم / للسيد جعفر بحر العلوم ج 1 ص 265
(3) كلشن خلفا / ص 200 و 201 وانظر : تاريخ العراق بين احتلالين ج 4 ص 29 وموسوعة العتبات المقدسة / قسم كربلاء ج 1 ص 111
(4) عالم آراي عباسي / لاسكندر منشي ج 3 ص 707 وأنظر : أربعة قرون من تاريخ العراق / لونكربك ص 62
تراث كربلاء 82

وفي بداية سنة 1088 هـ توجه الوالي قبلان مصطفى باشا إلى زيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف الأشرف وذلك في شهر شعبان و أنعم على الخدم ثم عاد إلى بغداد ، وعند عودته ورد أمر عزله (1).
ثم زار الحائر السلطان حسن باشا سنة 1117 هـ / 1705 م يروي لنا ابن السويدي في كتابة ( تاريخ بغداد ) عن وصف زيارة السلطان المذكور بقوله: وفي شوال من هذه السنة رفع اللواء بالمسير إلى كربلاء لزيارة سيد الشهداء وإمام الصلحاء قرة عين أهل السنة وسيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله رضي الله عنه وإلى زيارة الليث الجسور والشجاع الغيور قاطع الأنفاس من ضال كالخناس أبي الفضل العباس فدخل كربلاء وزار أصحاب الكساء واطلعت المباخر وظهرت المفاخر فأجزل على خدامها وأجمل في فقرائها ودعا بحصول المراد وزوال الأنكاد ودعا له بما يروم وأنجح في سعيه بالقدوم وبقي يوماَ واحداً لضيق القصبة بأحزابه وأعوانه وأصحابه ثم ارتحل قاصداً أرض الغري (2) .
وممن زار كربلاء أيضاَ السلطان نادر شاه الأفشاري ، فانه توجه نحو العراق عن طريق خانقين إلى بغداد سنة 1156 هـ ومنها إلى الحلة ثم منها إلى النجف دخلها يوم الأحد في الحادي والعشرين من شوال وارتحل عنها يوم الجمعة ودخل كربلاء يوم السبت وأقام فيها خمسة أيام هو ووزراؤه وعساكر ه وأرباب دولته ومعه تديمة مرزا زكي (3) .
وزار الحائر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري حفيد فتح علي شاه وذلك في سنة 1287 هـ فقيل عن لسانه في تاريخ زيارته ( تشرفنا بالزيارة ) ، وقد دون

(1) كلشن خلفا ص 282 وانظر : تاريخ العراق بين احتلالين ج 5 ص 113 وموسوعة العتبات المقدسة / قسم كربلاء ج 1 ص 119
(2) تاريخ بغداد / لابن السويدي ص 25
(3) ماضي النجف وحاضرها / للشيخ جعفر محبوبة ج 1 ص 222 و 223.
تراث كربلاء 83

ماأسعفته الذاكرة في رحلته المطبوعة بالفارسية بأسم ( سفرنامه ناصري ) . ويقال ان معتمد الملك هو الذي كتب وصنف هذه الرحلة عن لسان السلطان المذكور . جاء في ( المنتظم الناصري ) وصف زيارته للحائر قوله : في سنة 1287 هـ في شهر رمضان في الثالث عشر منه ورد السلطان ناصر الدين شاه زائراً النجف وخرج يوم العشرين منه عائداً إلى كربلاء وأنعم على المجاورين للروضة المطهرة وقدم لأعتاب تلك الحضرة المقدسة فض الماس مكتوباً عليه سورة الملك على يد متولي الحضرة الشريفة ( انتهى ) (1). ومن جملة الإصلاحات التي أنجزت في عهده توسيع صحن الحسين من جهة الغرب وتشييد الجامع الناصري العظيم فوق الراس اضافة الى التذهيب القبة السامية كما يستدل من كتيبة القسم الأسفل من القبة ، وقد نقشت بماء الذهب . ويؤيد ما ذهبنا اليه صاحب كتاب ( تحفة العالم ) بقوله : في سنة 1276 هـ جاء الشيخ عبد الحسين الطهراني إلى كربلاء بأمر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، وجدد تذهيب القبة الحسينية وبناء الصحن الشريف وبناء الايوانات بالكاشي الملون وتوسعة الصحن من جانب فوق الرأس المطهر ، ولما فرغ من ذلك مرض في الكاظميين وتوفي سنة 1286هـ ونقل إلى كربلاء (2) .
ويروى أنه لدى وصول السلطان ناصر الدين شاه لكربلاء ، كان في استقباله داخل الحضرة الحسينية المرحوم السيد محمد علي بن السيد عبد الوهاب آل طعمة ـ رئيس بلدية كربلاء آنذاك ـ فاحتفى به وأنشده هذين البيتين بالفارسية :
قبهء سبط نبي در ارض ني (3) برتوش برقبهـا افكنـده فـي
كفتـهء شهـزادهء اقليم ري جون بنات النعش بردور جدي

(1) المنتظم الناصري / ناصر الدين شاه ج 3 ص 315
(2) تحفة العالم / مير عبد اللطيف الشوشتري ص 308 طبع الهند .
(3) مختصر كلمة ( نينوى ) وهي من أسماء كربلاء . انظر الفصل الأول من هذا الكتاب .
تراث كربلاء 84

وعند ذاك منحه السلطان المذكور وساماً فضيـاً مزينـاً بشعار الحكومة الايرانية (1) .
وممن زار الحائر الحاج حسن باشا والي بغداد ، وكانت ولايته من عام 1308 هـ ـ 1314 هـ ، إذ جاء إلى كربلاء ثم تشرف بزيارة النجف وكان قد زارها مراراً عديدة .
كما زار الحائر أيضاً السيد محمد خان اللكناهوري أحد سلاطين الهند . وذلك في سنة 1310 هـ .
وزار الحائر في سنة 1326 هـ مير فيض محمد خان تالبر امير مقاطعة خير بور السند وهو شيخ كبير ومعه عدد من وزرائه وعساكره .
وفي 19 رمضان سنة 1338 هـ زار الحائر السلطان أحمد شاه بن السلطان محمد علي شاه القاجاري ملك إيران وزينت المدينة تزييناًُ رائعاً وخرج الاشراف والأعيان لاستقباله .
وزار كربلاء الملك فيصل الأول بن شريف حسين ملك العراق وذلك في شوال سنة 1339 هـ ـ 1921 م وذلك عند توليه عرش العراق لأول مرة ، واستقبل بحفاوة بالغة من قبل أعيان البلد ووجهائه ، وزينت الشوارع والطرق بالسجاجيد الثمينة .
وزار كربلاء سنة 1342 هـ رضا شاه بهلوي رئيس وزراء إيران وقائد الجيش الايراني ، فاستقبل استقبالاً رائعاً ، ولدى عودته إلى إيران تولى العرش .
وزار الحائر الشريف الأمير عبد الله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية وذلك في يوم الأربعاء 19 جمادى الأولى سنة 1348 هـ .
وزار الحائر أيضاً عباس حلمي ملك مصر السابق في رمضان سنة 1351هـ .

(1) مذكرات السيد مجيد السيد سلمان الوهاب آل طعمة .
تراث كربلاء 85

وزار الحائر ملك العراق غازي الأول وذلك في يوم الاثنين 24 ذي الحجة سنة 1352 هـ واستقبل بحفاوة وتكريم عظيمين .
وزار الحائر السيد علي رضا خان الرامبوري وذلك في يوم الأحد في الخامس والعشرين من رجب سنة 1353 هـ عائداً من النجف .
كما جاء الحائر أيضاً السيد طاهر سيف الدين زعيم الطائفة الإسماعيلية في الهند وأفريقيا وذلك في سنة 1358 هـ .
وزار الحائر أيضاً السلطان محمد ظاهر شاه ملك الأفغان في اليوم الخامس من جمادى الآخرة سنة 1369 هـ حيث توجه إلى النجف .
وزار الحائر ملك العراق فيصل الثاني مع خاله عبد الإله في اليوم السابع عشر من شهر جمادى الثانية سنة 1369 هـ . كما زار الحائر زيارات متتالية أخرى .
وبعد إعلان ثورة الرابع عشر من تموز سنة 1958 م / 1378 هـ زار كربلاء عدد كبير من رؤساء وملوك الدول الإسلامية وما زالوا يزورون ، وذلك لقدسيتها ومكانتها العلمية .

دروس من مأساة كربلاء

تحل في شهر محرم من كل عام ذكرى حادثة أليمة عرفها التاريخ الاسلامي منذ أمد طويل ، ألا وهي فاجعة الطف التي مازال صداها يدوي في سمع الزمن .
ان مأساة كربلاء أو حادثة الحسين عليه السلام مثلت دوراً من أسمى أدوار الانسانية الفذة ، ولقنت العالم الاسلامي دروساًُ لن تنسى أبد الدهر . فمن هذه المدينة الخالدة وجه الامام الحسين عليه السلام ضربته القاضية بوجه الأمويين ، وفي هذه البقعة الشريفة خاض الشهداء معركة الحق والكرامة ، فأهرقت دماؤهم البريئة وروت أرض الطف ، فاصطبغت بدمائهم الزكية ، وبذلوا أنفسهم

تراث كربلاء 86

الكريمة من أجل العزة والسيادة ، فكانت أحسن وقع في نفس الاسلام وفي تحقيق الوحدة الاسلامية النبيلة . ومن يتصفح التاريخ الاسلامي يلمس تلك المنزلة والقداسة التي حلت بهذه المدينة المقدسة منذ مقتل أبي الضيم سيدنا الحسين بن علي عليه السلام حتى يومنا هذا .
لقد أعطى الامام الحسين لشباب العالم وشيوخ الأمم دروساً بليغة في النضال والحرية والدفاع عن شرف النفس ، فقدم نفسه وأهل بيته وأطفاله ضحايا على رمال الصحراء وقرابين على مذبح الشرف والاباء في سبيل تقويم شرعة جده ، وهكذا وقف الحسين موقفه الجبار في عرصات الطفوف غير هياب ولامكترث ، ولسان حاله يقول :
إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي ياسيوف خذيني (1)

ويوم عاشوراء من الأيام المشهودة التي تمر علينا كل عام منذ استشهاد الحسين الخالد في العاشر من محرم الحرام ، وما يزال ليعيد لنا ذكرى بطولة أبي الأحرار وموقفة الحازم من الطاغية يزيد بن معاوية ، ذلك الصراع الذي دار بين الحق والباطل ، فقد اندحر الظلم وانتصرت العدالة ، لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه .
قيل لما بلغ الحسين عليه السلام القادسية ، لقيه الحر بن يزيد الرياحي (2) فقال له : أين تريد يابن رسول الله ؟ قال : اريد هذا المصر ، فعرفه بقتل مسلم ، وما كان من خبره ، ثم قال : ارجع فإني لم أدع خلفي خيراً أرجوه لك ، فهم بالرجوع ، فقال له اخوة مسلم : والله لانرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل كلنا . فقال الحسين : لاخير في الحياة بعدكم ، ثم سار حتى لقي خيل عبيد الله بن زياد عليها

(1) من قصيدة طويلة لشاعر كربلاء وخطيبها المرحوم الشيخ محسن أبو الحب المتوفى عام 1305 هـ .
(2) الحر بن يزيد الرياحي التميمي هو الذي انضم إلى جيش الحسين ( ع) يوم العاشر من المحرم بعد أن خرج من صفوف أهل الكوفة ، ووقف بين يديه نادبا تائباً ، فأذن له الحسين ، وكان أول قتيل بين يدي ودفن على بعد 6 كيلومترات عن كربلاء وقبره يزار .
تراث كربلاء 87

عمر بن سعد بن أبي وقاص فعدل إلى كربلاء وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل ، فلما كثرت العساكر على الحسين أيقن أنه لامحيص له فقال : اللهم أحكم بيننا وبين القوم دعونا لينصرونا ثم هم يقتلونا ، فلم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه (1).
ومن يتعمق في هذه الفاجعة الرهيبة ويتصور موكب المجد السائر في طريقه نحو التضحية والشهادة ، وموقف العباس بطل العلقمي في الدفاع عن حرم الحسين ومصرعه الرهيب في كربلاء ، يستمد منها دروساً وعبراً ، فمن الشهداء من يتركوا الدينا لأنهم لم يصلحوا للبقاء فيها . ومن يخرجون من نعمائها وما دعتهم قط للدخول في تلك النعماء ، أما شهيد كربلاء فقد ترك الدنيا وهي في يديه وتركها وهي مقبلة بنعمائها عليه تركه لأنها أرادها كما ينبغي أن يرضاها ولم يقبل أن تريده هي على شرطها كما ترضيه فهو الشهيد ملء الشهادة من نبل وعظمة وإيثار (2) .
فحري بنا أن نتعظ بتلك الدروس ونتقبل تلك العبر لكي نستطيع أن نشق طريق الحياة بحرية واسعة ، ونبني مجداً ونعيد للأمة الإسلامية مكانتها المرموقة في التاريخ .
إن التشاور والتآزر ووحدة الصفوف وجمع الكلمة وضرب الحزازات والعمل في سبيل المصلحة العامة وغيرها من جلائل الأعمال الصالحة هي التي تمهد لنا السبيل لتحقيق رسالة الحسين عليه السلام وتأدية الواجب المقدس والعمل على تمجيده وتخليده .
هذا هو المغزى الصحيح لفاجعة الطف ، وهكذا يجب ان يعمل الإنسان من أجل الثورة على الظلم والطغيان .

(1) مروج الذهب / لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي ج 3 ص 70 طبع مصر .
(2) مجلة ( الألواح ) اللبنانية السنة الاولى العدد 4 ( محرم 1370 ) بحث ( يوم الحسين ) لعباس محمود العقاد .

السابق السابق الفهرس التالي التالي